مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-05-01

ملف الإمارات وروسيا...رؤى متقاربة ومصالح استراتيجية متنامية

يعكس التواصل الدائم والحوار المستمر والزيارات المتبادلة بين دولة الامارات وروسيا قناعة البلدين الصديقين بأهمية الشراكة الاستراتيجية التي تجمعهما منذ عام 2018، وضرورة تعزيزها من أجل تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة، وفي هذا الملف تسلط «درع الوطن» الضوء على تطورات هذه الشراكة في ضوء نتائج الزيارة التي قام بها للدولة خلال شهر مارس الماضي، سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، حيث اكتسبت الزيارة أهمية استثنائية في ضوء ما تناولته من قضايا وموضوعات ثنائية واقليمية ودولية.
 
لم يكن مفاجئاً أن يستهل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جولته الخليجية التي قام بها في شهر مارس الماضي من دولة الامارات العربية المتحدة، فالبلدين تربطهما علاقات قوية متنامية تم ترسيخها ومأسستها عبر صيغة شراكة استراتيجية تم توقيعها منتصف عام 2018، خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى موسكو. وقد استقبل سموه الوزير الروسي الزائر، الذي التقى أيضاً سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وقد جاءت هذه الزيارة في توقيت مهم للغاية بالنسبة لمتغيرات عديدة يشهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، ماجعل القضايا ووجهات النظر المطروحة خلالها مثار اهتمام اقليمي ودولي بالغ، وهو مايمكن مناقشته فيما يلي:
 
عكس استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، قوة الروابط ووشائج وركائز العلاقات بين البلدين الصديقين، حيث ناقشا خلال اللقاء مستجدات جائحة «كورونا» وجهود البلدين في مواجهتها، وأهمية توسيع التعاون المشترك بهذا الشأن في إطار دعم الجهود الدولية لاحتواء تداعياتها الصحية والإنسانية والاجتماعية. وثمن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان العلاقات الثنائية مع روسيا الاتحادية، مؤكداً الحرص المشترك على تعزيزها في جميع المجالات. وقدم سموه خلال اللقاء .. رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة للمرحلة المقبلة والتي جعلت تعزيز السلام والاستقرار والازدهار ضمن أولوياتها ،مؤكداً سموه أهمية أن يكون بناء السلام والاستقرار منهج عمل للمنطقة بما يخدم خططها للتنمية والازدهار ويعزز أمان شعوبها. 
 
جاءت زيارة لافروف للدولة بعد فترة وجيزة من تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات مقبلة خلفاً للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي انتهت فترة ولايته في يناير الماضي، ومن ثم فإن توقيت الزيارة قد أسهم في تحديد الأولويات المطروحة للنقاش، وفي مقدمتها تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين والملف السوري، الذي يحظى باهتمام خاص من جانب الامارات التي كانت من أوائل الدول الداعمة لعودة سوريا إلى الصف العربي، لذا كانت الزيارة بمنزلة مرآة تعكس مدى تقارب مواقف البلدين الصديقين إزاء ملفات وقضايا عديدة، فضلاً عن رغبة قوية متبادلة في تعزيز التعاون التجاري والاستثماري والتكنولوجي، وقد جاءت تصريحات سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي ونظيره الروسي خلال المؤتمر المشترك لتؤكد حرص الجانبين على تعميق الشراكة الاستراتيجية، حيث أشار سموه إلى أهمية التعاون مع روسيا في مكافحة وباء “كورونا” والتنسيق والتعاون في مجالات عدة مثل مكافحة الارهاب وتعزيز التجارة، كما أشار الوزيران إلى نمو التبادل التجاري بنسبة %78 حيث بلغ نحو 3,27 مليار دولار في عام 2020، وفي ذلك أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: “إن بلادي ترى روسيا شريكا مهما وأساسيا، وفي هذا الصدد يعد توقيع الشراكة الاستراتيجية بين البلدين عام 2018 خطوة بارزة أسهمت في تعزيز علاقاتنا الثنائية”، وأضاف سموه: “استمرت علاقتنا الثنائية في التطور والازدهار في جميع المجالات، وفي هذا السياق فإن بلادي تشعر ببالغ الرضا إزاء تزايد حجم التبادل الاقتصادي”. 
 
كما كان لافتاً بشكل خاص مدى تقارب وجهات نظر البلدين حيال الأزمة في سوريا، حيث أكد سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع الضيف الروسي أن “قانون قيصر” يمثل عقبة أمام التنسيق التعاون مع سوريا، داعياً إلى عودة سوريا للجامعة العربية واستئناف الاتصالات بينها وبين بقية الدول العربية، وفي ذلك تجديد وتأكيد لموقف دولة الامارات بهذا الشأن بشأن ضرورة تهيئة الأجواء أمام عودة سوريا بما يمثله ذلك من أهمية لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
 
إلى جانب ذلك يمثل أمن منطقة الخليج العربي أولوية استثنائية لدى الامارات وروسيا، التي يحتل هذا الموضوع أهمية خاصة لديها بالنظر إلى علاقاتها القوية مع إيران ورغبتها في تعميق الشراكة والتعاون مع دول مجلس التعاون، ولاسيما دولة الامارات والمملكة العربية السعودية، حيث طرحت موسكو منذ سنوات مبادرة لأمن المنطقة وتدعو إلى عقد مؤتمر “يناقش  الأمن في منطقة الخليج وفقاً لمبادئ الاحترام المتبادل للمصالح، وعلى أساس المساواة، بحيث يمكن التحرك نحو حلول وسط مقبولة للطرفين”.
 
 عكست الزيارة امتلاك دولة الامارات العربية المتحدة مقاربة استراتيجية دقيقة وواضحة تعكس تصوراتها لمعالجة أزمات وقضايا المنطقة، وفي مقدمتها سوريا وليبيا، وتستفيد في ذلك من دور ومكانة الامارات كلاعب خليج وشرق أوسطي رئيسي وفاعل، يمتلك علاقات استراتيجية قوية مع القوى الكبرى كافة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، حيث تحرص السياسة الخارجية الاماراتية على تحقيق توازن في تلك العلاقات بما يضمن لها التنوع والتعددية اللازمة لتحقيق طموحات الامارات التنافسية في مجالات التنمية المستدامة كافة، وهو ماتعكسه الدبلوماسية النشطة والتي تتسم بقدر هائل من الديناميكية والمرونة، التي تتيح للإمارات الاسهام بدور فاعل في مختلف الملفات ذات الصلة بمصالحها الاستراتيجية وأمن واستقرار شعبها. لذا فإن هذه الزيارة قد ركزت على القضايا والملفات التي تهم الامارات ويمكن لروسيا أن تلعب دوراً بارزاً في تسويتها. وقد جاءت التصريحات المشتركة خلال الزيارة كمنصة مهمة لتأكيد موقف دولة الامارات وجهودها بشأن عودة سوريا إلى محيطها العربي، حيث أشار سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى أن هذه الخطوة تتطلب جهداً من سوريا وأيضاً من الأطراف الأخرى في الجامعة العربية.
 
تتسم العلاقات الاماراتية ـ الروسية بتسارع وتيرة التواصل والحوار بين البلدين، حيث جاءت زيارة لافروف بعد أشهر قلائل من الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى موسكو منتصف ديسمبر الماضي، حيث التقى نظيره الروسي. كما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلى الامارات في عام 2019،  وكانت الزيارة الأولى له منذ اثني عشر عاماً، حيث كانت زيارة بوتين السابقة في سبتمبر 2007، كما سبقتها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى روسيا في عام 2018، حيث تم إحداث نقلة نوعية في علاقات البلدين بتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية، الذي يعد بمثل القاطرة التي تقود العلاقات الاماراتية الروسية نحو المزيد من التقدم والازدهار، حيث يلاحظ ارتفاع التبادل التجاري غير النفطي عقب الاتفاق من نحو 5ر2 مليار دولار في 2018، إلى نحو 3,4 مليار دولار في عام 2019.
 
تشهد العلاقات الإماراتية الروسية نمواً وازدهاراً في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية، ومن ضمنها القطاع الفضائي، إذ تم في يونيو 2018 توقيع اتفاقية تعاون بين مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الروسية “روسكومسموس” ، وفي  سبتمبر 2019، عززت الإمارات وروسيا تعاونهما بانطلاق أول رائد فضاء إماراتي ضمن بعثة ثلاثية تضم كذلك رائدي فضاء من روسيا والولايات المتحدة على متن مركبة “سويوز». وتدرب رائدا الفضاء هزاع المنصوري وسلطان النيادي منذ عام بمركز يوري جاجارين في مدينة النجوم بموسكو، وفي عام 2015 تم توقيع مذكرة تفاهم بين الإمارات وروسيا تشمل تبادل الخبرات وتأهيل الكوادر في مجالات الفضاء. كما أطلقت الإمارات أول قمر صناعي “دبي سات- 1” من قاعدة بايكونور الروسية في كازاخستان عام 2009. وفي مارس الماضي اطلقت وكالة الفضاء الاتحادية الروسية صاروخ “سويوز” الروسي وعلى متنه مجموعة من الأقمار الصناعية، ومنها القمر الاصطناعي النانومتري DMSAT-1، الذي يهدف إلى توظيف تكنولوجيا الفضاء وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتعزيز منظومة الرصد البيئي على مستوى دولة الامارات.
 
تحرص الامارات في علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى على تحقيق التوازن بما يضمن تحقيق مصالحها الاستراتيجية مع الجميع، لذا فإن تعميق التعاون الاماراتي ـ الروسي، وكذلك الاماراتي ـ الصيني، لا يأتي على حساب العلاقات الاستراتيجية القوية التي تربط دولة الامارات بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو مايفسر إعلان إدارة الرئيس بايدن علن المضي قدمًا في صفقة بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار إلى دولة الإمارات العربية المتحدة تمت الموافقة عليها في ظل إدارة ترمب. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “تم تحديد مواعيد التسليم المقدرة لهذه المبيعات بعد عام 2025 . وبالتالي، فإننا نتوقع حوارًا قويًا ومستدامًا مع الإمارات العربية المتحدة لأي عمليات نقل دفاعية تلبي أهدافنا الاستراتيجية المشتركة”. ما يؤكد أن العلاقات الاماراتية ـ الأمريكية تمضي في مسارها الطبيعي، وكذلك العلاقات مع بقية القوى الكبرىن وهذا الأمر يجسد شفافية الدبلوماسية الاماراتية وقدرتها على التحرك في مناطق التعاون المشتركة مع الجميع بعيداً عن التحليلات والتأويلات القائمة على فكرة الإحلال والتبديل في هياكل التحالفات الاستراتيجية الاقليمية والدولية، فعلاقات الشراكة الاستراتيجية التي باتت تربط الامارات بالصين وروسيا وقوى أخرى لا تحل بديلاً لعلاقاتها الاستراتيجية الراسخة مع الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف التقليدي المهم للإمارات. وهذا الأمر ليس مفيداً للإمارات فقط بل يفيد أيضاً الاستراتيجيات الأمريكية كونه يحول دون بناء تكتلات وتحالفات تعيد للعالم أجواء الصراعات الصفرية الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين.
 
تؤكد الشواهد أن روسيا تبدي اهتماماً كبيراً بتعزيز التعاون والشراكة مع دولة الامارات، بالنظر إلى العوائد الاستراتيجية المحتملة مع هذا التعاون، ولاسيما في مجالات حيوية ذات أولوية بالنسبة لروسيا، مثل مكافحة الارهاب، فضلاً عن أن امتلاك الدبلوماسية الاماراتية سمات المرونة الجيوسياسية وقواسم مشتركة مثل حرص الجانبين على تعزيز دور الدولة الوطنية في المنطقة ومكافحة تنظيمات الارهاب والتعاون في أسواق الطاقة الدولية، يجعل منها شريكاً مثالياً بالنسبة لروسيا التي تتطلع لتعزيز مكانتها وموقعها في منطقة الشرق الأوسط والعالم بالاستفادة مما راكمته طيلة السنوات الفائتة من أدوار مؤثرة في سوريا وليبيا وغيرها، ومن خلال علاقات قوية ومتنامية مع شركاء اقليميين مؤثرين مثل الامارات وغيرها، وهذا الأمر يعود بالنفع كذلك على دولة الامارات التي تتطلع لتحقيق الأمن والاستقرار الاقليمي كوسيلة لضمان استمرار خطط التنمية.
 
تتسم العلاقات الاماراتية ـ الروسية بعدد من السمات الخاصة منها التوسع المستمر على المستويات الأفقية والرسمية، فهناك علاقات متنامية بين مؤسسات القطاع الخاص في البلدين (هناك أكثر من 3 آلاف شركة روسية تعمل في الإمارات وتتركز أنشطتها في قطاعات العقارات والتجارة والتصنيع والاتصالات إلى جانب 576 علامة تجارية و25 وكالة تجارية روسية مسجلة لدى الدولة)، وبحسب تقارير رسمية فإن روسيا تمثل إحدى وجهات  الاستثمارات الاماراتية المفضلة، حيث حلت الإمارات في المرتبة الأولى من بين دول مجلس التعاون الخليجي من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا،  وتتنوع تلك الاستثمارات في تجارة الجملة والتجزئة والقطاع العقاري والصناعي و المالي والتأمين وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والنقل والتخزين والتعليم وإصلاح المركبات ذات المحركات والدراجات النارية، فيما تجاوز رصيد الاستثمارات الروسية بالإمارات حاجز الملياري دولار. وفيما يخص نسبة استحواذ الإمارات من إجمالي صادرات روسيا إلى الدول العربية العام الماضي، فقد استحوذت دولة الامارات على ما نسبته 7.4% من مجمل الصادرات الروسية إلى مجموعة الدول العربية، في حين استحوذت الإمارات على ما نسبته 7.7% من إجمالي التجارة الخارجية الروسية مع مجموعة الدول العربية. وهناك علاقات شعبية تعكسها معدلات التبادل السياحي (زار الإمارات 800 ألف روسي في عام 2019 وهناك 17 ألف مواطن روسي يقيمون في دولة الامارات)، وهناك علاقات رسمية قوية تعكسها الزيارات المتبادلة على مستوى قيادتي ومسؤولي البلدين بشكل مستمر، وهو ما اشار إليه سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان حين قال “أنا وسيرجي (سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي) صديقان حميمان، وكثيراً ما نقارن الملاحظات ليس فقط في السياسة ولكن في كثير من الأمور والقضايا الأخرى”، مؤكداً أن العلاقة تجاوزت الحديث الدبلوماسي.
 
واستشهد سموه باتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين البلدين كمثال على ذلك؛ حيث أصبحت الإمارات أول دولة في مجلس التعاون الخليجي توقع مثل هذه الاتفاقية مع روسيا.  ولعل هذه المكانة والثقة المتبادلة في العلاقات قد انعكست كذلك في مؤشرات أخرى مثل إعلان الوزير الروسي عن رغبة بلاده في أن تستخدم الإمارات لقاحات Sputnik V كجزء من حملتها الوطنية لمكافحة وباء كورونا. 
 
تمثل الثقافة والفنون أحد ركائز الشراكة الاماراتية ـ الروسية، فقد احتفت روسيا بالثقافة الاماراتية ودور الامارات في هذا المجال من خلال إعلان الشارقة “ضيفاً مميزاً” في معرض موسكو للكتاب عام 2019، كأول ضيف عربي مميز في تاريخ المعرض، بينما كانت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي قد اختارت روسيا “ضيف شرف” في معرض أبوظبي للكتاب في دورته الثلاثين عام 2020. وهناك اهتمام بتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين لاسيما أن هناك جالية روسية كبيرة تعيش في دولة الامارات، وهناك توافق في مبادىء التسامح والتعايش والقيم والمبادىء المشتركة بين الشعبين والبلدين الصديقين، ما يدعم أهداف الامارات في ترسيخ التعايش العالمي بين الشعوب كافة.
 
هناك آفاق واعدة للتبادل التجاري بين البلدين، حيث أشار دينيس مانتوروف وزير الصناعة والتجارة الروسي إلى ارتفاع قيمة التبادل التجاري رغم تحديات تفشي جائحة “كورونا”، مؤكداً أن بلاده تطمح لرفع قيمة التبادل التجاري إلى نحو 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة، لافتاً إلى وجود العديد من القطاعات والفرص المشتركة التي سيتم بحثها والاستفادة منها لتعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين. وأوضح أن المجالات التي سيتم التركيز عليها في إطار تعزيز التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة، تشمل التكنولوجيا المتقدمة والهيدروجين والكربون والطيران وصناعة الطائرات وغيرها من القطاعات الأخرى التي يمكن أن توفر قوة دفع إضافية للتجارة بين البلدين، التي ارتكزت في الماضي على قطاعات تقليدية لكنها تتجه في المستقبل نحو التعاون الصناعي والمشروعات 
 
تتكىء الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين عام 2018 على مجموعة من الاتفاقات الموقعة قبل ذلك بسنوات، والتي هيأت الأجواء لتطوير وتنمية العلاقات حتى ارتقت إلى صيغة الشراكة، ومن هذه الاتفاقيات  اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية السلمية واتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار بين روسيا والإمارات وتم توقيعها في ديسمبر 2012، ومذكرة تفاهم تم توقيعها بين البلدين في سبتمبر 2013 لإنشاء صندوق استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار ويعد هذا الاستثمار الأضخم الذي تقوم به جهة خارجية في البنى التحتية الروسية، ووقع البلدان في ديسمبر 2011 اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي على الدخل، وفي أكتوبر عام 2014  وقع الجانبان مذكرة تفاهم بين وزارة التعليم العالي في الدولة ووزارة التعليم والعلوم الروسية بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين وزارتي الاقتصاد.
 
وبعد توقيع اتفاق الشراكة، وفي مارس عام 2019، وقعت كل من موانئ أبوظبي ومجلس التطوير التجاري والاقتصادي الروسي مذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي مع الشركات الروسية والتعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة لها في مدينة خليفة الصناعية ومنطقة التجارة الحرة لميناء خليفة إضافة إلى توقيع الإمارات ممثلة بوكالة الإمارات للفضاء “خطاب نوايا” مع كل من روسيا وكازاخستان للتعاون في مجالات الفضاء المختلفة وإطلاق مشاريع مشتركة خلال الفترة المقبلة، وفي فبراير من عام 2019 قامت جمهورية روسيا الاتحادية بإعفاء مواطني الامارات من حملة جوازات السفر العادية من تأشيرة السفر المسبقة وذلك بناء على الاتفاقية التي تم توقيعها في مدينة كازان الروسية. ونجح البلدان بوقت سابق في إطلاق مجموعة من الاستثمارات المشتركة، أبرزها الاستثمار المشترك بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة وشركة مبادلة الإماراتية في نحو 40 صفقة مشتركة في روسيا بقيمة تتجاوز ملياري دولار أبرزها في مطار بولكوفو بمدينة سان بطرسبورغ الروسية، ومشروعات بمشاركة شركة موانئ أبوظبي، إلى جانب الاستثمارات في مجال البتروكيماويات، وأخرى في مجالي الزراعة والغذاء بقيمة 19 مليار روبل (300 مليون دولار)، بالإضافة إلى استثمار نحو 10 مليارات روبل في مجموعة شركات “إفكو” المتخصصة في منتجات الزيوت والدهون في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي تقوده روسيا ويضم خمس دول هي (روسيا، كازاخستان، بيلاروسيا، أرمينيا، وقرجيزستان). وهناك أيضاً تعاوناً بين البلدين لشراء الوقود النووي الروسي في إطار برنامج الإمارات السلمي للطاقة النووية.
 
ماذا يعني إطار الشراكة الاستراتيجية بين الدول؟
استخدمت الأمم المتحدة مفهوم «الشراكة» للمرة الأولى في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) ـ تأسست عام 1964وهي الهيئة الرئيسية التابعة لجهاز الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة، في مجال التجارة والتنمية) نهاية الثمانينات ـ وبمرور الوقت برزت صيغة «الشراكة الاستراتيجية» كإحدى الأطر الناظمة للعلاقات الدولية في العصر الحديث، وشكل من أشكال علاقات التعاون بين الدول.
 
وباتت الشراكة الاستراتيجية آلية فاعلة من آليات تنظيم العلاقات بين طرفين أو أكثر والارتقاء بها وتوفير سبل تطورها، وهي تعكس درجة عالية من التفاهم السياسي والتوافق العام تجاه القضايا الدولية والإقليمية، وصيغة الشراكة الاستراتيجية ليست تعبيراً قانونياً بمقدار ما لها من مدلول سياسي، بحسب ما يرى علماء السياسة. وتعني الشراكة بتطوير جميع أنماط التعاون بين دول ومؤسسات أو منظمات من دون نطاق زمني أو لمدة معينة بهدف الاستفادة من امكانيات الطرفين بما يعزز مقدرتهما معاً على تحقيق الأهداف الاستراتيجية لكل منهما. ومفهوم الشراكة بهذا الشكل قد يشمل أو لا يشمل التحالف الاستراتيجي. وتعني صيغة الشراكة الاستراتيجية بالدرجة الأولى التزام الطرفين بمستوى علاقات يفوق العلاقات التقليدية أو الطبيعية السائدة بين الدولة، والارتقاء من مستوى التعاون والصداقة إلى صيغة أعمق وأكثر ارتباطاً وتفاعلاً، وبالتالي فهو يعد صيغة مرنة بين العلاقات التقليدية وأطر التحالف الاستراتيجية التي تربط بعض الدول ببعضها، ولاسيما في المجال العسكري. وتنبع أهمية صيغ الشراكة الاستراتيجية من كونها إطار رسمي مؤسسي يتسم بقدر عال من المرونة ويعبر عن الإرادة السياسية للأطراف الموقعة عليه، ويشمل مجالات محددة ويرتكز على آليات تنفيذية مثل اللقاءات الثنائية والزيارات المتبادلة واللجان المشتركة، وغير ذلك من آليات يتم من خلالها تفعيل صيغة الشراكة وتطويرها في المجالات المتفق عليها، وما يستجد من مجالات يتم التوافق بشأنها بين الشركاء الاستراتيجيين.
 
ويكتسب هذا المفهوم أهميته من كونه عابر للنطاقات الضيقة للتحالفات التقليدية، التي كانت تتم عادة في مجالات أمنية وعسكرية وسياسية، ليشمل، بل ويركز على تنمية التعاون وتقويته في المجالات الاقتصادية والاستثمارية التي يمكن للطرفين أو الأطراف الموقعة على صيغة الشراكة الاستفادة المشتركة منها، لاسيما أن هذه الصيغة تكتسب قوتها أيضاً من كونها تمتلك قدراً عالياً من الديناميكية والمرونة التي توسع هوامش الحركة أمام أطرافها، باعتبار أن الشراكة الاستراتيجية هي صيغ وسط بين التعاون والروابط والتحالفات والهياكل التعاونية الدائمة، فضلاً عن تمايزها عن علاقات المصالح التكتيكية المرهونة بأمدية زمنية محددة؛ فالشراكة الاستراتيجية ثابتة ولكنها تتسم بالمرونة والتطوير والتغير ومواكبة المستجدات من الظروف والمعطيات والآليات بما يعزز فاعليتها ويضمن تحقيق أهدافها الأساسية. ومن المتعارف عليه أن صيغ الشراكة الاستراتيجية لا تستثني أي من مجالات التعاون بين الأطراف الموقعة عليها طالما اتفقت هذه الأطراف على الأسس والمبادئ الجوهرية، وبالتالي فهي تشمل مبدئياً مختلف مستويات التعاون المشتركة وكذلك مختلف قطاعات العمل والاقتصاد والتنمية والاستثمار، وكل ما من شأنه تحقيق المصالح الوطنية للطرفين أو الأطراف الموقعة على صيغة الشراكة الاستراتيجية.
 
وتعتبر الصين من الدول الأكثر استفادة من صيغ الشراكة الاستراتيجية في تطوير علاقاتها وتعاملاتها مع دول العالم وهيئاته ومنظماته، حيث تمتلك أكثر من 50 شريكاً استراتيجياً من مختلف دول العالم، تليها روسيا بنحو 30 شريكاً، والولايات المتحدة مع 24 شريكاً استراتيجياً. فضلاً عن أن واشنطن قد طورت صيغ مبتكرة للعلاقات الدولية مثل العلاقات الخاصة، وهي تلك المطبقة في العلاقات الأمريكية مع كل من المملكة المتحدة وإسرائيل. ووقعت فرنسا علاقات شراكة استراتيجية مع 13 شريكاً، والهند وبريطانيا مع 12 من الشركاء الاستراتيجيين لكل منهما، بينما يمتلك الاتحاد الأوروبي علاقات شراكة استراتيجية مع 10 شركاء، وألمانيا واندونيسيا مع تسعة شركاء لكل منهما، وبولندا مع ست شركاء استراتيجيين.
 
وتمثل الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الامارات وروسيا منذ عام 2018، إطارً مؤسـسياً لتطـــوير العــلاقــات الثنـــائيـــــة المشــتركـــة بين البلــدين الصديقــين فــي مجـــالات مختلفـــة للعـــلاقــــات التجاريـــة والاقتصاديــة والماليــــة والاستثمـاريـة والثقـافيــة والإنسانية والعلمية التقنية والطاقة والسياسة والتعاون في مجال الأمن وغيرها. كما يفتح الباب واسعاً أمام أي فرص مستقبلية محتملة من شأنها دعم العلاقات، حيث نص على “الطرفان يؤكدان السعي للتعاون في مجالات أخرى بما فيها المجال الصناعي”، ويركز على القطاعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والتقنية، ما يعني أنه يمتلك ركائز  النجاح والفاعلية والاستمرارية، باعتبار أن احد أهم مقومات نجاح الشراكات الاستراتيجية تتمثل في التعاطي مع تحدي تحديد الأهداف والمجالات وتنفيذها، وما يضفي على الأمر السابق أهمية استثنائية أن العلاقات الإماراتية ـ الروسية قد حققت طفرات نوعية متوالية خلال السنوات الأخيرة، وأن هذه الشراكة تعزز وتدعم وتسهم في اكتشاف الفرص المستقبلية للتعاون المشترك.
 
وبشكل عام فإن صيغ الشراكة الاستراتيجية تحقق فوائد حيوية عدة للدول والمنظمات أهمها:
ضمان تطور العلاقات واستقرارها وثباتها من خلال وجود أطر مؤسسية ثنائية فاعلة قادرة على التواصل وتجاوز أي إشكاليات عارضة أو طارئة قد تعرق مسار التعاون.
ضمان ثبات السياسة الخارجية للدول بما ينعكس في مقدرتها على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى لتحقيق الأهداف التنمية المستدامة، ولاسيما في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمارات.
الارتقاء بعلاقات الدول مع نظرائها من دول العالم وضمان التعددية والتنويع والتكامل واستقلالية القرار وتفادي عوامل الضغط الناجمة عن السياسات الأحادية، وتعزيز الانتشار والتأثير والنفوذ والمكانة الدولية.
 دعم دور الدولة ومكانتها في الحوار حول إشكاليات وقضايا التعاون الدولي ومشروعاته وآلياته، وكذلك تعزيز مقدرتها على التأثير في صناعة القرار الدولي الخاص بالتجارة والاقتصاد وغير ذلك.
 الإسراع بفرص التطوير التقني والعلمي ونقل التكنولوجيا وتوطينها عبر التعاون المكثف مع الشركاء الاستراتيجيين للدول في المجالات والقطاعات المعنية.
تتسم الشراكة الاستراتيجية بكونها تحتفظ للأطراف الموقعة عليها بخصائص عدة منها الندية والاحترام المتبادل والفهم العميق من جانب كل طرف لخيارات وأهداف الطرف الاخر، والمرونة والاعتراف بالمصالح العليا للدول وعلاقات التكافؤ مع الشركاء الاستراتيجيين، والتوجه نحو ضمان تحقيق الأهداف المشتركة بما لا يخل بالأهداف الذاتية لكل طرف، بل وزيادة فرص تحقق هذه الأهداف، والحصول على مزايا تفضيلية في العلاقات لاسيما في المجالات التجارية والاستثمارية، والسيطرة على المخاطر في هذه المجالات أو المشاركة في تحملها.
 
 الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات الاماراتية ـ الروسية
تكتسب علاقات دول مجلس التعاون بشكل عام، والامارات بشكل خاص، مع روسيا أهمية استثنائية ليس لكون الأخيرة تمتلك علاقات تعاون وثيقة مع إيران، التي تعد إحدى أخطر معضلات الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربية والشرق الأوسط ، ولكن لأن روسيا أيضاً قوة كبرى مسؤولة عن الأمن والاستقرار العالمي ومن مصلحتها بلورة رؤية واضحة حول أمن المنطقة، ولعب دور فاعل في ذلك، لاسيما أن لموسكو مصالح متنامية مع دول المنطقة جميعها وليس مع إيران فقط، بل إن مصالحها مع دول مجلس التعاون تفوق المصالح الروسية مع إيران بمراحل، رغم أن لا ينفي أن لروسيا حسابات استراتيجية تضع إيران في مربع حيوي ضمن صراعات التنافس بين القوى الكبرى على النفوذ والهيمنة على النظام العالمي، ولكن من المؤكد أن مجمل هذه الحسابات تبدو حاضرة في قرارات الكرملين، الذي لا يريد المجازفة بعلاقاته مع الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون إسرائيل وغيرها من أجل إرضاء إيران، التي تمتلك مشروعاً توسعياً اقليمياً يتعارض على المدى البعيد مع أهداف ومصالح روسيا الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط بل وفي محيطها الجيواستراتيجي، لذا يصف بعض الخبراء الغربيين العلاقات الروسية ـ الايرانية سواء في سوريا أو غيرها من الملفات بـ”زواج المصلحة”، أي أنه تعاون مرحلي تكتيكي قابل للانتهاء بمجرد تحقق أهدافه قصيرة المدى حيث سرعان ماسيطفو على الطفح تضارب الأهداف والمصالح الإيرانية والروسية في ملفات عدة، ولاسيما في سوريا. كما تدرك روسيا أن هناك شبكة متعاظمة من المصالح تربطها بالسعودية والامارات تحديداً، لاسيما على صعيد استقرار أسواق النفط العالمية، التي تمتلك تأثيراً هائلاً على الاقتصاد الروسي، حيث أسهم التعاون الروسي مع أبرز الدول المنتجة للنفط في منظمة “أوبك” في استعادة استقرار الأسواق، ولا شك أنه من الضروري استمرار هذه المصالح الاستراتيجية الضامنة لاستقرار الاقتصاد الروسي، ومن ثم تحقيق تطلعات القيادة الروسية في بناء توازن عالمي تستعيد فيه روسيا مكانتها وهيبتها.
 
ومايعزز ويعمق العلاقات الاماراتية الروسية أن هناك احترام وتقدير متبادل بين قيادتي البلدين، وهذا بحد ذاته يعد من أهم مقومات بناء توقعات إيجابية بشأن مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وقد تجلى هذا الاحترام خلال لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في موسكو منتصف  عام 2018، حيث عبرسموه عن تقديره لدعم الرئيس الروسي “لكل الجهود الرامية إلى الانتقال بالعلاقات الإماراتية - الروسية إلى مستويات أكثر تطورا وقوة».وأضاف: “روسيا دولة كبرى لها دورها المهم والمحوري في تحقيق الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي، وإن استمرار التنسيق والتشاور معها بشأن قضايا المنطقة أمر ضروري لضمان تحقيق الأمن والاستقرار اللذين ننشدهما». وشدد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على أن هناك العديد من المصالح المشتركة التي تربط بين دولة الإمارات وروسيا، على رأسها “موقف البلدين الثابت والحاسم بشأن مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، باعتبارها تشكل تهديدا عالميا يستهدف الكل دون استثناء، مما يتطلب مزيدا من التنسيق والتعاون الدولي والإقليمي لمواجهة خطرها على الأمن والاستقرار العالميين”. ولا شك أن هذه الدقة في تحديد الأولويات والأهداف تعني أن الشراكة قائمة على دراسات استباقية دقيقة وأن هناك جدية وعزم على تنفيذ بنودها والاستفادة مما توفره من فرص للبلدين الصديقين.
 
وهناك عوامل إضافية بالغة الأهمية توفر للشراكة الاستراتيجية الإماراتية ـ الروسية فرص نجاح أقوى منها العلاقات الشخصية القوية بين قيادتي البلدين، وقد سبق أن أكد الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة “إن (صاحب السمو) الشيخ محمد بن زايد يمتلك علاقة شخصية طيبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، لافتاً إلى أن “العلاقات مع روسيا يجب أن تكون متنوعة وليست فقط علاقات سياسية”، وقد كانت حفاوة الاستقبال الرسمي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال زيارته إلى موسكو عام 2018، وكذلك زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى الامارات في عام 2019 برهاناً ساطعاً على قوة العلاقات، الرسمية والشخصية على حد سواء، وعلى عمق رهان قيادتي البلدين على تعزيز وتطوير هذه العلاقات، لاسيما أن الشراكة الاستراتيجية مع روسيا تضمن للإمارات هوامش حركة جديدة تضاف إلى ما سبق وراكمته هذه السياسة من أطر تحرك فعّالة على الصعيد الدولي، فالإمارات تمتلك علاقات قوية متميزة مع الفاعلين الدوليين المؤثرين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، كتكتل مؤسسي ودول منفردة، وروسيا فضلاً عن كوريا الجنوبية واليابان والهند  والاقتصادات الصاعدة جميعها، ما يعزز ويعكس مبادئ الامارات القائمة على الانفتاح والعمل على ترسيخ السلام والمصالح المشتركة للدول والشعوب بما يسهم في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.
 
ولاشك أن العلاقات بين دولة الامارات وجمهورية روسيا الاتحادية، لها أهمية خاصة تنطلق من مكانة وثقل البلدين اقليمياً ودولياً، فالإمارات ثاني اكبر اقتصاد عربي، وأحد أهم الاقتصادات العالمية وتتطلع لتعزيز مكانتها ضمن منظومة الاقتصاد العالمي وريادتها في قطاعات اقتصادية واستثمارية مهمة، فضلاً عن كونها باتت مركز عالمي للأعمال والاستثمار، بما توفره من مزايا وحوافز رائدة للمستثمرين من مختلف الدول، وما تتمتع به من بنى تحتية وتكنولوجية متطورة وموقع استراتيجي يصل بين الشرق والغرب، وقطاعات نقل جوي وبحري وخدمات لوجستية عالمية المستوى تساهم في تعزيز الأنشطة التجارية والاستثمارية على المستويين الإقليمي والعالمي، فضلاً عما توفره من خيارات واسعة للمستثمرين سواء داخل الدولة أو في إطار المناطق الحرة بما يشمل مختلف القطاعات الحيوية، وما توفره سياسة التنويع الاقتصادي وترسيخ الابتكار والمعرفة واستشراف المستقبل والفضاء وتوظيف التكنولوجيا والبحث والتطوير في جذب الاستثمارات النوعية، انسجاماً مع رؤية الإمارات 2021، واستعداداً لمئوية الامارات 2071. بينما يمتلك الجانب الروسي مقومات عالمية بالغة الأهمية، فروسيا دولة كبرى ذات تاريخ عريق وحاضر ذا تأثير بالغ في صناعة القرار الدولي، وداخل جميع المنظمات والمؤسسات الدولية، فضلاً عن قدراتها الذاتية العالمية في أسواق الطاقة والتسلح والاستثمار والصناعة والتجارة وعلى الصعيد التكنولوجي والتقني، ما يوفر فرصاً هائلة وواعدة لتحقيق المنافع المشتركة للشريكين الاستراتيجيين.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره