مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-05-01

العلاقات الاماراتية ـ المصرية: نموذج للشراكة والأخوة الداعمة للأمن والاستقرار الاقليمي

الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي البلدين الشقيقين توفر الأساس الأهم للتطور والاستمرارية
 
اثبتت الشراكة والعلاقات الأخوية المتنامية بين الامارات ومصر ثباتها وقدرتها على التطور والاستمرارية ومراكمة النجاحات التي تضيف عمقاً نوعياً لهذه العلاقات، وتسهم في بناء إطار مؤسسي يسهم في توفير قوة دفع متجددة لهذه العلاقات التي تحولت إلى نموذج يحتذى به في العلاقات الدولية بشكل عام والعربية منها بشكل خاص، كونها تتحدى دائماً توقعات المتربصين والحالمين بامكانية تراجعها أو تعرضها لأزمات، كون هذه العلاقات باتت أحد أهم حوائط الصد التي تواجه مؤامرات ومخططات الإضرار بالمنطقة العربية. ولاشك أن الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي البلدين تعد الركيزة الأساسية الأهم التي توفر قوة دفع هائلة تغذي هذه العلاقات وتوفر لها أسباب وعوامل المنعة وتحصّنها في مواجهة أنواء التآمر ومخططات قوى الشر. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على تطورات العلاقة بين القاهرة وأبوظبي خلال الآونة الأخيرة.
 
تواصل العلاقات الاماراتية ـ المصرية تطورها في إطار حرص قيادتي البلدين الشقيقين، على التعاون والتشاور والحوار المستمر، بما يضمن تنسيق المواقف والجهود في مجمل القضايا الاقليمية والدولية التي تهم البلدين. وفي هذا الإطار شارك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في القمة الثلاثية التي عقدت بمدينة «شرم الشيخ» المصرية خلال شهر مارس الماضي، وحضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت،  حيث أعلنت الرئاسة المصرية أن المحادثات تناولت ملفات الطاقة والأمن الغذائي في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية. واكتسبت هذه القمة أهميتها بالنظر إلى كونها اللقاء الأول من نوعه بين الدول الثلاث، كما شارك سموه في قمة العقبة التي حضرها أيضاً كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. كما التقى سموه أخيه الرئيس السيسي في مدينة شرم الشيخ، ووخلال محادثات ثنائية، ناقش الجانبان «القضايا والملفات محل الاهتمام المشترك، وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية»، فضلاً عن مناقشة «الأوضاع في المنطقة العربية، وأهمية تعزيز التضامن العربي في مواجهة التحديات المشتركة»، بحسب الرئاسة المصرية.
 
وفي إطار هذه التحركات النشطة التي تتدارس مجمل الأوضاع الاقليمية والدولية في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية، اعتبر الكثير من المراقبين القمة الاماراتية ـ المصرية ـ الاسرائيلية، وكذلك القمة العربية الرباعية في العقبة، بمنزلة إعادة اصطفاف وتموضع استراتيجي مهم في ظروف دولية تضفي على هذه اللقاءات أهمية استثنائية، كونها قد انعقدت في توقيت يشهد العالم فيه ازمة دولية كبرى منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما يرتبط بذلك من نقاشات حول تشكّل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، كما تقترب المنطقة من تطور آخر مهم يتمثل في احتمالية التوصل إلى تفاهمات نهائية بشأن إحياء الاتفاق النووي الموقع بين إيران ومجموعة «5+1»، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب بشكل منفرد منذ عام 2018. وفوق ماسبق تبدو هذه القمم استثنائية في أبعادها ودلالاتها بالنظر إلى كون بعضها كان اللقاء الأول من نوعه بين مصر والامارات واسرائيل. وفيما يلي أبرز النقاط على صعيد تطور العلاقات الاماراتية ـ المصرية:
 
مؤشرات دالة: رغم أن مستوى التعاون والتقارب والتفاهم الذي يميز العلاقات المتنامية بين دولة الامارات ومصر يبدو واضحاً لأي مراقب متخصص، فإن الاحصاءات الرقمية تعكس بقوة استثنائية العلاقات وحرص قيادتي البلدين على تطويرها، حيث التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة وأخيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ منتصف عام 2014 حتى لقائهما في مارس الماضي نحو 28 مرة. كما تشير الاحصاءات كذلك إلى أن صاحب السمو الشيخ ولي عهد أبوظبي هو القائد العربي الوحيد الذي حضر افتتاح وتدشين القواعد العسكرية المصرية الجديدة، بداية من مشاركته في افتتاح قاعدة «محمد نجيب العسكرية» في يوليو 2017، مروراً بمشاركته في افتتاح قاعدة «برنيس» على البحر الأحمر في يناير 2020، وحتى حضوره افتتاح قاعدة «3 يوليو» البحرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط في الثالث من يوليو عام 2021، وهو مايعكس قوة وخصوصية العلاقات المصرية الإماراتية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
 
وهناك محطات بارزة لهذا التواصل واللقاءات المستمرة منها اللقاء الذي انعقد في الخامس والعشرين من مارس 2022 في العقبة بجنوب المملكة الأردنية، والذي جمع بين الملك عبد الله الثانى بن الحسين، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق، وتناول اللقاء مناقشة سبل تعزيز علاقات التعاون المشترك بين الدول الأربع في جميع المجالات، خاصة التجارية والاقتصادية، فضلاً عن تبادل وجهات النظر والرؤى حول مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي خاصة ما يتعلق بمواجهة تداعيات وآثار الظروف العالمية الحالية على قطاعات الأمن الغذائي والطاقة، والتجارة، وذلك على النحو الذى يحافظ على الاستقرار الإقليمي وأمن المنطقة. وقبلها بأيام، وتحديداً في الحادي والعشرين من مارس 2022، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبو ظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بزيارة لمصر، حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسى بمدينة شرم الشيخ، وشهد اللقاء التباحث حول أطر وآفاق التعاون المشترك بين مصر والإمارات، حيث تم الإعراب عن الارتياح لمستوى التعاون والتنسيق القائم بين الدولتين، مع تأكيد أهمية دعمه وتعزيزه لصالح البلدين والشعبين الشقيقين، خاصةً في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، بالاستغلال الأمثل لجميع الفرص المتاحة لتعزيز التكامل بينهما.  كما تناولت المباحثات عدداً من أبرز الملفات المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، وقد عكست المناقشات تفاهماً متبادلاً بين الجانبين إزاء سبل التعامل مع تلك الملفات. وتم التوافق في هذا السياق على تعظيم التعاون والتنسيق المصري الإماراتي لتطوير منظومة العمل العربي المشترك، بما يساعد على حماية الأمن القومي العربي وتعزيز القدرات العربية على التصدي للتحديات التي تواجه المنطقة والتهديدات المتزايدة للأمن الإقليمي، حيث شدد الرئيس في هذا الإطار على التزام مصر بموقفها الثابت تجاه أمن الخليج ورفض أية ممارسات تسعى إلى زعزعة استقراره. وهناك أيضاً الزيارة الدالة التي قام الرئيس عبد الفتاح السيسي للإمارات في السادس والعشرين من يناير عام 2022، حيث استقبله سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
 
وكانت زيارة مهمة للغاية في توقيتها حيث جاءت عقب تعرض منشآت مدنية بدولة الامارات لهجوم ارهابي شنته جماعة الحوثي وتصدت له الدفاعات الأرضية الاماراتية بكفاءة عالية. وجاءت الزيارة للتأكيد على تضامن ودعم ومساندة مصر للشقيقة الامارات في مواجهة التحديات والتهديدات. وتم التباحث حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية، فضلًا عن التشاور إزاء مستجدات القضايا ذات الاهتمام المشترك على الساحة الإقليمية، خاصةً ليبيا واليمن حيث تم التوافق على أن مسارات الحلول السياسية هي الأساس لحل تلك القضايا .أكد الرئيس السيسى في هذا الخصوص، ثوابت الموقف المصري تجاه تسوية الأزمات الإقليمية، والتي ترتكز بالأساس على تقويض التدخلات الخارجية ومحاربة العنف والجماعات المتطرفة والإرهابية والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، وذلك بهدف استعادة الأمن والاستقرار في الدول التي تعاني من تلك الأزمات، والحيلولة دون تهديدها للأمن الإقليمي. كما أكد الرئيس السيسى في هذا الإطار أن التكاتف ووحدة الصف العربي واتساق المواقف يعتبر من أقوى السبل الفعالة لدرء المخاطر الخارجية عن الوطن العربي ككل .
 
 
بينما أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تطابق موقف بلاده مع الجهود المصرية لتسوية مختلف النزاعات في المنطقة، مشدداً على تلاحم الأمن القومي المشترك لكلا البلدين، وأن مصر ستظل دائماً الشريك المحوري للإمارات بالمنطقة . وأكد الجانبان مواصلة العمل معاً من أجل التصدي للتدخلات الإقليمية ومحاولات بث الفرقة والتقسيم بين دول المنطقة، والتعاون لمواجهة المخاطر والتحديات التي تتعرض لها المنطقة العربية، وعلى رأسها الإرهاب والدول الداعمة له، وأكد الرئيس  السيسي في هذا الإطار ما يشكله أمن دول الخليج من امتداد للأمن القومي المصري، مؤكداً عدم السماح بالمساس به والتصدي بفعالية لما تتعرض له من تهديدات، ورفض أية ممارسات تسعى إلى زعزعة استقرارها .  كما شارك الرئيس السيسي في قمة رباعية استضافها قصر الوطن بأبوظبي خلال شهر يناير 2022، مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، والملك حمد بن عيسى ملك مملكة البحرين، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم .دبي، رعاه الله، حيث تم التباحث بشأن تطورات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المتبادل، وسبل تعزيز التنسيق والتعاون بين الأشقاء لدفع آليات العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الراهنة التي تواجه المنطقة.
 
قوة الروابط والمصالح التجارية والاستثمارية: تعد المصالح والروابط التجارية والاستثمارية أحد أبرز ركائز قوة العلاقات بين الدول بشكل عام، ويكتسب هذا البعد وضعاً خاصاً في حالة العلاقات بين الامارات ومصر نظراً لارتباط المصالح الاقتصادية والتجارية بالشق الشعبي الذي يعود على الشعبين بالمنافع المتبادلة، وهنا تتجلى قوة النموذج الأخوي في علاقات البلدين الشقيقين، حيث العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والإمارات تعد نموذجاً يحتذي به في العلاقات العربية والإقليمية، إذ يعد السوق الإمارتى الوجهة الأولي للصادرات المصرية ويستقبل سنوياً نحو من إجمالي صادرات مصر للعالم، كما تساهم الإمارات في السوق المصري بمشروعات تزيد استثماراتها عن 7 مليار دولار، وأكثر من 7 مليار دولار استثمارات إضافية من خلال مذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين لتعميق التعاون المشترك لتحتل الإمارات بذلك المرتبة الأولى عالمياً في قائمة الدول المستثمرة في السوق المصري. وقد شهدت تلك العلاقات تقارباً وتعاوناً ودعماً واستثماراً بعد ثورة الثلاثين من يونيو 2013 ضد حكم تنظيم الإخوان الارهابي؛ فالإمارات كانت على رأس الدول العربية التي أيدت الموقف الشعبي المصري، وبادرت بدعم مصر في إطار حزمة مساعدات خليجية ، في 21 أبريل 2016 أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بتقديم مبلغ 4 مليارات دولار دعماً لمصر، ملياران منها توجه للاستثمار في عدد من المجالات التنموية في مصر، وملياران وديعة في البنك المركزي المصري لدعم الاحتياطي النقدي المصرى .
كما قدمت الإمارات حزمًا من المساعدات العينية والمادية والعديد من الاستثمارات المباشرة، فى إطار من علاقات التعاون الوثيق بين الدولتين تبلورت فى شكل عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات التى تجاوز عددها نحو العشرين اتفاقية. ويعتبر صندوق أبوظبى للتنمية من أهم شركاء التنمية فى مصر فضلًا عن تأسيس منصة استثمارية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار عبر شركة أبوظبى التنموية القابضة وصندوق مصر السيادى.  وتعد دولة الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لمصر على المستوى العربي، فيما تعد مصر خامس أكبر شريك تجاري عربي لدولة الإمارات في التجارة غير النفطية وتستحوذ على %7 من إجمالي تجارتها غير النفطية مع الدول العربية.
 
كما تعد دولة الإمارات أكبر مستثمر في مصر على الصعيد العالمي، برصيد استثمارات تراكمي يزيد عن 55 مليار درهم، وتعمل أكثر من 1250 شركة إماراتية في مصر في مشاريع واستثمارات تشمل مختلف قطاعات الجملة والتجزئة، والنقل والتخزين والخدمات اللوجستية، والقطاع المالي وأنشطة التأمين، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعقارات والبناء، والسياحة، والزراعة والأمن الغذائي. وفي المقابل، تستثمر الشركات المصرية بأكثر من 4 مليارات درهم في الأسواق الإماراتية، وتشمل مشاريعها كذلك القطاع العقاري والمالي والإنشاءات وتجارة الجملة والتجزئة.
وقد سجل حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات ومصر خلال النصف الأول من عام 2021 نحو 13.3 مليار درهم، مقارنةً بنحو 12.5 مليار درهم خلال الفترة ذاتها من عام 2020، بنمو وصل إلى %7، فيما سجلت حركة التجارة بين البلدين خلال عام 2020 نحو 26 مليار درهم مقابل 22.1 مليار درهم خلال عام 2019، وبنمو أكثر من على الرغم من تداعيات تفشي جائحة كوفيد- 19على أنشطة التجارة إقليمياً وعالمياً. وتحتل الإمارات المرتبة الأولى من بين دول العالم المستثمرة في مصر بإجمالي رصيد استثمار تراكمي يصل إلى 55.2 مليار درهم (15 مليار دولار)، حيث نمت الاستثمارات الإماراتية في مصر مؤخرًا بنحو 300%، بدخول مشاريع عملاقة إماراتية في قطاعات تجارة التجزئة والطاقة والعقارات والبنية التحتية واللوجستيات والصناعات. ويزيد عدد الشركات الإماراتية في مصر حاليًا على 1165 شركة في مجالات مختلفة منها العقارات، والسياحة، والترفيه، والبترول، والطاقة، والأغذية، والزراعة وتكنولوجيا المعلومات. 
 
كما تقدر تحويلات المصريين العاملين بالإمارات بنحو 3.4 مليار دولار خلال العام المالي 2019-2020 مقابل 3.1 مليار دولار خلال العام المالي 2018-2019 بنسبة ارتفاع قدرها 9.5. وتعكس الصفقات المالية التي تنفذها مؤسسات اماراتية في السوق المحلي المصري حرص الامارات على الاستثمار في استقرار مصر ودعم اقتصادها الوطني، حيث يعكس توقيت هذه الصفقات دور الامارات القوي في دعم العملة الوطنية المصرية ومواصلة هذه السياسة التي بدأت في أعقاب ثورة الشعب المصري ضد حكم تنظيم الإخوان الارهابي في الثلاثين من يونيو عام 2013، حيث وقفت الامارات، ولا تزال، إلى جانب الشقيقة الكبرى مصر لاستعادة هويتها الوطنية والقومية، وهو الموقف الذي يمثل امتداداً للعلاقة التاريخية الخاصة التي تجمع شعبين البلدين، والتي أرساها، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويدعمها بقوة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ويحرص على متابعة تنفيذها ويتمسك بها بقوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
 
 
تنوع قاعدة التعاون والمصالح المشتركة: رغم أن التركيز الاعلامي في العلاقات الاماراتية المصرية يجري على الشقين السياسي والاقتصادي، فإن عمق هذه العلاقات ورسوخها يرتبط أساساً بتنوعها وتعدد روافدها بما يؤدي إلى اتساع قاعدة الارتكاز على تتكىء عليها العلاقات والمصالح المشتركة للبلدين الشقيقين. وفي ذلك يمكن الاشارة إلى تعدد ركائز العلاقات وتعدد روافدها ومصادرها، فهناك تقارب وصلات قوية وثيقة على المستوى الاجتماعي والشعبي والانساني، وأخرى على الصعيد الثقافي والرياضي، وثالثة على الصعيد العسكري، حيث يمكن الحديث عن تعاون واسع النطاق في المجال العسكري بين الامارات ومصر، حيث تشارك قوات البلدين البحرية والجوية والبرية، بشكل مستمر وممنهج، بشكل يناسب قوة الشراكة والتعاون، في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة أبرزها فعاليات التمرين العسكري المشترك «زايد 3» (أحدث دورات هذا التدريب)، ومشاركة القوات الإماراتية في فعاليات التدريب المشترك «سيف العرب»، بمشاركة كلاً من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة الأردنية الهاشمية، ومملكة البحرين وجمهورية السودان الديمقراطية، كما نفذت القوات المسلحة الإماراتية والمصرية التدريب العسكري المشترك «صقور الليل» في نوفمبر 2019، وفي 25 يوليو 2018 انطلقت فعاليات التدريب البحري المشترك «استجابة النسر 2018» الذي أجرته وحدات من القوات الخاصة البحرية لكل من مصر، والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات واستمر لعدة أيام بنطاق المياه الإقليمية بالبحر الأحمر وشاركت به كل من المملكة الأردنية، وباكستان وكوريا الجنوبية بصفة مراقب، وقبلها في أبريل من العام ذاته جرت فعاليات التدريب البحري المصري الإماراتي المشترك «خليفة 3»، كما يشارك البلدين في مناورات دولية أخرى مثل التدريب البحرى الجوى المشترك (ميدوزا - 11)  والذى تم تنظيمه باليونان وذلك بمشاركة عناصر من القوات المسلحة المصرية واليونانية ‏والقبرصية والإماراتية فضلاً عن مشاركة الاردن بصفة مراقب، كما شارك الجانبين في التدريب البحرى المشترك «تحية النسر 2016»، الذي نفذته عناصر من القوات البحرية المصرية والأمريكية والإماراتية، لعدة أيام بنطاق المياه الإقليمية بالبحر الأحمر، فى إطار الخطط السنوية للتدريبات المشتركة بين القوات المسلحة المصرية ونظائرها من الدول الشقيقة والصديقة.‏ ولا ينعكس التوافق في الرؤى بين الإمارات ومصر تجاه مختلف القضايا والتحديات الإقليمية والدولية، في التمارين المشتركة بين البلدين فحسب، بل تعدى ذلك للمشاركة في مناورات الدول الكبرى، وبينها الولايات المتحدة الأمريكية في تدريبات ومناورات “تحية النسر” وكذلك “النجم الساطع” وعربياً في “درع العرب”.  وبجانب ماسبق، تتعدد التدريبات والمناورات المشتركة بين البلدين، حسب ما تفيد التقارير والبيانات الرسمية.
 
ويجسد التعاون العسكري قناعة مصر الراسخة التي تتردد دائماً في تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمسؤولين العسكريين والسياسيين والبيانات والمواقف الرسمية المصرية، وتنطلق من أن أمن مصر القومي مرتبط بأمن منطقة الخليج العربي عامة وبدولة الإمارات خاصة. وقد أسهمت المناورات والتدريبات المشتركة بين البلدين برًا وبحرًا وجوًا من قوة التعاون العسكرى بين البلدين. ففي ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة، شرعت الدولتان في إجراء شراكات متواصلة في مجال التعاون العسكري، بمشاركة الجيشين في تدريبات عسكرية مشتركة، وتعزيز قدرات القوات المسلحة لمواجهة التحديات المختلفة، وعكست مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في افتتاح قاعدتي «محمد نجيب العسكرية» (شمال مصر) في يوليه 2017 التي تعد أكبر قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وقاعدة «برنيس» في يناير 2020، عمق علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وقوة العلاقات الدفاعية والعسكرية بينهما. ولعل أهم مؤشرات التعاون العسكري بين الدولتين التدريبات المشتركة، خاصة التدريبات البحرية في البحرين المتوسط والأحمر، بهدف حماية المياه الإقليمية والمصالح الاقتصادية في ظل التوتر الذي يسيطر على المنطقة العربية وتهديدات أمن الملاحة واحتجاز السفن، والتدريبات الجوية والبرية للقوات الخاصة في البلدين والتي تأتي في إطار مكافحة الإرهاب، وسعي التنظيمات الارهابية الموالية للخارج للتأثير سلباً في الأمن الاقليمي وتهديد الأمن البحري واستهداف حركة النقل والملاحة في المياه الاقليمية العربية سواء في باب المندب أو بحر العرب.
 
كما يتجلى التعاون العسكري المتنامي كذلك في لقاءات قيادات الدفاع في البلدين الشقيقين، حيث تتعدد لقاءات معالي محمد بن أحمد البواردى وزير الدولة لشئون الدفاع مع الفريق أول  محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى المصري، في مناسبات وفعاليات دورية مختلفة، فضلاً عن الزيارات المتبادلة للوفود العسكرية، الاماراتية والمصرية، حيث يجري ذلك في إطار حرص دائم على مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية وسبل دعم وتعزيز علاقات التعاون العسكرى وتبادل الخبرات العسكرية بين القوات المسلحة لكلا البلدين. ويلاحظ أن قوة العلاقات السياسية والأخوية تنعكس في المجالات كافة، ومنها المجال العسكري، حيث يجري التنسيق والتعاون بين الصناعات الدفاعية الوطنية الإماراتية والمصرية للاستفادة من الخبرات المتراكمة والشراكات المتنوعة التي يمتلكها الجانبين، وزارة الإنتاج الحربي ومجلس الإمارات للشركات الدفاعية. وبجانب ماسبق هناك ترابط قوي بين البلدين في مجالات أخرى منها الرياضية، حيث حرصت الإمارات على استضافة مباريات السوبر المصري لعدة سنوات خلال الأعوام الخمس الأخيرة، وتنظيم أقوى المباريات بين الأهلي والزمالك سواء في ستاد هزاع بن زايد، أو ستاد محمد بن زايد، وكذلك استضافة السوبر الذي جمع بين الأهلي والمصري البورسعيدي. كما استضافت مصر في المقابل 3 بطولات سوبر (الوحدة مع الجزيرة)، و(العين مع الوحدة)، و(الأهلي مع الجزيرة)، وتجلت في هذه المناسبات عمق العلاقات الرياضية بين الدولتين الشقيقتين.
 
وقد شهدت العلاقة بين الدولتين الشقيقتين، محطة مهمة أخرى يتجلى فيها الجانب الإنساني، وهي ماراثون زايد الخيري، والذي يقام كل عام بإحدى المحافظات في مصر، والذي تخصص عوائده للمشروعات الخيرية في مصر، وأقيم من قبل 3 مرات في محافظة القاهرة، ومرة في محافظة الإسماعيلية، وأخرى في مدينة الأقصر  والسادسة كانت في محافظة السويس في 27/12/2019.   وهناك أيضاً على الصعيد الثقافي علاقات قوية مميزة بين الامارات ومصر، وفي هذا الإطار يتم سنويًا تنظيم العديد من الفاعليات والأنشطة الثقافية المصرية بدولة الإمارات سواء على صعيد الفرق الفنية أو المشاركة في معارض الكتب، فضلاً عن تبادل الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين في المجال الثقافي. وتعبيرا عن التقدير للدور الإماراتي الداعم لقطاع الثقافة في مصر قدم الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مايو 2015 قلادة الجمهورية، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ، التي منحت له بموجب قرار جمهوري صادر في 29 ديسمبر 2013، وذلك تقديرا لمواقفه الداعمة لقطاع الثقافة في مصر وحرصه على إنشاء دار جديدة للوثائق القومية بمنطقة الفسطاط.وعلى صعيد التعاون والبحث العلمي بين الجامعات والمراكز العلمية، توجد اتفاقيات للتعاون بين جامعة الإمارات وبعض الجامعات الحكومية المصرية وجامعة الأزهر، كما تم التوقيع على بروتوكول للتعاون بين مركز بحوث الصحراء المصري والمركز الدولي للزراعة الملحية والصحراوية بدولة الإمارات بهدف التعاون في مجال تطوير وإدارة الموارد المائية الطبيعية وكذلك إجراء الدارسات وتنفيذ المشروعات التنموية في مجالات الزراعة الصحراوية.
 
وفي إطار الروابط التعليمية والدينية والثقافية، يحظى الأزهر الشريف بتقدير المسئولين والمواطنين الإماراتيين باعتباره مرجعًا دينيًّا معتدلًا، إضافة إلى وجود تعاون بين الأزهر وجامعته ووزارتي الأوقاف في كلا البلدين لإصدار الكتب الدينية والمطبوعات للأزهر الشريف بدعم من الجانب الإماراتي. ويتولى فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئاسة مجلس حكماء المسلمين ومقره أبوظبي والذي يضم نخبة في من علماء العالم الاسلامي، ويقوم بدور عالمي رائد في نشر التسامح والاعتدال ومواجهة الفكر المتطرف. وتعزيزًا للعلاقة الأخوية المميزة بين القيادتين والشعبين الشقيقين في كل من الامارات ومصر، قام الأزهر الشريف بافتتاح فرع جامعة الأزهر في الإمارات، والذي يٌعد أول فرع للجامعة في العالم خارج مصر.
 
وقد بدأت الجامعة عملها في مدينة العين، في العام الدراسي 2016، بثلاثة تخصصات هي: الدعوة والإعلام، والتربية الإسلامية، والدراسات الإسلامية باللغات الأجنبية، على أن تشهد توسعًا مستقبليًا حسب احتياجات المجتمع الإماراتي وسوق العمل. كما قامت مؤسسة زايد للأعمال الخيرية بإقامة مركز ثقافي إسلامي في مصر تحت اسم “مركـز زايد للثقافـة والتكنولوجيـا” تابـع لجامعة الأزهر الشريف، بخلاف موافقة المؤسسة أيضًا على ترميم عدد من المعاهد الأزهرية، إضافة إلى قيام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ بتمويل مشروع إنشاء مكتبة للأزهر الشريف يتم بثها على الإنترنت، وترميم وحفظ المخطوطات الإسلامية القديمة الموجودة بجامعة الأزهر، إلى جانب قيام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة بتقديم الدعم لعدد من المشروعات البحثية والعلمية في مصر، منها: مبنى دار الوثائق المصرية والمركز العلمي ومكتبة كلية الزراعة بجامعة القاهرة.
 
الخلاصة
تقدم العلاقات الاماراتية المصرية نموذجاً ملهماً في العلاقات العربية ـ العربية، سواء من حيث تنوع أسس هذه العلاقات او تنوع روافدها وروافعها الاستراتيجية التي توفر لها القدرة على الاستمرار والتطور بما يعود بالنفع على البلدين والشعبين الشقيقين، ويعزز هذا كله التفاهم العميق الذي يجمع بين قيادتي البلدين، والذي يوفر أساساً قوياً للتغلب على أي تحديات تواجه هذا النموذج المتطور من العلاقات بين الأشقاء العرب.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره