مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2019-04-01

قراءة في نتائج زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا الجنوبية

وفرت قوة دفع كبيرة للشراكة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين الصديقين
 
تمثل الزيارة الناجحة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى كوريا الجنوبية في شهر فبراير 2019 مرحلة مهمة في مسار هذه الشراكة الاستراتيجية الخاصة التي تجمع البلدين الصديقين، والارتقاء بالعلاقات الثنائية في مختلف المجالات. وفي هذا العدد تسلط «درع الوطن» الضوء على نتائج هذه الزيارة المهمة وأثرها الإيجابي في مسيرة التعاون الاستراتيجي.
 
شهدت العلاقات بين دولة الامارات وكوريا الجنوبية نقلة نوعية في السنوات القليلة الماضية مع تنامي خطوات الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين في مختلف المجالات، حيث تعد الإمارات أول دولة عربية تحقق هذا النوع من الشراكة في العلاقات الثنائية مع كوريا الجنوبية، علاوة على أن إضفاء سمة الخصوصية على الشراكة الاستراتيجية في العلاقات الثنائية الرسمية بين الدولتين يضفي عليها قدراً كبيراً من الاستثنائية والتميز وينصفها كعلاقة لها مكانة خاصة في إطار السياسة الخارجية للبلدين الصديقين.
 
وترجع بداية العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين إلى عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وافتتاح سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في العاصمة الكورية الجنوبية، سيؤول، عام 1987، ومنذ ذلك الحين والعلاقات بين الدولتين تتسم بالاحترام المتبادل والتوافق في العديد من القضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، 
  واستمرت العلاقات الثنائية في التطور إلى أن وصلت إلى مستويات متقدمة وأصبحت شراكة استراتيجية  خاصة تشمل كافة المجالات الحيوية مثل النفط والطاقة المتجددة والتعليم والتدريب وقطاعات التشييد والبناء والبيئة والرعاية الصحية وإنشاء وبناء المنصات البترولية البحرية، والمواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والفضاء وغيرها. وتعد دولة الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بشراكة استراتيجية مع جمهورية كوريا، وذلك منذ عام 2009. 
 
وشهدت العلاقات الثنائية بعد هذه الشراكة تطوراً نوعياً في مختلف المجالات بفضل حرص القيادة في كلا البلدين على تعزيزها والارتقاء بها في شتى المجالات. واكتسبت زيارة الرئيس مون جاي ان رئيس كوريا الجنوبية في مارس 2018 إلى أبوظبي أهمية استثنائية، لأنها جاءت في إطار الحرص المشترك على تطوير العلاقات الثنائية وإعطائها قوة دفع جديدة لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما الصديقين. 
 
نقلة نوعية في مسار العلاقات بين الدولتين
شكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لكوريا الجنوبية في شهر فبراير 2019 نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية بين الدولتين، وأسهمت في ترسيخ الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، وقد عبر سموه عن ذلك قائلاً:»أن العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كوريا علاقات استراتيجية قوية، وأن الإمارات تتطلع إلى فتح آفاق جديدة من التعاون والشراكات البناءة لما فيه خير البلدين والشعبين الصديقين».
 
وتشير القضايا التي ناقشها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع رئيس جمهورية كوريا، مون جاي ان، إلى الأولوية التي تعطيها الإمارات لتطوير العلاقات مع كوريا الجنوبية، حيث تباحثا بشأن عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتبادلا وجهات النظر بشأنها، منها تطوير الاستفادة المتبادلة من الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي. واستعرض الجانبان، خلال المباحثات مسارات وأوجه التعاون الاستثماري والاقتصادي والتجاري بين البلدين، إضافة إلى المجالات التعليمية والثقافية والتكنولوجيا والعلوم، بجانب الطاقة المتجددة والبنية التحتية والفرص المستقبلية الواعدة، لتطوير التعاون بما يحقق مصالح البلدين وشعبيهما الصديقين. كما تناولت المحادثات أيضاً تطورات تنفيذ المشروع النووي السلمي الإماراتي، لإنتاج الطاقة وضمان أمنها واستدامتها في المستقبل ودور الشركات الكورية في تنفيذ مثل هذه المشروعات التنموية الحيوية في الدولة، التي تلبي متطلبات المرحلتين الراهنة والمستقبلية.
 
 وفي ختام زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا الجنوبية، أكد الجانبان، في بيان مشترك، على عدد من الإجراءات التي ستمثل نوعية في مسار العلاقات الثنائية خلال الفترة المقبلة في مختلف المجالات، أهمها:
 
 *مواصلة التعاون الوثيق في مختلف جوانب العلاقات الثنائية، لتعزيز شراكتهما الاستراتيجية، وتحقيق التنمية والازدهار للبلدين وشعبيهما الصديقين.
*العمل على تحقيق السلام والاستقرار، وترسيخ قيم التسامح والتعايش، وتعزيز التعاون في المجالات الدفاعية، وتثمين الخطوات الكبيرة التي تمّ القيام بها، من خلال الاجتماعات الدورية لوزراء دفاع البلدين، مؤكدين أهمية التعاون الدفاعي، باعتباره عنصراً محورياً في العلاقات الثنائية.
* أهمية الدور الذي يلعبه قطاع الطيران، باعتباره صناعة رئيسة في كلا البلدين، مثمنين الدور الإيجابي الذي يلعبه قطاع الطيران في تطوير علاقات التعاون الثنائية بين البلدين.
* السعي إلى تحقيق النمو المتبادل في المستقبل، وتعزيز التعاون الاقتصادي الحالي، وتأكيد الدور الذي يلعبه البلدان كدولتين محوريتين في مناطقهما، والعمل على الارتقاء بالعلاقات التجارية والاقتصادية المتميزة بين البلدين، إذ بلغت قيمة التبادلات التجارية غير النفطية، في سنة 2018، نحو 841.5 مليون دولار، وذلك من خلال البحث عن فرص جديدة في مجموعة من المجالات المتطورة، ولاسيما الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى في خضم الثورة الصناعية الرابعة.
 
 
اتفاقيات تعزز الشراكة الاستراتيجية 
شكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لكوريا الجنوبية قوة دفع للشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، حيث تم خلالها توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم وتعاون بين الدولتين، تشمل: اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي ومنع التهرب الضريبي بين حكومتي دولة الإمارات وجمهورية كوريا، ومذكرة تفاهم في مجال السياحة بين وزارة الاقتصاد في الدولة، ووزارة الثقافة والرياضة والسياحة في كوريا الجنوبية، إضافة إلى مذكرة تفاهم بين وزارة التغير المناخي والبيئة والمركز الكوري للإنتاج الأنظف، بشأن تعزيز مفاهيم الإنتاج الأنظف وتطبيقاته البيئية.
 
وشملت الاتفاقيات أيضاً، مذكرة تفاهم بين حكومة الإمارات ووزارة التجارة والصناعة والطاقة الكورية، بشأن التعاون في مجالات الصناعة والاستثمار، ومذكرة تفاهم بين حكومة الإمارات ووزارة الأراضي والبنية التحتية والنقل في جمهورية كوريا للتعاون الصناعي والاستثماري في مجال «مدن الهيدروجين»، ومذكرة تفاهم بين وزارة التغير المناخي ومركز الإنتاج الوطني الكوري للنظافة، بشأن تعزيز ممارسات وتطبيقات إعادة تدوير النفايات.
 
كما تم توقيع اتفاقية بين الدولتين لبناء أكبر مشروع عالمي لتخزين النفط في الإمارات بسعة تبلغ 42 مليون برميل من النفط الخام في إمارة الفجيرة ، على الساحل الشرقي للدولة،  بقيمة 4.4 مليارات درهم، وهي الاتفاقية التي تنطوي على أهمية استراتيجية كبيرة، إذ أنها ستعزز من الدور الذي تقوم به الإمارات في تأمين تدفقات النفط إلى الأسواق العالمية وبأسعار متوازنه، وذلك في مواجهة التهديدات العبثية التي تطلقها إيران من آن لآخر بإغلاق مضيق هرمز كلما تعرضت لضغوط سياسية أو عقوبات أمريكية رداً على سياساتها التدخلية والعدائية والتخريبية في المنطقة، فهذه الاتفاقية التي تتيح تخزين النفط بسعة تبلغ 42 مليون برميل من النفط الخام تقدم بديلاً آمناً يمكنه الحفاظ على تزويد الأسواق العالمية بالكميات الضرورية من النفط في أوقات الأزمات، لاسيما أن المنشأة الجديدة التي سيتم تخزين النفط خلالها تم بنائها تحت الأرض وتوفير كل إجراءات الأمان لها.
 
إن المتتبع للتطور المتنامي في علاقات الإمارات مع كوريا الجنوبية خلال العقدين الماضيين يدرك ما تشكله من أهمية كبيرة بالنسبة لدولة الإمارات، وليس أدل على ذلك من أن الزيارة الأخيرة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لكوريا الجنوبية تعد الخامسة ضمن سلسلة الزيارات التي قام بها خلال السنوات الماضية، والتي كان لها عظيم الأثر في التأسيس لشراكة استراتيجية قوية بين الدولتين في المجالات المختلفة كالتجارة والاستثمار والبناء والبنية التحتية والطاقة والصناعات الدفاعية والعسكرية، وكذلك في الزراعة والطب والصحة والعلوم والتكنولوجيا وتقنيات الفضاء، وهي المجالات التي تواكب توجه الإمارات نحو الانتقال إلى مرحلة ما بعد عصر النفط، والتي تستهدف خلالها إقامة اقتصاد قائم على المعرفة تقوده كفاءات إماراتية مواطنة. فكوريا الجنوبية، كما هو معروف، تقدم نموذجاً للدول التي استطاعت أن تحقق معدلات نمو هائلة، لأنها اعتمدت في بناء اقتصادها على المعرفة عن طريق التركيز على الصناعات الالكترونية المتطورة التي لا تتطلب مواد أولية كثيرة، كما اعتمدت على موارد الطاقة المتجدّدة، واستثمرت في التعليم والبحث العلمي، ومن ثم فإن تعزيز الشراكة الاستراتيجية معها يمثل قيمة مضافة للاقتصاد الإماراتي، ودعماً لخطط التنمية الداخلية التي تستثمر في القطاعات النوعية الجديدة .
 
 
 
الأبعاد الاستراتيجية لزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لكوريا الجنوبية
النتائج المهمة التي أسفرت عنها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لكوريا الجنوبية تؤكد عدداً من الدلالات الاستراتيجية المهمة، أبرزها:
 
1 - قوة الشراكة الإماراتية- الكورية، التي تتجاوز الأطر الرسمية لتشمل نظيرتها الشعبية، وتعكس مستوى رفيعا من الاحترام والتقدير الذي يكنه الجانب الكوري الجنوبي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث كانت مراسم الاستقبال الرسمية بمثابة تأكيد قوي على تقدير كبير للضيف الزائر.
 
2 - الحرص المشترك لدى قيادتي الدولتين على الارتقاء بمسار الشراكة الاستراتيجية، فاللقاء الذي جمع بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الكوري الجنوبي خلال هذه الزيارة يعد الثاني بين الزعيمين خلال أقل من عام بعد القمة التي جمعتهما خلال زيارة الرئيس الكوري الجنوبي لدولة الإمارات في مارس 2018، والتي تم خلالها الاتفاق على صيغة «الشراكة الاستراتيجية الخاصة»، ولهذا يمكن القول أن التطور الذي شهدته العلاقات بين الدولتين طوال الأعوام الماضية في المجالات كافة، إنما هو تجسيد لرؤية مشتركة لدى قيادتي البلدين تنطلق من أهمية هذه العلاقات وضرورة العمل على تعزيزها بما يحقق الفائدة المرجوة منها لمصلحة البلدين. 
 
3 - هناك آفاق واعدة تنتظر الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين ، خصوصا في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والابتكار وقطاعات الاقتصاد والدفاع والعلوم والثقافة والتعليم والطاقة الجديدة والمتجددة؛ حيث يشير تنوع هذه العلاقات إلى قوة مرتكزاتها.
 
4 - أن الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، والتي تتسم بالتنوع والتطور، تقدم تجربة يحتذى بها في التعاون البناء بين الدول ليس فقط من أجل مصالح شعبيهما، وإنما من أجل تعزيز أسس الأمن والتنمية والسلام في المنطقة والعالم، حيث تعمل الدولتان جنبا إلى جنب من أجل توظيف التنمية من أجل رفاه الشعوب. كما أن التقدير الكوري لدولة الإمارات، قيادة وشعبا ونموذجا تنمويا، يعكس المكانة الرائدة التي تتمتع بها الدولة، بين القوى العالمية المحبة للسلام.
 
مرتكزات الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين
التطور الذي تشهده الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين، يرتكز على مجموعة من المقومات والعوامل، أهمها:
 
1 - الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي الدولتين للارتقاء بمسار العلاقات في جميع المجالات، وهذا ما عبرت عنه تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارته لكوريا الجنوبية، حيث أكد سموه الأهمية الكبيرة التي توليها دولة الإمارات، تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، لعلاقاتها مع جمهورية كوريا الصديقة، وحرصها الدائم على تطويرها وتنميتها ودفعها إلى الأمام في المجالات كافة. في الوقت ذاته أكد مون جاي إن رئيس كوريا الجنوبية اهتمام بلاده بتوسيع وتنويع آفاق تعاونها مع دولة الإمارات في المجالات المختلفة، خصوصاً التكنولوجيا والعلوم والتعليم والرعاية الصحية والزراعة والاستثمارات الاقتصادية، وغيرها من الجوانب، في ظل ما تشهده هذه العلاقات من تطور يؤسس لمزيد من التعاون في المستقبل. وهذا إنما يؤكد أن العلاقات الإماراتية ــ الكورية الجنوبية تنبع من إرادة سياسية مشتركة الأمر الذي يوفر لها المزيد من فرص التنوع والرسوخ ويضفي عليها قدرا كبيرا من الديناميكية والمرونة على النحو الذي يمنحها المزيد من التطور في المستقبل.
 
2 - توافق رؤى الدولتين إزاء مجمل القضايا الإقليمية أو الدولية ، حيث تنطلق الدولتان من نفس المبادئ التي تستهدف تعزيز أسس الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي، كما تتبنى الدولتان فلسفة عمل قائمة على نشر الأمن والاستقرار والاعتماد على التنمية باعتبارها المدخل الأساسي لتحقيق السلام. وقد أشار إلى ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بقوله:» أن الإمارات وكوريا تتبنيان النهج نفسه في العمل من أجل السلام والتنمية، والدعوة إلى التسامح والتعايش ونبذ التطرف والعنف على المستويين الإقليمي والعالمي».
 
3 - التقدير والاحترام المتبادل لأهمية الدور الذي تقوم به الدولتان، فكوريا الجنوبية تثمن رؤية الامارات لتطورات الأوضاع وسبل استعادة الأمل وإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط ودعم الشرعية في اليمن ولاسيما مساعدة الحكومة الشرعية في اليمن في بسط سيادتها على الأراضي اليمنية وتحريرها من الميلشيات الحوثية الانقلابية، كما تقدر دورها الإيجابي والنشط لدعم الحلول السياسية في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب والتطرف وتعزيز الدور العربي في حل مشاكل المنطقة في مواجهة التدخلات الإقليمية السلبية. وهذا ما عبر عنه الرئيس الكوري خلال زيارة صاحب السمو الشيح محمد بن زايد آل نهيان، فقد أعرب عن تقديره للدور الإيجابي والفاعل الذي تلعبه الإمارات في دعم الحلول السياسية بالشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتعزيز الدور العربي في حل المشكلات الإقليمية. وأشار إلى أن الزيارة التي قام بها البابا فرنسيس إلى الإمارات، أخيراً، أظهرت إمكانات رعاية التعاطف والتفاهم والتسامح، سعياً إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط.  كما تقدر الإمارات أيضاً الدور الذي تقوم به كوريا الجنوبية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهذا ما عبر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد خلال زيارته  لكوريا الجنوبية، حينما أكد سموه  دعم دولة الإمارات للدور الإيجابي، الذي تقوم به كوريا من أجل دعم السلام في شبه الجزيرة الكورية، وخدمة الاستقرار في القارة الآسيوية بشكل عام.
 
4 - قاعدة المصالح المشتركة: أهم ما يميز الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين أنها تستند على إدراك تام لطبيعة المصالح المشتركة، حيث تعد الإمارات ثاني دولة مصدرة للنفط إلى كوريا الجنوبية وتمثل ثاني مستورد من كوريا في منطقة الشرق الأوسط وهناك عدد من الاتفاقيات المشتركة بين الدولتين لتوسيع آفاق التعاون الثنائي في المجالات كافة. في الوقت ذاته، تحرص دولة الإمارات على توسيع آفاق التعاون المشترك مع الجانب الكوري ولاسيما في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية بما يسهم في نقل المعرفة التي تتمتع بها كوريا إلى الدولة وصولا إلى تحقيق توجهاتها الرامية إلى تحقيق تنمية مستدامة واقتصاد قائم على المعرفة، لاسيما أن كوريا الجنوبية تعد نموذجًا متميزًا للتطور المبني على الابتكار والمعرفة والذي يعد نموذجا مهما لتأسيس شراكة مع الإمارات التي تسعى إلى تحقيق هذا الانجاز من خلال تبني ونقل المعرفة التي تعتبر جزءا من استراتيجيتها التنموية حيث تولي اهتمامًا كبيرًا للقضايا المتعلقة بالابتكار والتكنولوجيا والصناعات الصغيرة والمشاريع المتوسطة.
 
أما كوريا الجنوبية فإنها هي الأخرى تهتم بتطوير العلاقات مع دولة الإمارات والعمل على دفعها قدما إلى الأمام، لأنها تدرك أهمية موقعها الاستراتيجي وما تتمتع به من بنية تحتية حديثة ومتطورة وامتلاكها منظموة تشريعية حديثة كلها عوامل محفزة للشركات و للمستثمرين ورجال الاعمال الكوريين لتعزيز اعمالهم القائمة في الامارات او للمباشرة في اعمال جديدة ، كما ان الميزات التي تتمتع بها الامارات تجعل منها بوابة هامة للمنتجات والصناعات الكورية الى اسواق المنطقة بوجه عام. كما تعي كوريا الجنوبية أهمية الإمارات في ظل تمتّعها باحتياطات كبيرة من النفط والغاز والموارد الطبيعية؛ ما يجعلها منطقة جذب للاستثمارات العالمية. كما تدرك كوريا أن الإمارات فاعل أساسي في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك تؤمن أن مد جسور الود مع الإمارات يضمن المصالح الكورية الجنوبية في المنطقة.
في الوقت ذاته، فإن الدولتان تدركان أن تعاونهما من شأنه أن يعزز مصالحهما الاستراتيجية ناهيك عن أن هناك مناطق جغرافية أخرى حول العالم تتشابك فيها المصالح الإماراتية الكورية، وتوجد درجة كبيرة من التنسيق بين الدولتين في ملفات متعددة فيها، وهي مصالح تؤثر في بعضها بعضًا، حيث إن القيادة الإماراتية والكورية تعيان أهمية تنسيق الرؤى والمواقف من أجل تحقيق قدر أكبر من التعاون بينهما.
 
5 - تطابق أهداف النموذج التنموي الذي تتبناه الدولتان، والذي يستهدف بناء اقتصاد قائم على المعرفة والاستثمار في بناء الإنسان، وهذا النموذج يمثل أحد المحركات الدافعة لتطور العلاقات بين الدولتين، ويعمل على تحقيق معجزة الرخاء المشترك في المستقبل عبر رؤية الإمارات 2021 التي تعمل على تحقيقها في إطار المسيرة الشاملة لدولة الاتحاد ، وسياسة النمو المدفوع بالدخل والابتكار والاقتصاد الذي يضع الإنسان في موقعه والتي تعمل عليها كوريا الجنوبية.
 
مجالات التعاون بين الإمارات وكوريا الجنوبية
شهدت العلاقات الإماراتية- الكورية خلال الأعوام الماضية نقلة كبيرة في العديد من المجالات، لعل أبرزها:
 
1 - التعاون السياسي: يعتبر أحد أهم مؤشرات التقارب بين الدولتين، فالزيارات المتبادلة بين قيادتي ومسئولي الدولتين تتيح لهما تبادل الرؤى والتشاور حول قضايا المنطقة والعالم، سواء في الأزمة السورية أو القضية الفلسطينية، كما تبذل الدولتان جهداً لا تخطئه عين في تقديم الدعم الإنساني للدول التي تعاني من الكوارث الإنسانية، مثل سوريا واليمن ومخيم الزعتري في الأردن.
 
وقد شكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا الجنوبية في شهر فبراير 2019 فرصة للتشاور حول مجمل قضايا المنطقة والعالم، وأظهرت مدى التوافق بين الدولتين ، حيث أكدتا  في البيان الختامي في نهاية هذه الزيارة على ضرورة مضاعفة المجتمع الدولي جهوده، لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، لأنها الركيزة الأساسية التي تنطلق منها الأمم نحو تحقيق تنميتها وتقدمها وازدهارها، مؤكدين أهمية تعزيز ونشر قيم ومفاهيم التسامح والحوار والتعايش المشترك، وبناء جسور التواصل والتعاون بين مختلف شعوب العالم.
 
وأعرب الجانبان عن تصميمهما على تعزيز التعاون في القضايا العالمية، بوصفهما شريكين يحملان قيم السلام والتسامح والتعايش نفسها. وأعرب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن أمله باستمرار الحوار، من أجل خدمة السلام في شبه الجزيرة الكورية، مجدداً تأكيده الدعم الكامل لدولة الإمارات العربية المتحدة لعملية تنفيذ نزع السلاح النووي الكامل، وإرساء سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية. وأشار الجانبان إلى التهديد المشترك، الذي يشكله الإرهاب للسلام والأمن في العالم، مجددين إدانتهما القوية للتطرف والإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.
 
في الوقت ذاته فإن الحوار الدبلوماسي والأمني بين دولة الامارات وجمهورية كوريا الجنوبية ( 2+2) يعد فرصة لتعزيز علاقة الشراكة الاستراتيجية الخاصة التي تم تطويرها خلال زيارة فخامة الرئيس الكوري الجنوبي إلى دولة الإمارات في مارس 2018. وقد انعقد الحوار الدبلوماسي والأمني الأول في شهر أكتوبر 2018، حيث تم الاتفاق بين الدولتين على تعزيز التعاون الوثيق، ودعم قنوات التواصل بين البلدين. وعبّر البلدان عن رضاهما التام عن تطور وضع علاقة الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية.. وأكدا أن تدابير المتابعة للقمة الثنائية التي عقدت بين البلدين خلال الزيارة الرسمية التي قام بها مون جيه إن رئيس جمهورية كوريا الجنوبية إلى دولة الإمارات في شهر مارس 2018  يتم تنفيذها بشكل مطرد. وخلال هذا الحوار، جرى بحث سبل تطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين البلدين، وتعزيز التعاون في قطاعي الدفاع والصناعة الدفاعية إلى جانب مناقشة واستعراض الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط وشبه الجزيرة الكورية والتعاون على الساحة الدولية.
 
2 - التعاون الاقتصادي: يعتبر أهم مجالات الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، وهناك حرص مشترك من جانب قيادتي الدولتين على تطوير التعاون الاقتصادي وبما ينعكس بشكل إيجابي على مصالح الشعبين الصديقين، لاسيما أنهما يشتركان في توجهاتهما الاقتصادية، ولديهما نفس الطموح لتعزيز مكانتهما على خارطة الاقتصاديات الدولية المتقدمة.  فقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارته لكوريا الجنوبية في فبراير 2019  أن الإمارات حريصة على تهيئة كل الظروف المشجِّعة والداعمة للاستثمارات الأجنبية فيها، وفي مقدمتها الاستثمارات الكورية التي شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية، كما أشار سموه إلى أن الإمارات تعطي التكنولوجيا الحديثة والابتكار والتعليم أهمية خاصة في علاقاتها مع كوريا، وأن هناك تعاوناً بنَّاء بين البلدين في مجالات الذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والطاقة، وغيرها، وعبَّر عن ثقته بأن هذا التعاون سيعود بالخير على البلدين، وسيشهد مزيداً من التطور خلال الفترة المقبلة.
 
أما الرئيس الكوري فقد أكد خلال مباحثاته مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على اهتمام بلاده بتوسيع وتنويع آفاق تعاونها مع دولة الإمارات في المجالات المختلفة، خصوصاً التكنولوجيا والعلوم والتعليم والرعاية الصحية والزراعة والاستثمارات الاقتصادية، وغيرها من الجوانب، في ظل ما تشهده هذه العلاقات من تطور يؤسس لمزيد من التعاون في المستقبل. مؤكداً أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا تعطي دفعاً قوياً لهذه العلاقات على المستويات كافة. وقال إن دولة الإمارات أكبر شريك لنا في منطقة الشرق الأوسط من ناحية التصدير والتبادل التجاري، وهي الدولة الوحيدة التي نقيم معها علاقات استراتيجية خاصة، متمنياً تعزيز التعاون بين البلدين في الصناعات المتقدمة، والجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي.
 
وكان رئيس كوريا الجنوبية قد دعا خلال منتدى الأعمال الإماراتي الكوري الذي نظمته غرفة تجارة وصناعة دبي في مارس 2018، المستثمرين الإماراتيين إلى الاستفادة من الخبرات الكورية في قطاعات اقتصادية رئيسية وفرص الأعمال المتنوعة في كوريا الجنوبية واصفاً دولة الإمارات بالشريك الاستراتيجي لبلاده في الشرق الأوسط. وقال إن دولة الإمارات وبفضل رؤيتها الطموحة أصبحت منارة للشرق الأوسط ومركزاً عالمياً في جميع المجالات كما أنها استطاعت بموقعها الاستراتيجي المتميز وما تمتلكه من إمكانات أن تشكل حلقة وصل بين جميع دول العالم. وأكد رئيس جمهورية كوريا الجنوبية أن العلاقات بين الدولتين تشهد نمواً وتطوراً كبيراً في المجال الاقتصادي وهناك مجالات تعاون كثيرة بين الدولتين وذلك بالبناء على علاقات الصداقة القوية التي تربط البلدين، منوهاً بأن قطاع الطاقة يعد من أهم القطاعات التي تشهد تعاوناً وثيقاً بين البلدين.وأوضح أن معرض إكسبو دبي 2020 يشكل فرصة مهمة لجمهورية كوريا الجنوبية لمشاركة رؤيتها مع زوراه والمشاركين فيه من جميع دول العالم كما شدد على أهمية أن تشهد الفترة المقبلة المزيد من التعاون في الكثير من المجالات ولاسيما في مجال تقنيات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى القطاعات الحيوية الأخرى.
 
وفيما يتعلق بمؤشرات التعاون الاقتصادي بين الدولتين، فقد وصل معدل التبادل التجاري إلى نحو 17 مليار دولار بنهاية عام 2018، كما بلغ حجم الاستثمارات بين البلدين 1,85 مليار دولار، منها 1,4 مليار دولار استثمارات إماراتية في كوريا الجنوبية. في المقابل يُعد سوق دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2018 الوجهة الأكبر عالميا لشركات البناء الكورية، وكذلك أكبر مستورد للسلع الكورية في الشرق الأوسط، وبلغ عدد الوكالات الكورية المسجلة في الإمارات 242 وكالة، كما يقوم طيران الإمارات والطيران الكوري بتنظيم ما يقرب من 21 رحلة طيران أسبوعياً إلى كوريا الجنوبية.
وتشمل صادرات الإمارات الرئيسة إلى الجمهورية الكورية النفط الخام والمنتجات البترولية والألمنيوم وغاز البترول المسال فيما تشمل الصادرات الكورية الرئيسة لدولة الإمارات المنتجات الإلكترونية الحديثة، والسيارات والمعدات والمنشآت النفطية، وبسبب التوسع في المشروعات المشتركة ارتفع عداد الزوار والمقيمين الكوريين في الإمارات. وبلغ عدد الكوريين المقيمين في الدولة 15 ألف شخص فيما وصل عدد الشركات الكورية التي تعمل في الإمارات إلى 200 شركة عاملة، وبفضل الخطوط المباشرة من أبوظبي ودبي إلى سيؤول شهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياحية بين البلدين قفزة كبيرة.
 
 وهناك تعاون لافت بين الدولتين في مجال للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتبادل الخبرات مع الجانب الكوري في هذا المجال الحيوي نظرا لما تمتلكه كوريا من خبرات واسعة في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذي يشكل 99 بالمئة من عدد الشركات الكورية ويضم أكثر من ثلاثة ملايين شركة صغيرة ومتوسطة. وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الشركات الكورية العاملة في الإمارات يبلغ حوالي 170 شركة في مختلف المجالات، حيث وصل عدد الشركات في قطاع الصناعة 60 شركة، و50 شركة في قطاع الشركات الكبرى والشركات الصغيرة والمتوسطة، وباقي الشركات في قطاع التصنيع والطيران والمالية والتأمين، وتتوزع هذه الشركات  بين 100 شركة تعمل في دبي و70 شركة في أبوظبي.   
 
ووقعت دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كوريا الجنوبية عدداً من مذكرات التفاهم التي تهدف إلى تعزيز الشراكات الثنائية والتعاون بين البلدين وتطويرها إلى آفاق جديدة من العمل المشترك في مختلف القطاعات. فقد تم التوقيع على مذكرة تفاهم بين وزارة الاقتصاد الإماراتية ووزارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة والأعمال المبتدئة في كوريا بشأن التعاون في مجالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة والابتكار. وتوقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الاقتصاد الإماراتية والمكتب التنفيذي للملكية الفكرية في كوريا للتعاون لإعداد نظام متطور لإدارة البراءات في الدولة، إلى جانب التوقيع على عقد مشاركة كوريا في معرض إكسبو دبي 2020، كما جرى التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال العلوم بين دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي ووزارة العلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الكورية إلى جانب العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم.
 
وتسهم اجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة بين الدولتين في رفع وتيرة التعاون والتنسيق مع كوريا إلى أعلى المستويات كون البلدين يتمتعان بمقومات اقتصادية جاذبة يمكن تطويرها من خلال تقريب وجهات النظر بينهما وعبر تحديد القطاعات الحيوية التي يمكن التعاون فيها لاسيما الابتكار والتكنولوجيا والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والطب والتعليم والرعاية الصحية.
 
3 - التعاون في المجال السياحي: تنعكس العلاقات المتينة بين البلدين على حركة مواطني الإمارات الذين يفضلون السفر إلى كوريا الجنوبية لتلقي العلاج والسياحة والاستثمار، حيث بلغ عددهم نحو 10 آلاف إماراتي يزورون كوريا سنوياً، وفي المقابل فإن هناك أكثر من 200 ألف مواطن كوري جنوبي يزورون دولة الإمارات العربية المتحدة سنوياً بغرض السياحة. 
وتمثل السياحة الإماراتية إحدى الروافد المهمة في تطوير العلاقة بين البلدين، حيث تأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة للسياحة إلى كوريا الجنوبية وتحديداً السياحة العلاجية والترفيهية، وارتفع عدد السياح القادمين من الإمارات في عام 2017 بنسبة 20%، فيما سجل السائح الإماراتي أعلى معدل للإنفاق، حيث وصل إلى نحو 1285 درهماً يومياً، بحسب تقديرات هيئة السياحة في جزيرة جيجو في كوريا الجنوبية.
 
4 - التعاون في مجال الرعاية الصحية: حيث وقعت الدولتان مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الرعاية الصحية في عام 2011 تعد الأولى من نوعها بين كوريا وبلد شرق أوسطي، ويتعاون البلدان بنشاط في علاج المرضى الإماراتيين في كوريا وإدارة المستشفيات الإماراتية، ويتزايد عدد المرضى الذين يزورون مستشفى الشيخ خليفة والذي تتم إدارته من قبل مستشفى جامعة سيؤول الوطنية منذ عام 2014، يتزايد عاماً بعد عام، وهو مؤشر على الثقة المتزايدة حول التكنولوجيا الطبية الكورية المتميزة.
من المنتظر توسيع نطاق التعاون المتبادل لتعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية في دولة الإمارات، من خلال تبادل الخبرات بين الكوادر الطبية وتسهيل عمليات التسويق للمستحضرات الصيدلانية، والأجهزة الطبية، والخدمات الطبية
 
5 - التعاون في مجال الطاقة النووية:  يعد مشروع “براكة” أحد أهم أوجه التعاون بين الدولتين، ليس فقط من حيث قيمته التي بلغت 18.6 مليار دولار أمريكي، بل أيضاً لأنه أول مشروع بناء محطات للطاقة النووية خارج كوريا الجنوبية، وبالنسبة لدولة الإمارات هو أولى المحطات النووية في العالم العربي، حيث تمكنت كوريا الجنوبية من الحصول على عقد بناء المحطات بفضل الثقة العميقة بين البلدين. 
 
 ويضم مشروع “براكة” أربع محطات للطاقة النووية السلمية يقوم الجانب الكوري الجنوبي بإنشائها، وهو مشروع بالغ الأهمية بالنسبة لدولة الإمارات، حيث يوفر لها نحو 25 بالمئة من احتياجاتها المستقبلية من الطاقة الكهربائية، ويقوم بدور هام في تنفيذ خطط تنويع مصادر الطاقة بالدولة، وتقليل البصمة الكربونية ما يعزز استراتيجية البيئة والحد من الانبعاثات الكربونية. ويعد هذا المشروع كذلك، أكبر مشروع جديد من نوعه للطاقة النووية السلمية في العالم والذي يشهد تطوير أربع محطات متطابقة في آن واحد تضم كل منها مفاعلاً من طراز «PR-1400» المتقدم حيث بدأ تطوير المشروع عام 2012 وشهد تقدماً متواصلاً منذ ذلك الحين.
 
وكان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الكوري الجنوبي الأسبق لي ميونج باك قد شهدا يوم 27 ديسمبر 2009 توقيع عقد بقيمة 75 مليار درهم مع ائتلاف كونسورتيوم من شركات كورية لتنفيذ الإنشاءات والعمليات المشتركة والصيانة لأربع محطات للطاقة النووية في دولة الإمارات العربية المتحدة.  وتشمل الاتفاقيات اتفاقية إطارية لتعزيز الشراكة الاقتصادية تؤسس لتعاون أوثق بين الدولتين ومن خلال هذه الاتفاقية يقوم البلدان بتشكيل لجنة توجيهية عليا وسلسلة من اللجان الفرعية لتسهيل التعاون في نواح متعددة تشمل الطاقة النووية السلمية والطاقة المتجددة وفعالية الطاقة والاستدامة وتقنية اتصالات المعلومات وأنصاف النواقل وبناء السفن وتنمية الموارد البشرية.
 
وكخطوة تنفيذية مباشرة للاتفاقية الإطارية المشار إليها وقع الجانبان ثلاث اتفاقيات تكميلية شملت مذكرة تفاهم بين شركة “أبوظبي لطاقة المستقبل” مصدر ووزارة اقتصاد المعرفة الكورية والتي تهدف إلى تسهيل التعاون في مجال الطاقة المتجددة واتفاقية متعددة الجوانب في مجال التعليم وتنمية الموارد البشرية بين جامعة “خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث” ومعهد “التكنولوجيا التطبيقية” عن الجانب الإماراتي وبين معهد “كوريا المتقدم للعلوم والتكنولوجيا” ومؤسسة “الطاقة الكهربائية الكورية” و”هيئة خدمات تنمية الموارد البشرية” في كوريا ومعهد “التنمية الكوري” عن الجانب الكوري واتفاقية لتبادل المعرفة في مجال تقنية اتصالات المعلومات بين مركز «أبوظبي للأنظمة الإلكترونية والمعلومات» ومعهد «التنمية الكوري». كما تم توقيع عقد بين مؤسسة «الإمارات للطاقة النووية» واتحاد يضم شركات كورية وشركات أميركية بقيادة مؤسسة الطاقة الكهربائية الكورية. وتهدف الاتفاقية إلى تصميم الإنشاءات والعمليات المشتركة والصيانة المتعلقة بأربع محطات مبدئية للطاقة النووية المدنية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة وقدرت قيمة هذا العقد بنحو 75 مليار درهم إماراتي تقريبا.
 
وعقب توقيع العقد عام 2009، أشاد صاحب السمو رئيس الدولة ، حفظه الله، بتنامي علاقات الصداقة بين الإمارات وكوريا، معربا سموه عن أمله في أن تشكل الاتفاقيات الجديدة نقلة نوعية جديدة في علاقات البلدين الصديقين، وقال سموه: “إن علاقتنا مع جمهورية كوريا والتي نمت بصورة متواصلة خلال السنوات الأخيرة دخلت الآن مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية لما فيه فائدة لكلا البلدين”، ورحب سموه بالرئيس الكوري الجنوبي حينئذ، متمنيا أن تعزز زيارته للإمارات التواصل بين البلدين على مختلف المستويات وأن تسهم في زيادة وتيرة التعاون القائمة بينهما في مختلف المجالات.
كما شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ومون جي إن رئيس جمهورية كوريا الجنوبية في مارس 2018  الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة اكتمال الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى في مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية وجرى الاحتفال بهذه المناسبة في موقع العمليات الإنشائية للمحطة النووية الأولى بمنطقة الظفرة في إمارة أبوظبي إيذاناً بهذا الإنجاز التاريخي الذي يضع دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربياً التي تملك محطة سلمية للطاقة النووية ولتصبح أول عضو جديد ينضم إلى القطاع النووي السلمي العالمي منذ عام 1985.
 
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بهذه المناسبة إن اكتمال الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى يعد إنجازاً تاريخياً لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويساهم في ترسيخ مكانتها المشرفة على الخريطة الدولية لما للبرنامج النووي السلمي الإماراتي من دور محوري في دعم النمو وتنويع الاقتصاد وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة، مشيداً سموه بالكوادر الإماراتية ودورها القيادي في إنجاز هذا المشروع.
 
وإضافة إلى التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، تتعاون الدولتان في عدد من مشروعات الطاقة، حيث يعد قطاع البتروكيماويات الإماراتي أحد محفزات التقارب بين الدولتين، حيث يلعب دوراً مهماً كمزود أساسي للنهضة الصناعية الضخمة في كوريا الجنوبية، وتأتي الإمارات في مرتبة متقدمة ضمن الدول المزودة لكوريا الجنوبية باحتياجاتها النفطية، وشكلت الصادرات النفطية الإماراتية لكوريا الجنوبية بنهاية عام 2017 نحو 6,99 مليار دولار من إجمالي 9,55 مليار دولار.
 
هذا وقامت شركة أبوظبي الوطنية للبترول “أدنوك” بتوقيع عقدين بقيمة إجمالية تبلغ 3.5 مليار دولار مع الشركة الصناعية الكورية العملاقة سامسونج للهندسة من أجل معالجة النفط الخام واستعادة الطاقة والمياه.الأمر الذي يعكس مدى الثقة الإماراتية في الشركات الكورية التي تمتلك خبرات هائلة في قطاع الطاقة.
 
6 - التعاون في مجال التكنولوجيا والابتكار والفضاء: تمثل كوريا الجنوبية نموذجا تنمويا متميزا في شرق آسيا، يقوم على الابتكار والإبداع والمعرفة؛ ما يعد أساسا صلبا لتعزيز العلاقات مع الإمارات التي تعطي أهمية كبيرة لقضايا الابتكار ونقل التكنولوجيا وإنتاجها وتنمية الموارد البشرية التي تمثل صلب استراتيجياتها التنموية وخططها للتنويع الاقتصادي.
كما أن كوريا الجنوبية بالنظر إلى حجم إنتاجها التكنولوجي والمعرفي نجحت في جذب مشروعات الشراكة مع القوى الاقتصادية في المنطقة، لذلك تحرص الإمارات على تمتين علاقاتها بكوريا الجنوبية، التي لا يقل ثقلها الاقتصادي عن الدول الكبرى المؤثرة في الإنتاج والاقتصاد العالمي والابتكار، بما فيها اليابان والولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، بل أصبحت كوريا الجنوبية تتفوق في بعض القطاعات على الكثير من الدول.
 
وفي مجال الفضاء وتطوير الأقمار الصناعية، قامت كوريا الجنوبية بتصدير اثنين من الأقمار الصناعية للإمارات، وهما «Dubai-Sat1» و»Dubai-Sat2»، كما تتم عمليات التفتيش النهائي على القمر الصناعي «KALIFA-Sat» في كوريا منذ فبراير 2018؛ وهو أول قمر صناعي مصنوع من تكنولوجيا الإمارات. ويعد التعاون التكنولوجي والفضائي رافعة أساسية للتقارب بين الدولتين، حيث لعب دوراً حيوياً في تنمية العلاقات الثنائية وتعزيز الشراكة الاستراتيجية.
 
7 - التعاون في مجال التعليم والثقافة، ومن المؤشرات على ذلك ارتفاع عدد الطلاب والمتدربين من أبناء الإمارات في كوريا الجنوبية لاسيما في برنامج الطاقة النووية والعلوم والتقنية. وقد شكلت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى كوريا الجنوبية في شهر فبراير الماضي دفعة للعلاقات الثقافية والعلمية بين الدولتين،  حيث تم الاتفاق بينهما على توسيع نطاق التعاون الثنائي، ليشمل تعزيز التبادلات بين الأفراد والتفاهم بين الثقافات، واتفقا على العمل معاً بشكل وثيق، وضمان الفرص لمواطنيهما، لزيادة المشاركة في مجال التعليم.
 
 وتحرص دولة الامارات في اطار مساعيها لتطوير وتحديث نظامها التربوي والتعليمي على تعزيز التعاون مع الدول المتقدمة على هذا الصعيد ومنها جمهورية كوريا الجنوبية، وذلك من خلال تبادل الخبرات والتجارب والقيام بمشاريع بحثية مشتركة لتطوير منظومة التعليم،ومواكبة مرحلة التحول والتطور النوعي التي يشهدها النظام التعليمي في الامارات في ظل الخطوات الراسخة نحول التعلم الذكي.
 
ويعتبر التعاون الثقافي أحد أهم مجالات التعاون بين الدولتين، وهناك العديد من الجمعيات والمراكز الثقافية والتعليمية التي تسهم بدور مهم في تعزيز التعاون في هذا الجانب، أهمها جمعية الصداقة «الإماراتية-الكورية» بأبوظبي، والتي تم إطلاقها في  أبريل 2012  بهدف تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، وبناء جسور التواصل الفكري والثقافي عن طريق عمل البرامج والفعاليات المشتركة.  
 
وتسعى الجمعية إلى تشجيع المواطنين على تنظيم الفعاليات والمعارض المشتركة بالتنسيق مع الجهات الرسمية بالدولة للتعريف بالعادات والتقاليد الإماراتية والكورية، ودعم سبل التواصل مع الجمعيات والهيئات والمؤسسات ذات الطبيعة والاهتمام المشترك في أنشطتها داخل الدولة وخارجها، ونشر البحوث حول التجربة الكورية وتقديمها للجهات المهتمة في المجتمع الإماراتي. 
 
ويمثّل المركز الثقافي الكوري في أبوظبي نافذة على الحضارة والثقافة والتقاليد الكورية بكل صورها وأبعادها، حيث يعد المركز منصة لنشر الثقافة الكورية وتشجيع السياحة من خلال الترويج للموجة الكورية «الهاليو» ودعم الفنون والثقافة والرياضة.  وقد افتتح المركز الذي يتبع وزارة الثقافة والرياضة والسياحة الكورية وتشرف عليه السفارة الكورية في الدولة في شهر مارس عام 2016 ويعد المركز الـ19 خارج كوريا والأول في منطقة الخليج العربي، وتم تصميمه ليأخذ شكل المنزل التقليدي الكوري «هانوك».ويقوم المركز الثقافي الكوري بدور كبير في تعزيز علاقة الصداقة بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية من خلال تقديم دروس ثقافية ولغوية وبرامج تعليمية وفعاليات ومعارض فنية وطبية.
 
ويهتم المركز ببرامج متعددة مثل توفير دورات لتعليم اللغة الكورية والحصص الثقافية، وعروض الأفلام السينمائية وتنظيم المعارض وإقامة العروض المسرحية، بهدف تعريف الناس على كوريا.ويمكن للزائر أن يعيش التجربة الكورية كاملة، إذ يقدم المركز طريقة تفاعلية لتجربة الحياة في كوريا عبر عرض لكنوز كورية بطريقة «الهولوجرام» أو التصوير المجسم . بالإضافة إلى تجربة اللباس التقليدي الكوري «هانبوك» افتراضياً على شاشة عرض، وكذلك مركز افتراضي لعرض المقاطع الإعلامية والفنية الكورية وقاعة التكنولوجيا، كما يشتمل المركز على مكتبة كلاسيكية باللغتين الكورية والإنجليزية ومكتبة إلكترونية ومعرض متنوع للمحتوى الكوري بشكل عام.
 
ومع تطور العلاقات الإماراتية الكورية بصورة كبيرة بدأ اهتمام الإماراتيين لاسيما الشباب والطلاب يتزايد بصورة ملحوظة للتعرف إلى اللغة والحضارة والثقافة الكورية، وهناك دورة نصف سنوية ينضم إليها نحو 150 طالباً من مختلف الجنسيات أكثر من 50% منهم من الإماراتيين. وتحتوي مكتبة المركز على آلاف الكتب باللغة العربية والكورية والإنجليزية بالإضافة إلى آلاف الأقراص المدمجة من الموسيقى الكورية والعالمية وبرامج وثائقية وتلفزيونية، وتم تخصيص غرف لتدريس اللغة الكورية.
 
خاتمة
التطور المتسارع الذي شهدته العلاقات الإماراتية- الكورية في العديد من المجالات خلال الأعوام الماضية، والذي جسدته بوضوح زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى سيول في فبراير 2019، يؤكد أن هذه العلاقات مرشحة لمزيد من التقارب،  لاسيما أن هناك أهدافا مشتركة تجمع البلدين منها حرصهما على تعزيز السلم والأمن في العالم، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. 
 
في الوقت ذاته، فقد جسدت هذه الزيارة توجه الإمارات الاستراتيجي الخاص بالانفتاح على التجارب التنموية الناجحة، وضرورة الاستفادة منها  من أجل دعم برامج التنمية في الإمارات، ورفدها باستمرار بالجديد من الأفكار المبدعة التي تسهم في دعم وتطوير الاقتصاد الإماراتي بهدف فتح آفاق جديدة لتطوير وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والصناعية والتكنولوجية والعلمية والاستثمارية، حيث تمثل كوريا الجنوبية واحدة من أهم هذه التجارب التي تمتلك ميزات نسبية في مجالات التكنولوجيا الحديثة والابتكار والتعليم والذكاء الاصطناعي والثورة الصناعية الرابعة والطاقة، وهي المجالات التي تركز عليها الإمارات الآن في توجهها للانتقال إلى مرحلة ما بعد عصر النفط.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره