مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-08-01

المجلس الوطني الاتحادي وتجربة التمكين السيـاسي في الإمارات

يعبر المجلس الوطني الاتحادي منذ نشأته، والتطورات التي مر بها منذ تأسيسه وحتى الوقت الراهن، عن تجربة نوعية فريدة في التنمية السياسية، فقد تميزت مسيرة المشاركة والعمل البرلماني بالوعي السياسي كونها نابعة من ظروف واحتياجات دولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي يعكس حجم الإنجاز الذي تحقق على صعيد ممارسة المجلس لصلاحياته واختصاصاته، هذا فضلاً عن العلاقة المتميزة التي تربط المجلس الوطني الاتحادي بالسلطات الاتحادية الأخرى، والتي ظهرت إيجاباً في فاعلية عمل مختلف الأجهزة التنفيذية وشجعت الاستثمار في مجالات التنمية البشرية وتطوير آليات المشاركة السياسية والعمل التطوعي والاجتماعي. 
 
وفي هذا العدد تفتح مجلة "درع الوطن" ملف هذه المؤسسة التشريعية الحيوية، للتعرف على أبعاد دورها وعلاقتها بمنظومة الحكم ومؤسساته في دولة الإمارات العربية المتحدة.
 
إعداد: التحرير
 
واكب إنشاء المجلس الوطني الاتحادي في فبراير من العام 1972 تطور مؤسسات الدولة الاتحادية، وانبثق من مبادئ الشورى التي وجدت جذورها الأولى في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة وقيمها، حيث ترسخت مفاهيم الشورى والحوار في نفوس الجميع، واتخذها القادة منهجاً لهم في قيادة العمل الوطني، مما مكن المجلس أن يكون إحدى دعائم البناء الأساسية من خلال إطلاق الطاقات الخلاقة لأبناء وبنات الإمارات وتحقيق التنمية الشاملة لجميع فئات المجتمع، وتطوير التشريعات والقوانين التي تعزز فاعلية عمل مختلف مؤسسات الدولة، ليؤكد المجلس أن إنشاءه جاء ليواكب مسيرة البناء والتنمية، مترجمًا بذلك رؤية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» الذي صاغ بحكمته وبعد نظره أولويات الدولة الاتحادية.
 
وتحرص القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» على أن يكون المجلس الوطني الاتحادي إحدى الدعائم الأساسية للتجربة الإماراتية في مرحلة التمكين، وأن يحافظ على مصالح الوطن في مستوياتها ودوائرها كافة، وأن يكون دعامة رئيسية لديمقراطية توحد المواطنين ولا تفرقهم. وستشكل انتخابات المجلس الوطني الاتحادي المقبلة التي ستقام في أكتوبر 2015، وبما تتضمنه من إجراءات وآليات جديدة، إضافة نوعية لمسيرة التجربة البرلمانية الإماراتية، التي أصبحت نموذجاً في التطور السياسي المحسوب والآمن، لأنها توازن بين الخصوصية الثقافية والمجتمعية للدولة من ناحية، والانفتاح على التجارب الدولية والاستفادة منها من ناحية ثانية.
 
المجلس الوطني الاتحادي .. النشأة والأهداف
لقد حرص المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، منذ تسلمه زمام القيادة في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، على أن تأخذ الدولة مكانتها المرموقة بين الأمم من خلال بناء جميع مؤسساتها تعزيزاً لمسيرة الاتحاد، وترسيخاً لشعور الوحدة والانتماء لوطن واحد يتفانى أبناؤه في خدمته لتبقى مكانته الراسخة بين الشعوب. 
 
لقد آمن الشيخ زايد بأن بناء الدولة لا يتحقق إلا بمشاركة المواطنين في صنع القرار، فتم إعلان الدستور المؤقت للدولة الذي نص في مادته (45) على أن المجلس الوطني الاتحادي هو السلطة الاتحادية الرابعة من حيث الترتيب في سلم السلطات الاتحادية الخمس المنصوص عليها في الدستور، وهي: «المجلس الأعلى للاتحاد، رئيس الاتحاد ونائبه، مجلس وزراء الاتحاد، المجلس الوطني الاتحادي، القضاء الاتحادي».
 
وكان للدعم اللا محدود الذي أولاه المغفور له الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات المؤسسون رحمهم الله، لأعمال المجلس، وحرصهم على عقد أولى جلساته بعد فترة وجيزة من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة الأثر الكبير في تمكين المجلس من أن يكون إحدى الدعائم الأساسية للتجربة الاتحادية الإماراتية في المشاركة والتنمية، فضلاً عن حرصهم على حضور افتتاح الفصول التشريعية المتعاقبة منذ أول جلسة للمجلس في 13 فبراير 1972، لدعم أركان الاتحاد وتقويته وتحقيق المكاسب الفريدة للشعب، ورفع اسم دولة الإمارات شامخاً عالياً عربياً ودولياً.
 
وقد ترك اهتمام الشيخ زايد، بحضور جلسات المجلس والمشاركة فيها، أثراً عميقاً في نفوس الأعضاء ، حيث أن المشاركة بحد ذاتها تعبر عن ثقته بالدور الإيجابي الذي يلعبه المجلس الوطني الاتحادي في المشاركة في التنمية وتنفيذ رؤيته رحمه الله، في بناء دولة الاتحاد، وتوفير حياة ملؤها الرخاء للمواطنين، وتمثيل الشعب والأخذ بيده نحو حياة العزة والرفاهية والكرامة.
 
وشكل خطاب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»،  في افتتاح أول فصل تشريعي محطة بارزة في مسيرة عمل المجلس الوطني الاتحادي، وفي طبيعة الدور والمهام والنشاط الذي سيقوم به لتحقيق المشاركة الأساسية في عملية التنمية. فقد خاطب المغفور له أعضاء المجلس بقوله: «إخواني الأعضاء المحترمين في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة التي يجتمع فيها مجلسكم الموقر، فإن جماهير الشعب على هذه الأرض الطيبة المؤمنة بربها وبوطنها وبتراثها تتطلع إليكم واثقة من أنكم بعون الله ستشاركون في تحقيق آمالها في العزة والمنعة والتقدم والرفاهية». 
 
وحدد الشيخ زايد في الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي الأول للمجلس الوطني الاتحادي مهام المجلس ودوره، بقوله «إن جماهير الشعب في كل موقع تشارك في صنع الحياة على تراب هذه الأرض الطيبة، وتتطلع إلى مجلسكم الموقر لتحقق ما تصبو إليه من مشاركتكم في بناء مستقبل باهر ومشرق وزاهر لنا وللأجيال الصاعدة من أبنائنا وأحفادنا، وإن مجلسكم الموقر قادر على أن يؤدي دوراً هاماً في تحقيق آمال الشعب الكبرى نحو بناء مجتمع الكرامة والرفاهية».
 
ويتشكل المجلس الوطني الاتحادي من أربعين عضواً تتوزع مقاعدهم على الإمارات بواقع ثمانية مقاعد لكل من إمارتي أبوظبي ودبي وستة مقاعد لكل من إمارتي الشارقة ورأس الخيمة، وأربعة مقاعد لكل من إمارات عجمان وأم القيوين والفجيرة.
 
ويتم اختيار نصف أعضاء المجلس عبر الانتخاب، وتعيين النصف الآخر وفق مرسوم اتحادي يصدره صاحب السمو رئيس الدولة بتشكيل المجلس، وتكون مدة العضوية في المجلس أربع سنوات ميلادية تبدأ من تاريخ أول اجتماع له، ويطلق على هذه المدة الفصل التشريعي، بينما يطلق على كل سنة تقع ضمن السنوات الأربع دور انعقاد عادي، يبدأ في الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر من كل عام ويستمر لمدة لا تقل عن سبعة أشهر. وتتم دعوة المجلس للانعقاد وفض الدورة بموجب مرسوم يصدره رئيس الدولة، ويعقد المجلس جلساته في أبوظبي، ولا يعقد المجلس جلساته ولا تكون مداولاته صحيحة إلا بحضور أغلبية أعضائه (21) عضواً على الأقل.
 
وتتكون أجهزة المجلس الوطني الاتحادي من هيئة المكتب التي تنتخب في بداية كل فصل تشريعي وتتألف من رئيس المجلس ونائبين اثنين ومراقبين حيث ينتخبهما المجلس بالسرية وبالأغلبية المطلقة لمدة فصل تشريعي كامل فيما عدا المراقبين الذين يتم انتخابهما في مستهل كل دور انعقاد جديد أو يستبقهما كما تتكون أجهزة المجلس من اللجنة التنفيذية للشعبة البرلمانية.
 
وتعاون المجلس الوطني الاتحادي في أداء مهامه عشر لجان دائمة متخصصة هي: لجنة الشؤون الداخلية والدفاع ولجنة الشؤون المالية والاقتصادية والصناعية ولجنة الشؤون التشريعية والقانونية ولجنة شؤون التربية والتعليم والشباب والإعلام والثقافة ولجنة الشؤون الصحية والعمل والشؤون الاجتماعية ولجنة الشؤون الخارجية والتخطيط والبترول والثروة المعدنية والزراعة والثروة السمكية ولجنة الشؤون الإسلامية والأوقاف والمرافق العامة ولجنة فحص الطعون والشكاوى ولجنة حقوق الإنسان ولجنة رؤساء اللجان إضافة إلى إمكانية أن يشكل المجلس لجانا أخرى دائمة أو مؤقتة بحسب حاجة العمل. 
 
والأمانة العامة جهاز دستوري رئيسي في المجلس الوطني الاتحادي حيث أكد عليها الدستور في المادة «85» بأن يكون للمجلس أمانة عامة يرأسها أمين عام وتحدد اللائحة الداخلية اختصاصاته. ويعين أمين عام المجلس بقرار من رئيس الاتحاد بناءً على ترشيح من رئيس المجلس بعد موافقة هيئة المكتب، ويختص الأمين العام بالإشراف على شؤون الأمانة وموظفيها وتكون له في هذا الشأن الصلاحيات التي تقررها القوانين واللوائح لوكيل الوزارة في شؤون وزارته. والأمانة العامة للمجلس هي الجهاز الفني والإداري للمجلس حيث تختص بتقديم الدعم الفني من الأوراق والدراسات والبحوث البرلمانية المتعلقة باختصاصات المجلس التشريعية والرقابية والسياسية بالإضافة إلى الدعم الإداري والمالي والإعلامي وخدمات المعلومات الإلكترونية.
 
وللمجلس اختصاصات رقابية وتشريعية وسياسية على النحو التالي:
1-الاختصاص التشريعي: ويتضمن مناقشة وإقرار التعديلات الدستورية من مناقشة مشروعات القوانين والموافقة عليها أو تعديلها أو رفضها ومناقشة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي يحيلها رئيس الدول ومناقشة وإبداء الملاحظات على ميزانية الدولة، وحساباتها الختامية.
 
2- الاختصاص الرقابي: ويتعلق بطرح موضوع عام يتعلق بشؤون الاتحاد واستيضاح سياسة الحكومة في شأنه وتبادل الرأي وإصدار التوصيات اللازمة في شأن هذا الموضوع العام. ويحق لأي عضو توجيه أسئلة إلى مجلس الوزراء والوزراء للاستفسار عن الأمور التي تدخل في اختصاصاتهم بما في ذلك الاستفهام عن أمر يجهله العضو والتحقق من حصول واقعة وصل علمها إليه ومتابعة شكاوى المواطنين ولرئيس المجلس أن يطلب من رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء المختصين تقديم إيضاحات وبيانات حول هذه الشكاوى.
 
3- الاختصاص السياسي : ويتمثل في التعبير عن وجهة نظر الدولة ومصالح الدولة العليا في المحافل البرلمانية الإقليمية والدولية مثل الاتحادات البرلمانية والزيارات واللقاءات البرلمانية والمؤتمرات البرلمانية المتخصصة ولجان الصداقة. ويمارس المجلس دوره السياسي من خلال شعبته البرلمانية في الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية مثل الاجتماع الدوري لرؤساء مجالس دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد البرلماني العربي والبرلمان العربي واتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والاتحاد البرلماني الدولي بالإضافة إلى الفعاليات البرلمانية الأخرى وللشعبة البرلمانية التي تتكون من مجموع أعضاء المجلس لجنة تنفيذية وتعد هذه اللجنة بمثابة هيئة المتابعة لأعمال الدبلوماسية البرلمانية وتتوزع الشعبة البرلمانية على مجموعات عمل للمشاركة في مؤتمرات الاتحادات البرلمانية الإقليمية والدولية وكذلك الحال في لجان الصداقة.
 
4- وإضافة إلى هذه الاختصاصات، فإن المجلس الوطني الاتحادي يقوم بدور رئيسي وفاعل في التعبير عن مطالب واحتياجات المواطنين، إذ أن المتابع لأداء المجلس الوطني الاتحادي على مدى أكثر من أربعة عقود يلحظ اهتماما وتركيزاً متميزاً على الشأن الوطني، يتناول القطاعات كافة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والاستفادة المدروسة من الدبلوماسية البرلمانية للمجلس في حمل قضايا الوطن وطرحها والدفاع عنها وحشد الرأي لها في الفعاليات البرلمانية العربية والإسلامية والدولية. ودأب المجلس على تلمس احتياجات المواطنين وطرح ومناقشة جميع القضايا التي لها مساس مباشر بحياتهم والاهتمام بها، بالتعاون مع السلطات الأخرى في الدولة، ويحرص على تنفيذ رؤية وتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» لما سيكون عليه الدور المنوط بالسادة أعضائه حيث قال سموه «إن عضوية المجلس الوطني الاتحادي، على شرفها وسمو مكانتها، إلا أنها ما كانت يوماً مجرد تشريف، وإنما هي «تكليف»، و»مسؤولية»، و»بذل»، و»عطاء»، وعمل مستمر، يقود المجتمع نحو التقدم، ويحرك مكامن القوة فيه، استكمالاً للمسيرة، وتأسيساً لنهضة تطلق العنان لطاقات المجتمع، وتحفزه لعمل خلاقٍ مبدعٍ. فليكن قيامكم بالواجب بحجم تطلعات الوطن».
 
التعاون بين المجلس الوطني الاتحادي والحكومة
واللافت في تجربة المجلس الوطني الاتحادي هو ذلك التفاعل الوثيق مع الحكومة، حيث يحرص الوزراء على الرد على تساؤلات أعضاء المجلس كلها بشكل مفصّل ومرفق بالدراسات والبيانات. وثمة جانب آخر يعكس طبيعة هذا التواصل الحاصل بين الطرفين، فتوصيات المجلس الوطني باتت تنقل إلى الحكومة بشكل منظم، حيث تعكف الوزارات المعنيّة على دراستها وتبادر إلى اتخاذ التوصيات والقرارات المناسبة بشأنها. كما يتمّ اعتماد تنفيذ معظم التوصيات التي يرفعها المجلس إلى الحكومة. ولاشك في أن هذا التفاعل الوثيق الذي يقوم به «المجلس الوطني الاتحادي» وطبيعة العلاقة القائمة بينه وبين الحكومة؛ هذان الأمران، يؤكدان التطور الحادث في دور المجلس وما تشهده الحياة البرلمانية في الدولة من تطور باتجاه تكريس دور المجلس كمؤسسة تشريعية في النظام السياسي.
 
ولعل هذا التفاعل يؤشر من ناحية أخرى إلى  جدية أعضاء المجلس في السعي نحو اكتساب المزيد من الصلاحيات التي تمكّنه من تدعيم دوره على الصعيدين التشريعي والرقابي، وهذا أمر يحسب بلا شك لأعضاء المجلس الذين وظفوا ما لديهم من صلاحيات حالية للتفاعل بشكل إيجابي مع القضايا الرئيسية التي تهم الدولة والمجتمع. 
 
المجلس الوطني الاتحادي وسمات مرحلة التمكين السياسي 
 تنطلق فلسفة التمكين في دولة الإمارات بوجه عام من رؤية عميقة تستهدف تهيئة البيئة المبدعة اللازمة لتمكين الفرد المواطن من عناصر القوة اللازمة ليصبح أكثر إسهاماً ومشاركة في مختلف مجريات الحياة الاجتماعية والسياسية والإنتاجية والمعرفية لهذا توفر دولة الإمارات العربية المتحدة لأبنائها المواطنين والمواطنات كل أسباب التعلم والاستفادة من منجزات العلم الحديث في المجالات كافة.
 
وفيما يتعلق بتجربة التمكين السياسي، فقد جسدت توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» فلسفة مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والتي تقوم على التريث وعدم فرض صيغ قد لا تتوافر أمامها معطيات كافية للنجاح، حيث تقوم رؤية صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله»، على أن التحول عندما يكون جوهريا وهيكليا ومرتبطا بمصير أمة ومستقبل دولة  فهو لا يحتمل التسرع أو حرق المراحل ولا بد أن يجري مدروساً ومتدرجاً ومنسجماً مع طبيعة المجتمع وخصوصيته واتجاهاته وطموحاته للمستقبل وواقع تركيبته السكانية.
 
ويعتبر التمكين السياسي أحد الركائز المهمة للمشروع النهضوي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولهذا يحظى بالاهتمام والرعاية من جانب صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، والتي كانت جلية من خلال رؤيته الثاقبة التي عبر عنها في خطبه الرسمية، وفي مناسبات عدة، منذ توليه قيادة البلاد، وقد تجلى هذا الاهتمام في إرساء أسس البرنامج السياسي الذي طرحه سموه في ديسمبر 2005، في كلمته بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثلاثين، بقوله: «إن المرحلة القادمة من مسيرتنا وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات تتطلب تفعيلاً أكبر لدور المجلس الوطني الاتحادي، وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية، وسنعمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين، تترسخ من خلاله قيم المشاركة الحقة ونهج الشورى»، وأضاف سموه: «من خلال مسار متدرج منتظم، قررنا بدء تفعيل دور المجلس الوطني عبر انتخاب نصف أعضائه من خلال مجلس لكل إمارة وتعيين النصف الآخر، بادئين مسيرة تتكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل مع أبناء الوطن».
 
وأعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، أن القرار الذي أعلنه بتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي عبر انتخاب نصف أعضائه من خلال مجالس لكل إمارة وتعيين النصف الآخر هو خطوة أولى ستتبعها خطوات عديدة نحو مزيد من الإصلاح وتعزيز مشاركة المواطنين في العمل الوطني العام، بهدف ضمان تعزيز واستكمال مسيرة التنمية الشاملة والمتوازنة التي حققتها دولة الإمارات على مدى العقود الماضية، وأوضح سموه أن هذا القرار «يقضي بأن يشكل حاكم كل إمارة مجلساً محلياً يتكون كمرحلة أولى من 100 ضعف كحد أدنى لعدد ممثلي كل إمارة في المجلس الوطني الاتحادي، على أن يعين حاكم كل إمارة النصف الآخر لممثلي الإمارة في المجلس». 
 
ويهدف برنامج التمكين السياسي إلى تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية من خلال العمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين، وأن تترسخ من خلاله قيم المشاركة ونهج الشورى من خلال مسار متدرج منتظم عبر مسيرة تُكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل من أبناء الوطن.
 
وبالفعل فقد  أرسى خطاب صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» القواعد المنهجية لعملية تمكين المجلس الوطني الاتحادي وتعزيز دوره وزيادة صلاحياته للقيام بالواجبات المنوطة به على أتم وجه.فقد أوضح سموه بأن هذا التحول لابد بأن يمر بمراحل متدرجة ومدروسة تنسجم مع طبيعة التركيبة السكانية للمجتمع وخصوصيته واتجاهاته وتطلعاته للمستقبل وظروف العصر الذي نعيشه والتحولات التي يشهدها العالم من حولنا، مع التأكيد على ضرورة نشر وتعزيز ثقافة المشاركة السياسية بين المواطنين وخلق جو من الديمقراطية واحترام حقوق الآخرين والسماح لهم بحرية التعبير التي يكفلها دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الذي تمت صياغته لخدمة مصالح الوطن والمواطنين والمقيمين على أرض الدولة.
 
وقد أوضح سموه أن عملية التدرج في تمكين المجلس الوطني الاتحادي تهدف إلى تهيئة البيئة السليمة واستكمال الأسس القانونية اللازمة لتكون الخطوات التالية ترجمة لتطلعات وتوصيات المواطنين، ويقتصر دور الحكومة على تهيئة البيئة الملائمة لتعزيز دور المجلس وزيادة فاعليته وفقاً لقناعاتنا وبيئتنا المحلية ورؤيتنا الشاملة وفق المنظومة العالمية، مع المحافظة على جذورنا العربية والإسلامية الأصيلة وثقافتنا وحضارتنا. كما أشار سموه إلى أهمية المشاركة النسائية في العملية الانتخابية والتي تعد استكمالاً لدورها في الحياة العامة والذي مكنها من المشاركة الفعلية والوصول إلى مختلف مواقع المسؤولية في الدولة بما في ذلك عضوية مجلس وزراء الاتحاد.
 
ومنذ العام 2005 يمضي برنامج التمكين السياسي في مساره الذي رسمه صاحب السمو رئيس الدولة بخطوات ثابتة ضمن مراحل متدرّجة تقوم كل واحدة منها على الأخرى، وضمن رؤية واضحة تجعل كل خطوة تأتي في وقتها من دون تقديم أو تأخير بما يصبّ في مصلحة استقرار الوطن وتنميته وتقدمه. ولعل من الأمور المهمة في هذا الشأن هو القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للاتحاد رقم (3) لسنة 2005، والذي تضمن النص على اعتبار خطاب رئيس الدولة «حفظه الله» بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثلاثين لدولة الإمارات العربية المتحدة خطة عمل وطنية للعمل بمقتضاها خلال المرحلة المقبلة كخطوات متدرجة لعملية تمكين المجلس الوطني الاتحادي وتفعيل دوره في مسيرة العمل الوطني.
 
انتخابات المجلس الوطني الاتحادي .. نقلة نوعية للتجربة البرلمانية الإماراتية
 تمثل انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، الأولى التي أجريت في عام 2006، والثانية في العام 2011، والثالثة التي ستقام في أكتوبر من العام الجاري 2015، تطبيقاً واضحاً لتجربة التمكين السياسي في الدولة، وهي تجربة فريدة تقوم على التدرج السياسي المحسوب، وتأخذ في الاعتبار خصوصية الدولة الثقافية والمجتمعية، ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:
 
1- انتخابات عام 2006 .. المرحلة الأولى في برنامج التمكين السياسي
في عام 2006 صدر قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» رقم «3» في شأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي وذلك ضمن مرحلة التمكين بحيث يتم اختيار نصف عدد أعضاء المجلس من قبل هيئات انتخابية تشكل في كل إمارة ويتم تسمية نصف الأعضاء الآخرين من قبل حاكم الإمارة وتشكل بواقع مائة مضاعف لعدد المقاعد المخصصة للإمارة بالمجلس.
 
وجسدت انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التي جرت في شهر ديسمبر عام 2006 تجربة مهمة للمشاركة الشعبية حيث بلغ عدد أعضاء الهيئات الانتخابية لكافة إمارات الدولة 6 آلاف و595 مواطناً ومواطنة ترشح منهم للانتخابات 456 مواطناً ومواطنة وشهدت الانتخابات فوز إحدى المواطنات بأحد المقاعد العشرين التي جرى التنافس عليها فيما تم تعيين ثماني مواطنات أخريات في عضوية المجلس ليصل عدد المقاعد التي شغلتها المرأة تسعة مقاعد بنسبة بلغت 3 ,22 في المائة من مجموع المقاعد البالغ عددها 40 مقعداً.
 
وقد لاقى انتخاب أول امرأة في عضوية المجلس الوطني الاتحادي في أول انتخابات جرت في الدولة عام 2006 وأول امرأة تدخل مؤسسة تشريعية بالانتخاب على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ترحيباً وتقديراً من قبل مختلف المؤسسات المعنية الخليجية والعربية العالمية الأمر الذي يعكس الثقة اللا محدودة بقدراتها ودورها ومساهماتها الفاعلة في دفع مسيرة العمل الوطني نحو آفاق أرحب وممارسة العمل التنفيذي والتشريعي بكل اقتدار.
 
وفي خطوة عززت من موقع دولة الإمارات العربية المتحدة في مصاف الدول المتقدمة في دعم مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعمل البرلماني تضمن مرسوم صاحب السمو رئيس الدولة رقم «6» لسنة 2007 بتشكيل المجلس الوطني الاتحادي للفصل التشريعي الرابع عشر تعيين ثماني نساء وكان قد تم انتخاب مرشحة واحدة لعضوية المجلس في التجربة الانتخابية الأولى التي شهدتها الدولة لتشكل نسبة النساء في المجلس الوطني 3 ,22 بالمائة. وقامت المرأة الإماراتية من خلال عملها كعضوة في المجلس الوطني الاتحادي بدور متميز على الصعيد الداخلي من خلال مشاركتها في جميع مناقشات المجلس بطرح الأسئلة على الوزراء المعنيين والمشاركة في مناقشة الموضوعات العامة كما ترأست عددا من اللجان الدائمة والمؤقتة وكان لها دور فاعل من خلال مشاركتها في المؤتمرات الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
 
وبدأ المجلس فصله التشريعي الرابع عشر في 12 فبراير 2007 بعد أول تجربة انتخابية نقلت العمل البرلماني في الدولة إلى محطات متقدمة من الشورى والديمقراطية بمشاركة أبناء وبنات الوطن متحملين مسؤولية الأمانة التي منحتها لهم قيادة وشعب الإمارات وهو ما جسده صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» في خطاب افتتاح الدور الأول من الفصل التشريعي الرابع عشر بقوله: «إن قمة ما نسعى له من المشروع النهضوي الذي نأمله لدولتنا هو تحويل الرؤية التطويرية بما تتضمنه من معانٍ ومبادئ ومفاهيم إلى استراتيجيات عمل وقيم سلوكية يمارسها المواطن في حياته اليومية وينتصر لها ويدافع عنها ويصون مكتسباتها وهذه غاية التمكين وهي قمة المسؤولية والولاء».
 
2- انتخابات عام 2011 .. وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية
دخلت دولة الإمارات مع بدء أعمال الفصل التشريعي الخامس عشر مرحلة جديدة في مسيرة العمل الوطني بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الانتخابات التشريعية التي أجريت في الـ 24 من شهر سبتمبر 2011 لاختيار نصف أعضاء المجلس، حيث شهدت نقلة في زيادة عدد أعضاء الهيئة الانتخابية ليصبح 300 ضعف عدد المقاعد المخصصة لكل إمارة في المجلس كحد أدنى بعد أن كان هذا العدد 100 ضعف في أول تجربة انتخابية عام 2006. وتؤكد مسيرة التمكين في مرحلتها الثانية إيمان القيادة بدور المرأة الإماراتية حيث تم تعيين ست عضوات وذلك بعد فوز امرأة واحدة بالانتخاب فضلاً عن حصولها على منصب النائب الأول لرئيس المجلس.
 
وفي كلمة لصاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» بمناسبة انتخابات المجلس الوطني الثانية وجهها بتاريخ 20 سبتمبر 2011 قال سموه: «منذ إنشاء المجلس الوطني الاتحادي عام 1972 عمل المجلس على تجسيد العلاقة السليمة بين الحكومة والشعب في دولة الإمارات العربية المتحدة فكان وما زال منصة قوية للمشاركة السياسية والتأثير الإيجابي في عملية صنع القرار في البلاد .. من هنا كان الاهتمام الكبير بتمكين المجلس وتفعيل دوره ليكون سلطة داعمة ومرشدة للسلطة التنفيذية في الدولة وقد بدأنا منذ العام 2006 بتجربة جديدة بانتخاب نصف أعضاء المجلس إيماناً منا بأن المشاركة السياسية جزء لا يتجزأ من تقدم الدولة والتنمية الشاملة التي نعيشها».
 
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» في كلمته بمناسبة اليوم الوطني في الثاني من ديسمبر 2011 «أن توسيعَ المشاركة الشعبية، توجّهٌ وطني ثابت، وخيارٌ لا رجوع عنه، اتخذناه بكامل الإرادة، وسنمضي في تطويره تدرجاً بعزم وثبات، تلبيةً لطموحات أبناء شعبنا في وطن، يتشاركون في خدمته وتطوير مجتمعه. ولقد أنجزنا بنجاح المرحلة الثانية في المسار المتدرج الذي اتخذناه منهجاً، لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الانتخابات، وتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي وتوسيع صلاحياته وتعزيز دوره، وتوجّت المرحلة بانتخاب مجلس وطني جديد، بدأ أعماله وهو أكثر تعبيراً عن الإرادة الوطنية، نأمل أن يؤدي دوره في تعاون تام مع الجهاز التنفيذي؛ تداولاً مسؤولاً لقضايا الوطن، وتأثيراً إيجابياً في عملية صنع القرار».
 
3- انتخابات عام 2015 نحو مزيد من النضج للتجربة البرلمانية
تمثل انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التي ستقام في الثالث من أكتوبر المقبل المرحلة الثالثة في برنامج التمكين السياسي، وتعتبر خطوة مهمة نحو تعميق التجربة البرلمانية الإماراتية، وتعزيز دور المجلس في مختلف مجالات العمل الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة أن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها، سواء لجهة تطبيق مبدأ الصوت الواحد، أو لجهة التسهيلات الخاصة بالتصويت حتى لمن هم خارج الدولة من خلال السفارات، وهي بلا شك إجراءات تعكس الحرص على تعزيز المشاركة الشعبية في هذه الانتخابات، وتطوير التجربة البرلمانية، كي تواكب حركة التطور التي تشهدها الدولة على المستويات كافة.
 
وقد اعتمدت اللجنة الوطنية للانتخابات خلال اجتماعها الثاني عشر الذي عقد بأبوظبي في الخامس من يوليو 2015 قوائم الهيئات الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2015 والتي ضمت 224.279 ألف عضو يمثلون الهيئات الانتخابية في جميع إمارات الدولة وذلك بنسبة زيادة تصل إلى 66 % مقارنة مع قوائم الهيئات الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي للعام 2011 والتي بلغت 135.308 مواطن ومواطنة.
 
ولا شك في أن زيادة أعداد أعضاء القوائم الانتخابية للدورة الثالثة من انتخابات المجلس الوطني الاتحادي إنما يؤكد حرص القيادة الرشيدة على تمكين المواطنين للمشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية السياسية والتي تسير وفق نهج التمكين السياسي الذي أعلن عنه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» في خطابه بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين لتأسيس دولة الإمارات والذي قاد بدوره إلى الارتقاء بالتجربة البرلمانية للدولة ومواصلة مسيرة النجاحات التي تحققها في مجال تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي كسلطة تشريعة مساندة ومرشدة للسلطة التنفيذية.
 
وتعزيزاً لمشاركة المرأة الإماراتية في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي المقبلة، فقد شهدت قوائم الهيئات الانتخابية ارتفاع عدد أعضاء النساء في الهيئات في مختلف إمارات الدولة، أي ارتفعت نسبة المشاركة النسائية حيث تم تخصيص 48 % من الهيئات الانتخابية للمرأة لترتفع بذلك نسبة مشاركة المرأة، بما يعزز دور المرأة في العملية الانتخابية الإماراتية، وجاءت هذه الخطوة ضمن سياسات الدولة لرفع معدلات المشاركين في العملية الانتخابية بوجه عام.
 
وقد فتحت اللجنة الوطنية الإماراتية للانتخابات الباب على مصراعيه لمشاركة الإماراتيين المقيمين خارج الإمارات أو الزائرين لدول أخرى للمشاركة في التصويت في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2015، وحددت عدد أيام الانتخابات بستة أيام، بينهم يومان يكون التصويت فيهما في السفارات الإماراتية المنتشرة حول العالم في 20 و21 سبتمبر 2015، وأربعة أيام في الداخل أيام 28 و29 و30 سبتمبر، ويكون اليوم الأخير في 3 أكتوبر 2015. وهو نفس اليوم الذي ستظهر فيه نتائج الفرز الأولية لأصوات الناخبين. وستكون جميع المراكز الانتخابية داخل الدولة وخارجها مرتبطة مع بعضها البعض إلكترونياً، وذلك حتى لا يسمح لأي شخص بالتصويت مرتين، إحداهما خارج الدولة والأخرى داخل الدولة أو العكس.
 
التعديلات الدستورية .. وتمكين المجلس الوطني الاتحادي
ترجمة لتوجيهات القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة الرامية إلى تمكين المجلس الوطني الاتحادي، وتفعيل دوره ليقوم بمهامه الداخلية والخارجية على الوجه الأكمل، جاءت التعديلات والخطوات التالية:
 
1- في العام 2006 تم استحداث وزارة تختص بشؤون المجلس الوطني الاتحادي، لتكون مسؤولة عن إدارة عملية التحول إلى الانتخابات في إطار عملية تنمية سياسية واسعة ومدروسة في البلاد.
 
2- سارعت القيادة إلى إصدار القرارات والمراسيم التي تحدد أطر وملامح وآليات العملية الانتخابية، ومن ذلك القرار رقم 3 لسنة 2006 بشأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي، والذي نص على تشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات برئاسة وزير الدولة لشئون المجلس الوطني، والتي تختص بممارسة كافة الصلاحيات اللازمة للإشراف على سير العملية الانتخابية من كافة جوانبها. وهو الأمر نفسه الذي نص عليه قرار المجلس الاتحادي رقم»4» لسنة 2006 بشأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني، والذي تم بمقتضاه أيضاً تفويض رئيس الدولة في إصدار كافة الضوابط المنظمة لتنفيذ هذا القرار.
 
3- وافق المجلس الأعلى للاتحاد خلال اجتماعه في الثاني من ديسمبر عام 2008 برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» على إجراء تعديلات في بعض مواد الدستور بشأن المجلس الوطني الاتحادي، في سياق تمكين المجلس وتعزيز دوره وتعزيز الحياة الديمقراطية والمشاركة السياسية. واكتسبت الجلسة الخامسة للمجلس الوطني الاتحادي التي عقدها بتاريخ 27 يناير 2009 من دور انعقاده العادي الثالث للفصل التشريعي الرابع عشر أهمية خاصة حيث ناقش المجلس فيها مشروع التعديل الدستوري رقم «1» لسنة 2009، والذي يتضمن عدداً من المواد الخاصة بالمجلس الوطني الاتحادي ومجلس الوزراء.
 
وشملت التعديلات الدستورية بشأن المجلس الوطني الاتحادي تعديل المادتين «72 و78» اللتين أتاحتا تمديد مدة عضوية المجلس من عامين إلى أربعة أعوام وتمديد دور الانعقاد إلى مدة لا تقل عن سبعة أشهر وذلك ابتداء من الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر من كل عام كما تم تعديل المادة «85» من الدستور لإعطاء المجلس سلطة أكبر فيما يتعلق بلائحته الداخلية حيث يتولى المجلس وضع مشروع اللائحة وتصدر بقرار من رئيس الاتحاد بناء على موافقة المجلس الأعلى للاتحاد. وتم تعديل المادة «91» من الدستور والمتعلقة بالاتفاقيات والمعاهدات التي تبرمها الدولة حيث يحدد بقرار من رئيس الاتحاد الاتفاقيات والمعاهدات التي يتوجب أن تعرض على المجلس الوطني قبل التصديق عليها.
 
4- في سياق تفعيل مشاركة المواطنين، جاء قرار المجلس الأعلى للاتحاد رقم (1) لسنة 2011 بتعديل بعض أحكام قرار المجلس الأعلى للاتحاد رقم (4) لسنة 2006 بشأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي، وقرار رئيس الدولة رقم (2) لسنة 2011 بتعديل قرار رئيس الدولة رقم (3) لسنة 2006 بشأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي، والذي نص على زيادة عدد أعضاء الهيئات الانتخابية.
 
5- وافق المجلس الوطني الاتحادي خلال جلسته الرابعة من دور انعقاده العادي الثاني للفصل التشريعي الخامس عشر التي عقدها يوم الثلاثاء 18 ديسمبر 2012، برئاسة معالي محمد أحمد المر رئيس المجلس، على مذكرة هيئة المكتب بشأن إنشاء «لجنة دائمة لحقوق الإنسان» بهدف دعم جهود الدولة في هذا المجال على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتعزيز ممارسة المجلس لاختصاصاته، كما وافق على تشكيل لجنة لتعزيز التواصل مع وزارة الخارجية في شأن البرلمان الأوروبي. ولا شك في أن إنشاء مثل هذه اللجنة المقترحة يعني توجيه رسالة إلى العالم الخارجي والمؤسسات الدولية بأن الدولة والمجلس يبديان اهتماماً رئيسياً بقضية حقوق الإنسان.
 
كما أنه يزيد من قدرات المجلس الوطني في التعامل مع قضايا السياسة العامة التي تنظرها وتتدارسها كل لجانه الدائمة والمؤقتة، حيث أن هذه السياسات العامة سيضاف إليها منظور حقوق الإنسان، خاصة أن الدولة تقوم فعلياً بالوفاء باحتياجات المواطن الأساسية من صحة وإسكان وتعليم ومعاشات وخدمات متطورة. وستتمكن هذه اللجنة من متابعة التوصيات والقرارات الصادرة عن الاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية ذات الصلة بحقوق الإنسان، مما يعزز عمل الشعبة البرلمانية، كما ستتمكن من تقديم العون والمشورة الفنية للجان المجلس الأخرى بشأن مشروعات القوانين ذات الصلة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة أن غالبية مشروعات القوانين تتناول هذه الحقوق مثل قوانين التعليم، والصحة، والإسكان، والتنمية، وما يتعلق بالسلطة القضائية وغيرها.
 
وستمثل اللجنة البرلمانية المعنية بحقوق الإنسان تعزيزا لدور الحكومة في هذا الشأن، خاصة أن المجلس الوطني يناقش في كل دور انعقاد العديد من التشريعات، ويطرح الكثير من الموضوعات والأسئلة ذات الصلة بحقوق الإنسان، إلا أن الحكومة قد لا تتنبه إلى مثل هذه المسائل مما يؤدي إلى الانتقاص من قدر ومعلومات تقارير الدولة أمام هذه اللجان الدولية.
 
6- اعتمدت اللجنة الوطنية للانتخابات في يوليو 2015 قوائم الهيئات الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2015 وذلك بنسبة زيادة تصل إلى 66 % مقارنة مع قوائم الهيئات الانتخابية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي للعام 2011 والتي بلغت 135.308 مواطن ومواطنة.
 
هذه التعديلات والخطوات تشكل قفزات نوعية متقدمة للبرنامج السياسي لصاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله»، الذي يستهدف تمكين المجلس الوطني الاتحادي وتعزيز دوره وتعزيز الحياة الديمقراطية والمشاركة السياسية، وتؤكد أن مرحلة التمكين السياسي ليست مجرد توجهات عامة، وإنما هي خطوات وبرامج ورؤًى يتم تطبيقها على أرض الواقع لتعميق المشاركة الشعبية، وإنضاج التجربة البرلمانية، ووفق خطوات مدروسة تأخذ في الاعتبار طبيعة المرحلة التي تمر بها الدولة والتطورات التي تشهدها بلادنا على مختلف الصعد.
 
المجلس الوطني الاتحادي ودعم السياسة الخارجية الإماراتية
إضافة إلى اختصاصات المجلس الوطني الاتحادي، الرقابية والتشريعية والسياسية والخدمية، فإن المجلس يقوم بدور فاعل في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الإماراتية، من خلال الدبلوماسية البرلمانية التي تحظى بدعم القيادة الرشيدة. وقد أصبحت الدبلوماسية البرلمانية التي تقوم بها الشعبة البرلمانية للمجلس الوطني الاتحادي تحمل قضايا الوطن إلى المحافل الدولية وتعبر عن آراء ومواقف الدولة في مختلف الفعاليات البرلمانية على المستوى العربي والإقليمي والدولي.
 
واضطلع المجلس الوطني الاتحادي من خلال الشعبة البرلمانية التي شكلها في الجلسة الثالثة بتاريخ 9/12/1975 في الدور العادي الثالث من الفصل التشريعي الثاني، بدور فاعل ونشط بشأن تجاه مختلف القضايا الوطنية، واستطاع أن يطرحها بكفاءة في المحافل الخليجية والعربية والدولية والإسلامية، لتكون حاضرة من خلال حشد الرأي والدفاع عنها والتركيز عليها، إلى جانب مشاركاته في الفعاليات البرلمانية المتخصصة التي تمثلت في تقديم عدد من المبادرات التي تنوعت بين مشروعات تطويرية تم الأخذ بها، أو في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية.
 
وتتكون مجموعات الشعبة البرلمانية الإماراتية من المجموعة البرلمانية الخاصة بالاتحاد البرلماني الدولي، ومجموعة الاتحاد البرلماني العربي، ومجموعة اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومجموعة البرلمان العربي، إضافة إلى لجنة التنسيق البرلماني والعلاقات الخارجية للبرلمانات الخليجية. وتتكون لجان الصداقة البرلمانية من لجنة الصداقة مع البرلمانات الخليجية، والبرلمانات العربية، والبرلمانات الآسيوية، والبرلمانات الأوروبية، وبرلمانات الدول الأفريقية، وبرلمانات دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية.
 
خاتمة 
يجسد المجلس الوطني الاتحادي، بمراحل تطوره المختلفة، تجربة التمكين السياسي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تسير وفق منهج ثابت محدد المراحل والأهداف، كي تواكب حركة التنمية والتطور التي تشهدها الدولة في المجالات كافة، وتتسم تجربة التمكين السياسي بمجموعة من الخصائص المهمة، أولها أنها تعبر عن خصوصية الإمارات الثقافية والحضارية والمجتمعية، وتستفيد من موروث هائل من الخبرة الحضارية المتراكمة على مدار سنوات التجربة الاتحادية التي وضعت بذور التشاور والحوار واتخذت منه منهجاً للتواصل والنقاش، لهذا تمثل تجربة التحديث السياسي في الإمارات نموذجاً للتطور السياسي الناجح الذي يعبر عن موروث المجتمع الحضاري والمعرفي والثقافي.
 
وقد عبر عن ذلك صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» بقوله:»إن التنمية السياسية الحقة هي التي تستلهم قيم الشعب وتعبر عن بيئته وتقاليده. ولذا، فإننا ننطلق من نموذج سياسي وطني يصون هويتنا ويحمي ثوابتنا يتشارك في صنعه كل أفراد المجتمع ومؤسساته ولاسيما نخبنا الوطنية.
 
فالتمكين السياسي كل متكامل يتشارك الجميع في مسؤولية تطويره دفعاً بهذا الوطن نحو آفاق العزة والمجد والرقي». وهذا إنما يؤكد بوضوح  أن لتجربة التنمية السياسية في الإمارات خصوصية متفردة لا تقليد فيها ولا استنساخ بحيث تتم وفقاً لاحتياجات ومعايير وطنية خالصة. وثانيها أنها تأتي ضمن مسار متدرج، وذلك، تجنباً لحدوث أية هزات مفاجئة أو تطورات غير محسوبة، ولهذا فقد استفادت الإمارات من التجارب الأخرى التي هرولت نحو اتخاذ خطوات كبيرة دون دراسة، ثم تراجعت عنها في نهاية المطاف، حيث تقوم رؤية الإمارات في هذا الشأن على قناعة مفادها أن التحول عندما يكون جوهرياً وهيكلياً ومرتبطاً بمصير أمة ومستقبل دولة فهو لا يحتمل التسرع أو حرق المراحل ولا بد أن يجري مثلما هي سمة الحياة مدروساً ومتدرجاً ومنسجماً مع طبيعة المجتمع وخصوصيته واتجاهاته وطموحاته للمستقبل وواقع تركيبته السكانية، وهذا هو الذي حفظ التوازن داخل الدولة منذ إنشائها وحماها من أي هزات أو توترات داخلية، وجعل كل خطواتها في مكانها الصحيح ووقتها المناسب ومحققة لأهدافها ضمن إستراتيجية التنمية الشاملة.
 
وثالثها أن تجربة التمكين السياسيّ في الإمارات، كما مسيرة التنمية،  عملية متزنة ومسؤولة، ومستمرة من دون توقف، كي تواكب أهداف الدولة وطموحاتها التنموية. وقد عبر صاحب السمو رئيس الدولة «حفظه الله» عن هذا بقوله: «وإذ يحدونا الشعور بالرضا عما تحقق، فإننا متفائلون بما يحمله المستقبل من آمال وطموحات واثقون من أننا سنبلغ أهدافنا التي تنطلق من مجتمعنا وتعبر عن تطلعات المواطنين».
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره