مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-12-01

سـمـات الحكــم والقيــادة في دولة الإمــارات العـربية المتـحـدة

 
بمناسبة اليوم الوطني الحادي والأربعين ولإبراز سمات القيادة في دولة   الإمارات العربية المتحدة  تحرص مجلة  "درع الوطن" على تسَّليط الضوء من خلال هذا الملف على أحد مقومات ومرتكزات النجاح التي تستند إليها تجربتنا الاتحادية الفريدة، متمثلة في سمات القيادة وطبيعة العلاقة بين الشعب وقيادته الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله"، الذي يحرص دوماً على تلبية طموحات شعب وفي لقيادته، وفي حين يسعى الشعب في كل مناسبة إلى التعبير عن الوفاء والولاء للقيادة عبر كل أشكال التعبير ومشاعر الامتنان.
 
إعداد: التحرير 
 
 
تترجم قيادتنا الرشيدة حرصها على توفير كل مقومات الرفاهية والحياة الكريمة لشعبنا عبر مختلف السياسات والخطط والقرارات، ففي ظل عالم تسوده الفرقة والتشتت والتفتت إلى كيانات صغيرة، يزداد اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة تماسكاً وقوة؛ بفضل سياسات واعية وقناعات سياسية راسخة لدى القيادة الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله"، وإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات؛ حيث باتت دولة الإمارات بفضل هذه السياسات، بإجماع علماء السياسة وخبرائها، تمثل "نموذجاً" للدول على مستويات شتى، بعضها تنموي وبعضها الآخر يتعلق بإدارة السياسات وحسن توظيف الموارد الطبيعية والبشرية. ويتسم نظام الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيس دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971، بسمات عدة أسهمت جميعها في بناء ما بات يعرف في أدبيات العلوم السياسية اصطلاحاً بـ "الدولة النموذج"، وتشير الإحصاءات والأرقام إلى أن الإمارات العربية المتحدة في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، تقدم نموذجاً للدولة العصرية التي تمتلك مقومات التطور والنمو، وهذا ما تؤكده العديد من الشهادات الدولية التي صدرت في السنوات الأخيرة من جهات دولية عدة حول هذا النموذج، وبما يمثله من كفاءة في الإدارة، وحسن توجيه الإمكانات والموارد، والتنمية البشرية، والتعايش بين العديد من الجنسيات في وئام كامل، والشعور المطلق بالأمن، والإحساس العميق بالرضا والسعادة إزاء السياسات العامة، وهي مظاهر تحمل بين طياتها تفسيرات لحالة الأمن والاستقرار والانتماء العميق للوطن ولهذه الأرض، سواء بين المواطنين أو حتى المقيمين على أرض الإمارات من مختلف جنسيات العالم.
 
مرتكزات التفوق
 في مجال التنمية البشرية وبناء الإنسان، حلت الإمارات في المرتبة الأولى على المستويين الإقليمي والعربي، والمرتبة الثلاثين على المستوى العالمي في تقرير التنمية البشريّة لعام 2011 الذي يصدره "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، والذي صنفها ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية "المرتفعة جداً"، وهذا - لا شك - ترجمة لاهتمامها بالإنسان الإماراتي، والحرص على تنميته حتى يكون عنصراً أساسياً وفاعلاً في مسيرة النهضة. وفي مجال الأمن تصدرت أبوظبي مدن الشرق الأوسط من حيث السلامة الشخصية، استناداً إلى مستويات الاستقرار الداخلي وانعدام معدلات الجريمة، بحسب تصنيف استطلاع جودة مستويات المعيشة الذي أعدته شركة "ميرسر"، وفيما يتعلق بمؤشرات التنمية الاقتصادية، جاءت دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً والـ 23 عالمياً ضمن فئة "الاقتصادات القائمة على الابتكار"، وذلك وفق نتائج تقرير التنافسية العالمي (2011 - 2012)، والمتعلق بالنظر في مدى قدرة الدول على تشجيع الابتكار والمعرفة، في سبيل دفع اقتصاداتها إلى المنافسة عالمياً. وفيما يتعلق بحالة الرضا العام جاء شعب الإمارات الأكثر سعادة في العالم العربي، وفي المركز السابع عشر في قائمة الشعوب العشرين الأكثر سعادة على المستوى العالمي في أول مسح شامل عن السعادة أجرته الأمم المتحدة.
 
ولاشك في أن تجربة اتحاد دولة الإمارات العربية قد نجحت ليس فقط في الاستمرار، بل أيضاً في التميز والتفوق التنموي؛ لأن المرتكزات التي قامت عليها ضمنت لها الاستمرار والبناء والتطور، فهي تستند إلى الثوابت التي أرساها الوالد المؤسس المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي تحمل عبء قيادة الاتحاد في ظروف صعبة، وأرسى الأسس والثوابت التي مكنته من البقاء والتطور، وفي مقدمتها الإيمان الحقيقي بالوحدة، باعتبارها الخيار الوحيد لمواجهة أية تحديات أو مخاطر، وهي تعتمد أيضاً على قيادة حكيمة وواعية تتفاعل مع مطالب الشعب، وتستجيب لتطلعاته، في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية، وهو الأمر الذي جعل المواطنين يلتفون حولها، ويحرصون على الانخراط في العمل بكل تفانٍ وحب في مختلف مواقع العمل والإنتاج، حيث يقدم التفاعل الخلاق بين القيادة والشعب في دولة الإمارات والتفاف المواطنين حول قيادتهم، نموذجاً للحكم الرشيد وما يؤدي إليه من تقدم المجتمعات واستقرارها ونموها على المستويات كافة، وهذا يعكس بوضوح فلسفة الحكم الإماراتية التي تقوم على قاعدة أساسية راسخة، هي أن المواطن هو الهدف الأعلى الذي توجه إليه كل الجهود والخطط، وهذا هو الذي جعل من الإمارات نموذجاً في الحكم الرشيد يشار إليه بالبنان، وتعمل أطراف عديدة على الاحتذاء به والاستفادة منه، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.
 
تفاعل بين الشعب والقيادة
تتمتع تجربة الحكم في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ انطلاق دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر عام 1971 بخصوصية سياسية فريدة، رسم ملامحها ووضع ركائزها المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث أسس - طيب الله ثراه - نهجاً استثنائياً في الديمقراطية، وأسلوباً متفرداً في الحكم والعلاقة بين القائد والشعب، منطلقاً من محورية دور المواطن باعتباره محور التنمية وهدفها، وما يعنيه ذلك من أبعاد إنسانية في ممارسة دور القيادة، ومضى على هذا النهج الرشيد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، حيث عمل سموه على تكريس هذا النهج وتعميقه وتطويره خلال مرحلة التمكين، التي امتلكت سمات استثنائية في تأطير العلاقة بين القيادة والشعب، وفي الاستجابة لاحتياجات المواطنين وطموحاتهم بوتيرة تبهر الناظرين والمراقبين.
هذا النهج في ممارسة الحكم، والتواصل والتفاعل المباشر والمتواصل بين القيادة والمواطنين أوجد حالة من الترابط القوي والثقة والمصداقية. وهي في مجملها عوامل توفر بدورها طاقة إيجابية هائلة للعمل والإنتاج والتنمية على هذه الأرض الطيبة. والمؤكد أن خصوصية هذا النموذج الفريد في الحكم تبرز في مناسبات كثيرة، من بينها المناسبات الوطنية والدينية، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى استقبال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، جموع المواطنين الذين يتوافدون على قصر سموه، للسلام وتقديم التهاني والتبريكات في مختلف المناسبات الوطنية والدينية، في تلاحم رائع يجسد بوضوح خصوصية التجربة الإماراتية، ويؤكد العلاقة القائمة على الاحترام والتقدير والاعتزاز والثقة، والتي تعبر عن نفسها في مشاعر الحب والولاء التي يحرص المواطنون على إظهارها لقيادتهم في مختلف المناسبات على مدار العام ، تقديراً لما تقوم به القيادة من أجل رفعة الإمارات، ونهضتها على المستويات كافة.
 
مجالس حديثة للتفكير والنقاش
تحرص القيادة الرشيدة على التواصل المستمر مع جموع المواطنين وتعرف مطالبهم واحتياجاتهم والتفاعل المباشر معهم، دون أية قيود أو حواجز، فأبواب الحكام ومجالسهم في دولة الإمارات مفتوحة أمام المواطنين طوال العام، من أجل التعرف على احتياجاتهم، ومناقشة همومهم وقضاياهم والاطمئنان على أحوالهم، والعمل على حل أية مشكلات يواجهونها، وهذا ما يغيب عن منظّري السياسة وخبرائها في أغلب الأحوال، ونقصد هنا خصوصية وتفرد هذا النموذج في الحكم، حيث لا حواجز ولا موانع للتواصل التلقائي المباشر واليومي بين الشعب والقيادة، وهو نموذج يستمد جذوره وفلسفة عمله من ثقافة البيئة المحلية في الدولة، ويتطور بتطور السنين، فلا غرابة أن تجد ما يعرف بالدواوين أو المجالس التي تدار عبر آليات غاية في التقدم التقني والتكنولوجي، وتتضمن محاضرات وندوات تناقش أحدث ما وصل إليه العلم والعلوم الحديثة في المجالات التطبيقية والإنسانية، وخير مثال لذلك مجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يمتلك برنامجاً للندوات والمحاضرات على مدار العام ويستضيف الخبراء العالميين المتخصصين في مختلف المجالات لإثراء المجلس بأفكارهم ونقاشاتهم، وبالتالي لم تعد تلك المجالس تعد وفق الأعراف القديمة، بل باتت بمنزلة خليط من مجالس الشورى ومراكز التفكير العلمي، ومطابخ صناعة القرار في موقع الحدث وغير ذلك من مفاهيم مؤسساتية باتت تنصهر وتتجسد في مجلس ذي فاعلية ملموسة لكل من هو على دراية به.
لا تكتفي القيادة في دولة الإمارات بجعل أبوابها مفتوحة أمام المواطنين، بل تحرص كذلك على الذهاب إليهم في مختلف إمارات ومناطق الدولة للتعرف على طبيعة احتياجاتهم ومشكلاتهم على أرض الواقع، وهذا يتجسد في الجولات التفقدية والزيارات الميدانية التي يقوم بها الحكام والمسؤولون بهدف التعرف على الأوضاع المعيشية للمواطنين عن قرب، والتوجيه باتخاذ السياسات التي تضمن الارتقاء بجودة الحياة لهم على المستويات كافة.  إن هذا النموذج الفريد في الحكم هو الذي يفسر حالة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشها الإمارات، والولاء المطلق من قبل المواطنين لقيادتهم وانتمائهم العميق لوطنهم وحبهم له وفخرهم بالعيش على أرضه وحمل جنسيته. كما أن هذا النموذج وراء حالة الشعور بالأمن والأمان لدى المواطنين على المستويات كافة، فطالما كانت هناك قيادة رشيدة تضع في مقدمة أولوياتها العمل على توفير مقومات الحياة الكريمة للمواطنين، ولا تتركهم قط في أوقات الأزمات، وإنما تبادر دوماً إلى مساعدتهم بالطرق والأساليب الممكنة كلها، فإن النتيجة الحتمية لذلك هي تكريس الشعور بالرضا والسعادة والأمان المجتمعي من جانب أبناء الوطن. وفي هذا الإطار يمكن تقسيم هذه السمات إلى سمات تتعلق بسياسات الداخل، وسمات تتعلق بالسياسة الخارجية للدولة.
 
سياسة داخلية رشيدة 
تحتفظ السياسات الداخلية في دولة الإمارات بسمات عدة مميزة، ربما تجعل الإمارات نموذجاً ليس فقط على صعيد بناء الدولة، ولكن أيضاً في الإدارة وكيفية توظيف الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة من أجل تعزيز مكانة الدول، ومن هذا المنطلق سنحاول رصد أبرز ملامح السياسة الداخلية التي لا يمكن وصفها سوى بكونها سياسة رشيدة، حيث شدد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان "حفظه الله"، في كلمته بمناسبة الذكرى الأربعين لقيام اتحاد الإمارات، على ضرورة الالتقاء بالمواطنين والتحاور معهم والاستماع إلى آرائهم وتلبية متطلباتهم، مؤكداً في هذا الصدد "حفظه الله" أن المواطن يحتل الأولوية في اهتمامات سموه، ورغم أن ما يسمى في الأدبيات الإماراتية بـ "المواطن أولاً" يعتبر أحد مقومات دولة الاتحاد منذ نشأتها، فإن هناك اهتماماً متنامياً بإعلاء هذا المبدأ تعكسه جميع السياسات والخطط والقرارات التي تصدر عن مختلف دوائر صناعة القرار في مختلف إمارات الدولة.
وتجد لهذه السياسة أو هذا المبدأ انعكاساً وفي مجالات عدة؛ منها على سبيل المثال لا الحصر تلك الجهود الرسمية المتواصلة بشأن تأهيل الكوادر المواطنة في المجالات المهنية والتقنية، حيث لا تألو مؤسسات الدولة جهداً في دعم المراكز والمعاهد التي تهتم بالتأهيل المهني والفني للمواطنين، وإكسابهم مهارات وخبرات جديدة ترفع من قدراتهم التنافسية في سوق العمل، هذا التوجه الذي تتبناه الدولة نحو تأهيل الكوادر المواطنة في المجالات المهنية والتقنية يستند إلى عدة اعتبارات رئيسية: أولها أن إيجاد قاعدة من الكوادر المواطنة المؤهلة بشكل جيد في المجالات المهنية والتقنية يستجيب لخطط الدولة نحو بناء قاعدة صناعية كبيرة والتوسّع في خصخصة العديد من القطاعات المهمة التي أصبحت تتطلب عمالة نوعية ماهرة تمتلك أدوات المعرفة والتكنولوجيا المتقدّمة، وخريجو مراكز التأهيل المهني والتقني في الدولة، بما يتلقونه من تدريب وتأهيل، يشكلون رافداً مهماً لإمداد المؤسسات الصناعية في مختلف القطاعات. علاوة على ذلك، فإن هناك خططاً لإنشاء وتوفير مراكز متقدّمة للتدريب والبحوث الصناعية، بالتعاون مع بعض المؤسسات المتخصّصة في الدول الصناعية، لتأهيل جيل من الشباب المواطن على درجة رفيعة من الكفاءة المهنية في القطاع الصناعي. الاعتبار الثاني أن الاهتمام بالتعليم المهني والتقني يستجيب في جانب آخر لحاجة تربوية ومهمة، وهي استيعاب شريحة من الشباب الذين تتناسب مجالات الدراسة التطبيقية مع قدراتهم واهتماماتهم، فضلاً عن شريحة أخرى من الشباب حالت الظروف دون أن يكملوا دراستهم، ولذا توفر معاهد و مراكز التأهيل والتدريب المهني المخرج أمام هؤلاء وإتاحة الفرصة لهم للانخراط في سوق العمل والالتحاق بكبرى الشركات الصناعية. الاعتبار الثالث يتعلق بتنفيذ سياسة التوطين التي أصبحت تتطلب عناصر بشرية مدربة قادرة على المنافسة في سوق العمل، وخاصة في مجالات العمل الفني والتقني التي كانت تسيطر عليها العمالة الوافدة، ولا شك في أن الدور التأهيلي الذي تقوم به مراكز ومعاهد التعليم الفني والمهني في الدولة يسهم في رفع قدرات المواطنين التنافسية، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، لأنها تركز على التدريب باعتباره عنصراً رئيساً في تأهيل الملتحقين بها، حيث تعتمد على إقامة شراكة مع كثير من الهيئات وشركات القطاع الخاص ومؤسسات الأعمال في الدولة، وذلك لتهيئتهم لمرحلة ما بعد الدراسة، بالشكل الذي يجعلهم على أتم الاستعداد للالتحاق بسوق العمل، وخاصة في المجالات التي يتلقون فيها دورات تدريبية، ويكونون على إلمام كامل بمختلف مهاراتها، وهذا - لاشك - يجعلهم أكثر تنافسية في سوق العمل وهو خير استثمار في الموارد البشرية.
 
تمكين حقيقي للمواطن
الاهتمام بالمواطن لا يقتصر فقط على توفير المساكن والتعليم وفرص العمل وتهيئة البنى التحتية اللازمة لتعزيز معجلات الرفاه الاجتماعي، بل تشمل أيضاً مستويات أخرى تعكس أحد ملامح مرحلة "التمكين" الرامية إلى تمكين حقيقي متدرج للمواطن كي يشارك في صناعة مستقبل بلاده، ومن ذلك أن "مؤسسة الإمارات للطاقة النووية" قد قامت بتنظيم "منتدى الطاقة النووية الثاني" الذي كان الهدف الرئيسي منه إطلاع أفراد المجتمع على آخر التطورات المتعلقة بتنفيذ "برنامج الإمارات للطاقة النووية"، وتفاصيل الإجراءات التي اتخذتها الدولة للتفاعل مع المستجدات الأخيرة بشأن قضايا الطاقة النووية حول العالم، باعتبار أن هذا المشروع (البرنامج النووي الإماراتي السلمي) يعتبر أحد المشروعات الوطنية العملاقة التي تتبناها الإمارات وتتعلق بمستقبل الأجيال المقبلة، وكانت "مؤسسة الإمارات للطاقة النووية" قد شكلت مجموعة عمل لمراجعة معايير الأمن والسلامة العالمية في هذا الشأن، وسعي الدولة الحثيث لتبني معايير جديدة للأمن والسلامة النووية، لتجنب وقوع مثل أي حوادث في حالة البرنامج الإماراتي، ولا خلاف على أن اهتمام دولة الإمارات بإطلاع مواطنيها على تفاصيل برنامج الطاقة النووية الوطني وتنظيمها لمثل هذا المنتدى يدل على أن "مؤسسة الإمارات للطاقة النووية"، ومن ثم الدولة ككل، تعتمد مبدأ الشفافية التامة مع مواطنيها فيما يتعلق بإدارة هذا البرنامج الحيوي، بداية من مراحل الإنشاء بما فيها من بناء المفاعلات الأربعة المكونة للبرنامج حتى مراحل التشغيل التي تتضمن توزيع الطاقة الكهربائية المولدة من تلك المفاعلات بشكل متوازن على القطاعات الاقتصادية المختلفة وفقاً لأهمية كل قطاع بالنسبة لمستقبل الدولة.
 
إن كم المعلومات التي وفرها "منتدى الطاقة النووية الثاني" وتم طرحها على المواطنين خلال انعقاده، والتي شملت تفاصيل دقيقة حول طبيعة البرنامج ودوره المحتمل كمصدر حيوي للطاقة وكآلية فعالة لرفع مستويات أمن الطاقة في البلاد في المستقبل، وبالتالي كأداة لدعم النمو والازدهار الاقتصادي - كل هذا الزخم المعلوماتي الذي أتاحه المنتدى حول المشروع يدل على أن الدولة لديها حرص تام على تمكين المواطن الإماراتي من الحكم بشكل سليم على المشروع ومدى الحاجة إليه في المستقبل، وبالتالي تمكينه من المشاركة الفعالة في تقرير مصير المشروع برمته. وقد برزت النقطة الأخيرة المتعلقة بإشراك المواطن في تقرير مصير المشروع بجلاء لدى قيام مؤسسة "تي أن أس" المتخصصة في أبحاث السوق العالمية بتكليف من "مؤسسة الإمارات للطاقة النووية" باستطلاع آراء سكان الدولة في مدى حاجة الدولة إلى الطاقة النووية في المستقبل، ومدى تأييدهم لفكرة استكمال البرنامج الوطني للطاقة النووية، وقد جاءت نتيجة الاستطلاع مؤيدة للطاقة النووية كمصدر حيوي لسد احتياجات الدولة من الطاقة الكهربائية في المستقبل، وأكـد نحو 77 % من مواطني الدولة أهمية الطاقة النووية السلمية كمصدر للطاقة في الدولة، داعمين فكرة الاستمرار في تنفيذ مشروع البرنامج الوطني للطاقة النووية، وتأتي هذه الجهود من منطلق اهتمام دولة الإمارات بإشراك مواطنيها في رسم مستقبل بلدهم، عبر منحهم فرصة المشاركة في صنع القرارات الإستراتيجية في جميع القطاعات الاقتصادية دون استثناء، وليس إشراك المواطن في تقرير مصير مشروع البرنامج الوطني للطاقة النووية، ذلك المشروع المهم والحيوي، إلا إحدى الفرص الثمينة التي تمنحها الدولة لمواطنيها في هذا الشأن، وهي خطوة تعني أن الدولة لا تضع حدوداً لمشاركة الإنسان الإماراتي في رسم مستقبل وطنه، باعتباره هو الشريك الأول والمستفيد الأكبر من جميع المشروعات التنموية، كبيرة كانت أو صغيرة.
 
التعليم مرآة حقيقية لـ "المواطن أولاً"
لاشك أن المتتبع لما يحدث من تطورات نوعية متوالية في قطاع التعليم بدولة الإمارات يدرك أن هناك رهاناً رسمياً حقيقياً على تنفيذ سياسة "المواطن أولاً"، فهناك رعاية رسمية على أعلى المستويات للطفرة النوعية في التعليم الأساسي والجامعي، وهناك مخصصات متزايدة لتمويل خطط تطوير العملية التعليمية، ودعمها بكل ما تحتاجه لضمان تنفيذها وفق البرامج الزمنية المستهدفة.
 
وهناك العديد من المبادرات العلمية والتطبيقية، التي تستهدف تعزيز قدرة الجامعات العاملة في الدولة على التواصل مع نظيرتها في الخارج مما يشكل نقلة نوعية للتعليم الجامعي بالدولة، والارتقاء به إلى المعايير العالمية المتعارف عليها؛ لأن ذلك يسهم في تعزيز الانفتاح على الجامعات العالمية المرموقة، والاستفادة من إمكانياتها العلمية، إضافة إلى تعزيز جهود البحث العلمي داخل جامعات الدولة. هذه المبادرات التي تستهدف تطوير التعليم الجامعي، والارتقاء به تنسجم مع التوجه الذي توليه الدولة نحو الاهتمام بمنظومة التعليم العالي بوجه عام ليصل إلى المعايير العالمية، ولهذا فإنها تحرص دوماً على تشجيع أية مبادرات تستهدف الانفتاح على الجامعات العالمية والمراكز البحثية الدولية، والاستفادة من خبراتها، ويتضح هذا بجلاء في التعاون القائم بين العديد من الجامعات المحلية مع مراكز البحوث العلمية والأكاديمية الدولية، مثل مؤسسة "أنسياد" الفرنسية، وذلك في مجالات إدارة الأعمال والمصارف، واقتصاديات البيئة، و جامعة واشنطن - سياتل، التي تعد أفضل الجامعات الأمريكية في دراسات القيادة، والابتكار، وتقنيات التعليم. علاوة على ذلك، فإن معظم جامعات الإمارات تتعاون مع العديد من الجامعات الأجنبية، بل إن كثيراً من الجامعات الأجنبية افتتحت فروعاً لها داخل الدولة؛ مثل الجامعة الأمريكية بالشارقة، وجامعتي باريس - السوربون في أبوظبي، وغيرها الكثير، وذلك في مؤشر واضح على مستوى التطور الذي تشهده مسيرة التعليم الجامعي في الدولة. إن التوجه نحو تطوير التعليم الجامعي، والارتقاء به إلى المعايير الدولية يستند إلى جملة من الاعتبارات المهمة؛ منها أن وجود تعليم جامعي عصري بمواصفات عالمية، يخدم سياسات الدولة نحو بناء اقتصاد المعرفة الذي بات يعتبر حجر الزاوية في التنمية الاقتصادية الشاملة، كما أن هذا هو المدخل المناسب نحو تخريج أجيال مفكرة ومبدعة ترتبط بخدمة قضايا المجتمع والتنمية، بالنظر إلى طبيعة  الدور المهم الذي يقوم به التعليم الجامعي في تعزيز عنصر رأس المال البشري بالدولة، فكلما كان التعليم الجامعي في الدولة متطوراً كان قادراً على تخريج كوادر بشرية أكثر ارتباطاً بسوق العمل، وأكثر قدرة على تحويل منجزات العلم من المجال النظري إلى تطبيقات عمليّة تخدم المجتمع، فضلاً عن أن تطوير التعليم الجامعي يسهم في دفع سياسة التوطين قدماً إلى الأمام، لأن وجود تعليم جامعي قادر على إيجاد خريجين مؤهلين للالتحاق بسوق العمل في المجالات المختلفة يمكن أن يسهم في تنفيذ سياسة التوطين التي تحرص الدولة على نجاحها في مختلف القطاعات. ولا ننسى هنا إنشاء جامعات وكليات ومعاهد متخصصة تخدم خطط الدولة، وأهدافها التنموية، حيث تم تدشين أول جامعة للهندسة النووية في الإمارات، فضلاً عن معهد "مصدر" للعلوم والتكنولوجيا الذي يعنى بالدراسات العليا وبحوث الطاقة المتجددة، وغيرها الكثير من المبادرات التي تؤكد أن منظومة التعليم العالي أصبحت تتفاعل مع الطموحات الوطنية الكبيرة في تبوّؤ الاقتصاد الإماراتي مكانة عالمية مرموقة.
 
رؤية تنموية متكاملة
يمثل الاهتمام بتوفير إسكان ملائم للمواطنين جوهر الخطط التنموية في دولة الإمارات في السنوات الأخيرة، وهذا ما يفسر الإنجازات والمشاريع الإسكانية المتنوعة التي يتم الإعلان عنها في فترات متقاربة، حيث تستهدف الدولة في مجمل خططها في هذا الشأن توفير الإسكان العصري للمواطنين، كون المسكن المناسب يرتبط باستقرار المجتمع ويعد معياراً أساسياً لنوعية الحياة التي تتوافر لأبنائه، وهذا يعد سبباً مباشراً وراء هذا الكم الكبير من المشروعات والمجمعات السكنية التي تشرف عليها مؤسسات الدولة، وتحرص على أن تتوافر فيها أحدث المعايير المعمارية، والمرافق الخدمية بما يلبي احتياجات المواطنين، ويدعم استقرارهم الأسري والمجتمعي.
إن المشاريع الإسكانية الضخمة التي يجري العمل على تنفيذها في مختلف إمارات الدولة لا تنفصل عن مجمل السياسات والتوجهات الأخرى في المجالات المختلفة، والتي تستهدف الارتقاء بمستوى الحياة للمواطنين، سواء تعلق الأمر بقرارات رفع الرواتب أو تسوية ديون المواطنين، أو زيادة مخصصات الإعانات الاجتماعية لبعض الفئات، أو في منح الجنسية لأبناء المواطنات الذين استوفوا الشروط اللازمة لاكتسابها، وفي العمل على إدماج أبناء المواطنين المولودين خارج الدولة من أمهات أجنبيات في نسيج المجتمع، إضافة إلى سياسات الارتقاء بالتعليم والصحة والتوظيف وغيرها الكثير من السياسات، والتي تصب في تحقيق هدف واحد هو تعميق الشعور بالأمان الاجتماعي لدى المواطنين، على أساس أن ذلك  يعتبر جانباً رئيساً من مرحلة التمكين، التي تستهدف في جوهرها تنمية المواطن الإماراتي، ورفع مستواه وتوفير مقومات العيش الكريم له على المستويات كافة، وبما يضمن له الاستقرار المجتمعي والاقتصادي.
 
تمكين الشباب
تضع القيادة في دولة الإمارات العمل على تمكين الشباب، وتوفير جميع الظروف التي تتيح لهم المشاركة بفاعلية في جهود التنمية في مقدمة أولوياتها، من منطلق إيمانها العميق بأنهم هم القوة الرئيسية الدافعة وراء تقدم الوطن ورفعته ورقيه على المستويات كافة. ولعل من المبادرات المهمة التي تصب في تحقيق هذا الهدف، برنامج "القيادات الشابة" الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" والذي يقوم على فكرة استقطاب الموظفين المتخرجين حديثًا من الجامعات والملتحقين بالعمل حديثاً في الجهات الحكومية، ليتم الاعتناء بهم ليكونوا في مراكز أكبر في المستقبل. وفي الوقت ذاته، فإن الاستراتيجية الجديدة لمؤسسة الإمارات لتنمية الشباب التي أطلقها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب تركز بالأساس على تنمية مهارات الشباب، والعمل على تمكينهم من خلال برامج ومبادرات طويلة الأمد، بهدف بناء أجيال قيادية  شابة، تكون قادرة على المساهمة الفاعلة في بناء مستقبل الوطن.
 
إن هذه البرامج والمبادرات تؤكد بجلاء الإيمان العميق من جانب الدولة بطاقات الشباب البناءة، والحرص على توجيهها الوجهة الصحيحة، واستثمارها في نشاطات مفيدة تخدم المجتمع، وتأتي في إطار توجه عام يستهدف تمكين الشباب وتوفير الظروف التي تتيح لهم المشاركة بفاعلية في تنمية المجتمع، حيث تتعدد الآليات التي أنشأتها الدولة لتحقيق هذا الهدف، سواء تلك الخاصة بتنمية مهارات الشباب القيادية، أو المتعلقة بتوفير الإمكانيات التي تتيح لهم الانضمام إلى سوق العمل أو الانخراط في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ويبرز في هذا السياق أيضاً برنامج "قيادات المستقبل" المعني بالاستثمار في بناء وتطوير أجيال جديدة من القيادات الحكومية الشابة القادرة على الاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وذلك عن طريق صقل مهاراتها القيادية وإمدادها بكافة المقومات التي تؤهلها لاتخاذ القرارات الحكيمة وفي التوقيت المناسب بما يعزز قدرة الأداء الحكومي ويؤكد فرص الارتقاء بمخرجاته. وفي مجال التمكين الاقتصادي، فإن "صندوق خليفة لتمكين التوطين"، الذي تم إنشاؤه بمبادرة من صاحب السمو رئيس الدولة "حفظه الله"، يستهدف توفير الموارد المالية اللازمة لدعم برامج وسياسات تشجع المواطنين الشباب على الالتحاق بسوق العمل، خاصة في القطاع الخاص، وتمكينهم من استغلال فرص العمل التي يتيحها لهم هذا القطاع، وتوفير التمويل اللازم لتنفيذ حزمة من الحوافز التي تسهم في تحقيق هذا الهدف. كما تم تأسيس عدد من البرامج الحكومية لدعم مشاريع الشباب وتقديم التسهيلات اللازمة لدعم مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة، انسجاماً مع رؤية الدولة الرامية إلى إيجاد جيل من رواد الأعمال المواطنين، وغرس وتعميق ثقافة الاستثمار لدى أوساط الشباب.
 
دعم المرأة الإماراتية
تتمتع المرأة الإماراتية بفرص عريضة للمشاركة في الأنشطة الاقتصادية والتنموية في مجتمعها، وتنبني السياسة التي تطبقها الدولة في هذا الشأن على عدد من الأسس والمبادئ الأساسية، التي تتمثل بداية في كون المرأة نصف المجتمع، ما يعطيها الحق في أن تتاح لها الفرصة كاملة للمشاركة في مختلف مراحل العملية التنموية تماماً كما تتاح الفرصة لشقيقها الرجل، وألا تنحصر مشاركتها في مرحلة تنموية دون غيرها، وأن يتم تمكينها من المشاركة في جميع الأنشطة الاقتصادية على اختلاف تنويعاتها وتصنيفاتها. وبجانب ذلك، فما دامت المرأة شريكاً في المسؤوليات في مجتمعها فمن الواجب أن تكون شريكاً في الحقوق، وأن تتوافر لها السبل للإفادة من عوائد التنمية، ليس فقط لكونها عضواً في المجتمع، ولكن بمقدار تميزها وإضافتها لمسيرة التنمية في بلدها، والمؤكد أن السياسات التي تطبقها الدولة من بداية "مرحلة التمكين"، التي بدأت منذ تولي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله" قيادة مسيرة التنمية بالدولة قد شهدت تطوراً نوعياً وإضافات كبيرة ساعدت على توسيع الخيارات والسبل المتاحة للمرأة الإماراتية للمشاركة في تنمية مجتمعها، ولا تقتصر الفرص المذكورة هنا بالطبع على تمكين المرأة من الحصول على حقها في التعليم والصحة والحقوق المدنية، بل إنها تتسع لتشمل المشاركة في الأنشطة الاقتصادية.
 
وقد أوضحت بعض البيانات الصادرة عن "مجلس سيدات أعمال الإمارات" أن عدد سيدات الأعمال في الدولة يصل حالياً إلى نحو 13 ألف سيدة أعمال، يعملن في بيئة أعمال مواتية ومرنة تمكنهن من ممارسة أعمالهن بسهولة ويسر، دون أن يواجهن مشكلات أو معوقات كبيرة تعيق جهودهن، وقد أوضحت هذه البيانات أيضاً أن مساهمات سيدات الأعمال الإماراتيات في رؤوس أموال المؤسسات الخاصة يشهد توسعاً ملحوظاً، وقد قدر المجلس عدد المؤسسات التي تسهم السيدات في رؤوس أموالها في الدولة حالياً بنحو 20 ألف مؤسسة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أكد "مجلس سيدات الأعمال الإماراتيات" أن المرأة الإماراتية قادرة على الدخول في الأنشطة الاقتصادية الجديدة التي لم تكن متغلغلة فيها من قبل، كما هو الحال بالنسبة لنشاط الاستثمار في الأسواق المالية، الذي أبدت المرأة استعداداً وإصراراً كبيراً على دخوله خلال السنوات الأخيرة، ولا تتوقف إنجازات وجهود تمكين المرأة الإماراتية عند هذا الحد، بل إنها استطاعت أن تحصل على حقوقها كاملة للمشاركة في مختلف مجالات الحياة بداية بالتعليم؛ فهي تمثل نحو 70  % من مجموع خريجي الجامعات في الدولة، وأما في مواقع العمل والإنتاج، فهي تمثل نحـو 66  % من العاملين في القطاع الحكومي، ونحو 60  % في الوظائف الفنية التي تشمل الطب والتدريس والصيدلة والتمريض، بجانب انخراطها في صفوف القوات المسلحة والشرطة، فضلاً عن شغل المناصب العليا، فأصبحت وزيرة ونائبة بالمجلس الوطني الاتحادي. ونتيجة لهذا الأداء الإيجابي، وفيما يعتبر مؤشراً على النجاح الذي لاقته تجربة دولة الإمارات في تمكين المرأة، فقد احتلت الدولة المرتبة الأولى على مستوى المنطقة العربية والمرتبة الثامنة والثلاثين عالمياً في عام 2011 وفقاً لـ"مؤشر المساواة بين الجنسين" الذي يصدره "البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة"، وكان أداؤها المرتفع على هذا النحو وترتيبها المتقدم وفقاً لهذا المؤشر هو أحد العوامل المهمة في تصنيف الدولة ضمن الفئة العليا من الدول الأكثر تقدماً وفقاً لمعايير التنمية البشرية حول العالم.
 
التجربة الديمقراطية
تمضي التجربة البرلمانية والمشاركة السياسية في الإمارات بخطى حثيثة وفق البرنامج السياسي الذي طرحه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله" عام 2005، وهي خيارات اتخذت بكامل الإرادة الوطنية عبر مسار متدرج لا يحرق المراحل أو يحاكي تجارب أخرى لا تتناسب وطبيعة وظروف مجتمعنا وخصوصيته، فكانت التجربتان عامي 2006 و2011 وتوسيع الهيئات الانتخابية لانتخاب نصف أعضاء المجلس تتويجاً للمسار المتدرج نحو تطوير وتعميق ثقافة المشاركة السياسية وصولاً بهذا الخيار إلى منتهاه، فالتمكين كما وصفه رئيس الدولة هو روح الاتحاد ورهانه الكبير.
لقد شهد المجلس الوطني الاتحادي تطوراً نوعياً على صعيد ترسيخ التجربة في توسيع المشاركة السياسية بإجراء الانتخابات الثانية في 24 سبتمبر 2011 والتي جسدت إحدى المراحل المتدرجة لبرنامج التمكين الذي تم إطلاقه في عام 2005 من أجل تعزيز المشاركة وتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي، مما ساهم في تعاظم دور المجلس ومسؤولياته حتى بات أكبر تمثيلاً وقدرة على صيانة المكتسبات وتعزيز المسيرة الاتحادية التي أرسى دعائمها المغفور له - بإذن الله - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات. هذا، وقد أكد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة على ضرورة تعزيز دور المجلس الوطني الاتحادي، ودعم الموارد البشرية، وإفساح المجال أمام المرأة لمشاركة الرجل، وإعداد مواطن أكثر إدراكاً للمسؤولية، حيث قال: "عقدنا العزم على أن نكون جزءاً وعنصراً فاعلاً في هذا العصر مع توسيع أكبر وتفعيل أكثر لمؤسسات العمل الوطني وفي طليعتها المجلس الوطني الاتحادي الذي تحرص القيادة الحكيمة على تمكينه ليكون سلطة داعمة ومساندة للمؤسسة التنفيذية وتترسخ من خلاله قيم المشاركة الحقة ونهج الشورى، وبحيث يتاح للمواطن إثبات قدراته ومهاراته من خلال الممارسة الديمقراطية والتعبير عن آرائه وهموم وطنه". إن دولة الإمارات تمضي بثبات نحو الوصول بالتجربة السياسية الإماراتية إلى مقاصدها وتحقيق التنمية المنشودة وتوسيع نطاق المشاركة باعتبارها سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للحكومة وسياستها بالرؤى والأفكار المبدعة والمبتكرة على كافة الصعد.
 
سياسة خارجية فاعلة
تمتلك السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة صفات وسمات بارزة، منذ مرحلة تأسيس الدولة في سبعينيات القرن العشرين على يد المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث تعد العقلانية والحكمة والاعتدال والانفتاح وحسن الجوار وحل النزاعات بالطرق السلمية، وسيادة الدول ووحدة أراضيها، واحترام المواثيق والتعهدات الدولية، وعدم التدخل في شؤون الدول - تعد جميع هذه المبادئ مرتكزات أساسية اتكأت عليها السياسة الخارجية الإماراتية منذ انطلاق المسيرة الاتحادية، ولا تزال هذه المبادئ سارية، ولا تزال تؤطر توجهات الدولة خارجياً منذ بداية مرحلة التمكين التي أطلقها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، منذ توليه الحكم في الثالث من نوفمبر عام 2004، حيث أكد سموه غير مرة في لقاءات مع سفراء الدولة وممثليها بالخارج، على أن نجاح السياسة الخارجية شكل أحد أبرز الإنجازات المشهودة لدولة الإمارات، مشيراً إلى أن هذا النجاح قام على مجموعة من الثوابت التي أرسى دعائمها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويؤكد سموه أن السياسة المتوازنة والمعتدلة التي انتهجتها دولة الإمارات منذ قيامها إزاء القضايا الإقليمية والدولية أكسبت بلادنا الاحترام والتقدير، وجعلت لها كلمة مسموعة في مختلف المحافل العالمية، وقد بلغ عدد الدول التي ترتبط مع الإمارات بعلاقات دبلوماسية 178 دولة حتى 2010، فيما ارتفع عدد سفارات الدولة في الخارج إلى 64 سفارة وتسع قنصليات، إضافة إلى ثلاث بعثات دائمة، بينما بلغ عدد السفارات الأجنبية لدى الدولة 88 سفارة و69 قنصلية عامة في دبي، وسنحاول فيما يلي تحديد السمات الأساسية للسياسة الخارجية الإماراتية: ـ الديناميكية: اكتسبت الدبلوماسية الإماراتية في سنواتها الأخيرة، وتحديداً منذ تولي سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سمة جديدة تضاف إلى سماتها المميزة عبر تاريخها في الأداء الدبلوماسي على الصعيدين الإقليمي والدولي وهي سمة الديناميكية والفاعلية وسرعة الاستجابة ورد الفعل، حيث باتت الدبلوماسية الإماراتية تتسم في تعاملها مع مختلف القضايا الدولية والإقليمية بالاستجابة للمتغيرات المستجدة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وهذا الأمر قد وفر للسياسة الخارجية الإماراتية نشاطاً وتفاعلاً مع كافة القضايا، كما أنه كرس حضور الدولة دولياً وتعزيز مكانتها الإقليمية، حيث يلاحظ المراقب عوامل النشاط التي طرأت على الدبلوماسية الإماراتية، وهي عوامل ترتبط بالأساس بشخصية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي يصنف إعلامياً بأنه "مهندس" الدبلوماسية الإماراتية، ويرى كثير من الخبراء والمتخصصين أن الصفات الفردية تلعب دوراً حيوياً في تحديد منحنى الفاعلية للأداء الدبلوماسي للدول. ـ الانفتاح: يعد الانفتاح على العالم أحد أبرز السمات الأصيلة في سياسة الإمارات الخارجية، وهي ركيزة تعكس في جوهرها طبيعة المجتمع المحلي الإماراتي، الذي يتسم بالانفتاح على الثقافات والحضارات المختلفة، كما يعكس الرسالة السامية التي تحملها منذ عهد المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتتمثل في الدعوة إلى السلام العالمي والعمل من أجله من خلال إقامة علاقات واسعة والتواصل مع دول العالم المختلفة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، من منطلق إدراكها لحقيقة أن انفتاح الدول والمجتمعات على بعضها البعض من شأنه أن يعمق أواصر الصداقة والتقارب بينها، ويكرس الصور الايجابية المتبادلة فيما بينها، وهذا يدعم أجواء السلام والتفاهم والحوار على المستوى العالمي، ويواجه نزعات الصدام والمواجهة، فيما يؤدي الانغلاق والتقوقع على الذات إلى زيادة عوامل الصدام والخلاف وتكريس الصور النمطية السلبية بين المجتمعات المختلفة.
 
ـ التوازن والشمول: تمثل العلاقات الدولية المتوازنة سمة أصيلة في سياسة الإمارات الخارجية، والتوازن هنا بمعنى تعدد وتنوع خيارات ومسارات التحرك الخارجي وعدم حصره في منطقة دون أخرى، وهذا التوجه قد أسهم في إنتاج علاقات إماراتية قوية وفاعلة مع مختلف الدول في قارات أوروبا وأمريكا وأفريقيا وآسيا في آن واحد، دون أن تكون العلاقة مع منطقة ما على حساب العلاقة مع منطقة أخرى، أو أن تكون العلاقة مع طرف دولي أو إقليمي على حساب العلاقة مع طرف آخر، حيث تؤمن دولة الإمارات بأن التواصل يظل دائماً ممكناً مع الجميع، باعتباره الطريق الحضاري والإنساني للتفاهم وحل النزاعات. أما الشمول فيعتبر سمة أخرى مهمة في سياسة الإمارات الخارجية، ويعني عدم حصر العلاقات الخارجية في جانبها السياسي فقط، بل تنويعها لتشمل مجالات اقتصادية وثقافية ورياضية وسياحية ودبلوماسية شعبية وغيرها، وهذا ينطلق من إيمان إماراتي بأن كل مجالات التعاون يخدم بعضها بعضاً، وتقود إلى هدف أساسي هو تعميق أواصر الصداقة والتفاهم بين دول العالم المختلفة بما تحققه من ترابط في المصالح والتقاء بين الثقافات والأديان والحضارات.
ـ البعد الإنساني: يمثل البعد الإنساني جانباً مهماً وأساسياً من جوانب السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد وجد ذلك ترجمته خلال السنوات الماضية عبر أدوار إنسانية مهمة قامت بها في أكثر من منطقة من مناطق العالم وحظيت بتقدير وإشادة كبيرين على المستوى الدولي، ويرتبط اهتمام الإمارات بالبعد الإنساني في سياستها الخارجية برؤيتها لطبيعة العلاقات الدولية بشكل عام، وهي رؤية تعلي من قيمة السلام والحوار والتفاهم كأساس لهذه العلاقات، وللتعامل مع المشكلات والأزمات في إطارها، وتؤمن بأهمية التضامن الدولي في مواجهة الكوارث والتحديات، وأن ثمة مسؤولية إنسانية ودينية وأخلاقية تدفع إلى ضرورة التحرك السريع والفاعل لتخفيف معاناة البشر في مناطق الصراعات والحروب والكوارث؛ لأن من شأن ذلك أن يعزز التواصل والثقة بين الشعوب بما يعمق من عوامل التفاهم على حساب عوامل الصراع ومسبباته، وهذا يخدم التنمية والسلام والاستقرار العالمي، وبالتالي يمكن القطع بأن الرسالة الإنسانية لدولة الإمارات هي رسالة عالمية وليست دينية أو عرقية أو مذهبية، فهي تدعو إلى نجدة ومساعدة المحتاجين للمساعدة والنجدة في أي مكان في العالم دون نظر إلى دين أو عرق أو لون أو مذهب، وهذا هو الذي جعل الأنظار تتجه تلقائياً إلى الإمارات حينما يكون الحديث متعلقا ًبالخير والعطاء الإنساني، كما أكسبها ذلك، قيادة وشعباً، التقدير والاحترام على المستوى العالمي.  ـ الإطار الأخلاقي: تمتلك السياسة الخارجية الإماراتية في تحركاتها كافة، إطاراً أخلاقياً موضوعياً يحكم ممارساتها ومواقفها حيال مختلف القضايا والموضوعات المطروحة على أجندة النقاشات في الأطر والتجمعات الإقليمية والدولية، حيث يلعب الإطار الأخلاقي دوراً بارزاً في بناء مواقف الدولة حيال تحديات دولية مثل الإرهاب؛ حيث تؤكد دولة الإمارات العربية المتحدة عبر المحافل الدولية كافة، ومن خلال ممارساتها على أرض الواقع، إدانتها ونبذها للإرهاب بكل أشكاله وصوره أينما وكيفما وقع، كما تؤكد دوماً أن الإرهاب لا يعرف الحدود الوطنية ولا الدين، وتشدد على أهمية تكاتف الجهود الدولية والإقليمية لمكافحة الإرهاب وتفعيل القرارات والتوصيات ذات الصلة الصادرة عن المنظمات والمؤتمرات الدولية والإقليمية، وتنشيط إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، كما تعتبر دولة الإمارات عضواً فاعلاً في الشراكات والجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك المبادرة العالمية لمكافحة الإرهاب النووي، وهي تبذل جهوداً متواصلة لتعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات وبناء القدرات والمكافحة وتجفيف منابع هذه الظاهرة البغيضة. وبالقدر ذاته تحظى المشكلات الناجمة عن تغير المناخ باهتمام كبير من قبل الإمارات لما تسببه من  معاناة إنسانية وآثار مدمرة كالزلازل والأعاصير والفيضانات والجفاف وغيرها من الكوارث الطبيعية، حيث تشدد الإمارات على ضرورة مضاعفة جهود التعاون الدولي للوصول إلى حلول مثمرة في مواجهة تحديات تغير المناخ، فضلاً عن ضرورة توفير الدعم المالي والتقني الكافي للبلدان النامية لتمكينها من التكيف الفعال في مواجهة تغير المناخ.
ـ  شمولية الرؤية: تتبنى القيادة الإماراتية رؤية شاملة للعلاقات الخارجية للدولة لا تقصرها على جانبها السياسيّ فقط، بل تمدها إلى الجوانب الأخرى، الاقتصادية والثقافية والشعبية وغيرها، من منطلق الوعي بحقيقة التفاعل بين هذه الجوانب، والحرص على إقامة علاقات قويّة وعلى أسس متينة تضمن لها الاستمرار مع الدول والشعوب المختلفة، وبما يضمن تعزيز مكانة الإمارات لدى المجتمع الدوليّ على مختلف المستويات، خاصّة أن الإمارات قد استطاعت إقامة نموذج تنمويّ رائد يشار إليه بالبنان على الساحتين الإقليمية والدولية، ويذكر هنا أن السياسة الخارجيّة لدولة الإمارات هي جزء من الرؤية التنموية الشاملة للقيادة الرشيدة، ولذلك فإنها تخدم التنمية في الداخل، وتعزّز مصالح الدولة في الخارج، وترعى مواطنيها في أيّ مكان، وفي ظل أيّ ظروف، وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو رئيس الدولة من خلال تأكيداته الدائمة بأن دولة الإمارات تضع الإنسان على قائمة أولويّاتها من خلال تسخير إمكاناتها لخدمة الوطن والمواطن، وهناك الكثير من المرات التي عبّر فيها سموه عملياً عن ذلك من خلال تدخله لمساعدة مواطنين يتعرضون لحوادث في بعض الدول، أو في دول تتعرّض لأزمات، سياسية أو طبيعية، ما كان له أكبر الأثر في نفوس المواطنين، وعمّق إحساسهم بالفخر بالانتماء إلى وطن يوفر لهم الدعم والرعاية في الداخل والخارج.
 
دعم الاقتصاد الوطني
ومن المفيد في هذا الصدد الإشارة إلى أن لقاءات البعثات التمثيلية الإماراتية في الخارج، قد ناقشت من قبل إحدى أهم القضايا الحيوية التي باتت تشغل اهتمام دول العالم أجمع في السنوات الأخيرة، وهي "دبلوماسية التنمية"، وأدرجت الموضوع ضمن أجندتها، حيث بحثت كيفية تفعيل الدور الذي تقوم به بعثات الدولة في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع دول العالم، بما يسهم في تعزيز مكانة الدولة على الساحة الاقتصادية ويبرز دور الدبلوماسية الإماراتية في هذا المجال؛ ما يؤكد أن الدبلوماسية الإماراتية لم تعد تنفصل عن قضايا التنمية، بل أصبحت إحدى الأدوات الداعمة لها، فالسياسة الخارجية التي تتبناها الدولة، والقائمة على أساس الاحترام المتبادل والانفتاح على جميع دول العالم والتعرف على النماذج والتجارب الاقتصادية المختلفة، لا شك باتت تشكل داعماً قوياً لاقتصادنا الوطني ولخطط التنمية في الداخل، كما أن الجولات الخارجية التي يقوم بها سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إلى العديد من دول العالم في مختلف القارات تركز على الجانب الاقتصادي، سواء في استكشاف فرص الاستثمارات الخارجية لرجال الأعمال والقطاع الخاص في الدولة  أو في الترويج للفرص الاستثمارية المتاحة داخل  الدولة، والتي يمكن لرجال المال والأعمال والقطاع الخاص في هذه الدول الاستثمار فيها، وهو الأمر الذي يؤكد بوضوح أن الدبلوماسية الإماراتية تحرص على أن تخدم في تحركاتها الخارجية خطط ومشاريع التنمية في الداخل.
لطالما ما كانت الدبلوماسية الإماراتية داعماً قوياً للاقتصاد الوطني والخطط التنموية في الداخل، فبفضل التحركات المختلفة التي قامت بها، استطاعت الإمارات أن تحتل موقعاً دولياً متقدماً في خريطة الاستثمار العالمي عبر امتلاك حصص في شركات عالمية وقطاعات اقتصادية مهمة، كما كان للدبلوماسية الإماراتية دورها المهم في استقطاب عدد كبير من مؤسسات الاستثمار العالمية لإقامة مشاريع ضخمة في أنحاء البلاد، مستفيدة من السمعة العالمية المشرفة، والتاريخ الاستثماري الإيجابي، والمكانة الاقتصادية البارزة التي حصلت عليها الدولة خلال السنوات الماضية، باعتبارها من أكثر الدول الجاذبة للاستثمار في العالم، كما استطاعت الدبلوماسية الإماراتية أن تحقق العديد من الإنجازات التي تصب في خدمة خطط التنمية، كان أبرزها نجاحها في فوز أبوظبي باستضافة مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، فهذا الإنجاز وإن كان تعبيراً عن الثقة الدولية في توجهات الإمارات في مجال الطاقة المتجددة فإنه لا شك له آثاره الإيجابية على خطط التنمية في الداخل، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن الاستثمار في الطاقة المتجددة أصبح توجهاً عالمياً تسعى إليه معظم دول العالم. لقد أصبحت الدبلوماسية الإماراتية تقوم بدور فعال في خدمة الاقتصاد الوطني، وتوفر الأرضية السليمة لبناء تنمية مستدامة، بما تنسجه من خيوط تعاون وصداقة وتفاهم مع دول العالم المختلفة، وبما تتيحه من فرص جديدة لإقامة شراكات اقتصادية مع العديد من دول العالم، وبما تبنيه من ثقة عالمية في قدراتنا الاقتصادية، أسهمت كلها في وضع الاقتصاد الإماراتي في موقع متقدم على خريطة الاقتصاديات المتقدمة.
 
رمز الاعتدال والتسامح
وعلى الخلفية السابقة يبدو من المؤكد أن متابع الشأن الإماراتي يدرك من دون معاناة بحثية أن السمات السابق ذكرها لسياسة الإمارات الخارجية، تلعب الدور الأبرز في الحضور السياسي والاقتصادي والثقافي الإماراتي في المشهد الإقليمي والعالمي في مختلف هذه المجالات، كما جعلت هذه السمات من الإمارات أيضاً رمزاً للاعتدال والحكمة والتسامح الثقافي والديني والسياسة المتزنة، وطرفاً مقبولاً ومرحباً به في كل دول ومناطق العالم ليس فقط على المستوى الرسمي، بل كذلك على المستوى الشعبي، ومحطة مفصلية مهمة في أي نقاشات أو جهود دولية وإقليمية تستهدف ضمان الأمن والاستقرار العالميين.
ولاشك أن مجمل المبادئ والمرتكزات التي تقوم عليها السياسة الخارجية الإماراتية تأتي، فضلاًَ عما سبق ذكره، من واقع إدراك راسخ لدى القيادة الرشيدة بدور الإمارات  كدولة مسؤولة في إطاراتها العربية والإقليمية والدولية، وعلى الرغم من التحوّلات والتغيّرات التي لحقت بمنطقة الشرق الأوسط والعالم على مدى السنوات الماضية، فإن هذا الخط في السياسة الخارجية للدولة لم يتغيّر لأنه يعكس خياراً استراتيجياً وعميقاً لها منذ عهد المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ويعمل صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله" على تكريسه وتدعيمه.
وانطلاقاً من هذه القناعات والمبادئ والمرتكزات، فإن كثيراً من الجولات الخارجية التي قام بها قادة الدولة، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، وكذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، استهدفت في مجملها تعزيز علاقات الإمارات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية مع دول العالم المختلفة. ويشار في هذا الإطار أيضاً إلى أن من الضروري القول بأن الدبلوماسية الإماراتية في أدائها هذا تلعب دوراً داعماً قوياً للاقتصاد الوطني، والخطط التنموية لدولة الإمارات، فبفضل التحركات المختلفة التي قامت بها استطاعت الإمارات أن تحتل موقعاً دولياً متقدماً في خريطة الاستثمار العالمي عبر امتلاك حصص في شركات عالمية، كما كان للدبلوماسية الإماراتية دورها المهم في استقطاب عدد كبير من مؤسسات الاستثمار العالمية لإقامة مشاريع ضخمة في أنحاء البلاد، مستفيدة من السمعة العالمية المشرفة، والتاريخ الاستثماري الإيجابي، والمكانة الاقتصادية البارزة التي حصلت عليها الدولة خلال السنوات الماضية، باعتبارها من أكثر الدول الجاذبة للاستثمار في العالم. وقد أصبحت الدبلوماسية الإماراتية تقوم بدور فعال في دعم الاقتصاد الوطني بما تنسجه من خيوط تعاون وصداقة وتفاهم مع دول العالم المختلفة، وبما تبنيه من ثقة عالمية في القدرات الاقتصادية لدولة الإمارات، جعلت دول العالم أجمع تتسابق على إقامة علاقات شراكة اقتصادية معها.   مقومات النجاح: دروس مستمرة
من خلال استقراء تاريخ التجربة الاتحادية في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ تأسيسها، يمكن الخروج بالعديد من الدروس والعبر المستخلصة من مسيرة 41 عاماً من الإنجاز والنجاح التنموي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، وفيما يلي يمكن أن نطرح بعضاً من هذه الدروس: ـ الاتكاء على الثوابت واستمرارية التجربة وقواعدها ومرتكزاتها، بمعنى أن التجربة التنموية في دولة الإمارات لا تتعرض لانتكاسات وتحولات في النهج التخطيطي، بل تعتمد بالأساس على ثوابت أرساها المؤسس الأول المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي تحمل عبء قيادة الاتحاد في ظروف صعبة، وأرسى الأسس والثوابت التي مكنته من البقاء والتطور، وفي مقدمتها الإيمان الحقيقي بالوحدة، باعتبارها خياراً وحيداً لمواجهة أية تحديات أو مخاطر . ـ وجود قدر هائل من التوافق والانسجام بين الوحدات الاتحادية (إمارات الدولة) وقد تجلى هذا التوافق والانسجام والحرص على استمرارية نجاح التجربة الوحدوية في أول اختبار حقيقي للتجربة عند انتقال السلطة بعد وفاة المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ( 19 رمضان 1425هـ الموافق 2 نوفمبر 2004 ) حيث لم يلمس العالم أي مشكلة أو عقبات تحول دول حدوث انتقال هادئ وسلس ومنظم للسلطة إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله"، ويجد خبراء السياسة التفسير لهذا الانتقال المنظم للسلطة في أن دولة الاتحاد تقوم بالأساس على مبدأ التراضي بين الإمارات المختلفة، ومراعاة الخصوصية المختلفة لكل إمارة، وعلى الاحترام المتبادل بين هذه الإمارات، كما يلاحظ أن الدستور الاتحادي ينطلق من  التوفيق بين متطلبات تكوين دولة الاتحاد، وبين تمسك أو حرص حكام الإمارات على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الاستقلال الذاتي، حيث يعطي الدستور حرية كبيرة لإمارات الدولة الأعضاء في الاتحاد لتنظيم شؤونها الداخلية، ولم يفرض عليها قيوداً كثيرة تحد من سلطاتها واختصاصاتها المحلية أو الحرية المطلقة للحاكم في إدارة شؤون إمارته بما لا يتعارض مع أحكام الدستور، ما ينعكس بالتبعية في غياب أي إشكاليات تتعلق بانتقال السلطة أو إدارة العلاقات بين مختلف الوحدات الاتحادية المكونة للدولة. وهذا التوافق لم يقف حائلاً أمام أي إمارة تسعى إلى بلورة السياسات والخطط التي ترى أنها الأنسب لإدارة مواردها الذاتية، بشكل وإن بدا لبعض المراقبين الخارجيين وكأنه تنافس فيما بينها، فإنه تنافس يصب في صالح المواطن الإماراتي عموماً، وقد أكد صاحب السمو الشيخ خليفة على هذه الحقيقة بالقول: "إنه تنافس شريف لخدمة أبناء الإمارات‏ وتحسين الأداء وتطوير العمل، وهو تنافس يعبر عن الثقة بصلابة التجربة الاتحادية وشكل من أشكال إدارة الموارد‏ وتوزيع الاختصاصات بين السلطات الاتحادية والمحلية، بهدف الوصول إلى أقصى فائدة‏، وتحقيقاً لمبدأ التنمية المتوازنة‏ التي تطول المواطنين في كل مكان على أرض الإمارات". ـ أهمية المؤسسية في بناء الدول الاتحادية، حيث يمكن القطع بأن بناء مؤسسات الاتحاد كان أحد عوامل نجاح التجربة منذ بدايتها وحتى الآن، حيث تضطلع مؤسسات الدولة الاتحادية بدور حيوي في تجاوز أي سلبيات أو تحديات يمكن أن تعترض مسيرة الاتحاد، ونعني بمؤسسات الاتحاد في هذا المقام أن التجربة السياسية الإماراتية قد اتكأت منذ انطلاقها على  قواعد قانونية ودستورية واضحة، فبعدما توافقت إرادة حكام الإمارات على ضرورة الوحدة فيما بينهم، تم تقنين هذه الإرادة في دستور مكتوب رسم ملامح النظام السياسي الإماراتي وحدود العلاقة بين سلطات الحكومة الاتحادية وسلطات الإمارات الداخلة في الاتحاد، ما يضعف فرص ظهور أي تباينات أو خلافات جوهرية بين الوحدات الاتحادية. ـ أهمية منهج التدرج ومراعاة الخصوصيات بين وحدات الاتحاد، فقد اتبع الشيخ زايد - طيب الله ثراه -، هذا المبدأ، ‏إدراكاً منه بأن عقوداً طويلة وموروثات معقدة من العادات والمفاهيم‏ لا يمكن تجاوزها بسهولة، يضاف إلى ذلك أنه كان يدرك بحسه الفطري طبيعة الجو الإقليمي الذي أحاط بالتجربة، وقد اتبعت القيادة السياسية في الإمارات هذا المنهج في كافة الإصلاحات السياسية والاقتصادية، وقد أكد صاحب السمو الشيخ خليفة هذا التوجه في خطابه التاريخي المهم بمناسبة العيد الرابع والثلاثين لتأسيس الاتحاد، بقوله: "من خلال مسار متدرج منتظم، قررنا بدء تفعيل دور المجلس الوطني عبر انتخاب نصف أعضائه من خلال مجلس لكل إمارة وتعيين النصف الآخر، بادئين مسيرة تتكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل مع أبناء الوطن".
 
الإمارات "واحة استقرار"..لماذا؟
تحت عنوان "لماذا يتحاشى الربيع العربي الإمارات" عرضت صحيفة The Pioneer اليومية الصادرة في دلهي  كتاب :"دبي: صنع مدينة عملاقة" Dubai: The Making of a Megapolis  للكاتب  Pranay Gupte  وقالت الصحيفة إن هذا الكتاب لا يكتفي بتتبع مسار تحول دبي إلى مدينة "مستقبلية"، بل إنه يُبرز أيضاً كيف نجح حكام دولة الإمارات في إقامة نظام فعال، خاصة في وقت تتصارع فيه العديد من البلدان العربية الأخرى مع تحديات مستقبل مجهول، وقال الكاتب إنه رغم اضطرابات ما يعرف بالربيع العربي، التي تخيم على منطقة الشرق الأوسط فقد ظل بلد واحد بمنأى عن ذلك وهو الإمارات، فعلى الرغم من أن البلاد تخضع منذ تأسيسها في أوائل السبعينات لحكم عائلة آل نهيان التي تتبنى مثلاً عليا إسلامية، إلا أن شعبها لم يشعر قط بالحاجة إلى الانتفاض ضد ما يراه المواطنون في بلدان أخرى في المنطقة أن أنظمتهم دكتاتورية واستبدادية وقمعية،  والسبب ـ كما يقول الكاتب ـ بسيط على ما يبدو: إذ لم يسبق لشعب الإمارات أن شعر أنه مقموع أو مستثنى من نعم الازدهار التي خُلقت للحكام ودولتهم، ذلك أن هناك نوعاً من شمولية الرفاهية الاجتماعية ساهم في الحفاظ على الإمارات متماسكة.
وفي رصده لقصة نجاح مدينة دبي، يسلط الكاتب الضوء أيضاً على مسألة وحدة الهدف المثيرة للانتباه لدى حكام مختلف الإمارات المتمثلة في بناء دولة الإمارات ومكوناتها المتعددة، ذلك أن حصافة حكام دولة الإمارات المقرونة بلمسة إنسانية في الحكم قلما توجد في المنطقة العربية، بل وفي العديد من الديمقراطيات العريقة كذلك، وهي لمسة ضمنت ألا تحدث تلك المشاحنات والصراعات التافهة التي كان يمكن أن تخرج عملية التنمية عن مسارها، ولو أنه حدث بعض منها فقد تم التعامل معها بشكل فعال وتم وأدها في المهد.
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره