مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-10-01

جهود إماراتية حثيثة لمكافحة القرصنة البحرية

"القرصنة البحرية" تحدٍ عالمي قديم قدم التجارة البحرية على مر العصور، حيث عادت هذه الظاهرة البغيضة لتطل برأسها من كتب الأساطير والتاريخ القديم لتهدد سفناً تجارية حديثة لم تكن أطقمها تسمع عن القراصنة وحكاياتهم سوى من قصص الماضي البعيد. وفي الوقت الذي تسعى فيه الكثير من الدول إلى مواجهة سيناريوهات "حروب المعلومات" و"قراصنة الانترنت" الذين يهددون بتعطيل الأنظمة الالكترونية والبني التحتية والمرافق الإستراتيجية، يطل في بعض المناطق البحرية الإستراتيجية خطر قرصنة آخر ليمثل تهديداً قادماً من بوابة التاريخ.
 
إعداد: التحرير
 
مع تنامي حركة الملاحة الدولية بفضل الكثير من قوانين التجارة واتفاقات التبادل التجاري، ما يفتح الباب أمام مزيد من التعاون الدولي، برزت القرصنة البحرية كأحد أبرز التحديات على هذا الصعيد، حيث قفز مستوى التهديد الناجم عن تزايد معدلات القرصنة البحرية في السنوات العشر الأخيرة إلى واجهة الأحداث وانتقل الاهتمام بشأنه من بؤرة طالما اعتبرت نقاط قرصنة تقليدية مثل مضيق ملقا، إلى مناطق أخرى مثل سواحل الصومال. وترتبط القرصنة البحرية تحديداً بالأوضاع الأمنية في دول تحتل مواقع إستراتيجية بحرية، تتسبب أي اضطرابات في أمنها واستقرارها الداخلي في توفير المجال أمام مجموعات من القرصنة والمغامرين لاتخاذ سواحل هذه الدول نقطة انطلاق لاعتراض سفن الشحن التجارية وناقلات النفط لاختطافها ثم المساومة على الإفراج عنها مقابل فدية مالية.
 
لمحة تاريخية
عرف العالم القرصنة البحرية منذ قبل الميلاد، إلا أنها جلبت الاهتمام العالمي بقوة خلال الفترة الماضية مع توالي أعمال القرصنة في القرن الإفريقي على أيدي مسلحين صوماليين؛ في ظل حالة من التوتر والعنف تعيشها الصومال منذ سنوات طويلة، ويرجع تاريخ القرصنة البحرية إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة في البحر الأبيض المتوسط أثناء نمو التجارة البحرية المكثفة بين مصر وجزيرة كريت وفينقيا، وكانت القرصنة بشكل مجموعات من البحارة تعيش على سواحل صقلية، وتهاجم السفن المنفردة والموانئ ذات الدفاعات الضعيفة، وكان سكان جزيرة كريت هم أول من فكّر بالتصدي لهؤلاء، ثم جاء بعد ذلك دور مصر في عهد الفراعنة، حيث جهزت لأول مرة في التاريخ أسطولاً حربيًا صغيرًا لمحاربة القراصنة الذين ينهبون سفن البحر الأبيض المتوسط ومدنه، وكان القراصنة يهاجمون الأراضي في العمق فينهبون المواشي والجواهر والمحاصيل، ثم يأسرون الرجال والنساء والأطفال ويبيعونهم، وكانت القرصنة تتطلب شروطًا أساسية لقيامها، منها: توافر الغابات لصنع السفن، ووجود ورشات لصناعة تلك السفن، ووجود أيدٍ ماهرة لصناعة السفن المتينة القوية التسليح، ووجود أسواق لتصريف البضائع المستولى عليها.
وتنتشر عمليات القرصنة البحرية حالياً شمالاً إلى خليج عدن وجنوبًا إلى سواحل كينيا، ويقول مكتب البحرية الدولي: إن "عمليات القرصنة قبالة القرن الإفريقي وفي خليج عدن، ومساحتها حوالي مليون ميل مربع، تمثل ثلث عمليات القرصنة في العالم بأسره". أما مساعد مدير مكتب الملاحة الدولية في لندن، الذي يتابع مثل هذه العمليات، مايكل هوليت فيقول: لقد ارتفع عدد هذه العمليات من خمس عام  2006 إلى 12 العام الماضي، وحتى الآن خلال هذا العام بلغ عددها 39، ويسيطر القراصنة على 17 سفينة وأطقمها الـ339، بعد أن كانوا قد احتجزوا وأطلقوا 22 سفينة أخرى مع 439 يشكلون أطقمها. وتابع هوليت: "لا يتمّ إطلاق سفينة اليوم حتى يتمّ اختطاف أخرى في اليوم التالي". ويشير نويل شونج الذي يرأس مكتب الإبلاغ عن القرصنة إلى أنّ "المخاطر تبدو ضئيلة والعوائد تبدو كبيرة بالنسبة إلى القراصنة"، وأوضح قائلاً: "إنهم يعرفون أنّ حظوظ مقتلهم أو اعتقالهم أثناء عملية الاختطاف تبدو قليلة جدًا".
المفارقة في هذا الإطار أن وتيرة القرصنة البحرية قد تزايدت وتصاعدت في وقت اعتقد فيه العالم غياب أو على الأقل تراجع خطر مثل هذا التهديد التقليدي لأمن الاقتصاد العالمي بعد أن برزت تهديدات أخرى من النوع ذاته ولكنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتقدم العالمي على صعيد التكنولوجيا، وبمعنى آخر فإن بروز القرصنة البحرية التي عادت إلى واجهة الأحداث من عصور غابرة، قد تزامن مع حديث عالمي متواتر عن نوع آخر من القرصنة وهو القرصنة الالكترونية أو الرقمية.
وربما يزداد الأمر خطورة ويتفاقم مستوى التهديد والتحدي الأمني الناجم عن ظاهرة القرصنة البحرية في ضوء التلازم والارتباط بين هذه الظاهرة وظاهرة أخرى لا تقل خطورة على الأمن والاستقرار العالمي، وهي الإرهاب الدولي، حيث ارتبطت الظاهرتان وازداد الاهتمام العالمي بمواجهتهما معاً عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقارن الخبراء الغربيون بين القرصنة التي نشهدها في المحيط الهندي وبحر العرب وبين القرصنة التي سادت في البحر الكاريبي أو الأبيض المتوسط في القرن السادس عشر، والسابع عشر والثامن عشر، ويجمعون كذلك على أن القرصنة البحرية نتاج مباشر لعدم الاستقرار والافتقار إلى حكم القانون في بعض المناطق في البر، ذلك أن القراصنة لا يتحركون بحراً سوى في ظل وجود قاعدة انطلاق برية مأمونة بالنسبة إليهم داخل المناطق المسماة "الدول الفاشلة" أو الرخوة أمنياً.
الإحصاءات تشير إلى أن نحو معظم التجارة العالمية تتحرك عبر الطرق والمعابر البحرية في مختلف البحار والمحيطات، ما يعني أن هذه الطرق البحرية تعد شرياناً حيوياً للاقتصاد العالمي، وإذا أدركنا أن المنطقة الواقعة أمام سواحل الصومال وبحر العرب تعتبر طريقاً بحرياً تقليدياً بين الشرق والغرب، وأن معظم التدفقات التجارية تمر عبر هذه الطرق، لأدركنا حجم الخطورة الناجمة عن أي تهديد لسهولة الملاحة في هذا الممر البحري الحيوي، ما يفسر تواتر الجهود الدولية للحد من الظاهرة، والمؤتمرات الدولية التي انعقدت في الكثير من مدن العالم ونقاط تمركز الحركة التجارية البحرية فيه مثالاً كاشفاً في هذا الصدد.
 
تنامي ظاهرة القرصنة
لقد سجلت أول عملية قرصنة في مارس  1995، حينما أطلقت عناصر ميليشيا صومالية قذائف هاون على يخت بريطاني في خليج عدن، وقد حال دون صعود المهاجمين على متنه، اقتراب سفينة حربية كندية كانت تمر بالمكان، وتوالت أعمال القرصنة منذ ذلك الحين، حتى تحولت إلى تهديد أمني للخطوط التجارية البحرية الدولية في السنوات الأخيرة.
ظلت السواحل الصومالية خالية من أي مراقبة حكومية منذ انهيار النظام المركزي في الصومال الذي أعقبه اندلاع حرب أهلية، ولم يدر بخلد المسلحين بأن البحر يمكن أن يشكل ساحة أخرى لممارسة النهب إلا في وقت متأخر من عام  2003، وحتى في ذلك الوقت كانت المناوشات تدور بشكل محدود بين الصيادين المحليين وسفن الصيد الأجنبية التي استباحت مئات منها المياه الصومالية الخالية من الحراسة وفي بعض الأحيان كانت تعمل بترخيص من زعماء الحرب الصوماليين الذين يسيطرون على هذه المناطق، وظل الأمر هكذا حتى بداية عام 2005 عندما تشكلت عصابات من المسلحين مزودة بالقوارب السريعة وبالأسلحة الثقيلة وقامت بمهاجمة السفن العابرة للسواحل الصومالية دون تمييز، سواء التجارية أو الصيد أو ناقلات النفط وحتى البواخر المستأجرة للأمم المتحدة لإيصال المساعدات إلى الصوماليين المتضررين من كارثة تسونامي وقتذاك، كما هيمنت أعمال القرصنة على الأحداث التي وقعت في الصومال في عام 2005 حيث وقعت أكثر من 40 عملية قرصنة ضد سفن تجارية وسياحية وناقلات نفط في السواحل الصومالية التي اعتبرها مكتب الملاحة الدولي الأخطر في العالم.
في بداية تنامي الظاهرة، لم تهتم الكثير من الدول بخطورة القرصنة البحرية وارتباطاتها، حيث تم تجاهل نداءات المكتب البحري الدولي الموجهة إلى الدول التي تمتلك قوات بحرية في السواحل الصومالية في إطار مكافحة الإرهاب بحماية السواحل الصومالية من القراصنة، حيث كان الهاجس الأساسي لهذه الدول  والأولوية القصوى لقواتها البحرية المتواجدة في منطقة القرن الإفريقي التصدي لمحاولات عناصر القاعدة للتسلل إلى تلك المنطقة لكي لا تتخذها ملاذاً آمناً لها.
 
بين الصومال وملقا
في عام 2004 أصدر المكتب البحري الدولي  IMB، المسؤول عن مراقبة القرصنة في مختلف أنحاء العالم، تقريراً يكشف عن ارتفاع حاد في أعداد البحارة الذين قتلوا في النصف الأول من ذلك العام، حيث قال التقرير الصادر عن المكتب أن عدد قتلى عمليات القرصنة زادت بمعدل الضعف عن نفس الفترة من العام 2003 ووصلت إلى 30 قتيلاً من أطقم السفن. وكان ذلك هو أعلى رقم قرصنة يتعلق بعمليات قتل في عشرة أعوام على الرغم من انخفاض عالمي في أعداد الهجمات، وكان نصف هؤلاء الذين قتلوا كانوا في المياه النيجيرية، كما اعتبرت فيتنام وبنجلادش والفلبين من بين المواقع الساخنة الأخرى.
وذكر التقرير أن أعداد الهجمات البحرية حول العالم انخفض بنحو الربع تقريباً مقارنة بنفس الفترة من العام 2003، لكن الوضع تدهور في مضيق ملقا، حيث زادت الهجمات على السفن في أكثر الممرات البحرية كثافة في العالم بمعدل 33 بالمئة، وفي رد فعل على ذلك بدأت كل من ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة في تسيير دوريات بحرية مشتركة للمضايق، ووقعت 22 من بين 182 حادثة وردت تقارير بوقوعها في مختلف أنحاء العالم في النصف الأول من العام 2004 في مياههم معظمها في منطقة اندونيسيا، وعانت اندونيسيا في النصف الأول من ذلك العام  من 50 هجمة مقارنة بـ 64 حادثة وقعت في نفس الفترة من العام الماضي. والمعنى هنا أن اسم الصومال لم يكن يتردد تقريباً في التقارير الدولية الخاصة برصد هذه الظاهرة حتى عام  2004، حيث لم تشر التقارير إلى وقوع أي حادثة قرصنة بحرية أمام سواحل الصومال حتى ذلك العام. بل اللافت أن التقارير رصدت العشرات  من حوادث القرصنة الصغيرة والكبيرة من دون أن تصنف التهديد أمام سواحل الصومال باعتباره خطراً ملحاً، حيث أعلن المكتب الدولي للملاحة البحرية في عام 2002 أن المياه الإقليمية الإندونيسية هي الأخطر للملاحة الدولية، وقال المكتب في تقرير إن المياه الإندونيسية شهدت 44 حادث قرصنة، بالإضافة لتسع حوادث في مضيق ملقا. وفي الأشهر الست الأولى من عام 2002، قُتل ستة من أطقم البحارة في هجمات في جميع أنحاء العالم، من بينهم أربعة قتلوا في المياه الإقليمية الإندونيسية، وفقاً لتقرير المركز الواقع في كوالالمبور. كما يلفت الانتباه أيضاً أن معظم جرائم القرصنة التي كانت تتم وقتذاك لم تكن تستهدف ابتزاز مالكي السفن للحصول على فدية مالية للإفراج عن الأطقم والسفينة، بل إن غالبية هجمات القرصنة كانت تتم بغرض سرقة البضائع التي تحملها السفن، أو لسرقة الخزائن أو ممتلكات أطقم البحارة، وعلى سبيل المثال، شهدت الفترة من يناير حتى يونيو 2002  نحو 14 عملية قرصنة فقط بدافع ابتزاز ملاك السفن، بزيادة عمليتين عن الفترة نفسها في العام الماضي، كما يلاحظ أن السكين كان السلاح الرئيسي في شن هجمات القراصنة كما حدث في 57 هجوماً مقارنة بـ 31 هجوماً استخدمت فيه الأسلحة النارية. 
تقارير هيئات الملاحظة الدولية كانت ترصد مستويات التهديدات على حركة الملاحة التجارية في البحر، وكانت تشير إلى هجمات قراصنة في دول عدة أخرى منها الهند وبنجلاديش، في حين كان الخطر في الحالة الصومالية كانت هذه التقارير تعتبر فقط أن الإبحار بالقرب من الأراضي الصومالية شديد الخطورة بسبب الميليشيات المسلحة. وقال المركز في تقريره عن الصومال وقتذاك: "يعتلي المسلحون أي سفينة تهدئ من سرعتها أو تقف بالقرب من الساحل الصومالي، ونجحوا حتى الآن في الحصول على مبالغ كبيرة من ملاك السفن التي يختطفونها مقابل الإفراج عن السفن وأطقم البحارة".
وفي حين كانت التقارير الدولية تعتبر إندونيسيا والبحار المحاذية لها ضمن المناطق التي شهدت أخطر أعمال القرصنة البحرية، ما تسبب في إلصاق سمعة سيئة على إندونيسيا وقتذاك باعتبار سواحلها مرتعاً للقراصنة، واعتبرت المياه المحاذية للساحل الصومالي وخليج عدن من المناطق الخطرة أيضاً ولكن بدرجة أقل فقد قال مكتب النقل البحري الدولي إن على السفن التي تستخدم هذه المياه أن تتحلى بأعلى درجات الحذر، حيث يستخدم قراصنة هذه المنطقة الزوارق المسلحة السريعة لسلب السفن وإطلاق النار عليها ونصح المكتب السفن بعدم الاقتراب من الساحل الصومالي.
ويبدو أن حظ الأمن في مضيق ملقا كان أفضل بمراحل من سواحل الصومال حيث أسفر التعاون الدولي وقتذاك عن تراجع كبير لهذا الخطر في المضيق، بعد أن اتفقت كل من إندونيسيا وسنغافورة وماليزيا على تسيير دوريات حراسة بحرية مشتركة للمضيق، حيث  تطل الدول الثلاث على المضيق الذي يعد واحداً من أكثر مناطق العالم ازدحاماً بحركة الشحن، ويمر عبر ممر ملقا المائي الضيق أكثر من ربع تجارة العالم وجميع واردات النفط المتجهة إلى اليابان والصين تقريبا. وتمثل القرصنة مشكلة في تلك المنطقة منذ قرون لكنها ازدادت سوءاً في الأعوام الأخيرة من القرن العشرين، لكن مستوى التهديد قد ازداد عقب هجمات 11 سبتمبر 2001.
 
دور إماراتي للسيطرة على الظاهرة 
ضمن مبادرات عدة طرحتها دولة الإمارات العربية المتحدة على مدار الأعوام الماضية، وتختص جميعها بمعالجة القضايا التي تتصل اتصالاً وثيقاً بالأمن والاستقرار الإقليمي والدولي وهي مبادرات تلقى اهتماماً كبيراً واستجابة واسعة من جانب الدول والجهات المعنية، جاءت مبادرة استضافة المؤتمر الدولي "التهديد العالمي وأشكال الاستجابة الإقليمية.. صياغة منهجية مشتركة لمواجهة القرصنة البحرية" والذي عقد في دبي في أبريل الماضي بتنظيم مشترك من قبل وزارة الخارجية الإماراتية وموانئ دبي العالمية، حيث شارك في هذا المؤتمر وزراء خارجية عدد من الدول ونحو 400 مسؤولاً من مختلف دول العالم وعن "المنظمة البحرية الدولية"، إلى جانب عدد من قادة القطاع وممثلي منظمات الرعاية الاجتماعية ومجموعة كبيرة من التنفيذيين في كبريات شركات الشحن البحري العالمية والخبراء المعنيين، واكتسب هذا المؤتمر أهمية ليس فقط لطبيعة المشاركين فيه من الخبراء والمتخصصين في هذه الظاهرة بأبعادها المختلفة، وإنما أيضاً لأنه سعى إلى إيجاد الإطار المناسب لتنسيق الاستجابات الدولية العاجلة من أجل وضع حد للتهديد الذي تشكله ظاهرة القرصنة البحرية على المستويات كافة، خاصة مع تزايد القناعة بضرورة بذل جهود منسقة ومستدامة من جانب الحكومات وقوات الأمن والقطاع الخاص لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة التي تهدد أمن العالم واستقراره، وتعرقل حركة التجارة العالمية، وقد عكس هذا المؤتمر حرص الإمارات على أن تكون في صدارة أي تحركٍ أو جهدٍ دولي لمواجهة الأخطار التي تهدد أمن العالم واستقراره وتجارته، حيث كان تنظيم مؤتمر «القرصنة البحرية» نابع من إدراكها القوى لما تنطوي عليه هذه الظاهرة من تهديد جدي لخطوط الملاحة البحرية العالمية مما يؤدي إلى خسائر ضخمة للاقتصاد العالمي، كما أن مستوى التمثيل الدولي في هذا المؤتمر كان انعكاساً للثقة التي توليها الإمارات إزاء التعامل مع ظاهرة القرصنة، والتي أكدتها العملية الناجحة التي نفذتها القوات الإماراتية الخاصة لمكافحة الإرهاب التابعة للقوات المسلحة لتحرير سفينة ترفع علم الإمارات من أيدي القراصنة في المنطقة الواقعة شرق عُمان في بحر العرب، حيث أوضحت هذه العملية بجلاء كيف أن دولة الإمارات لا تتهاون مع الإرهاب أو تستجيب لعمليات الابتزاز التي يقوم بها القراصنة من خلال عمليات الاختطاف التي ينفذونها ويطلبون على ضوئها مبالغ مالية كبيرة تصل إلى ملايين الدولارات، وكانت القوات الخاصة الإماراتية لمكافحة الإرهاب وبإسناد من وحدات القوات الجوية والدفاع الجوي قد قامت في الثاني من أبريل من العام 2011، بعملية ناجحة لتحرير السفينة (إم في أريله) التي ترفع العلم الإماراتي من أيدي القراصنة.
وقال مصدر أمني إماراتي وقتذاك: إن وحدة مكافحة الإرهاب المدعومة بوحدات من القوات الجوية والدفاع الجوي وبالتنسيق مع الأسطول الخامس الأمريكي اقتحمت السفينة وأعقب عملية الاقتحام استسلام الخاطفين. وأشار المصدر إلى أن هذه العملية الحاسمة إنما تؤكد تصميم حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة على التعامل بحزم مع أية عمليات للقرصنة، وتوضح عزم الدولة على عدم الرضوخ لمثل هذه التهديدات، وبعد ذلك بفترة حكمت محكمة إماراتية، على 10 قراصنة صوماليين بالسجن المؤبد بعد إدانتهم باختطاف السفينة الإماراتية.
وتعليقاً على الدور الإماراتي الفاعل على صعيد مواجهة ظاهرة القرصنة بالحرية أمام سواحل الصومال تقدم شيخ شريف شيخ أحمد رئيس الصومال بالشكر الجزيل وعظيم الامتنان إلى دولة الإمارات العربية رئيساً وحكومةً وشعباً لاستضافتها المؤتمر الدولي الثاني لمكافحة القرصنة البحرية الذي وصفه بالمؤتمر الهام بالنسبة للمسألة الصومالية ومحاربة ظاهرة القرصنة البحرية بصفة خاصة، وأضاف في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للمؤتمر: إن دولة الإمارات العربية وجهت جل اهتماماتها إلى انتشال الشعب الصومالي من المستنقع الذي وقع فيه وآلت على نفسها أن لا تترك الشعب الصومالي يئن تحت أنقاض الخراب والدمار وأنفقت ملايين الدولارات من أجل عودة الأمن والاستقرار إلى الصومال عن طريق تقديم كل المساعدات المادية والمعنوية إلى الصومال وطرق كل الأبواب المؤدية إلى إيجاد الحلول المناسبة للمعضلة الصومالية. وأضاف شريف بأن المؤتمر يأتي في أعقاب مؤتمرين عالميين أحدهما عقد في لندن والآخر في اسطنبول وكانا يبحثان عن أفضل الطرق المناسبة لإيجاد حلول للمعضلة الصومالية وصدرت عنهما قرارات وتوصيات مفيدة وكانت لدولة الإمارات العربية اليد الطولى لإنجاح هذين المؤتمرين الدوليين. وقال إن الحكومة الصومالية منهمكة في هذه الأيام لتهيئة الجو الملائم لتوديع المرحلة الانتقالية والاستعداد لاستقبال المرحلة الجديدة التي تبدأ في أغسطس 2012 مشيراً إلى أن الاستعدادات للمرحلة القادمة تتطلب منا مزيداً من الجهود ومزيداً من الدعم الدولي وناشد المجتمع الدولي أن يوفي بوعده ويتحمل تكاليف المؤتمر التأسيسي حتى لا تكون هناك تبريرات للتلكؤ وعدم تنفيذ الخطط كما وضع لها، وقال شيخ شريف: إن الحكومة الصومالية تؤكد ترحيبها للجهود الدولية التي لا تمس سيادة وكرامة الشعب الصومالي وتبذل قصارى جهدها لمكافحة القراصنة ولكنها ترى أن الجهود الدولية المبذولة لا يمكن أن تحقق النتائج المرغوبة وأن المليارات التي تقدر ما بين 5 - 6 مليارات دولار التي ينفقها المجتمع الدولي في مكافحة القرصنة تذهب سدى في حين أن الحكومة الصومالية تعرض خدماتها الخاصة التي تراها ضرورية وفعالة وقادرة لاستئصال ظاهرة القراصنة إذا ما توفرت الإمكانيات الضرورية لها التي تقدر بأقل من 1 % من إجمالي ما ينفقه المجتمع الدولي لمكافحة القراصنة وبمدة وجيزة جداً لأن القراصنة ليسوا من سكان البحار بل هم جاءوا من البر الصومالي الذي نريد تطهيره من الإرهابيين والقراصنة، وأضاف أننا على استعداد تام لمواجهة هذه الآفة وأننا وعلى الرغم من قلة إمكانياتنا المادية المتواضعة المتاحة لنا فإننا نبذل قصارى جهدنا لاتخاذ خطوات ملموسة نهدف من ورائها تطويق واستئصال نشاطات القرصنة البحرية في بعض السواحل البحرية المتاخمة لحدودنا البرية وذلك عن طريق تدريب فوجين من المشاة البحرية بهدف القيام مستقبلاً بعمليات عسكرية تمهد السبيل لحملة بحرية واسعة النطاق تتيح لقواتنا البحرية تطهير هذه العناصر الإجرامية من مياهنا الإقليمية التي تعتبر المركز الرئيسي لأعمال القرصنة.
من جانبها استجابت دولة الإمارات بشكل عملي لمتطلبات الاستقرار في الصومال حيث خلال المؤتمر عن تقديم مبلغ 3 ملايين و680 ألف درهم (مليون دولار) للمساهمة في رفع قدرات القوات البحرية والسواحل الصومالية لمواجهة ظاهرة القرصنة البحرية، فيما بلغ إجمالي قيمة المساعدات الإنسانية والمالية التي قدمتها الدولة إلى الصومال خلال السنوات الأربع الماضية، 92 مليون درهم، ما يقرب من 25 مليون دولار أمريكي، حيث قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية في كلمة ألقاها نيابة عن سموه، معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر:  "نحن في دولة الإمارات نتمتع بتاريخ عريق في الملاحة البحرية والتجارة ما يجعلنا نشعر بقلق عميق إلى معاناة البحارة".
 
وأضاف: "لقد أصبح من الواضح أنه يجب توجيه الجهود نحو التوصل إلى قيادة إقليمية أكثر قدرة في سياق الاستجابة الدولية على مكافحة القرصنة، وذلك انطلاقاً من حقيقة أن الحل المدار إقليمياً هو وحده القادر على أن يكون مستداماً على المدى الطويل في هذا الإطار". وقال إن دولة الإمارات أكدت مراراً على الحاجة إلى تقديم الدعم إلى الدول في تلك المنطقة وخاصة الصومال، وذلك حتى تتمكن هذه الدول من أن تظهر استجابات وطنية فعالة على القرصنة البحرية التي تنطلق من شواطئها، وأوضح، أن دولة الإمارات في سعيها لأن تلعب دوراً مهماً في هذا الملف فإنها تنطلق من حس بالمسؤولية وشعور بأهمية تفعيل الدور الإقليمي في التصدي لهذا التحدي تحقيقاً للاستقرار في المنطقة ودعماً للصومال حكومة وشعباً. من جانبه قال سلطان بن سليم رئيس مجلس إدارة "موانئ دبي العالمية" في كلمته أمام المؤتمر  إن مستويات الهجمات على السفن التجارية في المياه الإقليمية الصومالية شهدت تراجعاً ملحوظاً منذ خمسة أعوام، وأنه لم يسجل خلال النصف الأول من العام الجاري، سوى 30 هجوماً بالمقارنة مع 176 هجوماً خلال الفترة نفسها من العام الماضي، موضحاً أن نسبة نجاح هجمات القراصنة انخفضت من 28 % عام 2009 إلى 14 % خلال العام الماضي، ورغم ذلك فإن وتيرة حدة عنف القراصنة في تصاعد مستمر حيث شهد عدد البحارة الذين لقوا حتفهم جراء القراصنة ارتفاعاً بنحو ثلاثة أضعاف من 8 إلى 24% ، فيما قضى منذ عام 2007 نحو 62 بحاراً حتفهم كنتيجة مباشرة لأعمال القرصنة. وأشار بن سليم إلى أن دراسة حديثة، أظهرت أن القرصنة الصومالية كلفت المجتمع الدولي نحو 6.9 مليار دولار في العام الماضي أي ما يزيد بنحو مليار دولار عن الناتج المحلي الإجمالي للصومال، وحذر بن سليم من أن التأثير الاقتصادي الكلي على دول المنطقة جراء القرصنة سيكون سلبياً على المدى الطويل ما لم يتم التعامل مع هذا التهديد بجدية وفاعلية. من ناحيتها، أشادت الخارجية الأميركية بجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة القرصنة وتقديم الدعم المالي واللوجستي والعسكري بمواجهة هذه الظاهرة التي تتهدد المنطقة بتبعات اقتصادية واجتماعية سلبية. وقال توماس كيلي مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون العسكرية والسياسية ومسؤول مكافحة القرصنة إن دولة الإمارات تستحق كل الشكر والتقدير لما تبذله من جهود كبيرة بمكافحة القرصنة ومساعدة الصومال. ولفت خلال حديث مع صحيفة «الاتحاد» إن استضافة دولة الإمارات للمؤتمر الذي يجمع اللاعبين الأساسيين لمكافحة هذه الظاهرة دليل على الدور الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات لدعم وإنجاح الجهود العالمية لمكافحة القرصنة. وأبدى مساعد وزير الخارجية الأميركية إعجابه بالقوات الخاصة لمكافحة الإرهاب التابعة للقوات المسلحة الإماراتية، ونجاحها في تحرير السفينة (ام في أريلة) العام الماضي من أيدي القراصنة.  وقال: قدمت دولة الإمارات بتحرير السفينة من أيدي القراصنة نموذجاً ساطعاً على الدور الكبير الذي تقوم به في مكافحة القرصنة وتقديم القراصنة الذين تم إلقاء القبض عليهم إلى المحاكمة العادلة، وقال: إن محاكمة القراصنة أمام المحاكم الإماراتية يستحق الإشادة والتقدير من كافة دول العالم، مشيراً إلى أن جهود الإمارات بدعم "صندوق الثقة" الخاص بمساعدة الصومال ظاهرة للجميع، مشيداً بالدعم الجديد الذي تم الإعلان عنه بتقديم مليون دولار لمساعدة الصومال.
 
إستراتيجية إماراتية وطنية لمكافحة القرصنة
قال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، في كلمة له ألقاها خلال مؤتمر المانحين من القطاع العام والخاص والذي أقيم على هامش مؤتمر مكافحة القرصنة بدبي العام الماضي، إن دولة الإمارات قامت بوضع إستراتيجية وطنية شاملة في مجال مكافحة القرصنة البحرية، حيث ترتكز تلك الإستراتيجية على 3 محاور هي الاستجابة العسكرية القوية والالتزام بجلب القراصنة الموقوفين إلى العدالة، بالإضافة إلى تقديم المساعدات بعيدة المدى وإقامة شراكة تنموية مع عدد من دول المنطقة. وأضاف أن المشاركين في مؤتمر مكافحة القرصنة يسجلون لحظة تحول في علاقة التعاون بين القطاعين العام والخاص في مجال مكافحة القرصنة البحرية، إذ إن المؤتمر شهد تقديم مساهمات متميزة لصندوق الأمم المتحدة الائتماني لمكافحة القرصنة من قبل قطاع النقل البحري ومن قبل الصناعات المتعلقة بهذا القطاع، كما شهد المؤتمر ازدياداً ملحوظاً في عدد المشاركين الجدد في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة. وأشار سموه إلى أن صندوق الأمم المتحدة ساهم في تنفيذ عدد من مشاريع بناء القدرات في المنطقة، وتمويل المشاريع التي تشجع تنمية الأنشطة الاقتصادية البديلة في المناطق المتأثرة بالقرصنة، كما ساهم في دعم إجراءات محاكمة وسجن القراصنة المدانين، لافتاً إلى أن الظروف المالية الحالية للصندوق هي مصدر قلق بالغ لجميع المشاركين في المؤتمر. وأكد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان أن الإستراتيجية الوطنية التي وضعتها دولة الإمارات لمكافحة القرصنة يجب أن تكون مكملة للجهود الدولية في المجال ذاته، مشيراً إلى أن الإمارات تعد عضواً فاعلاً في فريق الاتصال الدولي المعني بمكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، والمدعوم من قبل صندوق الأمم المتحدة الائتماني لمكافحة القرصنة.
وأعلن سموه عن مشاركة دولة الإمارات في دعم الصندوق الائتماني بمبلغ مليون دولار أمريكي، مؤكداً ثقته بأن المشاركين في المؤتمر لن يترددوا في المساهمة بهذا الصندوق المهم، لاسيما في جوانبه المتعلقة بتعزيز سلطة القانون ودعم مشاريع التنمية. من جهتها، قالت معالي ريم الهاشمي وزيرة الدولة: إن موافقة الإمارات على استضافة هذه الجلسة المشتركة مع الأمم المتحدة على هامش أعمال مؤتمر مكافحة القرصنة تعد بالنسبة لدولة الإمارات أحد مكونات إستراتيجيتها الوطنية الشاملة في محاربة القرصنة، حيث قامت الدولة وكجزء من هذه الإستراتيجية، بالالتزام بطرح القضايا الرئيسية التي تهدد المنطقة مثل القرصنة البحرية على قمة أولويات جداول أعمال المنتديات الدولية، مشيرة إلى أن قضية القرصنة البحرية يجب أن تتصدر جدول أعمال كل من حكومات المنطقة ورجال الأعمال والمواطنين، خاصة عند وقوع هجمات القراصنة على بعد أميال فقط من شواطئ المنطقة. وأضافت أن تحدي مواجهة القراصنة، والذي يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم خلال القرن الحادي والعشرين، يتطلب استجابة شاملة ومتعددة الأوجه يقودها أصحاب المصلحة في هذا المجال، إذ إنه تم التعبير خلال المؤتمر عن الجهود التي تبذلها عدد من الجهات المعنية مثل جهود القوات المسلحة لعدد من الدول التي تشارك في القوات العسكرية لتشكيل استجابة بحرية عسكرية دولية فاعلية ضد القرصنة البحرية، بالإضافة إلى قطاع صناعة النقل البحري الذي يقوم بدعم تنفيذ أفضل الممارسات الإدارية التي تهدف إلى حماية السفن في البحار، فضلاً عن قيام الدول وقطاع صناعة النقل البحري معاً بدعم تطوير بناء القدرات، وتحسين مستويات المعيشة في تلك الدول المتأثرة بصورة كبيرة بالقرصنة. وأشارت إلى أنه بالرغم من هذه الاستجابة الدولية الشاملة، إلا أن عدد الهجمات التي شنها القراصنة شهد ارتفاعاً خلال الشهر الأول من عام 2011، كما قام القراصنة بتحديث وتطوير تكتيكاتهم، إلى جانب استخدام تقنيات معقدة، إضافة إلى وقوع مناطق أكثر تحت خطر التعرض للهجمات، كما أن هجمات القراصنة نفسها أصبحت تتميز بمعدلات أعلى من العنف. وأكدت أن أصحاب المصلحة عانوا بصورة كبيرة من التكاليف المتزايدة للقرصنة البحرية، بدءاً من الدول التي تساهم في قوات الاستجابة البحرية الدولية، وصولاً إلى قطاعات صناعة النقل البحري التي أصبحت مضطرة في الوقت الحالي إلى دفع رسوم تأمين أعلى. وقالت: يجب علينا ألا نضلل أنفسنا بالأرقام وحدها فقط، فهذه الدول والشركات العاملة في صناعة النقل البحري تتحمل كذلك التزاماً لا يمكن قياسه بالأرقام يتحمل عبئه الرجال والنساء، مدنيين كانوا أم عسكريين، ممن تتعرض حياتهم للخطر نتيجة لهجمات القراصنة في البحار. وأضافت أن الهجمات التي يشنها القراصنة قبالة السواحل الصومالية أدت إلى إعاقة ومنع وصول المساعدات التي تقدم إلى الشعب الصومالي عبر برنامج الأغذية العالمي، وعلى المدى الطويل، فإن الاقتصاد الإجرامي القائم في الصومال والذي يولده القراصنة سيحرم سكان الصومال من الاستثمارات طويلة الأجل التي تساهم في إيجاد وظائف ثابتة في البلاد وفي تحقيق استقرار عملية التنمية لكامل المجتمع، مشيرة إلى أنه على المجتمع الدولي التأكد من عدم القيام بإهمال الاستثمارات طويلة الأجل ودورها في إيجاد حل جذري للمشكلة.
 
جهود إماراتية..وطرق العلاج
من جانبه أكد سعادة فارس محمد المزروعي مساعد وزير الخارجية للشؤون الأمنية والعسكرية في دولة الإمارات العربية المتحدة بأن المؤتمر الثاني لمكافحة القرصنة البحرية والذي عقد تحت شعار "استجابة إقليمية للقرصنة البحرية لتعزيز الشراكات العامة والخاصة وتعزيز المشاركة العالمية" يوفر منصة إستراتيجية لتعزيز التعاون بين المؤسسات الإقليمية والدولية لمكافحة هذه الظاهرة من خلال المبادرات المشتركة بين القطاعين العام والخاص.
وتعد دولة الإمارات أحد أبرز الأطراف المعنية في الجهود الدولية لمكافحة هذا التهديد بوصفها مركزاً إقليمياً مجاوراً للدول الأكثر تضرراً من القرصنة، وكمركز عالمي رئيسي للأعمال والتجارة البحرية، وكعضو مسؤول في المجتمع الدولي. وبوصفها أحد الأعضاء البارزين في قائمة الدول التي تقود المسيرة الدولية لمكافحة القرصنة البحرية.
كما أشار بأن وزارة الخارجية في دولة الإمارات تقوم بجهود كبيرة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، حيث إن القرصنة البحرية من سواحل الصومال لها تأثير مباشر على الأمن الإقليمي وحرية التجارة وكذلك أمن الصومال.
والحل الإماراتي يعتمد على ركيزتين أساسيتين، الأولى تأمين فرص عمل للشباب والبحارة الصوماليين لثنيهم عن امتهان القرصنة، والثانية تقضي ببناء قوة خفر سواحل صومالية فاعلة وقادرة على التصدي للقراصنة متى وأينما يظهرون، وتشتمل في الوقت ذاته على قوة نجدة قادرة على مساعدة أي سفينة تتعرض للاختطاف في عرض البحر وتطلق نداء استغاثة.
 
خسائر القرصنة في خليج عدن
قدر تقرير اقتصادي أن أعمال القرصنة قبالة السواحل الصومالية تكلف المجتمع الدولي حوالي 8.3 مليار دولار سنوياً. وذكر التقرير، الذي أصدرته مؤسسة (جيوبوليستي كونسالتانسي)، إن إجمالي تلك التكلفة قد يرتفع إلى ما بين 13 إلى 15 مليار دولار بحلول عام 2015. وأشار التقرير إلى أن القرصان يمكن أن يحقق دخلا مقداره 79 ألف دولار في العام. وحذر التقرير من احتمال أن تجتذب القرصنة المزيد من الأشخاص للعمل بها، مضيفاً "بالنظر إلى العرض والطلب في أعمال القرصنة، فإن هناك مجالاً كبيراً للتوسع". وتوقعت مؤسسة جيوبوليسيتي، المتخصصة في مجال المعلومات الاقتصادية، أن يزداد عدد القراصنة الذين يعملون على السواحل الصومالية بحوالي 200 إلى 400 شخص كل عام. وقدرت المؤسسة تكلفة القرصنة خلال عام 2010 بين 4.9 إلى 8.3 مليار دولار، آخذة في الاعتبار تأثيرها على حجم التجارة البحرية العالمية والمساحة المتزايدة التي ينشط فيها القراصنة والأساليب المتطورة المستخدمة لمحاربتهم. كما حذر التقرير من أن أخطار القرصنة صارت تمثل مشكلة في المياه الأفريقية ومياه البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادئ. وأضافت الدراسة أن الدخل الإجمالي الذي حصل عليه القراصنة من نشاطهم تراوح بين 75 إلى 238 مليون دولار خلال عام  2010، وتشير هذه التقديرات إلى أي مدى يمكن أن تكون القرصنة جاذبة للشباب في بلد يعاني من الحرب الأهلية والفقر وتقل فيه فرص العمل والاستثمار وليست فيه حكومة مركزية قوية ولا تطبيق صارم لأحكام القانون. وأشار التقرير إلى أنه بينما يكون القرصان معروفاً وواضحاً للعيان، فإن ممولي القراصنة والجهات الراعية لهم يظلون متخفين.
وفي يناير 2011، أفادت دراسة بأن أعمال القرصنة البحرية تكبد الاقتصاد العالمي خسائر تتراوح بين 7 و12  مليار دولار سنوياً. وجاء في الدراسة التي أجراها معهد «تشاتام هاوس» في المملكة المتحدة أن هذه الخسائر تشمل مبالغ الفدية التي تدفع للقراصنة، وتكاليف تشديد الإجراءات الأمنية على السفن، إضافة إلى الأضرار التي تلحق بالتجارة العالمية، وبحسب الدراسة فمعظم هذه الخسائر تأتي من أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال، ورغم وجود قوة بحرية دولية للتصدي لأنشطة القراصنة الصوماليين إلا أن التقديرات تشير إلى تزايدها في السنوات الأخيرة مع اتساع نطاق العمليات، وقدر باحث في المركز نسبة الزيادة في أعمال القرصنة قبالة الصومال بنحو خمسة أضعاف منذ عام 2005، وأوضحت الدراسة أنه منذ عام 2006 بلغ إجمالي عمليات القرصنة في أنحاء العالم 1600 وقتل فيها نحو 54 شخصاً. وتتركز هذه العمليات في القرن الإفريقي و نيجيريا وخليج غينيا ومضيق ملقا. أما تكاليف تغيير مسار السفن لتفادي هذه المناطق الخطرة فتصل إلى نحو 3 مليارات دولار سنوياً، بينما ينفق نحو مليوني دولار سنويا على القوة البحرية الدولية التي تراقب السواحل الصومالية، كما تشير تقديرات إلى أنه منذ بداية هذا العام تم احتجاز أكثر من 500 قطعة بحرية من 18 دولة بواسطة القراصنة في جميع مناطق العالم. 
 
دور صيني نشط
الاهتمام بحماية الملاحة في خليج عدن لا يقتصر على قوات بحرية غربية، حيث تلعب الصين دوراً بارزاً توج باستضافة مؤتمر دولي استهدف تنسيق الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة القرصنة البحرية المستشرية بخاصة في خليج عدن قبالة الساحل الصومالي. وحضر المؤتمر مندوبون عن روسيا واليابان والهند والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) بهدف تنسيق مواكبة سفن النقل التجارية التي تبحر في الخليج المضطرب، ونظر المراقبون إلى المؤتمر باعتباره مؤشراً لمدى اهتمام الصين بقضية القرصنة المستجدة في خليج عدن وبخاصة أنها أرسلت العام الماضي سفناً حربية لإجراء دوريات في مياه الخليج، ويشار إلى أن القراصنة كانوا قد احتجزوا من قبل باخرة نقل صينية على متنها طاقماً مؤلفاً من 25 بحاراً. كما يذكر أن الصينيين ترددوا قبل المشاركة في مهام المواكبة والمراقبة في مياه خليج عدن، لكن باعتراف مسؤولي الاتحاد الأوروبي فان تعاونهم مع المهمة فاق كل التوقعات  وكانت الصين قد ترددت في المشاركة بهذه المهام لأنها لا تبدي عادة أي حماسة للمشاركة بمهام يديرها الأوروبيون أو حلف الناتو، ولكن موقف بكين تغير بعد أن اختطف القراصنة الباخرة الصينية وطاقمها في ديسمبر عام 2010 شمال جزر سيشل، كما تشارك اليابان أيضا  في أعمال التصدي للقرصنة البحرية قبالة السواحل الصومالية وبحر العرب، حيث تتواجد مدمرتان يابانيتان في خليج عدن ويبلغ عدد طاقم المدمرتين 400 عنصراً من قوات حرس السواحل مهمتهم تقديم الحماية للسفن اليابانية التي تعبر هذه المنطقة التي تنشط فيها أعمال القرصنة البحرية. وأعلن وزير الدفاع أن القرصنة قبالة السواحل الصومالية تعتبر تهديداً لليابان وللمجتمع الدولي ومن "واجب القوات اليابانية حماية حياة اليابانيين وممتلكات اليابان".
 
التعثر الدولي في مواجهة  القرصنة..لماذا؟
يشير الواقع إلى أن هناك تعاون دولي وتواجد عسكري مكثف مزود بأسلحة متقدمة في المنطقة الواقعة أمام السواحل الصومالية، ومع ذلك لم يعلن بعد القضاء على خطر القرصنة البحرية في هذه المنطقة نهائياً، ما يطرح بالتبعية تساؤلات حول أسباب التعثر في مواجهة هذه الظاهرة الخطرة على الاقتصاد العالمي، إذ يتساءل الكثيرون عن الأسباب التي تقف وراء إخفاق العناصر المدربة من القوات البحرية العالمية والمسلحة بأحدث المعدات في التغلب على قراصنة ليس بحوزتهم إلا بنادق كلاشنيكوف وقاذفات قنابل آر بي جي في أفضل الأحوال؟ وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن هذا النشاط العسكري العالمي المكثف قد تسبب في الحد من نشاط القراصنة في مياه خليج عدن، لكن ذلك لم يعني أن القراصنة استسلموا تماماً، بل انتقلوا جنوباً إلى المحيط الهندي مستأنفين أنشطتهم، ما يشير إلى  أن أول مشكلة تواجه القوات البحرية الأوروبية هي مسألة جغرافية، فعليها تمشيط منطقة بمساحة أوروبا الغربية، وقد تجد نفسها على بعد بضعة أيام من سفينة تتعرض لهجوم القراصنة، وحتى أن كانت تلك القوات في المكان المناسب عند حدوث هجوم للقراصنة، وهو احتمال ضئيل للغاية، فليس بوسعها استخدام أسلحتها المدمرة في معظم الأحيان. ويقول قائد القوات الأوروبية لمكافحة القرصنة بيتر بينت:  "أنه لا يعتبر القراصنة عدواً، لأنها ليست حرباً، بل نحن نعمل على تطبيق القانون بوسائل عسكرية". وتابع:  "نحن في الغرب نميل إلى إتباع الإجراءات الضرورية في المسائل القانونية، فلا يحدث مثلاً أن يطلق النار في لندن على شخص لأنه يبدو لصاً، كذلك نحن، ليس ذلك أسلوبنا". هناك أيضا أسباب تتعلق بهروب القراصنة من ملاحقة السفن الحربية بسبب معرفتهم بالقوانين، فعندما يرون سفينة حربية آتية يلقون إلى البحر يلقون أسلحتهم وسلمهم وحتى هواتفهم التي تعمل عبر الأقمار الاصطناعية ويتذرعون بأنهم صيادون، وبالطبع لا يشكل اقتناء المعدات مشكلة بالنسبة لهم نظراً للفديات الضخمة التي يتقاضونها، والتي تقدر بملايين الدولارات، وبالتالي لا تجد السفن الحربية أي دلائل مادية على اتهامهم بالقرصنة ولا يتوافر البرهان القانوني لاعتقالهم وتقديمهم للمحاكمات في الدول المشاركة في حماية حركة التجارة في خليج عدن. إحدى العقبات التي تواجه جهود القضاء على هذه الظاهرة أنها تحولت إلى مصدر للدخل للقراصنة بعد أن صار يدر عليهم عملهم عشرات الملايين تدفع لهم في شكل فدية مقابل الإفراج عن السفن والبواخر المختطفة، وبعض الخبراء يقولون أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتعداه كون القراصنة باتوا أكثر ذكاءً ودهاءً مما قد يتصور البعض، فقد وجدوا الطريقة التي يمكن من خلالها تبييض أموال نشاطاتهم تلك من دون أن يتركوا أثراً، كما هو الحال في بعض حالات غسيل الأموال، وهي ببساطة إبقائها داخل بلادهم.
هل يعني ذلك تعثراً فعلياً للجهود الدولية في مواجهة القرصنة؟ الشواهد تنفي هذا الأمر بل إن هناك مؤشرات تعكس نجاحاً دولياً في احتواء هذا الخطر، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن معالم الاستجابة لجهود مكافحة القرصنة في تلك المنطقة تنعكس في أمرين: الأول هو حشد القوات البحرية الدولية بشكل مكثف في مسعى لإيقاف القراصنة في عرض البحر، والثاني هو تشجيع التسوية السياسية داخل الصومال المقسم حتى يتم بسط سلطة القانون والنظام في تلك البلاد. وتشير التقارير إلى أن حجم القوات البحرية الدولية التي تُحشد يزداد فترة بعد أخرى، إذ بات يوجد الآن في المنطقة أسطول صغير من السفن التي أُرسلت من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وفرنسا وتركيا وألمانيا وروسيا والهند واليابان والصين ودول أخرى.
 
ويشير خبراء إلى وجود عقبات قانونية تحد من جهود السيطرة على ظاهرة القرصنة البحرية في خليج عدن، فعلى سبيل المثال يقول الخبراء أن قصف ميناء إيل، وهو الميناء الذي يستخدمه القراصنة كقاعدة رئيسية لهم على الساحل الصومالي، يبدو أمراً خارج إطار البحث والنقاش، إذ إن مثل هكذا خطوة، ورغم أنها قد تشكل الرد الأكثر فاعلية، تتطلب استصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي فرغم وجود قرار دولي يقضي بحق استخدام "الوسائل الضرورية" أي القوة إن اقتضى الأمر، لإيقاف أعمال القرصنة في المياه الدولية، ورغم وجود قرار آخر يقضي بالسماح بشن عمليات لمكافحة أعمال القرصنة ضمن المياه الإقليمية الصومالية، فإن مسألة استهداف الميناء عسكرياً لا تخلو من حسابات معقدة، علاوة على أن الحملات والعمليات البحرية يجب أن تُنفذ في إطار القانون الدولي، والمحدد في هذه الحالة بإطار بنود قانون البحار التابع لميثاق الأمم المتحدة.
وهناك أيضاً رأي قانوني آخر تطرحه وزارة الخارجية البريطانية ومفاده أنه لا يمكن بالضرورة إرسال القراصنة الذين يتم أسرهم لكي يتم تسليمهم إلى أي سلطة تتواجد في الصومال، وتحديداً في حال كان هؤلاء (القراصنة) معرضين لتلقي معاملة سيئة أو قاسية، إذ إن من شأن هذا (تسليم القراصنة) أن يناقض قانون حقوق الإنسان البريطاني، ولذلك نرى أن القراصنة، الذين يتم أسرهم على أيدي الأسطول البحري الملكي (البريطاني)، يُسلمون إلى كينيا وليس إلى الصومال.
يُشار إلى أن قانون البحار التابع لميثاق الأمم المتحدة يفرض قيوداً بشأن اتخاذ خطوات وإجراءات حاسمة وجريئة ضد القراصنة، فوفقاً للفقرة 100 من الميثاق، يتعين على السفينة التي تُكلف باعتراض أي سفينة أو قارب آخر أن يقودها مجموعة بحارة بقيادة ضابط، بحيث يصعدون إلى متن السفينة التي يُشك بأنها تابعة لقراصنة، وذلك من أجل التحقق من أي شكوك تدور حولها. كما ليس بإمكان السفينة المعترِضة فتح النار على أي سفينة مشتبه بها، إذ لا بد من تنفيذ أي عملية تفتيش بعد أن يتم "اتخاذ جميع الاعتبارات الممكنة". إن ذلك يبدو وكأنه ينطوي على الكثير من التردد والتجريب. ويقول الدكتور ديفيد كوردينجلي، وهو كاتب مختص بالشؤون الملاحية ومؤلف كتاب "الحياة وسط القراصنة":  لقد تم على مر التاريخ اتخاذ إجراءات حاسمة ضد القراصنة، ويضيف قائلاً: "كانت تجري على الأغلب محاكمة صورية (من يتم أسره من القراصنة) في لندن أو جامايكا أو بوسطن أو تشارلستون". ويردف بقوله: "ويلي ذلك تنفيذ حكم بالإعدام بشكل علني بحق المدانين وتُعلق جثثهم وتترك لتتدلى من على المشانق المنصوبة على مداخل الموانئ، وهكذا يتوصل البحارة إلى نتيجة مفادها أن القرصنة ليست بذلك الخيار السليم للعمل والعيش". ويرى الكاتب أن السلطات هذه الأيام لديها مشكلة حقيقة بسبب القانون الدولي، إذ أن هناك إجراءات يمكن لمالكي السفن إتباعها من قبيل توفير معدات ضرورية على متن سفنهم كخراطيم المياه والمعدات الصوتية التي تؤثر على سمع القراصنة أو الأسيجة الكهربائية، كما كانت عليه الحال أيام مواجهة القراصنة في منطقة الكاريبي، أو أي شيء آخر يمكن أن يُستخدم ضد القراصنة، ويمضي الدكتور كوردينجلي إلى القول: "إن القراصنة في أيامنا هذه يستخدمون الطرق نفسها تماماً التي كانت تُستخدم في السابق، فهم يتعقبون ضحاياهم، فينقضون عليهم ويصعدون إلى متن السفن المستهدفة وبأعداد تفوق عادة عدد طواقمها القليلة نسبياً". ويتابع قائلاً:  "والفرق هو في ما يلي بعد ذلك. فهم (القراصنة) اعتادوا على إزالة كل ما هو قيم من على متن السفينة التي قد يتركون أو يقتلون طاقمها. ونلاحظ مثلاً أن قراصنة الكاريبي لم يكونوا يلجأون إلى طلب الفدية، على الرغم من أن القراصنة البربر كانوا يفعلون ذلك، تماماً كما يفعل قراصنة الصومال اليوم". ويختم بقوله: "إلا أن الطرق القديمة بالتعامل معهم (القراصنة) لم تعد ممكنة أو تجدي نفعاً".
 
القرصنة من منظور قانوني
يمكن تعريف القرصنة البحرية بأنها "الجرائم أو الأعمال العدائية، والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما، أو طاقمها، أو حمولتها"، كما يمكن تعريف القرصان بأنه "المغامر الذي يجوب البحار لنهب السفن التجارية". وقد استخدمت كلمة قرصان في عام 140 قبل الميلاد من جانب المؤرخ الروماني بوليبيوس، وأشار إليها المؤرخ اليوناني بلوتارك عام مائة بعد الميلاد؛ ليعبر بها عن أقدم تعريف واضح للقرصنة؛ فقد وصف القراصنة بأنهم "أولئك الأشخاص الذين يهاجمون بدون سلطة قانونية ليس فقط السفن ولكن المدن الساحلية أيضًا". ولقد وصفت القرصنة لأول مرة في عدد من الأعمال الأدبية القديمة، ومن بينها الإلياذة والأوديسة، وانتشر في العصور الوسطى في بريطانيا معنى آخر للقرصنة هو "أنهم من لصوص البحر"، وظهر تعريف كلمة قرصان المعاصرة في القرن الثامن عشر الميلادي، وهو تعريف وصف القراصنة بأنهم "أشخاص خارجون عن القانون".
وقد نظمت اتفاقية جنيف للبحار العالية الصادرة في فبراير 1958 نصوص خاصة بالقرصنة البحرية فأورد بالمادة (15) منها النص على أن:  تتكون أعمال القرصنة من الأعمال التالي:
- أي من أعمال العنف أو أعمال الحجز غير القانوني أو السلب التي يقوم بها بارتكابها الطاقم أو الركاب على سفينة خاصة أو طائرة خاصة لأغراض خاصة وموجهة: ضد سفينة أو طائرة في البحار العالية أو ضد الأشخاص أو الأموال في السفينة ذاتها أو في الطائرة ذاتها. أو ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال في مكان يقع خارج نطاق الاختصاص الإقليمي لأي دولة من الدول.
- أي عمل يعد اشتراكاً اختيارياً في إدارة سفينة أو طائرة مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تمارس القرصنة.
- أي من أعمال التحريض أو التسهيل عمداً لأي من الأعمال التي ورد وصفها في الفقرة (1) أو (2) من هذه المادة. وقد أضافت المادتان 16 و 17 من اتفاقية جنيف السابق الإشارة إليها حالتين أخريين هما:
- أعمال القرصنة كما حددتها المادة (15) والتي ترتكب بواسطة سفينة حربية. أو سفينة حكومية، أو طائرة حكومية تمرد طاقمها وتحكم في السيطرة عليها.
- تعد السفينة أو الطائرة من سفن أو طائرات القرصنة إذا كان الأشخاص الذين يسيطرون عليها فعلاً يهدفون إلى استعمالها بقصد القاعدة ذاتها إذا كانت السفينة أو الطائرة قد استعملت لارتكاب أي من هذه الأعمال مادامت باقية تحت سيطرة الأشخاص المذنبين.
 
ويتضح من نص المادة (101) من اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1982، أنها تعرف القرصنة بنفس التعريف الوارد في المادة (15) من اتفاقية جنيف لسنة 1958 حول أعالي البحار التي بدورها لم تعمل أكثر من تدوين قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، كانت قد استقرت مدة طويلة في الممارسة الدولية.
ورغم أن القرصنة البحرية باتت التهديد البحري الرئيس عالمياً، إلا أن الاهتمام الدولي الحقيقي بخطورة هذه الظاهرة ارتبط بتزايد عمليات خطف السفن والناقلات أمام سواحل الصومال، وانعكس هذا الاهتمام الدولي في أحد جوانبه في المعالجات القانونية التي برزت في الكثير من المؤتمرات التي عقدتها الدول لتنظيم مسالة حماية السفن الدولية في الملاحة ،أو في الاتفاقيات التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة في هذا الخصوص من أجل التقليل من خطر القرصنة أو الحد منها، وكان ابرز هذه الاتفاقيات هي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1993 حيث عرفت القرصنة في المادة (101) منها بأنها عمل غير قانوني من أعمال العنف أو احتجاز أو أي عمل سلب يرتكب لأغراض القرصنة من قبل طاقم سفينة ويكون موجهاً في أعالي البحار ضد سفينة أخرى أو أشخاص على ظهر تلك السفينة. 
أما المادة (102) من الاتفاقية فقد أشارت إلى أن السفينة تكون في حالة قرصنة إذا كان من يستولي عليها يقوم بأحد الأعمال المشار إليها في المادة (101) أعلاه، أو كانت السفينة قد استخدمت في ارتكاب هذه الأعمال، مادامت تحت سيطرة الأشخاص الذين ارتكبوا هذا العمل.
 
موقف منظمة الأمم المتحدة تجاه القرصنة 
جاء تواجد القوات الأجنبية أمام سواحل الصومال بصفة قانونية وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1838)، الصادر في عام  2008، والذي أشار إلى القلق الشديد من أعمال القرصنة البحرية والسطو المسلح في البحر ضد السفن قبالة سواحل الصومال ، كذلك أشار إلى الخطر الذي يشكله ذلك على إيصال المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان وفعالية إلى الصومال.
وقد بين القرار أثار هذه الأعمال على الملاحة الدولية وعلى سلامة الطرق البحرية التجارية وعلى أنشطة صيد الأسماك.
ويمكن بيان موقف منظمة الأمم المتحدة من خلال ما جاء في قرار مجلس الأمن المذكور إذ قرر وبالاستناد إلى صلاحياته القانونية وفق الميثاق ما يأتي :
يقرر المجلس أن أعمال القرصنة والسطو المسلح قبالة سواحل الصومال تؤدي إلى تفاقم الوضع في الصومال وإن هذا الوضع يشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين.
وإذ كيف المجلس هذا التصرف (القرصنة) بأنه يؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين، ولذلك فقد قرر الآتي:
- شجب أعمال القرصنة والسطو المسلح على السفن قبالة سواحل الصومال. 
- يهيب بالدول المهتمة بأمن الأنشطة البحرية أن تشارك في مكافحة أعمال القرصنة قبالة سواحل الصومال عن طريق القيام وعلى وجه الخصوص بنشر سفن حربية وطائرات عسكرية ووفقا للقانون الدولي.
- يهيب بالدول التي تعمل سفنها البحرية وطائراتها العسكرية في أعالي البحار قبالة سواحل الصومال أن تستخدم في أعالي البحار والمجال الجوي قبالة سواحل الصومال جميع الوسائل الممكنة بما يتماشى مع القانون الدولي .
- يحث الدول التي لديها القدرة على مكافحة أعمال القرصنة والسطو المسلح في أعالي البحار أن تتعاون مع الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال وفقاً لأحكام القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1816 في  2008.
- يحث الدول والمنظمات الإقليمية على أن تتواصل ووفقا للقرار 1814 في اتخاذ الإجراءات لحماية القوافل البحرية التابعة لبرنامج الأغذية العالمية.
ويتضح مما سبق أن هذا القرار قد أشار إلى أن المكافحة تكون على وجه الخصوص بـ "نشر سفن حربية وطائرات عسكرية ووفقاً للقانون الدولي" مما يعني تأكيد استعمال القوة الهجومية منها أو الدفاعية. وأشار القرار إلى تعزيز فكرة القوات الدولية العاملة هناك من خلال نص صريح يخولها استخدام سفنها وطائراتها العسكرية في القيام بأعمال ضد القرصنة، وهذا بالتأكيد له أهمية في حماية المياه الإقليمية في سواحل الصومال إلا أنه يمثل اعترافاً من مجلس الأمن ضمنيا بحق تدخل هذه القوات في المياه الإقليمية واستخدام أي وسيلة ممكنة.
 
رؤى إقليمية
يرى اليمن أن هناك حاجة لأن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته في تقديم الدعم الفني واللوجيستي لمساعدة اليمن في مواجهة القرصنة البحرية في خليج عدن، لأن المسألة تنطلق من أمن الملاحة الدولية و90  % من التجارة الدولية تتم عبر النقل البحري، لذا يجب تضافر الجهود على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي ضمن أجندة واحدة مع عدم تغييب حل ومعالجة المشكلة الصومالية لأنها الأساس.
ويرى محللون أن قرارات مجلس الأمن التي دعت الدول القادرة إلى أن تضطلع بمسؤولية مكافحة القرصنة وحثت على التعاون مع الدول الأخرى، كان يجب أن تعطى اهتماماً بتعزيز قدرات الدول المشاطئة، ومنها الدولة الصومالية من خلال بناء مؤسساتها، كما يجب أن يقدم المجتمع الدولي الدعم اللازم لليمن في هذا الصدد، ويجب أن تصل المكافحة إلى حيث البنى التحتية للقراصنة.
ويثير بعض الخبراء تساؤلات حول أسباب فشل القوات الدولية المتمركزة أمام سواحل الصومال في القضاء على القرصنة، حيث طلبت الأمم المتحدة من الدول الكبرى التصدي لخطر القرصنة، واستجاب لذلك حلف الناتو وأرسل سبع بوارج حربية إلى خليج عدن عدن، وبعد وصولها بدأت تتحدث عن عدم قدرة القوات الدولية على مكافحة القرصنة، وقد تبع وصول هذه القوات وصول قوات من دول أوروبية كفرنسا وأسبانيا وروسيا، بالإضافة إلى الهند التي أعلنت عن تحرك عسكري لحماية المحيط الهندي، كما دخلت كوريا الجنوبية على الخط وأعلنت أنها ستشارك، كذلك ماليزيا، بالإضافة إلى الأسطول الأوروبي المكون من قوات تمثل تسع دول بقيادة بريطانيا، هذه الأساطيل الدولية الأوروبية بعد أن وصلت إلى المنطقة تحدثت عن أنها غير قادرة في القضاء على القراصنة وتطرح عدداً من الأسباب الوجيهة، أولا أن المياه المطلوب تأمينها تمتد على مدى ثلاثة ملايين كيلو متر مربع، يعني من خليج عدن إلى كينيا، بالإضافة إلى ذلك، فإن القطع البحرية ثقيلة جدا ولا تمتلك نفس المرونة التي تمتاز بها قوارب القراصنة ومراكبهم، وبالتالي هي غير قادرة على ملاحقتهم.
 
جهود صومالية 
أشار قائد قوات البحرية الصومالية اللواء الركن فارح أحمد عمر في حديث للجزيرة نت إلى أن الحكومة الصومالية قررت مكافحة جميع أوجه عمليات القرصنة البحرية المعترضة على الأساطيل البحرية العابرة بالمياه الدولية للصومال. وذكر فارح أنه على مدار السنتين الأخيرتين تم تدريب فوجين من المشاة البحرية الصومالية، بهدف القيام بعمليات عسكرية ضد القراصنة الذين يجوبون البحر لاختطاف السفن المحملة بالبضائع التجارية.
وأضاف فارح "لكن قواتنا ما زالت بحاجة إلى عتاد وأسلحة تمكنها من ردع القراصنة ومنعهم من اختطاف السفن، وهناك حظر للأسلحة مفروض على الصومال، مما يجعل جهود مكافحة القرصنة غير ناجحة بالصورة المطلوبة".
وأشار إلى أن القوات البحرية حققت الكثير من الإنجازات طيلة فترة عملها في مجال مكافحة القرصنة رغم المعوقات الفنية التي تواجهها أثناء تأدية واجبها الذي وصفه "بمهمة شاقة" في ظل غياب تسليح عسكري فائق الجودة لقواته البحرية. من جانبه يشير وزير الموانئ والنقل البحري ومكافحة القرصنة بحكومة بونتلاند سعيد محمد راجي إلى أن حكومته كثفت جهودها الرامية لتطويق القراصنة وفرض العزلة عليهم بغية تخليهم عن الأنشطة الإجرامية التي يمارسونها والتي من بينها اختطاف السفن والمطالبة بفدية مقابل الإفراج عنها، وأضاف راجي للجزيرة نت: "منذ سنتين بدأت حكومة بونتلاند اتخاذ إجراءات صارمة ضد القراصنة، وتم تدريب ألف وخمسمائة شرطي لمطاردة القراصنة". ولفت إلى أن نقاط انطلاق القراصنة في السابق أصبحت الآن تحت سيطرة قوات تابعة لشرطة بونتلاند، أما حكومة غلمدج -بوسط الصومال- فلجأت إلى وسيلة تأهيل القراصنة وإعادة دمجهم بالمجتمع، كإستراتيجية للحد من ظاهرة انتشار القرصنة.
ويقول رئيس هيئة غلمدج لمكافحة القرصنة البحرية تهليل موسى أحمد إنها "الوسيلة الأضمن لوقف ظاهرة القرصنة وما يرافقها من مشاكل اجتماعية خطيرة على المجتمع الصومالي". ويضيف موسى "منذ تأسيس الهيئة قبل سنتين تمكنا من فتح مركز لتأهيل القراصنة وإعادة دمجهم في المجتمع في جالكعيو -حاضرة ولاية غلمدج- وذلك عبر إخضاعهم لبرامج دراسية وتثقيفية، وتعليمهم مهارات حرفية كالنجارة وصيانة العربات. وقد تخرج من المركز حتى الآن مائة من القراصنة".
وذكر موسى بأن الخيار العسكري ضد القراصنة ليس مضمون العواقب، وقد يؤدي إلى تكثيف هجماتهم على السفن العابرة، وربما ينشب صراع عسكري بين الحكومة وعصابات القراصنة ويكون الشعب الصومالي المنكوب الخاسر فيها.
 
الصومال: نوايا جادة ولكن!! 
تواجه القوات البحرية الصومالية صعوبات جمة في الانتشار على طول السواحل الصومالية لمكافحة عمليات القرصنة، والحد من الصيد الجائر الذي تقوم به السفن الأجنبية، إضافة إلى مشكلة إلقاء النفايات الصناعية السامة في المياه الخالية من الحراسة، واحتفلت البحرية الصومالية بمرور 50 عاماً على إنشائها في فبراير الماضي بتخريج فوجين من الضباط ستكون مهمتهم حماية السواحل ومكافحة عمليات القرصنة.
وتعاني هذه القوات من نقص شديد في المعدات اللازمة لحراسة سواحل الصومال الطويلة التي يبلغ طولها أكثر من 3 آلاف كيلومتر وتمتد من خليج عدن شمالاً، وحتى السواحل الكينية جنوباً. وتتمركز نواة البحرية الصومالية في قاعدة مدمرة بالقرب من ميناء مقديشو الدولي ، حيث يتم تدريب الضباط على مراقبة مسارات السفن العابرة ويقول قائد القوات البحرية الصومالية الأدميرال فارح عمر قاري إن الحكومة تبدأ من الصفر في هذا المجال، بعد عشرين عاماً من انهيار قوة خفر السواحل. وأضاف أنه: "لا يمكن تسمية هذه القوات بالبحرية، لأننا لم نصل إلى مرحلة تكوين بحرية صومالية وفق المعايير العسكرية المعروفة، وإنما يمكن أن نقول إنها قوات حرس السواحل".
ويرى الأدميرال فارح عمر قاري أن "القرصنة على الرغم من كونها مشكلة للصومال ولكثير من دول العالم، إلا أنها ليست أكبر الجرائم التي ترتكب في المياه الصومالية". وأوضح أن هناك سفن الصيد الأجنبية التي "تدخل إلى المياه الصومالية بشكل غير شرعي وتقوم بسرقة الثروات البحرية، ثم النفايات الصناعية السامة والمخلفات الخطرة التي تلقيها سفن الشركات الأجنبية".  وبحسب رأي القائد الصومالي "ربما يأتي القراصنة في المرتبة الثالثة في هذه السلسلة من الجرائم المنظمة التي تحدث في المياه الصومالية".
 
وأضاف أن:  "العالم يعكس المسألة ويهول من مشكلة القراصنة وحدها"، وأشار قائد القوات البحرية الصومالية إلى أن القراصنة الصوماليين في البداية كانوا مجرد صيادين مظلومين جرفت السفن الأجنبية شباكهم وأتلفت قواربهم فحملوا السلاح للانتقام من هذه السفن، وأوضح أن الأمر تطور فيما بعد إلى عمليات إجرامية منظمة تشارك فيها عصابات وعناصر دعم متعددة تسعى إلى كسب المال عن طريق اختطاف السفن والمطالبة بالفدية مقابل إطلاق سراحها.
وفيما يتعلق بتواجد البوارج الحربية الأجنبية بحجة محاربة القرصنة يقول قائد القوات البحرية الصومالية "إن هذه البوارج موجودة لتحقيق أهداف خاصة بها ولا علاقة لها بحماية السواحل الصومالية، الهدف الأول اقتصادي بالدرجة الأولى". وتقوم هذه البوارج بحراسة ناقلات النفط والسفن التجارية، إضافة إلى مهام إستراتيجية تشمل تدريب القوات على مهام البحار المفتوحة لتعزيز قدراتها بحسب ما يرى القائد الصومالي. أما الهدف الثالث فهو حماية السفن التي تحمل الإمدادات العسكرية وغير العسكرية لقوات الاتحاد الافريقي الموجودة في الصومال. ويعول الصيادون الصوماليون على القوات البحرية لحمايتهم من سفن الصيد الأجنبية التي تجرف شباكهم. ويقول الصياد جمال عليو" الصيادون المحليون هذه الأيام لا يستطيعون الاصطياد في المياه العميقة بسبب وجود سفن الصيد الأجنبية التي تجرف شباكهم ، ونأمل أن تقوم القوات البحرية بحمايتنا من هذه السفن". ومع الآمال الكبيرة التي تعلقها السلطات الصومالية على قوات البحرية، يرى المراقبون أنه سيمر وقت طويل قبل أن تبسط الحكومة الصومالية سيطرتها على سواحلها الطويلة.
 
اقتصاد القرصنة!!
أشارت دراسة جديدة إلى أن القرصنة أدت إلى نمو اقتصادي على نطاق واسع في بعض مناطق الصومال، واعتمدت الدراسة التي أجراها مركز شاتام هاوس البريطاني على صور الأقمار الصناعية المفصلة، وأفادت الدراسة بأن المراكز الإقليمية استفادت من الاستثمارات الكبيرة التي تمولها القرصنة، بينما غابت هذه الاستفادة عن المجتمعات الساحلية، وتشير الدراسة إلى الحاجة إلى حل ينبع من الأراضي الصومالية لمواجهة المشكلة. واستخدمت معدة التقرير انجا شورتلاند صور الأقمار الصناعية عالية الدقة خلال النهار كما استعانت بانبعاثات الضوء ليلاً طوال العقد الماضي بدءاً من عام  2000.
وأظهرت الصور الليلة زيادة كبيرة في انبعاثات الضوء من مناطق مثل غاروي وبوساسو في منطقة بنتلاند التي تتمتع بحكم شبه ذاتي والتي يتمركز فيها معظم القراصنة، وحسب الدراسة فإن الزيادة في استهلاك الكهرباء مؤشر على الزيادة في التنمية الاقتصادية.  وجاءت الزيادة في بقاع الضوء في هذه المدن على الرغم من انخفاض عام في الكثافة الضوئية في جميع أنحاء الصومال، والتي عزتها شورتلاند إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية وأسعار الطاقة وتجدد الصراع، كما سجلت الدراسة أنه لم يتضح أيا من مجتمعات القراصنة على الساحل تبدو أكثر قوة. وأظهر تحليل الصور الفضائية التي أخذت نهاراً أن مساحة غاروي تضاعفت تقريباً بين عامي 2002 و2009  وحدثت بها تطورات وتنمية سكنية وصناعية وتجارية كبيرة، وقد بنيت العديد من المنازل وتم إصلاح أخرى بين هذين التاريخين ولوحظ عدد أكبر بكثير من السيارات متوقفة خارج هذه المنازل.
وفي المقابل، لم تظهر في مراكز القراصنة في هوبيو وأيل سوى تحسينات محدودة وصغيرة نسبياً في بنيتها التحتية، ويخلص التقرير إلى أن مبالغ كبيرة من أموال الفدية أنفقت في المراكز الإقليمية ويجري تقاسم المنافع بين عدد كبير من الأشخاص بسبب الأطر العشائرية في المنطقة، وتقول الدراسة: «إنه ليس من المرجح أن تتحرك النخب السياسية في بونتلاند بشكل حاسم ضد القرصنة». وفضلاً عن صور الأقمار الصناعية، حلل تقرير شاتام هاوس المعلومات التي تم جمعها من قبل المنظمات غير الحكومية على أسعار السلع الأساسية والأجور، وتفيد البيانات الصادرة حسب الدراسة، عن وحدة الأمن الغذائي وتحليل التغذية بأن الأجور اليومية الاسمية في المحافظات التي تنتشر بها القراصنة مثل "نوغال" و"مودوق" قد ارتفعت ثم تجاوزت الأجور في المناطق التي ليست بها قرصنة منذ تفجر أعمال القرصنة في عام 2008، ففي محافظة نوغال، ارتفع الأجر اليومي من 40000 شلن صومالي في عام 2005 إلى 120000 في عام 2011 (الدولار يساوي 25000 شلن صومالي)، وتقول الدراسة إن من المرجح أن يؤدي هذا الارتفاع إلى زيادة مماثلة في فرص العمل والاستثمارات المباشرة في الشركات المحلية، ويضيف التقرير أن الزيادة الإيجابية على الدخل تتماشى مع التضخم في أسعار المواد الغذائية.
 
الخطر الاستراتيجي للقرصنة البحرية
رغم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن بروز ظاهرة القرصنة في ممرات بحرية بالغة الحيوية، فإن تأثير هذه الظاهرة الأمنية بالغة الخطورة لا يقتصر على البعد الاقتصادي، بل يطال أيضاً جوانب أمنية لا تقل خطورة عن الآثار الاقتصادية إن لم تكن تفوق، خصوصاً في الحالة الصومالية، حيث تداخلت ممارسات القرصنة مع الإرهاب الدولي، ما أفرز حالة تهديد استراتيجي بالغة الخطورة قائمة على الخطرين الاقتصادي والأمني لظاهرة القرصنة بالحرية في تلك المنطقة؛ حيث وجدت العناصر المتطرفة في القرصنة البحرية مصدر دخل بديل عقب تجفيف معظم مصادر دخل هذه الجماعات بسبب عمليات الرقابة الصارمة على التحويلات المالية بين الدول وتجفيف مصادر جمع الأموال لمصلحة التنظيمات الإرهابية في الدول العربية والإسلامية، وحتى الغربية، فضلاً عن الجهود المبذولة على صعيد تفكيك العلاقة بين تنظيم "القاعدة" وحركة طالبان الأفغانية، حيث كان يحصل التنظيم على مصدر دخل تمويلي للكثير من أنشطته الإرهابية من خلال تجارة المخدرات الرائجة في الأراضي الأفغانية، كل هذه العوامل دفعت وكلاء تنظيم القاعدة من الجماعات المحلية التابعة للتنظيم في الكثير من المناطق مثل الصومال وغيره من المناطق التي تعاني غياباً للسلطة المركزية ووجود ما يعرف اصطلاحاً بـ "الدول الفاشلة" التي يسود فيها غياب القانون وعدم السيطرة الأمنية على أراضيها، وتلجأ هذه التنظيمات أما إلى ممارسة القرصنة لابتزاز الدول والحصول على الأموال بشكل مباشر، أو التحالف مع عصابات القرصنة ومشاركتها في ما تحصل عليه من أموال جراء ممارسة القرصنة، وهنا يبرز أحد الأبعاد الإستراتيجية الخطيرة للظاهرة، لاسيما في ظل وجود خلفية تاريخية وموروث معروف لتنظيم القاعدة في الأراضي الصومالية، فمن المعروف أن الصومال يعاني وجود حركة الشباب التي تعتبر أحد فروع تنظيم القاعدة في أفريقيا، وكانت هذه الحركة فيما سبق جزءً من الجناح الشبابي والعسكري لإتحاد المحاكم الإسلامية، وهي مجموعة من المحاكم الشرعية الإسلامية المتفرقة كانت قد اتحدت تحت لواء واحد وسيطرت على الصومال لفترة قصيرة، قبل أن تنشق حركة الشباب، وتشكل فصيلاً مقاتلاً جديداً موالياً لتنظيم القاعدة.
ثمة علاقة أخرى للقرصنة بالإرهاب أن التنظيمات الإرهابية تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها في الممرات الإستراتيجية كمضايق ملقا في الأرخبيل وباب المندب وخليج عدن، بهدف تهريب السلاح وتنفيذ عمليات القرصنة وتهديد الملاحة الدولية للضغوط على القوى الكبرى وتهديد مصالحها. ويمكن توضيح التماهي في الخطورة بين ظاهرتي الإرهاب والقرصنة من هذا الكم الهائل من المؤتمرات والأنشطة البحثية والجهود التخطيطية القائمة على وجود علاقة تفاعل حقيقية بين الظاهرتين، وفي هذا الإطار كان شيخ شريف شيخ أحمد، رئيس الحكومة الاتحادية الانتقالية في الصومال قد أكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2010 : "إن بلاده تواجه خطراً مزدوجاً يتمثل في الإرهاب الدولي والقرصنة، اللذان يهددان الدولة الأفريقية التي تشهد اضطرابات دامية منذ عام 1991 ". وقال أحمد إن بلاده تعاني من أسوأ أنواع الإرهاب الدولي الذي ينفذه تنظيم القاعدة من خلال حركة الشباب المتطرفة، ومجموعة من المقاتلين الأجانب الذين يساندون الحركة التي تتلقى الدعم والمساعدة من تنظيم القاعدة، وأضاف أن حركة الشباب تهدف إلى تأسيس وكر إرهابي في منطقة القرن الأفريقي يديره تنظيم القاعدة لنشر الإرهاب من خلال الصومال إلى كافة المناطق المحيطة والعالم.
 
 
 
 
 
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره