مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-10-03

انتخابات المجلس الوطني الاتحادي: التجربة الديمقراطية الرابعة في مرحلة التمكين

قلعة «الشورى» أحد ركائز البناء الدستوري للدولة منذ قيام الاتحاد
 
تمثل انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التي ستجري أوائل شهر أكتوبر 2019 مرحلة جديدة من مراحل تنفيذ برنامج التمكين، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وتحظى هذه الانتخابات بأهمية استثنائية هذه المرة كونها تمثل انطلاقة جديدة لمسيرة المشاركة السياسية للمرأة الإماراتية، حيث ستشغل 50% من عدد أعضاء المجلس ابتداء من الفصل التشريعي السابع عشر (الفصل المقبل)، وفي هذا العدد تسلط درع الوطن الضوء على معالم هذا العرس الانتخابي الوطني، وأهم سماته وأبعاده ودلالاته السياسية.
 
في يوم الثاني من ديسمبر عام 2005، واحتفالاً بالذكرى الرابعة والثلاثين لإعلان اتحاد دولة الامارات العربية المتحدة، اطلق صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ برنامج التمكين، متضمناً العديد من الأهداف التنموية الطموحة في مختلف المجالات والقطاعات، منها ما يتعلق بتمكين المواطنين وتعزيز مشاركتهم السياسية، عبر تفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، حيث أكد سموه في خطابه «إن المرحلة القادمة من مسيرتنا ، وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات ، تتطلب تفعيلا أكبر لدور ” المجلس الوطني الاتحادي “، وتمكينه ليكون سلطة مساندة ، ومرشدة ، وداعمة للمؤسسة التنفيذية . وسنعمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة وفاعلية، والتصاقاً بقضايا الوطن، وهموم المواطنين، تترسّخ من خلاله قيم المشاركة الحقّة، ونهج الشورى. وأنه من خلال مسار متدرج منتظم قررنا بدء تفعيل دول المجلس الوطني عبر انتخاب نصف اعضائه من خلال مجالس لكل امارة، وتعيين النصف الآخر، بادئين مسيرة تكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل من أبناء الوطن»، واستهدف هذا البرنامج الطموح تحقيق متطلبات عدة حددها هذا الخطاب التاريخي فيما يلي:
 
* الاستجابة لمتطلبات المرحلة الجديدة التي أشار إليها صاحب السمو رئيس الدولة في خطابه في شأن «تكريس مبادئ سيادة القانون، وقيم المساءلة، والشفافية، وتكافؤ الفرص، ما تطلب بدوره «إعادة بناء، وإعادة ترتيب، وإعادة تأهيل للنظم والهياكل الحكومية القائمة، من حيث بنيتها ووظيفتها “، و”توجيه الجهد دعما وتطويرا وتحفيزا للمؤسسات والهياكل، والأنشطة، والكوادر الواعدة، تهيئة للظروف المؤهلة لانطلاق واع نحو آفاق القرن الحادي والعشرين” .
 
* دعم مؤسسات الدولة السياسية، والدينية، والثقافية، والإعلامية، والتعليمية، ومنظمات المجتمع المدني بما يمكنها من تحمل مسؤولياتها في غرس قيم العمل داخل المجتمع، وتغيير النظرة السلبية المرتبطة بالعمل المهني واليدوي، والتأكيد على مفهوم العمل باعتباره مسؤولية، وقيمة إنسانية، حضارية، ودينية.
 
* “الوقوف عند تجربة الأربعة والثلاثين عاما الماضية، تقييما، وتقويما، وتحديثا، وتطويرا، وإعادة لترتيب سلم أولوياتنا، بما يمكننا من المضي قدما في مسيرة التقدم والرفاه، ونحن أكثر وعياً، وثقة، وتمكناً.
 
* تعزيز المبدأ الخاص بأن “الإنسان هو هدف التنمية وغايتها، وأنه في الوقت ذاته أداتها ووسيلتها” وذلك من خلال التمكين وانطلاقاً من أنه “بقدر ما تكون هذه الأداة فاعلة، ماهرة، تكون قادرة على تحقيق التنمية” . ومن ثم فإن الهدف هو “العمل على النهوض بمواردنا البشرية، وتطوير قدراتها العلمية، ومهاراتها الفنية، وخبراتها التقنية، وذلك بتوفير وتطوير بنية تعليمية تستجيب لاحتياجات التنمية الشاملة في مختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسكانية”، وتعزيز “دور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع، وفي توثيق الربط بين العملية التعليمية والحاجات التنموية والأمنية، وذلك تهيئة لمناخ ملائم لإعداد إنسان مبدع معتز بهويته، قادر على البذل والعطاء، والإسهام بفاعلية في صناعة المستقبل “.
 
المجلس الوطني الاتحادي في الدستور
يمثل المجلس الوطني االتحادي السلطة الاتحادية الرابعة من حيث الترتيب في سلم السلطات الاتحادية الخمس المنصوص عليها في الدستور، وهي: المجلس الأعلى للاتحاد، ورئيس الاتحاد ونائبه، ومجلس وزراء الاتحاد، والمجلس الوطني الاتحادي، والقضاء الاتحادي. ويضم المجلس أربعين عضوًا، يتوزعون على الامارات بحسب الدستور على أساس: (8) مقاعد لإمارة أبوظبي، و(8) مقاعد لإمارة دبي، و(6) مقاعدة لإمارة الشارقة، و(6) مقاعد لإمارة رأس الخيمة، و(4) مقاعد لكل من إمارة عجمان والفجيرة وام القيوين. ويمارس المجلس الوطني الاتحادي وظيفتين أساسيتين، هما:- - الوظيفة التشريعية: وتعني سلطة المجلس في مناقشة التعديلات الدستورية، ومشروعات القوانين، وللمجلس أن يوافق عليها أو يعدلها أو يرفضها. وأيضًا سلطته في إبداء الملاحظات التي يراها على ما ُيخطر به من معاهدات واتفاقيات دولية وما يحيله إليه رئيس الدولة من اتفاقيات ومعاهدات. وأخيرًا حق المجلس في مناقشة ميزانية الدولة وحسابها الختامي وإبداء ما يراه من ملاحظات عليها. 
 
- الوظيفة الرقابية:  ويقصد بها حق المجلس في الرقابة سياسياً على السلطة التنفيذية من خلال أدوات رقابية محددة، هي: مناقشة الموضوعات العامة، وللمجلس أن يصدر توصيات بشأنها، وتوجيه أسئلة إلى مجلس الوزراء في حالة الاستفسار عن السياسة العامة للدولة ولوزير معين للاستفسار عن أمر من الأمور التي تندرج ضمن اختصاص وزارته، والفصل في شكاوى المواطنين ضد جهات حكومية اتحادية وفق شروط معينة، وتتجلى أهمية المجلس الوطني الاتحادي بوصفه ً ممثلاً لشعب الاتحاد والصوت المعبر عن طموحاته وتطلعاته.
 
التطور التاريخي لمسيرة «الشورى» في الامارات
افتتح المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه، أولى جلسات المجلس الوطني الاتحادي في الثاني عشر من فبراير عام 1972، إيذاناً باكتمال إركان الاتحاد دستورياً، بإنشاء السلطة الرابعة ضمن السلطات الخمس التي نص عليها دستور دولة الامارات العربية المتحدة، فضلاً عن تأسيس المجلس كان تجسيداً لطموح القائد المؤسس في بناء دولة عصرية تمتلك مقومات الحداثة والتطور وفق معايير عصرها واستناداً إلى خصوصية ثقافية وطنية، وبما يسهم في تعزيز أركان الاتحاد وتقوية دعائمه عبر إطار مؤسسي حديث يترجم نهج الشورى، الذي يمثل إرثاً تاريخياً متجذراً في علاقة الحاكم بالشعب في دولة الامارات، ما يعني أن المجلس يمثل في حقيقة الأمر تطوراً تاريخياً ومؤسسياً لممارسة نهج الشورى في الدولة.
 
ورغم حداثة التجربة البرلمانية في الدولة وقت تأسيسها، فإن هناك عوامل أسهمت في نجاح المجلس في أداء مهامه والوفاء باختصاصاته الدستورية، أهمها الاتكاء على موروث تاريخي عريق من قيم ومبادئ الشورى، فالشورى  هي نبت أرض الامارات وغرس الأجداد والآباء الأولون، وموروث مجتمعي عريق يذكره التاريخ ويتحدث عنه الباحثون والمؤرخون في أدبياتهم السياسية، فالرحالة الأجانب الذين زاروا أبوظبي في الربع من القرن التاسع عشر، يشيرون بوضوح إلى أن شيوخ آل نهيان كانوا يأخذون بنظام الشورى، ولا يبرمون أمراً إلا بعد التشاور مع كبار السن، بما يعني أنهم كانوا يسيرون في دروب التحضر على هَدي قيم البداوة وأصالتها، ومن ثم فقد أكسبهم نهج الشورى حكمة موروثة. 
 
هذا الموروث العريق كان من ضمن عوامل فطرية وبيئية ومكونات ثقافية وتربوية عدة أسهمت في تكوين شخصية القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وانعكست في ممارسته للحياة السياسية وإدراكه لأصول الحكم والقيادة، ومن ثم كان، طيب الله ثراه، حريصاً أن يكون هناك نوع من التلازم المؤسسي بين تأسيس الدولة وانطلاق الشورى مؤسسياً، وقال في ذلك « إن مبدأ الشورى الذي استمر في هذا البلد عبر مئات السنين سوف يظل باقياً أبد الدهر، وأنا أتطلع إلى المستقبل عندما يأتي الأبناء ويستمرون في تطبيق هذا المبدأ بما يتلاءم وحياتهم وعصرهم ونظمهم»، ما يعني أنه كان يؤمن بالتطور المؤسسي لنهج الشورى، وكان على يقين تام بأن ما غرسه وقتذاك ستأتي عليه مراحل تطور تاريخي تناسب احتياجات العصور المختلفة على صعيد الشورى وآلياتها وأساليب ممارساتها.
 
كان القائد المؤسس يقوم أيضاً بدور المعلم والموجه في توعية الشعب بموروث الشورى، وأهميته، إدراكاً منه لضرورة ضمان استيعاب الجميع طبيعة المرحلة ومتغيراتها، حيث كان يقول لأعضاء المجلس الوطني الاتحادي في بدايات تأسيس المجلس «إننا خضنا التجربة الديمقراطية التي نعيشها في الواقع منذ مئات السنين في ظل مبدأ الشورى»، و «إن الذي نبدأ اليوم ليس جديداً على هذا الوطن، لقد كان أسلافكم يشاركون أسلافنا في الحكم، ويَسْدون المشورة لهم، ولكن الطُرق تختلف، في الماضي، كانت هناك نُظم تختلف عن النُظم التي تسُود عالمنا المعاصر» ويشير إلى أن «الجلوس والمناقشة مع إخواننا أعضاء المجلس الوطني ليس جديداً علينا إنه من صلب تقاليدنا ومن تراث أجدادنا وآبائنا، لقد كانوا يعرفون الطريقة ذاتها في النقاش وتبادل الرأي، كل ماهناك أننا طورنا الطريقة». 
 
وكان يؤكد على هذه القناعة في أحاديثه الصحفية والإعلامية، حيث قال، طيب الله ثراه، في حديث صحفي منشور بتاريخ 24 يوليو عام 1974 «أؤمن بضرورة مشاركة الشعب في تحمل المسؤولية وفي الشورى، وفي الحكم، إن هدفنا في الحياة هو تحقيق العدالة والحق ومناصرة الضعيف على القوي، وليس هناك ما نتحرزه من مشاركة أبنائنا مسؤولية الحكم طالما أن أهدافنا هي هذه، ونحن نرى أن من واجبنا توزيع المسؤوليات على أبناء الوطن وقد عملنا هذا بالفعل، والإسلام ينادي بالديمقراطية الحقة والعدالة»، وقال أيضاً في حديث صحفي له نُشر في يونيو عام 1972 «إننا بدأنا الديمقراطية والعدالة فأنشأنا اول مجلس استشاري حديث في تاريخ البلاد».
 
وبالإضافة إلى دلالات ذلك على صعيد التوعية وغرس الانتماء وتعميق الولاء الوطني، فإن هذه الكلمات الخالدة تعكس فهماً عميقاً وتوصيفاً دقيقاً لمراحل التطور التاريخية التي طرأت على ممارسة نهج الشورى في مجتمع الامارات، كما تكشف أيضاً عن فهم واستيعاب عميق للعلاقة بين الإسلام ونهج الشورى، فلم يجد، طيب الله ثراه، تضارباً أو تنافراً بين الدين الحنيف وممارسة الشورى سواء في قوالبها التقليدية القديمة أو نهجها العصري الحديث، طالما أن هناك التزام ومراعاة للأخلاق والتعاليم وأصول وجوهر الإسلام الحنيف.  وتأكيداً على هذه القناعة الراسخة، يقول الباحث الدكتور جون ديوك انتوني، الذي عاصر حقبة قيام اتحادنا المجيد وكان شاهداً علي العديد من أحداثها ، في كتابه «دولة الامارات العربية المتحدة: القوة الفاعلة في تكوين الدولة» إن «الشيخ زايد كان متفقاً في ميوله مع ممارسة مبدأ الشوى العريقة التي أوصى بها الدين الإسلامي، وبهذه الطريقة قاد الشيخ زايد وحكم شبكة تعتبر في حد ذاتها شكلاً من أشكال الاتحاد، تتألف من ستة من شيوخ القبائل في مدينة العين خلال الفترة 1946 ـ 1966»، كما يقدم هذا الباحث شهادة تاريخية مهمة عن بدايات قيام الاتحاد وكيفية تعامل القائد المؤسس مع إشكاليات الحكم، قائلاً «لقد سيّرت كل الفروع القبلية بمن فيهم شيوخ العشائر والشخصيات البارزة فيها، علاقتها مع الشيخ زايد بما يتفق مع عادة أضفى عليها الزمن جَلالاً، وهي التزامه باستشارتهم بشكل دائم وجاد، وقد كانوا يشعرون بحُرية في تقديم وجهات نظرهم له في أي موضوع مهم يتعلق بسياسة الدولة أو أي موقف أو أي فعل قيد الدراسة».
 
هذه المدرسة التأسيسية العظيمة في المشاركة السياسية ونهج الشورى، أنتجت للمجتمع الاماراتي في بدايات مرحلة التأسيس نشأة المجلس الوطني الاتحادي في 12 فبراير 1972م بالتلازم مع بدء النهضة الحضارية لدولة الإمارات وانطلاق دولة الاتحاد، ولذلك دلالات ومعان لا تخفي على أي متخصص في العلوم السياسية، حيث يعكس هذا التلازم ويفسر قوة البناء الاتحادي واستمراريته بما توافر له منذ البدايات من عوامل القوة والمنعة التي حصنته في مواجهة الكثير من التحديات التنموية الصعبة التي واجهت الدولة الاتحادية في مراحل ولادتها الأولى.
 
وتأكيداً على هذا الايمان وتلك القناعات الراسخة، وأن المجلس الوطني الاتحادي لم يكن استكمالاً للهيكل والبناء الدستوري للدولة، بل مؤسسة اتحادية حرص القائد المؤسس على أن تتوافر لها كل سبل الفاعلية والمشاركة الجادة في مرحلة البناء، تسجل الأدبيات السياسية أن علاقة القائد المؤسس بالمجلس كانت وثيقة للغاية، حيث تجسد اهتمامه ـ طيب الله ثراه ـ بدور المجلس في حرصه البالغ على أن يحضر بنفسه جلسة افتتاح المجلس في كل دور انعقاد جديد، وقد طل حريصاً على ذلك طيلة سنوات طويلة شارك فيها في كل جلسات الافتتاح دون استثناء، حتى في السنوات التي كان يحل فيها الموعد السنوي لافتتاح المجلس وسموه خارج البلاد، كان يؤجل الافتتاح لحين حضوره، وكان يسارع في العودة، ولم يكن يقبل إنابة أحد محله في حضور جلسات افتتاح دور الانعقاد، إيماناً منه بأهمية دور المجلس، كما كان، طيب الله ثراه، يهتم باستقبال كل الوفود الأجنبية التي كانت تحضر لزيارة المجلس، وكان يفسح من الوقت ما يتيح له استقبال هذه الوفود ويتابع أخبار المؤتمرات البرلمانية، وكان رئيس المجلس يعرض على سموه نتائج هذه المؤتمرات، وكان يبدي ملاحظات عليها ويصدر توجيهات بشأنها. 
 
ضوابط وطنية لممارسة نهج «الشورى» 
إذا كانت تلك القناعات والأسس والمبادئ قد سادت في مرحلة التأسيس، فإن مرحلة التمكين، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ تستند أيضاً في أصولها وركائزها على مبادئ وقيم ونهج زايد، الذي أقر مبدأ خصوصية التجربة الإماراتية في الشورى، حيث كان يقول «إننا سنعطي كل شيء حقه ولا نريد الاستعجال حتى لا نفشل، يجب أولاً تحقيق مقومات الحياة البرلمانية، ونحن لا نريد أن نقفز أو نسرع فيما نصبو إليه»، وهنا تكمن جذور مبدأ التدرج السياسي الذي يمثل أحد أهم ديناميات عمل مرحلة التمكين.
 
 وكان القائد المؤسس، طيب الله ثراه، يؤكد دائما أن الحديث عن الديمقراطية ينبغي أن يكون على مراحل، من مرحلة إلى أرقى منها، وكانت هذه الرؤية الاستراتيجية نابعة من قدرته على استشراف المستقبل والوعي بتطوراته استناداً إلى تجارب الماضي وخبراته وموروث حكمة فطري أصيل، فعلى سبيل المثال تشير الأدبيات إلى أنه، طيب الله ثراه، قد تحدث في سنوات التأسيس بوضوح عن إيمانه بأهمية انتخاب أعضاء المجلس الوطني الاتحادي وأن ذلك سيتم في المستقبل.  وفي تجل رائع لمبدأ الشورى قال ـ طيب الله ثراه ذات مرة، علمت أن اللجنة المكلفة بوضع مسودة الدستور قد رأت أن الوقت لم يحن بعد لاتباع الانتخاب المباشر، وهذا يعني أن القائد المؤسس لم يكن يتخذ قرارات مهمة كهذه من دون اعتماد على مشورة ورأي المختصين. 
 
وإذا الواقع يؤكد أن مرحلة تأسيس البناء الاتحادي قد شهدت ترسيخ دعائم الشورى، فإنها قد شهدت كذلك وضع الأطر لممارستها بشكل يخدم مصلحة الشعب والوطن، فبعد ستة أشهر فقط من إعلان تأسيس الاتحاد، تحدث القائد المؤسس عن المشاركة السياسية ومعاييرها وضوابطها، في خطاب تاريخي أمام المجلس الوطني الاتحادي في 19 يوليو 1972، حيث خاطب الأعضاء قائلاً: «إنني أطالبكم ان تقولوا رأيكم بصراحة في كافة القضايا التي تعرض عليكم، ولا يهمكم شخص كبير أو صغير لأنكم لا تمثلون أنفسكم، فأنتم تمثلون أمة بأكملها، ومجلسكم هو مجلس أمة، وعليكم أن تبحثوا الأمور التي تحقق الصالح العام دون تراخ، فأنتم الحامية المخلصة لآمال هذا الشعب، وأنتم الحامية الحريصة على مستقبل هذا الوطن، وإذا حدث أي تراخ فإنكم بذلك تتحملون المسؤولية، إن المجلس ليس عليه أي رقيب او وصاية من أي فرد أو جهة من الجهات، ولقد كفل لكم الدستور الحقوق الكاملة، وهذا يعطيكم الاطمئنان للتعبير ونحن نرحب بكل اقتراحاتكم البناءة ونعمل دائما على الاستجابة لها وأنتم حين تبنون لا تبنون لأنفسكم، بل تبنون للأجيال القادمة من بعدنا، كما بنى الأسلاف من قبلنا، والحمد لله فإن البناء يزداد قوة فوق قوة، وقد تابعت مناقشتكم ووقف على إدارتكم العميقة لكافة الأمور الصغيرة والكبيرة ومتابعتها بنفس الاهتمام، وبروح أخوية، وأنا أقول لكم إن هذه التجربة التي مررتم بها تثري العمل الوطني ونحن لا ينقصنا شيء، لأننا أهل وروح الأخوة موجودة بيننا، والثقة فيكم كبيرة، ومن هنا لا يجب أن يتقاعس أي فرد فينا، لأن وطننا يحتاج منا إلى بذل كل جهد والحياة ثروتها العمل، وكل شيء في هذه الدنيا زائل وستبقى اعمالكم هي الخالدة».
 
هذه الكلمات ذات الدلالات العميقة تؤسس للمشاركة السياسية، عبر قواعد ومبادئ تتمثل في الأمانة والإخلاص والقدرة على تحمل المسؤولية الوطنية والاضطلاع بأعبائها.  ولاشك أن هذا النص تحديداً يمثل وثيقة وطنية تاريخية تحدد ضوابط ممارسة الشورى، التي تمت ترجمتها من خلال الدستور واللوائح الناظمة لأداء الأعضاء في المجلس الوطني الاتحادي، فضلاً عن أنها تضع أسس تحمل المسؤولية الوطنية في إطار من الحرص على روابط الأخوة المجتمعية، التي تمثل أحد أهم سمات وخصائص مجتمع دولة الامارات؛ حيث تناول القائد المؤسس حقوق أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، ولكنهم في الوقت نفسه حمّلهم مسؤولية وطنية جسيمة أمام الأجيال المقبلة والتاريخ، وهذه هي أصول العمل الوطني في قوالبها الحديثة، فالحقوق يقابلها واجبات، «فالمؤمن لا يغلط ومن يغالط يكون قد غالط نفسه وأهله»، كما قال، طيب الله ثراه، وهذه هي أصول الحكم التشاوري في أرقى صورها وممارساتها العصرية؛ فصون الحقوق وتجنب الوصاية مرهون بتحمل مسؤولية تحقيق الصالح العام لأن عضو المجلس الوطني لا يمثل نفسه بل يمثل أمة بأكملها كما قال ـ طيب الله ثراه ـ وقد نص دستور دولة الامارات على ذلك بالفعل في المادة (77). 
 
مما سبق يتضح أن القائد المؤسس كان يدرك بوعيه الفطري قيمة تضافر الجهود والتشارك في تحمل مسؤولية بناء الوطن، فالشورى الحقة لا تستهدف مجرد الجدال واثارة اللغط، ولا النقد الجارح، بل تستهدف تفاعل الآراء والخبرات والنقد الموضوعي البنّاء الملتزم بقيم المجتمع وعاداته، مسترشداً ببوصلة المصلحة العامة، التي تمثل صمام أمان يحدد المسار الصحيح لممارسة نهج الشورى، وهذا مانجده في قوله ، طيب الله ثراه: «أنا مع النقد البناء، وكل مجاملة على حساب المصلحة العامة أرفضها رفضاً باتاً، فالذين يربطهم مصير واحد لا تجوز بينهم المجاملة غير الحقة، مطلوب الصدق لا التصديق، مطلوب الصراحة وعدم المجاملة مع الابتعاد عن التجريح».
 
وتعكس المعايير السابقة في مجملها منظومة متكاملة لأسس الشورى الحقة، فالوطنية تقتضي دائماً إعلاء مصلحة الشعوب والأوطان، من دون مجاملة ولكن من دون تجاوز أو تطاول أو تجريح في الوقت ذاته، وهنا فصل واضح بين النقد والتجريح، فالحفاظ على الروابط الأخوية والسلم الاجتماعي يقتضي الاحترام والتقدير المتبادل  وتفادي الصراعات والأحقاد الشخصية فقاعدة «زايد» السياسية في ممارسة الشورى هي أنه «من الطبيعي أن تكون هناك خلافات في وجهات النظر، وليس من الطبيعي أن يكون الجميع برأي واحد وموقف واحد وبأسلوب واحد، في التفكير والعمل، على كل حال نحن نشدد على الشورى والاحتكام للحق والصواب والمصلحة العامة».  وفي تحديده لأطر ومعايير المسؤولية الوطنية، يقول أيضاً في افتتاح الفصل التشريعي الثالث في 30 نوفمبر 1978 «إن لهذا البلد حقوقاً على أبنائه، وكما قدم لهم من خدمات وكما أتاح لهم من فرص الحياة الكريمة، فكذلك عليهم أن يشعروا بالمسؤولية نحوه، وعلى كل مواطن أن يؤدي واجبه، وان يأخذ دوره في معركة الحياة الجادة والعمل المنتج الكريم، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
 
وفي ظل انتقال نهج الشورى من الممارسة القبلية التقليدية إلى الممارسة العصرية الحديثة عبر المجلس الوطني الاتحادي، تمت ترجمة معايير وضوابط ممارسة الشورى، التي آمن بها القائد المؤسس المغفور به بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى صيغ وأطر تتماشى مع النسق البرلماني المعاصر، وذلك من خلال اختصاصات ومهام المجلس وحقوق الأعضاء وحدود مسؤولياتهم، المتضمنة في الدستور، حيث نصت المادة (81) على «لا يؤاخذ أعضاء المجلس عمّا يبدونه من الأفكار والآراء في أثناء قيامهم بعملهم داخل المجلس أو لجانه»، كما تضمنت المادة (86) النص على أن القاعدة في جلسات المجلس هي العلانية، عدا استثناءات لمقتضيات الضرورة يراها ممثل الحكومة أو رئيس المجلس أو ثلث الأعضاء، ما يعكس حرصاً على دعم الشفافية والوضوح في البناء السياسي للدولة، ومن ثم فقد توافرت للمجلس الوطني الاتحادي منذ تأسيسه دعائم واضحة لأداء الدورين التشريعي والرقابي ضمن اختصاصاته.
 
تطور مسيرة الشورى في مرحلة التمكين
إذا كانت مرحلة تأسيس الدولة قد شهدت انشاء المجلس وترسيخ نهج الشورى، فإن مرحلة التمكين، قد مثلت منعطفاً فارقاً في مسيرة التطور البرلماني بالدولة، بل يمكن أن نطلق عليها التأسيس الثاني للمجلس الوطني الاتحادي، لما تضمنته من تحولات نوعية فارقة في مسيرة العمل البرلماني، عبر إطلاق برنامج «التمكين» عام 2005، والذي دشن من خلاله صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في خطابه بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للاتحاد خارطة طريق للتنمية في مجالاتها وتجلياتها كافة، وفي مقدمتها التنمية السياسية، حيث حمل خطاب سموه التاريخي برنامج التمكين السياسي، الذي تضمن خارطة طريق واضحة قائمة على أسس منهجية مدروسة استهدفت تفعيل دور المجلس، متضمنة أهداف هذا التفعيل وآليات عمله والمبادئ التي ينطلق منها ويرتكز عليها :»إن المرحلة المقبلة من مسيرتنا، وما تشهده المنطقة من تحولات، وإصلاحات تتطلب تفعيلاً أكبر لدور المجلس الوطني الاتحادي، وتمكينه ليكون سلطة مساندة، ومرشدة، وداعمة للمؤسسة التنفيذية، وسنعمل على أن يكون مجلساً أكبر قدرة، وفاعلية، والتصاقاً بقضايا الوطن، وهموم المواطنين تترسخ من خلاله قيم المشاركة الحقة، ونهج الشورى من خلال مسار متدرج منتظم»، هادفاً ، حفظه الله، من وراء ذلك إلى استشراف متطلبات المستقبل بقوله «إن واحداً من أهم مقاصدنا للمرحلة القادمة يتمثل في تهيئة الظروف اللازمة لإعداد مواطن أكثر مشاركة وأكبر إسهاماً، وكان لا بد من الانتقال بتجربة المجلس الوطني الاتحادي إلى مرحلة أكبر تمثيلاً وأوضح فاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين، تترسّخ من خلالها قيم المشاركة ونهج الشورى، يمارس المجلس دوره كسلطة تشريعية داعمة لكل التحولات التي يشهدها المجتمع، وذلك عبر ممثلين كل ولائهم للوطن دون غيره، ملتزمين بأهدافه ومصالحه، معزّزين نظامه السياسي».
 
وقد وضع صاحب السمو رئيس الدولة أسس مرحلة التمكين وضوابطها وأهدافها بقوله «نحن اليوم على مشارف مرحلة جديدة أطلقنا عليها مرحلة التمكين تمييزاً لها عن مرحلة التأسيس السابقة لها، وترجمة لهذه الرؤية كان الانطلاق في هذا التحول تدريجيا، شمل في مرحلته الأولى مشاركة المواطنين عبر هيئات انتخابية محلية في الإمارات السبع بانتخاب نصف ممثليهم للمجلس، وتم اختيار النصف الآخر وفقاً للآليات الجارية سابقاً، لننتهي تدريجيا ـ بإذن الله ـ إلى عملية انتخابية كاملة»، وأكد سموه على: «أن التجربة في مجملها لا هي مفروضة ولا هي تقليد للآخرين، إنما هي توجه وطني خالص أَمْلته علينا المصالح والأولويات الوطنية، ومن الطبيعي أن تتقاطع هذه المصلحة الوطنية، في كثير من الأحيان، مع بعض المعطيات الإقليمية والدولية، فالإمارات عضو فاعل في محيطها الإقليمي والدولي، تؤثر فيه وتتأثر به».
 
وقد أتت التجارب الانتخابية التي تمت ـ حتى الآن ـ ابتداء من عام 2006، والتي شهدت انتخاب نصف أعضاء المجلس، بثمار تعكس عمق ورشادة برنامج التمكين، ومدى مواكبته لمتطلبات التطور والنهضة الحضارية التي تشهدها دولتنا، فسرعان ما كشفت التجربة عن نتائج باهرة تحقق ما تنشده قيادتنا الرشيدة وما يتطلع إليه شعب الاتحاد، حيث باتت المرأة الإماراتية شريكاً فاعلاً في بناء المستقبل، سواء عبر الانتخاب أو التعيين في المجلس الوطني الاتحادي، كما توسع نطاق المشاركة السياسية مع تعدد التجارب الانتخابية تجسيداً لمبدأ التدرج المدروس الذي يراعي خصوصية دولتنا ومجتمعنا وتجربتنا التنموية الفريدة.
 
وإذا كان خطاب التمكين يعد الأساس الفكري والفلسفي لهذه المرحلة التاريخية المهمة من الحياة السياسية والبرلمانية في الدولة، فإن هناك إجراءات وآليات مؤسسية قد تلت إعلان الخطاب ووضعت الخطط التنظيمية لتنفيذه، ومن ذلك القرار رقم (3) لسنة 2005 الصادر من المجلس الأعلى للاتحاد متضمناً النص على اعتبار خطاب صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين لدولة الإمارات العربية المتحدة خطة عمل وطنية للعمل بمقتضاها خلال المرحلة المقبلة كخطوات متدرجة لعملية تمكين المجلس الوطني الاتحادي وتفعيل دوره في مسيرة العمل الوطني. 
كما تم أيضاً تحديد آلية اختيار أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، بعد أن طويت صفحة التعيين الكامل للأعضاء وتطبيق آلية قائمة على انتخاب نصف عدد أعضاء المجلس، بحيث يكون النصف منتخباً والأخر معيناً، طبقاً لمبدأ التدرج، حيث تم تطبيق هذه الآلية في عام 2006 بتشكيل هيئة انتخابية لانتخاب نصف أعضاء المجلس ممن يترشحون من بين أعضاء هذه الهيئة، كما منحت المرأة حق المشاركة السياسية بالتصويت والترشح.
هو أن يكون المجلس أكثر تمثيلا وهي التي تعكس حق انتخاب الشعب لممثليه في المجلس الوطني الاتحادي.
 
وتلا انتخابات عام 2006، خطوة تعزيزية لإجراءات التمكين من خلال التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2009 الذي تضمن تمديد عضوية المجلس الوطني الاتحادي لأربع سنوات ميلادية، وتمديد أدوار الانعقاد لسبعة أشهر، على أن يقوم المجلس بوضع لائحته الداخلية، وإصدارها بقرار من رئيس الدولة، كما تولى المجلس دوراً رقابياً جديداً يمثل إضافة نوعية لصلاحيته الرقابية ويختص تحديداً بالمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تحال اليه بقرار من رئيس الدولة. 
 
وتحقيقاً لغرض التمكين، تم استكمال الآليات اللازمة لتحقيق أهدافه باستحداث وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي للاضطلاع بمهمة التنسيق بين المجلس والحكومة، وتم تأسيسها بموجب المرسوم الاتحادي رقم 10 لسنة 2006، ثم إصدار لائحة داخلية جديدة للمجلس الوطني الاتحادي في عام 2016 وقد تواصل تنفيذ برنامج التمكين وفقاً لنهج التدرج في التجارب الانتخابية الثلاث التي جرت حتى الآن(انتخابات 2006، 2011، 2015)، ويستكمل في انتخابات 2019، التي تجري في أكتوبر الجاري، حيث تنص طريقة اختيار ممثلي كل امارة في المجلس الوطني الاتحادي عن طريق انتخاب نصف ممثلي الامارة من قبل هيئة انتخابية لكل امارة، حيث تكونت هذه الهيئة في انتخابات عام 2006  من مائة ضعف عدد المقاعد المخصصة للإمارة بالمجلس وفقا للدستور، وكان للمرأة الإماراتية حضور بارز في هذه الانتخابات، حيث شهدت فوز أول أمراه إماراتية بعضوية المجلس من خلال الانتخاب، كما تم تعيين ثمان عضوات من قبل حكام الإمارات. وبذلك شغلت المرأة عام 2006 تسعة مقاعد في المجلس الوطني الاتحادي، أي بنسبة 22.5% ، وهي من أعلى النسب عالمياً.
 
وفي انتخابات عام 2011 صدر قرار صاحب السمو رئيس الدولة رقم (2) لسنة 2011 بزيادة عدد الهيئة الانتخابية التي سوف تختار ممثلي كل امارة ليكون ثلاثمائة ضعف عدد المقاعد المخصصة لكل امارة في الدستور بدلا من مائة ضعف.
 
وقد بلغ عدد المواطنين الذين كان لهم حق الانتخاب في الانتخابات الأولى التي أجريت عام 2006 6595 مواطناً ومواطنة، وقد زاد هذا العدد في انتخابات 2011 إلى 135308 مواطناً ومواطنة، مواطنًا، ووصل العدد إلى 224281 مواطناً ومواطنة في انتخابات عام 2015، وفي انتخابات العام الجاري 2019، بلغ عدد أعضاء الهيئة الانتخابية 337738 مواطناً ومواطنة، بزيادة تصل إلى 50.58% مقارنة بقوائم الهيئات الانتخابية للعام 2015. وتحظى المرأة الإماراتية بحضور مميز في القوائم الانتخابية للعام 2019 بنسبة تصل إلى 50.62% مقابل نسبة الذكور والتي بلغت 49.38%، وهو ما يبرز الإيمان الكبير لقيادة دولة الإمارات بالدور الفاعل للمرأة في تطور مسيرة العمل النيابي، وخدمة الوطن. كما بلغت نسبة الشباب في قوائم الهيئة الانتخابية لعام 2019 (من الفترة العمرية 21 عاماً ولغاية 40 عاماً) 61.32% من إجمالي قوائم الهيئات الانتخابية، حيث يشكل الشباب من عمر 21 عاماً إلى 30 عاماً نسبة 30.04%، فيما تبلغ الفئة العمرية من 31 عاماً إلى 40 عاماً نسبة 31.28%، وهو ما يفسح المجال لمشاركة واسعة من الشباب الإماراتي في العملية الانتخابية التي سوف تمتد على جميع مناطق دولة الإمارات لاختيار ممثلين لهم في المجلس الوطني الاتحادي.
 
تمكين المرأة في المجلس الوطني الاتحادي
حتى إعلان برنامج التمكين في عام 2005، لم تكن المرأة في دولة الامارات قد حصلت على حق المشاركة السياسية، وبالتالي لم تكن قد حصلت على عضوية المجلس الوطني الاتحادي منذ تأسيسه، وبالتالي كان أحد دعائم برنامج التمكين الذي شمل مختلف القطاعات والمجالات التنموية في الدولة، بما في ذلك مجال التنمية السياسية، تمكين المرأة سياسياً من خلال منحها حق الانتخاب والترشح لعضوية المجلس، حيث شاركت المرأة في الانتخابات الأولى للمجلس الوطني الاتحادي في ديسمبر 2006، وجاءت تلك المشاركة بمنزل تحول نوعي كبير كان له أثر واضح سواء على صعيد تعزيز دور المرأة الإماراتية ومكانتها، أو تحسين الصورة الذهنية للمرأة الإماراتية والخليجية والعربية دولياً، أو من خلال بناء النموذج الملهم اقليمياً في مجال تمكين المرأة بما حفّز دول عربية أخرى على الاحتذاء بهذا النموذج. ومن المؤكد أن نيل المرأة الإماراتية حقوقها السياسية بعد نحو 34 عاماً فقط من تأسيس دولة الاتحاد يعد إنجازاً قياسياً بكل المقاييس في ضوء الحقيقة القائلة بأن معظم دول العالم، بما في ذلك الدول المتقدمة، قد شهدت نضالاً استمر لعقود طويلة كي تحصل المرأة على حقوقها السياسية.
 
وفي أول انتخابات برلمانية، فازت الدكتورة أمل عبد الله القبيسي بعضوية المجلس الوطني الاتحادي عن إمارة أبوظبي كأول إماراتية تفوز بالانتخاب، بينما وصل عدد المقاعد التي شغلتها المرأة في الفصل التشريعي الرابع عشر (2007ـ2011) تسعة مقاعد من أصل 40 مقعد بعد تعيين ثمانية نساء أخريات، بنسبة 22.5% من إجمالي أعضاء المجلس، وكانت من أعلى النسب عالمياً في تلك الفترة.
وفي التجربة الانتخابية الثانية، في الفصل التشريعي الخامس عشر، جاءت نسبة تمثيل المرأة في عضوية المجلس الوطني الاتحادي ,5 بعدد (7) عضوات من إجمالي (40) عضواً، حيث فازت أيضاً عضوة واحدة هي الدكتورة شيخة عيسى غانم العري عن إمارة أم القيوين وتم تعيين عدد (6) عضوات. وفي التجربة الانتخابية الثالثة، عادت نسبة تمثيل المرأة للارتفاع مجدداً، وبلغت نسبة تمثيل المرأة %22 بعدد (8) عضوات، وأسفرت الانتخابات عن فوز ناعمة عبد الله الشرهان عن إمارة رأس الخيمة، وتم تعيين (7) سيدات ليصبح عددهن نحو 8 نساء في المجلس الوطني الاتحادي.
 
وحصل تمكين المرأة في المجلس الوطني الاتحادي على دفعة قوية باختيار د. أمل عبد الله القبيسي رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي في الفصل التشريعي السادس عشر (2015ـ2019)، حيث كان هذا الاختيار أحد أبرز شواهد مسيرة تمكين المرأة في الدولة بشكل عام. ثم جاء قرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس إلى %50 اعتباراً من الفصل التشريعي السابع عشر (2019ـ2023)، ليضع الامارات في صدارة الدول الأكثر تمثيلاً للمرأة في البرلمانات، ويتوج مسيرة ممتدة من الإجراءات والسياسات الداعمة لتمكين المرأة.
 
تمكين المرأة برلمانياً في دول مجلس التعاون
لقد حققت خطوات تمكين المرأة برلمانيا في دولة الامارات نموذجاً مهماً على المستوى الإقليمي كما واكبت خطوات مماثلة على صعيد دول مجلس التعاون، حيث ارتفعت مشاركة المرأة الخليجية في البرلمانات بشكل عام الى نحو 16.7 في المئة في عام 2018 مقارنة بنحو 11 في المئة في 2017، حيث ارتفعت نسبة تمثيل المرأة في مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية إلى %20 بأمر ملكي منذ عام 2011، كنسبة تمثيل للنساء في مجلس الشورى، ثم جاء قرار صاحب السمو رئيس الدولة برفع نسبة تمثيل النساء في المجلس الوطني الاتحادي إلى %50  اعتبارا من الدورة المقبلة هذا العام، ليضع الامارات في المرتبة الأولى خليجياً متقدمة على السعودية (30 عضوا) التي حلت في المرتبة الثانية تلتها مملكة البحرين بنحو 12 عضوة بين مجلس النواب ومجلس الشورى. اذا ارتفعت نسبة تمثيل المرأة البحرينية في السلطة التشريعية إلى 18.75 في المئة مقارنة بـ 15 في المئة في الفصل التشريعي الرابع، وبالنسبة للتمثيل النسائي في مجلس الشورى العماني، ففي الفترة الثامنة أي الفترة الحالية 2015 ـ 2019 احتفظت إمرأة عمانية واحدة بمقعد عضوية المجلس من بين (20) امرأة خاضوا الانتخابات مقابل نحو 600 مرشح. بينما يضم مجلس الدولة المعيّن 13 امرأة من مجموع 84 عضواً. واستحوذت المرأة البحرينية على 42 في المئة من رئاسة لجان مجلس الشورى و10 في المئة من رئاسة لجان مجلس النواب، منوهة الى أن المرأة تولت منصب النائب الثانى لرئيس مجلس النواب في ثلاث فصول تشريعية، كما تولت في نهاية عام 2018 رئاسة مجلس النواب في مملكة البحرين.
 
أما على مستوى التمثيل النسائي في المناصب الوزارية فحلت الامارات في المرتبة الأولى خليجيا في تمكينها للنساء من تقلد مناصب وزارية ووظائف قيادية عليا. وتشغل المرأة في الإمارات نسبة 66 في المئة من وظائف القطاع الحكومي وهي واحدة من أعلى النسب في جميع أنحاء العالم، ومن تلك النسبة تشغل المرأة 30 في المئة من الوظائف القيادية العليا المرتبطة باتخاذ القرار. وفي مجلس الوزراء بتشكيلته الجديدة بلغ تمثيل المرأة 27.5 في المئة، بعد دخول خمس وزيرات جديدات من بين ثمانية وزراء يدخلون المجلس لأول مرة ليبلغ عدد الوزيرات في الحكومة ثماني وزيرات.
وبوزيرة واحدة ومنصب رئيسة مجلس النواب التي فازت به بالانتخاب فوزية بنت عبدالله زينل،  وحضور في مواقع صنع القرار وسوق العمل حلت المرأة البحرينية في المرتبة الثانية خليجيا، اذ تستحوذ المرأة على نسبة 53 في المئة من العاملين في القطاع الحكومي، و5 في المئة من المناصب الوزارية، و23 في المئة في المناصب القيادية، و30 في المئة في منصب مدير إدارة، و59 في المئة نسبة العاملات البحرينيات في الوظائف التخصصية.
 
وفي المرتبة الرابعة على مستوى تمكين المرأة من المناصب القيادية العليا في الحكومات حلت سلطنة عمان اذ انها تعتبر أكثر الدول الخليجية التي تسعى لزيادة تمكين المرأة من المناصب القيادية وحازت في عام 2018 على المرتبة الأولى في تمكين المرأة العمانية، وفقا للتقرير السنوي الصادر عن مركز دراسات مشاركة المرأة العربية التابع لمؤسسة “المرأة العربي”.
 
خاتمة
لقد جاءت مسيرة التمكين التي شملت مختلف قطاعات الدولة لتمنح المسيرة التنموية قوة دفع متجددة وتزودها بروافد جديدة تتماشى مع الأهداف التنموية الطموحة التي تضمنتها بعد ذلك رؤية الامارات 2021، ومئوية الامارات 2071، كما كان تمكين المجلس الوطني الاتحادي ضمانة مهمة لأن تواكب التنمية السياسية بالدولة بقية مجالات التنمية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، حيث ضمنت مسيرة تمكين المجلس الوطني الاتحادي إنضاج تجربة الامارات البرلمانية عبر نهج تدرجي مدروس يمثل أحد خصوصيات النموذج الاماراتي وروافده في آن واحد، ضمنت اكتمال عوامل نجاح النموذج وتفرده، حيث تعتبر المشاركة السياسية، ولاسيما بالنسبة للمرأة الإماراتية، محفز قوي على إسهام الأجيال الجديدة بقوة في العمل والإنتاج وتحمل مسؤولية العمل الوطني في شتى القطاعات التنموية، كما ضمنت أيضاً تحصين النموذج الاماراتي ضد الفتن ومخططات القوى التآمرية التي تستغل أي ثغرات يمكن أن تنفذ منها لتشن حروب الجيل الرابع لزعزعة الامن والاستقرار الاجتماعي والسعي إلى تفكيك الروابط القوية التي تقوم عليها المجتمعات. ورغم أن المجتمع الاماراتي يتميز بخصال وسمات وخصائص تنأى به عن الكثير من الإشكاليات والمعضلات التي تعانيها مجتمعات عربية أخرى بسب تدخلات خارجية سواء من دول أو تنظيمات وجماعات تعمل لمصلحة أطراف خارجية، فإن تربص قوى الشر بالجميع يجعل من العمل على تحصين كل المجتمعات في مواجهة أي مخططات خارجية مسألة ضرورية وحتمية. وهكذا فإن العرس الديمقراطي الذي تشهده الدولة من خلال التجربة الانتخابية الرابعة يمثل خطوة مهمة للغاية في مجال التمكين، ولعل تحقق هذه الخطوة عبر إطار يحمل بصمات الامارات وخصوصيتها الثقافية والحضارية عبر نهج التدرج يمثل قيمة نوعية مضافة لهذا الإنجاز، لاسيما بما ينطوي عليه من وصول نسبة تمثيل المرأة في البرلمان إلى %50 لتصبح الامارات واحدة من أعلى نسب تمثيل النساء برلمانياً في العالم، بكل مايعنيه ذلك من انعكاسات إيجابية على مؤشرات التنافسية العالمية للإمارات على صعيد مؤشرات التوازن بين الجنسين ومن ثم تحقيق اهداف رؤية الامارات 2021، وكذلك لتصبح من أوائل الدول التي تحقق أهداف أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره