مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-06-01

ديناميات جديدة في العلاقات بين الإمارات والقوى الدولية الصاعدة

لا يختلف المراقبون لتفاعلات الأحداث وتطوراتها على الساحتين الإقليمية والدولية على أن السياسة الخارجية الإماراتية تمثل نموذجاً للحيوية والفاعلية والديناميكية، ويعود ذلك بالأساس إلى تبني القيادة السياسية في دولة الإمارات وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، رؤية ذات محددات وركائز واضحة لإدارة العلاقات مع العالم الخارجي، بحيث يتحرك الجهاز الدبلوماسي للدولة انطلاقاً من هذه الرؤية، ووفق الأسس التي تقوم عليها والثوابت التي تنطلق منها.  
 
إعداد: التحرير
 
ويضاعف من الثمار السياسية والنتائج الايجابية لهذه الحركة الدبلوماسية الدؤوبة، الكفاءة النوعية المتميزة التي يدار بها الجهاز الدبلوماسي الذي يقف على رأسه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، حيث شهدت الدبلوماسية الإماراتية منذ توليه "حقيبة الخارجية" حراكاً غير مسبوق، وانطلقت وفق رؤية مدروسة إلى فضاءات أرحب، وأسهمت جدياً في إدارة أزمات المنطقة العربية، ويضاعف من قيمة هذه النجاحات أنها أنجزت في توقيت عصيب يتسم بالتعقيد السياسي البالغ بسبب "التوابع" والتأثيرات الإقليمية لما اصطلح على تسميته إعلامياً بـ "الربيع العربي" وما ارتبط به من إشكاليات أمنية واضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية وإنسانية في العديد من الدول العربية، وحققت الدبلوماسية الإماراتية على هذا الصعيد، بالتعاون مع بقية دول مجلس التعاون ومن خلال العمل بشكل متواز ضمن منظومات المجتمع الدولي، التي تصدت لمعالجة هذه الأزمات، تفوقاً مشهوداً وضع الدولة في مكانة بارزة ضمن حسابات العواصم الدولية الكبرى، أو ما يعرف بعواصم صنع القرار العالمي، وفي هذا الإطار يشار إلى دور الإمارات في معالجة أزمات الوضع الداخلي في ليبيا واليمن ومملكة البحرين الشقيقة، وهي ادوار تمت بالتنسيق مع بقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية كما حدث في اليمن عبر "المبادرة الخليجية"، أو مع حلف شمال الأطلسي كما كان عليه الحال لحماية المدنيين في ليبيا، علاوة على الدور الذي اضطلعت به الإمارات بالتنسيق مع بقية دول مجلس التعاون للحفاظ على أمن مملكة البحرين الشقيقة واستقرارها، في ترجمة لإيمان هذه الدول بوحدة المصير والأهداف وضرورة مواجهة أي تهديدات لأمنها الداخلي ضمن أطر العمل الجماعي الخليجي المشتركة.
وقد عبر صاحب السمـــو الشيــخ خليفــة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" خلال لقائه  السنوي الأخير مع سفراء الدولة في الخارج وممثليها في عدد من المنظمات الإقليمية والدولية عن الرضا عن النجاحات التي تحققت وتتحقق في مجال السياسة الخارجية بقوله إن "نجاح السياسة الخارجية لدولة الإمارات يشكل أحد أبرز الإنجازات المشهودة للدولة التي قامت على مجموعة من الثوابت للسياسة المتوازنة والمعتدلة التي تنتهجها الدولة منذ قيامها تجاه القضايا العربية والدولية والتي أكسبت بلادنا الاحترام والتقدير في مختلف المحافل الدولية".  ويجمع المراقبون وخبراء السياسة على أن ما وصلت إليه دولة الإمارات من نجاحات وازدهار تنموي مدعوم بحالة رائعة من حالات الأمن والاستقرار الداخلي، يمثل حصاداً طبيعياً ومردوداً مباشراً للدبلوماسية الذكية التي صاغ معالمها وأرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ثم اكتسبت هذه الدبلوماسية قوة دفع متجددة وزخماً نوعياً جديداً على يد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، حيث كسبت السياسة الخارجية الإماراتية في عهد سموه، وبفضل ديناميكية ونشاط الفريق أول سمــو الشيخ محمــد بن زايــد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مساحات حركة خارجية أوسع وأرحب، وباتت تمتلك زمام المبادرة في ملفات عدة، وسطع نجمها عالمياً في دوائر اهتمام مستحدثة على أجندة الحوار الدولي، كما هو عليه الحال في ملف الطاقة المتجددة، وحظر الانتشار النووي، والأمن والسلم الدوليين وغير ذلك، كما لفتت الانتباه وضربت المثل والقدوة عبر تبني نموذج غير مسبوق دولياً في امتلاك برنامج نووي سلمي بات مضرب المثل في التعاطي الدولي مع هذه التكنولوجيا ذات الحساسية الاستثنائية بالنسبة للأمن والاستقرار العالميين. ويدرك متابعو الشأن الإماراتي أن السياسة الخارجية للدولة قد تطورت بتطور المعطيات الإقليمية في كل مرحلة زمنية، بحيث تبدو مرآة لما يشهده الواقع الإقليمي والدولي من تغيرات وتحولات، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الهدوء والرصانة والحفاظ على قواعد حسن الجوار، الأمر الذي يعكس مدى ديناميكية هذه السياسة التي تبدو في حقيقة الأمر انعكاساً لما تشهده جميع قطاعات العمل والتنمية في دولة الإمارات من تطورات ايجابية متسارعة، يتكرس من خلالها مصطلح "الدولة النموذج" ليس فقط على مستوى البناء الاتحادي السياسي، ولكن أيضاً على صعيد البناء التنموي والاقتصادي بمختلف مظاهره وتجلياته ووفقاً لأحدث نظرياته وأطروحاته. ويشهد تاريخ العقود السابقة التي مضت منذ نشأة اتحاد دولة الإمارات على حكمة القيادة ورشادتها، بحيث نجحت في عبور أزمات إقليمية كانت من القوة والجموح بحيث زلزلت كيان الإقليم ودوله كافة، ومن بين هذه الأزمات أزمة الخليج في تسعينيات القرن الماضي، وقبلها الحرب العراقية ـ الإيرانية، التي امتدت لسنوات ليست قليلة، ثم تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي رسمت خطاً فاصلاً بين ما قبلها وما بعدها على صعيد التحالفات والعلاقات الدولية.
 
الأولويات الدبلوماسية
لا يخفى على أي من المراقبين والخبراء عمق علاقات التعاون التقليدية التي تربط بين دولة الإمارات والعديد من القوى الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان، وفي هذا الملف نلقي الضوء على توجهات جديدة في السياسة الخارجية الإماراتية، التي تمضي في السنوات الأخيرة نحو فتح آفاق أرحب في تحركاتها الخارجية من أجل بناء شراكات مع قوى صاعدة على الخارطة العالمية، وفي مقدمتها الصين والهند وكوريا الجنوبية ودول أمريكا اللاتينية وغيرها، فاليوم تقف السياسة الخارجية الإماراتية عند مجموعة من نقاط التحول أملتها عليها طبيعة المرحلة الراهنة من عمر النظام الدولي، حيث أصبحت الموضوعات الاقتصادية والتنموية هي الركائز الأساسية في إدارة العلاقات بين الدول التي تتسابق خططها التنموية مع الزمن، ومن هذا المنطلق أصبحت السياسة الخارجية الإماراتية تركز على الأولويات الدبلوماسية الجديدة لتتواكب مع الخطط التنموية للدولة، ولتعظيم الاستفادة من شبكة العلاقات المتميزة التي تمتلكها الدولة مع مختلف القوى الإقليمية والدولية شرقاً وغرباً، بما يجعل من محطات هذه الشبكة مصبات وروافد تغذي وتدعم بشكل متواصل مسيرة التنمية وخططها الطموحة في دولة الإمارات. 
يدرك الخبراء والمراقبون أن الاقتصاد والاستثمارات وتنويع مصادر الدخل وتحقيق الاستدامة في برامج البيئة والطاقة المتجددة وغير ذلك من مجالات تعاون أصبحت هي المحرك الأساسي والموجه الأنشط في ديناميكيات السياسة الخارجية الإماراتية مقارنة بالملفات والموضوعات التقليدية مثل الأحداث السياسية الإقليمية والدولية، التي تؤكد الشواهد تراجع أهميتها نسبياً ضمن مجالات الحوار وإدارة العلاقات بين الدول، وفي أحسن الأحوال ربما باتت هذه الأحداث لا تحظى بدرجة التأثير ذاتها التي كانت تفرزها في فترات زمنية سابقة، ويرجع المراقبون هذه المتغيرات والتحولات في محركات السياسة الإقليمية والدولية إلى الضعف والوهن الذي يعاني منه النظام الإقليمي العربي ومستوى الإحباطات المتكررة في التعامل مع قضاياه الرئيسية. وعلى الخلفية السابقة يمكن فهم أبعاد المجالات الحيوية الجديدة التي انطلقت من خلالها السياسة الخارجية الإماراتية في السنوات الأخيرة، فلم تعد المحطات التقليدية للدبلوماسية الإماراتية في الخارج هي ذاتها، بل استحدثت عواصم ومحطات جديدة صارت تحظى بدرجة قصوى من اهتمام صانعي القرار الإماراتي، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة التقليل من أهمية ومحورية العواصم الكبرى التقليدية التي كانت ولا تزال تمتلك علاقات شراكة إستراتيجية تحرص الإمارات على ديمومتها والإبقاء عليها وتعزيزها، وعلى الخلفية السابقة صارت عواصم مثل بكين وسيئول ونيودلهي شرقاً، وبرازيليا وبوجوتا ومونتفيديو وغيرها من عواصم دول أمريكا اللاتينية غرباً محطات مهمة على خارطة تحركات الدبلوماسية الإماراتية في السنوات والأشهر الأخيرة. والمؤكد أن مجمل تحركات السياسة الخارجية الإماراتية وتنوعها شرقاً وغرباً للاستفادة من الفرص الاقتصادية والاستثمارية المتنوعة على أجندة التجارة العالمية، يرتكز بدوره على تبني القيادة في دولة الإمارات سياسة خارجية فاعلة ومتزنة، تحرص على توظيفها في خدمة أهدافها الداخلية والخارجية على حد سواء، وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، في العاشر من شهر أبريل الماضي خلال تسلم سموه أوراق اعتماد 12 سفيرًا جديدًا لدول صديقة لدى الدولة، وخلال تأدية ثلاثة سفراء جدد للدولة لدى كل من منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وليبيا، ودولة الكويت ، فقد أكد صاحب السمو على" حرص دولة الإمارات على مد جسور الصداقة والتعاون والتسامح بين الشعوب، وبناء علاقات متوازنة مع كافة الدول الصديقة، إضافة إلى تطوير علاقاتها الاقتصادية والثقافية والسياحية مع دول العالم". هذه الرؤية تعكس العديد من المبادئ الحاكمة والموجهة لسياسة الإمارات الخارجية، أولها التوازن، بمعنى التوجه نحو إقامة علاقات مع القوى المختلفة في العالم، وتوسيع خيارات الدولة ومجالات حركتها، دون التركيز والاهتمام بمنطقة دون أخرى، وهذه المبادئ ولا شك قد أنتجت علاقات إماراتية قوية وفاعلة مع معظم دول العالم في الشرق والغرب والشمال والجنوب، ثانيها التكامل والشمول في التحرك الخارجي، حيث تعمل الدولة على بناء شبكة علاقات متكاملة مع الخارج لا تقتصر على العلاقات السياسية فقط، وإنما تمتد إلى المجالات المختلفة الأخرى مثل الاقتصادية والثقافية والسياحية وغيرها، وذلك من منطلق الإيمان بأن كل مجال من هذه المجالات يضيف بعداً جديداً إلى علاقاتها الخارجية، ويرفدها بروافد جديدة تساعد على تطويرها وتقويتها. ثالثها خدمة الأهداف الوطنية في الداخل، حيث تحرص الدولة في تحركاتها الخارجية أن تنعكس إيجاباً على الأهداف الوطنية في الداخل، وبالشكل الذي يلمسه أبناء الوطن جميعاً، وذلك من خلال الإطلاع على تجارب التنمية الناجحة في كل مكان، واختيار الأفضل منها وتطويعها لخدمة الأهداف التنموية في مختلف المجالات، وهذا الأمر يعكس بدوره الرؤية بعيدة المدى، التي ترى في الانفتاح على دول العالم أجمع، والاستفادة من خبراتها المختلفة، استثماراً مهماً للحاضر والمستقبل، من أجل تعزيز مكانة الدولة وموقعها على خريطة الاقتصادات المتقدمة، كما أن التحركات الخارجية وبناء العلاقات يلتزم دوماً بمبادئ السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة والثوابت التي سارت عليها منذ إنشاء الدولة الاتحادية، وهي الحرص على التزام مواثيق الأمم المتحدة، والقوانين الدولية كافة واحترامها، وإقامة علاقات مع جميع دول العالم على أسس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين، والتزام حل النزاعات بين الدول بالحوار والطرق السلمية، والوقوف إلى جانب قضايا الحق والعدل والإسهام في دعم الاستقرار والسلم الدوليين، وهي المبادئ ذاتها التي أرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتعكس رسالة مهمة مفادها أن الإمارات وهي تتفاعل بقوة مع متغيرات العصر وتجاري تطوراته بفاعلية على المستويات كافة لديها ثوابتها التي لا تحيد عنها وتحرص على أن تكون تحركاتها وتفاعلاتها الخارجية كلها في إطارها، وهذا من سمات الدول راسخة الأركان المؤمنة بمبادئها والواثقة بنفسها وبتوجهاتها، لأنها بنيت على أسس سليمة وواضحة وحضارية. وبناء على ما سبق، يجمع الخبراء والمراقبون على أن السياسة الخارجية الإماراتية تعد نموذجاً للفاعلية والاتزان والنجاح بفضل رجاحة الأسس التي تقوم عليها والثوابت التي تنطلق منها، وهي الرؤية التي جعلت دول العالم تنظر بمزيد من التقدير والاحترام للإمارات، باعتبارها دولة مسؤولة في محيطها الإقليمي والعربي، وتتفاعل بإيجابية مع مختلف المبادرات التي تطرحها وتتناول قضايا حيوية تهم المجتمع الدولي، فضلاً عن أن هذه السياسة الخارجية المنفتحة والفاعلة تفتح المجال أمام فرص التجارة والاستثمار بين الإمارات ومختلف دول العالم شرقاً وغرباً، كما أنها تفسر جانباً من مظاهر الحفاوة والتقدير والاحترام التي تحيط بمسؤوليها والوفود التي ترافقهم خلال الجولات الخارجية العديدة التي تعكس حرص دول العالم على تعميق روابطها السياسية والاقتصادية مع الإمارات ودفعها إلى الأمام في المجالات كافة واستثمار فرص التعاون التي تتيحها بما يعود بالخير على الجانبين. وتدرك الإمارات في تحركاتها الخارجية أن هناك تجارباً تنموية مهمة ومميزة استطاعت أن تصعد بالدول التي تمت وتتم فيها إلى مراكز متقدمة على خريطة الاقتصاد العالمي، حيث ترى الإمارات أن تمتين العلاقات الاقتصادية والتجارية مع هذه الدول يصب في خدمة المسيرة التنموية الإماراتية ويحقق أحد أهم أهداف السياسة الخارجية للدولة، وهو خدمة التنمية في الداخل من خلال بناء شبكة كبيرة من المصالح المتبادلة مع دول العالم المختلفة تتيح تبادل الخبرات وتعرف التجارب ونقل التكنولوجيا وغيرها من الآليات التي تصب في خدمة الاقتصاد الوطني. كما تعكس أيضاً قدرة الدبلوماسية الإماراتية على بناء جسور التفاهم والتعاون مع المناطق المختلفة في العالم خاصة مع القوى الصاعدة في الشرق والغرب، ومن ثم خدمة مصالحها وتعزيز حضورها وتأثيرها على المستويين الإقليمي والدولي، وهو الحضور الذي يتعمق باستمرار بفضل السياسة الحكيمة للقيادة الإماراتية التي تحظى بتقدير العالم كله واحترامه وكفاءة الجهاز الدبلوماسي وقدرته على التحرك المدروس والواعي تجاه دوائر الاهتمام ومناطقه، ومن ثم بناء صورة إيجابية للدولة لدى شعوب العالم وقياداته السياسية، وهذه الصورة تجد صدى وانعكاسات لها في العديد من المواقف والساحات والمجالات،  ولعل من أبرز هذه المناسبات في السنوات الأخيرة نجاح دولة الإمارات العربية المتحدة في الفوز بتصويت الثقة من جانب المجتمع الدولي واستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "ايرينا" في أبوظبي الذي كشف بوضوح عن الثقل السياسي للإمارات على الساحة الدولية الذي جاء بحكمة قيادتها ومساهمتها الكبيرة في خدمة السلام والأمن والاستقرار والتنمية في العالم، كما إن هذا الإنجاز وإن كان تعبيراً عن الثقة الدولية في توجهات الإمارات في مجال الطاقة المتجددة فإن له كذلك آثاره الإيجابية على خطط التنمية في الداخل، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن الاستثمار في الطاقة المتجددة أصبح توجهاً عالمياً تسعى إليه معظم دول العالم، وتؤكد الشواهد أيضاً أن الصورة النمطية الايجابية للإمارات في الخارج قد وجدت صدى لها أيضاً في نجاح الدبلوماسية الإماراتية عبر جهود مكثفة وتحركات نشطة في احتواء العديد من حالات التوتر والأزمات والخلافات الناشبة، سواء على صعيد المنطقة أو خارجها، كما سعت بشكل دءوب ومستمر لتعزيز مختلف برامج مساعداتها الإنسانية والإغاثية والإنمائية والاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للعديد من الدول النامية خاصة تلك التي تشهد حالات نزاع أو كوارث طبيعية، فضلاً عن مساهماتها الأخرى الفاعلة في العديد من عمليات حفظ السلام وحماية السكان المدنيين وإعادة الإعمار في المناطق بعد انتهاء الصراعات وهو ما يجسد شراكتها المتميزة مع أطراف عدة وتفانيها من أجل تحقيق الأهداف النبيلة من صيانة واستقرار السلم والأمن الدوليين.
 
مؤشرات نجاح ذات دلالة
تجدر الإشارة إلى أن أحد مظاهر وتجليات التأثير الدبلوماسي الإماراتي يكمن في علاقات الدولة مع مختلف دول العالم في قاراتها الست، فقد بلغ عدد الدول التي ترتبط مع الدولة بعلاقات دبلوماسية 182 دولة، فيما ارتفع عدد سفارات الدولة في الخارج إلى69 سفارة و11 قنصلية، إضافة إلى ثلاث بعثات دائمة، بينما بلغ عدد السفارات الأجنبية لدى الدولة 94 سفارة و75 قنصلية عامة، و11 مكتباً تابعاً للمنظمات الإقليمية والدولية بحسب ما تشير أحد إحصاءات وزارة الخارجية الإماراتية، كما تشير الإحصاءات الرسمية في هذا الإطار إلى أن دولة الإمارات استقطبت خلال السنوات الخمس الماضية، استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 220 مليار درهم لتتبوأ بذلك المرتبة الثانية عربياً بين الدول الأكثر جذباً لرأس المال الأجنبي في تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) للاستثمار العالمي للعام 2011، كما صنّف التقرير الإمارات ضمن أفضل 30 موقعاً عالمياً للاستثمار الأجنبي المباشر، وجاءت الإمارات في المرتبة الثالثة عربياً و27 عالمياً ضمن مؤشر التنافسية العالمية 2011-2012 الذي أعده المنتدى الاقتصادي العالمي، وفي المرتبة الثامنة عالمياً من حيث البنية التحتية التي يعتبرها المنتدى من أهم مقومات التنافسية بين الدول، كما جاءت الإمارات في المرتبة العاشرة عالمياً من حيث فعالية أسواق السلع، والمرتبة 11 في بنية الاقتصاد الكلي، والمركز الثالث في فعالية النظام الضريبي وانخفاض تكلفة الأعمال الناتجة عن الجريمة والعنف، بفضل ما تنعم به من أمن واستقرار، وفي المركز الأول عالمياً من حيث استقرار معدل مستوى التضخم، كما صنف البنك الدولي دولة الإمارات في تقرير ممارسة الأعمال للعام 2011 في المرتبة الثالثة عالمياً ضمن أفضل الدول في تمكين التجارة عبر الحدود، وفي المرتبة 28 عالمياً في سهولة الأعمال، وتصدرت دولة الإمارات قائمة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحلت في المرتبة 16 عالمياً في تقرير تمكين التجارة العالمية للعام 2010 الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، وحققت التجارة الخارجية للدولة في العام 2011 نمواً بمعدل 14 في المائة لتصل قيمتها إلى 754.4 مليار درهم مقابل666.4 مليار درهم في العام 2009، وبلغت قيمة مساهمة الصادرات في هيكل التجارة الخارجية 83.1 مليار درهم، وقيمة مساهمة قطاع إعادة التصدير نحو 202 دولة في العالم نحو 186 مليار درهم، فيما بلغت قيمة الواردات 458.4 مليار درهم.
 
فرص وآفاق واعدة مع الاقتصادات الصاعدة
يشير الخبراء والمتخصصون إلى أن العلاقات التجارية والاستثمارية الجيدة التي ترتبط بها دولة الإمارات مع كل من الصين والهند توفر فرصاً جيدة للاقتصاد الوطني للاستفادة من مرحلة النمو والازدهار الاقتصادي السريع الذي تعيشه هاتين الدولتين صاحبتا أكبر الاقتصادات الصاعدة على مستوى العالم وأكثرها نمواً في الوقت الحالي، وهما أيضاً القوتين الاقتصاديتين التي يعول عليهما في دفع الاقتصاد العالمي نحو التعافي، هذه هي النتيجة التي توصلت إليها مؤسسة "الإيكونوميست" في تقرير حديث لها، حيث رجحت هذه المؤسسة أن تحتل دولة الإمارات المرتبة الأولى على مستوى منطقة الشرق الأوسط بين أكبر المستفيدين من ازدهار أسواق الاقتصادات الناشئة في السنوات المقبلة، ليس الارتباط بالتجارة والاستثمار مع اقتصادات آسيا الصاعدة بما فيها الصين والهند هو فقط ما يتيح للإمارات فرصة الاستفادة من الازدهار المتوقع لهذا الاقتصادات، بل إن الاقتصاد الإماراتي بذاته يتمتع بعدد من المزايا التي تضعه في قلب الاقتصادات الأوفر حظاً في هذا الشأن، وعلى رأس هذه المزايا هي التعافي الحقيقي من آثار الأزمة المالية العالمية والذي بدت معالمه واضحة على الاقتصاد الوطني في الآونة الأخيرة، وفي هذا الإطار هناك العديد من المؤشرات الدالة على بداية التعافي الحقيقي للاقتصاد الإماراتي، بداية بتقديرات معدلات النمو الاقتصادي المتوقع أن تحققها الدولة خلال العام الجاري، والتي لا تنخفض بأي حال من الأحوال عن نحو 4.5 % أو 5 % وفقاً لتقديرات "وزارة الاقتصاد" الإماراتية وعدد من المنظمات والمؤسسات الدولية كمؤسسة "الإيكونوميست" و"صندوق النقد الدولي"، وهو ما يشير إلى اقتراب الاقتصاد الوطني من النمو بمعدلات تقترب كثيراً من معدلات ما قبل "الأزمة المالية العالمية"، وهناك العديد من الدلالات الأخرى التي تشير بالفعل إلى أن هذا التعافي قد بدأ في التحقق على أرض الواقع، ومن بين هذه الدلالات ذلك النمو الذي شهدته التجارة الخارجية غير النفطية للدولة خلال شهر يناير الماضي، والذي بلغ وفقاً لبيانات "الهيئة الاتحادية للجمارك" نحو 22 % مقارنة بمستواها في نفس الشهر من العام السابق، هذا بجانب التحسن المستمر في مؤشرات ثقة المستهلكين والمستثمرين في الاقتصاد الإماراتي، وكذلك الارتفاع الذي شهدته أرباح الشركات العاملة في الدولة خلال الربع الأول من العام الجاري، وتزداد أهمية التعافي الحقيقي ودوره في دعم الاقتصاد الإماراتي وتمكينه من الاستفادة بشكل أكبر من غيره من الانتعاش المرتقب للاقتصادات الصاعدة في ظل كون المناخ الاستثماري والبيئة الاقتصادية في الدولة بشكل عام يعد من المناخات الاستثمارية الأفضل على مستوى العالم في الوقت الحالي، نظراً للسياسات الاقتصادية المرنة التي تتبعها الدولة، بأطرها التشريعية والقانونية والتنفيذية المحفزة للمستثمرين، كما أن اندماج الاقتصاد الوطني الإماراتي في الاقتصاد العالمي، وتمكنه من وضع نفسه كمركز للتجارة والأعمال على المستويين الإقليمي والعالمي، كل تلك المعطيات لا تقضي فقط بتعظيم استفادة دولة الإمارات من وفورات النمو والازدهار الاقتصادي في الاقتصادات الصاعدة في آسيا، بل إنها تضع الاقتصاد الإماراتي منافساً للاقتصادات الصاعدة ذاتها، وواحداً من محركات النمو والتعافي الاقتصادي العالمي المرتقب خلال العقود المقبلة. 
وتمثل دولة الإمارات النموذج الأبرز بين دول منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بتحسن أداء قطاع التجارة الخارجية، وقد دلل أداء هذا القطاع في الدولة على مدار السنوات الماضية على أنها استطاعت استثمار  التغيرات الجارية على خريطة التجارة العالمية والمذكورة آنفاً وأن تطوعها لخدمة أهدافها الاقتصادية والتنموية، ويتأتى هذا النجاح بداية من خلال الاستثمار الجيد للموقع الجغرافي المميز للدولة، الذي تحرص الدولة على تحقيقه منذ نشأتها، خصوصاً أنها تقع في منطقة تتوسط العالم أجمع، بما يسهل إمكانية الوصول إليها من جميع المناطق والقارات، ويجعلها معبراً للسلع والمنتجات المنقولة عبر الحدود العالمية من خلال أنشطة إعادة التصدير، وقد استطاعت الدولة أن تحقق هذه النجاحات من خلال نجاحها المتميز في توفير البنى التحتية والتكنولوجية والمالية المتطورة وإنشاء الموانئ البحرية والمطارات وتزويدها بأكثر التكنولوجيات وأساليب العمل تطوراً على مستوى العالم، وتكليلاً لهذا كله فقد استطاعت الدولة أن تطور بنيتها التشريعية والتنظيمية لتكون ملائمة لممارسة جميع الأنشطة الاقتصادية دون استثناء، فاستطاعت بذلك أن تصبح مركزاً للتجارة والأعمال أيضاً.
 
الدبلوماسية الاماراتية والقرن 21
في ظل الصعود المتسارع للقوى الاقتصادية الآسيوية، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية خياراً استراتيجياً مفاده: هل تقبل الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض على نظام دولي جديد مع الصين يعطي بكين دوراً أكبر ويسمح لها بممارسة مزيد من النفوذ عما كان من قبل؟ هل ترفض وتصر على الحفاظ على النظام القديم بقيادتها؟ خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أبدى نائب الرئيس الصيني موافقته على دور الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا طالما قبلت الأولى بدور الصين، في المقابل يرى بعض المحللين أنه من غير المتوقع أن تحل الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر قوة في العالم، فالصين تدرك أكثر من غيرها أنها ليست في مكانة القوة العظمى الأولى، تماماً مثلما تدرك روسيا وألمانيا وفرنسا والهند، أن جميعهم لديهم جوانب قصور، حتى بعد تشكيل الاتحاد الأوربي، لن يكون هناك "قرن آسيوي"، وربما من الأفضل تسميته بـ "قرن مستقطب"، في ضوء أن الصين لن تزيح الولايات المتحدة الأمريكية من مقعدها كقائد للعالم، ولكن تريد أن يُسمع رأيها وتكون جزء من اللعبة، ربما يكون هذا ما يراود الصين والهند، الآسيويون ليسو بحاجة إلى "قرن آسيوي" وإنما هم بحاجة إلى السلام الذي لا يتحقق بدوره بشكل أحادي من خلال استبعاد الآخرين، فيجب إشراك أفريقيا، وأمريكا اللاتينية وأوروبا أيضاً، وجهة نظر أخرى يقدمها جيفواني كابانيلي في مقال بعنوان "ينبغي على العالم أن يرحب بالقرن الآسيوي" في موقع "يورب ورلد"  أنه على الرغم من أنه لا يروق للبعض تسمية هذا القرن بالقرن الآسيوي، فإن الأرقام تقول عكس ذلك، بحلول عام 2050، سوف تمثل آسيا أكثر من نصف اقتصاد العالم و أكثر من 45 % من الأصول المالية جميعاً، فآسيا بمثابة المحرك الرئيسي للنمو العالمي ليس عبر الصادرات فقط، بل من خلال دورها في امتصاص الصدمات أيضا من خلال اتساع دائرة الطلب المحلية بها، وينصح الكاتب أوروبا بأن تدعم قيادة آسيا الناشئة للعالم إذا ما أرادت المحافظة على دورها كطرف إقليمي نشط، الكتاب الأمريكيون من جانبهم يخوضون النقاش من أوسع أبوابه، فكثير من الأقلام أفاضت في الحديث عن "تراجع النسر الأمريكي" لصالح "المارد الصيني" عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم تبعات حربي العراق وأفغانستان والأزمة المالية العالمية عام 2008 وتراجع الدولار كعملة احتياطية عالمية إلى تراكم الدين الداخلي الأمريكي، لكن مجلة "الإيكونوميست" تشير في عدد 24 مارس الماضي إلى أن أمريكا ما تزال قوية، واستندت تقديرات المجلة المعروفة في ذلك إلى أحدث خمسة كتب صدرت مؤخراً حول وضع الولايات المتحدة عالمياً، حيث اتفق المؤلفون على قدرة الولايات المتحدة على العودة إلى الصدارة مجدداً رغم صعوبة الظروف الدولية والتقلبات العالمية، وذلك لسبب بسيط، وهو عدم وجود بديل قوي قادر على تحمل هذه المسؤوليات، ففي كتابه "العالم الذي صنعته أمريكا" “The World America made” يرى المحلل السياسي روبرت كيجان –أحد أقطاب المحافظين الجدد البارزين- أن النظام الليبرالي الذي أسسته أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية قد لا يُكتب له البقاء إذا فقدت أمريكا قوتها أو رغبتها في الدفاع عنه، التاريخ يثبت أن القوى المهيمنة تأتي وتزول، ولكن أداء أمريكا كقوة مهيمنة كان استثنائيا: فالديمقراطية لن تعرف طرقها إلى الانتشار إلا في ظل العلم الأمريكي، كما أن موقع الولايات المتحدة البعيد من الناحية الجغرافية كان سبباً في تقبل العالم لفكرة استخدامها للقوة، ولم يخطر ببال الدول أن تجتمع أو تلم شملها للوقوف في وجه القوة الأمريكية، كما كانت القوة الأمريكية من أهم العوامل الإيجابية التي ساهمت في فتح طرق التجارة العالمية، ويخلص المؤلف إلى أن الحديث عن تراجع أمريكا مبالغ فيه. 
الخلاصة من وراء الخوض في النقاشات السابقة أن العالم يمر بمخاض لتشكيل نظام دولي لم تسفر ملامحه عن شيء واضح بعد، وبالتالي فإن دبلوماسية الدول الطموحة تنموياً مثل الإمارات تسعى إلى توسيع هامش المناورة وفتح آفاق جديدة للمستقبل من خلال تنشيط دوائر تحركاتها وفتح قنوات اتصال وتواصل ترتكز على المصالح المشتركة مع القوى الدولية الصاعدة كافة، بافتراض أن غالبية هذه القوى سيكون لها دور ما في إدارة العالم خلال القرن الحادي والعشرين.
 
الإمارات شريك مفضل.. لماذا؟
بداية لابد من التأكيد على أن أي سياسة خارجية ناجحة لابد وأن ترتكز على مقومات ودعائم داخلية، بمعنى أن النجاح في الخارج يتطلب نجاحاً في إدارة الداخل سياسياً واقتصادياً وأمنيا واجتماعياً، ويؤكد الخبراء أن السياسة الخارجية هي ترجمة صريحة لركائز القوة الشاملة (بشقيها القوة الصلبة والناعمة) التي تتمتع بها الدول، وفي هذا السياق يمكن استنتاج أحد أهم ركائز فاعلية السياسة الخارجية الإماراتية متمثلاً في متانة التجربة الاتحادية وما أفرزته من ثمرات على الصعد التنموية كافة، بما جعل من دولة الإمارات شريكاً اقتصادياً وتجارياً جذاباً لكل الاقتصادات الإقليمية والعالمية، إذ ترتكز دولة الاتحاد على مؤسسات قادرة على الوفاء بمتطلبات العصر، وتجاوز أي سلبيات أو تحديات يمكن أن تعترض مسيرة الاتحاد، فبعدما توافقت إرادة حكام الإمارات على ضرورة الوحدة فيما بينهم، تم تقنين هذه الإرادة في دستور مكتوب رسم ملامح النظام السياسي الإماراتي وحدود العلاقة بين سلطات الحكومة الاتحادية وسلطات الإمارات المنخرطة ضمن الدولة الاتحادية. وإذا كانت دولة الإمارات استطاعت ترسيخ أركانها بفضل حكمة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فإنها تواصل بخطى واثقة المضي في تثبيت دعائم مرحلة التمكين في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، وهذه المرحلة التي تعيشها الآن تعد مؤشراً قوياً على نجاح تجربة الاتحاد، ليس لأنها تستهدف فقط تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، سواء البشرية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، أو الثقافية أو السياسية، وإنما أيضاً لأنها تعتمد في إنجاز ذلك على التكامل بين السياسات والاستراتيجيات المختلفة، وهذا ما يمكن تلمسه بوضوح في العديد من المبادرات والتوجيهات التي طرحها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، خلال السنوات الماضية والتي أنتجت أثرها البناء في تحقيق أهداف مرحلة التمكين، من اهتمام كبير بالتعليم، والاستثمار في العنصر البشري، وتفعيل دور المؤسسات، وتطويرها، وتمكين فئات المجتمع المختلفة من المشاركة بفاعلية في حركة تنمية المجتمع وتطوره، أضف إلى ذلك أن دولة الإمارات قد حققت خلال السنوات القليلة الماضية العديد من الإنجازات في مختلف الجوانب، فاقتصادياً أصبح الاقتصاد الإماراتي واحداً من أقوى الاقتصادات في المنطقة، وأثبت قدرته ليس على التطور وحسب، بل وأيضاً على التماسك، واحتواء آثار الأزمات التي قد تواجهه، فقد استطاع مواجهة تداعيات الأزمة المالية التي عصفت بالعالم منذ عام 2008، وواصل بنجاح خططه ومشاريعه التنموية. لقد استطاعت دولة الإمارات أن تقدم نموذجاً في التنمية المستدامة، فعمدت إلى  تخفيف اعتماد اقتصادها الوطني على القطاع النفطي كمصدر رئيس للدخل، فاستثمرت عائدات هذا القطاع في بناء اقتصاد متوازن وقادر على النمو والازدهار دون استنزاف الموارد، وتوسعت تدريجياً في القطاعات غير النفطية لضمان أعلى مستويات الاستقرار لاقتصادها؛ فحققت إنجازات استثنائية في قطاعات البنى التحتية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة والتجارة الداخلية والخارجية والطاقة المتجددة والخدمات المالية والمصرفية،  وكانت نتيجة ذلك كله أن احتلت مرتبة متقدمة في سلم الترتيب التنموي على الصعيد العالمي، وأمنياً تتمتع دولة الإمارات بدرجة عالية من الاستقرار الأمني، وهذا يرجع بالأساس إلى إيمان القيادة في دولة الإمارات بأن الأمن هو أساس التنمية والتقدم إلى الأمام، ولذلك عملت على توفير كل ما من شأنه المساعدة على تحقيقه وفق أعلى المعايير العالمية والوقوف بكل قوة في وجه أي إخلال به، وبالتوازي مع هذا كله تتسم السياسة الخارجية الإماراتية بالاعتدال والحكمة والسياسة المتزنة، ولاشك أن الأوضاع السياسية والاقتصادية المتطورة في دولة الإمارات قد أنتجت بدورها سياسة خارجية متزنة بعيدة عن أي توترات أو افتعال للأزمات، وهو ما أكسبها احترام الجميع في الداخل والخارج، كما أن هذه السياسة الخارجية التي تحظى بالقبول والمصداقية على الساحتين الإقليمية والدولية، جعلها داعماً لخطط وأهداف التنمية في الداخل، فبفضل التحركات المختلفة التي قامت بها الدبلوماسية الإماراتية، استطاعت الدولة أن تحتل موقعاً دولياً متقدماً في خارطة الاستثمار العالمي، واستقطاب عدد كبير من مؤسسات الاستثمار العالمية لإقامة مشاريع ضخمة في مختلف إمارات الدولة. 
وللبرهنة على سجل الإمارات الدولي الناصع سياسياً يمكن الإشارة إلى ما ذكرته نشرة Gulf States Newsletter الصادرة في لندن في سياق تقييمها للإسهامات الإماراتية في الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين حيث قالت النشرة أن دولة الإمارات تمتلك سجلاً إقليمياً استثنائياً كمساهم قوي في المهمات العسكرية لحفظ السلام، وأشارت النشرة في هذا السياق إلى محطات عدة ميزت الدور الإماراتي منها، حسبما ذكرت النشرة نصاً، قرار المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالتدخل لحماية المسلمين في ألبانيا وكوسوفو في عام 1999، حيث تم نشر قوات مشاة تتكون من نحو ألف فرد، فضلاً عن نحو 250 فرداً مع طائرات هيلكوبتر أباتشي AH-64A وقوات خاصة، وذكرت النشرة في تقريرها أن أبرز تدخل عسكري إنساني إماراتي كان في أفغانستان في إطار عملية رياح الخير، حيث أرسلت الإمارات قوات لأفغانستان في عام 2006 لتوفير الحماية للمعدات وأعمال البناء في مستشفى كابول قرب قندهار، بينما قامت القوات الإماراتية بعمليات توزيع مساعدات إغاثية إنسانية وإزالة المتفجرات حول العاصمة كابول، كما قامت القوات الإماراتية بحماية مستشفى أشرفت على بنائه تقدم فيه طبيبات إماراتيات خدمات طبية للنساء والأطفال الأفغان، بالإضافة إلى تمويل محطة إذاعية تبث الأخبار والموسيقي بلغة الباشتون. 
 
دبلوماسية التنمية محرك أساسي 
خلال الملتقى السادس لسفراء ورؤساء البعثات التمثيلية للدولة في الخارج الذي عقد تحت رعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، بمشاركة أكثر من 130 من قيادات الوزارة وسفراء ورؤساء البعثات التمثيلية للدولة في الخارج ، ناقش الحضور إحدى أهم القضايا الحيوية التي باتت تشغل اهتمام دول العالم أجمع في السنوات الأخيرة، وهي "دبلوماسية التنمية"،  حيث بحث في كيفية تفعيل الدور الذي تقوم به بعثات الدولة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع دول العالم، بما يسهم في تعزيز مكانة الدولة على الساحة الاقتصادية ويبرز دور الدبلوماسية الإماراتية في هذا المجال، والواقع يشير إلى أن الدبلوماسية الإماراتية لم تعد تنفصل عن قضايا التنمية، بل أصبحت إحدى الأدوات الداعمة لها، فالسياسة الخارجية التي تتبناها الدولة بمحاورها وأسسها التي استعرضناها آنفا باتت تشكل داعماً قوياً لاقتصادنا الوطني ولخطط التنمية في الداخل، فالجولات الخارجية التي يقوم بها كبار مسؤولي الدولة  في مختلف قارات العالم باتت تركز بوضوح على الجانب الاقتصادي، سواء في استكشاف فرص الاستثمارات الخارجية لرجال الأعمال والقطاع الخاص في الدولة  أو في الترويج للفرص الاستثمارية المتاحة داخل  الدولة، والتي يمكن لرجال المال والأعمال والقطاع الخاص في هذه الدول الاستثمار فيها، وهو الأمر الذي يؤكد بوضوح أن الدبلوماسية الإماراتية تحرص على أن تخدم في تحركاتها الخارجية خطط ومشاريع التنمية في الداخل، ودائماً ما كانت الدبلوماسية الإماراتية داعماً قوياً للاقتصاد الوطني، والخطط التنموية في الداخل، فبفضل التحركات المختلفة التي قامت بها، استطاعت الإمارات أن تحتل موقعاً دولياً متقدماً في خارطة الاستثمار العالمي عبر امتلاك حصص في شركات عالمية وقطاعات اقتصادية مهمة، كما كان للدبلوماسية الإماراتية دورها المهم في استقطاب عدد كبير من مؤسسات الاستثمار العالمية لإقامة مشاريع ضخمة في إنحاء البلاد، مستفيدة من السمعة العالمية المشرفة،والتاريخ الاستثماري الايجابي، والمكانة الاقتصادية البارزة التي حصلت عليها الدولة خلال السنوات الماضية، باعتبارها من أكثر الدول الجاذبة للاستثمار في العالم، كما استطاعت الدبلوماسية الإماراتية أن تحقق العديد من الإنجازات التي تصب في خدمة خطط التنمية، ولذا يمكن القول بكل ثقة أن الدبلوماسية الإماراتية تقوم بدور فعال في خدمة الاقتصاد الوطني، وتوفر الأرضية السليمة لبناء تنمية مستدامة، بما تنسجه من خيوط تعاون وصداقه وتفاهم مع دول العالم المختلفة، وبما تتيحه من فرص جديدة لإقامة شراكات اقتصادية مع العديد من دول العالم، وبما تبنيه من ثقة عالمية في قدراتنا الاقتصادية، أسهمت كلها في وضع الاقتصاد الإماراتي في موقع متقدم على خريطة الاقتصادات المتقدمة. 
 
قمة الأمن النووي
وفي سياق الحديث عن دبلوماسية التنمية بل في جوهره يمكن رصد مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة في "قمّة الأمن النووي"، التي استضافتها كوريا الجنوبية خلال شهر مارس الماضي، حيث ترأس وفد الدولة إلى هذه القمة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث كان لافتاً خلال مشاركة سموه في أعمال هذه القمة أمران مهمان، أولهما التقدير الواضح الذي تحظى به الدولة تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله" في المحافل الدولية الكبرى، والحرص على الاستماع إليها وتعرّف وجهات نظرها في القضايا الحيوية التي تهمّ العالم، وقد اتضح ذلك من خلال اللقاءات التي أجراها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، رئيس وفد الدولة إلى القمة، مع العديد من رؤساء الدول وقادتها وممثّليها، وما عبّرت عنه هذه اللقاءات من تقدير واحترام عالميين لدولة الإمارات وقيادتها الرشيدة، إضافة إلى سياستها في التعامل مع قضية الأمن النووي وما تمثله من تجربة مهمة في هذا الشأن، حيث انعكس هذا التقدير في تصريحات قادة وزعماء العالم الذين شاركوا في فعاليات قمة سيئول للأمن النووي، الأمر الثاني، أن أعمال القمة كانت بمنزلة مؤشر أو "ترمومتر" لقياس ما تتميز به الدبلوماسية الإماراتية من حيوية وحنكة وديناميكية وقدرة فائقة على التعبير عن مواقف الدولة في المحافل المختلفة، فبالإضافة إلى اللقاءات المهمة التي أجراها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على هامش القمة مع العديد من القادة وفي مقدمتهم الرئيس الكوري الجنوبي، لي ميونج باك، الذي أكد عمق العلاقات المتميزة التي تجمع كوريا الجنوبية ودولة الإمارات العربية المتحدة في المجالات كافة، فقد أسهمت التصريحات التي أدلى بها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في إلقاء الضوء على البرنامج النووي الإماراتي والتعريف بما يتميّز به من الأخذ بأعلى المعايير العالمية في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، إضافة إلى تأكيد موقف الإمارات الثابت والمبدئيّ في الانحياز إلى كل ما من شأنه "إشاعة أجواء الأمن والاستقرار والسلام في ربوع منطقة الشرق الأوسط وبلدان العالم كله".
ومن الضروري الإشارة في هذا السياق إلى أن حرص دولة الإمارات على المشاركة في "قمة الأمن النووي" الثانية بهذا المستوى الرفيع من التمثيل، الذي يمثّل امتداداً لمشاركتها في القمة الأولى في عام 2010، هو ترجمة لخطّها السياسي المستقرّ منذ نشأة دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971 في الانخراط في أي جهد إقليمي أو دولي من شأنه أن يسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العالم ومواجهة مصادر الخطر التي تتهدّده وأسبابه على المستويات كافة، من أجل توجيه الاهتمام إلى مجالات التنمية التي تصبّ في مصلحة الشعوب وتقدّمها ورفاهيتها.  وإذا كانت المشاركة الإماراتية في "قمة الأمن النووي"، في كوريا الجنوبية، قد عكست  سياسات دولة الإمارات وكونها دولة مسؤولة في العالم تحرص على المشاركة القوية والفاعلة في أي جهد من شأنه تقوية العمل الدولي المشترك وتعزيزه في مواجهة التحديات الكونية والتصدي لمخاطرها، فهي قد عبّرت أيضا بوضوح عن أن الإمارات قد أصبحت مشاركة بقوة في صياغة أولويات التحرك العالمي ومساراته في مجال تكريس أعلى معايير الأمن النووي، قولاً وعملاً، وهذا ما وضح من المبادرتين اللتين طرحهما الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال حضوره القمة، رئيساً للوفد الإماراتي. المبادرة الأولى التي طرحها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في هذا الإطار  تمثلت في استضافة الإمارات مؤتمراً دولياً نيابة عن "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في أكتوبر من العام المقبل 2013 حول استراتيجيات المراقبة المستمرة للمواد المشعّة وتقنياتها طوال دورة حياتها. أما المبادرة الثانية فهي تبرّع الدولة بمبلغ مليون دولار بهدف توسيع المختبرات الحالية وترقيتها، التي تتيح لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" تحديد أصل المواد النووية واكتشاف المنشآت النووية غير القانونية التي لم يتم التصريح بها، إلى جانب العديد من المهام الأخرى، ولقد أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال هاتين المبادرتين المهمتين أن التعامل الجادّ مع التحديات الخطرة التي تواجه العالم يحتاج إلى خطوات عملية لدعم المنظّمات الدولية المعنيّة حتى يمكنها القيام بدورها وأداء مهامها بفاعلية بما يعود بالخير على البشرية جمعاء، وأن الإمارات مستعدّة دائماً للمساهمة في أي جهد أو تحرّك في هذا الشأن من منطلق إيمانها بمسؤوليتها الدولية من ناحية واقتناعها الراسخ بأن العالم يواجه العديد من التحدّيات الصعبة والمعقّدة التي يمتد تأثيرها إلى دوله جميعها من دون استثناء، ولا يمكن التعامل معها إلا من خلال تحرّك مشترك، وفي مقدمة هذه التحديات التحدي النووي، وقد كانت كلمات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان واضحة ومعبّرة في هذا الشأن، حيث قال إن التهديدات المتصلة بالأمن النووي بما فيها احتمال الإرهاب النووي لا يمكن حصرها في دولة دون الأخرى، بل يجب النظر إليها على أنها تشكّل تهديداً عاماً لجميع دول العالم، داعياً سموه إلى تعاون دولي من أجل إيجاد بنية تحتية عالمية والقدرة البشرية اللازمة لضمان أعلى معايير الأمن النووي، ومؤكداً الدور المحوري الذي تؤديه "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" في هذا الشأن.
 
الإمارات وكوريا الجنوبية.. شراكة نموذجية 
ذكرت صحيفة كوريا تايمز في عددها الصدر في الخامس من مارس الماضي في مقال بقلم Kim Tae-gyu أنه   قبل سنوات عديدة كان اهتمام الكوريين الجنوبيين بالفرص الاقتصادية في دولة الإمارات قليلاً، ولكن الآن أصبحت المشاعر "أخوية"، ويفسر الكاتب هذا التطور قائلاً أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت أحداثاً عززت العلاقات بين الدولتين ومن الواضح أن البداية كانت خلال عام 2009،  في ذلك الوقت، بحسب ما تقول الصحيفة، فاجأت الإمارات العالم باختيار اتحاد شركات كوري برئاسة Korea Electric Power Corp  لمشروع بناء أربعة مفاعلات نووية بحلول 2020 بتكلفة 18.6 مليار دولار، ثم جرى توقيع اتفاق لتطوير ثلاثة حقول نفط  يتوقع أن تنتج ما يصل إلى 43 ألف برميل من النفط يومياً اعتباراً من 2014، وبالإضافة إلى نقل تصريح أدلى به وزير اقتصاد المعرفة الكوري الجنوبي هونج سوك و قال فيه أن التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وكوريا الجنوبية سيستمر لأكثر من 100 عام، أشارت الصحيفة للدلالة على أهمية الاتفاق وعمق الشراكة بين البلدين إلى أن الإمارات لم تفتح الباب أمام أطراف جديدة لتطوير حقول النفط فيها خلال  العقود الثلاثة الماضية منذ أن فعلت ذلك مع اليابان في السبعينات، كما أكد الوزير الكوري هونج سوك  المكلف بملف صناعة الطاقة في كوريا أن العقد النفطي سيدعم العلاقة المئوية للحليفين التي تأسست بعد اتفاق الطاقة النووية في 2009 معرباً عن اعتقاده بأن الإمارات وكوريا الجنوبية  شريكان مثاليان لأن نقاط القوة لدى كل طرف تكمل نقاط النقص عند الآخر،  بينما قال مسؤول في وزارة اقتصاد المعرفة أن المتوقع أن يسفر هذا الخليط عن تآزر كبير عبر الحدود، من جانبها قالت الصحيفة إن "صورة الكوريين لدى الإمارات جيدة إذ تعتبرهم شعباً يتسم بالمواظبة، كما أن لدينا أيضاً انطباعات ودية للغاية عن الإمارات، وذلك إثر العقد النووي في 2009 ووقائع أخرى للتعاون أعقبت ذلك". وأضافت: تضع كوريا النمو الأخضر الذي تنخفض فيه نسبة الكربون كأولوية أولى، بينما استعدت الإمارات لعهد ما بعد النفط، هناك أسباب جيدة لهذا التجاوب بين الدولتين. 
وعلى الخلفية السابقة يمكن القول بان التعاون الإماراتي ـ الكوري الجنوبي في مجال التكنولوجيا النووية السلمية هو الركيزة الأساسية التي تتكئ عليها العلاقات الإستراتيجية بين البلدين في الآونة الأخيرة، ما يستوجب تسليط الضوء على البرنامج النووي السلمي الإماراتي الذي ينظر إليه الخبراء والمراقبون باعتباره نموذجاً دولياً في توظيف الطاقة النووية لمصلحة التنمية، فضلاً عن كونه يضرب المثل والقدوة في التعاطي مع الأطر القانونية الدولية الخاصة بحظر الانتشار النووي. وفي الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2009 وقعت الإمارات اتفاقيات عدّة مع كوريا الجنوبية لإنشاء أربع محطات للطاقة النووية، بقيمة 75 مليار درهم  وتبلغ قدرة كل منها 1400 ميجاوات بحلول عام 2020. وسيبدأ توليد الكهرباء بعد عام 2017، ولعل أهم ما يميز المحطات النووية الأربع، التي تعتزم الدولة بناءها، أنها تنتمي إلى الجيل الثالث، وهي تتمتع بنسبة أمان مرتفعة جداً، كما يتميز برنامج إنتاج الطاقة الكهربائية عبر هذه المحطات بانخفاض تكلفته، قياساً بطرق الإنتاج الأخرى، حيث إن 85 % من تكلفة إنتاج الكهرباء في هذه المحطات هي تكلفة إنشائية، وهذا يعني أن هذه المحطات النووية تعدّ إحدى البدائل المهمّة المضمونة لمصادر الطاقة في الدولة.
 
مستوى غير مسبوق من الشفافية النووية
في إطار تعزيز نهج الشفافية حول كل ما يتعلق بالبرنامج النووي السلمي لدولة الإمارات، عرضت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية في الدولة، خمس مسودات من لوائحها على الجمهور المحلي لإبداء آرائه وملاحظاته عليها خلال فترة 30 يوماً، ولا شك أن الحرص على استطلاع آراء الجمهور وملاحظاته المختلفة فيما يتعلق بقضية حيوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي لدولة الإمارات يشير بوضوح إلى ما يتمتع به البرنامج النووي الإماراتي السلمي من مصداقية وشفافية، وأن هناك حرصاً من جانب القائمين على هذا البرنامج على أن يكون هناك نوع من النقاش المجتمعي حول هذه القضية التي تحظى بالإجماع الداخلي، باعتبارها ضرورة تنموية وأمنية في آن معاً. ولعل ما يدعم نهج الشفافية الذي تتبعه الهيئة هو انفتاحها كذلك على الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية لاستطلاع آرائها أيضاً فيما يتعلق ببعض اللوائح، من أجل الاستفادة من خبراتها المختلفة في هذا الشأن، سواء كانت تنظيمية أو إدارية أو تشريعية أو تقنية، وهذا من شأنه أن يكرس الثقة ببرنامجنا النووي السلمي، ولا يدع مجالاً لأي شك في نياته السلمية، وأنه يستهدف بالأساس أغراضاً تنموية، والدليل على ذلك أنه يتم عرض المسودات واللوائح المنظمة لهذا البرنامج للنقاش العام.
وتؤكد الشواهد جميعها أنه منذ أن بدأت دولة الإمارات توجهها نحو امتلاك برنامج نووي للأغراض السلمية، وهي تلتزم نهج الشفافية في إدارة هذا البرنامج، بداية من وثيقة السياسة العامة التي تم إعلانها في شهر إبريل من عام 2008، وهي الوثيقة التي احتوت على الضمانات كلها كما أوردنا سابقا، وهي ضمانات من شأنها أن تؤكد سلمية التوجه النووي الإماراتي من ناحية، وتوفير تدابير الأمن والأمان كلّها للبرامج النووية من ناحية أخرى. ومروراً بمشروع القانون الشامل للطاقة النووية السلمية، الذي جاء ليعزز من شفافية هذا البرنامج، بما تضمنه من ضوابط مهمة لعمل هذا البرنامج، وأكثرها أهمية النص على تشكيل جهاز ينظم الترخيص للمنشآت، ويحدد مسؤوليات المرخص لهم والمشغلين، والتصرف في النفايات المشعة، والوقود المستهلك، مع الالتزام بتطبيق حظر انتشار الأسلحة النووية، والاستخدام غير المشروع للمصادر المشعة ضمن حدود الدولة، كما تظهر هذه الشفافية أيضاً في وضع ضوابط محكمة لإدارة البرنامج النووي السلمي، بشكل يتفادى أي أخطار قد تنجم عن عمل المحطات النووية، اتساقاً مع حرصها الدائم والثابت على سلامة البيئة، كما يعكس حرصها على الالتزام الدقيق بالمواثيق الدولية الخاصة بالاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وفي مقدمتها "اتفاقية منع الانتشار النووي" الموقعة عام 1968.  وينسجم نهج الشفافية الذي تلتزم به دولة الإمارات في إدارة برنامجها النووي السلمي مع الركائز الأساسية التي تقوم عليها سياستها الخارجية في تعاطيها مع قضايا منع الانتشار النووي بصفة عامة على الصعيد الدولي، حيث لا تألو في ذلك جهداً من أجل تفعيل الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، كي لا تتحول إلى أداة لتهديد الأمن والاستقرار الدوليين، ولذلك  تحظى جهودها بالتقدير الدولي. 
 
إشارات طمأنة كورية بشأن السلامة النووية 
كان التوقيت الذي ضرب فيه زلزال اليابان الأخير مدن الشمال الشرقي لليابان، والذي نجم من بين أفدح ما نجم عنه، دمار وتسرب إشعاعي في إحدى المحطات النووية السلمية المتخصصة بإنتاج الكهرباء بمحافظة فوكوشيما، كان هذا التوقيت مقلقاً للغاية للكوريين الجنوبيين، خاصة وأنه تزامن مع زيارة رسمية كان يجريها الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك لدولة الإمارات العربية المتحدة لحضور حفل وضع حجر الأساس للمحطات النووية الإماراتية التي أحيل التعاقد بإنشائها وإدارتها لكوريا الجنوبية، ضمن صفقة اعتبرها الخبراء في كوريا الجنوبية صفقة العصر بجدارة، لأنها فتحت الباب واسعاً، كي تصدر التقنية النووية السلمية الكورية الجنوبية إلى العالم، طارحة جانباً أكبر منافسين عالميين ذوي باع طويل في هذا المجال من الولايات المتحدة واليابان وفرنسا، لكن مسألة السلامة في المفاعلات النووية التي أثيرت الشكوك والهواجس حولها على خلفية أزمة مفاعلات فوكوشيما اليابانية ، خلقت عامل قلق من إمكانية تكرار سيناريو فوكوشيما في أي من الدول التي تمتلك أو التي في سبيلها إلى امتلاك محطات لتوليد الطاقة النووية كما هو عليه الحال في دولة الإمارات، ولعل إشكالية القلق الكوري الجنوبي وقتذاك كان يكمن في أن تقل حظوظ قناعة متخذي قرار اللجوء للتقنية النووية السلمية ولاسيما في منطقة الخليج العربي، ورداً على أي مخاوف قال الرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك، أن محطات الطاقة النووية الكورية الجنوبية آمنة بدرجة أكبر من المحطات اليابانية، وقال المتحدث باسم حزب الوطن الكبير، الحزب الحاكم لمراسل صحيفة كوريا هيرالد، إن الرئيس أشار إلى أن المحطات النووية اليابانية يرجع عمرها إلى 40 أو 50 عاماً، بينما تم تصميم المحطات النووية الكورية الجنوبية بشكل أحدث، بعدما تم تثبيت معايير الأمن على نحو أفضل، ما يعني أن المحطات النووية الكورية تتمتع بمستوى سلامة وأمن أكبر، وأضاف الرئيس أنه ليس هناك من داع للقلق حول التسرب الإشعاعي في اليابان على مفاعلات كوريا الجنوبية، مؤكداً على ضرورة التوقف عن ترديد الشائعات عبر الانترنت بشأن الأخطار الشديدة القادمة من اليابان أو من المحطات النووية في كوريا، وقالت افتتاحية وكالة أنباء KBS الكورية الجنوبية أنه يوجد حالياً في كوريا الجنوبية 21 مفاعلاً نووياً عاملاً بالفعل، وقد زادت قدرات تلك المفاعلات في توليد الكهرباء بشكل تدريجي منذ إنشاء المفاعل "غوري"، وهو أول مفاعل نووي كوري جنوبي، في أبريل من عام 1978، وبعدها نجحت كوريا الجنوبية في تطوير مفاعلات نووية بتقنياتها الخاصة، وعززت من سلامتها وكفاءتها، حتى تمكنت من الفوز في عام 2009 بصفقة كبرى مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لإقامة أربعة مفاعلات نووية، وقالت الوكالة أن استخدام الطاقة النووية وإنشاء المحطات والمفاعلات الخاصة بها يعتبر توجهاً عالمياً في الوقت الراهن، لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما يعني حتمية البحث عن أفضل السبل اللازمة من أجل ضمان السلامة النووية بأعلى درجة ممكنة، مشيرة إلى أن المفاعلات النووية الكورية مصممة لتحمل الزلازل حتى قوة 7 درجات بمقياس ريختر. 
 
أهمية الشراكة الإماراتية ـ الكورية الجنوبية
يكتسب التعاون الإماراتي ـ الكوري الجنوبي في مجال التكنولوجيا النووية السلمية أهمية استثنائية لكونه أول عقد تتوصل إليه دولة عربية لامتلاك مفاعلات نووية حديثة ذات طاقة إنتاجية عالية، حيث يشغل العقد بين البلدين موقع الريادة في منطقة استفاقت لتبحث عن موقعها على خارطة هذا النوع من الطاقة،  وبالتالي فإن هذه الشراكة ستلقي بتأثيراتها على دول المنطقة سواء لجهة التعاقد مع كوريا الجنوبية كمورد لمفاعلات الطاقة النووية، أو لاختيار هذا المصدر الآمن لتلبية الاحتياجات المتزايدة للتنمية في دول المنطقة عبر بناء المفاعلات النووية، ويدرك المراقبون أن التفاعلات التي سبقت اختيار كوريا الجنوبية لتوريد المفاعلات النووية لدولة الإمارات توحي بأهمية هذه الخطوة كونها تتطلب قرارات على أعلى مستوى سياسي في البلاد، كما تتطلب ثقة راسخة في الشريك الاستراتيجي الذي سيقع عليه الاختيار لتوقيع مثل هذا العقد الضخم، ولذا دارت هذه التفاعلات على مستوى القيادات السياسية في دول عدة، وخلال المرحلة الأخيرة، برزت أربعة تحالفات صناعية متخصصة في الطاقة النووية تابعة لخمس دول هي: الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، اليابان، وكوريا الجنوبية، وقامت هذه التحالفات بتقديم عروضها لحكومة دولة الإمارات، ثم جاء قرار الإمارات بإسناد المشروع إلى الجانب الكوري الجنوبي الذي توافرت فيه عناصر وضعتها القيادة السياسية في دولة الإمارات على رأس المعايير الحاكمة لقرارها في هذا الشأن، ومن أهمها مستوى التقدم التكنولوجي المستخدم في بناء المفاعلات النووية، وتحديداً مدى توافر عنصر الأمان والسلامة النووية، لضمان الحد الأقصى من سلامة وأمان المفاعل من مخاطر التلوث والتسريبات الإشعاعية ومخاطر الانفجارات المصاحبة لأخطاء التشغيل وغيرها من الأخطار المتوقعة على صعيد عمل المفاعلات النووية، وفي هذا الإطار يشار إلى أن المفاعلات الكورية الجنوبية تعد من أفضل المفاعلات أماناً في العالم، ويوحي أدائها بذلك على مدار السنوات والعقود الماضية، كما أن الشركة الكورية الموردة تُعَدّ ثالث أكبر شركة عالمية في مجال توليد الطاقة الكهربائية بالمفاعلات النووية، وتمتلك أكثر من عشرين محطة توليد نووية عاملة، إلى جانب 18 محطة قيد الإنجاز أو في مراحل التخطيط، وبالإضافة إلى حسابات ومعايير فنية أخرى معقدة فإن الشريك الكوري الجنوبي يعد شريكاً مثالياً لدولة الإمارات سواء من واقع التجارب والخبرات السابقة أو في ضوء حسابات المستقبل، وأيضاً في ضوء العوامل الحاكمة لعلاقات الدول، حيث تتفادى هذه الشراكة "المثالية" حسابات الضغط السياسي والاقتصادي، وتتجنب الوقوع في براثن صراعات القوى السياسية المتناحرة في أي من الدول خصوصاً في ظل الأمد الزمني الطويل نسبياً لهذه الشراكة، حيث أن بناء مفاعلات الطاقة النووية سيستغرق فترة زمنية تقارب العشر سنوات، وعملية التشغيل والاستفادة تستمر لمدة ثلاثين عاماً، وبالتالي كان عامل تقليل مخاطر التدخلات السياسية في سير المشروع النووي من جانب الدولة المتعاقِدة حاضراً بقوة عند إرساء العقد في المراحل النهائية. 
وتجمع دولة الإمارات العربية المتحدة، وكوريا الجنوبية علاقات اقتصادية إستراتيجية تتركز في عدة مجالات أبرزها الاستثمارات المشتركة في قطاع الطاقة، والتبادل التجاري، خصوصاً أن الإمارات تعتبر من أهم أسواق المنطقة للمنتجات الكورية، وتجمع البلدين شراكة، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة (تسعى كوريا الجنوبية إلى إنتاج 11 % من احتياجاتها للطاقة عبر مصادر متجددة بحلول عام 2030، مقارنة مع النسبة الحالية البالغة 2.46 %، وخصصت 891.2 مليون دولار لدعم وتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك بناء محطات للطاقة الشمسية وطاقة الرياح)  والتدريب والتعليم والإنشاءات وبناء السفن وأشباه الموصلات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إضافة إلى مواصلة الشراكة التقليدية في مجال الطاقة بما فيها النفط والغاز.وتسعى كوريا إلى التعاون مع الإمارات في مجالات إضافية، منها التعاون الصناعي وتأسيس المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم وتوسيع التجارة الثنائية والاستثمار، وقال رئيس الوزراء كيم هوانج سيك خلال مشاركته في افتتاح القمة العالمية لطاقة المستقبل أبوظبي 2012: تمثل دولة الإمارات منذ ما يزيد على ثلاثة عقود شريكاً قوياً وموثوقاً لكوريا الجنوبية، خاصة أنها كانت على الدوام وجهة رئيسية للتواصل والحوار بين الشرق والغرب، والقمة العالمية لطاقة المستقبل ليست سوى دليل آخر على المكانة الريادية والحضور القوي الذي تحظى الدولة به على الساحة العالمية". وكانت وزارة الخارجية بدولة الإمارات قد وقعت في مارس 2011 مذكرة تفاهم مع المعهد العالمي للنمو الأخضر GGGI في كوريا الجنوبية لتطوير شراكات تعاونية بين قادة ومؤسسات الفكر والأعمال في دولة الإمارات ونظرائهم الكوريين، قبل أن يعلن المعهد في 7 يوليو 2011 افتتاح مكتبه الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مدينة مصدر بأبوظبي.
 
علاقات إستراتيجية متنامية مع الصين
يجمع مراقبو الشأن المحلي على أن الزيارة الرسمية الناجحة التي قام بها الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى بكين  خلال شهر مارس الماضي، قد عمقت جذور الشراكة الإستراتيجية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية التي تم الاتفاق حولها خلال زيارة ون جيا باو رئيس الوزراء الصيني إلى أبوظبي خلال شهر يناير الماضي، حيث وضعت اللقاءات المهمة التي أجراها سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والوفد المرافق مع المسؤولين الصينيين والمواقف والتوجهات التي عبر عنها إضافة إلى مظاهر الحفاوة الصينية الرسمية التي استقبلت بها زيارة سموه، أسساً قوية لعلاقات إماراتية-صينية متميزة في المجالات كافة، في تأكيد على جدارة الرؤية الاستشرافية التي تتمتع بها القيادة الإماراتية ورؤيتها العميقة بشأن توجيه مسارات السياسية الخارجية وتحديد أولويات تحركها تجاه المناطق والقوى المختلفة على المستويين الإقليمي والعالمي، وإذا كان الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد أكد حرص دولة الإمارات على تعزيز علاقاتها مع الصين، فإن المسؤولين الصينيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء (رئيس مجلس الدولة) ورئيس المجلس الوطني لنواب الشعب، قد أكدوا من جانبهم على الاهتمام بالعلاقة مع الإمارات وعلى تقديرهم لها ولسياستها في الداخل والخارج، وهذا الأمر يكشف عن احد أهم العوامل الداعمة للعلاقة بين الجانبين وهو الحرص المشترك والمتبادل على تعزيز العلاقات الإماراتية ـ الصينية وضرورة العمل على تدعيم أواصرها ومحركاتها ودفعها إلى الأمام، ومن اللافت في هذا الإطار أن تلك الزيارة الناجحة للصين كانت امتداداً لنجاحات الدبلوماسية الإماراتية التي تحققت قبلها مباشرة في سيئول والتي تتحقق في دوائر التحرك الخارجي المختلفة بفضل الرؤية الثاقبة التي تحكمها من ناحية وكفاءة وحيوية القائمين على تنفيذها من ناحية أخرى، حيث تزامنت هذه الجولة مع جولة مماثلة في دول أمريكا اللاتينية قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية.
ويذكر أن زيارة الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد تمت خلال الفترة من 27-29 مارس  الماضي بدعوة من نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ، وجاءت الزيارة في إطار تسارع وتيرة تطوير العلاقات بين الجانبين منذ أن أطلقا شراكة إستراتيجية بينهما في يناير الماضي خلال زيارة رئيس الوزراء الصيني ون جيا باو لأبوظبي، إذ مثلت هذه الخطوة مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين بحسب تعبير بيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية تعليقاً على زيارة سمو ولي عهد أبوظبي إلى بكين، وهي علاقات تحظى بدعائم ومقومات عدة، أبرزها اتساع قاعدة المصالح المشتركة وتنامي فرص التعاون، فضلاً عن الاهتمام المشترك للجانبين بتعزيز ركائز السلام والتنمية على المستويين العالمي والإقليمي، طبقاً للبيان الصيني. ومن الضروري في هذا الإطار الإشارة إلى أن الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد التقى خلال زيارته إلى بكين، نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي سيتولى منصب رئيس الصين قبيل نهاية العام الحالي، حيث ركزت المحادثات على سبل تقوية التعاون في مجالي الطاقة والتجارة ، وتعزيز الشراكة الإستراتيجية الثنائية، وفي هذا الإطار قال شي جين بينغ إن تنمية العلاقات بين الصين والإمارات، تظهر أن الاحترام والثقة هما أساس مهم للعلاقات الثنائية، في حين أن التعاون هو القوة المحركة المستمرة، وأن التبادلات الثقافية ضرورية بالنسبة للعلاقات الثنائية، وقال شي "تقدر الصين الدور الإيجابي للإمارات في تعزيز العلاقات مع الصين، وتأمل في بذل جهود مشتركة مع الدولة من أجل تعزيز التعاون الودي الثنائي والارتقاء به إلى مستوى جديد." وأضاف شي، إن الإمارات، وهي دولة هامة في الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، حققت إسهامات إيجابية في تعزيز علاقات الصين مع العرب والدول الأعضاء في المجلس، وتابع نائب الرئيس الصيني "تعمل الصين دائماً على تنمية علاقاتها مع الدول العربية ودول المجلس من منظور استراتيجي وطويل الأجل، وتأمل في زيادة تعزيز التعاون وتسريع المفاوضات بشأن منطقة للتجارة الحرة بين الصين والمجلس." من جانبه أكد سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن دولة الإمارات تقدر دور الصين الهام في الشؤون العالمية، وبشكل خاص، بشؤون الشرق الأوسط، ومشيداً بآفاق للعلاقات بين الإمارات والصين، قال إن الإمارات تأمل في تعزيز التعاون مع الصين في مجالات مثل التجارة والطاقة والتعليم والثقافة والقضايا الإقليمية، ووضع العلاقات بين الصين والإمارات كنموذج رائع للتعاون الثنائي، كما التقى سمو ولي عهد أبوظبي خلال زيارته الرسمية إلى الصين أيضاً، رئيس الوزراء ون جيا باو الذي أكد بدوره أن التبادلات الثنائية والتعاون الثنائي يشهدان مرحلة جديدة، مشيراً إلى أن الشعبين يتمتعان بصداقة عميقة، وأوضح ون إن الإمارات لديها رؤية إستراتيجية في التعامل مع العلاقات مع الصين، حيث إنها الدولة الأولى في منطقة الخليج التي تقيم شراكة إستراتيجية مع الصين، وحث ون أيضاً البلدين على تحسين التعاون الاستثماري في البنية التحتية والتصنيع المتقدم ومجالات الصناعة الخضراء، كما حث على تعميق التبادلات التعليمية والثقافية. وقال إنه يتعين على البلدين العمل معاً من أجل تسريع التفاوض بشأن منطقة للتجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي.  ومن الضروري في هذا السياق أيضاً الإشارة إلى أن زيارة سمو ولي عهد أبوظبي إلى الصين لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية والتجارية والسياسية، بل اشتملت أيضاً على تعزيز التواصل وقنوات الحوار الشعبية والثقافية والتعليمية بين البلدين، إدراكاً من سموه لما توفره هذه القنوات من فرص من شأنها أن تفتح مجالات جديدة للتقارب والتفاهم بين الدول والشعوب، وترجمة لهذه الرؤية حضر سموه مراسم إعادة افتتاح مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين. وقال يانغ شيوه يي، رئيس مجلس إدارة جامعة الدراسات الأجنبية ببكين، في كلمة ألقاها خلال تلك المناسبة إنه قد تخرج من المركز أكثر من 600 طالب وطالبة من الدارسين الصينيين منذ إنشائه، وأصبحوا رسل الصداقة بين العالمين العربي والصيني. وأضاف:"يمكن القول بأن المركز قد أصبح قاعدة هامة لإعداد كفاءات صينية تجيد اللغة العربية، وصرحاً علمياً لنشر اللغة العربية والثقافة العربية الإسلامية في الصين، ونافذة فعالة لتعزيز الصداقة والتفاهم بين الشعبين الصيني والعربي"، كما ذكر عمر البيطار، سفير دولة الإمارات لدى الصين، أن هذا المركز قد استضاف الكثير من القادة والمثقفين البارزين من جميع أنحاء العالم، كما أقام العديد من الندوات والمحاضرات العلمية، علاوة على إصدار الكثير من الدراسات والكتب والترجمات التي ساهمت بتعميق التفاهم الثقافي والحضاري بين الصين والدول العربية والإسلامية، كما أعلن البيطار في المراسم إن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منح 1.12 مليون دولار أمريكي للمركز من أجل دعم مسيرة التعليم. 
 
أمريكا الجنوبية ساحة جديدة للنشاط الدبلوماسي
اتجهت دولة الإمارات، خلال السنوات الماضية، إلى تنويع تجارتها الخارجية، انطلاقاً من نهج متكامل يستهدف تنويع مصادر الدخل بالاقتصاد الوطني، ويأتي ترجمة لسياسات تنموية تستهدف تحسين موقع الاقتصاد الوطني على خريطة التجارة العالمية، عبر عدد من محاور العمل، يهتم المحور الأول منها بتحسين كفاءة المنتجات الوطنية بدايةً، ومن ثم زيادة قدراتها التنافسية في الأسواق المحلية وصولاً إلى زيادة صادراتها إلى الأسواق الخارجية، أما المحور الثاني فهو ينطوي على تحسين ظروف الاستيراد، من خلال تنويع أسواق الاستيراد، والدخول في اتفاقيات وشراكات دولية تضمن الحصول على الواردات بشكل منتظم وبأسعار جيدة اقتصادياً، وينصب المحور الثالث على تهيئة الظروف الملائمة لتشجيع الاستثمارات المتبادلة سواء الحكومية منها أو الخاصة، وتطبيقاً لهذه المحاور تدخل الدولة في اتفاقيات وشراكات دولية، وتنظم المؤتمرات والمعارض والفعاليات الدولية وتشارك فيها، بالإضافة إلى قيام المسؤولين الإماراتيين بالعديد من الجولات ذات الطابع الاقتصادي حول العالم على مدار العام، لتهيئة الأجواء لتنفيذ السياسة التجارية الطموحة للدولة، وتعدّ منطقة أمريكا الجنوبية من المناطق المستهدفة بالنسبة إلى دولة الإمارات، نظراً إلى ما تمتلكه من إمكانات اقتصادية كبيرة، أهّلتها لكي تصبح واحدة من البؤر ذات المستقبل الواعد على الخريطة الاقتصادية العالمية، حتى إنها باتت من القوى التي ينظر إليها بتفاؤل شديد، ويعول عليها في الإسهام في جذب الاقتصاد العالمي خارج نطاق "الأزمة المالية العالمية".
وبرغم الاهتمام الإماراتي، وبرغم الأهمية الاقتصادية لهذه الدول أيضاً، فإن التبادل التجاري بين الطرفين لا يتعدّى حتى الآن نحو 3.7 مليار دولار سنوياً، وتستحوذ دولتا البرازيل والأرجنتين على نحو 90 %منها، في حين لا تسهم باقي دول المنطقة بأكثر من 10 %، ولا تمثل قيمة التبادل التجاري بين دولة الإمارات ودول أمريكا الجنوبية أكثر من 2.5 % من إجمالي التجارة الخارجية الإماراتية، لكن برغم ذلك فهو يضع دولة الإمارات في المرتبة الأولى بين الشركاء التجاريين لدول أمريكا الجنوبية في منطقة الخليج العربي، حيث إنها تستحوذ على نحو خمسي التبادل التجاري الخليجي العربي مع أمريكا الجنوبية، وتبذل دولة الإمارات جهوداً حثيثة لتطوير علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول أمريكا الجنوبية، بهدف الاستفادة من الفرص الكبيرة الكامنة في التعاون مع تلك الدول.
 
الهند ... تطور نوعي في العلاقات
في خضم التحركات الخارجية الإماراتية باتجاه تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع القوى الاقتصادية الصاعدة في مختلف أرجاء العالم، جاء توقيع الإمارات خلال شهر أبريل الماضي اتفاقية للتعاون الجمركي مع الهند، تستهدف وضع معايير للتعاون الفني والإداري بين الطرفين في المجال الجمركي، وتستهدف هذه الاتفاقية مكافحة المخالفات الجمركية التي تضر بأمن الاقتصاد والمجتمع في البلدين، وتسهيل مرور المسافرين وتدفق البضائع بين البلدين عبر إصدار التشريعات وتطوير الأنظمة الجمركية اللازمة لذلك، وتنظيم عملية تبادل المعلومات الجمركية واستخدامها في الأغراض المشروعة، من خلال وضع القواعد المناسبة لذلك، ومن ثم الارتقاء بالوعي الجمركي للقائمين على أنشطة التجارة والاستثمار بين البلدين من خلال تنظيم حملات توعية ودورات تدريبية لهم بشكل دوري، وتضع الاتفاقية الجديدة الأسس لمرحلة جديدة في مسيرة العلاقات التجارية والاقتصادية بين الإمارات والهند، خصوصاً وأنها ستضبط وتنظم حركة المسافرين والبضائع والاستثمارات المرتبطة بها، وسيكون لذلك بالتأكيد انعكاس إيجابي على العلاقات فيما بينهما، وعموماً فإن الدولتين تحتفظان بعلاقات جيدة فيما بينهما، وقد بلغ متوسط التبادل التجاري فيما بينهما على مدار العقد الماضي ما يقدر بنحو 24 مليار دولار سنوياً، وشهد هذا التبادل نمواً مضطرداً على مدار العقد، وصل في بعض السنوات إلى نحو 48 %، الأمر الذي عبر بدوره عن أن هناك تطور إيجابي كبير في العلاقات الثنائية، وهو ما لا يمكن قراءته بعيداً عن حالة النمو المضطرد التي عاشها اقتصادا البلدين على مدار العقد، حيث حقق كل منهما نمواً بمعدل يدور حول 8 % سنوياً في سنوات ما قبل الأزمة المالية العالمية، كما أنهما شهدا تشابهاً في اتجاهات النمو في سنوات ما بعد الأزمة، ومن المعروف أن دولة الإمارات تحتل المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري للهند في جانب الصادرات، وتأتي في المرتبة الرابعة بين الشركاء التجاريين لها في جانب الواردات، وتعتبر الإمارات بذلك هي الشريك التجاري الأول للهند في منطقة الخليج العربية، إذ أنها تستحوذ على نحو 50 % من تجارتها مع دول المنطقة، وعلى الجانب الآخر تأتي الهند على رأس الشركاء التجاريين لدولة الإمارات على صعيد الواردات، وكذلك فهي تحتل المرتبة الثانية بين الشركاء التجاريين للدولة فيما يتعلق بإعادة التصدير، ومن المتوقع وفقاً لتقديرات بنك "اتش اس بي سي" أن ترتفع قيمة أعمال التجارة الثنائية بين الطرفين إلى نحو 103.6 مليارات دولار بحلول عام 2025، ويتوقع أن تسهم الاتفاقية الأخيرة في الوصول إلى هذا الهدف، بل إنها قد تساعد الطرفين على زيادة حجم التجارة الثنائية فيما بينهما بأعلى من المتوقع.
ومن المتوقع كذلك أن يكون لاتفاقية التعاون الجمركي التي تم توقيعها بين البلدين خلال الأيام الأخيرة دور إيجابي في تحفيز الاستثمارات المتبادلة، المقدرة بنحو 21.7 مليار دولار سنوياً، خصوصاً وأنها ستسهل على المستثمرين دخول أسواق الدولتين، وستشجع هؤلاء المستثمرين على توسيع أنشطتهم في مجال الأعمال التجارية، خاصة وأنها ستحد كثيراً من حجم المخاطر التي كان من الممكن للمستثمرين التعرض إليها قبل توقيعها بسبب الممارسات الضارة، ويرى خبراء ومراقبون أن توقيت توقيع اتفاقية التعاون الجمركي بين الإمارات والهند يضفي عليها المزيد من الأهمية ويضاعف من تأثيرها الإيجابي على العلاقات الثنائية بين الطرفين، خصوصاً أن اقتصادي البلدين قد تمكنا بالفعل من الخروج من أسوأ مراحل الأزمة المالية العالمية، وهما تتجهان الآن إلى خط النهاية على طريق التعافي الكامل من تداعيات تلك الأزمة، في ظل ما يتمتعان به من إمكانات، وهي الإمكانات التي رشحتهما للمساهمة في دفع الاقتصاد العالمي إلى الأمام على طريق التعافي من الأزمة، وهو ما سيفضي بالطبع إلى توسع غير مسبوق في حجم العلاقات الاقتصادية فيما بينهما.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره