مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2013-07-01

الحملة الفرنسية 1798 - 1801

بدأ التنافس بين فرنسا وإنجلترا على المستعمرات في الشرق في القرن السابع عشر، واستمر طوال القرن الثامن عشر، ثم اتخذ بعداً جديداً بعد قيام الثورة في فرنسا أول يوليو  1798 م، وكان البحث عن المستعمرات خارج أوروبا أحد خصوصيات العصر الحديث في تاريخ أوروبا بعد انتهاء الإقطاع وقيام الدولة القومية ووجود الرأسمالية التجارية، وبعد قيام الثورة الصناعية أصبحت الحاجة إلى الأسواق والمستعمرات أمراً أكثر حيوية للدول الرأسمالية الأوربية في فرض النفوذ والسيادة على مناطق مختلفة في العالم الجديد والشرق للحصول منها على موارد طبيعية رخيصة ثم بيع المنتجات الأوروبية في أسواقها.
 
إعداد: حنان الذهب
 
ترجع فكرة احتلال فرنسا لمصر في العصر الحديث وبعد انتهاء الحروب الصليبية في العصور الوسطى إلى القرن السابع عشر أيام حكم لويس الرابع عشر سنة 1672م، وكان الغرض ضرب التجارة الهولندية في الهند التي تمر عن طريق مصر، وتجددت الفكرة مرة أخرى أيام لويس الخامس عشر في القرن الثامن عشر سنة 1769م، ولكن ليس عن طريق إرسال حملة عسكرية، وإنما كان ملك فرنسا يطمع أن تتنازل الدولة العثمانية لفرنسا عن مصر، وتكررت الفكرة مرة ثالثة أيام لويس السادس عشر لتسهيل اتصال تجارة فرنسا في شرق آسيا عن طريق مصر بدلاً من الدوران حول إفريقيا. 
 
رسائل تمهيدية للحملة على مصر
تمهيداً لقيام الحملة الفرنسية قدم "شارل مجالون" القنصل الفرنسي في مصر تقريراً لحكومته بتاريخ 9 فبراير 1798م يحرضها على ضرورة احتلال مصر، ويبين أهمية استيلاء بلاده على منتجات مصر وتجارتها ويعدد لها المزايا التي ينتظر أن تجنيها فرنسا من وراء ذلك، وبعدها تلقت حكومة فرنسا تقريراً آخر من "تاليران" وزير الخارجية عرض فيه العلاقات التي قامت من قديم الزمن بين فرنسا ومصر وبسط الآراء التي تنادي بمزايا الاستيلاء على مصر، وقدم الحجج التي تبين أن الفرصة قد أصبحت سانحة لإرسال حملة لفتح مصر، كما تناول وسائل تنفيذ مشروع الغزو من حيث إعداد الرجال وتجهيز السفن اللازمة لحملهم وخطة الغزو العسكرية، ودعا في تقريره إلى ضرورة مراعاة تقاليد أهل مصر وعاداتهم وشعائرهم الدينية، وإلى استمالة المصريين وكسب مودتهم بتبجيل علمائهم وشيوخهم واحترام أهل الرأي منهم، لأن هؤلاء العلماء أصحاب مكانة كبيرة عند المصريين.
 
قرار الحملة الفرنسية على مصر  1801-1798
نال موضوع غزو مصر اهتمام حكومة الإدارة، وخرج من مرحلة النظر والتفكير إلى حيز العمل والتنفيذ، وأصدرت قرارها التاريخي بوضع جيش الشرق تحت قيادة نابليون بونابرت في 12 أبريل 1798م، وتضمن القرار مقدمة وست مواد، اشتملت المقدمة على الأسباب التي دعت حكومة الإدارة إلى إرسال حملتها على مصر، وفي مقدمتها عقاب المماليك الذين أساءوا معاملة الفرنسيين واعتدوا على أموالهم وأرواحهم، والبحث عن طريق تجاري آخر بعد استيلاء الإنجليز على طريق رأس الرجاء الصالح وتضييقهم على السفن الفرنسية في الإبحار فيه، وبغرض جعل مصر قاعدة إستراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق، وقطع الطريق ما بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند، واستغلال مواردها في غزوات أوروبا، وشمل القرار تكليف نابليون بطرد الإنجليز من ممتلكاتهم في الشرق، وفي الجهات التي يستطيع الوصول إليها، وبالقضاء على مراكزهم التجارية في البحر الأحمر والعمل على شق قناة السويس. 
 
جرت الاستعدادات لتجهيز الحملة على خير وجه، وكان قائد الحملة الجنرال نابليون بونابارت يشرف على التجهيز بكل عزم ونشاط، ويتخير بنفسه القادة والضباط والعلماء والمهندسين والجغرافيين، وعني بتشكيل لجنة من العلماء عرفت باسم لجنة العلوم والفنون، وجمع كل حروف الطباعة العربية الموجودة في باريس لكي يزود الحملة بمطبعة خاصة بها. 
أبحرت الحملة من ميناء طولون في 19 مايو 1798م وكانت تتألف من 35 ألف جندي، تحملهم 300 سفينة ويحرسها أسطول حربي فرنسي مؤلف من 55 سفينة، وفي طريقها إلى الإسكندرية استولت الحملة على جزيرة مالطة في 9 يونيو من فرسان القديس يوحنا آخر فلول الصليبيين، وأعادت تنظيم إدارة الجزيرة على نمط الإدارة الفرنسية. 
 
وصول الحملة للإسكندرية 
وصلت الحملة الفرنسية إلى الإسكندرية ونجحت في احتلال المدينة في 2 يوليو 1798م بعد مقاومة من جانب أهلها وحاكمها السيد محمد كريم دامت ساعات، وراح نابليون يذيع منشوراً على أهالي مصر تحدث فيه عن سبب قدومه لغزو بلادهم وهو تخليص مصر من المتسلطين، وأكد على احترامه للإسلام والمسلمين في منشوره الذي بدأ بالشهادتين وحرص على إظهار إسلامه وإسلام جنده، وشرع يسوق الأدلة والبراهين على صحة دعواه، وأن الفرنسيون هم أيضاً مسلمون مخلصون.
وأدرك نابليون قيمة الروابط التاريخية الدينية التي تجمع بين المصريين والعثمانيين تحت لواء الخلافة الإسلامية، فحرص ألا يبدو في صورة المعتدي على حقوق السلطان العثماني، فعمل على إقناع المصريين بأن الفرنسيين هم أصدقاء السلطان العثماني، غير أن هذه السياسة المخادعة التي أراد نابليون أن يخدع بها المصريين ويكرس احتلاله للبلاد فلم ينخدعوا بها وقاوموا الاحتلال.
 
دخول القاهرة وإنشاء الدواوين
وفي مساء يوم 3 يوليو 1798م زحفت الحملة على القاهرة، وسلكت طريقين بري وبحري، الطريق البري الذي سلكته الحملة الرئيسية من الإسكندرية إلى دمنهور فالرحمانية، فشبراخيت، فأم دينار على مسافة 15 ميلاً من الجيزة، والطريق البحري سلكته مراكب الأسطول الخفيفة في فرع رشيد لتقابل الحملة البرية قرب القاهرة.
ولم يكن طريق الحملة سهلاً إلى القاهرة، فقد لقي جندها ألواناً من المشقة والجهد، وقابلت مقاومة من قبل أهالي البلاد؛ فوقعت في 13 يوليو 1798م أول موقعة بحرية بين مراكب المماليك والفرنسيين عند شبراخيت، وكان جموع الأهالي من الفلاحين يهاجمون الأسطول الفرنسي من الشاطئين، غير أن الأسلحة الحديثة التي كان يمتلكها الأسطول الفرنسي حسمت المعركة لصالحه، واضطر مراد بك قائد المماليك إلى التقهقر صوب القاهرة.
 
ثم التقى مراد بك بالفرنسيين عند منطقة إمبابة في 21 يوليو 1798م في معركة أطلق عليها الفرنسيون معركة الأهرام، وهناك قال لجنوده: "إن أربعين قرناً تتطلع إليكم" ومرة أخرى واجه الفرنسيون هذا الهجوم بطلقات المدافع والبنادق والحراب المثبتة فقتل سبعون فرنسياً، وألفٌ وخمسمائة مملوك، وغرق كثيرون منهم في النيل في أثناء هروبهم الطائش، وفي 22 يوليو أرسلت السلطات التركية في القاهرة مفاتيح المدينة إلى نابليون مما يعني الاستسلام، وفي 23 يوليو دخل نابليون المدينة من غير أن يواجه مقاومة.
وكانت القوات المصرية كبيرة غير أنها لم تكن معدة إعداداً جيداً، فلقيت هزيمة كبيرة، وفر مراد بك ومن بقي معه من المماليك إلى الصعيد، وكذلك فعل إبراهيم بك شيخ البلد وأصبحت القاهرة بدون حامية، وسرت في الناس موجة من الرعب والهلع خوفاً من الفرنسيين.
 
دخل نابليون مدينة القاهرة تحوطه قواته من كل جانب، وفي عزمه توطيد احتلاله للبلاد بإظهار الود للمصريين، وبإقامة علاقة صداقة مع الدولة العثمانية، وباحترام عقائد أهالي البلاد والمحافظة على تقاليدهم وعاداتهم؛ حتى يتمكن من إنشاء القاعدة العسكرية، وتحويل مصر إلى مستعمرة قوية يمكنه منها توجيه ضربات قوية إلى الإمبراطورية البريطانية.
وفي يوليو سنة 1799م نظم المعهد العلمي المصري من علماء مصر وعلماء الحملة، وكان العلماء هم الذين أعدوا أضخم أربعة وعشرين مجلداً التي مولتها ونشرتها الحكومة الفرنسية بعنوان وصف مصر 1809م-1828م، وأحد هؤلاء العلماء لا نعرف إلا أن اسمه بوشار وجد في سنة 1799 في مدينة تبعد عن الإسكندرية ثلاثين ميلاً، حجر رشيد عليه نقوش بلغتين وثلاثة خطوط (الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية) وقد مكنت هذه الكتابات كل من توماس يونج وشامبليون فرانسيس وهو من وضع أسس منهج ترجمة النصوص الهيروغليفية، من فتح أبواب حضارة مصر القديمة المركبة والناضجة أمام أوروبا "الحديثة" بشكل يدعو إلى الدهشة، وكان هذا هو النتيجة الرئيسية لحملة نابليون على مصر أو النتيجة الوحيدة المهمة.
 
موقعة أبو قير البحرية
عندما ترك نابليون أسطوله في الإسكندرية متجهاً إلى القاهرة كان قد أمر (على وفق رواية نابليون) نائب الأدميرال Francois-Paul Brueys أن يفرغ كل حمولته من المواد اللازمة للجنود، ومن ثم يبحر بأقصى سرعة ممكنة إلى كورفير التي كان الفرنسيون قد استولوا عليها، كما أمره بضرورة اتخاذ الإجراءات كلها لتجنب تدخل البريطانيين، لكن سوء الأحوال الجوية أخّر إبحار الأدميرال بروي، وفي أثناء فترة التأخير هذه رسا بأسطوله في خليج أبي قير القريب، وهناك في 13 يوليو سنة 1798م رآه نيلسون وهاجمه بسرعة، وبدت القوتان البحريتان المتواجهتان متكافئتين: فالقوات البحرية الإنجليزية قوامها 41 سفينة حربية وسفينة بصاريين، والقوات البحرية الفرنسية قوامها 31 سفينة حربية وأربع فرقاطات، لكن البحارة الفرنسيين كان الحنين إلى العودة إلى بلادهم قد ازداد، ولم يكونوا متدربين بما فيه الكفاية، أما البحارة البريطانيون فقد كان البحر هو وطنهم الثاني ألفهم وألفوه، والآن فإن تنظيم البريطانيين الأكثر تفوقاً وبراعتهم البحرية وشجاعتهم سادت طوال النهار والليل لأن المعركة الدامية استمرت حتى فجر الأول من أغسطس.
 
ففي الساعة العاشرة من يوم 13 يوليو انفجرت سفينة القيادة التي بها 120 بندقية، وقتل كل من كان على متنها تقريباً بمن فيهم اللواء بحري نفسه، وكان يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً، ولم تستطع الهروب سوى سفينتين فرنسيتين، وبلغت خسائر الفرنسيين ما يزيد على 1750 قتيلاً و1500 جريح، أما خسائر البريطانيين فكانت 218 قتيلاً و276 جريحاً (بمن فيهم نيلسون)، ومعركة أبوقير البحرية بالإضافة إلى معركة الطرف الأغر 1805م هما آخر محاولتين قامت بهما فرنسا النابليونية لتحدي السيادة الإنجليزية على البحار، وعندما وصلت أخبار هذه النكسة الكاسحة إلى نابليون في القاهرة أيقن أن فتحه لمصر غدا بلا معنى، فالمغامرون المرافقون له قد أحيط بهم الآن براً وبحراً، وما من سبيل لوصول العون الفرنسي إليهم وأنهم سرعان ما سيصبحون تحت رحمة أهل البلاد المعادين والبيئة غير المواتية.
 
ثورة القاهرة 
وتضاعفت الأزمات على نابليون وجيشه، فلا يكاد يمر يوم بلا هجمات يشنها العرب أو الترك أو المماليك غير المؤتلفين مع سادتهم الجدد على القوات الفرنسية، وفي 16 أكتوبر قامت جماهير القاهرة بثورة على الفرنسيين الذين قمعوا الثائرين، وتخلى نابليون لفترة عن دور الفاتح المتسامح وأمر بقطع أعناق كل ثائر مسلح.
 
معاناة حتى الوصول لسوريا 
عندما سمع نابليون أن الأتراك يعدون جيشاً لاستعادة مصر صمم على مواجهة التحدي، فأعدّ ثلاثة عشر ألفاً من رجاله إلى سوريا، وانطلق في 10 فبراير سنة 1799م واستولى على العريش وأتم عبور صحراء سيناء، ويبين لنا خطاب كتبه نابليون في 27 فبراير بعض جوانب هذه المحنة: "حرارة وعطش وماء غير عذب تعتريه ملوحة، وأحياناً لا ماء أبداً، لقد أكلنا الكلاب والحمير والجمال" ووجدوا في غزة - ويا لسعادتهم - بعد معركة قاسية خضراوات طازجة وبساتين ذوات فواكه لا مثيل لها.
 
استسلام يافا 
وفي 3 مارس توقفت القوات الفرنسية أمام مدينة يافا ذات الأسوار والسكان المعادين، وحصن يدافع عنه 2700 مقاتل تركي من ذوي البأس، فأرسل نابليون يعرض عليهم شروطاً لكنهم رفضوها، وفي 7 مارس أحدث المهندسون العسكريون الفرنسيون في أسوار المدينة ثغرة اندفع الجنود خلالها فقتلوا من قاومهم من السكان وسلبوا المدينة، وأرسل نابليون "يوجين دي بوهارنيه" لإعادة النظام في المدينة فعرض حق الخروج الآمن لكل من يستسلم، وسلم جنود الحصن أسلحتهم حتى لا يلحق الفرنسيون مزيداً من الدمار في المدينة، وسيقوا أسرى إلى نابليون فرفع يديه فزعاً وتساءل: "ماذا يمكنني أن أعمل معهم؟" فلم يكن نابليون يستطيع أن يأخذ 4000 أسير معه في مسيرته تلك، فالرجال الفرنسيون بذلوا قصارى جهدهم ليجدوا الطعام والشراب لأنفسهم، ولا يمكنه تدبير عدد كاف من الحراس لاصطحاب هؤلاء الأسرى ليسجنوا في القاهرة، وإذا هو أطلق سراحهم فما الذي يمنعهم من حرب الفرنسيين ثانية، فعقد نابليون اجتماعاً عسكرياً وسألهم عن رأيهم في هذه المشكلة، فكان رأيهم أن أفضل حل هو قتل هؤلاء الأسرى، فتم الصفح عن نحو 300 منهم، وقتل 1442 طعناً بالحراب لتوفير الذخيرة. 
 
حصن عكا يحطم آمال بونابرت 
وواصل الغزاة مسيرتهم، وفي 18 مارس 1799م وصلوا إلى مدينة عكا شديدة التحصين، وكان يقود المقاومة الجزار باشا يساعده أنطوان دي فيليبو - الذي كان زميلاً لنابليون في الدراسة في بريين، وحاصر الفرنسيون المدينة دون مدافع حصار، ذلك أن مدافع الحصار التي كان قد تم إرسالها من الإسكندرية بحراً استولى عليها أسطول إنجليزي بقيادة سير وليم سدني وسلمها إلى حصن المدينة (عكا) وراح يزود حاميتها بالطعام والمواد اللازمة في أثناء الحصار، وفي 20 مايو بعد أن قضى الفرنسيون شهرين أمام أسوار المدينة وتكبدوا خسائر فادحة أمر نابليون بالعودة إلى مصر، وقد ذكر نابليون بعد ذلك متفجعاً: "إن فيليبو جعلني أتراجع عن عكا فلولاه لأصبحت سيد مفتاح الشرق ولأمكنني الذهاب إلى القسطنطينية واستعادة الإمبراطورية الشرقية".
 
رحيل بونابرت عن مصر 1799م
وعلى الرغم من إخماد ثورة القاهرة بقوة النار والسلاح، إلا أن هزيمة حصار عكا في فلسطين وفقدانه لأسطوله في البحر المتوسط قضوا على حلم بونابرت في السير على خطى الأسكندر الأكبر في إخضاع الشرق حتى الهند، فقرر العودة إلى فرنسا لينقذ ما تبقى له من مجد في أوروبا، بعد أن فشل في مصر والشام، فعاد سراً إلى فرنسا في 12 أغسطس 1799م  تاركاً وراءه كليبر ليقود الحملة في مصر.
 
معاهدة العريش 1800م
ترك بونابرت مصر والأخطار تهدد الحملة الفرنسية من كل جانب، فالجيش في تناقص عددي بسبب المعارك والحروب الداخلية والخارجية، والدولة العثمانية أرسلت حملة أخرى إلى العريش ودمياط، والمماليك عادوا للمقاومة مرة أخرى، وتجددت ثورة المصريين في الشرقية وامتدت إلى وسط الدلتا وغربها.
أدرك كليبر صعوبة التغلب على هذه الأمور، ورأى أن من المصلحة مغادرة الحملة لمصر، وقرر عرض أمر الصلح على الصدر الأعظم للدولة العثمانية وقائد الأسطول الإنجليزي في البحر المتوسط، على أن يخرج جنوده إلى فرنسا على نفقة الدولة العثمانية، وقد اتفق على ذلك فعلاً في معاهدة عرفت بمعاهدة العريش في أوائل سنة 1800م .
ولما علمت حكومة انجلترا بمضمون الاتفاق اعترضت وطلبت استسلام الجيش الفرنسي، فرفض كليبر وقرر إلغاء المعاهدة، وأرسل إلى الصدر الأعظم ليسحب جيشه الذي أرسله إلى مصر لاسترجاعها وفقاً للمعاهدة، ولكن يوسف باشا قائد الجيش العثماني رفض الانسحاب إلى الشام وعسكر في المطرية.
فخرج كليبر على رأس عشرة آلاف جندي فرنسي وتقابل مع الجيش العثماني عند عين شمس وهزمه هزيمة منكرة، وانسحبت القوات العثمانية إلى الشام مرة أخرى.
 
ثورة القاهرة الثانية 1800م
انتهز المصريون في القاهرة فرصة وجود الجيش العثماني في العريش مما أعطاهم الأمل في إمكانية الخلاص من الفرنسيين، فقاموا بالثورة في مارس 1800م، وهاجموا معسكرات الجيش الفرنسي، لكن سرعان ما أخمدت القوات الفرنسية الثورة في القاهرة وبعض بلدان الوجه البحري، أما الوجه القبلي فقد توصل الفرنسيون إلى إخضاعه بالاتفاق مع مراد بك لكي يحكم الصعيد تحت حكم فرنسي، فقبل مراد بك حتى لا يعود الأتراك مرة أخرى لحكم مصر، قتل كليبر في 14 يونيو عام 1800م على يد سليمان الحلبي أحد طلاب الأزهر، و تولي مينو أمور الحملة.
 
انتهاء الحملة الفرنسية 
بعد موت كليبر وفشل القوى الفرنسية في مقاومة الجيوش القادمة من بريطانيا، قام الجنرال مينو بعد ذلك بتوقيع اتفاقية التسليم مع الجيش الإنجليزي وخروجهم بكامل عدتهم من مصر على متن السفن الإنجليزية، فكذلك انتهت الحملة النابليونية عن البلاد، بعد أن أثرت على المسألة الشرقية وحولتها إلى مسألة أوروبية. 
 
نتائج الحملة الفرنسية 
استفادت مصر من الحملة الفرنسية في كثير من الأمور خلال تواجد الفرنسيين في مصر فعلى الصعيد الاجتماعي تعرف المصريون على الحضارة الغربية بمزاياها ومساوئها، كما تعرفوا على بعض الأنظمة الإدارية عن الفرنسيين ومن بينها سجلات المواليد والوفيات، وكذلك نظام المحاكمات الفرنسي، وبرز ذلك في قضية سليمان الحلبي، وهناك جوانب علمية كثيرة استفادت مصر منها خلال الحملة أولها كان "كتاب وصف مصر" حيث قام العلماء الفرنسيين بتأليف هذا الكتاب الذي يصف مصر منذ قيام الحضارة الفرعونية إلى خروج الحملة من مصر، فقد رافقت الحملة الفرنسية مجموعة من العلماء في شتى مجالات العلم في وقتها، أكثر من 150 عالماً، وأكثر من 2000 متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين الذين رافقوا القائد الفرنسي نابليون بونابرت في مصر خلال أعوام 1798/ 1801 من كيميائيين وأطباء وفلكيين، وكانت نتيجة مجهودهم "كتاب وصف مصر" وهو عبارة عن المجموعة الموثقة تضم 11 مجلداً من الصور واللوحات مملوكة لمكتبة الإسكندرية، و 9 مجلدات من النصوص من بينها مجلد خاص بالأطالس والخرائط أسهم بها المجمع العلمي المصري، وقام هؤلاء العلماء بعمل مجهود غطى جميع أرض مصر من شمالها إلى جنوبها خلال سنوات تواجدهم، وقاموا برصد وتسجيل كل أمور الحياة في مصر آنذاك، وكل ما يتعلق بالحضارة المصرية القديمة ليخرجوا إلى العالم 20 جزءاً لكتاب وصف مصر، وتميز الكتاب بصور ولوحات شديدة الدقة والتفاصيل، ويعتبر هذا الكتاب الآن أكبر وأشمل موسوعة للأراضي والآثار المصرية كونها أكبر مخطوطة يدوية مكتوبة ومرسومة برسوم توضيحية، فتميزت بالدراسة العميقة للدارسين والأكاديميين الذين رافقوا نابليون، فيما نشر الكتاب بين عامي 1829-1809، كما تشتمل هذه المجموعة على صور ولوحات لأوجه النشاط المصري القديم للآثار المصرية وأيام الحملة والتاريخ الطبيعي المصري، بالإضافة إلى توثيق كل مظاهر الحياة والكنوز التاريخية والفنية والدينية المصرية وتسجيل جميع جوانب الحياة النباتية والحيوانية والثروة المعدنية آنذاك، وقد أصدرت مكتبة الإسكندرية (نسخة رقمية) من هذا الكتاب (وصف مصر) على أقراص مضغوطة.

ومن الجوانب العلمية التي اكتسبتها مصر خلال الحملة فكرة "حفر قناة السويس" فقد اقترح علماء الحملة توصيل البحرين الأحمر والمتوسط فيما يعرف الآن باسم "قناة السويس"، ولكن الفكرة لم تنفذ وذلك بسبب اعتقاد خاطئ بأن البحر الأحمر أعلى في المستوى من البحر المتوسط، إلى جانب اكتشاف الحضارة الفرعونية وأسرار اللغة المصرية القديمة من خلال فك رموز حجر رشيد حيث استطاع شامبليون في تحديد اللغة إلى (الهيروغليفية – الهيراطيقية - الديموطيقية)، كما قامت الحملة برسم أول خريطة دقيقة للقطر المصري.
 
وعلى الصعيد السياسي ساعدت الحملة الفرنسية على لفت أنظار العالم لمصر كدولة لها موقع استراتيجي هام مما نتج عن محاولة غزو إنجلترا لها في حملة فريزر الفاشلة على رشيد 19 سبتمبر 1807م بعد أن تصدى لها المصريون بعد ذلك بسنوات قلائل، إلى جانب إثارة الوعي القومي لدى المصريين، ولفت انتباههم إلى وحدة أهداف المحتل على اختلاف مشاربهم، ألا وهو امتصاص خير البلاد والقدرة على التصدي لهم بقوة
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره