مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2014-02-01

دعم نوعـي للتعـاون الخليجي المشترك

خرجت القمة الخليجية الرابعة والثلاثون لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي استضافتها دولة الكويت خلال يومي 10 و11 ديسمبرالماضي، بالعديد من القرارات المهمة التي تصب في مصلحة العمل الخليجي المشترك، وفي مقدمة هذه القرارات الموافقة على إنشاء قيادة عسكرية موحدة وتأسيس الأكاديمية الاستراتيجية والأمنية لدول مجلس التعاون ومقرها الإمارات، وهي خطوة تتوج مسيرة طويلة من التعاون والتنسيق العسكري وتصب في مصلحة تدعيم البناء الخليجي واستكماله وحماية المصالح الاستراتيجية لشعوب المجلس ودوله على المدى البعيد.
 
إعداد: التحرير
 
وفي هذا العدد، تسلط مجلة «درع الوطن» الضوء على موضوع القيادة العسكرية الخليجية الموحدة لدول مجلس التعاون والإجراءات اللازمة للبدء في تفعيلها، وكذلك على تأسيس الأكاديمية الخليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية لدول المجلس.
 
من نافلة القول الإشارة إلى أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية نشأ كمؤسسة إقليمية في أوائل الثمانينيات وفي أعقاب الثورة الإيرانية، حيث تحركت الدول الخليجية في البدء من أجل تشكيل اتحاد لمواجهة التحدي الاستراتيجي الناجم عن بزوغ فكرة تصدير الثورة الإيرانية وقتذاك. ويشير تحليل الشواهد إلى أن مراحل التقارب الخليجي ترتبط طردياً بتزايد الخطر القادم من الشاطئ الآخر على ضفة الخليج العربية، إذ كلما استشعرت دول مجلس التعاون خطر النفوذ الإيراني وتدخلات طهران في الشأن الداخلي لبعض الدول الإقليمية، تعمقت بالتبعية اللحمة الخليجية وجرى البحث عن صيغ تعاون أكثر ترابطاً وعمقاً، وأتيحت فرص التغلب على دواعي الخلاف البيني وتباين وجهات النظر وصعوبات التنسيق في بعض الأمور الأمنية والدفاعية بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وفي ضوء ماسبق كانت التوقعات الاستراتيجية في معظمها تتحدث عن أن دول مجلس التعاون ستجد نفسها في نهاية المطاف مضطرة إلى تعزيز صيغ التعاون الدفاعي والتخلي عن بعض الحسابات الوطنية لمصلحة أمنها الجماعي تحت ضغط المستجدات الاستراتيجية الإقليمية، التي يبرز من بينها في الظروف الراهنة، الترتيبات الأمنية الإقليمية المتوقعة نتيجة للتطور الحاصل في العلاقات بين إيران والقوى الدولية الكبرى ومايمكن أن يفرزه الاتفاق الأولي بشأن البرنامج النووي الإيراني من ترتيبات إقليمية متوقعة من ناحية، ونتيجة لتزايد التوقعات بشأن تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الخليج العربي في ظل تطورات النظام العالمي الجديد الذي تلعب فيه الاستراتيجية الأمريكية التي ترفع شعار «آسيا أولاً» دوراً رئيسياً في تحديد اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة المقبلة، وبجانب هذا وذاك التحدي المترتب على تحول منطقة الخليج العربي إلى مركز الثقل ومحرك الأحداث في المنطقة العربية في ظل الفراغ الاستراتيجي الهائل الناجم عن غياب أدوار قوى إقليمية تقليدية مثل مصر وسوريا لانشغالهما بأوضاعهما الداخلية، ومايرافق ذلك من استحقاقات سياسية وأمنية واقتصادية.
 
دوافع تعزيز الأمن الدفاعي الخليجي
• من الواضح أن الدوائر الرسمية والبحثية الخليجية تستشعر اقتراب المنطقة من تحولات نوعية، وقد انعكس هذا الاهتمام في سلسلة من الفعاليات التي نظمت في توقيتات متقاربة لا تُخطئها عين مراقب، مثل مؤتمر «حوار المنامة» ومؤتمر «أمن الخليج العربي» الذي نظمه «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» بالتعاون مع مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، حيث بات واضحاً أن المنطقة تواجه العديد من التحديات المتفرقة مثل: الترتيبات الإقليمية الجديدة المحتملة ومايرتبط بها من إعادة هيكلة المعادلات والتحالفات الإقليمية، ولاسيما بين إيران وتركيا، وتنامي الدور الروسي في المنطقة ومايمكن أن تسفر عنه التطورات المتلاحقة في الأزمة السورية، والمخاوف من ظاهرة «العرب السوريين» التي يُتوقع لها أن تماثل «العرب الأفغان» من حيث مستوى الخطورة والتهديد الأمني.
 
• يرى بعض المحللين أن إنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة يمثل خطوة ضرورية من أجل تجاوز التباين الحاصل في وجهات النظر حول فكرة الاتحاد الخليجي، وفي الوقت ذاته مواجهة الاستحقاقات الأمنية الملحة من دون انتظار الاتفاق على قيام هذا الاتحاد، الذي لم يزل موضع جدل ونقاش بين دول مجلس التعاون. وبالتالي فإن القيادة العسكرية الموحدة تمثل استجابة فورية لظروف استراتيجية إقليمية، حيث حرصت القمة الخليجية الأخيرة في الكويت، على تجنب الخوض في القضايا الخلافية، وآثرت الخروج بشكل توافقي«لتحقيق آمال وتطلعات شعوب الدول الخليجية المنشودة» من خلال التركيز على خطوات نوعية مثل إنشاء قيادة عسكرية موحدة وشرطة خليجية مشتركة للتنسيق الأمني، ونظام قضائي موحد وغير ذلك من خطوات تمثل في جوهرها بنية تحتية لازمة قبل الدخول الفعلي في أي صيغ سياسية اندماجية أكثر عمقاً.
 
•  إذا كان بعض المحللين يرون أن حسابات المصالح هي القاسم المشترك في أي تحالفات استراتيجية ذات جدوى، فإن هناك من يرى أيضاً أن التهديدات والتحديات تمثل بدورها الوجه الآخر للمصالح، وتجمع بين الأطراف من أجل مواجهة هذه التهديدات والتحديات قبل أن تتحول إلى أخطار آنية، وربما يفسر ذلك قدراً كبيراً من نجاح دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في تجاوز أي تباينات في وجهات النظر حيال بعض الملفات الإقليمية والانطلاق إلى مرحلة البحث عن المصالح ومواجهة التهديدات في آن معاً، علماً بأن هذه التباينات لا تعني إمكانية حدوث شقاقات أو تصدعات في بنية المجلس بقدر ما تعبر عن ممارسات واردة وشائعة في السياسة الدولية، حيث بات الحديث عن التطابق التام في وجهات النظر شيئاً من الماضي في ظل تشعب مصالح الدول وتعقد ملفات السياسة الخارجية وحسابات المصالح وتداخلها بين السياسي والاقتصادي والثقافي والسكاني وغير ذلك.
 
• لاشك أن بروز خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية في دول عدة بالمنطقة مثل اليمن والعراق وسوريا ومصر وليبيا يستوجب مزيداً من التعاون والتنسيق الأمني الخليجي لمواجهة احتمالات انتقال خطر الإرهاب العابر للحدود، ومن هنا تبرز أهمية الشرطة الخليجية التي وصفت إعلامياً بأنها «إنتربول خليجي» لتفعيل التعاون الأمني واستنفار قدرات الأجهزة الشرطية في مختلف دول مجلس التعاون وتعزيز مساحات التنسيق بينها للعمل على مسارين متوازيين؛ أولهما قائم على الدور الوقائي لحماية مكتسبات شعوب الدول الخليجية في مواجهة خطر الإرهاب وتنظيماته؛ والثاني ينطلق من رصد ومراقبة البنى التحتية الفكرية للتيار الديني المتشدد التي أثبتت عبر تجارب التاريخ القريب أنها تمثل حاضنة للفكر الإرهابي وتقوم بتغذيته، بل تعد مرتكزاً حقيقيا له، وهذه التيارات تتمثل في طيف واسع من الجماعات والفصائل المنتمية لما يسمى اصطلاحاً»الإسلام السياسي» من مثل «جماعة الإخوان المسلمين»، والعديد من الجماعات الأخرى التي تعتنق فكراًإقصائياً دينياً متشدداً.
 
•  لاشك في أن التوافق الخليجي على أن يكون مقر القيادة العسكرية المشتركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في العاصمة السعودية الرياض، بموازاة الاتفاق على أكاديمية للبحوث الاستراتيجية والأمنية، يكون مقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة، يعني أن هناك حرصاً على توزيع المهام والمسؤوليات والأدوار، والاستفادة من المزايا النسبية المتوافرة في كل دولة من دول المجلس على حدة. كما يعني ذلك أيضاً أن هناك حرصاً على حدوث نوع من التوازن بين القرارات الاقتصادية والتنموية من جهة وبين تحصين المكتسبات التنموية لشعوب دول المجلس عبر توفير درع دفاعية لها من ناحية ثانية، فضلاً عن أن هذه الأكاديمية سيكون لها دور حيوي في تعميق جذور التعاون الخليجي المشترك في المجالين العسكري والأمني من حيث توحيد المصطلحات والمفاهيم، وإحداث تقارب بين العقائد القتالية لجيوش الدول الست، وتخريج أجيال من القادة والضباط قادرة على التواصل عملياتياً وتكتيكياً عبر بنية معرفية عسكرية مشتركة، ما يدعم أي استراتيجيات دفاعية مشتركة قد تتبناها أو تعتمدها القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون، وبالتالي فإن هذه الأكاديمية ستترجم استراتيجيات التعاون العسكري على المدى القريب، وتصب في مصلحة تنسيق السياسات الدفاعية عبر سلسلة من الرؤى العملياتية والتكتيكية المشتركة.
 
• يُعتبر الاتفاق على إنشاء قيادة عسكرية موحدة بمنزلة تفعيل حقيقي لاتفاقية الدفاع الخليجي المشترك في قمة المنامة عام 2000 (الدورة الحادية والعشرين للمجلس الأعلى)وتطويرها بما يتناسب مع التحديات الراهنة التي تفرزها البيئة الأمنية الإقليمية، ويبدو لكل مراقب أن هذا الاتفاق ليس مفاجئاً ولا يمثل تحولاً جذرياً في توجهات قادة دول مجلس التعاون، إذ سبقه في حقيقة الأمر العديد من الخطوات التمهيدية التي جاء الاتفاق على القيادة العسكرية الموحدة ليتوجها ويكملها، إذ سبق هذا الاتفاق تطوير الأساليب والاستراتيجيات الدفاعية، مع التركيز على تطوير شبكة الاتصالات بين رئاسات الأركان وتعزيز التدريبات المشتركة، كما ركزت القمم الخليجية خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين على مشروع الاتصالات المؤمنة وربط القوات المسلحة في دول المجلس، والتي تعد إحدى الدعائم الرئيسية لبناء المنظومة الدفاعية المشتركة. ففي عام 1993 أعلنت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خطط التكامل العسكري، وأقر المجلس الأعلى في العام 1995 (قمة مسقط- الدورة السادسة عشرة) مشروع الاتصالات المؤمنة الذي كان محل جدل طويل مع اختلاف المدارس العسكرية في الدول الأعضاء الست. إلى أن كان التشغيل الرسمي للمشروع في العام 2000، ثم جاء مشروع منظومة حزام التعاون الذي أقر في عام 1997 لربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي في القوات المسلحة بدول المجلس لتكون على جاهزية عملياتية عالية، وشكّل المشروع داعماً حقيقياً لخطوات التكامل في المجلس العسكري، ولم يقتصر البحث عن التناغم في الاستراتيجيات الدفاعية على مراكز القيادة والسيطرة، بل دخلت الأمور في التفاصيل الهادفة إلى جعل العمل العسكري المشترك بين دول المجلس أكثر توافقاً، إذ تم وضع آليات عمل مشتركة وتوحيدها لتبادل المساندة الفنية في مجال الإمداد والتموين والصيانة والتزويد الفني بين القوات المسلحة، وتوحيد الكراسات العسكرية في مجال التدريب والتعليم العسكري. وفي عام 2006 تطوّرت خطط التكامل العسكري لتصبح قوات درع الجزيرة المشتركة، وجرى تعزيزها بجهد بحري وجوي، وفي عام 2009 رُدفت بقوة تدخل سريع. ثم كان تفعيل دور قوات درع الجزيرة بمشاركتها الناجحة والفاعلة في الحفاظ على أمن مملكة البحرين واستقرارها خطوة ترجمت ماسبقها من جهد تعاوني طيلة عقدين أو أكثر من الزمن، لتأتي أحدث الخطوات التكاملية من خلال إنشاء القيادة العسكرية الموحّدة. وفوق ماسبق كله لابد من الإشارة إلى أن تناول أجندة القمة الخليجية الأخيرة في الكويت موضوع وحدة القيادة العسكرية لم يكن مفاجئاً أو مرتبطاً بحادث طارئ كما يعتقد البعض، بل سبق مناقشة هذا الموضوع وطرحه خلال القمة الــ 33 بالمنامة في ديسمبر عام 2012. وبالتالي فإن هذه الخطوة تمثل نتاج عمل تراكمي على المستوى الخليجي على صعيد التكامل العسكري.
 
• يرى كثير من الخبراء والمراقبين أن الاتفاق على إنشاء قيادة عسكرية موحدة يُعدُّإنجازاً نوعياً على صعيد التعاون العسكري المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتحديداً من زاوية كون هذه الخطوة تمت بمعزل عن أي ترتيبات أمنية مشتركة، سواء على مستوى إقليمي أوسع أو بالتنسيق مع إحدى القوى الكبرى، وبالتالي فهو يحصن أمن المنطقة ودولها وشعوبها في مواجهة أي تغير في أنماط التحالفات والمعادلات الإقليمية. فرغم التطمينات الأمريكية المستمرة، والتي كان آخرها على لسان تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي خلال جلسات «حوار المنامة» الأخير بشأن التزام الولايات المتحدة الأمريكية بأمن منطقة الخليج العربي، فإن إنشاء القيادة العسكرية الموحدة يصب في اتجاه فاعلية التنسيق مع الجانب الأمريكي في مواجهة أي تهديدات محتملة، كما يدعم في الوقت ذاته أمن دول مجلس التعاون الذاتي على أمل أن تتوَّج هذه المسيرة التاريخية من التعاون الدفاعي الخليجي بالوصول إلى مرحلة ضمان الدفاع الذاتي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خصوصاً أن الكثير من الهياكل التنفيذية والإجرائية لهذه المرحلة قائمة بالفعل ويتم تطبيقها عبر الأمانة العامة لدول المجلس، ولم يكن يتبقى سوى أن يجمعها سقف واحد تم إنجازه بالفعل وهو القيادة الموحدة.
 
• يُعتبر قرار إنشاء القيادة العسكرية الموحدة خطوة مهمة تعكس الأهمية النسبية التي تشغلها قضية الأمن الخليجي بمفهومه الشامل لدى قادة دول مجلس التعاون، حيث يعبر القرار في فحواه عن إدراك واعٍ من قبل القادة لخطورة التغيرات في السياقين الإقليمي والدولي وأهمية بناء استراتيجية خليجية متسقة للتعامل معها، حيث عبر عن هذه القناعة فعلياً من خلال اعتماد «إعلان الكويت» الذي صدر في ختام أعمال القمة لإنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون الخليجي، وجهاز للشرطة الخليجية لدول المجلس (الإنتربول الخليجي)، وأكاديمية خليجية للدراسات الاستراتيجية والأمنية، هذا فضلاً عن تأكيد ضرورة تسريع خطوات التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، لتعزيز المفهوم الشامل لقضية الأمن وتمتين أسس «الأمن الجماعي الخليجي» في مواجهة التحديات والمخاطر التي تعترضه، سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية.
 
أسس القيادة الخليجية العسكرية الموحدة
تقوم هذه القيادة على العديد من الأسس التي تم التوافق بشأنها خليجياً، ومن أهمها ما يلي:
• إن هذه القيادة لن تلغي أو تستبعد دور قوات درع الجزيرة المشتركة.
• تقوم القيادة بجهد تخطيطي، ولا تضم قوات عسكرية خليجية بصفة دائمة. وتعمل تحت إمرة وزراء دفاع دول المجلس، وتتلقى تعليماتها من مجلس وزراء الدفاع.
• تضطلع القيادة بدور مركزي في التدريبات الخليجية المشتركة ووضع الخطط لمواجهة أي تحديات أو تهديدات لأي من دول مجلس التعاون.
• تتولى القيادة الدفاعية الموحدة أي عمليات عسكرية في حالة الحرب، وفي حالة السلم تتولى تقييم التحديات والتهديدات وتحديد مستويات الخطر وبلورة الخطط الاستراتيجية لمواجهة هذه التحديات وفق مستوى أولوياتها، وغير ذلك من مهام تنفيذية روتينية للقيادة الموحدة مثل تخطيط التدريبات المشتركة والتنسيق بين دول المجلس في هذا الشأن، وتحديد احتياجات القوات بما يضمن فاعلية التنفيذ الميداني للخطط العسكرية، ودراسة حالات التنسيق والتدريب المشترك مع قوات دول أخرى وغير ذلك.
 
الأهداف السياسية للقيادة العسكرية الموحدة
تسعى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال إنشاء القيادة العسكرية الموحدة إلى تحقيق جملة من الأهداف السياسية، أهمها تأكيد محورية دور دول المجلس في ظل ظروف استثنائية تمرّ بها المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وهي الظروف التي كشفت بوضوح عن قوة «مجلس التعاون» وتماسكه وقدرته على توجيه الأحداث والتفاعلات بما يضمن أمن دوله وسلامها الاجتماعي ويدعم الاستقرار الإقليمي، حيث كان مجلس التعاون، خلال الفترة الأخيرة، القوة العربية ذات الفاعليّة والتأثير الأكبر في إطار التحوّلات والتغيّرات التي تشهدها المنطقة، واستطاع التحرّك بإيجابية في العديد من الملفات والأزمات وكان تحرّكه حاسماً في توجيه أحداثها وتفاعلاتها، ولعلّ دوره الحيوي المؤثر في التوصّل إلى اتفاق إنهاء الأزمة السياسية في اليمن مثال بارز في هذا الشأن. ولقد أثبت مجلس التعاون بالفعل مقدرته على ضمان أمن دوله ومصالحها في أوقات الاضطراب والأزمات الإقليمية، وهذا يمنح أي خطوات يتخذها على صعيد التعاون والتكامل في المجالات كافة أهميّة خاصة، لأن دول المجلس تواجه في الوقت الراهن أوضاعاً إقليمية مضطربة لم تتضح معالمها بعد وبيئة إقليمية مفتوحة على السيناريوهات والاحتمالات كافة أيضاً، ولذلك تتوجّه أنظار الشعوب، ليس الخليجية فقط وإنما العربية أيضاً، إلى قادة دول مجلس التعاون لمعالجة تبعات مشهد عربي مضطرب وواقع إقليمي متوتر تبعث شواهده ومؤشراته على القلق وتستدعي أكبر قدر ممكن من وحدة الصف والموقف داخل مجلس التعاون، وهذا ما يدركه قادة المجلس ويعبّرون عنه قولاً وفعلاً.
 
تهديدات حديثة تتطلب التعاون
في كتابه «الحرب في عصر المخاطر» الصادر عن «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية»، يشيركريستوفر كوكر إلى أن الحروب تطورت من كونها صراعاً بين إرادات في الماضي لتصبح إدارة للمخاطر، مايستوجب ضرورة التفكير في الحروب من حيث كيفية إدراكها وطريقة خوضها. ويُبرز الكتاب الفوارق المتنامية بين الأمن الداخلي والأمن القومي في العصر الحديث، موضحاً أن الدفاع عن المواطِن الآن بات تحدياً أكبر من الدفاع عن الدولة. ويرى مؤلف هذا الكتاب أن «قواعد» الحرب اليوم تختلف عن تلك التي عهدها العالم خلال الحرب الباردة، إذ يهتم عصر المخاطر الذي نعيشه اليوم بـ«إدارة المخاطر في كل شيء». والمخاطر تدفع إلى تطور المؤسسات المصممة لمعالجتها، والعلم بتلك المخاطر يخلق بدوره مزيداً من المخاطر التي تتعين معالجتها، وإدارتها، وتنظيمها، والسيطرة عليها. وتتطلب إدارة المخاطر، من وجهة نظر مؤلف الكتاب، ضرورة التعامل مع نزع أسلحة الدمار الشامل أو الحد منها، ولو باستخدام القوة، تقويماً لتكلفة التدخل الاستباقي مقابل عدم التدخل في الوقت المناسب. كما تستلزم تقويماً لتكلفة استفزاز النظام للقيام بأعمال انتقامية على جبهات أخرى (الإرهاب)، ما يؤدي إلى إضعاف الثقة بقرار الحكومة في الداخل. ومن ثم فإن كلاً من التقصير في اتخاذ الإجراءات الكافية، والإفراط في اتخاذ الإجراءات، سواء بسواء، يؤدي إلى نتائج قاتلة. ويلفت المؤلف النظر إلى أن على الدول كافة التعامل مع أمور غير يقينية ليست لها سابقة تاريخية؛ أي أن تتعامل مع المخاطر التي لا تعرف الحدود، باعتبار أن مجتمعات المخاطر القائمة حالياً تتعامل مع الاحتمالات، لا اليقينيات. وفي عصر المخاطر، نجد أن الحياة معقدة للغاية بحيث تتعذر إعادة تنظيمها. والسياسة اليوم لا تتعلق بالهدف بل بالنظام. وفي عصر المخاطر، تختلف أهدافنا عما كانت عليه قبل 50 عاماً، فنحن الآن نهتم بمجال إدارة انعدام الأمن، أو تمكين درجة أكبر أو أقل من الاستقرار، أو العمل على ضمان تقديم خدمة أفضل. إننا ننتظر المستقبل ونحن نعرف أن أموراً كثيرة ستتغير، وأنه عندما يحدث ذلك فسوف تُحكَم الحرب بمجموعة جديدة من القواعد. وما يؤكده الكتاب هو أن التاريخ يتحرك على ما يبدو في شكل دورات، وعصرنا هو عصر معدّ بنيوياً للحرب المحدودة أو لإدارة المخاطر.ولاشك أن تنوع التحديات وتزايد التهديدات واتساع دائرة الخطر الاستراتيجي بات يستوجب تعزيز القدرات الجماعية لأنظمة القيادة والسيطرة وتسهيل وتعزيز تبادل المعلومات بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
 
رؤى خليجية
في تعليق على قرار مجلس التعاون لدول الخليج العربية إنشاء قيادة عسكرية موحدة قالت رئيسة لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب البحريني، سوسن تقوي، إن قمة الكويت نجحت في إنشاء قيادة عسكرية موحدة لدول المجلس، وهو يعتبر القرار الأهم في هذه القمة. وأكدت تقوي أن هذا القرار يحمل بعداً استراتيجياً مهماً للخليج، خاصة في ظل تزايد التهديدات الأجنبية للخليج، وأن هذه القيادة قد تكون النواة الحقيقية لتشكيل جيش خليجي قوي. وأكدت تقوي أن تعزيز أمن واستقرار دول المجلس، وبناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي، هو مطلب خليجي مشترك. وثمنّت تقوي قرار إنشاء جهاز للشرطة الخليجية لدول مجلس التعاون، معتبرة أن إنشاء هذا الجهاز سوف يعزز العمل الأمني، ويوسع مجالات التعاون والتنسيق المشترك بين الأجهزة الأمنية في دول المجلس ومكافحة الإرهاب.
 
وإذا كانت القيادة العسكرية الموحدة تعد خطوة ضرورية لازمة سواء على صعيد التطوير التقني والتكنولوجي لجيوش دول مجلس التعاون، أو على صعيد تدريب وتأهيل الكوادر البشرية الوطنية، أو من حيث استخدام الأسلحة القتالية المتقدمة بما يعنيه ذلك من طفرات نوعية في الأداء العملياتي والقتالي للجيوش الخليجية، فإن الاتفاق على إنشاء الأكاديمية الخليجية الاستراتيجية والأمنية في الإمارات يبدو خطوة حتمية لازمة على الصعيد العلمي والأكاديمي من أجل توحيد البناء المعرفي والعلمي للنظريات والعقائد القتالية للجيوش الخليجية بما يسهم في تسهيل تعاونها وتنسيقها العسكري المشترك سواء في مراحل السلم أو الأزمات. حيث تمثل هذه الأكاديميات والمعاهد المختبرات العلمية والبحثية لدراسة تطبيق الأنسب من النظريات القتالية السائدة عالمياً، وتحليليها ودراسة إمكانيات وفرص الاستفادة من عناصرها في الجيوش الخليجية، ومن ثم بناء النظريات القتالية لهذه الجيوش وتطويرها وفقاً لمستجدات العصر الحديث وتطوراته في هذا الشأن، فضلاً عن أن هذه الأكاديمية سوف تمثل مرتكزاً حيوياً على صعد أخرى مثل دورها في بناء الهويات الوطنية للجيوش وصهرها بما يسهم بشكل فاعل في دعم مكونات البناء الخليجي المشترك وتدعيمه في المجالات كافة.
 
دور حيوي متوقع للأكاديمية الخليجية في الإمارات
تمثل الأكاديميات والمعاهد العسكرية بشكل عام ركيزة علمية ومعرفية مهمة ضمن جهودالتطوير التقني والتكنولوجي للجيوش، سواء على صعيد تدريب الكوادر البشرية الوطنية وتأهيلها أو على صعيد استخدام الأسلحة القتالية المتقدمة، بما يعنيه ذلك من طفرات نوعية في الأداء العملياتي والقتالي للجيوش. وإذا كانت الأكاديميات العسكرية تمثل بيت الخبرة للجيوش الحديثة وبوتقة تجهيز وصهر العناصر القتالية وإعدادها بشكل احترافي، فإن العقائد العسكرية تمثل بدورها محور عمل هذه الأكاديميات والمعاهد العسكرية، كون المناهج العلمية والتدريسية التي تطبقها هذه المؤسسات التعليمية العسكرية لابد أن تنطلق في جوهرها من مبادئ وأسس العقيدة العسكرية للجيوش الوطنية وتتماهى معها في آنٍ واحد. وبقدر مساحات التوحد والاتفاق بين النظرية والتطبيق تظهر فاعلية الأداء القتالي للجيوش وتبرز مساحات الانسجام بين الفكر القتالي والعملياتي والأداء الميداني،سواء خلال التدريبات والمناورات أو خلال الحروب الفعلية على أرض الواقع، إذ إن العقيدة العسكرية في جوهرها، ووفقاً لما ورد في معظم التعريفات المفاهيمية والاصطلاحية، هي: «مجموعة المبادئ والسياسات والأسس والتكتيكات والتدريبات والأساليب المتبعة لضمان كفاءة تنظيم المؤسسات العسكرية وتدريبها وتسليحها وإعدادها وتوظيفها»، أي إنها تشمل الجوانب كافة من التدريب والتأهيل والتزويد حتى الأداء التنفيذي.
 
ولقد جاء اختيار قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لدولة الإمارات مقراً للأكاديمية العسكرية في مجال الشؤون الاستراتيجية والأمنية، وهي الأكاديمية التي تمثل الذراع المعرفية والعلمية للقيادة العسكرية الخليجية الموحدة التي سيقع مقرها في الرياض، جاء هذا الاختيار موفقاً للاستفادة من الخبرات التي راكمتها دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد البنى التحتية العلمية في المجال العسكري، حيث تمكنت القوات المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة وخلال زمن قياسي وبفضل التخطيط والتنظيم والإدارة بأسس علمية سليمة من التعامل مع أحدث التقنيات في مجال العتاد والسلاح وبناء جيش عصري قوي قادر على مواجهة التحديات والدفاع عن الوطن وحماية المكتسبات الوطنية.كما حققت قواتنا المسلحة طفرات نوعية مهمة في مجال التأهيل والتدريب على طريق استكمال بناء قواتنا الذاتية، وذلك بتخريج دفعات متوالية من شباب الوطن من مختلف الكليات التابعة لها، حيث نجحت قواتنا المسلحة في إنشاء المعاهد والمدارس والكليات العسكرية التي تقوم بتدريب وتأهيل الشباب تأهيلاً عسكرياً يلائم متطلبات العصر ومستجدات الأوضاع، وعملت على تزويد هذه المعاهد التعليمية بكل الإمكانات والعلوم العسكرية التي تسمح بأن يتلقاها الطالب العسكري في مختلف العلوم العسكرية الضرورية، والتي تؤهله لأن يكون قادراً على استيعاب مايوكل إليه مستقبلاً من مهام تهدف في مجملها إلى خدمة الوطن، وأبدت القيادة العليا للقوات المسلحة اهتماماً كبيراً بتأهيل الكوادر العسكرية الوطنية على طريق استكمال بناء القدرة الذاتية الرادعة، حيث تم تخريج عدد من الدفعات من الكليات العسكرية والمعاهد العسكرية التابعة للقوات المسلحة. وفي هذا المجال يمكن الإشارة إلى «كلية الدفاع الوطني» في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر أحدث الأكاديميات الدفاعية محلياً وإقليمياً وعالمياً، وهي بمنزلة أيقونة قواتنا المسلحة.وقد أنشئت الأكاديمية بموجب المرسوم بقانون اتحادي رقم 1 لسنة 2012، الصادر عن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بشأن إنشاءكلية تسمى «كلية الدفاع الوطني» تتبع القيادة العامة للقوات المسلحة، ويكون مقرها في مدينة أبوظبي، وتختص بإعداد القيادات العسكرية والمدنية وتأهيلها ورفع قدراتها في مجال تقييم تحديات الأمن الوطني والإقليمي والدولي وفهم أسس ومتطلبات إدارة وتوظيف موارد الدولة من أجل حماية المصالح الوطنية. ومن خلال قراءة نص المادة «3» من قرار إنشاء الكلية الذي يتعلق باختصاصات المجلس الأعلى لكلية الدفاع الوطني، يمكن فهم فلسفة عملها وكيف يمكن أن تكون قاعدة داعمة للأكاديمية الخليجية، حيث تنص هذه المادة على أن من بين اختصاصات المجلس الأعلى لكلية الدفاع الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة، إقرار الخطط الاستراتيجية لإعداد القيادات العسكرية والمدنية وتأهيلها،وإقرار الأنظمة والمناهج والبرامج التعليمية والتدريبية وخطط تطويرها وفقاً للسياسة التعليمية للكلية، ورسم السياسة العامة للكلية فيما يتعلق بالقبول والتسجيل فيها، وتحديد الأولويات الاستراتيجية والقضايا الأمنية الوطنية والإقليمية والدولية المطلوب التركيز عليها وتضمينها في منهاج، والتصديق على النتائج النهائية للدارسين واعتماد شهادات تخرجهم، ومراجعة وإقرار الميزانية السنوية للكلية، والموافقة على توجيه الدعوات وقبول الدارسين من الدول الشقيقة والصديقة.
 
 دور الأكاديميات العسكرية في تعزيز الأمن الوطني
الأمن القومي هو مفهوم جدلي وخلافي ولا يوجد اتفاق حوله، حيث يختلف تعريفه تبعاً لاختلاف النظريات والأيديولوجيات والمدارس الفكرية، كما يختلف تعريفه بحسب مراحل التطور التاريخي، لذلك يتم تحميل المفهوم بمعان جديدة في كل مرحلة، فليس هناك إجماع أو اتفاق بين الباحثين والمتخصصين حولالمقصود بمفهوم «الأمن القومي» لا من حيث التعريف ولا من حيث المستهدفين بالأمن،ولا من حيث مصادر التهديد، ولا من حيث سبل وأدوات تحقيق الأمن القومي. فعلى سبيل المثال، فإن مفهـــوم الأمن القومي هو المفهوم المحوري لدى أنصار النظرية الواقعية انطلاقاً من أن الدولة هي الفاعل الرئيسي في العلاقات الدولية،وهي تسعىإلى تحقيق أمنها القومي بالاعتماد على الأداة العسكرية، حيث لا يُعتبر تطوير القوة العسكرية هدفاً في حد ذاته، وإنما لتحقيق الأمن القومي، كما أن قوة الدولة الاقتصادية تتوقف على مدى استخدامها في تطوير القوى العسكرية.أما بالنسبة إلى أنصار الواقعية الجديدة فنظرتهم للأمن لا تختلف كثيراً عن النظرة الواقعية، حيث يتمركز حول أمن الدولة القومية التي تعد الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية لديهم، أما الفارق الجوهري فيكمن في التأكيد على تأثير هيكل النظام الدولي في الخيارات السياسية لدى القادة، ومن ثم فإن غياب الأمن يرتبط بالتغير في توزيع المقدرات بين الدول على عكس ما تراه الواقعية من أن غياب الأمن ينبع من الصراع على القوة. ومن ناحية أخرى يؤمن أنصار المدرسة الليبرالية بما يسمى»السلام الديمقراطي»؛ لأن الدول الديمقراطية تتسم بوجود أجهزة نيابية لا توافق بالضرورة على قرارات الحرب. وهناك العديد من تعريفات «الأمن القومي»، منها تعريف فردريك هارتمان الذي يرى أنه «حماية القيم الجوهرية والمصالح الحيوية ومنها الأهداف المتوسطة والبعيدة المدى»، وتعريف جيرالد هويلر الذي يشير إلى أنه «حماية الدولة ضد الأخطار الداخلية والخارجية التي قد تؤدي بها إلى الوقوع تحت سيطرة أجنبية نتيجة ضغوط خارجية أو انهيار داخلي». ويعرفه الدكتور عبدالله العمري بأنه «حماية الدولة من جميع أنواع الاعتداء الخارجي والتجسس والاستطلاع المعادي وأعمال التخريب والتأثيرات المعادية الأخرى». ومنذ سنوات بعيدة رفع روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الشهير شعاراً مؤداه «الأمن القومي هو التنمية»، واليوم يرفع خبير استراتيجي أمريكي بارز هو توماس بارنت شعاراًآخر يتفق مع التغيرات الكبرى التي شهدتها بنية المجتمع الدولي مؤداه أن «الأمن القومي هو العولمة»، وهو بذلك يركز على أبرز سمات العولمة وهي الاتصال اللامحدود بين البشر والثقافات والأقطار المختلفة، بل إنه يتجاوز ذلك، ويقول:»إذا أردت أن تعرف سمات نموذج الأمن القومي الجديد فلا تذهب لكي تتناقش مع خبراء الدفاع، ولكنْ اذهب وتناقش مع خبراء التكنولوجيا والاتصال»، كما أكد أن هذا النموذج الجديد لابد أن يقوم على التمييز الدقيق بين المركز(الدول الداخلة بعمق في إطار العولمة)والهامش (هي الدول التي ترفض الدخول في إطار العولمة)، ويشير إلى أن الصراع بين المركز والهامش هو الذي سيفجر أخطر تحديات الأمن القومي العالمي، وليس أسلحة الدمار الشامل.
 
وعلى الخلفية السابقة يمكن الربط بين الأمن القومي في إطاره المفاهيمي والاصطلاحي من ناحية والعلوم العسكرية من ناحية ثانية، فكل مايتعلق بحماية أمن الأوطان والدول يندرج بالضرورة ضمن العلوم العسكرية، وإذا كان مفهوم الأمن القومي قد اتسع في العصر الحديث ليشمل الأمن المعلوماتي والأمن السايبري والفضاء الإلكتروني وغير ذلك، فإنه من هذا المدخل تحديداً يمكن فهم استحداث كليات ومعاهد متقدمة لتدريس مثل هذه التخصصات، وفي مقدمتها «كلية الدفاع الوطني» في دولة الإمارات العربية المتحدة. 
 
مجالات التعاون العسكري الخليجي المشترك
البدايات والأهداف:
حظي العمل العسكري المشترك باهتمام أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ بداية المسيرة المباركة للمجلس، وذلك انطلاقاً من قناعة راسخة بوحدة الهدف والمصير، بالإضافة إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ المشـترك. ولقد عُقد، بناء على طلب المجلس الوزاري لمجلس التعاون، الاجتماع الأول لرؤساء أركان القوات المسلحة بدول المجلس في مدينة الرياض في عام 1981، لبحث مجالات التعـاون العسكري، وتم رفع عدد من التوصيات لبناء وتعزيز التعاون العسكري فيما بين القوات المسلحة بدول المجلس. وبدءاً من ذلك التاريخ، وخلال ثلاثة عقود، وبتوجيهات حثيثة من أصحاب السمو والمعالي وزراء الدفاع بدول مجلس التعاون، تم إقرار العديد من الدراسات والأنظمة والاستراتيجيات التي شملت العديد من مجالات التعاون العسكري والدفاع المشترك. ولقد كانت تلك القرارات قائمة على أسس منهجية ومرتكزات علمية محددة آخذة في الحسبان الإمكانات المتوافرة، والمتطلبات الدفاعية، ومصادر التهديد وحجمها، ومختلف أشكال المخاطر والتحديات التي قد تواجه دول المجلس. وفيما يلي أبرز ما تحقق من مكتسبات وإنجازات في العمل العسكري الخليجي المشترك:
 
أولاً: اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون
إدراكاً من دول المجلس لما يربط بينها من علاقات خاصة، وسمات متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وانطلاقاً من السياسة الدفاعية لمجلس التعاون التي تقوم على مبدأ الأمن الجماعي المتكامل جاء توقيع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، على اتفاقية الدفاع المشترك في الدورة الحادية والعشرين لمجلس التعاون (المنامة، ديسمبر 2000)، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من العمل العسكري المشترك، حيث تم التحول من مرحلة التعاون العسكري التي دامت عقدين من الزمن إلى مرحلة الدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون، كما أنه وبتوقيع الاتفاقية تحقق للعمل العسكري المشترك مكاسب وإنجازات جماعية كثيرة ونوعية، حيث إن الاتفاقية شملت وحددت العديد من مرتكزات الدفاع المشترك ومنطلقاته وأسسه وأولوياته. وقد أكدت الدول الأعضاء في الاتفاقية التزامها بالنظام الأساسي لمجلس التعاون، واحترامها لميثاقي جامعة الدول العربية وهيئة الأمم المتحدة، كما أكدت عزمها على الدفاع عن نفسها بصورة جماعية،انطلاقاً من أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها مجتمعة، وأن أي خطر يهدد إحداها إنما يهددها جميعاً. ونصت الاتفاقية على اعتزام الدول الأعضاء تعزيز التعاون العسكري فيما بينها، ورفع قدراتها الذاتية والجماعية لتحقيق أعلى مستوى من التنسيق لمفهوم الدفاع المشترك، والاستمرار في تطوير قوات درع الجزيرة المشتركة، ومتابعة تنفيذ التمارين المشتركة، وإعطاء أهمية لتأسيس وتطوير قاعدة للصناعة العسكرية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.
 
ثانياً: الاستراتيجية الدفاعية لدول مجلس التعاون
شكلت موافقة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، في الدورة الثلاثين (الكويت، ديسمبر 2009) على الاستراتيجية الدفاعية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إنجازاً وخطوة مهمة على طريق بناء المنظومة الدفاعية المشتركة لمجلس التعاون. وقد حددت الاستراتيجية وفقاً لما تضمنته، رؤية واضحة تعمل دول المجلس من خلالها على تنسيق وتعزيز تكاملها وترابطها وتطوير إمكانياتها للدفـاع عن سيادتها واستقرارها ومصالحها، وردع العدوان والتعاون لمواجهة التحديات والأزمات والكوارث من خلال البناء الذاتي والعمل المشترك وصولاً للتكامل الدفاعي. كما أكدت الاستراتيجية على الأسس والثوابت التي تنطلق منها، وحددت الأهداف الدفـاعية الاستراتيجية وطرق ووسائل تحقيقها، إلى جانب تأكيدها أهمية إجراء التقييم الاستراتيجي الشامل للبيئة الأمنية الاستراتيجية، والتهديدات الاستراتيجية والتحديات والمخاطر بصفة دورية.
 
ثالثاً:القيادة العسكرية الموحدة
تمشياً مع ما تشهده مسيرة مجلس التعاون من تطوير مستمر وسعي حثيث نحو إقامة وحدة متماسكة في مختلف المجالات، فقد صادق المجلس الأعلى في دورته الثالثة والثلاثين (مملكة البحرين، ديسمبر 2012) على قرار مجلس الدفاع المشترك في دورته الحادية عشرة (الرياض، نوفمبر 2012)، بإنشاء قيادة عسكرية موحدة لدول المجلس والانتهاء من دراسة مختلف جوانبها.ومع مطلع العام 2013، بدأت اللجان العسكرية المختصة في دراسة الجوانب القيادية والتنظيمية والمالية لتلك القيادة، تمهيداً لرفعها إلى المجلس الوزاري لمراجعتها ورفع ما يراه بشأنها إلى مقام المجلس الأعلى.
 
رابعاً: قوات درع الجزيرة المشتركة
إن وجود قوات عسكرية مشتركة لدول مجلس التعاون يُعتبر أحد الأسس المهمة لإنشاء منظومة دفاعية مشتركة تهدف إلى توفير أمن دفاعي جماعي فاعل لحماية دول المجلس، والدفاع عن اسـتقلالها وحماية مقدراتها ومكتسباتها، وفي عام 1982 كانت أولى الخطوات المهمة لتشكيل القوات العسكرية المشتركة لدول مجلس التعاون، حيث صدر قرار إنشاء قوة درع الجزيرة، وأعقب ذلك القرار صدور العديد من القرارات لتطوير هذه القوة، بما يتناسـب مع المتغيرات في البيئة الأمنية، ومصادر وأنواع التحديات، والمخاطر، والتهديدات التي قد تواجه دول مجلس التعاون، لتصبح بحجم فرقة مشاة آلية بكامل إسنادها القتالي والإداري. وفي عام 2006 تم تطويرها إلى قوات درع الجزيرة المشتركة، وعُززت بجهد بحري وجوي وفقاً للمفهوم العملياتي المعتمد، وذلك لرفع كفاءتها القتالية، بما يكفل تنفيذ مهام التعزيز والإسناد للقوات المسلحة الوطنية لدول مجلس التعاون بصورة كاملة، وفي عام 2009، تم تعزيز قوات درع الجزيرة المشتركة بقوة تدخل سريع. ويجري العمل حالياً على دراسة تطوير قوات درع الجزيرة المشتركة من حيث الحجم والتنظيم.
 
خامساً: الاتصالات المؤمَّنة
حظي موضوع إنشاء شبكة اتصالات عسكرية مؤمَّنة ومتطورة بين القوات المسلحة بدول المجلس باهتمام خاص، وذلك سعياً منها إلى رفع القدرات الجماعية لأنظمة القيادة والسيطرة وتبادل المعلومات فيما بينها. وفي دورته السادسة عشرة (مسقط، ديسمبر 1995) أقرّ المجلس الأعلى الدراسات المتعلقة بمشروع الاتصالات المؤمَّنة والخطوات الرامية إلى ربط القوات المسلحة في دول المجلس بشبكة اتصالات مؤمَّنة.
وبدأ التشغيل الرسمي للمشروع في عام 2000، وتم إنشاء مكتب خاص لإدارته، ولا شك أن شبكة الاتصالات العسكرية المؤمَّنة تعد إحدى الدعائم الرئيسة لبناء المنظومة الدفاعية المشتركة.
 
وسعياً من دول مجلس التعاون لضمان مواكبة شبكة الاتصالات المؤمنة للتطورات المتسارعة في مجال التقنية الرقمية والمعلومات، فإنه يجري بصفة مستمرة إدامة وتطوير وإضافة العديد من القدرات والإمكانيات للشبكة، بالإضافة إلى ربط وزارات الخارجية، ووزارات الداخلية، والجهات الأمنية بدول المجلس من خلال هذه الشبكة.
 
سادساً: ربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي
في عام 1997 وافق أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، على تنفيذ مشروع منظومة حزام التعاون، وهو مشروع مشترك لربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي في القوات المسلحة بدول المجلس. وتم تشغيل المرحلة الأولى من المشروع نهاية عام 2001، ويجري بصورة مستمرة إدامة وتحديث أجهزة التشغيل لمنظومة حزام التعاون لتواكب التطور المتسارع في مجال أنظمة القوات الجوية والدفاع الجوي، ولتكون بدرجة جاهزية عملياتية وفنية عالية.
 
سابعاً: الخدمات الطبية للعسكريين التابعين لدول المجلس
في ضوء قرار المجلس الأعلى في دورته التاسعة (المنامة- ديسمبر 1988)، بأن يعامل مواطنو دول المجلس المقيمون والزائرون لأي دولة معاملة مواطني الدولة نفسها في الاستفادة من المراكز الصحية والمستشفيات العامة، فقد صادق المجلس الأعلى في دورته الثالثة والثلاثين (المنامة- ديسمبر 2012) على قرار مجلس الدفاع المشترك في دورته الحادية عشرة، بالموافقة على علاج منتسبي القوات المسلحة لدول المجلس وعائلاتهم، المنتدبين في مهام رسمية، أو المشاركين في دورات تدريبية في الدول الأعضاء في المستشفيات العسكرية لتلك الدول.
 
ثامناً: التمارين المشتركة
تنفيذاً لتوجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون، بشأن اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لجعل القوات المسلحة بدول المجلس أكثر تجانساً وتوافقاً خلال تنفيذ العمليات المشتركة، فإنه يتم وبصورة دورية ووفقاً لبرامج زمنية محددة، تخطيط وتنفيذ العديد من التمارين المشتركة بين القوات البرية، والجوية والدفاع الجوي، والبحرية، ووحدات الخدمات الطبية، وقوات درع الجزيرة المشتركة.
 
تاسعاً: الإدارة والقوى البشرية
أولى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون،الموارد البشرية وتنميتها وتدريبها وتأهيلها اهتماماً خاصاً، ووجهوا باتخاذ كل الإجراءات لتسهيل تنقل الكفاءات العسكرية والمدنية المؤهلة العاملة بالقوات المسلحة في دول مجلس التعاون، وإيجاد بيئة عمل مشتركة. ولقد اعتمد مقام المجلس الأعلى لمجلس التعاون في هذا المجال في عام 2010 النظام الموحد لمد الحماية التأمينية للعسكريين من مواطني دول مجلس التعاون، كما وافق في عام 2011 على السماح بالاستفادة من ذوي الخبرات والكفاءات من العسكريين والمدنيين المتقاعدين من مواطني دول المجلس للعمل في المؤسسات والجهات الحكومية وشبه الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص بدول المجلس الأخرى.
 
عاشراً: مجالات العمل العسكري الأخرى
سعياً من القوات المسلحة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى جعل العمل العسكري الخليجي المشترك أكثر توافقاً وتكاملاً، والعمل على تعزيزه في كل مجالاته، فقد تم اتخاذ عدد من الخطوات البناءة لتحقيق تلك الأهداف، حيث تم توحيد ووضع آليات عمل مشتركة لتبادل المساندة الفنية في مجال الإمداد والتموين والصيانة والتزويد الفني بين القوات المسلحة بدول المجلس، كما تم في مجال البيئة وضع عدد من المفاهيم والأسس الخاصة بتقريب السياسات البيئية، وتوحيد الأنظمة والتشريعات وتعزيز القدرات الوطنية والإقليمية، وتنمية الموارد البشرية، ورفع مستوى الوعي البيئي للحفاظ على الموارد الطبيعية في نطاق القوات المسلحة بدول المجلس. وفي مجال التدريب والتعليم العسكري، تم توحيد العديد من الكراسات العسكرية، ومناهج الدورات العسكرية، بالإضافة إلى تنظيم ووضع آليات الاستفادة المتبادلة من الإمكانات التدريبية العسكرية المتوافرة في المدارس والمعاهد والكليات العسكرية بدول المجلس. أما مجال الرياضة العسكرية فقد لقي دعماً كبيراً خلال ثلاثة عقود، وذلك إيماناً بأهمية تعزيز أواصر الأخوة بين منتسبي القوات المسلحة بدول المجلـس، من خلال إقامة البطولات والمسابقات، والدورات الرياضية بين منتسبي القوات المسلحة بدول المجلس بصورة دورية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره