2022-12-01
2022 حساب الحصاد ورؤية لعام جديد 2023
على بعد أيام قلائل من نهاية العام ، ربما يتطلب الأمر إلقاء نظرة سريعة على الماضي القريب، سيما أنه المستقبل عينه الذي كان يتشكل في رحم الأيام، ولهذا من البديهي أن يصبح 2023، إمتدادا لسابقه ، ومحملا بإرثه ، ويبقى الأمل هو طاقة النجأة الوحيدة للإنسانية المتردية.
بقلم: إميل أمين
كاتب وباحث في الشؤون الدولية
يرحل العام، وفي الجسد المعولم جراحا ثخينة، لا سيما الحرب الروسية – الأوكرانية، والتي أهلكت كثيرا من الزرع والضرع، منذ شهر فبراير، وأدت إلى إضطراب عالمي على أكثر من صعيد حيوي وإستراتيجي، من قبيل أزمة اسعار الطاقة، ومخاوف توقف سلاسل الإمداد الغذائي، والخوف المتصاعد من نقص الحبوب، وزيادة مستويات الجوع، سيما في الدول النامية.
هل سيحمل 2023 نهاية هذه المواجهة العسكرية العبثية، وعودة الهدوء إلى أرجاء العالم ؟
الذين تابعوا تصريحات الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن على هامش قمة العشرين الأخيرة في جزيرة بالي بإندونيسيا، وقر لديهم هذا الشعور الجيد، حيث أشار سيد البيت الأبيض، إلى أن وتيرة التصعيد العسكري لدى موسكو وكييف، تتراجع، عطفا على دلالة الإنسحاب الروسي من مدينة خيرسون الأوكرانية .
ومع ذلك، وفي كل الأحوال، يبقى الخوف من المواجهة النووية، حال تضييق الخناق على صاحب الكرملين واردا، والشتاء النووي حاضرا ، ضمن كافة سيناريوهات العام الجديد، الإ من رحم ربك .
يرحل العام الجديد، بعد أن حلقت علامات الإستفهام على سماوات الولايات المتحدة الأمريكية، لجهة أوضاعها السياسية الداخلية، وبخاصة بعد المفاجآت التي حققها الحزب الديمقراطي الحاكم في إنتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
كانت التوقعات بموجة حمراء قوية تلف البلاد، وهذا لم يحدث، الأمر الذي سيجعل من 2023 عام الإستعداد وإستنهاض الهمم، للإنتخابات الرئاسية في 2024 .
وفي كل الأحوال، يمكن القول أن مركز بايدن قد تحسن بدرجة ما، لكن ستبقى الصراعات محتدمة ما بين مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، وتظل أمريكا منقسمة في داخلها، وهو أمر له تبعاته على سياساتها الخارجية المؤثرة حكما على بقية أنحاء العالم .
في 2022 صدرت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة للأمن القومي، ونقرأ فيها، أهمية متابعة روسيا الإتحادية، كدولة تمتلك قدرات نووية، تمثل المكافئ الموضوعي للولايات المتحدة، وربما ما هو أكثر من ذلك .
لكن الصراع الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية، وكما هو واضح جداً في الإستراتيجية الجديدة، سيدور مع الصين، والتي باتت تمثل التهديد الواقعي للقيادة الأمريكية المنفردة بمقدرات العالم، منذ سقوط الإتحاد السوفيتي، قبل نحو ثلاثة عقود .
والشاهد أنه وعلى الرغم من تهدئة الأجواء التي جرت مؤخراً، بين بكين وموسكو، من خلال لقاء الرئيسين بايدن وبينغ في قمة العشرين، الإ أن فخ ثيؤسيديديس، أي الصراع العسكري بين البلدين قائما، ومسالك المهالك حاضرة، ما بين تايوان وبحر الصين، ناهيك عن قضية الهيمنة على مياه المحيط الهادئ، والصراع الدائر هناك بضراوة، ويخشى المراقبون من أن يكون مرشحا للإنفجار في العام المقبل .
هل سيضحى 2023 عام ظهور قطب دولي جديد ، يحمل ملامح ومعالم، بعيدة كل البعد، عن الثنائية الدولية التقليدية التي عرفتها البشرية طوال قرون ؟
منذ العام 2008، يتكلم المنظر الإستراتيجي الأمريكي الاشهر، ريتشارد هاس، عن نهاية عالم الثنائية القطبية، وظهور عالم أخر يحمل بصمات لأقطاب متعددة .
الذين لهم علم من كتاب الإستراتيجيات الأممية، يقطعون بأن هناك محاولات روسية – صينية، جرت وتجري، في هذا السياق .
لكن الواقع يخبرنا بأن العلاقات الروسية – الصينية، ليست سوى درب من دروب البراغماتية السياسية، والتي أوجدتها المصلحة، وبهدف الوقوف صفا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ومرد ذلك أن الطبقات الحضارية بين البلدين، غير مرتاحة لبعضها البعض، كما أنهما ينتميان لخلفيات تاريخية وثقافية متباينة .
لكن وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الواضح أن أفقا، وربما آفاق جديدة تنتظر دول البريكس، ذلك التجمع الذي يحوي بين ضفتيه، خمس دول كبرى فاعلة على مستوى العالم، الصين، والهند، وروسيا، والبرازيل وجنوب إفريقيا .
فيما الحديث الذي ربما نشهده في العام القادم، سوف يتمحور حول نشوء وإرتقاء جماعة البريكس، لتتوسع الدائرة، وتشمل دولا واعدة في سماوات العولمة، مثل المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر، المكسيك .
وعلى الرغم من أن هذا التحالف، لن يضحى يوماً قريباً، نداً عسكرياً للولايات المتحدة الأمريكية، أو لروسيا الإتحادية، الإ أنه وبشكل من الأشكال، سوف يقتطع مساحة واعدة من هيمنة الكبار على مسارات الأحداث ومساقات التاريخ المعاصر .
هل يعني ذلك أن النفوذ الأمريكي في العام الجديد سوف يتقلص عن سابقه ؟
الذين تابعوا الأزمة الروسية – الأوكرانية، بشيئ من التحقيق والتدقيق، خلصوا إلى أن مساحة المناورة الأمريكية قد توقفت عند حدود تزويد كييف ببعض الأسلحة المتقدمة نعم، لكن واشنطن لم تتجاوز الخطوط الحمر، تلك التي تستدعي ردات فعل روسية ساحقة ماحقة، لا تصد ولا ترد، هذا على الصعيد العسكري .
أما الدعم المادي، فإن واشنطن باتت اليوم، أكبر دولة مديونة في العالم، حيث تجاوزت ديونها 31 تريليون دولار، وهناك حديث عن إمكانية توقفها عن السداد، عند لحظة بعينها، مما يضيف المزيد من إرتباك المشهد الأممي، ولهذا راينا تهديدات زعيم الأقلية في مجلس النواب الأمريكي كيفن مكارثي، والمرشح لأن يضحى زعيم الأغلبية، بوقف الشيكات على بياض لكييف، فالأمريكيين الفقراء والمطحونين أولى من غيرهم بتلك الأموال التي تتدفق على زيلنسكي .
وفي الحالتين يمكن للمرء أن يشاهد تقلصا واضحا للنفوذ الأمريكي، ما يعني أن واشنطن لم تعد سيدة قيصر، التي تخطئ في الحال، ولا يدانيها الخطأ في الإستقبال .
على عتبات 2023 تبقى قضية الديون العالمية، والركود الإقتصادي، من أخطر الملفات الموقوتة، والقابلة للإنفجار، لا سيما في ظل توقعات الخبير الإقتصادي الكبير، نورييل روبيني، والذي يرى ركوداً إقتصادياً طويلاً وقاسياً حول العالم على خلفية أزمة الديون والتغير المناخي والحرب الروسية الأوكرانية .
يرى روبيني أن العالم دخل حقبة أطلق عليها اسم الكساد الجيوسياسي،إذ تحدّت أربع قوى رجعية النظام الإقتصادي والمالي والأمني والجيوسياسي، الذي خلقته الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب العالمية الثانية. وأمسى خطر إندلاع نزاع نووي، لا حرب عادية، بين القوى العظمى يلوح في الأفق .
هل تحملنا قراءة روبيني على التساؤل عما إذا كان النظام المالي العالمي المعروف باسم ، “بريتون وودز “، والذي ظهر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قد تجاوزه الزمن، وأن العالم في حاجة إلى بديل، بات أمر لا شك فيه ؟
من بين الملفات الغاية الأهمية والفاعلية والتي جرت في نهاية 2022، كان مؤتمر المناخ كوب 27، والذي جرت وقائعه في مدينة شرم الشيخ المصرية، مدينة السلام، على شاطئ البحر الأحمر .
ومن مصر إلى الإمارات العربية المتحدة في 2023، حيث كوب 28، يتساءل المحللون والمراقبون لأوضاع المناخ العالمي، هل هناك نوايا حقيقية لإستنقاذ البشرية ، من الهول الأكبر القائم والقادم دفعة واحدة ؟
هناك شكوك تلازم العالم لا سيما في ظل أزمة الطاقة التقليدية الأحفورية، وبخاصة في ضوء توقف روسيا عن تزويد أوربا بالغاز، ما يعود بنا بالضرورة إلى عالم ملوثات المناخ، وفي مقدمها الكربون الفحمي.
عطفا على ذلك، تبقى قضية البحث في بدائل نظيفة للطاقة، من بين أهم القضايا التي سيرثها العام الجديد، والتي تحتاج إلى متابعة وتشجيع البحث العلمي، على أمل تبريد درجة حرارة الكرة الأرضية درجتين، قبل أن ينفجر الكوكب بمن عليه من جراء الإحتباس الحراري .
تلقى الفقرة السابقة بالضوء على القارة الأوربية وموقعها وموضعها في العام الجديد، وكيف ستمضي بها المقادير، وهي التي تعيش في هذه الأوقات واحدة من أشد أزماتها، ربما منذ نهاية الحرب الكونية الثانية .
قبل نحو شهرين تحدث السيد جوزيب بوريل، منسق الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوربي، فاشار إلى أن أوربا تبدو كالحديقة فيما من حولها يشبهون الغابات .
الحديث الفوقي للسيد بوريل، ذكر العالم بفكرة المركزية الأوربية التاريخية، وكيف أن الزمن تجاوزها، لا سيما في ضوء أزمات عديدة تعيشها القارة التي كانت يوما منطلق التنوير والنهضة والأنسنة في العالم القديم.
تبدو أوربا اليوم متشظية من حول نفسها، والمخاوف محدقة بمستقبلها من جراء صعود القوميات والشوفينيات، ناهيك عن الحركات العنصرية مرة جديدة .
أوربا ووقت ظهور هذه الكلمات، ستكون في عمق أزمة طاقة غير مسبوقة، ولا تبدو هناك حلول في الأفق، الأمر الذي يرجح حتمية العودة للتصالح مع القيصر الروسي، ومحاولة إيجاد حلول سلمية للأزمة الأوكرانية، وحتى لا يتم تهديد الأمن والسلم المجتمعيين في دول القارة العجوز، وهو ما تبدى مؤخراً في شكل التظاهرات الجماهيرية الغفيرة، الرافضة للأوضاع الإقتصادية الآنية، والتي تسحق وتمحق الجميع من دون هوادة .
أوربا والتي كانت الجار الأقرب، والشريك الأكبر للعالم العربي، تبدو في حاجة إلى مراجعة فكرية، وهذا ما نبهت إليه الإمارات العربية المتحدة، الدوائر الأوربية المعنية في الشهرين الماضيين، وبما يسمح بنمو العلاقات وإقامة الجسور بين البشر، عوضا عن جدران السيد بوريل التي تفصل الحديقة عن الغابة .
يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض باقي الملفات الفراقية التي سيرثها العام 2023 من سابقه 2022، وأن كانت قضية الخوف من عودة الأوبئة تبقى هاجساً مخيفاً، وبخاصة بعد ما عاشه العالم من جراء الفيروس الشائه كوفيد- 19 خلال العامين الماضيين .
وفي كل الأحوال، تبدو الحقيقة التي لا مراء فيها، متمثلة في حاجة العالم إلى رؤى تصالحية وتسامحية، تسدل الستار على الحروب والمواجهات، تسعى في طريق تنمية البشر وترقية الأمم والشعوب .
ماذا عن الشرق الأوسط وعالمنا العربي في العام الجديد ؟
لا يوجد تعليقات