2022-11-01
زيــارة صاحــب السمــو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا
في سبتمبر عام 2013، وخلال استقباله لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، قال فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي في افتتاح المحادثات بين الجانبين «تجمعنا علاقات طيبة مع الإمارات العربية المتحدة التي تعد واحدة من أهم شركائنا الاقتصاديين»، واصفاً صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بـ «الصديق القديم والموثوق»، وقد جاءت الزيارة التاريخية المهمة التي قام بها صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في الحادي عشر من أكتوبر 2022 إلى موسكو، لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، انعكاساً لتميز العلاقات بين البلدين، وقدرة الدبلوماسية الإماراتية على القيام بمسوؤلياتها في أوقات الأزمات والتحرك بين نقاط التماس من أجل السعي لتهدئة التوترات وتخفيف حدة الاحتقان.
إعداد: هيئة التحرير
تعد تلك هي أول زيارة يقوم بها صاحب السمو رئيس الدولة إلى روسيا منذ توليه مقاليد الحكم في 14 مايو الماضي، وتعد قمتهما هي العاشرة التي تجمع الزعيمين منذ تولي بوتين رئاسة روسيا عام 2012 (الفترة الرئاسية الثالثة).
وفي بيان لها، قالت الخارجية الإماراتية إن «زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، تأتي في إطار سعي الإمارات المستمر للإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار بالمنطقة والعالم، وتعزيز التعاون المثمر والبناء مع القوى الإقليمية والدولية، والتواصل مع كافة الأطراف المعنية في الأزمة بأوكرانيا للمساعدة في التوصل إلى حلول سياسية فاعلة». وأوضحت أن “المباحثات الثنائية ستتطرق إلى آخر التطورات والمستجدات المتعلقة بالأزمة في أوكرانيا، حيث تسعى الدولة للوصول إلى تحقيق نتائج إيجابية لخفض التصعيد العسكري والحد من التداعيات الإنسانية والتوصل إلى تسوية سياسية لتحقيق السلم والأمن العالميين». وشددت على “استعداد الإمارات التام لدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا”، مؤكدة “موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي.
وفي الحادي عشر من أكتوبر 2022، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في مدينة سانت بطرسبرغ، الروسية، حيث أكد الرئيسان على متانة العلاقات بين البلدين الصديقين. وقال الرئيس بوتين خلال استقباله صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وقبل عقد جلسة المحادثات الثنائية، إنه «على مدى 50 عامًا من علاقاتنا الدبلوماسية، تطورت اتصالاتنا بشكل تدريجي وتصاعدي. ورغم تعقيد العلاقات الدولية خلال المرحلة الراهنة، فإن العلاقات بين روسيا والإمارات هي عامل مهم لتحقيق الاستقرار في المنطقة وفي العالم كله». وأضاف: «نحن ممتنون لكم على جهود الوساطة التي بذلتموها والتي أدت إلى حل عدد من القضايا الإنسانية الحساسة إلى حد ما. إنني أعلم بقلقك بشأن تطور الوضع ككل ورغبتك في المساهمة في تسوية جميع القضايا الخلافية، بما في ذلك الأزمة التي تحدث اليوم في أوكرانيا. أود أن أشير إلى أن هذا بالفعل عامل مهم يجعل من الممكن استخدام نفوذكم من أجل التحرك نحو تسوية الوضع».
وحول العلاقات الثنائية، قال بوتين إنها “تتطور بنجاح كبير. في العام الماضي، شهد حجم التجارة الثنائية (قبل الأزمة في أوكرانيا) نسبة نمو قدرها 65%، وهذا العام، على الرغم من كل الصعوبات، استمر النمو، ليس بنفس حجم العام الماضي، ولكن رغم ذلك وصل إلى %17”. وتطرق الرئيس بوتين إلى دور روسيا والإمارات في مجموعة “أوبك +”، قائلا: “نعمل بنشاط في إطار أوبك بلس. أعلم أن موقفك وأفعالنا وقراراتنا ليست موجهة ضد أي أحد، ولن نقوم أو نفعل ذلك بطريقة تخلق مشاكل لأي أحد”. وأضاف: “تهدف أعمالنا إلى خلق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، بحيث يشعر كل من مستهلكي وموردي الطاقة للأسواق العالمية بالهدوء والاستقرار والثقة. ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب. لذلك، نستجيب دائمًا لاحتياجات السوق، ونحاول القيام بذلك بشكل مناسب للأحداث الجارية».
من جانبه، أعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ عن سعادته بلقاء الرئيس بوتين، كما وجّه له التهنئة بمناسبة عيد ميلاده الذي يوافق 7 أكتوبر، مشيراً إلى أنه لم يلتقي الرئيس بوتين منذ نحو3 سنوات بسبب تفشي جائحة “كورونا”. وقال سموه إنه “رغم وجود كوفيد ضاعفنا حجم التبادل التجاري بيننا من 2.5 إلى 5 مليارات دولار، وعدد السياح الروس ارتفع إلى نصف مليون، واحتفلنا بأول مدرسة روسية هذا العام، ولدينا 4 آلاف شركة روسية». وأضاف: “كل هذا يقوي الجسر الذي بنيناه سويا.. ونحن نرى أنه في السنوات المقبلة سنضاعف كل هذه الأرقام... سعيد جدا برؤيتك صديقي فخامة الرئيس”.
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال اللقاء سعي دولة الإمارات إلى الإسهام في تعزيز أسس السلام والاستقرار في العالم والعمل على خفض التوترات وإيجاد الحلول الدبلوماسية للأزمات التي يشهدها. وتطرق سموه خلال اللقاء إلى إمكانية استمرار الحوار بين روسيا وأوكرانيا .. فيما أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا مهتمة باستمرارية جهود الوساطة الإماراتية. وأطلع بوتين ضيفه الكبير تفصيلاً على الوضع في محطة زابوريجيا النووية والجهود التي يتخذها الجانب الروسي من أجل ضمان سلامة الأمن النووي، فيما أعرب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن متابعة دولة الامارات الوضع بشأن المحطة. وفيما يتعلق بقيام دولة الإمارات بدور مهم في عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن الجانب الروسي يقدر هذه الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات والتي أكدت استعدادها لمواصلة جهود الوساطة. بدوره، أطلع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الرئيس الروسي على موقف الجانب الأوكراني حول عدد من القضايا. وأشار سموه إلى أهمية الاستمرار في بذل الجهود الحثيثة للبحث عن حلول سياسية للأزمات والتوترات وإيجاد أرضية مناسبة لكل الأطراف للتحاور. وشدد على سياسة دولة الإمارات الداعمة للسلام والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية، والداعية إلى ضرورة استمرار المشاورات الجادة لحل الأزمة الأوكرانية، مهما كان مستوى صعوبتها وتعقيدها عبر الحوار والتفاوض والآليات الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية سياسية بما يحقق السلم والأمن العالمي.من جهته شكر بوتين صاحب السمو رئيس الدولة على جهود الوساطة في حل القضايا الإنسانية، وأشاد بدور الإمارات في الجهود لتسوية الأزمات في مختلف أنحاء العالم، ويسن العلاقات بين روسيا والإمارات عامل مهم للاستقرار في المنطقة.
ملف العلاقات الثنائية بين الامارات وروسيا: خلال الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ لروسيا، قال الرئيس بوتين إن حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يعبر عن الإمكانات، وأعرب عن أمله في أن يرتفع. وبارك بوتين الاتفاق حول ضخ استثمارات إماراتية في الاقتصاد الروسي بنحو خمسة مليارات دولار. وقال: “يطيب لي أن أشير إلى اتفاقكم مع صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة على ضخ خمسة مليارات دولار في أعمال مشتركة”. وأفادت الأنباء في وقت سابق أنه جرى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون الاستثماري بين البلدين. وأوضحت وكالات روسية أن الحديث يدور عن أكبر صندوق للاستثمار في البنى التحتية الروسية بقيمة تصل إلى خمسة مليارات دولار. وكان صندوق “مبادلة” وقع اتفاقاً لإنشاء مؤسسة مشتركة مع صندوق الاستثمارات الروسية المباشرة بقيمة ملياري دولار. وأكد الرئيس الروسي ل التجاري بين البلدين قد تضاعف من 2.5 إلى 5 مليارات دولار.
وتعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا وتستأثر بنسبة %55 من إجمالي التجارة الروسية الخليجية. كما تصنف دولة الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية حيث تأتي في المرتبة الثانية، كما تحتضن أسواق دولة الإمارات أكثر من 4000 شركة روسية. وعلى صعيد الاستثمار، تعد دولة الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على %90 من إجمالي استثمارات روسيا في الدول العربية، وفي المقابل، دولة الإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بأكثر من %80 من إجمالي الاستثمارات العربية فيها. ويبلغ رصيد الاستثمارات الأجنبية المتبادلة بين دولتي الإمارات وروسيا نحو 1.8 مليار دولار، وحققت الاستثمارات الأجنبية الروسية المباشرة في دولة الإمارات نمواً بنسبة %13 خلال عام 2019 مقارنة بعام 2018. ويشار إلى أن روسيا تعد بوابة لسوق اقتصادية واسعة وهي دول الاتحاد الأوراسي. والاتحاد الأوراسي هو اتحاد اقتصادي بين الدول الواقعة في وسط وشمال آسيا وشرق أوروبا، ويضم كلا من روسيا وبيلاروس وكازاخستان وأرمينيا وقيرغيزستان. وكان قادة روسيا وبيلاروس وكازاخستان قد وقعوا المعاهدة الأولى للاتحاد الاقتصادي الأوراسي في 29 مايو/أيار 2014، وانضمت إليهم لاحقا كل من أرمينيا وقيرغيزستان. ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في مطلع يناير 2015. ويمتلك الاتحاد الاقتصادي الأوراسي سوقا موحدة متكاملة تضم 180 مليون نسمة، يزيد ناتجها المحلي الإجمالي عن 5 تريليونات دولار أمريكي.ويشجع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي حرية انتقال السلع والخدمات بين دوله، ويوفر سياسات مشتركة في مجال الاقتصاد الكلي والنقل والصناعة والزراعة والطاقة والتجارة الخارجية والاستثمار والجمارك والتنظيم التقني والمنافسة وتنظيم مكافحة الاحتكار.
ملف الطاقة: كان موضوع الطاقة الذي يعد أحد أبرز تداعيات الأزمة الأوكرانية حاضراً خلال مباحثات الزعيمين، وسط حرص اللقاء على التأكيد على أمن الطاقة العالمي، بعد قرار «أوبك+» بشأن خفض الإنتاج، حيث أكد الرئيس الروسي أن الإجراءات التي اتخذها تحالف «أوبك+» تهدف لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية وأنها ليست موجهة ضد أحد. وسبق أن أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان استمرار بلاده «مزوداً موثوقاً للطاقة، وداعماً لأمن الطاقة العالمي كونه العمود الفقري لتمكين النمو والتطور الاقتصادي العالمي. وأكد بوتين حلال اللقاء أن روسيا ودولة الإمارات تعملان بشكل نشط في إطار «أوبك+» من أجل تحقيق استقرار في أسواق الطاقة العالمية.
تطور العلاقات الثنائية:
تعد القمة الإماراتية ـ الروسية التي عقدت في سانت بطرسبرج في الحادي عشر من أكتوبر 2002، العاشرة التي تجمع الرئيسين، الإماراتي والروسي، منذ تولي بوتين رئاسة روسيا عام 2012 (الفترة الرئاسية الثالثة).
تعد المباحثات التي أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس بوتين خلال الزيارة الأخيرة، الثالثة خلال العام الجاري. وسبق أن جرت بينهما مباحثات هاتفية 17 مايو الماضي، قدم خلاله الرئيس بوتين تعازيه ومواساته إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وشعب دولة الإمارات في وفاة رئيس الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. كما هنأ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بانتخابه رئيسا لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتمنى له التوفيق في قيادة الدولة نحو آفاق جديدة من النهضة في مختلف المجالات.. وعبر عن تطلعه إلى مزيد من العمل معه لتوسيع قاعدة المصالح المشتركة بين البلدين الصديقين. أيضا جسدت برقية التهنئة التي أرسلها بوتين المكانة المرموقة والتقدير الكبير للشيخ محمد بن زايد آل نهيان لدى روسيا وقيادتها ، والثقة في قدراته لتعزيز العلاقات بين البلدين. وقال بوتين في البرقية: “أنا على قناعة بأن أنشطتك في منصب رئيس الدولة ستسهم في مواصلة تطوير علاقات الصداقة والتعاون متبادل المنفعة في الاتجاهات كافة بين روسيا والإمارات”. وفي أول مارس الماضي، أجرى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مباحثات هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تناولت العلاقات الثنائية وملف الطاقة وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية، من أبرزها تطورات الأزمة مع أوكرانيا، حيث أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أهمية الحل السلمي للأزمة بما يضمن مصالح كافة الأطراف وأمنهما القومي، وبما يحقق السلم والأمن العالمي.
على مدار العقد الماضي قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بنحو 8 زيارات إلى روسيا، أجرى خلالها مباحثات مع الرئيس الروسي لتعزيز التعاون وتطوير الشراكة وبحث المستجدات الإقليمية والدولية. وقد أرست تلك الزيارات ركائز صلبة لمسار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، لتتوج بتوقيع البلدين اتفاق شراكة استراتيجية بينهما خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا مطلع يونيو 2018.
أثمرت الشراكة الاستراتيجية عن زيارة الرئيس بوتين لدولة الإمارات في أكتوبر 2019، وكانت الأولى له إلى الخليج عموما منذ 12 عاماً تقريباً.
عقدت 8 قمم بين الزعيمين خلال زيارات أجراها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا في أكتوبر 2012، وسبتمبر 2013، وأكتوبر 2014، وفي أغسطس 2015، ومارس 2016، وإبريل 2017 ويونيو 2018.
عقدت القمة التاسعة في 15 أكتوبر 2019 ، خلال زيارة دولة قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإمارات ضمن جولة شملت السعودية أيضا كانت هي الأولى له إلى الخليج منذ إثني عشر عاماً. وخلال تلك الزيارة، ترأس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس فلاديمير بوتين اجتماعا ضم المسؤولين عن ملف التعاون الاقتصادي في الجانبين الإماراتي والروسي. كما عقد الزعيمين جلسة مباحثات رسمية تناولت علاقات الصداقة والتعاون الثنائي بين البلدين وسبل تطويرها وتعزيزها على المستويات كافة. وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال المباحثات أن العلاقات الإماراتية – الروسية متجذرة ومتنامية وتقوم على الثقة والاحترام المتبادل وتستند إلى إرث ثري من التعاون والتواصل والزيارت المتبادلة والمصالح المشتركة. وبين أن إعلان الشراكة الاستراتيجية الذي وقعه البلدان كان بمثابة نقلة نوعية في مسار العلاقات وأنه يعبّر عن توفر إرادة سياسية مشتركة للارتقاء بهذه العلاقات ودفعها إلى آفاق أرحب. وأشار سموه إلى أنه في كل زياراته العديدة لجمهورية روسيا الاتحادية الصديقة خلال السنوات السابقة لمس حرصاً واهتماماً كبيرين من الجانب الروسي والرئيس فلاديمير بوتين، بشكل خاص على تعزيز العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة وهو ما أسهم في تحقيق التطورات الإيجابية في مسار هذه العلاقات خلال الفترة الماضية، وجعل روسيا من الشركاء الاستراتيجيين للإمارات في العديد من المجالات. بدوره أكد الرئيس الروسي أن روسيا ودولة الإمارات شركاء في العديد من الاستثمارات خاصة في مجال الطاقة والطاقة النووية السلمية.. إلى جانب التنسيق بين سياسات البلدين في أسواق النفط والتعاون في مجال استكشاف وعلوم الفضاء . وثمّن الدعم الشخصي الذي يبديه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لترسيخ وتنمية العلاقات بين دولة الإمارات وجمهورية روسيا. كما شهد الزعيمين مراسم تبادل اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين شملت المجالات الاقتصادية والاستثمارية والبيئية والتي تستهدف تطوير الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وفتح آفاق جديدة للعمل المشترك في مختلف القطاعات.
شهدت كل زيارة وكل قمة عقدت خلالها إضافة لبنة جديدة لصرح العلاقات المتنامية بين البلدين، فخلال القمة الثنائية بموسكو في 20 أبريل2017 ، أعلن الجانبان في ختام اللقاء عن نية البلدين دراسة اضفاء طابع الشراكة الاستراتيجية على العلاقات الروسية الإماراتية. وفي القمة التالية التي عقدت في مطلع يونيو 2018، وقع الجانبان إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين . وينص الإعلان على إنشاء شراكة استراتيجية شمل المجالات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية والثقافية إضافة إلى المجالات الإنسانية والعلمية والتكنولوجية والسياحية. كما تضمن الإعلان إجراء المشاورات بشكل منتظم بين وزيري خارجية البلدين بغرض تنسيق المواقف حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
تخلل قمم القادة، زيارات متبادلة لوفود ومسؤولين رفيعي المستوى من البلدين على مدار الفترة الماضية، لتعزيز التعاون بينهم في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها.
الإمارات وروسيا: علاقات شراكة قوية
تؤكد الشواهد أن روسيا تبدي اهتماماً كبيراً بتعزيز التعاون والشراكة مع دولة الامارات، بالنظر إلى العوائد الاستراتيجية المحتملة مع هذا التعاون، ولاسيما في مجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لروسيا، مثل مكافحة الارهاب، فضلاً عن أن امتلاك الدبلوماسية الاماراتية سمات المرونة الجيوسياسية وقواسم مشتركة مثل حرص الجانبين على تعزيز دور الدولة الوطنية في المنطقة ومكافحة تنظيمات الارهاب والتعاون في أسواق الطاقة الدولية، يجعل منها شريكاً مثالياً بالنسبة لروسيا التي تتطلع لتعزيز مكانتها وموقعها في منطقة الشرق الأوسط والعالم بالاستفادة مما راكمته طيلة السنوات الفائتة من أدوار مؤثرة في سوريا وليبيا وغيرها، ومن خلال علاقات قوية ومتنامية مع شركاء اقليميين مؤثرين مثل الامارات وغيرها، وهذا الأمر يعود بالنفع كذلك على دولة الامارات التي تتطلع لتحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي كوسيلة لضمان استمرار خطط التنمية.
وتتسم العلاقات الاماراتية ـ الروسية بعدد من السمات الخاصة منها التوسع المستمر على المستويات الأفقية والرسمية، فهناك علاقات متنامية بين مؤسسات القطاع الخاص في البلدين (هناك أكثر من 4 آلاف شركة روسية تعمل في الإمارات وتتركز أنشطتها في قطاعات العقارات والتجارة والتصنيع والاتصالات)، وبحسب تقارير رسمية فإن روسيا تمثل إحدى وجهات الاستثمارات الاماراتية المفضلة، حيث حلت الإمارات في المرتبة الأولى من بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا، وتتنوع تلك الاستثمارات في تجارة الجملة والتجزئة والقطاع العقاري والصناعي والمالي والتأمين وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والنقل والتخزين والتعليم وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، فيما تجاوز رصيد الاستثمارات الروسية بالإمارات حاجز الملياري دولار.
وهناك علاقات شعبية تعكسها معدلات التبادل السياحي (زار الإمارات 800 ألف روسي في عام 2019 وهناك 17 ألف مواطن روسي يقيمون في دولة الامارات)، وهناك علاقات رسمية قوية تعكسها الزيارات المتبادلة على مستوى قيادتي ومسؤولي البلدين بشكل مستمر، والأمر لا يقتصر على قوة العلاقات الشخصية بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ والرئيس فلاديمير بوتين، حيث نجد أن سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي قد أكد من قبل “أنا وسيرجي ( سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي) صديقان حميمان”، مؤكداً أن العلاقة تجاوزت الحديث الدبلوماسي.
وتمثل الثقافة والفنون أحد ركائز الشراكة الاماراتية ـ الروسية، فقد احتفت روسيا بالثقافة الاماراتية ودور الامارات في هذا المجال من خلال إعلان الشارقة “ضيفاً مميزاً” في معرض موسكو للكتاب عام 2019، كأول ضيف عربي مميز في تاريخ المعرض، بينما كانت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي قد اختارت روسيا “ضيف شرف” في معرض أبوظبي للكتاب في دورته الثلاثين عام 2020. وهناك اهتمام بتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين لاسيما أن هناك جالية روسية كبيرة تعيش في دولة الامارات، وهناك توافق في مبادىء التسامح والتعايش والقيم والمبادىء المشتركة بين الشعبين والبلدين الصديقين، ما يدعم أهداف الامارات في ترسيخ التعايش العالمي بين الشعوب كافة. وترتكز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين على العديد من الاتفاقيات والأطر المؤسسية، ومنها اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار بين روسيا والإمارات وتم توقيعها في ديسمبر 2012، ووقع البلدان في ديسمبر 2011 اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي على الدخل، وفي أكتوبر عام 2014 وقع الجانبان مذكرة تفاهم بين وزارة التعليم العالي في الدولة ووزارة التعليم والعلوم الروسية بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارتي الاقتصاد. وبعد توقيع اتفاق الشراكة، وفي مارس عام 2019، وقعت كل من موانئ أبوظبي ومجلس التطوير التجاري والاقتصادي الروسي مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي مع الشركات الروسية والتعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة لها في مدينة خليفة الصناعية ومنطقة التجارة الحرة لميناء خليفة إضافة إلى توقيع الإمارات ممثلة بوكالة الإمارات للفضاء “خطاب نوايا” مع كل من روسيا وكازاخستان للتعاون في مجالات الفضاء المختلفة وإطلاق مشاريع مشتركة خلال الفترة المقبلة، وفي فبراير من عام 2019 قامت جمهورية روسيا الاتحادية بإعفاء مواطني الامارات من حملة جوازات السفر العادية من تأشيرة السفر المسبقة وذلك بناء على الاتفاقية التي تم توقيعها في مدينة كازان الروسية.
ونجح البلدان بوقت سابق في إطلاق مجموعة من الاستثمارات المشتركة، أبرزها الاستثمار المشترك بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وشركة مبادلة الإماراتية في نحو 40 صفقة مشتركة في روسيا بقيمة تتجاوز ملياري دولار أبرزها في مطار بولكوفو بمدينة سان بطرسبورغ الروسية، ومشروعات بمشاركة شركة موانئ أبوظبي، إلى جانب الاستثمارات في مجال البتروكيماويات، وأخرى في مجالي الزراعة والغذاء بقيمة 19 مليار روبل (300 مليون دولار)، بالإضافة إلى استثمار نحو 10 مليارات روبل في مجموعة شركات “إفكو” المتخصصة في منتجات الزيوت والدهون في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا ويضم خمس دول هي (روسيا، كازاخستان، بيلاروسيا، أرمينيا، وقرجيزستان). وهناك أيضاً تعاوناً بين البلدين لشراء الوقود النووي الروسي في إطار برنامج الإمارات السلمي للطاقة النووية.
أبعاد استراتيجية مهمة للعلاقات الإماراتية مع روسيا
وتكتسب علاقات دول مجلس التعاون بشكل عام، والامارات بشكل خاص، مع روسيا أهمية استثنائية ليس لكون الأخيرة تمتلك علاقات تعاون وثيقة مع إيران، التي تعد إحدى أخطر معضلات الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربية والشرق الأوسط ، ولكن لأن روسيا أيضاً قوة كبرى مسؤولة عن الأمن والاستقرار العالمي ومن مصلحتها بلورة رؤية واضحة حول أمن المنطقة، ولعب دور فاعل في ذلك، لاسيما أن لموسكو مصالح متنامية مع دول المنطقة جميعها وليس مع إيران فقط، بل إن مصالحها مع دول مجلس التعاون تفوق المصالح الروسية مع إيران بمراحل، رغم أن لا ينفي أن لروسيا حسابات استراتيجية تضع إيران في مربع حيوي ضمن صراعات التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ والهيمنة على النظام العالمي، ولكن من المؤكد أن مجمل هذه الحسابات تبدو حاضرة في قرارات الكرملين، الذي لا يريد بالتأكيد المجازفة بعلاقاته مع دول مجلس التعاون من أجل إرضاء إيران، التي تمتلك مشروعاً توسعياً اقليمياً يتعارض على المدى البعيد مع أهداف ومصالح روسيا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بل وفي محيطها الجيواستراتيجي. تدرك روسيا أن هناك شبكة متعاظمة من المصالح تربطها بالسعودية والامارات تحديداً، لاسيما على صعيد استقرار أسواق النفط العالمية، التي تمتلك تأثيراً هائلاً على الاقتصاد الروسي، حيث أسهم التعاون الروسي مع أبرز الدول المنتجة للنفط في منظمة “أوبك” وفي إطار تحالف “أوبك+”، في استعادة استقرار الأسواق، ولا شك أنه من الضروري استمرار هذه المصالح الاستراتيجية الضامنة لاستقرار الاقتصاد الروسي وتفادي مفاقمة تأثير حرب أوكرانيا والعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا.
لا يوجد تعليقات