مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-01-02

سمات راسخة وأصيلة للدبلوماسية الاماراتية

شهدت الآونة الأخيرة تحركات دبلوماسية اماراتية متلاحقة جذبت انتباه الأوساط السياسية الدولية، ليس فقط لأنها تعكس نشاطاً وفاعلية للسياسة الخارجية التي تنتهجها دولة الامارات، ولكن أيضاً لأن الآثار الاستراتيجية لهذه التحركات ترسم خارطة جديدة للعلاقات الاقليمية وتوفر أساساً قوياً لإنهاء التوترات وتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على أبعاد المقاربات الدبلوماسية الاماراتية للتعاطي مع العديد من ملفات التوتر والأزمات مع دول المنطقة.
 
في منتصف أغسطس 2020، بدأت أولى تحولات السياسة الخارجية التي تنتهجها دولة الامارات العربية المتحدة بتوقيع «اتفاق ابراهيم» مع اسرائيل، في خطوة تمثل تحولاً نوعياً استراتيجياً كبيراً في العلاقات العربية - الاسرائيلية،  واستجابة مهمة لواقع استراتيجي جديد تمر به المنطقة منذ موجة الفوضى التي عمت العديد من الدول العربية ابتداء من عام 2011، وتسببت هذه الموجة في حدوث خلخلة في الثوابت والأسس الت يرتكز عليها النظام الاقليمي العربي، ما يتطلب نمط تفكير مختلف وبدائل وحلول غير تلك التي سبق تجربتها وفشلها، من أجل مواجهة التهديدات والتصدي للأخطار الجديدة عبر إعادة بناء علاقات الدول العربية مع جوارها الاقليمي وفقاً لمستويات الخطر والتهديد، فضلاً عن بلورة مقاربة استراتيجية جديدة من خارج صندوق الحلول التقليدية بحثاً عن تسوية سلمية للقضية الفلسطينية، وبناء على المعطيات الاستراتيجية القائمة والمصالح المشتركة وليس بناء على الشعارات الأيديولوجية، والأمر في هذا الشأن لا يتعلق بتحالفات عسكرية جديدة أو غير ذلك بل يتعلق ببناء شراكات استراتيجية واقتصادية وتنموية مع دول لها قواسم مشتركة في بناء مستقبل أفضل لشعوبها.
 
بناء علاقات رسمية بين الامارات واسرائيل يعكس بوضوح منذ بدايته رغبة الامارات في التركيز على البحث عن الفرص ومنح أولوية مطلقة للسياسات التنموية والاقتصادية خلال السنوات والعقود المقبلة، لاسيما أن الدولة تدشن حقبة خمسينية جديدة وضعت لنفسها فيها أولويات استراتيجية وفلسفة عمل تضمن تحقيق الأهداف التنافسية التي تسعى إلى تحقيقها، حيث اثبتت التجارب أن منطقة الشرق الأوسط باتت بحاجة إلى مبادرات دبلوماسية خلاقّة وتفكير من خارج الصندوق وخيال سياسي يتجاوز الأطر والقيود التقليدية التي ظلت تكبّل الأوضاع والعلاقات بين دول المنطقة من ناحية واسرائيل من ناحية ثانية، وتأكد للجميع أن هناك حاجة ملحّة إلى بناء سلام حقيقي ودائم في المنطقة، سلام يرتكز على التعاون والتعايش السلمي والتسامح ويفتح آفاقاً للتنمية والأمن والاستقرار لجميع دول المنطقة، وذلك لن يتحقق سوى بالاستثمار في التنمية والأمن والاستقرار.
 
ما سبق وغيره يؤكد أنه الديناميكيات الجيوسياسية في الشرق الأوسط قد تغيرت، وأن دولة الامارات قد أصبحت أحد اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط منذ عام 2011، بما اثبتت من فاعلية وقدرة على الاسهام القوي المؤثر في اطفاء الحرائق السياسية التي كادت تلتهم بعض الدول العربية، وأنها قادرة على لعب دور فاعل في “هندسة” الاقليم جيوسياسياً بما يصب في خانة تحقيق مصالح مشتركة للجميع وضمان الأمن والاستقرار وينهي حالة الفراغ الاستراتيجي الخطيرة، التي نجمت عن تراجع دول عربية رئيسية عن الاضطلاع بدورها التقليدي في الحفاظ على التوازنات الاقليمية، فضلاً عن تراجع الاهتمام الأمريكي باستقرار الأوضاع في المنطقة بسبب اختلاف أولويات السياسة الخارجية الأمريكية وتراجع مكانة الشرق الأوسط ضمن هذه الأولويات.
 
تحركات دبلوماسية نوعية 
رغم أن دولة الامارات اشتهرت اقليمياً ودولياً بالتميز والتفوق على الصعيد التنموي وفقاً لمؤشرات التنافسية العالمية، فإن طموحات القيادة الرشيدة وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لمواصلة مسيرة الصعود الاماراتي في مختلف مجالات وقطاعات التنمية المستدامة، والحفاظ على تنافسية النموذج الاماراتي وضمان جاذبيته، تطلبت هذه الطموحات رسم سياسة خارجية جديدة تخدم هذه الأهداف وتسعى إلى تحقيقها، لذا فقد اتجهت الامارات إلى الامساك بزمام المبادرة الدبلوماسية ومواصلة خطواتها الاختراقية التي بدأت بفتح مسار عربي جديد للسلام مع اسرائيل، وفي هذا الإطار يمكن الاشارة إلى تحركات عدة وصفها البعض بأنها سياسية لـ «تصفير المشاكل»، بينما وصفها آخرون بسياسة بناء الجسور وردم الفجوات، واعتبرها فريق ثالث شرق أوسط جديد يعكس التحولات الجيوسياسية الحاصلة في توازنات القوى الاقليمية، ولكنها الواقع يقول أنها يمكن أن تكون مزيجاً من كل هذه الرؤى والتصورات التحليلية، بحكم النتائج والآثار الاستراتيجية المترتبة على هذه التحركات التي يمكن الاشارة إليها فيما يلي:
 
زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى تركيا: حيث تعد هذه الزيارة التي تمت في الرابع والعشرين من نوفمبر 2021، وشهدت لقاء سموه مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، تعد نقطة تحول نوعية كبرى في مسار العلاقات بين القوى الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط لأن الزيارة تطوي نحو عقد كامل من الشد والجذب بين الامارات (ودول عربية أخرى مثل المملكة العربية السعودية ومصر) وتركيا، ولكن أيضاً لأنها يمكن أن تسهم فتح آفاق جديدة لبعض أزمات المنطقة، ولاسيما في ليبيا، حيث يمثل الدور التركي أحد معضلات انهاء الصراعات التي يشهدها هذا البلد العربي. وتكللت هذه الزيارة المهمة بتوقيع 12 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم بين الإمارات وتركيا، إلى جانب إعلان الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، وحملت الزيارة رسائل متبادلة تعكس بشكل واضح رغبة البلدين في تسريع خطى التعاون بينهما على مختلف الأصعدة، والانطلاق نحو مرحلة جديدة من الشراكة والعلاقات الواعدة بين البلدين. وتجسدت أبرز تلك الرسائل في الحفاوة البالغة التي قوبل بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمسؤولين الأتراك والإعلام التركي.  وتعليقاً على الزيارة، وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، المباحثات التي أجراها مع  الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها “ مثمرة». وأعرب عن تطلعه “إلى فتح آفاق جديدة وواعدة للتعاون والعمل المشترك يعود بالخير على البلدين ويحقق مصالحهما المتبادلة وتطلعاتهما إلى التنمية والازدهار. بدوره رحب الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا ضيفاً كريماً على بلاده، معرباً عن ثقته بأن زيارته تمهد لمرحلة جديدة مزدهرة وواعدة من العلاقات والتعاون الذي يصب في مصلحة البلدين وشعبيهما والمنطقة.
 
زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي لسوريا: تمثل هذه الزيارة التي تمت في التاسع من نوفمبر عام 2021، نهاية لقطيعة استغرقت نحو عشر سنوات بين دمشق وحاضنتها العربية، وكانت الزيارة الأولى لمسؤول اماراتي بهذا المستوى لسوريا منذ عقد كامل، وجاءت هذه الزيارة في إطار نهج اماراتي تدرجي، حيث اعقبت اتصال هاتفي جرى بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والرئيس السوري بشار الأسد في العشرين من أكتوبر 2021، تم خلاله التباحث حول «علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات لما فيه مصالحهما المتبادلة»، وقبل ذلك وتحديداً في 27 مارس 2020، جرى أول اتصال منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في 2011، بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس السوري وبحثا حينها تداعيات تفشي فيروس «كورونا»، وكان الهدف الأساسي هو تأكيد دعم الامارات للشعب السوري في مواجهة جائحة «كورونا» «، وتلك «الظروف الاستثنائية» كما وصفها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي أكد أيضاً أن «التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار»، وقال: «سوريا لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة». وكانت دولة الامارات قد  أعادت قبل هذه الاتصالات فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق في نهاية ديسمبر 2018. ولعل توقيت هذه الزيارة قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في الجزائر يفتح الباب أمام عودة سوريا إلى شغل مقعدها وسط أشقائها العرب واستئناف دورها التاريخي الطبيعي في منظومة العمل الاقليمي العربي.
 
زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني لدولة الامارات إلى إيران في السادس من ديسمبر عام 2021، وهي الزيارة الأولى من نوعها منذ عام 2016 التي يقوم بها مسؤول اماراتي رفيع المستوى إلى طهران، وهي أيضاً زيارة حظيت أيضاً باهتمام اقليمي ودولي بالغ بالنظر إلى طبيعة العلاقات ليس بين ايران والامارات فقط، بل بين طهران وغالبية دول مجلس التعاون وما تشهده هذه العلاقات من توتر مزمن، فضلاً عن موقع إيران في التجاذبات الاقليمية والدولية الراهنة، ناهيك عن عامل التوقيت الذي أضفى على الزيارة أهمية مضاعفة كونها جاءت في خضم انعقاد الجولة السابعة من مفاوضات فيينا، والتي تجري بين إيران ومجموعة «4+1» بالإضافة إلى الولايات المتحدة، بهدف إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، كما تزامنت الزيارة مع تصعيد كلامي ايراني - إسرائيلي وتوقعات وتكهنات حول احتمالات قيام اسرائيل باستهداف منشآت البرنامج النووي الايراني. وتجدر الاشارة إلى أن هذه الزيارة جاءت أيضاً عقب اتصال هاتفي تم بين سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي ونظيره الايراني حسين عبد اللهيان.
 
عقلانية سياسية ورشادة استراتيجية
يصعب قراءة التحركات الدبلوماسية الاماراتية حيال تركيا وإيران بمعزل عن البيئة الاقليمية والدولية التي تشهد تغيرات متسارعة، وحيث يصعب التكهن بمآلات التفاوض بين إيران والقوى الدولية حول البرنامج النووي، وحيث تريد الامارات ألا تكون طرفاً في أي صراعات يمكن أن تهدد مسيرتها التنموية أو تؤثر سلباً في طموحاتها الاقتصادية الكبرى، والأمر اللافت في التحركات الدبلوماسية الاماراتية أنها تمضي وفق قاعدة «رابح - رابح» بمعنى ضمان فوائد وعوائد استراتيجية مناسبة لطرفي العلاقة ما يعزز فرص نجاح الدبلوماسية الاماراتية في بناء مشتركات مع الجميع،  كما يبدو لافتاً للجميع قدرة الدبلوماسية الاماراتية على اختراق اجواء الخلافات من دون وساطات أو وسطاء، وهي السمة الأكثر بروزاً في العمل الدبلوماسي الاماراتي، الذي يمتلك هذه القدرة الفريدة على التواصل ومد الجسور بغض النظر عن مساحات التباين والخلاف أو الاختلاف وبناء العلاقات المتوازنة مع الجميع.
 
والسؤال الأكثر الحاحاً في هذا المحور يتعلق بمدى تخلي الامارات عن مخاوفها بشأن البرنامج النووي الايراني في ظل تقاربها مع إيران، وهنا يمكن الاشارة إلى تصريحات د. أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، لدى حديثه عن زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران، حيث أكد أن بلاده تشارك المخاوف الاقليمية حول السياسات والأنشطة الايرانية في المنطقة لكنها ترى أن «المواجهة ليست السبيل الأمثل للمضي قدماً». كما تجدر الاشارة هنا أيضاً إلى ان الامارات لا تتحرك في هذه الملفات المعقدة بشكل منفرد فالدبلوماسية الاماراتية تتسم بميلها للتشاركية والتنسيق مع الأشقاء، سواء على مستوى دول مجلس التعاون أو الصعيد العربي بشكل عام، لذا يلاحظ أن د. قرقاش قد أكد على أن اجراءات بناء الثقة مع إيران تعتمد على آليات كثيرة وأن الحوار والتعاون الاقتصادي يشكلان جزءاً من هذه الاجراءات، وأن هذا الأمر «سيستغرق وقتاً»، والأهم هو تأكيده على أن الحلفاء الخليجيين على علم بالتحركات الاماراتية تجاه إيران، وأن الهدف من ذلك كله هو «فتح صفحة جديدة في العلاقات»، وهذه دلالة مهمة للغاية لأنها تنفي تماماً فكرة التنافس بين دول مجلس التعاون في التحرك نحو دول اقليمية مثل ايران أو تركيا، كما يزعم البعض. فالواضح أن هناك نوع من التوافق الخليجي بشأن الملفات المختلفة ولكن مع اختلاف المقاربات وآليات إدارة أو تحقيق المتفق عليه او المنسق بشأنه في هذه الملفات.
 
سمات راسخة وأصيلة للدبلوماسية الاماراتية
تشير قراءة تفاعلات وتحركات الدبلوماسية الاماراتية بشكل عام في السنوات الأخيرة إلى أن السياسة الخارجية الإماراتية تمثل نموذجاً للحيوية والفاعلية والديناميكية، ويعود ذلك بالأساس إلى نجاح الجهاز الدبلوماسي الذي يقوده سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في التعاطي مع أزمات المنطقة العربية والحد من تأثيراتها السلبية على المنطقة وشعوبها، حيث حققت الدبلوماسية الإماراتية على هذا الصعيد، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، ومن خلال العمل بشكل متواز ضمن منظومات المجتمع الدولي، تفوقاً مشهوداً وضع الدولة في مكانة بارزة ضمن حسابات العواصم الدولية الكبرى، أو ما يعرف بعواصم صنع القرار العالمي. وفي هذا الإطار يشار إلى دور الإمارات في مساندة الشعوب العربية التي تعرضت لأزمات داخلية طاحنة عقب موجة الفوضى والاضطرابات التي بدأت عام 2011.
 
ويجمع المراقبون وخبراء السياسة على أن ما وصلت إليه دولة الإمارات من نجاحات وازدهار تنموي مدعوم بحالة رائعة من حالات الأمن والاستقرار الداخلي يمثل حصاداً طبيعياً ومردوداً مباشراً للدبلوماسية الذكية التي صاغ معالمها وأرسى دعائمها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ثم اكتسبت هذه الدبلوماسية قوة دفع متجددة وزخماً نوعياً جديداً في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، بفضل الرعاية المستمرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وبفضل ديناميكية ونشاط والدور الحيوي اقليمياً وعالمياً الذي يضطلع به صاحب السمو الشيخ محمــد بن زايــد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي يوفر للدولة مساحات حركة خارجية أوسع وأرحب، بحيث باتت تمتلك زمام المبادرة في ملفات عدة، وسطع نجمها عالمياً في دوائر اهتمام مستحدثة على أجندة الحوار الدولي، كما هو عليه الحال في ملف الطاقة المتجددة، وحظر الانتشار النووي، والأمن والسلم الدوليين وغير ذلك.
 
ويدرك متابعو الشأن الإماراتي أن السياسة الخارجية للدولة قد تطورت بتطور المعطيات الإقليمية في كل مرحلة زمنية، بحيث تبدو مرآة لما يشهده الواقع الإقليمي والدولي من تغيرات وتحولات، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والدينامكية والهدوء والرصانة والحفاظ على قواعد حسن الجوار، الأمر الذي يفسر نجاحات هذه السياسة التي تبدو في حقيقة الأمر انعكاساً لما تشهده جميع قطاعات العمل والتنمية في دولة الإمارات من تطورات ايجابية متسارعة.
 
ورغم أن بعض الأدبيات السياسية تشير إلى حدوث تغيرات جذرية في نهج السياسة الخارجية الاماراتية وتتحدث عن تخلي الدولة عن نهج الدبلوماسية الهادئة الذي كانت تتسم به خلال مرحلة التأسيس في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ واعتماد استراتيجية مغايرة تعتمد على نهج أكثر تفاعلية مع الأحداث والأزمات الاقليمية، فإن تحليل الشواهد بتأن يشير إلى أن الامارات بشكل عام هي دولة فتية تسري فيها الحيوية والدينامكية التي تتيح لها سرعة الاستجابة وردة الفعل والتفاعل مع ما يحيط بها من أحداث وأزمات بشكل أكثر وضوحاً لما لهذه الأزمات من تأثيرات وتبعات استراتيجية ملموسة على مصالح الامارات وبقية الشعوب العربية، وهذا الأمر لا يعد تحولاً وتغيراً بقدر مايعد استجابة واقعية للمتغيرات الاقليمية الطارئة. فلا شك أن تسارع وتيرة الأحداث واتساع رقعة الأزمات في منطقتنا العربية منذ اضطرابات عام 2011 وانكشاف دوافع موجات الفوضى التي شملت دولاً عربية عدة، لم يجعل لدول مثل الامارات والمملكة العربية السعودية أي خيار سوى ضرورة التصدي لهذه الفوضى والدفاع عما تبقى من ركائز الأمن الاقليمي في ظل تعرض دول عربية رئيسية لهزات استراتيجية غير مسبوقة.
 
مآلات ومسارات مستقبلية
في ضوء تحركات الدبلوماسية الاماراتية نحو محطات اقليمية عدة، فإن تحليل الشواهد يؤكد أن منطقة الشرق الأوسط ربما تشهد تغيرات جيوسياسية جديدة مستمدة من شيوع مناخ الوفاق بدلاً من الصراع في الأجواء الاقليمية، فمسارات التهدئة وتبريد الأزمات تتمدد وتشارك فيها أطراف عدة اقليمية، وتنخرط العواصم الاقليمية ، بدرجات متفاوتة وايقاع يراوح في ايقاعه وتسارعه التباطؤ والتسارع، في سياسات براجماتية تشجع عليها الامارات وتدفع باتجاهها حتى أن هذه الأجواء التصالحية قد طالت العلاقات الاسرائيلية التركية التي تشهد إشارات تقارب ايجابية يمكن أن تسهم في تحقيق الاستقرار الاقليمي وانهاء التوترات، بما يصب بالنهاية في سلة التوقعات القائلة بأن هناك نظام اقليمي جديد قيد التشكّل، ارتكازاً على قاعدة التعاون والمصالح الاقتصادية وليست السياسية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره