مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-02-01

معركة العلمين الثانية 1942 من أشهر معارك القرن العشرين

إحدى أشهر معارك القرن العشرين، حيث كانت المعركة الفاصلة في مسرح شمال أفريقيا، بل تعد إحدى المعارك الحاسمة، وإحدى نقاط التحول في الحرب العالمية الثانية. كما تعتبر في علم المعارك العسكرية مثالاً للضربة الساحقة التي تعقبها ضربة تالية تشطر قوات العدو، وإحدى أهم معارك الدبابات على مدار التاريخ.
 
إعداد: مريم الرميثي
 
 
معركة العلمين كانت بين القوات الألمانية والإيطالية بقيادة إرفين رومل وبين القوات البريطانية بقيادة برنارد مونتغمري في نوفمبر عام 1942. وبعد انتصار القوات الألمانية في معارك الصحراء، كانت المشكلة عند الألمان هو النقص الكبير في الوقود بسب إغراق البريطانيين لحاملة النفط الإيطالية مما شل حركة تقدم الدبابات وبالتالي استطاعت القوات البريطانية طردهم إلى ليبيا، ومن كل أفريقيا وصولاً إلى مالطا، وقد شهدت هذه المعركة بداية الخسائر التي ألحقت بالألمان.
 
وقد وقعت حرب العلمين أو معركة العلمين الثانية في العلمين التي تبعد 90 كيلو متر عن الإسكندرية وتقع قرب أرض المعركة بلدة العلمين.
 
خلفية تاريخية
بعد أن فشل القائد الألماني إرفين رومل في اختراق الخطوط البريطانية في معركة علم حلفا لم يكن أمامه ما يفعله سوى انتظار الهجوم البريطاني التالي على أمل أن يقوم بصده على الأقل. وفي يوم 23 سبتمبر 1942 سافر رومل إلى ألمانيا لتلقي العلاج، تاركاً وراءه جورج فون شتومه قائداً لقوات المحور في شمال أفريقيا.
 
وفي 24 سبتمبر، أثناء طريق العودة، التقى رومل بالزعيم الإيطالي بنيتو موسوليني، وشرح له مشاكل الإمدادات في الجبهة، وأنه إن لم تصل الإمدادات إلى المستوى المطلوب فسيضطرون للتخلي عن شمال أفريقيا، إلا أن موسوليني بدا عليه، وفقاً لرومل، عدم تقديره لخطورة الوضع.
 
بالنسبة للبريطانيين فقد استمروا في تعزيز موقفهم، واستمروا في تلقي الإمدادات من بريطانيا والولايات المتحدة، ولم يكن على هارولد ألكسندر، قائد القوات البريطانية في الشرق الأوسط، وبرنارد مونتغمري، قائد الجيش الثامن البريطاني، سوى اختيار الوقت الذي يناسبهم للهجوم.
 
قوات الجانبين
إجمالاً كان البريطانيون متفوقين في كل المجالات على قوات المحور، ويمكن استعراض قوات الجانبين في معركة العلمين كما يلي:
-  195,000 جندي بريطاني ومن الحلفاء مقابل 104,000 جندي من قوات المحور.
-  1029 دبابة للبريطانيين مقابل 489 للمحور.
-  2311 مدفع للبريطانيين مقابل 1219 للمحور.
-  750 طائرة للبريطانيين مقابل 675 للمحور.
 
إضافة إلى ذلك كان طريق الإمدادات قصير بالنسبة للبريطانيين، حيث يبعد ميناء الإسكندرية حوالي 110 كم عن الجبهة، ويبعد ميناء السويس حوالي 345 كم عن الجبهة. أما بالنسبة للمحور فإن أقرب ميناء وهو طبرق يبعد أكثر من 590 كم عن الجبهة، كما يبعد ميناء بنغازي أكثر من 1050 كم، ويبعد ميناء طرابلس أكثر من 2100 كم. أضف إلى ذلك أن طريق الإمدادات بالنسبة لقوات المحور يتعرض للغارات من جزيرة مالطا، ومن الفدائيين في الصحراء.
 
خطط العمليات وفكرة المناورة عند مونتغمري
"عندما تسلمت قيادة الجيش قلت إن هذا التكليف كان بهدف تدمير رومل وجيشه، وهذا ما يجب القيام به حالما نكون جاهزين، ونحن الآن جاهزون» قال مونتغمري ذلك في 23 أكتوبر 1942.
كانت خطة مونتغمري المبدئية تقوم على نقطتين: أولاً: تدمير مدرعات رومل بسرعة، وثانياً: التعامل مع عناصره غير المدرعة على مهل.
تتطابق هذه الخطة مع الفكر العسكري السائد في ذلك الوقت، ولكن مونتغمري قرر أن يعكس هذه الطريقة ويقوم بتعديلها بعملين متزامنين: احتواء سلاح العدو المدرع، والتعامل مع فرق مشاة العدو، وذلك بتدميرها بطريقة منهجية في مراكزها الدفاعية، وهذه الفرق غير المدرعة ستدمر بعمليات تفتيت متتابعة.
لتحقيق هذه الخطة يجب مهاجمة العدو من الجانبين، والخلف، وقطع الإمدادات عنه بعمليات منظمة، ومخططة بعناية ودقة، من خلال سلسلة من القواعد الثابتة تكون بمتناول قواته.
وقد شرح مونتغمري هذه الخطة واجتمع بقادة جيشه نزولاً حتى رتبة عقيد، فشدد على وضع العدو، وركز على ضعفه، وأكد أن القتال سيكون طويلاً (كقتال الكلاب) أو «قتالاً متوازناً»، قد يستغرق أياماً، وقد تكون عشرة. ثم قدم تفاصيل عن قوة جيشه: دباباته، مدافعه وطائراته والإمدادات الهائلة التي بحوزته من الذخيرة وغيرها، وركز على عدم التخلّي عن روح المبادرة، وشدد على أن كل فرد، يجب أن يكون مشبعاً بالرغبة لقتال الألمان.
 
أحداث المعركة
كانت أرض المعركة في الصحراء المفتوحة المنبسطة، حيث من المستحيل إخفاء إشارات هجوم مقبل، ولهذا السبب قام البريطانيون بوضع مخطط تمويه يجعل الألمان يعتقدون أن الهجوم سيكون على الطرف الجنوبي للجبهة من جهة الصحراء (منخفض القطارة) وقاموا بوضع أشكال دبابات ومدافع وقواعد لوجستية وخزانات نفط وأنابيب كلها خشبية ومموّهة في هذا القطاع.
وقد بدأ البريطانيون الهجوم بقصف مدفعي في الساعة 21.25 من ليل يوم 23 أكتوبر 1942. وفي اليوم التالي الموافق 24 أكتوبر توفى القائد الألماني فون شتومه، وتولى القائد الألماني ريتر فون توما قائد الفيلق الأفريقي مهمة قيادة قوات المحور لحين وصول رومل.
وفي مساء يوم 26 أكتوبر يصل رومل إلى الجبهة بعد رحلة طويلة، ويحاول قدر الإمكان الحفاظ على الجبهة متماسكة.
في ليلة 30-31 أكتوبر تشن الفرقة الأسترالية التاسعة هجوماً ينجح في عزل فرقة المشاة 164 الألمانية، ويدفع رومل بقواته بغرض تحرير تلك الفرقة، وينجح في ذلك في نفس يوم 31 أكتوبر ولكن بخسائر كبيرة.
في المقابل كان مونتغمري يتعرض لضغوط من رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل لعجزه عن تحقيق نصر سريع، ومع ذلك أعطى مونتغمري الجنود راحة استمرت 24 ساعة انتهت في ليلة 2-1 نوفمبر.
في تلك الليلة شن مونتغمري هجومه عبر تل العقاقير جنوب سيدي عبد الرحمن، ولم تستطع قوات المحور صد الهجوم، وأدرك رومل أن المعركة حسمت نهائياً لصالح البريطانيين. وفي صباح يوم 2  نوفمبر وصلته رسالة عبر المذياع من الزعيم الألماني أدولف هتلر تأمره بالصمود حتى النهاية، ويبدو أن رومل لم يكن متأكداً أن هتلر هو صاحب الرسالة، إذ أمر قواته بالانسحاب.
في 3 نوفمبر وصل النص غير المشفر لرسالة هتلر الأصلية المطالبة بالصمود، ورغم تفوق القوات البريطانية، فإن رومل قرر إطاعة أوامر هتلر ولو لبعض الوقت.
في 4 نوفمبر لم يعد رومل قادراً على تنفيذ أمر هتلر، فبدأ الانسحاب إلى فوكة في الغرب، وكان قد خسر ما بين عصر 3 نوفمبر، وعصر 4 نوفمبر حوالي 200 دبابة، وكان رومل قد التقى يوم 4 نوفمبر بالقائد الألماني ألبرت كسلرنغ، قائد القوات الألمانية في جبهة البحر المتوسط وأكد له صواب رأيه بالانسحاب، وفي هذا اليوم أيضاً فقد رومل الاتصال بفون توما قائد الفيلق الأفريقي، وسرى اعتقاد بأنه قتل، لكنه في الواقع وقع في الأسر.
 
ما بعد المعركة
-  في 5 نوفمبر حاول رومل إقامة خط دفاعي في فوكة كتمهيد لانسحابه نحو ليبيا.
-  في 6 نوفمبر هطول أمطار تعيق التقدم البريطاني تستغلها قوات المحور في الانسحاب.
-  في 7 نوفمبر محاولة قوات المحور التوقف في مرسى مطروح، وفي نفس اليوم تصل رسالة من هتلر تحذر رومل باحتمال قيام الحلفاء الغربيين بإنزال ما بين طبرق وبنغازي.
-  في 8 نوفمبر وصلت برقية من رومل موجهة إلى هتلر تشير إلى أن مخاوف الإنزال لا أساس لها، لكنه علم أن الحلفاء قاموا بالإنزال في المغرب والجزائر (عملية الشعلة)، ولذلك قرر رومل أن أفضل ما يفعله في الوقت الحالي هو الانسحاب إلى العقيلة.
- المطاردة التي بدأها الجيش الثامن بعد معركة العلمين لقوات المحور من العلمين انتهت تقريباً في مدينة مدنين في تونس بعد أن قطعت القوات المتحاربة حوالي 2300 كم، وكانت حملة تونس هي آخر المعارك الحاسمة في أفريقيا، وهي التي أنهت وجود قوات المحور فيها.
 
نتائج وخسائر المعركة:
أسفرت المعركة عن الخسائر الآتية:
الحلفاء: 13000 رجل، 250 دبابة (غير قابلة للتصليح)، 250 دبابة (معطوبة)، 500 مدفع، 250 طائرة.
المحور: 15000 رجل، 30000 أسير، 450 دبابة، 800 مدفع، 400 طائرة.
على الرغم من تفوق الحلفاء خاصة بالقوات والمدرعات والطائرات والإمدادات واستطاعتهم تدمير الفيلق الأفريقي Africa Korps، فإن معركة العلمين قد أنهكتهم وحرمتهم من تحقيق انتصار كاسح.
قال تشرشل: "إن معركة العلمين تشكل نقطة تحول في التراث العسكري البريطاني في خلال الحرب العالمية، قبل العلمين كنا نتصارع للبقاء، أما بعد العلمين فأصبحنا ننتصر".
وقال أيضاً: "لا يمكن اعتبار معركة العلمين أنها النهاية، قد تكون بداية النهاية، ولكنها بالتأكيد نهاية البداية".
 
أسباب هزيمة المحور في معركة العلمين
لم تكن الهزيمة التي تعرضت لها قوات المحور دليلاً على ضعفها أو شاهد على قدرات الحلفاء بقدر ما كانت القوات الألمانية على الأرض ضحية لأخطاء القيادة العليا. بداية من الاعتماد على القوات الإيطالية في مسارح المعارك، ولم تكن إيطاليا أبداً عوناً لألمانيا بقدر ما كانت عبئاً عليها نتيجة جهل ضباطها واعتمادهم على أساليب القتال القديمة وكذلك قدم الأسلحة وسوء تدريب القوات، أضف إلى ذلك، غياب الإمدادات عن القوات في أرض المعركة وبالذات في الطاقة والمحروقات الأمر الذي أدى لخروج الدبابات الألمانية لأيام كاملة من القتال نتيجة نقص الوقود.العدد المحدود من الدبابات والمدرعات على جانب المحور كان سبباً رئيسياً أيضاً لخسارة المعركة حتى أن أغلب قوات رومل المدرعة في المعركة كانت من الدبابات البريطانية التي استولى عليها في المعارك السابقة.
وأحد أهم الأسباب التي أدت لخسارة رومل هو نجاح البريطانيين في فك شفرة الاتصالات الألمانية، وهو خلل خطير في القيادة الألمانية التي ظلت تحارب 6 سنوات بدون تغيير شفرة الإرسال التي اعتقدوا أنها معقدة وغير قابلة للكشف. وأصبح الحلفاء في ميدان المعركة على علم بكل التحركات الألمانية قبل حدوثها وهو ما ساعد مونتغمري على اكتشاف خطة رومل قبل بدء المعركة. وعلى الرغم من أن مونتغمري لم يكن عبقرية عسكرية إلا أن كل العوامل السابقة التي أدت لانتصاره كانت كفيلة بجعله بطلا في نظر الإنجليز. إذ استغل الإنجليز انتصاره للدعاية لمونتغمري (أو مونتي) كما كانوا يلقبونه وذلك للرفع من الروح المعنوية للقوات نتيجة الخسائر الفادحة على كل الجبهات.
 
وتتمثل أبرز أسباب خسارة الألمان للمعركة بما يلي:
- تناقص التموين عبر البحر المتوسط لقوات المحور إلى خمس الحاجات الاعتيادية بسبب إغراق ثلاثة أرباع سفن التموين من قبل القوة الجوية الملكية البريطانية خصوصاً المحروقات.
- ازدياد القوة الجوية البريطانية بالطائرات كماً ونوعاً.
- تضاؤل قوة المحور الجوية (بقيادة كيسلرنغ) على مسرح شمال أفريقيا لحاجة هتلر لها على مسرح روسيا.
- عدم احتلال جزيرة مالطا من قبل المحور، والتي كانت تشكل قاعدة الحلفاء لضرب قوافل البواخر المحورية.
- طول خطوط التموين لقوات المحور من مرفأ طبرق حتى العلمين والبالغة أكثر من 590 كم، وأكثر من 1050 كم من بنغازي، بينما خطوط تموين الحلفاء تبعد عن العلمين حوالي 110 كم عن الإسكندرية و345 كم عن السويس.
- عدم تزويد رومل بما يحتاج إليه من الدبابات الجديدة أو الجنود الأكفاء لاستبدال الجنود الذين تعبوا من المعركة والعتاد التي أنهكت.
- تدخل هتلر المباشر في العمليات وعدم السماح بالانسحاب في الوقت المناسب، وعدم وفائه بوعوده لرومل من احتلال مالطا وتلبية حاجاته الضرورية.
وقال المارشال كايتل مستشار هتلر معبراً عن الهزيمة: «كانت العلمين من أثمن الفرص التي مررنا بالقرب منها وأضعناها، وأستطيع أن أقول إننا في تلك المرحلة من الحرب كنا أقرب من الظفر العام مما كنا في أي زمان أو بعدها. لم يبق علينا يومذاك إلا بذل جهد قليل لكي نفتح الإسكندرية، ونكر على قناة السويس أو فلسطين...».
 
الدروس المستفادة من المعركة
هناك عدة دروس ونتائج، جديرة بالبحث والدراسة، ومن ضمنها مسألة إمداد وتموين القوات فقد كانت قوات الطرفين، على  اتصال مباشر لمدة أربعة أشهر قبل المعركة، وقد حاول كلا الطرفين الاستعداد  لهذه المعركة، بكل وسيلة ممكنة، وكانت المشكلة الرئيسية التي واجهتهما، هي مشكلة الإمداد والتموين، وكان من المعروف جيداً، أن الطرف الذي يسبق خصمه في سباق الإمداد والتموين، هو الذي سيبدأ بالهجوم.
وانهالت الإمدادات، عـلى الجيش الثامن البريطاني، وتدفقت المعدات الأمريكية إليه، بشكل لم يسبق له مثيل، ولم تتمكن القيادة الألمانية، مجاراة هذا التدفق، حيث كان الميدان الروسي في ذلك الوقت، يستنزف معظـم مجهود ألمانيا الحربي، علاوة على الخسائر الفادحة، التي أُصيبت بها سفن المحور في البحر الأبيض المتوسط، أثناء محاولتها نقل الاحتياجات التموينية، والمعدات، إلى قوات "رومل" في شمال أفريقيا، وكان من البديهي أن ينتقل التفوق الساحق نتيجة لذلك، إلى جانب البريطانيين، بينما لم يتمكن "رومل"، من دعم قواته الألمانية (فرقه الأربعة) بأي قوات أخرى، إضافة إلى أن الفرق الإيطالية، التي كانت تحارب معه، لم تكن في المستوى الذي يسمح لـ"رومل" بالاعتماد عليها اعتماداً كلياً.
وشعر "رومل"، بأن التفوق أصبح إلى جانب القوات البريطانية، ولذلك عمد إلى تقوية مواقعه الدفاعية، وتكثيف حقول الألغام أمامها، كما احتفظ بجميع قواته  المدرعة، في الاحتياطي، بالقطاعين الشمالي والجنوبي، حتى يمكنه دفعها في الوقت المناسب، إلى المكان المحتمل للهجوم البريطاني. 
 
أما من ناحية "مونتغمري"، فقد فكر ملياً في الاستفادة من ذلك التفوق الساحق، الذي تحقق لقواته، كما فكر في طبيعة الأرض، بمنطقة العلمين، حيث تقف قوات خصمه بين مانعين طبيعيين قويين (البحر المتوسط شمالاً، ومنخفض القطارة جنوباً). وقد وجد أن فرصته نادرة ولا يمكن أن تتوافر له مرة أخرى، فهو يعلم جيداً أن قوات المحور، تتفوق على قواته في المعارك المتحركة خفيفة الحركة، كما أن مستوى تدريب قيادات قوات المحور، على هذا النوع من المعارك أفضل بكثير، من مستوى تدريب قياداته، وعلاوة على كل هذا، فإن "رومل" بالذات والملقب بثعلب الصحراء، لا يجاريه أي قائد آخر، في خبرته بالعمليات الصحراوية المتحركة، التي تعتمد أساساً على المناورة وخفة الحركة، ولذلك قرر "مونتغمري" أنه من الضروري استغلال تفوقه الكبير، في ضرب قوات المحور ضربة واحدة كبرى، للقضاء عليها بأكملها، وهي محصورة في منطقة العلمين، مع عدم إتاحة أي فرصة لها للانسحاب، حتى لا تعود لـ "رومل" الحرية على مزاولة مناوراته البارعة، في الأراضي المفتوحة، الواقعة في الغرب. وكان قرار "مونتغمري" هذا، متوافقاً مع الخطة الإستراتيجية للحلفاء، حيث أن القضاء على قوات "رومل" نهائياً، يُمكّن القوات الأمريكية ـ البريطانية من النزول على ساحل أفريقيا الشمالي، في الموعد المخصص لذلك، وهو يوم 8 نوفمبر، وبهذا يتسنى للحلفاء السيطرة على شمال أفريقيا بأكمله، ويتم بذلك تطويق قلعة "هتلر" الأوروبية من الجنوب. 
 
على الرغم من التفوق البريطاني الساحق، في الأفراد والمعدات، وعلى الرغم من أن الخطة التي وضعها "مونتغمري"، كانت تهدف إلى تدمير كامل لقوات المحور، وهي في منطقة العلمين، فقد اعترض تنفيذ هذه الخطة عدة عقبات خطيرة، بسبب براعة "رومل" في القيادة، وارتفاع مستوى تدريب قواته، وكفاءة قواته القتالية في العمليات. وكانت العقبة الأولى هي فشل "مونتغمري" في اختراق مواقع المحور الدفاعية في هجومه الأول ليلة 24/23 أكتوبر، مما أدى إلى توريط قواته المدرعة فيما بين حقول الألغام التي عبرتها، ومواقع المحور الدفاعية التي صمدت تجاه الهجوم البريطاني، وقد تكبدت القوات البريطانية المدرعة خسائر فادحة، بسبب هذا الموقف واضطرت القيادة البريطانية، إلى سحبها ثانية، شرق حقول الألغام، كما اضطرت إلى مواصلة القتال المتلاحم، في منطقة الاختراق عدة أيام، من دون أي نتيجة تذكر. وفي النهاية، اضطر "مونتغمري" إلى تعديل خطته بعد أن أوشكت القوة الدافعة لهجومه أن تتوقف. 
وعلى الرغم من النجاح، الذي أحرزه "مونتغمري"، في هجومه النهائي، إلاّ أن "رومل" كان بارعاً، في مواجهة تطورات الموقف، على الرغم من قرارات القيادة العليا الألمانية، والإيطالية، المعاكسة، ولذلك نجح في سحب جزء كبير من قواته المدرعة، والآلية من دون أن تتمكن القوات البريطانية ـ على الرغم من تفوقها في البر والبحر ـ أن تنزل بها هزيمة كبيرة، مع أنها فقدت كل دباباتها تقريباً، علاوة على أنها كانت تنسحب في أرض صحراوية مكشوفة، لا تتوافر فيها أي وسائل للإخفاء، أو الوقاية، من الهجمات الجوية. ولا شك أن هذا الانسحاب، يعتبر نموذجاً رائعاً، قلما يحدث مثله في تاريخ الحروب، 
 
ويرجع الفضل الأكبر في نجاحه، إلى عدة عوامل أهمها ما يلي: 
- براعة "رومل" التكتيكية، وسرعته في اتخاذ القرارات.
- التدريب الجيد لقوات "رومل" المدرعة والآلية، وهي القوات التي كانت تستر انسحاب قوات المشاة، فقد تمكنت هذه القوات في كثير من المرات، من تعطيل قوات تفوقها عدداً وعدة، لفترات طويلة.
- الروح المعنوية العالية لدى جنود المحور على الرغم من انسحابهم، وذلك لثقتهم المطلقة في قائدهم.
- جمود التكتيكات البريطانية، وبطء القيادة البريطانية وحذرها الفائق، مما سبب ضياع فرص عديدة.
- عدم إتباع سلاح الطيران البريطاني، تكتيكات مناسبة فـي التعاون مع القوات البريطانية، في عمليات المطاردة، مما أدى إلى فشله في إيقاع خسائر كبيرة، بقوات المحور المنسحبة.
ونتيجة لما سبق، نجح "رومل" في سحب الجزء الأكبر من قواته من منطقة العلمين، وبالتالي لم يتحقق هدف "مونتغمري" في تحطيم جميع قوات المحور في هذه المنطقة، وبالتالي وجد الجيش الثامن البريطاني نفسـه في صراع جديد، من أجل تعقب بقايا قوات المحور والقضاء عليها، وظل في قتال مستمر وطويل طوال الأشهر التالية، وامتد ميدان القتال أمامه، في مسرح عمليات شمال أفريقيا، تدريجياً من الأراضي المصرية حتى وصل في نهاية الأمر إلى الأراضي التونسية، وضاعت على الجيش البريطاني فرصة الانتهاء من قوات المحور، والتفرغ لعمليات أخرى. 
لو انتصر رومل وقوات المحور في معركة العلمين، وتابع تقدّمه وانتصاراته، كان من المحتمل أن تكون خريطة الشرق الأوسط والعالم غير ما هي عليه اليوم.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره