مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-06-06

العلاقات الإماراتيــــة - الأمـريكـيـــة: صداقة تاريخية وتحالف استراتيجي قوي

جاءت تأكيدات الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال اتصاله الهاتفي الأول مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على أن أهمية الشراكة طويلة الأمد بين دولة الامارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، لتثبت قوة ومتانة العلاقات بين الدولتين، وتبرهن على أنها علاقات مؤسسية راسخة الجذور لا تتأثر بتغير الإدارات المتعاقبة في البيت الأبيض. وفي هذا الملف تسلط «درع الوطن» الضوء على تطورات هذه الشراكة وآفاقها وروافدها المتجددة.
 
إعداد: هيئة التحرير
في أول اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أكد الرئيس الأمريكي «أهمية الشراكة طويلة الأمد بين الولايات المتحدة ودولة الامارات» كما ورد في البيان الصادر عن البيت الأبيض بهذا الشأن، والذي أشار أيضاً إلى أن «الجانبين ناقشا التحديات الاقليمية والدولية، بما في ذلك ملف أفغانستان والأبعاد النووية والاقليمية للتهديد الذي تشكله إيران، وكذلك السعي المشترك لتهدئة التصعيد وإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط». ويشير هذا البيان بوضوح إلى قوة الروابط الاستراتيجية التي تقوم ترتكز عليها العلاقات الاماراتية ـ الأمريكية، حيث استهل الرئيس بايدن ولايته بالتأكيد على أهمية الشراكة بين البلدين على خلاف بعض التوقعات التي حاولت الترويج لمزاعم حدوث تغيير في مسار الشراكة بين البلدين. 
 
ركائز قوية للشراكة الاستراتيجية
تؤكد المؤشرات والشواهد جميعها أن العلاقات بين دولة الامارات والولايات المتحدة تشهد تطوراً مستمراً منذ قيام هذه العلاقات، ولكنها دخلت مرحلة تطور نوعية فارقة منذ الزيارة التي قام بها الرئيس جورج بوش الابن إلى دولة الامارات في عام 2008، حيث شكّلت هذه الزيارة محطة فارقة في مسار العلاقات ومنحتها قوة دفع ايجابية كبيرة، وذلك لأسباب واعتبارات عدة يمكن تناولها فيما يلي:
 
تنامي المصالح المشتركة: تتكىء العلاقات الاماراتية الأمريكية بالأساس على المصالح المشتركة، فضلاً عن تشارك القيم والمبادىء ووجهات النظر حيال قضايا وموضوعات اقليمية ودولية عديدة، فالولايات المتحدة أكدت غير مرة بشكل رسمي أن الإمارات من أكثر الاقتصادات ابتكارًا في العالم وشريك استراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يلاحظ أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد قفز بنسبة أكثر من 0 خلال العقد المنصرم، وهو تطور طبيعي لتعاون يمتد لعقود مضت؛ حيث تتفوق الامارات في حجم صادراتها للسلع المصنّعة إلى السوق الأمريكية على اقتصادات دول رئيسية عديدة، إذ يبلغ حجم هذه الصادرات 7ر12 مليار دولار، بينما تأتي المملكة العربية السعودية، التي تعد أكبر اقتصاد عربي، في المرتبة الثالثة بحجم صادرات يبلغ 12,5 مليار دولار.
 
وتظهر احصاءات رسمية أن حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2019 قد بلغ نحو 26.5 مليار دولار، مقارنة مع 27 مليار دولار في 2018، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 12.2 مليار دولار في 2009. ووفق بيانات السفارة الإماراتية في الولايات المتحدة، “فإن الإمارات باتت أكبر سوق تصدير للسلع الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأكملها”، بفضل امتلاكها بنية تحتية ولوجستية بخلاف الموقع الجغرافي، ما وضعها كأهم مراكز الالتقاء عالمياً. وتعكس هذه العلاقة التجارية القوية، نجاح اقتصاد الإمارات المتنوع بشكل متزايد، حيث تمثل القطاعات غير النفطية %70 من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة.
 
ووفق بيانات السفارة الأمريكية في واشنطن، تدعم التجارة مع الإمارات أكثر من 116 ألف وظيفة أمريكية، ما يعزز أهمية استمرار العلاقات التجارية الثنائية، ويجعل منها أهمية أمريكية استمرار بناء علاقات أكثر متانة مع أبوظبي. وتساهم الاستثمارات الإماراتية والصادرات إلى الولايات المتحدة أيضا في الاقتصاد الأمريكي؛ إذ بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الإماراتي في الولايات المتحدة 27.6 مليار دولار في عام 201، بينما بلغت استثمارات الولايات المتحدة الأمريكية في الإمارات 5.2 مليار دولار أمريكي في العام نفسه. كما تزداد العلاقات التجارية قوة مع ارتفاع الصادرات الإماراتية إلى الولايات المتحدة؛ حيث بلغ إجمالي الصادرات الإماراتية لعام 2018 إلى الولايات المتحدة 5 مليارات دولار، بزيادة .3 عن عام 2017.
 
قوة المشتركات: رغم اتساع دائرة المصالح الاقتصادية والتجارية بين دولة الامارات والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، فإن بروز مشتركات جديدة على صعد اخرى وفي مجالات تقع في قلب اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية مثل القيم والمبادىء وبالأخص نشر ثقافة التعايش والتسامح وقبول الآخر فضلاً عن مكافحة الارهاب والتطرف، اتجه الشريكان إلى إطلاق حوار استراتيجي لمناقشة مجمل هذه القضايا والموضوعات في إطار مؤسسي لضمان استمرار التعاون والتنسيق وتبادل وجهات النظر بينهما، لاسيما بعد نجاح تجربتي مركز «هداية» ثم مركز «صواب» في يوليو عام 2015، بالتعاون مع الولايات المتحدة، وهو مبادرة تفاعلية للتراسل الإلكتروني، تهدف إلى دعم جهود التحالف الدولي في حربه ضد التطرف والإرهاب؛ حيث  يعمل مركز «صواب» على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت من أجل تصويب الأفكار الخاطئة ووضعها في منظورها الصحيح، وإتاحة مجال أوسع لإسماع الأصوات المعتدلة التي غالباً ما تضيع وسط ضجيج الأفكار المغلوطة التي يروجها أصحاب الفكر المتطرف. ويتعاون المركز مع حكومات دول المنطقة والعالم بما في ذلك حكومات 63 بلداً مشاركاً في التحالف الدولي ضد التطرف، كما يعمل مع عامة الناس، والمؤسسات، والشركات والشباب من أجل دحض الكراهية والتعصب، وإبراز ونشر القيم الحقيقية لدين الإسلام، والتي تقوم على الاعتدال، وتدعو إلى التسامح والانفتاح.
 
تطور دور الامارات ومكانتها الاستراتيجية: لاشك أن توجه الولايات المتحدة لإطلاق حوار استراتيجي مع دولة الامارات، لا يعكس فقط ارتقاء مستوى الشراكة، وإنما يعكس كذلك تنامي مكانة الامارات وثقلها الاستراتيجي كلاعب فاعل ومؤثر في مختلف القضايا والأزمات والملفات الاقليمية، حيث يُلاحظ الدور الكبير الذي لعبته الامارات في التصدي للفوضى والانهيارات المتتالية التي جرفت أنظمة حكم عربية عدة في عام 2011، ومن ثم اضطلاع الامارات بدور فاعل حيوي للغاية في الحفاظ على الاستقرار ومواجهة الأزمات الداخلية في دول عربية عدة، بما يعكس قدرتها المتزايدة ودورها في تشكيل السياسات والمعادلات الاقليمية، ومن ثم بات للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية ضرورية للغاية في تقوية الروابط مع الشريك الذي بات يلعب دوراً مهماً في منطقة تقع في قلب اهتمام مخططي الاستراتيجيات الأمريكية باعتبارها ساحة صراع على النفوذ وتنافس شرس بين القوى الدولية الكبرى. وقد انعكس ذلك بوضوح من خلال اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك بين دولة الامارات والولايات المتحدة، والتي بدأ سريانها في التاسع والعشرين من مايو 2019، وتستهدف تعزيز التنسيق العسكري بين البلدين، وفق ما أفادت وكالة الأنباء الإماراتية «وام»، التي اشارت أيضاً إلى أن البلدين يتشاركان «الاهتمام العميق بضرورة تعزيز الرخاء والاستقرار في المنطقة، حيث ستعمل اتفاقية التعاون الدفاعي على تعزيز هذا الاهتمام؛ عبر توطيد التعاون الوثيق في المسائل الدفاعية والأمنية، ودعم الجهود التي تبذلها الدولتان للحفاظ على الأمن في منطقة الخليج العربي». 
 
 
 
وقد لعبت الدبلوماسية الإماراتية، على مدار عقود، دوراً محورياً في العمل على احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات على صعيد المنطقة أو خارجها، وترجمت ذلك الدور المركزي من خلال تعزيز برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية والإنمائية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للعديد من الدول النامية، خصوصاً تلك التي تشهد حالات نزاع وحروباً أو كوارث طبيعية، فضلاً عن مساهمة الإمارات الفاعلة في العديد من عمليات حفظ السلام وحماية السكان المدنيين، وإعادة الإعمار في المناطق المنكوبة بعد انتهاء الصراعات، وهو ما يجسد شراكتها المتميزة مع دول العالم، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وعملها من أجل تحقيق الأهداف النبيلة في صيانة واستقرار السلم والأمن الدوليين، ولهذا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعول دوماً على الدور الإماراتي الفاعل والبناء في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وتحرص على الاستماع لرؤيتها وتقديراتها لهذه القضايا، وكيفية التعامل معها.
 
جاذبية النموذج التنموي الاماراتي: لاشك أن أحد عوامل تقدير الولايات المتحدة لدولة الامارات يتمثل في النجاح الذي حققته التجربة التنموية في دولة الامارات، وتحولها فعلياً إلى مصدر إلهام لدول أخرى، فضلاً عن ثراء هذه التجربة بالدروس والخبرات بما يوفر لها القدرة على تقديم يد العون والمساعدة للعديد من دول المنطقة والعالم من أجل الخروج من عثراتها التنموية والتصدي لإشكاليات النمو وعقباته، وهنا تبدو للولايات المتحدة مصلحة مؤكدة في تشجيع الامارات والتعاون معها في تقديم هذه الخبرات التراكمية من أجل مساعدة الدول على التكيف مع التحولات الاقليمية والدولية المتسارعة، ولاسيما في ظل الآثار الكارثية التي تعاني منها الكثير من اقتصادات دول العالم جراء تفشي جائحة «كورونا» (كوفيد ـ19)، والتي نجحت الامارات في إدارة أزمتها بشكل مثالي بحيث اصبحت من الدول القلائل التي نجحت في تحجيم آثار هذه الأزمة واحتواء خطرها الاقتصادي والصحي والبشري، فضلاً عن الدور الانساني الحيوي الذي لعبته الامارات في تقديم العون لدول أخرى عديدة في التصدي للأزمة سواء من خلال تقديم منح ومساعدات مختلفة، أو تقديم اللقاحات والعمل بسرعة من أجل بناء قدرات ذاتية في مجال إنتاج اللقاحات بالتعاون مع جمهورية الصين من أجل الاسراع بنشر اللقاحات ومساعدة العالم في تجاوز هذه الأزمة الطاحنة.
 
الولايات المتحدة ودورها كقطب عالمي: تحرص دولة الإمارات العربیة المتحدة دائماً على توسیع وتنویع خیارات التحرك السیاسي على الساحة الدولیة، وهذا ما یتضح من تعزیز علاقاتها مع القوى الكبرى إضافة إلى القوى الإقلیمیة المؤثرة والناشئة مع الدول الآسیویة ودول إفریقیا وأمیركا اللاتینیة وغیرها؛ وتأتي الولایات المتحدة في صدارة القوى الكبرى التي تستهدف تعزیز العلاقات معها، وإقامة شراكة استراتیجیة بينهما في المجالات كافة، بالنظر لما تمثله  من أهمية  استراتيجية كبرى ، كونها تعد القوة الدولیة الأكثر تأثيراً في ديناميات النظام العالمي القائم من ناحیة، وخاصة بالنسبة لقضایا منطقة الشرق الأوسط، كما تمتلك خبرات متقدمة في العدید من المجالات، الاقتصادية والدفاعية والتكنوولوجیة والنوویة والفضاء، من ناحیة ثانیة،  وهي المجالات التي یمكن لدولة الإمارات العربیة المتحدة الاستفادة منها وهي تمضي بخطى ثابتة نحو  بناء اقتصاد تنافسي عالمي قائم على المعرفة واستكشاف الفضاء وامتلاك قدرات القوة المتطورة. ورغم كل نظريات انحسار النفوذ والثقل الأمريكي في مواجهة الصعود الصيني والنفوذ الروسي وغير ذلك، فإن الولايات المتحدى لا تزال القوة المهيمنة والأكثر تأثيراً في النظام العالمي.
 
الثقة المتبادلة: اثبتت استراتيجيات مكافحة الارهاب والتشدد، أن دولة الامارات والولايات المتحدة شريكين مثاليين في مجال مكافحة الارهاب والتطرف والتشدد، إذ كانت الإمارات الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة بالنسبة لأعداد وقوة وفاعلية الضربات الجوية التي شنها التحالف الدولي ضد الارهاب بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، كما أنّ قائمة المنظمات التي تصنفها الإمارات إرهابية هي الأطول في العالم بعد القائمة الأمريكية، مايعكس مدى جدية الامارات في مكافحة تنظيمات الارهاب والفكر المتطرف، لاسيما أنها تعمل وفق استراتيجية مدروسة لا تقتصر على الجوانب العسكرية والأمنية والاستخباراتية، بل تشمل أيضاً الصعيد الثقافي والفكري، حيث تبذل الامارات جهوداً مكثفة لنشر ثقافة التسامح والتعايش عالمياً واقليمياً بطرق وأدوات وآليات شتى.
 
الرؤية الاستراتيجية الأمريكية للإمارات
على الصعيد الرسمي، يمكن فهم تنامي العلاقات الإماراتية الأمريكية من خلال تناول مجمل نقاط الرؤية الاستراتيجية الأمريكية، حيث نصت ورقة صدرت عن وزارة الخارجية الأمريكية في عام 2020 على أن الشراكة بين الولايات المتحدة والإمارات تنمو في العمق والنطاق، وذكرت الورقة أن «العلاقة بين الولايات المتحدّة والإمارات تتميز بعمقها المتزايد. وقد تمّ التأكيد على هذا التغيير من خلال إطلاق الحوار الاستراتيجي التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول، ومن خلال المشاركة في معرض إكسبو 2020 دبي العالمي والشراكات الأمنية والاقتصادية الجديدة المرتبطة بإعلان اتفاقيات إبراهيم التاريخية للسلام».
 
وأضافت الورقة «تعمل شراكتنا على تعزيز الأولويات الرئيسية بما في ذلك مكافحة النشاط الخبيث وحلّ المشاكل الإقليمية ومكافحة التطرف»، وأكدت أن «الإمارات لا تزال واحدة من أكبر شركاء التصدير التجاريين لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تجاوز إجمالي التجارة الثنائية 24 مليار دولار العام الماضي. واستثمرت الإمارات 26.7 مليار دولار في الولايات المتحدة في عام 2018»، ولفتت إلى أن “الإمارات انضمت إلى الولايات المتحدة و6 دول أخرى في توقيع اتفاقيات أرتميس بهدف توسيع الأنشطة البشرية لتشمل القمر والمريخ».
 
وأشارت إلى أن “الولايات المتحدة والإمارات ستواصل العمل في المبادرات التي تركّز على حقوق النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والعاملين، تحت رعاية حوار حقوق الإنسان»، وتابعت: “نسعى إلى العمل معًا لتعزيز احترام حقوق الإنسان وتوسيع الجهود المشتركة لتحسين سيادة القانون ومكافحة الاتجار بالبشر”، موضحة أن “البلدين يقدران حماية الحريات الدينية”، واستطردت: “تتميز الشراكة بين الولايات المتحدة والإمارات في مجال إنفاذ القانون وأمن الحدود بتعاوننا وقدرتنا الموسعة لمكافحة النشاط الإجرامي وحماية الحدود، وفي نفس الوقت تسهيل السفر»، وحول التعاون في مكافحة الإرهاب، أوضحت أن “الإمارات عضو في التحالف العالمي لهزيمة داعش وتدعم مكافحة التطرف العنيف من خلال مركزي الصواب والهداية”، مشيرة إلى أن “البلدين يتعاونان في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، وأكدت أن “الشراكات الثقافية والأكاديمية بين الولايات المتحدة والإمارات تعزّز الروابط بين الشعبين في مجالات التعليم والإعلام والفنون والمؤسسات البرلمانية.
 
وقد تناولت هذه الورقة بوضوح أسانيد وركائز الشراكة القوية بين الامارات والولايات المتحدة، ووصفتها بأنها “متجذرة وقائمة على أسس واضحة ومتينة مستندة إلى المصالح والقيم المشتركة، عمل الطرفان على تطويرها على مدار عقود خلت، إضافة إلى سعيهما من أجل تعزيز الأمن الإقليمي، وتحقيق الازدهار الاقتصادي، ومواجهة التحديات في مختلف أرجاء العالم». 
 
مأسسة الشراكة الاستراتيجية
 من أجل ضمان استمرار التطور في مسيرة الشراكة بين البلدين، أن يتفقا على بناء قنوات وأطر رسمية تعمل على توفير مقومات التطور وقنواته، فمنذ قيام العلاقات الثنائية عقب تأسيس دولة الاتحاد على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ كانت الولايات المتحدة ثالث دولة في العالم تقيم علاقات دبلوماسية مع الامارات، وهذا الأمر له دلالته القوية العميقة، سواء من حيث قناعة الإدارة الأمريكية آنذاك بقوة الركائز التي تقوم عليها الدولة الوليدة، أو امتلاكها مقومات التطور والنماء بحيث تلعب دوراً مؤثراً في محيطها الاقليمي والدولي، وهو ماحدث بالفعل حيث شهد السنوات والعقود الماضية تطوراً واضحاً في العلاقات الثنائية على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، إذ قدمت دولة الامارات الدعم للولايات المتحدة خلال عملية «عاصفة الصحراء» لتحرير دولة الكويت الشقيقة في عام 1991،  كما تزايدت العلاقات العسكرية ابتداء من تسعينيات القرن الماضي، حيث برزت دولة الامارات كواحدة من الأسواق الواعدة لاستيراد المعدات الدفاعية الأمريكية، لاسيما بعد تنامي دور الامارات في حفظ الأمن والاستقرار الاقليمي والعالمي، وتحديداً بعد المشاركة في قوة «كي فور» الدولية لحفظ السلام في كوسوفو، والتي تشكّلت بموجب تفويض أممي لحلف الأطلسي بقيادة هذه القوة التي كانت الامارات الدولة العربية الوحيدة فيها، وكانت إحدى قصص نجاح القوات المسلحة الاماراتية في تقديم يد العون والمساعدة ودعم الاستقرار وحفظ السلام في مناطق الصراعات بالعالم.
 
وقد مثّل عام 2000 محطة نوعية فارقة في مسار الشراكة الاماراتية الأمريكية، حيث شهد توقيع عقد شراء 80 مقاتلة من طراز «إف 16» الأمريكية، حيث كان هذا العقد وقتذاك بمنزلة تحول كبير في مسار العلاقات سواء بالنظر إلى أبعاده ودلالاته الخاصة بالثقة بين الشريكين، أو بانعكاساته على صعيد تطوير القدرات العملياتية للقوات المسلحة الإماراتية بما يعكس تطور القوة الشاملة للدولة. وفي ظل هذا التطور التدريجي للعلاقات، جاء اطلاق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في عام 2002، ليؤكد المضي قدماً على صعيد تطوير التعاون وهو ماحدث بالفعل بعد ذلك، حيث شهد عام 2005 انشاء اللجنة العسكرية المشتركة التي ركزت على الجهود المشتركة لمكافحة الارهاب، والارتباط بين الارهاب ومكافحة المخدرات وجهود مكافحة أسلحة الدمار الشامل، ثم جاء العام التالي ليشهد انشاء اللجنة المشتركة لتنسيق مكافحة تمويل الإرهاب، وتهدف لمعالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتشمل مهربي الأموال والجمعيات الخيرية ومشاركتها في تمويل الإرهاب.
 
ثم شهد عام 2008 دفعة قوية أخرى للشراكة بموافقة الكونجرس على طلب الامارات شراء معدات دفاعية تزيد قيمتها عن 15 مليار دولار، تشمل نظام الدفاع الصاروخي الأكثر تطوراً في العالم، لتصبح الإمارات هي الدولة الوحيدة، بعد الولايات المتحدة، التي تنشر هذه التكنولوجيا. وفي عام 2009، أصبحت الامارات أول دولة في الخليج العربي توقع اتفاقية مع الولايات المتحدة للتعاون في تطوير برنامج للطاقة النووية المدنية. واستمرت خطوات التعاون والتفاهم والشراكة بعد ذلك حتى توجت بإطلاق الحوار الاستراتيجي في العشرين من أكتوبر الماضي،  والذي ترأسه من جانب الامارات سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومن جانب الولايات المتحدة مايكل بومبيو وزير الخارجية السابق، حيث أكد الجانبان في بيان رسمي أن هذا الحوار بمنزلة دليل على الجهود المبذولة من الامارات والولايات المتحدة بغرض تعزيز الاستقرار والتعاون الاقليمي كشريكين في السلام، وذلك من خلال “إجراء مناقشة مفتوحة وقوية وعميقة من شأنها أن تعزز التعاون وتعمق العلاقات الثنائية»، ويشمل الحوار الاستراتيجي عدداً من المجالات الرئيسية، من التنسيق السياسي والتعاون الدفاعي إلى التبادل الاقتصادي والثقافي، بهدف تعزيز المصالح السياسية المتبادلة، وحل القضايا الإقليمية، وتعزيز التسامح، ومكافحة التطرف.
 
كما أعلنا أنه تقديراً للشراكة الأمنية بين البلدين، فإن هذا الحوار يهدف إلى “تأكيد أهمية التنسيق الدفاعي بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة لردع التهديدات العسكرية من خلال التخطيط المشترك والتدريب والتمارين والتشغيل البيني للمعدات، كما أنه من المتوقع أن يمكن تعميق وتوسيع العلاقات الدفاعية والاستخباراتية دولة الإمارات من مواصلة تطوير قدراتها الأمنية ومواصلة الولايات المتحدة لعب دور نشط في الجهود الأمنية الإقليمية”، كما أعلنا أن الحوار الاستراتيجي يعزز أيضا التعاون في مجال إنفاذ القانون وأمن الحدود لمكافحة النشاط الإجرامي، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات لمكافحة التطرف وتعزيز الشراكات المتعددة الأطراف التي تعزز الأمن الدولي، وأكدا أن الحوار الاستراتيجي يهدف كذلك إلى دعم الازدهار المتبادل من خلال التجارة والاستثمارات المفتوحة والمتزايدة في القطاعات الحيوية، بما في ذلك الطب وعلوم الحياة والطاقة والزراعة والأمن الغذائي وفي القطاع اللوجستي والطيران والذكاء الاصطناعي. وعلى الصعيد الثقافي، يهدف الحوار الاستراتيجي إلى تعزيز الروابط بين الشعبين الإماراتي - الأمريكي في مجالات التعليم والإعلام والفنون والحوار الديني والمؤسسات السياسية من خلال التبادلات المشتركة، وسيتم تعزيز التعاون المهم عبر هذه القطاعات بشكل أكبر، كما سيتم تسليط الضوء عليها من خلال مشاركة الولايات المتحدة في معرض إكسبو دبي، وهو أول إكسبو دولي يقام في منطقة الشرق الأوسط.
 
كما يهدف الحوار الاستراتيجي أيضاً إلى إلى توسيع نطاق التعاون في مجال الأنشطة الفضائية المدنية والتجارية وتوفير فرص للتعاون في قطاع الفضاء. وقد أعرب الجانبان في البيان المشترك عن رغبتهما في السعي إلى أن يتضمن الحوار الاستراتيجي جهودا لتعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة في مجال حقوق الإنسان من خلال تبادل أفضل الممارسات والعمل المشترك لمكافحة الاتجار بالبشر، ومواجهة الكراهية الدينية والتعصب العرقي، وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
 
ومن المهم الاشارة هنا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو قد أشار إلى أن الشراكة بين البلدين تشمل مجالات “السياسة والدفاع وأمن الحدود وإنفاذ القانون والاستخبارات ومحاربة الإرهاب وحقوق الإنسان والاقتصاد والثقافة والشراكة الأكاديمية والفضائية”، وقال في بداية انعقاد أول حوار استراتيجي بين البلدين: «عملنا جنباً إلى جنب من أجل تحقيق السلام بالكثير من الدول بالشرق الأوسط.. والإمارات مستثمر كبير في أمريكا، وأنتم المصدر رقم واحد للصادرات الأمريكية، ونثمن تعايشكم وحقوق الأقليات الدينية لديكم والعديد من الإنجازات والقيم لديكم، ونأمل في أن ينتشر هذا الزخم بالدول الأخرى». ها، كما قالت المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية، مورغان أورتاغوس، في حديث خاص لـ”سكاي نيوز عربية” إنّ الحوار الإستراتيجي مع الإمارات بالغ الأهمية، وما كان يمكن للولايات المتحدة مكافحة الإرهاب في المنطقة من دون التعاون مع الإمارات “التي تعدُّ رائدة في صنع السلام في منطقة الشرق الأوسط”.
 
آفاق العلاقات الثنائية في عهد إدارة الرئيس بايدن
يؤكد تحليل مسيرة العلاقات الاماراتية ـ الأمريكية منذ قيامها على أن هذه العلاقات قد تطورات تدريجياً وفقاً لما تمليه المصالح المشتركة ورؤى البلدين ووجهات نظرهما حيال الموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، بمعنى أن هناك أسس وركائز قوية للعلاقات التي تطورات بشكل مقنع، ولم تشهد انعطافات أو انحسارات حادة طيلة مسيرتها، وبالتالي يصعب القول بأن هناك احتمالية ـ ولو ضئيلة ـ لأن تشهد هذه العلاقات أي تغيرات سلبية بالنظر إلى كم الرافعات الاستراتيجية القوية التي تستند عليها، ولذا فإن كافة التوقعات والتخمينات التي رافقت وصول الرئيس بايدن إلى السلطة في البيت الأبيض في يناير الماضي كانت تنطلق من معطيات غير دقيقة، وتقع في التباسات تحليلية عديدة جراء عد الالمام الدقيق بالروابط الاستراتيجية القوية التي تجمع الامارات بالولايات المتحدة، إذ لا يمكن ـ على سبيل المثال ـ أن يعلن الرئيس بايدن الخطوط العريضة لسياسة خارجية قائمة على استعادة دور ومكانة الولايات المتحدة عالمياً من خلال التعاون والتشاور الوثيق من جميع حلفاء واشنطن التقليديين، ولا يفهم من ذلك أن لدولة الامارات دور جوهري في تنفيذ هذه السياسات، لما لها من دور مؤثر في صنع الأمن والاستقرار وإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الصعيد العالمي، ولاسيما بعد أن وقعت اتفاق اقامة علاقات رسمية مع اسرائيل، في تجسيد لدور الامارات التي تفكر دائماً خارج الصندوق وتميل إلى الحلول غير التقليدية للأزمات، خصوصاً تلك التي فشلت فيها كل السبل والحيل والمحاولات، وأبرزها بطبيعة الحال الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والذي بات يتطلب مقاربات غير تقليدية تسهم في بلورة صيغ مبتكرة لتسوية هذا الصراع المعقد. ولاشك أن الخطوة الاماراتية التاريخية باقامة علاقات رسمية مع إسرائيل ستدعم أي خطوات تتخذها إدارة الرئيس بايدن لتحقيق اختراق نوعي في هذه القضية.
 
ولكل ماسبق، فإن دولة الامارات تدرك منذ بداية ولاية الرئيس بايدن أن العلاقات بين الشريكين ستمضي في طريقها، وهذا مايفسر تأكيدات معالي يوسف العتيبة سفير دولة الامارات لدى الولايات المتحدة حين أعرب في بداية فبراير الماضي عن ثقته في أن صفقة بيع طائرات «إف ـ35» الأمريكية لبلاده ستستمر بعد مراجعة إدارة الرئيس بايدن لبعض مبيعات الأسلحة، التي عٌلقت مؤقتاً لدول حليفة، وقال «سوف تسير الأمور حسب الترتيبات»، وقال «أنا واثق بأن الأمر سينتهي بطريقة مناسبة»، وهذا ما يؤكد قوة العلاقات المؤسسية التي لا ترتهن لوجود رئيس جمهوري أو ديمقراطي في البيت الأبيض، بقدر ما ترتبط بحجم المصالح الاستراتيجية المتنامية بين البلدين، لاسيما أن الولايات المتحدة نفسها دولة مؤسسات عظمى، لا تمضي الأمور فيها وفق اعتبارات شخصية، وهذا ماتأكد قبل مراجعة إدارة الرئيس بايدن التي انته بالفعل بالموافقة على الصفقة، حين رفض مجلس الشيوخ الأمريكي في ديسمبر الماضي مساع تهدف إلى إفشال الصفقة، التي قال معارضون لها إنها أبرمت بسرعة من دون تأكيدات كافية بأن المعدات لن تقع في الأيدي الخطأ أو تغذي عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وهي مزاعم لا يمكن أن تنطبق على دولة الامارات التي تحرص على إعلاء مبدأ سيادة الدول في منطقة الشرق الاوسط وتتصدر الدول والقوى الاقليمية والدولية التي تتصدى لنفوذ الميلشيات والتنظيمات والجماعات العابرة للدول والتي لعبت دوراً كبيراً في نشر الفوضى والاضطرابات وتوسيع نطاق الأزمات في المنطقة.
 
وهنا لابد من الاشارة إلى تصريح مهم أدلى به معالي يوسف العتيبة في نفس السياق قال فيه «إن كنت تعتزم أن يكون وجودك ومشاركتك في الشرق الأوسط أقل، فلا يمكنك في ذات الوقت أن تنتزع أدوات من شركائك الذي يٌتوقع منهم أن يفعلوا هم الكثير»، حيث يبدو في هذا التصريح القوي للغاية عمق إدراك ممثل الدبلوماسية الاماراتية في واشنطن لديناميات التغيير في السياسة الخارجية الأمريكية وكيف يتعامل معها ويقيم قنوات التواصل بين هذه السياسات من ناحية، وأهداف الشراكة الاستراتيجية القائمة بين بلاده والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية.
 
ورغم «روتينية» المراجعة التي أجرتها إدارة الرئيس بايدن لصفقات الأسلحة المزمع بيعها لحلفاء الولايات المتحدة ومن بينهم دولة الامارات، فإن انهاء الجدل بسرعة في صفقة بيع «إف ـ35» للإمارات، والاعلان عن المضي فيها، يؤكد حرص إدارة الرئيس بايدن على إعلاء قيمة الشراكة الاستراتيجية مع الامارات، فضلاً عن نجاح الدبلوماسية الاماراتية في تعزيز قنوات التواصل مع الإدارة الجديدة، فالامارات بالأخير حليف استراتيجي مهم للولايات المتحدة، وداعم رئيسي لأهدافها الحيوية لاسيما في مجال مكافحة الارهاب والتطرف، الذي يعتبر أحد الركائز المشتركة الجوهرية في تحالف البلدين.
 
الخاتمة
تؤكد الشواهد جميعها أن الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين دولة الامارات والولايات المتحدة تمضي في طريقها المرسوم بما يحقق مصالح وأهداف البلدين، لاسيما أنها تستند إلى ركائز وآليات وقنوات مؤسسية تسهم جدياً في تطوير هذه الشراكة وتعزيزها بما يتماشي مع القواسم المشتركة العديدة التي تجمع الحليفين التقليديين.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره