مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-03-07

مسبار الأمل الانطلاقة الأجمل للحلم الاماراتي في الخمسينية الثانية

«هذه أجمل انطلاقة للاستعداد للخمسين سنة المقبلة» كانت هذه عبارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، تعبيراً عن فرحة سموه بوصول «مسبار الأمل» إلى مداره حول المريخ، واصفاً هذا الانجاز التاريخي بأنه «يوم وطني ثانٍ في الإمارات..ولحظة تحول كبرى في تاريخنا ومسيرتنا التنموية»، وتأسيساً على هذه الانطلاقة، تسلط «درع الوطن» في هذا العدد الضوء على الرسائل والأهداف الاستراتيجية متعددة الأمدية التي ينطوي عليها هذا الانجاز العلمي التاريخي، ومردوده البحثي والاستراتيجي على المستوى الوطني، وكذلك على المستوى العربي والعالمي.
 
إعداد: هيئة التحرير
قد لا تكون هناك دلائل ومؤشرات على عمق الفخر والسعادة بمناسبة وصول «مسبار الأمل» إلى مداره في كوكب المريخ، أكثر من مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، «فخور بكم ياعيالي»، التي تعبر بعمق عن مستوى فخر القيادة وسعادتها بما يحققه أبناء الوطن، ، حيث أشار سموه إلى أن وصول «مسبار الأمل» إلى المريخ هو «موعد مع التاريخ، الذي سيكتب أن إرادة التقدم الإماراتية انتصرت على كل التحديات، وأن الرهان على شبابنا المسلح بالمعرفة حقق أهم إنجاز علمي عربي في العصر الحديث، وإننا نستطيع تحقيق كل طموحاتنا، مهما بدت صعبة أو حتى مستحيلة». وانطلاقاً من هذا الانجاز العلمي التاريخي، يمكن مناقشة الرسائل والأهداف  التي حملتها مهمة «مسبار الأمل»، ومردودها البحثي والاستراتيجي على المستويات الوطنية والعربية والعالمية، وذلك على النحو التالي:
 
أولاً: الرسائل والمردود والأهداف الاستراتيجية
يمثل وصول «مسبار الأمل» إلى مداره على كوكب المريخ إنجازاً علمياً تاريخياً بكل المقاييس، حيث يمثل إعلاناً رسمياً بوصول العرب إلى الفضاء، ويكتب في سجلات التاريخ بحروف من ذهب أن الامارات باتت أول دولة عربية وخامس دولة في العالم تصل إلى مدار الكوكب الأحمر، وثالث دولة في العالم تصل إلى المدار من المحاولة الأولى. وفي هذه المهمة، ينضم «مسبار الأمل» ونظيريه الصيني والأمريكي إلى ست مهام فضائية تعمل بالفعل حول المريخ: ثلاث منها أمريكية واثنتان أوروبية وواحدة هندية؛ وما يضاعف من قيمة هذا الانجاز على المستوى الوطني أنه يتواكب مع بدايات الخمسينية الثانية من تأسيس دولة الاتحاد، حيث تبدأ الامارات تأسيسها الثاني بانجاز علمي رائد يستهدف تحقيق أهداف بحثية مهمة يجري تنفيذها على مدى عام مريخي كامل (687 يوماً ومن المتوقع أن يبدأ المسبار بإرسال المعلومات إلى الأرض في سبتمبر 2021)، وهي: تقديم أول صورة كاملة لجو المريخ، وفهم ديناميكيات مناخ كوكب المريخ وخريطة الطقس فيه، والتعرف إلى كيفية تأثير الطقس على المريخ، وفهم بنية وتنوع الهيدروجين والأكسجين في الغلاف الجوي العلوي، وتحديد سبب فقدان المريخ لتلك الغازات في الفضاء. وهناك هدف رئيسي آخر هو تقديم رؤى جديدة ومفيدة للمجتمع العلمي العالمي حول كوكب المريخ، وتعزيز فهم العلماء لكيفية ولماذا يكون المريخ غير صالح لحياة البشر - لماذا لا يحمينا غلافه الجوي بالطريقة نفسها التي يوفر بها غلافنا الجوي على الأرض الحماية الفائقة، وإلى جانب ماسبق هناك أهداف إماراتية أخرى مثل رفع مستوى الكفاءات والخبرات البحثية الإماراتية في مجال استكشاف الكواكب الأخرى، إضافة إلى ترسيخ مكانة الإمارات كمنارة للتقدم في المنطقة فضلا عن إلهام الأجيال العربية الناشئة وتشجيعهم على دراسة علوم الفضاء، إضافة إلى بناء المعرفة العلمية كون الاقتصاد المستدام في المستقبل سيكون اقتصاداً قائماً على المعرفة، حيث يمثل استكشاف الفضاء أحد مقومات اقتصاد المستقبل، وفي هذا الإطار يؤكد الخبراء أن الهدف من البعثات الاستكشافية المتزايدة، التثبت من المعلومات التي تشير إلى أن 10 % من 1500 نيزك رصدتها وكالة الفضاء الأميركية “ناسا”، تحتوي على موارد معدنية، ما يشجع على التخطيط لرحلات من أجل التنقيب في الفضاء، ومن المشاريع المرتقبة، تركيب محطات شمسية في الفضاء لتزويد الأرض بالطاقة الكهربائية؛ لذا فإن استكشاف الفرص في المجال الفضائي يمثل أحد جبهات الاستعداد للمستقبل ولاسيما في مجال التنقيب عن المعادن، مثل الفضة والذهب واستكشاف الموارد في الفضاء، وغيرها من المجالات المستقبلية المرتبطة بهذا القطاع الحيوي.
 
تنبع أهمية الانجاز من معطيات الواقع التي تشير إلى أن جاذبية استكشاف الكوكب الأحمر قد تضاعفت في السنوات والعقود الأخيرة، باعتباره أقرب الكواكب للأرض، ويشكل منجماً علمياً حقيقياً، وقد استقبل منذ حقبة الستينات  في مداره أو على سطحه عشرات المسبارات الآلية الأميركية بغالبيتها، فشل الكثير منها، لكن منذ مطلع الألفية الراهنة واكتشاف آثار قديمة للمياه السائلة على سطح الكوكب، ازدادت مستويات جاذبية الكوكب الأحمر، وأصبح أولوية لدى الباحثين والعلماء والدوائر العلمية المعنية، فبالاضافة إلى رحلة “مسبار الأمل” كانت هناك مهمة  “تيانوين” (أسئلة إلى السماء) التي تمثل أول صعود صيني للكوكب الأحمر، وتضم مركبة وروبوتاً صغيراً مسيّراً، ومهمة المسبار الأمريكي “برسفيرنس” الذي يعمل ضمن برنامج علمي ضخم يستهدف أخذ عينات ونقلها إلى الأرض، وتشكل هذه المهمة محطة أساسية في البحث عن آثار للحياة على هذا الكوكب، وكان من المقرر إرسال مهمة رابعة روسية- أوروبية، تحمل اسم “إيكزومارس”، لكن المهمة أرجئت إلى العام 2022 بسبب تفشي جائحة كوفيد _19. وتحاول أطراف كثيرة منها الولايات المتحدة وأوروبا والهند والصين والإمارات أن تسجل نقاطاً في هذا المسعى كما هو الحال بالنسبة للقمر، لتفرض نفسها قوة علمية وفضائية كبرى، ومن المنتظر أن تلتحق اليابان بهذا السباق عام 2024 مع إرسال مسبار  استشكافي إلى المريخ، وتمهد كل هذه الرحلات لصعود الانسان إلى الكوكب الأحمر في رحلات مأهولة بعد فترة يتوقع أن تتراوح بين عقدين وأربعة عقود بحسب تقديرات خبراء وكالة الفضاء الفرنسية.
 
كان دخول الامارات بهذه القوة والكفاءة العلمية والتخطيطي إلى سباق استشكاف كوكب المريخ بمنزلة تحول عالمي فارق في هذه المسيرة التي ظلت حصراً على نخبة من الدول والتكتلات الكبرى والمتقدمة في مجال علوم الفضاء، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين واليابان والهند واسرائيل. كما تعني هذه الرسالة أن دولة الامارات لم تعد سوقاً استهلاكية لهذه التكنولوجيا المتقدمة، بل باتت تشارك في صناعتها وتتشاركها مع دول أخرى متقدمة في هذا المجال،  لاسيما أن “مسبار الأمل” يعمل على تحقيق مهام بحثية ومعرفية لم تتطرق إليها مشروعات دولية سابقة. ومايعزز هذه الأهمية أن «مسبار الأمل» حلم تحقق اعتماداً على كفاءات إماراتية، سواءً من حيث الفكرة أو التصميم، أو حتى الإدارة وبناء الأجزاء الرئيسية في المشروع، وسيتيح معلومات جديدة حول الكوكب الأحمر تفيد أكثر من مائتي مركز بحثي حول العالم، وتفيد آلاف المتخصصين في علوم الفضاء. 
 
يمكن القطع بأن هذا الانجاز العلمي غير المسبوق عربياً يمثل إضافة نوعية هائلة للقوة الناعمة التي تمتلكها دولة الامارات على الصعيد الاستراتيجي، حيث باتت المعرفة والمعلوماتية أحد أبرز موارد القوة الشاملة التي تمتلكها الدول وتعمل على مراكمتها في القرن الحادي والعشرين؛ حيث يعزز «مسبار الأمل» منظومة التطور العلمي والتكنولوجي والبحثي في دولة الامارات، فعلوم الفضاء تمثل إضافة نوعية هائلة لقدرات الامارات في مجال الخدمات والصناعات المتقدمة، بما حققت من نجاحات وانجازات في مجالات الطاقة الشمسية والطاقة النووية السلمية، ومراكمة الخبرات من خلال شبكات تعاون كفؤة مع الدول كافة، حيث يلاحظ أن اهم نقاط تركيز دولة الامارات في بناء علاقات رسمية مع اسرائيل على سبيل المثال قد تمثل في التعاون العلمي والبحثي. كما تدعم هذه الخطوة جهود دولة الامارات في الانتقال إلى اقتصاد المعرفة، ولذا فإن تزامن مهمة «مسبار الأمل» مع بداية الخمسينية التأسيسية الثانية لدولة الامارات، ليس مصادفة، بل نتاج تخطيط علمي سليم، وقد تجلى هذا التخطيط في حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أمام القمة الحكومية التي عقدت في دبي عام 2015، حيث قال سموه وقتذاك «إننا سنحتفل عند تصدير آخر برميل للنفط بعد 50 عاماً، وإن رهاننا الحقيقي في هذه الفترة، وعندنا خير، أن نستثمر كل إمكانياتنا في التعليم «. وفي محاضرة سموه في ختام فعاليات  «مجلس محمد بن زايد لأجيال المستقبل» في مارس 2017، دعا سموه أبناء الوطن إلى التسلح بالعلم والمعرفة، قائلاً: «إننا نريد من أبنائنا وطلابنا أن يتعلموا أفضل التقنيات في العالم؛ ليس أمامنا خيار إلا الاعتماد على النوعية؛ وسلاحنا الحقيقي هو العلم، ونريد أن ننافس بكم دول العالم، فطموحنا أن ننافس دول العالم المتقدمة». وهذا كله يؤكد أن التخطيط التنموي في دولة الامارات يمضي في أطر متوازية ومتكاملة تصب جميعها في سلة تعزيز القوة الناعمة للدولة، ودعم تنافسيتها عالمياً، حيث تؤمن قيادتنا الرشيدة بأن عملية التنمية عملية متواصلة لا تتوقف، وأنه مهما حققت الدولة من إنجازات ونجاحات تنموية، فإنها تتطلع إلى إضافة لبنات جديدة تعزز البناء الوطني الشامخ في كل المجالات، وتدعم طموح الإمارات إلى المركز الأول في المجالات كافة، من أجل ديمومة النمو وتأمين مستقبل الأجيال القادمة وضمان حقها في الرفاه والازدهار، وذلك كله من خلال الاستثمار الجيد في الموارد البشرية، باعتبارها الثروة الحقيقة للوطن، وأن هذا الاستثمار هو الطريق الأمثل للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، وتحويل هذه اللحظة إلى «لحظة للاحتفال وليس للحزن» كما تؤكد القيادة الرشيدة.
 
يجسد “مسبار الأمل” قوة إرادة القيادة الرشيدة في تحقيق أحلام القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حيث يذكر التاريخ لقائه ـ طيب الله ثراه ـ مع بعثة أبولو 17، التي جاءت تحمل هدية قدمها الرئيس الأمريكي إلى الشيخ زايد بواسطة وفد من وكالة” ناسا” في عام 1974، كرمز للصداقة بين الشعبين الإماراتي والأمريكي، وقد خلّد التاريخ كلمات المغفور له بإذن الله تعالي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بهذه المناسبة،  والتي قال فيها: “إنّ رحلات الفضاء يفخر بها كل إنسان على وجه الأرض لأنها تُجسد الإيمان بالله وقدرته.. ونحن نشعر كعربٍ بأن لنا دوراً عظيماً في هذا المشروع وفي هذه الأبحاث، ونحن فخورون بالتقدم الهائل في علوم الفضاء بفضل القواعد التي أرساها العلماء العرب منذ مئات السنين، ونأمل أن يعم السلام ويدرك البشر الأخطار التي تُهددهم بسبب التأخر”، وهي كلمات تستند إلى قراءة واعية للتاريخ ورؤية استشرافية خبيرة للمستقبل، ولذا فقط ظلت راسخة في فكر القيادة الرشيدة حتى شقت الأحلام طريقها إلى النور من خلال تخطيط علمي مدروس طيلة سنوات وعقود، وتحولت الآمال إلى واقع أصبحت فيه  “وكالة الإمارات للفضاء” أول وكالة فضاء عربية، وصاحبة أول مشروع عربي وإسلامي لاستكشاف كوكب المريخ، وشهد العالم وصول أول رائد فضاء إماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية. وقد أكد د. فاروق البارز رئيس مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الأمريكية وعضو اللجنة الاستشارية لوكالة الإمارات للفضاء، هذه المعاني الخالدة في رسالته التي وجهها إلى رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري قائلاً له :”أعلم علم اليقين أن هذه الرحلة تمثل أملاً لمؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فقد كان يسأل بشغف عن الفضاء والعلوم ويرغب في التعرف أكثر عن رحلات الفضاء.. لذا فرحلتك هذه هي تحقيق لآمال مؤسس دولة الإمارات وكل أبنائها”. وقد كان القائد المؤسس صاحب رؤية واضحة كما اسلفنا وترجمت بالفعل إلى خطط تنفيذية بدأت بتأسيس “الثريا للاتصالات” في عام 1997، لتتوالى بعدها الأبحاث والمراكز في هذا المجال ويصل في عام 2009 القمر الصناعي الإماراتي “دبي سات 1”، وبعدها بسنوات تحقق إنجاز آخر وهو وصول أول رائد فضاء إماراتي هزاع المنصوري إلى الفضاء مسطرا إنجازا جديدًا للدولة، ثم جاء وصول “مسبار الأمل” إلى مداره حول كوكب المريخ بعد رحلة شاقة استغرقت ستة أشهر، ليعزز طموحات الامارات ويضعها في مضمار سباق التنافس العالمي لاستشكاف الكوكب الأحمر.
 
لعل أحد جوانب أهمية الانجاز الاماراتي أنه يكسر احتكار الدول المتقدمة تكنولوجياً لسباق استكشاف الفضاء، حيث ظل هذا السباق طيلة عقود وسنوات حكراً على التنافس العلمي والبحثي الشرس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق إبان حقبة الحرب الباردة واحد مظاهر القوة والنفوذ الاستراتيجي عالمياً، ثم انضمت إليه دول وتكتلات أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والصين واليابان والهند، حيث كان التركيز الكبير على إرسال رحلات إلى القمر، وهذه الأهمية تكتسب قيمة مضافة في ظل انتقال السباق النخبوي لاستكشاف الفضاء من كونه ينطوي على رمزية علمية وبحثية إلى كونه بات مصدراً للثروة المعرفية، التي باتت المصدر الحقيقي للقوة والمكانة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين، فالفضاء أصبح ركيزة  من ركائز اقتصاد المعرفة بحكم ارتباطه بالكثير من مصادر المعلوماتية المستمدة من الأقمار الصناعية العاملة في مجال الاتصالات ومراقبة الأحوال الجوية وما يرتبط بها من حركة النقل والسفر والطيران وغير ذلك؛ وليس أدل على هذه التحولات من دخول الشركات عابرة القارات مجال الفضاء جنباً إلى جنب مع الأنشطة الحكومية، فهناك شركات لرجال أعمال مثل آيلون ماسك مؤسس شركة «سبيس اكس Space X” ورئيسها التنفيذي، وجيف بيزوس المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “أمازون”، امخرطت منذ سنوات في هذا السباق وتضخ فيه استثمارات ضخمة باعتبارها مصدر ثرورة مستقبلي هائل؛ وفي هذا الإطار يسعى “بيزوس” إلى بناء قاعدة بشرية فضائية على القمر في عام 2024، بينما يسعى “ماسك”  لبناء مستعمرة بشرية على كوكب المريخ. والامارات بطبيعة الحال باتت منذ سنوات في خضم هذا السباق التنافسي العالمي، فعقب تحقق هدف وصول “مسبار الأمل” في مداره في كوكب المريخ، يجري العمل على هدف أكبر وأكثر طموحاً وهو بناء أول مستعمرة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول عام 2117. وللوصول إلى هذا الهدف، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في 27 سبتمبر 2017، مشروع بناء مدينة المريخ، أثناء انعقاد الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات، التي عقدت في العاصمة أبوظبي، وتقوم هذه المدينة التي سيتكلف بناؤها 500 مليون درهم إماراتي (136 مليون دولار)، بمحاكاة الحياة على المريخ، بأكبر قدر ممكن من الواقعية، وداخل مركز المحاكاة بالمدينة سيتمكن الباحثون من دراسة كيف يمكن للبشر العيش في مناخ المريخ، وسيتم بناء المعامل لمحاكاة بيئة الكوكب، من خلال إطلاق الحرارة وعزل الإشعاع، مما يساعد العلماء على فهم كيفية إدارة أنظمة الطعام والماء والطاقة على المريخ بالاستعانة بالبيانات والمعلومات المستمدة من رسائل “مسبار الأمل” وتبادل المعلومات مع الشركاء الدوليين في الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي. وكانت بداية الاعلان رسمياً عن هذه الخطة الطموح في فبراير2017، خلال مؤتمر القمة العالمية الخامسة للحكومات، حيث شارك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الحضور، وكان من بينهم ايلون ماسك والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، رؤية الامارات لوضع 600,000 إنسان على الكوكب الأحمر بحلول القرن المقبل، والمعروفة باسم مشروع المريخ 2117. وقد عُرِضت عناصر المشروع في القمة من قبل فريق من المهندسين والعلماء والباحثين الإماراتيين، وتضمنت مفهوماً لمدينة مأهولة ستبنيها الروبوتات. كما عرضت جوانب من نمط حياة السكان، مثل وسائل النقل المستخدمة، وكيف سيولدون الطاقة، وكيف سيزرعون الغذاء، والبنية التحتية التي سيبنونها، والمواد التي ستستخدم لبناء المستعمرة. مفهوم تخيلي للمستوطنات الأولى على سطح المريخ. وبالنظر إلى الطبيعة الطويلة الأمد لهذا المشروع، فسيجري تقسيمه إلى مراحل متعددة والتي ستُنفذ على مدى العقود القليلة القادمة. ما يعني أن دولة الإمارات لم تنضم فقط إلى “ نخبة استكشاف المريخ”، ولكنها تنضم أيضاً للمجتمع الدولي لمستكشفي الفضاء. وهذا يعني أن الامارات تخطط لمائة سنة قادمة وان تمتلك استراتيجية تضعها في مصاف الدول المتطورة التي تدرس خطواتها المستقبلية بكل دقة وعناية من أجل إدارة الموارد الطبيعية والمادية والعلمية والبشرية بما يخدم شعوبها ويحقق للأجيال المقبلة مستويات تنافسية عالمية مستمدة من معطيات تنموية قوية وثابتة وتمتلك آليات تطورها ونموها المستدام. 
 
تؤكد تجربة دولة الامارات غير المسبوقة عربياً واقليمياً أن ارتياد الفضاء يستند إلى تخطيط علمي دقيق، حيث ولدت المؤشرات الأولى لما تحقق مؤخراً من خلال “مسبار الأمل” عام 2006، حين بدأت وكالة الفضاء الوطنية، التي يديرها مركز محمد بن راشد للفضاء (MBRSC)، برنامج نقل المعرفة مع كوريا الجنوبية، وأنتج هذا التعاون مجموعة من الأقمار الصناعية لرصد الأرض، بما في ذلك DubaiSat-1  وDubaiSat-2، والتي أُطلقت في عامي 2009 و2013. وتبعها قمر صناعي نانوي يسمى Nayif-1 في عام 2017، وفي عام 2018، أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء، أول قمر صناعي للاستشعار عن بعد صُمم وصُنّع في دولة الإمارات بنسبة 100٪ وهو خليفة سات  Khalifa Sat الذي تم إطلاقه عام 2017، والذي يعتبر نقلة نوعية للتكنولوجيا الفضائية الإماراتية، خاصة أنه اُطلق بكفاءات إماراتية خالصة، وشملت مهامه اكتشاف التغيرات المناخية، وإدارة عمليات وخطط الإغاثة في حالات الكوارث، ومتابعة السفن وتقديم معلومات عن اتجاهها وسرعتها، بالإضافة إلى رسم خرائط وتضاريس لجميع أنحاء العالم. وبموازاة الجهود البحثية جاءت خطط مأسسة الجهود الاماراتية الكبيرة في هذا المجال وتأطيرها تنظيمياً من خلال الإعلان عن إنشاء “وكالة الإمارات للفضاء” عام 2014  بموجب مرسوم بقانون اتحادي؛ نص على إنشاء وكالة للفضاء، وعرَّف القطاع الفضائي بأنه “يشمل جميع الأنشطة والمشاريع والبرامج ذات العلاقة بالفضاء الخارجي الذي يعلو الغلاف الجوي للأرض”. وبيّن المرسوم أن الوكالة تهدف إلى تنظيم الجهود الإماراتية في الفضاء، وتقديم كل الدعم اللازم لها، بالإضافة إلى تشجيع استخدامات العلوم والتقنيات الفضائية وتطويرها وتنميتها من خلال الشراكات الدولية المختلفة (عقد مركز محمد بن راشد للفضاء، شراكات مع مختبر فيزياء الغلاف الجوي والفضاء في جامعة كولورادو، بولدر، ومختبر علوم الفضاء بجامعة كاليفورنيا، بيركلي؛ وكلية استكشاف الأرض والفضاء بجامعة ولاية أريزونا، كما تعاون مع كلية لندن الجامعية، التي أنتجت تقرير “تحليل القيمة” حول استخدام الإمارات للفضاء لتغيير مستقبلها)، فضلاً عن تقديم التوجيه والإرشاد للقطاع الصناعي والأكاديمي في هذا المجال الحيوي، إضافة إلى تحديد الأنشطة الفضائية التي يمكن للوكالات والهيئات غير الحكومية ممارستها في الدولة، وهدفت الوكالة إلى الوصول إلى كوكب المريخ عبر مسبار المريخ خلال سبعة سنوات، وهو ماتحقق فعلياً خلال المدى الزمني المحدد لذلك. وتشير الاحصاءات إلى مدى تطور قطاع الفضاء في دولة الامارات  في غضون سنوات محدودة، ليشمل حالياً 10 أقمار اصطناعية مدارية، و8 أقمار اصطناعية جديدة قيد التطوير، وقد استثمرت الامارات نحو 22 مليار درهم (6 مليارات دولار) بقطاع الفضاء، وهناك أكثر من 50 شركة ومؤسسة ومنشأة فضائية داخل الإمارات بما في ذلك شركات عالمية وشركات ناشئة، كما أصبح قطاع الفضاء في الدولة يضم أكثر من 3100 موظف، 34 في المائة منهم سيدات يعكس وجودهن حقيقة دور المرأة الاماراتية الفعلي والجاد في المشاركة في عملية التنمية والتطور في البلاد، حيث تمثل الكفاءات  النسائية نحو 80% ن الفريق العلمي الخاص بمشروع «مسبار الأمل» من النساء (تبلغ إجمالي مشاركة النساء في مشروع الفضاء الاماراتي ككل نحو 34%) وهي النسب الأعلى عالمياً لمشاركة المرأة في المهام والمشاريع الخاصة بقطاع الفضاء. عالمات، مهندسات وخبيرات إماراتيات، في عالم الفضاء. وهنا لابد من الاشارة إلى الوزيرة المسؤولة عن مشروع استكشاف الفضاء الطموح هي معالي سارة الأميري وزيرة دولة للتكنولوجيا المتقدمة (34 عاماً)، والتي اختيرت   على قائمة شبكة الـBBC لأكثر 100 امرأة تأثيراً وإلهاماً في العالم في عام 2020، حيث تقود سارة مهمة الإمارات للمريخ بنجاح.. وتتولى مسؤولية رئاسة مجلس إدارة وكالة الإمارات للفضاء، وهي كفاءة اماراتية شابة تشغل منصب وزيرة دولة لشؤون العلوم المتقدمة بالإمارات منذ 19 أكتوبر 2017، وقد انضمت معاليها إلى الحكومة الاتحادية كوزيرة دولة مسؤولة عن ملف العلوم المتقدمة بهدف بناء اقتصاد قائم على المعرفة والبحث العلمي.وتولت رئاسة “مجلس علماء الإمارات” منذ فبراير 2016، ونائب مدير وقائد الفريق العلمي “مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ” في “مركز محمد بن راشد للفضاء” منذ 2016، كما أنها عضو المجلس الاستشاري لمجلة “بوبيولار ساينس العربية – العلوم للعموم”، وعضو المجلس الاستشاري لـ”جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي” منذ أكتوبر 2019. وبدأت مسيرتها كمهندسة في مشروعي القمر الصناعي “دبي سات-1” و”دبي سات-2″، وكانت ضمن الفريق الذي حدد برنامج تطوير القمر الصناعي «خليفة سات».
 
“مسبار الأمل”: المسمى والسياق الحضاري والثقافي
من دون تعمق في البحث والتحليل، يبدو الارتباط واضحاً وجلي بين صفة “الأمل” وبين قيم الامارات ومبادئها ورسالتها الحضارية والانسانية في محيطها العربي والاقليمي، حيث تؤكد الدلائل أن مهمة استشكاف المريخ هي جزء من منظومة تضع نفسها دائهاً في حالة تنافس مع الذات تارة ومع الآخرين تارة أخرى، إدراكاً من الامارات وقيادتها الرشيدة أن على الدولة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها عالمنا العربي، مسؤوليات كبرى في حشد الطاقات وحفز ملايين الشباب العربي وتشجيعهم على النظر بتفاؤل للمستقبل من خلال صناعة الأمل وبناء النموذج الملهم الباعث على الفخر والاعتزاز بالذات العربية، حيث تدرك القيادة الرشيدة أن دور الامارات ومسؤولياتها كنموذج عربي ملهم يمليان عليها قيادة جهود العرب المعرفية والسعي لاستئناف الحضارة العربية.
 
وقد أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ أن «انطلاق (مسبار الأمل) في رحلته التاريخية إلى كوكب المريخ حاملاً شعار دولتنا (لا شيء مستحيل) يشكل إنجازاً وطنياً وعربياً ودفعة إماراتية متقدمة في مسيرة بناء المعرفة العالمية في مجال الفضاء»، كما أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي، رعاه الله، إلى أن اختيار الاسم قد تم من بين «آلاف الاقتراحات، لأنه يبعث برسالة تفاؤل إلى ملايين الشباب العرب»، وقال سموه «لعبت الحضارة العربية ذات مرة دورا كبيرا في المساهمة في المعرفة الإنسانية، وستلعب هذا الدور مرة أخرى. مسبار الأمل يجسد ثقافة الاحتمالات المتجذرة بعمق في نهج الإمارات وفلسفتها ورحلتها في تسريع التنمية»، وفي الاتجاه ذاته قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «نبارك للإمارات والعرب بوصول مسبار الأمل لمداره». ويمثل هذا الحرص من جانب القيادة الرشيدة على وضع الانجاز الاماراتي الرائد اقليمياً في سياقه العربي، تجسيداً لدور الامارات ورسالتها في صناعة الأمل ونشر الايجابية وانتشال ملايين الشباب العربي من براثن اليأس والاحباط، الناجم عن انتشار الأزمات التنموية والأمنية والسياسة في بقاع كثيرة من منطقتنا العربية، وفي ظل تفشي جائحة “كورونا” التي تسببت في مزيد من المعاناة الانسانية عربياً وعالمياً، يصبح  أكثر ما يحتاجه الجميع الآن إلحاحاً، هو بارقة أمل وأخبار ايجابية تشيع الأمل في امكانية تجاوز هذه المرحلة بكل آلامها ومعاناتها، فالجميع يعرف أن الحياة ستمضي على كل حال، ولكننا جميعاً بحاجة أيضاً إلى أن ترى ضوءاً في نهاية النفق، وأن نرى من يفكر ويخطط لمرحلة مابعد «كورونا»، ما يعني أن البشرية تحتاج بشدة إلى ملهمين جدد يقودونها إلى دروب المستقبل وتجاوز آثار هذه المحنة. والمؤكد أن شعوبنا العربية هي الأكثر احتياجاً لبث روح الايجابية وانتشال الشعوب من أجواء سلبية تكاد تسيطر على الجميع، فالعرب يحتاجون إلى بث الهمم واستنهاض الارادات أكثر من غيرهم لأن هذا الوباء قد ضاعف هموم شعوبنا وأضاف إليها مصدر معاناة وآلام جديد فاقم أزمة الثقة بالذات العربية وبقدرة معظم دولنا وشعوبنا على النهوض من كبوتها. وقد كان لهذا الربط بين «مسبار الأمل» وسياقه العربي جذور بدأت بحديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ عن «استئناف» الحضارة العربية خلال القمة الحكومية التي عقدت في فبراير عام 2017، والتي أطلقها سموه خلال فعاليات القمة العالمية للحكومات بدبي في منتصف فبراير عام 2017، والتي قال فيها إن  «المنطقة العربية مهد الحضارة البشرية ولا بد من أن يكون لدينا جميعاً أمل وتفاؤل وأنا متفائل ولدي أمل باستئناف الحضارة العربية»، وأضاف سموه «نملك المقومات والموارد الطبيعية في العالم العربي والإرادة موجودة لكن الأهم وجود الإدارة على مستوى الحكومات والاقتصاد والبشر»، وأن «الإنسان هو الذي يصنع الحضارة والإنسان العربي يملك المقومات الحضارية والعودة من جديد واستئناف الحضارة»، مشددً  سموه على أنه «لا يجب أن نفقد الأمل بتحقيق التقدم والتطور العربي بالرغم من المشاكل والتحديات المحيطة. ومن ثم فإن وضع مهمة «الأمل» في سياق عربي يمثل كذلك تحولاً كبيراً لمصلحة الامارات والعرب في صناعة كانت تسيطر عليها الدول الكبرى ووكالاتها الفضائية مثل «ناسا» الأمريكية ووكالة الفضاء الأوروبية وغيرها، في تعبير جلي عن استئناف فعلي لحضارة العرب انطلاقاً من الامارات وعلى يد أبنائها الذين راهنت عليهم واستثمرت فيهم من أجل قيادة وتنفيذ هذا المشروع العلمي الرائد، الذي يحمل شعار «لا شىء مستحيل».
 
وقد عكس هذا الربط كذلك اهتمام الامارات بأن تلعب دوراً اقليمياً وعالمياً ملهماً، وأن تبذل كل الجهود من أجل الاسهام في تغيير واقع هذه المنطقة التي لا يصدر منها للعالم سوى أخبار العنف والصراعات الدموية والارهاب والطائفية وغير ذلك من أمور كارثية يُلصق أغلبها في الذهنية العالمية بالاسلام والمسلمين، ومن هنا تلعب الامارات دورا في غاية الأهمية لطرح معادل موضوعي لهذه الصورة الذهنية وتقدم للعالم نموذجاً مغايراً او مقابلاً لما هو سائد، سواء من خلال نموذجي تنموي يحظي بإعجاب وتقدير الخبراء والمتخصصين والقادة والساسة عالمياً، أو من خلال تحقيق انجازات علمية نوعية تثبت أن الشباب العربي قادر على منافسة نظرائهم في بقية دول العالم المتقدم متى اتيحت لهم الفرص والامكانيات والظروف الملائمة، وأن العرب لم ينجبوا فقط شخصيات الارهاب المعروفة للجميع بل انجبوا أيضاً رواد فضاء مثل هزاع المنصوري وعلماء ومهندسون إماراتيون شاركوا بكفاءة بالغة ـ بشهادة جميع الخبراء الأجانب الذين أسهموا في بعض جوانب هذا المشروع الضخم والمعقد علمياً ـ لينضم هؤلاء إلى أسماء عربية أخرى طالما لمعت ـ ولا تزال ـ في سماء العلوم والتكنولوجيا، وتجب الاشارة هنا إلى أن إعداد رحلة هذا المسبار قد بدأت منذ أكثر من 6 سنوات وتكلفت نحو 220 مليون دولار وشارك فيها فريق عمل كبيرة يضم نحو 250 مهندساً وباحثاً إماراتياً شاباً.
 
وبالتالي فإن وضع «مسبار الأمل» في سياق عربي يمثل تعبيراً عن توجه استراتيجي إماراتي يجسد بوضوح تحمل الامارات لمسؤولياتها تجاه أشقائها من الشعوب العربية كافة، وفي ذلك يمكن الاشارة إلى «تغريدة» صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي قال فيها إن «مسبار الأمل هو نقطة تحول للعالمين العربي والإسلامي في مجال الفضاء ... الوصول للمريخ لم يكن هدفاً علمياً فقط، بل هدفه أن نرسل رسالة للجيل الجديد في عالمنا العربي بأننا قادرون، وبأنه لا شىء مستحيل، وبأن قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء». ما يؤكد أن اعتبار «مسبار الأمل» إنجازاً عربياً وإسلامياً يعكس توجهاً استراتيجياً وطنياً إماراتياً ينطوي  على  حضاري وانساني لنشر التفاؤل والسعادة والطاقة الايجابية وصناعة الأمل وانتشال ملايين الشباب العربي من براثن واقع تنموي بائس، أو الحيلولة دون سقوطهم في مربع اليأس والاحباط وبراثن الفكر الارهاب المتطرف.
 
وعلى قدر الأهمية الكبري للجوانب والعوائد العلمية المتوقعة من إرسال دولة الامارات «مسبار الأمل» لدراسة الأحوال المناخية والجوية على الكوكب الأحمر، فإن هناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، وتتمثل في الرسائل التي تنطوي عليها هذه الخطوة غير المسبوقة عربياً واقليمياً، وما تحمله من محفزات للأجيال الحالية والمقبلة بقدرة الانسان الاماراتي والعربي على مواكبة التقدم والتطور العلمي والبحثي الهائل في الدول الكبرى، إذا ما توافرت له الظروف والأدوات والتخطيط السليم. وتأتي رسالة الإرادة والتصميم والتحدي هي من بين الرسائل المهمة التي حملها «مسبار الأمل» معه إلى المريخ،  ففريق العمل الوطني الشاب الذي يقف وراء هذا المسبار يمضي في طريق لم تسبقه فيه سوى خبرات دول قلائل هي الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والهند، وهذا بحد أحد أهم مكاسب هذا الانجاز العلمي، متمثلة في بناء الطاقات الوطنية الشابة القادرة على تحمل المسؤولية والقفز على الصعاب وتحويل الأحلام والطموحات إلى حقائق. والتجربة بحد ذاته ملهمة للأجيال الجديدة، وتمنح الشباب طاقات الأمل اللازمة للنظر للمستقبل بإيجابية وتفاؤل، وهذه هي إحدى أهم مسؤوليات دولة الامارات في محطيها الجغرافي والاستراتيجي، فصناعة الأمل باتت ضرورة ملّحة في منطقة لا تصدر للعالم سوى الأخبار السيئة وأنباء الحروب والصراعات. وقد اعتادت الامارات مجابهة الأخطار وتحدي الصعب والعراقيل وتحويل صناعة الفرص، ولعل بناء الدولة ذاتها منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971 على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ هو مثال على قهر الصعاب وتحدي الواقع وصهر القدرات الوطنية في منظومة عمل ناجحة قادرة على صناعة ما يعتبره الكثيرون مستحيلاً. 
 
تقدير عالمي كبير للإنجاز التاريخي
أشادت الخارجية الأمريكية بدخول مسبار الأمل الإماراتي مدار كوكب المريخ قائلة «في تغريدة على موقع «تويتر» شاهدنا بحماس دخول مسبار الأمل الإماراتي إلى مدار المريخ اليوم ...يعتبر مسبار الأمل أول مركبة من 3 مركبات فضائية تصل إلى المريخ في فبراير، والإمارات هي خامس دولة في التاريخ تصل إلى المريخ، تهانينا لهم»، وأضافت الخارجية الأمريكية: نفخر بالعمل مع مركز الشيخ محمد بن راشد للفضاء، ويذكر أن مهمة “مسبار الأمل” قد تمت متابعتها عن كثب من جانب جورج سالازار، قائد الانضباط الفني لواجهة الإنسان والحاسوب، بمركز مركز لندون بي جونسون للفضاء، التابع لوكالة “ناسا”، وفي تعليقه على مهمة “مسبار الأمل” قال جونسون في حديث خاص لموقع سكاي نيوز عربية “إنني أرى أن المساهمات العلمية الهامة لفهم بيئة المريخ، وأعتبرها أمر في غاية الأهمية، مشيرًا إلى أن الإنسانية لم تفهم بعد العديد من جوانب بيئة المريخ وكيفية تغيرها، طارحًا السؤال الأهم؛ هل الأرض ستمضي في نفس المسار؟».وأضاف: “المهمة ستكون مصدر إلهام مفيد لفهم ديناميكيات المناخ وخريطة الطقس العالمية”، مشيرا إلى أن “أننا لم نفهم بعد سبب فقدان المريخ للأوكسجين والهيدروجين في الفضاء». وأوضح: “فهم المناخ المتغير للمريخ، الذي بدوره قد يساعدنا على فهم بيئة الأرض المتغيرة للمناخ. أيضا، البيانات التي من شأنها أن تخبر مخططي البعثة كيفية الاستعداد لمهام جديدة إلى المريخ في المستقبل، خاصة رحلات البشر على المريخ”.
هنـأ توماس زوربوشين المدير المشارك لإدارة المهام العلمية في وكالة “ناسا” دولة الامارات بنجاح وصول “مسبار الأمل” إلى المريخ” وقال في “تغريدة” له على موقع “تويتر” إن خطوة دولة الامارات الجريئة لاستشكاف المريخ ستلهم الكثير من الدول لتحذو حذوها”.
 
قالت وكالة الفضاء الاتحادية الروسية أن وصول “مسبار الأمل إلى وجهته يمثل انجازاً مهماً، وأن المهمة نجحت بالفعل بغض النظر عن نتائج سائر مراحلها، ونهنىء دولة الامارات على هذا الانجاز العظيم، لافتة إلى أن المسبار الاماراتي اثبت للعالم أن الطموح والشغف المصحوب بإرادة سياسية يمكنه أن يدفع دولة شابة للانضمام إلى نادي القوى العالمية في مجال بحوث الفضاء. ونوهت وكالة الفضاء الروسية إلى أن “مسبار الأمل” يتشابه إلى حد كبير مع خططنا المستقبلية لاستكشاف الكوكب الأحمر والحصول على أي بيانات ذات صلة من وسائل علمية مختلفة سيعزز فهمنا للظواهر الطبيعية التي يشهدها هذا الكوكب (تعتبر روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان اول من أرسل مهمات لاستشكاف المريخ في عام 1971 ثم 1973، وجاءت بعده الولايات المتحدة التي ارسلت 8 مهام ناحة لاستكشاف المريخ بين عامي 1976 و2018.
 
أكد جان ايف لوغال رئيس المركز الفرنسي للفضاء أن العالم ينظر إلى دولة الامارات بعد إطلاقها “مسبار الأمل” كقوة صاعدة على المستوى العالمي، لافتاً إلى ان نشاطها الفضائي أصبح له موطىء قدم، وأن الرحلة الاستكشافية العربية الأولى التي قادتها الامارات “تضعها ضمن مصاف الكبار في عالم الفضاء وعلومه”، مشيراً إلى أن فرنسا تتابع مهمة “مسبار الأمل” عن كثب، وتنتظر منها الشىء الكثير خدمة للعلم والعلوم”. وقال لوغال في مقابلة انباء “وام”: جرت العادة عالمياً ومنذ انطلاق الأسس الأولى لعلوم الفضاء أن نتحدث فقط عن 6 قوى عالمية في مجال الفضاء هي الولايات المتحدة وأوروبا والصين واليابان وروسيا والهند، وإذا أردنا إضافة قوة سابعة ستكون لا محالة دولة الامارات العربية المتحدة، مؤكداً ان فرنسا تعتبر دولة الامارات “شريكاً أساسياً كبيراً في مجال الفضاء”.
 
أشار جان ايف لوغال رئيس المركز الفرنسي للفضاء في حديثه عن «مسبار الأمل» إلى الأهمية القصوى لهذه المهمة من خلال قوله «قبل بضعة مليارات من السنوات، كانت الأرض في الوضع نفسه للمريخ تشبهه في كل شيء تقريبا، لكن المريخ تحول إلى صحراء باردة مجمدة، بينما الأرض فيها بحار ومحيطات وقابلية العيش، وإذا ما فهمنا المريخ جيداً سنفهم الأرض بشكل أفضل، لذلك نعتبر جميعا المهمة الإماراتية حساسة جدا وبالغة الأهمية ونوليها متابعة قصوى لأنها ببساطة ستضيف للعالم شيئا جديدا لم يكن يعرفه من قبل».
 
ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن الإمارات طورت منهجاً جديداً ومبتكراً في بناء مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل”، المنتظر أن تطلقه إلى الكوكب الأحمر خلال الصيف المقبل.وأشار تقرير موسع نشرته الصحيفة حول الطموح الاماراتي الفضائي إلى أن المنهج الجديد الذي تبنته الإمارات في بناء المسبار يتمثل في إنشاء علاقات شراكة مع دول تمتلك خبرات طويلة في إرسال مركبات إلى الفضاء، وأضاف أن هذا المنهج يتيح للإمارات تجنب الأخطاء العديدة المُتوقّع الوقوع فيها عند إرسال مهمة فضائية لأول مرة، فضلاً عن إتاحة الفرصة لتدريب المهندسين الإماراتيين الذين سيضطلعون بأدوار أكبر في المهمة المقبلة.
 
قال مدير مركز دراسات واستشارات علوم الفضاء بجامعة القاهرة الدكتور أسامة شلبية إن تاريخاً جديداً يكتب الآن على يد دولة الامارات، وأشار شلبية وهو أيضاً عميد كلية علوم الملاحة وتكنولوجيا الفضاء في تصريحات نشرها موقع “سكاي نيوز عربية” إلى أنه “بخلاف الانجاز العلمي والمعرفي لمسبار الأمل، فثمة أهمية استراتيجية كبيرة للمسبار وهي أنه يحقق أمل علوم وتكنولوجيا الشعوب العربية في التواجد بمصاف الدول المتقدمة في مجال الفضاء بمعنى توطين المعرفة في هذا المجال. وقال :”أهم ما أسعدني واثلج صدري شخصياً ان المهمة الفضائية قام بها شباب واعد نعتقد أنهم مستقبل الوطن والأمة العربية”.
 
الخلاصة
مهمة «مسبار الأمل» تمثل بالفعل انطلاقة نوعية هائلة للخمسينية الثانية لتأسيس دولة الامارات، وقوة دفع هائلة للصعود الاماراتي للتنافسية العالمية بحلول مئوية الامارات 2071، ومن ثم فإن هذا الانجاز العلمي غير المسبوق عربياً واقليمياً هو حلقة في سلسلة نجاحات النموذج الاماراتي المتفرد وطموحات قيادة الامارات وشبابها، الذي يمثل الثروة النوعية الحقيقية، التي تقود الحلم الاماراتي وتلهم نظرائهم من الشباب العربي في القرن الحادي والعشرين، وتصنع للإمارات دوراً عالمياً جديداً قائماً على الشراكات وتبادل الخبرات والمعلومات والمعارف، لتضرب بذلك المثل والقدوة على ضرورة إعلاء قيم التعاون والتضامن في المجالات كافة، ولاسيما العلمية والبحثية، من أجل بناء مستقبل أفضل للبشرية جمعاء.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره