مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-01-10

2021 ..عـــام الـتـراجــع الإيـرانــــــي

يتفاءل البعض بالضغوط الأمريكية على النظام الإيراني والمتمثلة بالعقوبات الإقتصادية الشديدة من جهة ، وبالإنسحاب الأمريكي أيضاً من الأتفاق النووي لعدم إلتزام طهران بروح هذا الإتفاق وخرقها له بتوسعها الكمي والنوعي في تطوير وإنتاج الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى ، وأيضاً بتدخلها الواضح سواءً بطريق مباشر أم عن طريق وكلائها بالشؤون الداخلية لدول الجوار وبخاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين .
 
بقلم : د. فارس الخطاب     
وإذا ما علمنا أن إيران ركزت بعد إنتهاء حربها مع العراق (1988) على مسألتين جوهريتين رأت فيهما القيادة الإيرانية أنهما كانا من أكبر أسباب عدم قدرتها على حسم الحرب لصالحها بالرغم من الزخم العقائدي الهائل الذي كان نظام “ولاية الفقيه” قد منحه للمقاتلين الإيرانيين وأيضاً الفارق الكبير بين القدرات البشرية الإيرانية والعراقية ؛ فأما المسألة الأولى ، فكانت الإهتمام المطلق والإستثنائي بتطوير الأقتصاد الإيراني ، وأما الثانية ، فكانت تطوير سلاح الصواريخ الذي يعتقد الإيرانيون أنه كان الأداة الحاسمة التي مكنت العراق من إنهاء الحرب دون هزيمة ؛ وهذان الأمران بالتحديد ما أستهدفتها الولايات المتحدة في تصديها للتغول الإيراني .
 
البعض الآخر من المتابعين يرى أن هذا العام 2021 ليس سوى إمتداد للأعوام التي سبقته ، وأن إيران ترى أنها صمدت أمام عقوبات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وبالتالي فالرئيس الجديد المنتخب ، جو بايدن ، سوف يكون أقل صرامة تجاهها وأنه سيحاول العودة إلى الأتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2015 ، وبالتالي سترخي إدارته قبضتها حول عنق الإقتصاد الإيراني لخلق أجواء تفاوضية توحي بالثقة . يضيف أصحاب هذا الرأي ، أن إيران ما زالت هي المتحكمة في مشاهد كثير في بعض دول الإقليم بدليل وجود الكثير من المليشيات الموالية لها تتحكم في المشاهد الأمنية هناك ، كمليشيا الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وغيرها.
 
وضح الرئيس المنتخب جو بايدن أن طريقته المفضلة في التعامل مع إيران هي إيجاد طريقة للعودة إلى الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة أوباما في عام 2015 ، مع المساومة على تمديد بعض بنودها الرئيسية.
 
مخاوف مشروعة :
بعض المراقبين يرون ان العام الجديد 2021 سيشهد و بوجود إدارة جو بايدن والحزب الديمقراطي تعزيزاً  للدور الإيراني وستشهد العلاقات الامريكية الإيرانية تطورا كبيرا لصالح إيران.  ويعتقد بعض المتابعين أيضاً أنه وبغض النظر عن التجاذبات الإعلامية فان نتائج إدارة الصراع الامريكي مع إيران لايزال يقدم نتائج إيجابية كبيرة لإيران وللإدارة الامريكية منها وبالتعاون مع إيران لمشاغلة الدول العربية الكبرى في المنطقة العربية وإجبارها على تبديد ثرواتها النفطية والغاز والتي تبلغ حوالي %65 من الاحتياطي العالمي ، ويكفي القول أن الدول التي تتحكم إيران بسياساتها وإداراتها تحولت إلى دول فاسدة وهشة وفق المقاييس العالمية فيما تستورد دول أخرى بمئات المليارات من الدولارات أنواع عديدة من الأسلحة الامريكية (منطقة الشرق الأوسط استوردت ثلث مبيعات الأسلحة لكل دول العالم خلال العقد الأخير وفق ما نشره معهد سيبري للسلام في ستوكهولم).
 
هناك من يرى أن هذا العام سيكون إيرانياً على الآرجح امتداداً لمعطيات العام السابق ولا سيما على الصعيد الداخلي ؛ فمن غير المحتمل حدوث تغيير جوهري داخل  هيكلية النظام الثيوقراطي/ الطائفي الإيراني ، ولا يلغي ذلك حتى وفاة المرشد الإيراني الحالي ، علي خامنئي ، ولا إتساع النقمة الداخلية على سياسات النظام  واشتداد حدتها؛ فتجذر تاثير الجناح المحافظ الحاكم ، مدعوما بممارسات مؤسسات قمعية متعددة ، فضلا عن التشبت بشعارات تلامس سمات الشخصية الإيرانية سبيلا للاستمرار في كسب الشرعية السياسية. أما على الصعيد الخارجي, فمن المحتمل ان لا تتغير عموم إتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية إلا لدوافع برغماتية ولاسيما حيال الإدارة الامريكية الجديدة. فاحتمال إنفتاح هذه الإدارة على إيران سيفضي بإيران ألى الرد بمثله عليه. لذا من المتوقع تحسن العلاقات الثنائية بينهما. ولكن هذا التحسن لن يكون على حساب العرب في الخليج العربي. أما السياسة الإيرانية حيال العرب فستبقى كما كانت متاثرة بعقد التاريخ والحلم التوسعي الإمبراطوري , والنزوع نحو أحادية قيادتها لعموم المنطقة.
 
2021 عام التراجع الإيراني ..
في دراسة نشرت في 19 نوفمبر 2019 قالت وزارة الدفاع الأمريكية أن برنامج تطوير الصواريخ الإيراني “الواسع” يعد “أكبر قوة صاروخية في الشرق الأوسط” ، وذلك إعتماداً على تقرير صادر عن وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ( DIA) وقالت الدراسة “ على الرغم من عقود من العقوبات المفروضة على برنامج إيران الصاروخي ، فإن قوتها الصاروخية تشمل صواريخ باليستية يمكن أن تضرب أعداءها الإقليميين على مدى 2000 كيلومتر”. وقال مدير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية ، الفريق روبرت أشلي ، إن إيران “تعتبر نفسها أقرب من أي وقت مضى لتحقيق أهدافها” ويضيف “من خلال تطبيق عملية صارمة للدروس المستفادة خلال عقود من الصراع في الشرق الأوسط ، قامت إيران بتكييف قدراتها العسكرية وعقيدتها لمراعاة التطورات من قبل الولايات المتحدة وحلفائها. وعلى الرغم من أنها لا تزال أدنى من الناحية التكنولوجية من معظم منافسيها ، لقد تقدم الجيش بشكل كبير خلال العقود القليلة الماضية “.
 
هذا مع وجود العقوبات فكيف إذا ما أرخت الولايات المتحدة قبضتها بتخفيف العقوبات ؟ طبعاً هذا لا يحدث أبداً على مستوى الإدارات الأمريكية، وكلام الحملات الإنتخابية يختلف كثيراً عن إدارة مصالح البلاد ومصالح الحلفاء ، ومن هنا يجب النظر إلى موضوع تكبيل إيران برضاها أو من خلال القوة ، بمنظار دقيق وغير عاطفي تماماً ، هذه النظرة تركز بشكل أساس على حالة الإقتصاد الإيراني وتأثير العقوبات على مستويات الفقر وتراجع الخدمات في البلاد بسبب تخصيصات الحكومة الإيراني لجزء كبير من واردتها (الشحيحة أصلاً) لبرامج الصواريخ البالستية وكذلك لتسريع عمليات التخصيب ضمن برنامجها النووي ، وقد شهدت كل المدن الإيرانية ارتفاعاً بأسعار المواد الغذائية ، وازدياد الفقر ، حيث تم تحديد خط الفقر الآن عند 100 مليون ريال (385 دولارًا) في الشهر والحد الأدنى للأجور أقل من 20 مليون ريال (77 دولارًا). وانخفض الدخل بمقدار الثلث في ثلاث سنوات ، في حين ارتفع سعر صرف الدولار ثمانية أضعاف ، وسعر العملة الذهبية 18 مرة ، والممتلكات سبع مرات ، والسيارات عشرة أضعاف.
 
وبناءً على التضييق الأمريكي والتزام دول العالم والكثير من الشركات بالعقوبات الإقتصادية على إيران وبالنظر إلى الحالة المزرية التي وصلها إقتصادها ، فسيتم إقناع طهران بالعودة إلى المفاوضات وفق ملاحقها المضافة والخاصة بموضوع الصواريخ البالستية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار ، مقابل التخفيف من صادرات النفط ، ومن المرجح أن تكون هذه هي أفضل استراتيجية تتبعها جميع الأطراف ؛ انتقال بطيء إلى تفاهمات جديدة مع حوافز لتهدئة التوترات الإقليمية والمساعدة في التعافي الاقتصادي ، ولكن ليس عودة إيران إلى أسواق النفط يأمن جيران العرب نوايا طهران وتستعيد تدابير بناء الثقة معها من خلال التنصل العلني على الأقل من دعم المتمردين الحوثيين في اليمن ، وإنهاء إمداداتها من الأسلحة والتدريب.  
 
وفي حال رفضت طهران هذا الطريق فأغلب المراقبين يرون أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة جو بايدن سوف لن يقدم تنازلات جوهرية ، كما أن إيران بالمقابل المخاطر من ستدفع برنامجها النووي إلى أقصى مستوى ممكن وفق استراتيجية النظام المتمثلة في “مواجهة الضغط الأقصى بأقصى قدر من المقاومة” . وبحسب قرار بايدن المسبق بـ “التزامه الراسخ بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي” ، وقال خلال مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” في يناير 2019 ، إنه سيفكر في “استخدام القوة لاستباق تجربة نووية إيرانية” ، وأضاف “ إني أرى عودة إيران لطاولة المفاوضات كمقدمة لمحادثات أوسع حول أنشطة إيران النووية وصواريخها الباليستية وأنشطتها الإقليمية” . 
 
إيران في مأزق كبير ، ولعل دلالات هذا المأزق ليست فقط على مستوى الداخل الإيراني ، بل حتى على المستوى الدولي ؛ فالعالم يرى ويستشعر ويقيم الدور الإيراني السلبي في دول عربية وغير عربية عديدة في الإقليم ؛ كالعراق واليمن ولبنان واليمن وأفغانستان ، كما يراقب عن كثب ما يجري في منشأة (نطنز) النووية ، حتى باتت دول عديدة تطالب بضمها إلى أية مفاوضات مقبلة مع إيران حول برنامجها النووي وسلوكها الدولي (HCPOA)   كالبحرين والمملكة العربية السعودية واليابان وإيطاليا وسواها .
 
الأدوات الناعمة والدبلوماسية الذكية قد تستدرج إيران إلى طاولة المفاوضات فهي لا تملك أي خيار آخر سوى إستخدام السياسة والتفاوض لإعادة برمجة وصياغة برامجها النووية والصاروخية والتوسعية في المنطقة ، وإن حدث أي تهور في حركة غير محسوبة النتائج بدقة متناهية فإن هذا سيعني توجيه ضربات غير تقليدية لمراكز إيران النووية ومجمعات تصنيع وتخزين صواريخا البالستية ، وهو ما قد يفتح الأبواب على مصاريعها لتغيير ديموغرافي كبير داخل إيران التي لن تحتمل في هذا العام البقاء في موقعها وليس أمامها سوى التراجع سلماً أم عن طريق القوة .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره