مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-05-01

الملــف البيئي فـي دولـة الإمـارات...أولوية استثنائية

منذ تأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر عام 1971، والبعد البيئي يحتل  أولوية واضحة ضمن تخطيط السياسات واتخاذ القرارات وآليات العمل، حيث تضع الدولة تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والبيئة أحد المبادئ الأساسية لعملها وبرامجها التنموية، بما يحفظ للأجيال المتعاقبة حقها في التمتع بالحياة في بيئة صحية وآمنة، وتتعامل الجهات المعنية بالدولة مع قضايا حماية البيئة ليس باعتبارها ترفاً تنموياً وإنما تنظر إليها باعتبارها التزاماً جوهرياً وواجباً وطنياً يجب الوفاء به.
كما أن اهتمام دولة الإمارات بهذه القضايا ليس اهتماماً عابراً، بل إن الشواهد والمؤشرات تعكس حجم الاهتمام الرسمي الحقيقي الذي يجد صدى له جلي في الأطر المؤسسية والتشريعات المتكاملة والآليات التنفيذية، التي أثبتت كفاءتها وفاعليتها طوال العقود والسنوات الماضية في معالجة قضايا وموضوعات الملف البيئي.
 
إعداد: التحرير
 
خلال زيارته إلى جمهورية كازاخستان في منتصف أكتوبر عام 2011، أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله أن العمل على المستوى البيئي والحضاري في الدولة يهدف إلى تحقيق النهضة الشاملة في البلاد، وفي هذا الصدد أيضاً أشاد الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف، بما حققته دولة الإمارات من استغلال أمثل لمواردها من الطاقة والثروات الطبيعية وتوظيفها بالشكل الذي يتلاءم مع مختلف الجوانب بما فيها الجوانب البيئية، بما يتضمن حماية البيئة والمحافظة عليها، ويؤشر ذلك إلى عمق الاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة بالملف البيئي، كما يعكس مدى أولوية هذا الملف في التخطيط السياسي والاستراتيجي بالدولة، ما يبرهن على أن الإنجازات البيئية التي تمكنت دولة الإمارات من تحقيقها خلال العقود الماضية وبخاصة منذ بداية الاتحاد وعلى مدار الأربعة عقود الماضية مثلت نقاط تميز وأرضية صلبة ساعدت على انطلاق العمل التنموي في الدولة دون توقف على مدار تلك العقود. ولاشك أن المضي في هذا التوجه البيئي بالدولة قد وفر حالة من التوازن بين اعتبارات النمو والتنمية الاقتصادية في صورتها المادية من ناحية واعتبارات حماية البيئة وعدم استنزاف الموارد الطبيعية من ناحية أخرى، وهو ما يأتي ضمن المساعي الحثيثة التي تبذلها الدولة من أجل ضمان الحياة الكريمة للسكان الحاليين من ناحية وضمان حقوق الأجيال المستقبلية في الموارد الطبيعية من ناحية أخرى.
 
اهتمام تاريخي بالبيئة
برز اهتمام المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب "الله ثراه" في قضايا حماية البيئة وتنميتها منذ أمد طويل وبفضل جهوده أصبحت دولة الإمارات مثالاً يحتذى به في التحدي والتصميم على تحقيق إنجازات عملاقة في مجالات البيئة المختلفة. وبفضل اهتمام المغفور له الشيخ زايد بالبيئة والذي حظي بتقدير كل الجهات العالمية المختصة في هذا المجال، حيث تضمنت برامج وخطط التنمية دراسات علمية حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية لمشاريع التنمية والتطوير، فيما أنشئت المؤسسات والهيئات الخاصة لإدارة وحماية البيئة وتم رسم الاستراتيجيات البيئية وتحديد أولويات العمل البيئي مثل مكافحة تلوث الهواء وتلوث الماء ومكافحة التصحر وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية.
وحرص الشيخ زايد "رحمه الله" خلال فترة حكمه للمنطقة الشرقية، التي بدأت في العام 1946، على تنمية الإمكانيات الزراعية من خلال استصلاح الأراضي الزراعية الجديدة، وبناء الأفلاج، وإنشاء القنوات، إضافة إلى توفير المياه من دون مقابل، فيما حرص منذ توليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي العام 1966 على الاهتمام بالقضايا البيئية حيث حظر الصيد في إمارة أبوظبي منذ العام 1977، فضلاً عن معجزة زراعة الصحراء والتي تعتبر أحد أهم الإنجازات الخالدة للشيخ زايد "طيب الله ثراه" حيث استطاعت دولة الإمارات وبفضل سياسته الحكيمة ترويض الصحراء والتغلب على طبيعتها القاسية الجافة، ودرجات الحرارة العالية لتتحول إلى أرض خضراء.
كما يسجل لفقيد الوطن حرصه الدائم على أن تتخذ دولة الإمارات مجموعة مهمة من الإجراءات وتضع برامج عمل لمكافحة التصحر منها الاهتمام بالمياه الجوفية وإنشاء السدود واستخدام مخصبات التربة وإنشاء مصانع الأسمدة والاهتمام بالزراعات المقاومة للملوحة. كما عمل على تشجير جانبي الطريق بين العين وأبوظبي وكان هذا المشروع بداية نجاحه "رحمه الله" في معالجته قسوة الصحراء، وبفضل هذه التوجيهات انتشر اللون الأخضر في مساحات واسعة من الصحراء.  واتسعت الرقعة الخضراء من الغابات والنباتات والحدائق حيث تمكنت دولة الإمارات من إعادة الخضرة إلى المناطق الصحراوية. وأشاد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية بجهود دولة الإمارات بقيادة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد في مكافحة التصحر وحماية النباتات وقال: "إن منظمة الأغذية والزراعة العالمية تبني كل استراتيجيتها على مبدأ التنمية المستدامة وأن هذا المبدأ يتوافق مع الفكر البيئي الإنمائي للشيخ زايد "رحمه الله".  كما أولت دولة الإمارات بتوجيهات الشيخ زايد طيب الله ثراه اهتماماً بالغاً بقضية المياه حيث أجريت العديد من الدراسات والأبحاث وفق أسس علمية بهدف إيجاد وسائل وآليات جديدة فاعلة لحماية المياه من كل عوامل الهدر وفتح آفاق مستقبلية نحو مصادر إضافية جديدة، إضافة إلى تدعيم وحماية المخزون الجوفي المهم.
وكانت حكمة الشيخ القائد وفطرته التي ارتبطت بالبيئة تنظر إلى أفق بعيد ولم تقف عند حد حمايتها وإنما اتجهت كذلك إلى تنميتها وتطوير عناصرها المختلفة، فأنشأت عدداً من المحميات الطبيعية من أهمها محمية جزيرة صير بني ياس التي تعد واحدة من أكبر المحميات التي أقامها الإنسان في شبه الجزيرة العربية من حيث المساحة والنوعية، حيث تضم أنواعاً نادرة من الحيوانات والطيور المهددة بالانقراض فأصبحت ملاذاً للحيوانات البرية والطيور وبشكل خاص حيوانات الريم والنعام والغزلان العربية والمها معقوفة القرون. ويعود الفضل في نجاح خطط وبرامج الحفاظ على المها العربية إلى الاهتمام الشخصي والخاص للمغفور له الشيخ زايد حيث كان من أوائل الذين تنبهوا في بداية الستينات إلى أن المها العربية أصبحت مهددة بالانقراض فأصدر توجيهاته بأسر ما يمكن منها حيث تم أسر 4 منها وأمر من أجل الحفاظ عليها بتأسيس أول حديقة حيوان في العين. وبعد بدء عمليات تطوير جزيرة صير بنى ياس بدأ برنامج توطين المها وأسفرت جهود الإكثار عن نجاح منقطع النظير فازدادت أعدادها في الدولة حتى أصبحت دولة الإمارات الآن تمتلك أكبر عدد منها يصل إلى ما يزيد على 2500 حيوان. وفي مجال الصقارة والمحافظة على الطبيعة، استمرت جهود المغفور له الشيخ زايد، ليس فقط بفضل جهوده ومشاريعه وتوجيهاته المباشرة، وإنما أيضاً بكونه كان مصدر إلهام ورعاية لمبادرات عديدة أتت أكلها وساهمت بقدر كبير من العطاء على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية. فوجه الشيخ زايد في العام 1977 بإكثار طائر الحبارى الآسيوي في الأسر في حديقة حيوان العين حتى قبل أن يصبح مهدداً بالانقراض حيث أعلن في عام 1982 عن تفقيس أول فرخ حبارى في الأسر في دولة الإمارات. وفي العام 1989، تم تأسيس المركز الوطني لبحوث الطيور الذي أصبح فيما بعد جزءاً من هيئة البيئة - أبوظبي وأطلق برنامجه الطموح لإكثار الحبارى الآسيوية والذي تطور من بداية متواضعة ليزداد بعدها الإنتاج بإعداد كبيرة وهو يسير باتجاه تحقيق هدف بعيد المدى حدده الشيخ زايد "رحمه الله" بإنتاج 10 آلاف طائر حبارى آسيوي سنوياً وعلى أن يتم إطلاق معظمها لزيادة أعداد المجموعات البرية.
ويعتبر مركز الإمارات لتنمية الحياة الفطرية "برنامج إكثار الحبارى" بميسور بالمملكة المغربية الذي أنشئ بتوجيهات من المغفور له بإذن الله الشيخ زايد أول مركز في العالم استطاع أن يطبق الاستراتيجية العالمية للحفاظ على الحبارى ويقوم المركز منذ إنشائه العام 1995 بإكثار الحبارى في الأسر ليتم إطلاق بعضها في البرية. وأحيا المغفور له الشيخ زايد تقليد إعادة إطلاق العديد من صقوره إلى البرية في نهاية موسم الصيد حيث بدأ برنامج زايد لإطلاق الصقور في عام 1995، وبحلول العام 2004 وصل مجموع الصقور التي تم إطلاقها ما يقارب الألف من صقور الحر والشاهين التي نجحت في العودة إلى حياتها البرية الطبيعية بعد إطلاقها على مسار هجراتها الأصلية في باكستان وأوساط آسيا. وشجع المغفور له بصورة فعالة الصقارين على الاستغلال الأمثل للطيور المنتجة في الأسر، واعتمد سموه نظاماً مشدداً للترخيص باستخدام الطيور البرية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ورافق ذلك إصدار "جواز سفر الصقر" الذي تم اعتماده بواسطة الاتفاقية العالمية للنباتات والحيوانات المهددة بالانقراض (سايتس) مما كان له أثر بالغ في التقليل من أنشطة الصيد غير المشروع في الأقطار المجاورة.
 
ملامح ومؤشرات
برغم أن دولة الإمارات اعتمدت على الإيرادات النفطية كمصدر رئيسي للدخل في مراحلها التنموية المبكرة إلا أنها انتقلت تدريجياً إلى تنويع مصادر دخلها عبر استثمار الإيرادات النفطية نفسها في تطوير قطاعات اقتصادية أخرى بعيداً عن القطاع النفطي، كالسياحة والعقارات والبنى التحتية والتجارة الداخلية والخارجية والخدمات المالية والمصرفية وصناعات الأدوية والكيماويات ومواد البناء، بل إنها تطرقت إلى ما هو أكثر من ذلك بتوسعها في الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وهي الاستثمارات التي تهدف بجانب تنويع مصادر الطاقة وزيادة مستويات أمن الطاقة في الدولة إلى حماية وصون البيئة، عبر تقليل الاعتماد على النفط كمصدر ملوث للبيئة والتوسع في الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية، لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وما يترتب عليها من مشكلات بيئية، ليس أقلها الاحتباس الحراري وانتشار بعض الأمراض المرتبطة بزيادة هذه الانبعاثات بين السكان.
ولقد أسهم نجاح  دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال التوسع في الاعتماد على الطاقة النظيفة في وضعها في صدارة الدول ذات الخبرات والتجارب المميزة في هذا الشأن، وهناك العديد من الشواهد الدالة على ذلك أبرزها مشروع مدينة "مصدر" المدينة الأولى في العالم التي تعتمد بشكل كامل على الطاقة الشمسية وكذلك تمكن دولة الإمارات من استضافة المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، وهي الخطوة التي كانت كاشفة لتميز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة وموقعها على خارطة العمل الدولي في مجال الطاقة المتجددة، خصوصاً أنها نجحت في الفوز باستضافة مقر الوكالة الدولية الأحدث عالمياً بعد منافسة شرسة من دول كبرى لها باع وتاريخ وخبرات مهمة في هذا المجال. والمؤكد أن وجود مقر ايرينا في دولة الإمارات يمثل عامل تشجيع وجذب للدول كافة من أجل الدخول في شراكات مع دولة الإمارات في مشروعات الطاقة المتجددة.
 
الطاقة النظيفة في الإمارات
يشير مستوى التطور الذي يعكسه واقع الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى النمو المتزايد والتطور الاقتصادي الذي تمكنت الدولة من تحقيقه على مدار السنوات الماضية، وترافق مع هذا النمو والتنمية بالطبع زيادة ملموسة في معدلات الاستهلاك المحلي من الطاقة، وبالتالي ارتفاع متوسط نصيب الفرد في الدولة من الطاقة المستهلكة، وإذا ما أُخذ في الاعتبار أن متوسط نصيب الفرد من الطاقة المستهلكة يستخدم كمؤشر على مستوى التطور الاقتصادي للدول، فإن ارتفاع قيمته بشكل متواصل على مدار السنوات الماضية في دولة الإمارات العربية المتحدة يعبر بالتبعية عن مستوى التطور الاقتصادي الذي حققته الدولة، لكن مع استكمال مختلف أجزاء هذا المشهد يتضح أن هذا المؤشر ليس خيراً في مجمله، حيث أنه تضمن بالمقابل أو من ناحية أخرى ارتفاع متوسط نصيب الفرد في دولة الإمارات العربية المتحدة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ليصبح من أعلى المتوسطات عالمياً.
ومع استمرار النمو الاقتصادي وزيادة معدلاته بدولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات المقبلة أصبح من المتوقع أن تزداد تلقائياً معدلات الطلب المحلي على الطاقة، نظراً للاحتياجات المتزايدة منها للاستخدام في الأغراض الصناعية والتجارية، وكذلك لتغطية معدلات الزيادة المتوقعة في الاستهلاك المنزلي للطاقة تماشياً مع التحسن المتوقع في مستوى معيشة السكان، ونتيجة لذلك فمن المتوقع أن يزداد الطلب المحلي على مصادر الطاقة الكهربائية من نحو 68 تيرا واط / ساعة حالياً، إلى نحو 95 تيرا واط /ساعة عام 2019، بزيادة تقدرها بعض المؤسسات العالمية المتخصصة بنحو 71 %.
ولا يتوقع الخبراء والمتخصصون أن تجد دولة الإمارات العربية المتحدة صعوبة تذكر في تأمين احتياجاتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية مستقبلاً، وبخاصة أن الدولة تمتلك طاقات توليدية تكفي وتزيد عن احتياجاتها في الوقت الراهن، بخلاف أنها تتبنى خططاً طموحة للتوسع في الطاقات التوليدية بما يكفي لتغطية النمو المتوقع في احتياجاتها المستقبلية المتوقعة، وبخاصة أن كل من الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية بالدولة تمتلك قدرات مالية وتمويلية آمنة بما يكفي لتنفيذ خططها الطموحة في هذا  المجال.
ومع التحول الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة نحو تنويع مصادر الطاقة المستهلكة في الاقتصاد الوطني، وتحول الدولة إلى عصر الطاقة المتجددة كبديل للطاقة التقليدية الملوثة للبيئة والمعرضة للنضوب في نهاية المطاف، فمن المتصور أن تصبح المصادر غير التقليدية التي تشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الأمواج وطاقة باطن الأرض وطاقة أعماق البحار والطاقة الحيوية والطاقة النووية هي العمود الفقري لقطاع الطاقة بدولة الإمارات العربية المتحدة في الأجل الطويل، وتماشياً مع النمو المتوقع في الطلب المحلي الإماراتي على الطاقة الكهربائية فمن المتوقع أن تصبح المصادر غير التقليدية هذه هي المصدر الرئيسي لتلبية هذه الزيادات المتوقعة في الطلب المحلي على الطاقة خلال العقود المقبلة، ليتراجع بذلك، وحسبما هو متوقع، اعتماد الدولة على مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز طبيعي بشكل كبير، وسيكون لهذا التحول العديد من الأبعاد البيئية والتنموية محلياً، حيث أنه سيؤدي بالضرورة إلى تراجع نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن ثم تحسين البصمة البيئية للدولة ، كما أنه سيكون عاملاً حاسماً في الوفاء بشروط التنمية المستدامة التي تسعى الدولة إلى إدراكها.
 
أبوظبي... نموذج للاستدامة البيئية 
يشير تحليل الخطط والسياسات الصادرة في إمارة أبوظبي خلال السنوات الأخيرة إلى أن الإمارة، بتوجيهات من الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تضع الاعتبارات البيئية نصب عينيها، وتسعى إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي من جهة، واعتبارات حماية وصون البيئة كأحد الأسس المحورية التي تقوم عليها خططها وبرامجها التنموية من جهة أخرى؛ فهي من ناحية تسعى إلى تحقيق معدلات نمو اقتصادي تضعها في مصاف المناطق والاقتصادات المتطورة، وفي الوقت نفسه تراعي ألا يكون هذا النمو على حساب المقدرات البيئية، ولا تعمد إلى ما يعرف اصطلاحاً بـ "الاستخدام الجائر" للموارد البيئية لتحفظ للأجيال المتعاقبة حقها في التمتع بالحياة في بيئة صحية وآمنة، كما أنها تسعى إلى استخدام هذه الموارد بشكل سليم وعالي الكفاءة لتحقق شروط الاستدامة وتراعي مقتضيات التوازن البيئي.
ويدرك المراقب لملف التطور البيئي في إمارة أبوظبي إلى وجود حرص على التعاطي مع مسألة حماية البيئة من منظور شمولي متكامل، يرتكز على أطر مؤسسية وتشريعية تخصص لها الميزانيات اللازمة لتحقيق الأهداف المتوخاة في هذا الشأن بشكل كامل وفي الوقت المناسب لضمان الوفاء بما التزمت به السلطات المحلية المختصة في هذا المجال، بما لا يدع فرصة لظهور أي تهديد قد يؤثر سلبياً على التوازن البيئي والطبيعي حاضراً أو مستقبلاً. ولاشك أن المبادرات الكثيرة والمتنوعة التي تنفذها إمارة أبوظبي في مجال حماية البيئة تعبر في أحد جوانبها عن أن الإمارة تتعامل مع قضية حماية البيئة من منظور وطني خالص، يرى في حماية البيئة مسألة تستحق كل اهتمام والوفاء بمقتضياتها والتزاماتها حفاظاً على حقوق الأجيال المقبلة وضماناً لمسايرة راكب العالم المتحضر في هذا الشأن. 
ومن الأمور الدالة على الجهود المحلية المبذولة في هذا الشأن يمكن الإشارة إلى حملات وخطط تقوم بها "هيئة البيئة بأبوظبي" و"جمعية الإمارات للحياة الفطرية" للتوعية البيئية وتكريس مفاهيم وممارسات التنمية المستدامة وتحويلها إلى نمط للحياة والمعيشة اليومية لسكان الإمارة، وزيادة وعي المجتمع بالقضايا البيئية وأهمية المحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث وضمان استدامتها، كما تستهدف هذه الجهود أيضاً التوعية الشامل بأسس الحفاظ على البيئة وضمان المشاركة الفعالة للسكان في ترشيد استهلاك المياه والطاقة وخفض حجم النفايات المنزلية ما يسهم بالتبعية في خفض معدلات المساس بالبيئة ومقوماتها الفطرية.
ويدرك الخبراء والمتخصصون أن الجهود المجتمعية والرسمية التي تبذل على الصعيد التوعوي في هذا الإطار تؤتي ثمارها، كون الإشكالية تتعلق بالأساس بضمان وجود وعي كاف لدى السكان بحماية المياه والطاقة من الاستهلاك الجائر، وتفكيك العلاقة القائمة في ذهنية الكثيرين بين ارتفاع معدلات الدخل من ناحية وزيادة الاستهلاك من ناحية ثانية، كما تسهم هذه الجهود في دمج السكان ضمن الجهود الرامية إلى الحد من الملوثات البيئية، ونقل مفاهيم وممارسات حماية البيئة من أطرها النخبوية والأكاديمية والنظرية والإعلامية المتداولة إلى واقع الحياة وسلوكيات الجمهور على أرض الواقع، الأمر الذي يعد، في حقيقة الأمر أحد أبرز مؤشرات نجاح الدول في حماية البيئة وتحصينها ضد السلوكيات الاستنزافية على المديين القريب والبعيد، خاصة وأن السكان هم الطرف المباشر في التعاطي مع مفردات البيئة بشتى مكوناتها من مياه وطاقة وتربة وزراعات وأشجار وهواء وثروات حيوانية وبحرية، وهم أيضاً منتجين رئيسيين للملوثات البيئية من نفايات وعوادم سيارات، وبالتالي فإن سلوكهم هو المحرك الرئيسي لنجاح أو إخفاق أي جهود على هذا الصعيد الحيوي.
والأمر بطبيعة الحال لا يقتصر على الجانب المحلي في إمارة أبوظبي بل يمتد ليشمل السياسات الاتحادية على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة ككل، حيث يبرز التوجه الفيدرالي لحماية مقومات البيئة من التلوث وغرس ممارسات الاستدامة في الوعي الجمعي للسكان، حيث تضع الدولة هذا الهدف نصب أعينها عند إعداد الموازنات الاتحادية وكذلك المحلية، ويتم توجيه جانب معتبر من المخصصات المالية للاستثمارات الوطنية لهذا الغرض، من خلال الاستثمار في تنفيذ خطط رامية إلى تطوير آليات العمل وتبني التكنولوجيات الإنتاجية صديقة البيئة، والأقل إنتاجاً لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وتعميم هذا التوجه في المؤسسات الحكومية وتحفيز مؤسسات القطاع الخاص على الأخذ به، للمشاركة جنباً إلى جنب مع المؤسسات الحكومية في النهوض بالواقع البيئي المحلي.
بجانب ذلك تقوم الدولة بمؤسساتها الحكومية ذات الطابع الاتحادي وكذلك المؤسسات الحكومية المحلية بتنفيذ برامج توعية مجتمعية واسعة النطاق، تغطي جميع أقاليم الدولة وتستخدم كافة وسائل الإعلام، للوصول إلى شرائح المجتمع كافة وتوعيتهم بالقضايا البيئية ودمجهم في الخطة الوطنية الشاملة لحماية البيئة من التلوث، عبر تحفيز الأفراد على تغيير أنماط معيشتهم اليومية، بتغيير أنظمة البناء والتصميم الخارجي والداخلي للمساكن واستخدام الأجهزة المنزلية صديقة البيئة، وتقليص استعمال السلع الاستهلاكية التي تخلف ورائها مواد ضارة بالبيئة، كالأكياس البلاستيكية والمبيدات والكيماويات الضارة، وترشيد استخدام كل من الورق والطاقة الكهربائية والوقود وغاز الطبخ، هذا بجانب ترشيد استخدام مياه الشرب، سواء في الأغراض المنزلية أو الأغراض التجارية والصناعية.
ويدرك من يعاصر الواقع الراهن في دولة الإمارات العربية المتحدة أن هناك وعياً بيئياً متزايداً وملموساً يجد صدى له في السلوكيات العادية للأفراد والأسر والعائلات، سواء من المواطنين أو المقيمين، ما يعني في أحد أبعاده التحليلية نجاح جهود الدولة في تعبئة وحشد الطاقات المجتمعية من أجل تبني هذا الهدف الحيوي، بما يدفع باتجاه إمكانية توقع تراجع متوسط نصيب الفرد في دولة الإمارات العربية المتحدة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل لافت خلال السنوات المقبلة، وهو ما سيعد إنجازاً بيئياً وتنموياً يستحق التقدير، وبخاصة أن متوسط نصيب الفرد الإماراتي من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون هو من أعلى المتوسطات عالمياً كما ذكرنا آنفاً، حيث ظل هذا المتوسط من بين أعلى خمس متوسطات على مستوى العالم طوال السنوات الخمس التي سبقت "الأزمة المالية العالمية" وحتى عام 2008، وبرغم أن الانبعاثات قد تكون تراجعت بعض الشيء خلال الأعوام التالية في ظل تراجع أحجام الأنشطة الاقتصادية بفعل الأزمة، إلا أن المأمول أن تشهد البصمة البيئية في الدولة تحسناً حقيقياً على صعيد الترتيب الدولي خلال السنوات المقبلة لتتويج معالم التطور والتقدم بتحقيقه أيضاً على مسار الحفاظ على البيئة وصيانتها والالتزام بشروط الاستدامة والحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة.
 
رؤى ومبادرات بيئة طموحة
ومن الأمور التي تستحق الإشادة والتقدير في هذا الشأن أن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة والسلطات البيئية المختصة لم تترك الأمر للظروف، فقد سبق أن وضع "مجلس الإمارات للأبنية الخضراء" رؤية طموحة في هذا الشأن، تقضي بجعل دولة الإمارات واحدة من الدول الخمس الأكثر تحسناً في البصمة البيئية للأبنية حتى عام 2015، من خلال إعادة صياغة وتشكيل خطط البناء والتعمير القائمة، وتحويل هذه الخطط باتجاه الحرص على البناء صديق البيئة، عبر الالتزام بالبدائل والحلول البيئية المناسبة التي تغذي هذا التوجه، مع الانفتاح على التجارب العالمية الناجحة في نفس المجال والاستفادة مما توفره من دروس يمكن تطبيقها في دولة الإمارات العربية المتحدة، كما تسعى "هيئة كهرباء ومياه أبوظبي"، أيضاً إلى المشاركة في تحقيق الأهداف البيئية، من خلال تطوير المرافق والارتقاء بجودة الخدمات العامة، وتبني الحلول البيئية التي تسهم في ترشيد استهلاك المياه والكهرباء وتشجيع السكان على التوجه نحو هذه الحلول واستخدامها؛ فضلاً عن أن العديد من الدوائر البلدية في مختلف إمارات الدولة تتبنى مبادرات طموحة تستهدف النهوض بمجالات إعادة تدوير المخلفات، وهي مبادرات تسهم بدورها في تحقيق وفورات اقتصادية من ناحية وتسهم في حماية البيئة من كثير من أسباب التلوث من ناحية أخرى.
ومن النماذج الدالة والعلامات الإرشادية المنيرة على درب الجهود الرامية إلى تحقيق مفاهيم الاستدامة البيئية في دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً، يمكن رصد مبادرة "هيئة البيئة بأبوظبي" بشأن تخصيص يوم 3 يونيو من كل عام  لتنفيذ مبادرة "يوم بلا ورق"، وهي مبادرة حضارية وبيئية طموح تستهدف تخفيض استهلاك الورق في أماكن العمل في ذلك اليوم، لتحويل أماكن العمل إلى مواقع صديقة للبيئة والاستفادة من قدرات الدولة على صعيد التقنيات الالكترونية عبر ما يعرف بـ "رقمنة" العمل الإداري والحد من استهلاك الورق، وهي مبادرة واعدة يتوقع الكثير من الخبراء لها النجاح محلياً وعالمياً خلال السنوات المقبلة، كونها تتماشى مع توجه دولي قوي يسعى إلى خفض استهلاك الورق ضمن دورات الأعمال الإدارية اليومية، حيث تمثل مخلفات الورق نحو الثلث أو 33% من إجمالي المخلفات في بعض دول العالم، ويعتبر هذا الحجم الضخم الذي تشغله أو تمله المخلفات الورقية مؤشر على القيمة النوعية المهمة للمبادرات التي تستهدف ترشيد استهلاك الورق محليا وعالميا، كما أنه يوفر الكثير من الأموال المخصصة لشراء الورق والأدوات المكتبية ضمن ميزانيات المؤسسات الحكومية والخاصة بالدولة، وتوجيه هذه المخصصات كي تنفق في أوجه وأنشطة اقتصادية أخرى بما يعود على المجتمع والدولة بشكل عام بعوائد تنموية كبيرة.
 
أبعاد أخرى للحماية البيئية
قد يعتقد البعض أن حماية البيئة ترتبط فقط ببعض الجوانب والأنشطة، ولكن الواقع والشواهد تؤكد أن لها امتدادات في مختلف جوانب الحياة ومجالاتها، فقد استضافت العاصمة أبوظبي في نوفمبر عام 2010 "المؤتمر والمعرض العالمي للسياحة الخضراء – أبوظبي"، الذي أقيمت دورته الأولى خلال الفترة من 22-24 نوفمبر من ذلك العام في مركز أبوظبي الوطني للمعارض تحت رعاية معالي الشيخ سلطان بن طحنون رئيس هيئة أبوظبي للسياحة، وتمحورت حول أهمية تبني حلول ترشيد استهلاك الطاقة في قطاع السياحة في منطقة الشرق الأوسط، ودورها في دعم مسيرة نموه على الساحة الدولية.
وقال لويس حكيم، رئيس فيليبس الشرق الأوسط ونائب رئيس رويال فيليبس، أحد المتحدثين في المؤتمر، أن صناعة السياحة الإقليمية يتحتم عليها اغتنام الفرص المتاحة أمام الوجهات والشركات التي تعمل على التحكم بمستويات انبعاثات الكربون الناتجة عن أنشطتها وتقليصها، بما يساهم في تقليل إنفاقها وزيادة دخلها، ويساعدها على الدخول إلى الأسواق المتنامية للسياحة الخضراء. وقال: "أصبحت المبادرات البيئية أحد المحاور الرئيسية لاستراتيجيات أعمال مؤسسات خدمات الضيافة، حيث يفضل العملاء ونزلاء الفنادق الاستمتاع بإقامتهم في منشآت ذات تأثير بيئي محدود تلتزم بتخفيض بصمتها الكربونية". وأشار إلى أن التقنيات الحديثة وفرت العديد من الحلول التكنولوجية القادرة على تحقيق هذه الأهداف، ومنها تقنية LED التي تقدم أنظمة إضاءة صديقة للبيئة وعالية الجودة بمتطلبات صيانة محدودة مع انخفاض كلفتها الإجمالية. وأوضح: "تشهد صناعة الضيافة بصفة عامة طلباً متزايداً على التجارب السياحية الخالية من الكربون من خلال اعتماد هذه الحلول البديلة".
وأضاف حكيم: قطعت الإمارة خطوات مهمة على المستوى الحكومي لتطوير وتنفيذ سياسات بيئية فعالة في صناعة السياحة من خلال تطبيق نظام لإدارة البيئة والصحة والسلامة مع تحديد أهداف واضحة لترشيد استهلاك الطاقة إلى جانب إطلاق معايير للمنشآت الفندقية الخضراء وتنظيم فعاليات دولية متخصصة مثل "المؤتمر والمعرض العالمي للسياحة الخضراء – أبوظبي". ولاشك أن تنظيم مثل هذا الحدث الحيوي يؤكد مدى حرص الجهات المعنية بالدولة على تحقيق التوازن بين تطوير القطاع السياحي من ناجية وصيانة البيئة من ناحية أخرى، ما يجعله هذا الهدف بشكل عام متوافقاً مع المساعي الرامية إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي من ناحية وحماية البيئة من ناحية أخرى.
 
السياحة الخضراء..وجه آخر للسياحة
من جانب آخر، فإن احتضان أبوظبي للترويج للسياحة الخضراء، تعد مبادرة غير مسبوقة على المستوى العالمي، وتسهم بالتأكيد في جذب الأضواء حول مكانة أبوظبي كوجهة سياحية عالمية غير تقليدية، كون مثل هذه المبادرات تنقل صورة حول الواقع السياحي المتميز لإمارة أبوظبي، وتسلط الضوء على ما توفره من خيارات وبدائل وحلول سياحية تلبي تطلعات شرائح الزوار والسائحين من مختلف دول العالم من سياحة تاريخية وسياحة تراثية وسياحة ثقافية وسياحة ترفيهية وسياحة أعمال ومؤتمرات وسياحة تسوق وسياحة طبيعية، وستضم في المستقبل المنظور السياحة الفضائية التي لا تتوافر إلا في عدد قليل من البلدان، وإذا أضفنا إلى ذلك ما تتمتع به إمارة أبوظبي من بنية تحتية متقدمة وشبكة نقل ومواصلات واتصالات على مستوى عالٍ من التطور والرقي، لأدركنا المكانة والموقع المتميز الذي ينتظر الإمارة على هذا الصعيد، خصوصاً أن السائح بات ينتظر إلى معايير دقيقة من مثل الصحة العامة والحفاظ على البيئة والوعي الصحي لدى السكان، باعتبار ذلك مؤشرات تسهم في توجيه قراره الخاص باختيار وجهته السياحية المفضلة. 
ومن الأمور التي تستحق الإشادة والتقدير في ملف الجهود البيئية لدولة الإمارات العربية المتحدة أن الأمر لا يقتصر على مجالات بعينها كما ذكرنا سابقاً، كما يمتد ليشمل مبادرات إبداعية ذات طبيعة خلاقة تسهم بدورها في تطبيق معايير حماية البيئة وصيانتها، ومن الأمثلة في هذا الإطار قرار "هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس" في شهر مارس 2012، بشأن حظر تداول الإطارات المستعملة أو المجددة في الدولة، وهو قرار ذات أبعاد بالغة الحيوية والأهمية لأمن قائدي السيارات والأمن المروري فضلاً عن أبعاده البيئية المهمة، وقد حددت اللائحة الفنية للقرار العمر الافتراضي لإطار السيارات بخمس سنوات كحد أقصى، سواء كان الإطار في حالة استخدام فعلي أو بقي في المخازن، وقد منحت الهيئة، التجار والمؤسسات العاملة في قطاع الإطارات المستعملة فترة سماح استغرقت ستة أشهر لتعديل أوضاعهم، سواء ببيع الإطارات أو تصديرها أو إعدامها في أسوأ الظروف، وينطبق هذا القرار جميع سيارات الركوب الخفيفة والدراجات النارية، وقد انتهت هذه الفترة في سبتمبر 2012 وبدأ سريان تنفيذ القرار فعليا. وهو قرار يمثل في حقيقة الأمر خطوة ايجابية من قبل "هيئة المواصفات والمقاييس" تتماشى مع الرؤية والسياسات العامة التي تطبقها وتتبناها دولة الإمارات في جميع المجالات، والتي تتميز بالتوازن والسعي الدائم نحو إدراك التنمية والمحافظة على استدامة هذه التنمية ومن ذلك الحفاظ على البعد البيئي، حيث ينطوي هذا القرار على بعد بيئي ذا وجه مشرق، سواء لجهة أن القرار سيترتب عليه إطالة متوسط فترة استخدام الإطارات لكل سيارة، وبالتالي تقليل متوسط عدد الإطارات الهالكة لكل سيارة، ما يعني أن ذلك سيؤول بالأخير إلى  تخفيض الحجم الكلي لاستهلاك الإطارات على مستوى الدولة، وبالتالي تخفيض أعداد الإطارات الهالكة، أو بمعني آخر تقليص أعداد إطارات السيارات الهالكة في النفايات، والتي تعد واحدة من أهم الملوثات البيئية وواحدة من أكثر مصادر إنتاج النفايات غير الآمنة التي يصعب التخلص منها في الوقت الراهن؛ وبخلاف ذلك فإن منع تداول الإطارات المستعملة داخل السوق المحلي بالدولة يدفع التجار إلى تصديرها بعد انقضاء عمرها الافتراضي، ما يسهم بدوره في تقليص حجم النفايات من هذا النوع على مستوى الدولة، وهو ما يساعد الدولة على إحراز المزيد من النجاحات فيما يتعلق بمحاصرة التلوث وتحسين البصمة البيئية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن الإطارات التالفة تمثل واحدة من أخطر أنواع النفايات حسب خبراء في البيئة وذلك بسبب صعوبة التخلص منها وعدم وجود قوانين فعالة توضح كيفية التعامل معها في وقت يصعب التخلص منها بطرق غير ضارة بالبيئة. حيث تمثل إطارات السيارات التالفة عبئاً بيئياً على الدول المستهلكة لها، لأنها لا تتحلل لمدة قد تصل إلى أكثر مئات السنين، وتشكل بيئة صحية سيئة في حال حرقها بهدف التخلص منها، حيث ينبعث منها العديد من الغازات السامة، مثل أكاسيد الكبريت والكربون والرصاص، ويزداد حجم هذه المشكلة في الدول العربية مع الأعداد الضخمة التي تضاف إليها كل سنة. وتستهلك دولة مثل السعودية 23 مليون إطار سنوياً، بينما تستهلك مصر 20 مليون، كما تستهلك دولة مثل الكويت عدد سكانها ليس بالكبير أكثر من مليون إطار سنوياً.
وقال خبراء لموقع إيلاف الالكتروني في تقرير نشر بتاريخ 28 نوفمبر 2012 أن الإطارات القديمة تمثل مشكلة كبيرة لكل الدول خاصة التي تستهلك عدد كبير من الإطارات، حيث تلجأ بعضها إلى دفنها مثل الولايات المتحدة، التي تدفن سنويا 280 مليون إطار، وهو ما اعتبره حل غير عملي، لأن هذه الإطارات قد تحتاج لمدة تصل إلى 600 سنة حتى تتحلل بسبب احتوائها على الكبريت، ما يعطيها تماسك وغير قابلية للتحلل. وأشار إلى أنه في حالة حرقها، تكون المشكلة الأكبر حتى لو كان بهدف الحصول على طاقة، حيث ينبعث منها مواد مسرطنة نتيجة الحرق، من هيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات و«ديوكسين» بخلاف أول أكسيد الكربون وأكاسيد النتروجين والكبريت، وهي مركبات لها ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ وﻏﻴﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎء واﻟﺘﺮﺑﺔ واﻟﻬﻮاء والإنسان، الذي تصيبه بأمراض الربو والسرطان والحساسية، وتسبب الالتهابات الرئوية وضيق النفس، كما تعتبر ضارة أيضا لمرضى القلب خاصة كبار السن منهم. وأضاف الخبراء أن أضرار حرق الإطارات على البيئة المائية، يتمثل في أنه يؤدي إلى تحلل حراري، ينتج مركبات سائلة سامة تتسرب إلى المياه الجوفية، مثل الكادميوم والكروم والرصاص والسلنيوم والزنك، وتتسبب في تلوثها بمواد حمضية تلحق ضرراً بالحياة البرية النباتية والحيوانية، كما أن مخلفات الحرق تسبب نوعين مختلفين من تلوث التربة وهما تلوث مباشر ناتج عن تحلل السوائل التي في التربة إذا كانت التربة تسمح بذلك، وتلوث تدريجي ينتج عن الرماد والمخلفات غير المحترقة بعد سقوط المطر عليها أو اختلاطها بالمياه من مصدر آخر.
ويحذر خبراء آخرون من النتائج الخطيرة الناجمة عن حرق الإطارات وأثرها على البيئة وصحة الإنسان، مؤكدين أنها تمثل جريمة بيئية مكتملة المعايير تمارس بانتظام في العديد من الدول العربية، في ظل عدم وجود قوانين تفرض عقوبات رادعة على من يتعامل مع المخلفات بشكل يضر البيئة، وطالب الخبراء بوضع استراتيجية وأفكار مبتكرة صديقة للبيئة لتدوير هذه الكمية الكبيرة من الإطارات المطاطية والتي تتزايد سنوياً للتخلص من أحد مخاطر البيئة.
 
شراكات بيئية عالمية
وتأكيداً على أولوية البعد البيئي في سياسات إمارة أبوظبي، فقد جددت هيئة البيئة أبوظبي في نهاية مارس الماضي شراكتها مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وتهدف الشراكة التي تشرف عليها مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية إلى مواصلة العمل لجسر فجوة البيانات بين الدول النامية والمتقدمة، حيث تشارك الهيئة برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاهتمام بتيسير الوصول إلى البيانات والمعلومات البيئية الموثوقة في الوقت المناسب لكل من يحتاجها. وتتيح الاتفاقية الموقعة من قبل أكيم ستاينر المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ورزان خليفة المبارك الأمين العام لهيئة البيئة أبوظبي الفرصة لمبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية للاستمرار في تحقيق المزيد من التقدم بشـــأن الالتزامات التي تحددت من خلال مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة للتنميــة المستدامـــة ريو + 20 من أجل مستقبل أكثر استدامة. 
وقالت رزان خليفة المبارك في تصريح حول الموضوع نشرته صحيفة الاتحاد: "نحن نسعى من خلال هذه الشراكة إلى مواجهة التحديات المتعلقة بتحقيق وصول أفضل وأكبر إلى البيانات والمعلومات البيئية لدعم عملية صناعة القرار المتعلقة بحماية استدامة البيئة لأجيال المستقبل". وكانت دولة الإمارات قد أطلقت مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" خلال القمة العالمية حول التنمية المستدامة التي نظمتها الأمم المتحدة عام 2002 استجابة للطلب العالمي بالوصول الفعال من حيث التكلفة والجودة إلى البيانات البيئية.. وقد أرست المبادرة المبادىء والأهداف وفق مبادئ إعلان قمة ريو الفصل 8 و 40 من أجندة 21. وتناولت اتفاقية التعاون قضية تعزيز الوصول إلى البيانات لتطوير البلدان على مستوى العالم من خلال الاستضافة المشتركة لقمة عين على الأرض في أبوظبي في ديسمبر 2011 ومؤخراً في قمة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ريو+20 في البرازيل في يونيو 2012، حيث قدمت كلا من هيئة البيئة أبوظبي ومبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية 10 فعاليات جانبية تتعلق بمخرجات قمة عين على الأرض وكيفية تناول هذه القضايا للتحدي العالمي بشأن التنمية المستدامة في المستقبل.  ورحب أكيم ستاينر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بالتزام هيئة البيئة أبوظبي في هذه الاتفاقية الثانية التي تدعم العديد من الأنشطة ومنها برنامج الأمم المتحدة للبيئة التفاعلي. 
وسيكون برنامج الأمم المتحدة للبيئة المباشر بمثابة منبر إلكتروني تفاعلي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يسلط الضوء على حالة البيئة بشكل مستمر وإطلاع الحكومات والمجتمع العالمي على مخرجات هذه النتائج، ويرتبط ابتكارها ونجاحها بالعمل الجاري بمبادرة عين على شبكة الشبكات التابعة لقمة عين على الأرض، خاصة أن الاتفاقية تدعم العمل مع بلدان غرب آسيا لبناء قدراتهم الوطنية في مجال جمع وإدارة بياناتهم البيئية بطرق تمكنهم من التكامل مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة المباشر. ومنذ إطلاق مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات وبدعم من هيئة البيئة أبوظبي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تحققت العديد من الإنجازات التي من خلالها يمكن توفير وصول أفضل لبيانات بيئية ذات جودة عالية في المنطقة. وتشمل جهود التعاون الحالية مشروعاً رائداً في مجال تقييم وإدارة النظم البيئية الساحلية للكربون الأزرق بالإضافة إلى مشروع أكثر تقنية وهو مشروع تقرير حالة البيئة المباشر. ويهدف هذا المشروع إلى تحويل النسخة المطبوعة من تقرير حالة البيئة إلى نموذج إلكتروني يوفر أداة إلكترونية مباشرة للتقارير يمكن تحديثها من خلال المستخدم النهائي كلما اقتضى الأمر ذلك. ويساعد تجديد الشراكة في تعزيز عملية تطوير هذه المبادرات التعاونية التي تتناول تبادل ومشاركة البيانات البيئية في المستقبل مع التركيز على التطوير الإلكتروني وبناء القدرات لتبادل المعلومات البيئية ورفع التقارير إلى إمارة أبوظبي وغرب آسيا والتنفيذ المستقبلي للشبكات وفق التوجيهات المذكورة في وثيقة "المستقبل الذي نريد" التي تعتبر أحد مخرجات قمة ريو+20. وتتخذ مبادرة أبوظبي العالمية للبيانات البيئية من هيئة البيئة - أبوظبي مقراً لها وتعمل عن كثب مع قسم الإنذار المبكر والتقييم في مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة في نيروبي وكينيا والمكتب الإقليمي للبرنامج في غرب آسيا والذي مقره البحرين. 
 
البيئة..أولوية إماراتية استثنائية
لاشك أن معالم الاهتمام بالملف البيئي في دولة الإمارات العربية المتحدة تبدو واضحة للعيان، فالممارسات على أرض الواقع توحي بذلك، والسياسات التنفيذية تعكس عمق القناعة الرسمية بأولوية الملف البيئي وتجذر الاهتمام به لدى صانعي القرار وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، ويشير العديد من الباحثين في ذلك إلى وجود حرص شخصي من جانب أصحاب السمو الشيوخ في دولة الإمارات العربية المتحدة على البيئة، وأن هذا الحرص يفوق بمراحل آليات القانون الدولي في هذا المجال، باعتبار ذلك نابع من النظرة الراسخة لدى إنسان الإمارات بقيمة البيئة والصحراء وولعه الشديد بالبيئة والحياة الفطرية، ما يدفع إلى الاهتمام بها في مختلف إمارات الدولة، وذلك يوفر أيضاً الفرصة لحسن تطبيق القوانين والقواعد المنظمة لحماية البيئة في الدولة، كون الحرص على الحياة الفطرية يبدو التزاما نقيا خالصا لدى المواطنين في الدولة. وكل هذه المؤشرات والشواهد تدفع باتجاه بناء توقعات بحدوث تحسن متسارع خلال السنوات المقبلة في ملف الدولة البيئي الذي شهد أموراً سلبية كنتيجة منطقية للتطور التنموي الذي شهدته العقود الماضية، ولكن الدلائل تبشر بنجاح الجهود المبذولة على صعيد تحسين الوضع البيئي والدفع باتجاه تحسين مؤشرات استخدام المفردات البيئية مثل المياه والطاقة وغير ذلك.
 
البيئة في الإمارات..محطات تاريخية
• تأسست الهيئة الاتحادية للبيئة في عام 1993 لإدارة بيئة دولة الإمارات العربية المتحدة ولإرساء القوانين البيئية. وتلا ذلك تأسيس هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها في عام 1996 (قانون رقم 4)، التي أنشئت لحماية الثروة الطبيعية لإمارة أبوظبي وللدعوة للتنمية المستدامة. كما تم اعتماد هيئة البيئة لتكون الجهة المختصة في إمارة أبوظبي عن قضايا البيئة والحياة الفطرية كما صدر في القانون الاتحادي رقم 23 وقانون رقم 24 وقد نص قانون رقم 16 لعام 2005 على إعادة تشكيل هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها وإعطائها مسؤوليات أكبر في الشؤون البيئية كما نص بتغيير الاسم ليصبح هيئة البيئة - أبوظبي.
• تنص وثيقة قيم وسلوكيات المواطن الإماراتي التي تم اعتمادها من جانب مجلس الوزراء في دار الاتحاد بتاريخ 27 نوفمبر 2012 على بنود حضارية تتعلق بالتزامات المواطن حيال البيئة المحلية منها الالتزام بالقوانين والتعليمات الخاصة بالحفاظ على البيئة والسلامة العامة في الدولة وصحة أفرادها، والعمل من أجل تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية في البيئة والالتزام باستهلاك الطاقة بشكل فعال ومؤثر والابتعاد عن الإسراف والتبذير.
• تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة على مدار العام بمناسبات بيئية مختلفة منها يوم البيئة الوطني في الرابع من شهر فبراير، وأسبوع البيئة الخليجي خلال الفترة من 17 ـ 21 فبراير، ويوم المياه العالمي 22 مارس، وساعة الأرض 26 مارس، ويوم الأرض 22 ابريل من كل عام، ويوم البيئة الإقليمي 24 ابريل، واليوم العالمي للتنوع البيولوجي 22 مايو، ومبادرة يوم بلا ورق في الثالث من يونيو كل عام، ويوم البيئة العالمي في الخامس من يونيو، واليوم العالمي لمكافحة التصحر 17 يونيو، واليوم العالمي للحفاظ على طبقة الأوزون 16 سبتمبر، ويوم الغذاء العالمي 16 أكتوبر.
•هناك العديد من القرارات الرسمية التي تستهدف الحفاظ على البيئة في الدولة، ومنها:
• قرار رقم (2) لسنة 2000 بشأن نظام الصيد في إمارة أبوظبي.
• قرار رقم (38) لسنة 2000 بشأن إيقاف ونقل تسجيل سفن الصيد.
• قرار رقم (5) لسنة 1998 بحظر استخدام الصنادل البحرية والناقلات والسفن كمستودعات عائمة.
• مرسوم أميري رقم (18) لسنة 2001 بإعلان منطقة مروح محمية بحرية.
• مرسوم أميري رقم (33) لسنة 2005 بإعلان الياسات محمية بحرية.
• قرار رقم (2) لسنة 2004 بتعديل القرار الخاص بصيد الأسماك بواسطة القراقير في إمارة أبوظبي.
• قرار رقم (4) لسنة 2005 الخاص بصيد الأسماك المهاجرة بطريقة الحلاق بإمارة أبوظبي.
•قرار رقم (1) لسنة 2003 بصيد الأسماك بواسطة القراقير بإمارة أبوظبي.
•قرار رقم (1) لسنة 2005 بتعديل القرار الخاص بتنظيم صيد الأسماك بالسكار والدفارة .
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره