مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-01-01

قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي 1945

في شهر أغسطس من عام 1945 قامت الولايات المتحدة الأمريكية يقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي باستخدام القنابل النووية لأول مرة في التاريخ، وذلك بسبب رفض اليابان لتنفيذ إعلان مؤتمر بوتسدام الذي كان نصه أن تستسلم اليابان استسلاماً كاملاً للحلفاء بدون شروط في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان رئيس الوزراء الياباني سوزوكي قد رفض الاستسلام وتجاهل المدة التي حددت لذلك – وكانت نتيجة هذا الرفض أن أصدر الرئيس الأمريكي هاري ترومان أوامره بإطلاق السلاح النووي الذي أطلق عليه اسم "الولد الصغير" ليصيب هيروشيما في يوم الاثنين الموافق الموافق 6 أغسطس 1945. 
ولم يكتفي ترومان بإطلاق الولد الصغير بل أتبع ذلك بإطلاق قنبلة "الرجل البدين" هذه المرة على مدينة ناغازاكي اليابانية في التاسع من شهر أغسطس من نفس العام.
 
اعداد: محمد المشرف خليفة
 
كانت نتيجة إسقاط هاتين القنبلتين قتل ما يصل إلى 140 ألف في هيروشيما، و80 ألف شخص في ناغازاكي ومن بين هؤلاء المصابين مات 15 – إلى 20 بالمئة متأثرين بالجروح أو بسبب آثار الحروق وما سببته القنابل من حروق إشعاعية، وتسمم إشعاعي وأتبع ذلك عدد من الوفيات بسبب سرطان الدم 231 حالة وما سمى بالسرطانات الصلبة 234 حالة، وضاعف من الحالات أن معظم المصابين كانوا من المدنيين في المدينتين.
 
في الخامس عشر من شهر أغسطس – أي بعد ستة أيام من وقوع الانفجارين المدمرين أعلنت اليابان استسلامها للحلفاء وتم توقيع وثيقة الاستسلام في اليوم الثاني من شهر سبتمبر، وكان من نتيجة ذلك إنهاء الحرب في المحيط الهادي بصفة رسمية، وعجل ذلك بنهاية الحرب العالمية الثانية إذ وقعت في السابع من مايو ألمانيا على أثر ذلك على وثيقة الاستسلام وانتهت بذلك الحرب في أوروبا. وبالرجوع للبداية لابد من التطرق لما سمي بمشروع مانهاتن.
 
مشروع مانهاتن
بدأ العمل في هذا المشروع بالتعاون بين أمريكا والمملكة المتحدة وكندا في سرية تامة وتم خلال ذلك تصميم وبناء أول قنبلة نووية في التاريخ، وقام الفيزيائي الأمريكي روبرت أوبنهايمر بإدارة البحث العلمي، وكانت نتيجة ذلك صناعة أول قنبلة نووية وهي القنبلة التي ألقيت فيما بعد على هيروشيما، وهي قنبلة ذات انشطار مصوب وأطلق عليها "الولد أو الابن الصغير" Little Boy وصنعت من اليورانيوم 235 باعتباره نظير نادر لليورانيوم.
وكان اختيارها قد تم في السادس من شهر يوليو لعام 1945 وتبع ذلك صناعة القنبلة الثانية التي أطلق عليها اسم الرجل البدين، وكانت القنبلة من الأنواع ذات الانشطار الداخلي، وكانت من البلوتونيوم 239.
 
اختيار الأهداف
بعد أن تمت صناعة القنبلتين النوويتين تقرر تحديد الأهداف المراد إصابتها ووقع الاختيار في البداية على المدن اليابانية هيروشيما، يوكوهاما، كيوتو، وكوكورا كأهداف محتملة. وكان الاختيار وقفاً على ما يلي:
- يجب أن يكون قطر الهدف أكثر من ثلاثة أميال، وهدفاً مهماً في منطقة حضرية كبيرة.
- يجب أن يؤدي الانفجار إلى أضرار فعلية.
- أن يكون من المستبعد الهجوم على الهدف في شهر أغسطس عام 1945، وأن يقع في منطقة حضرية كبيرة لتتعرض للأضرار الناجمة عن الانفجار.
 
وتم اختيار هيروشيما لأنها كما اتضح مستودع عسكري هام وميناء ويمكن المغادرة من خلالها كما وأنها هدف راداري مهم وحجمها كبير بحيث يتعرض جزء كبير من المدينة للأضرار الجسيمة كما أن التلال المجاورة تؤدي إلى إحداث تأثير تركيزي، وكان الهدف إقناع اليابان بالاستسلام دون شروط – وذكرت لجنة الأهداف أن للعوامل النفسية تأثير كبير في اختيار الهدف ومن هذه الجوانب أيضاً:
- التأثير النفسي على اليابان بقدر المستطاع، وجعل الاستخدام الأولي للسلاح مثيراً وذلك ليعترف العالم أجمع بأهميته عندما يتم إطلاقه.
- يمكن بالنسبة لحجم هيروشيما تدمير جزء كبير من المدينة، ويحظى قصر الإمبراطور في طوكيو بشهرة أكبر من أي هدف آخر، ولكنه ذي قيمة إستراتيجية أقل – ويقال أن نجاة مدينة كيوتو يعود لإعجاب وزير الحرب الأمريكي بها فقد مضى فيها قبل الحرب شهر العسل هناك.
 
لماذا الهجوم على هيروشيما
كانت مدينة هيروشيما اليابانية تتمتع ببعض الأهمية الصناعية والعسكرية في الوقت الذي تم فيه تدميرها، كما كان لدى هيروشيما قاعدة لوجستية للجيش الياباني، ومركزاً للاتصالات ونقطة تخزين، ومنطقة تجميع للقوات، وكانت بمنأى عن القصف الأمريكي لبعدها فرؤي أن التفجير سيكون أكثر أثراً وقد أحس اليابانيون فعلاً بحرقة شديدة.
 
وكان عدد سكان المدينة قد وصل إلى الذروة بأكثر من 381,000 نسمة في أوائل الحرب وقبل الانفجار بحوالي ساعة اكتشف رادار الإنذار الياباني اقتراب بعض الطائرات الأمريكية من الجزء الجنوبي الياباني، وحدد الرادار عدد الطائرات القادمة بثلاث طائرات، وللحفاظ على وقود الطائرات اليابانية قرروا عدم اعتراض مثل هذه الطائرات ذات التجمعات الصغيرة، ولكن حذروا الناس حتى يدخلوا إلى الملاجئ لتحميهم من الغارات الجوية واعتقدوا أن هذه الطائرات في رحلة أو مهمة استطلاع فقط.
 
وفوجئ اليابانيون في الساعة الثامنة والربع بتوقيت هيروشيما بانطلاق القنبلة – واستغرقت القنبلة 57 ثانية لتسقط من الطائرة وتصل إلى الارتفاع الذي ستنفجر فيه وهو حوالي 600 متر "2000 قدم" فوق المدينة – وبلغ نصف قطر دائرة الدمار ميل واحد 1,06 كيلومتر وانتشرت الحرائق على مسافة 4.4 ميل مكعب تقريباً، 11 كيلومتر مكعب – وأشارت التقديرات الأمريكية إلى تدمير 4.7 ميل مكعب 12 كيلو متر مكعب من مساحة المدينة وحدد اليابانيون خسارة المباني في منتصف مدينة هيروشيما بحوالي 69 % بالإضافة إلى إلحاق الضرر بـ 6 – 7% من مبان أخرى مجاورة.
 
وقد لقي 70.000 إلى 80.000 ياباني مصرعهم أي حوالي 30 % من سكان هيروشيما وجرح 70.000 كما مات 90 % من الأطباء و93 % من الممرضين أو أصيبوا بجروح.
حيث كانوا جميعاً في وسط المدينة التي تأثرت بالانفجار أكثر من أي منطقة أخرى هذا وعلى الرغم من أن أمريكا قد سبق وألقت منشورات لتحذر فيها المدنيين من الغارات الجوية على اثنتي عشر مدينة يابانية إلا أنه لم يتم تحذير سكان هيروشيما.
 
فوجئ القائمون على مشغل التحكم بطوكيو التابع للإذاعة اختفاء محطة هيروشيما الإذاعية، كما توقف الخط الرئيس للتلغراف عن العمل شمال المدينة، وتوقفت بعض السكك الحديدية على بعد 10 أميال من المدينة، وحين جاء خبر الانتشار النووي تم نقل ذلك إلى مقر قيادة هيئة الأركان العامة للجيش الياباني الإمبراطوري، وحين حاولت الاتصال بمحطة مراقبة الجيش في هيروشيما فوجئ المسئولون بصمت تام، وحين أوفدوا أحد الضباط بطائرة لاكتشاف ما يحدث فوجي بعد وصوله بثلاث ساعات وقبل أن يهبط بالطائرة في هيروشيما أن المدينة قد أصبحت قطعة من دخان، وهناك قطع ما تزال مشتعلة تغطيها سحب من الدخان، وصعق من المفاجأة وأسرع بإبلاغ ما شاهد.
 
كان الغريب في الأمر أن بعض المباني لم تتأثر واتضح فيما بعد أنها كانت قد شيدت بطريقة لتحمل مخاطر الزلازل في اليابان، وبالتالي لم تتعرض هيا كلها للانهيار رغم قربها من مركز الانفجار. ونجا بعض من كانوا في بنك هيروشيما رغم أنه لم يكن يبعد أكثر من 300 متر عن الانفجار.
 
تهديد أمريكي
بعد القصف هيروشيما أعلن الرئيس ترومان: "إن لم يقبلوا بشروطنا يجب أن يتوقعوا أمطاراً من الخراب تأتيهم من الهواء لم يرها أحد من قبل على هذه الأرض".
 
ناغازاكي
في الساعة الحادية عشر ودقيقة استطاع الكابتن كيرميت بيهان من رؤية مدينة ناغازاكي بعد أن انقشعت السحب التي كانت تغطيها فما كان منه إلا أن أسقط القنبلة النووية التي أطلق عليها الرجل البدين The Fat Man – وكانت القنبلة تحتوي على 6,4 كيلوغرام أي 14.1 رطلاً من مادة البلوتونيوم 239، التي سقطت على الوادي الصناعي بالمدينة، وخلال 43 ثانية انفجرت القنبلة من على ارتفاع 469 متر أي 1540 قدماً فوق سطح الأرض وتحديداً في منتصف المسافة بين شركة ميتسوبيشي للصلب والأسلحة في الجنوب، ومصنع ميتسوبيشي URAKAMI للذخائر في الشمال – أي على بعد 3 كيلو مترات (2 ميل) تقريباً شمال غرب المركز المخطط واقتصر الانفجار على وادي أوراكامي لأن التلال حمت جزءاً كبيراً من المدينة، ووصلت قوة الانفجار إلى ما يعادل 21 كيلو طن من مادة TNT، وولد الانفجار قوة حرارية بحوالي 3900 درجة مئوية "ما يعادل 7000 درجة فهرنهايت".
 
وقد بلغ عدد الوفيات مباشرة بعد الانفجار بين 40.000 إلى 70.000 شخص، وفي تقرير عن عدد الوفيات بنهاية عام 1945 بلغ العدد 80.000 حالة، وكان هناك أسرى حرب مات منهم حوالي ثمانية جراء القصف.
وفي تقرير لاحق تم رصد هذه الإحصاءات:
- لقي سبعة هولنديون مصرعهم في القصف.
- مات اثنان من الأسرى بسبب السرطان نتيجة القصف بعد نهاية الحرب.
- بلغ نصف قطر دائرة الدمار حوالي ميل أي ما يعادل 2.1 كيلومتر مع حرائق.
ومن الغرائب أن عدداً من الذين فروا هرباً من هيروشيما إلى ناغازاكي تعرضوا للقصف مرة أخرى. وتم تدمير مصنع ميتسوبيشي الذي كان ينتج الطوربيدات التي ضرب بعضها ميناء بيرل هاربر بأمريكا.
 
تهديد بغارات أخرى
هددت أمريكا باستخدام قنابل نووية أخرى ما لم تستسلم اليابان، وأعلن إمبراطور اليابان قرار الاستسلام في 14 أغسطس. وبث البيان على الأمة اليابانية، وأشار الإمبراطور هيروهيتو في تصريحاته عن القصف النووي بقوله: "يملك العدو سلاحاً جديداً ومريباً يستطيع حصد العديد من الأرواح البريئة وتدمير البلاد فإذا استكملنا القتال سيؤدي ذلك إلى القضاء على اليابانيين والحضارة الإنسانية"، ثم أعلن الاستسلام.
لم تمض سنة حتى احتل الأمريكيون 40000 من جنودهم هيروشيما، كما احتل 27000 جندي مدينة ناغازاكي.
 
واتضح فيما بعد أن العثور على الضحايا كشف عن مجموعات لم تكن مقصودة ومنهم أسرى حرب تابعين للحلفاء وكوريا وعمال صينين وطلاب من ملايو وحوالي 3200 مواطن أمريكي من أصل ياباني، لم يكن لهم ذنب إلا وجودهم في المكان الخطأ في الوقت غير المناسب بين هيروشيما وناغازاكي.
 
هيباكوشا
سمى الضحايا الذين كتبت لهم النجاة من القنابل النووية بهذا الاسم هيباكوشا وتعني: السكان المتضررين من الانفجار، وللمعاناة من جراء القصف النووي.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره