مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-07-14

هـم التحولات الدوليـة والإقليمية وتأثيرها في أمن دولة الإمارات العربية المتحدة

شهد النظامان الدولي والإقليمي تحولات مع مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، انطوت على تهديدات لأمن منطقة الخليج بصفة عامة، ودولة الإمارات العربية المتحدة بصفة خاصة. وهذه الورقة تقدم قراءة لأهم هذه التحولات، كما تقدم بدائل لتحويل التهديدات الناشئة أو المتوقعة إلى فرص ومصادر قوة. ومع أن هذه الورقة تَفصِلُ نظرياً بين التحولات الدولية والإقليمية، ليسهُل تناولها، إلا أن تلك التحولات مترابطة ومتداخلة عملياً.   
 
بقلم : د. ابتسام الكتبي
 
أولاً: التحولات الدولية 
أ. تحولات العلاقات الأمريكية مع الخليج وإيران
بلغ الانفتاح الأمريكي على إيران درجة أعلى في السنوات الأخيرة؛ على خلفية أمرين هما: النظر إلى إيران بوصفها بلداً أساسياً في الحرب على الإرهاب؛ وإبرام الاتفاق النووي مع إيران الذي اعتبرته إدارة الرئيس باراك أوباما أحد أهم إنجازاتها على مستوى السياسة الخارجية. وأفرز هذان الأمران تحولات مهمة في سياق العلاقات الأمريكية مع الخليج وإيران، يمكن إجمال أبرزها فيما يلي:
1. بعد توقيع الاتفاق النووي الشامل بين طهران ومجموعة «5+1» في يوليو 2015، أخذت الولايات المتحدة تسعى إلى الوقوف على مسافة واحدة – تقريباً – بين طهران والرياض. 
2. يكاد يتحول الكلام الأمريكي عن الحلفاء الخليجيين إلى ما هو أشبه بـ«تطمينات عامة من دون ضمانات»، وهذا يثير شكوكاً خليجية في أن ثمة تغاضياً عن السياسات الإيرانية في المنطقة.
3. في السنوات الأخيرة، تتصرف العديد من دول الخليج العربية، وعلى رأسها السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، على نحو مستقل نسبياً عن سياسة الولايات المتحدة. ويعد هذا تحوّلاً أساسياً في العلاقة الأمريكية-الخليجية تحت وطأة تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة، وتبدّل موازين القوى الإقليمية، والتقارب الأمريكي مع إيران، وتمادي الأخيرة في تدخلاتها في الشؤون الخليجية والعربية. وهذا التحوّل، برغم أكلافه على الدول الخليجية، فإنه منحها فرصة استراتيجية مهمة للعمل على بناء سياسات أمنية ودفاعية مستقلة؛ لمنع الفوضى الإقليمية، والدفاع عن حدود تلك الدول ومصالحها العليا. كما أنه قدّم فرصاً للسعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة لإقامة تحالف استراتيجي بينهما يعد الأقوى في تاريخ علاقتهما، وإدراك أنّ مصالحهما الوطنية تقتضي عدم وضع ثقلهما كله في التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة فقط.
 
ب. اقتراب القوى الشرقية وانعكاساته على دول المنطقة
بات من الواضح أن القوى الشرقية الكبرى (روسيا، والصين، والهند) أخذت تتبنى استراتيجيات وسياسات لانخراط أوسع في قضايا منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بعد التقاط هذه القوى مؤشرات على وجود تحول في توزيع القوة قد يؤدي إلى تحولات جيو-استراتيجية في المنطقة، نتيجة استراتيجية واشنطن القائمة على الانكفاء، والتخفف من بعض مسؤولياتها الدولية والإقليمية. وسيكون لاقتراب هذه القوى انعكاسات مباشرة وملموسة على مختلف الملفات الإقليمية، وعلى أمن دولة الإمارات الوطني والإقليمي، حيث:
1. تُراقب إيران مسار اقتراب قوى الشرق من المنطقة باهتمام كبير، وتطرح نفسها قوة إقليمية أولى، وشريكا لهذه القوى، وباقي القوى الدولية في مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن في المنطقة.
2. سيسهم اقتراب هذه القوى في تعقيد المشهد الإقليمي الذي يعاني أساساً التعقيد، ويربك التحالفات والتوازنات القائمة؛ ما سيُصعّب عمليّة صناعة السياسات الاستراتيجية في دول المنطقة.   
3. تتّسم هذه القوى بشكل عام بأنها قوى مُعطِّلة أكثر منها قوى إيجابية حيال أزمات المنطقة ومشكلاتها، أو قادرة على فرض حلول بشأنها، وذلك نتيجة عدم امتلاك أي منها لأدوات التأثير الحاسمة في الأطراف الإقليمية أو الدولية المتنافسة في المنطقة. 
 
ثانياً: التحولات الإقليمية
أ. تحولات المشهد اليمني
شهد المشهد اليمني مع مطلع العام الجديد تحولاً تجلّى في تحرك جمود الوضع الميداني واتجاهه إلى الحسم لمصلحة قوات الحكومة الشرعية و»التحالف العربي» في اليمن. ومع ذلك، قد ينعكس الصراع في اليمن على الأمن الوطني والإقليمي لدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال: 
1. تنامي احتمالات دخول التحالف العربي في حرب استنزاف.
2. تصاعُد مخاطر انتشار التنظيمات الإرهابية في المناطق المحررة.
3. تفاقم الوضع الإنساني، وتصاعد الانتقادات العلنيّة لدور التحالف العربي في اليمن من جانب القوى الكبرى.
4.  تحول الصراع في اليمن إلى صراع شمالي-جنوبي، في ظل تكريس حالة الانفصال بين الشمال والجنوب عملياً.
5. قد يدفع الإخفاق المُتوقّع للجهود الروسية لفرض حلول على المعارضة السورية في محادثات «جنيف 3» باتجاه مُمارسة روسيا ضغوطاً جديدة على التحالف العربي في اليمن، ومحاولة ربط ملف اليمن بالملف السوري، عبر تخيير التحالف بين اليمن وسورية. 
 
ب. تحولات المشهد السوري
1. شهدت الفترة الأخيرة حصول تراجع ميداني لقوى المعارضة، وربما يعود ذلك إلى فرض نتائج التوافقات الأمريكية-الروسية حول الملف السوري على قوى المعارضة وداعميها الإقليميين. 
2. قد ينعكس هذا التحول على الأمن الإقليمي لدولة الإمارات بأن يؤدي فرض مثل هذه النتائج إلى تعميق النزعة التوسعية الإيرانية، وإلى تنامي التنظيمات الإرهابية بحيث تتصاعد مخاطرها على دول المنطقة والعالم بشكل غير مسبوق. 
 
ج. إخفاق الدولة الوطنية وإعادة تشكيل خريطة المنطقة
1. كشفت ثورات «الربيع العربي» عن هشاشة الدولة الوطنية العربية الحديثة وأزماتها البنيوية؛ وبينما مازالت بعض دول «الربيع العربي» تعيش اضطرابات سياسية واجتماعية في المرحلة الانتقالية (مصر وتونس)، فإن دولاً أخرى تشهد صراعات أهلية دموية، وتحديداً في سورية واليمن وليبيا، والعراق إلى حد ما. 
2. في الآونة الأخيرة زادت المؤشرات التي تبعث على القلق على مصير هذه الدول والتي تَشي باحتمال انهيارها وتفككها إلى كيانات أصغر تقوم على أسس هوياتية (إثنية وطائفية وجهوية). والخشية الأكبر أن أي تفكك لدولة من هذه الدول سيقود إلى ما يعرف في علم السياسة بظاهرة «الدومينو»، أي جرّ الدول العربية الأخرى إلى حافة الانهيار؛ ما يعني تغير نظام «سايكس بيكو» الموروث من الحرب العالمية الأولى.
3. إن تزايد احتمالات حصول ذلك التغيير ينطوي على أخطار على المنطقة برمتها وعلى كل دولة فيها؛ ما يستدعي تبني بدائل إقليمية ووطنية لمجابهة حالة فشل الدولة الوطنية في المنطقة واحتمالات تفكك بعضها. وينطوي ذلك التهديد على فرصة لدول المنطقة لاستدراك الثغرات في بنائها الوطني، وتعزيز عناصر قوة الدولة ونجاحه؛ وفي مقدمها: السيطرة الفعلية على كل أراضيها، واحتكار وسائل العنف المشروع، وامتلاكها شرعية اتخاذ القرارات وتنفيذها، وتوفير الخدمات الأساسية والتوزيعية، وتجديد «العقد الاجتماعي».  
 
ثالثاً: المكتسبات في الاستجابة للتحولات الدولية والإقليمية 
يمكن القول إن السياسة الخارجية الإماراتية حققت عدداً من المكتسبات في التعامل مع تلك التحديات الدولية والإقليمية، أهمها: 
1. تفاعلُ دولة الإمارات القوي مع هذه البيئة الإقليمية والدولية الجديدة أخرجها من دائرة الدولة الصغيرة في محيطها إلى دائرة الدولة المؤثرة في الإقليم والشريك الاستراتيجي للقوى الدولية الكبرى؛ ما أفسح المجال لتوسيع اهتمامات وطموحات الدبلوماسية الإماراتية، التي شهدت نمواً نوعياً وكمياً ملحوظاً مع نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة.
2. تبني سياسة تنويع الشراكات الاستراتيجية اقتصادياً وسياسياً؛ ما وسّع مروحة خيارات الدولة في الاستجابة للتحديات والتهديدات. 
3. أثبتت السياسة الإماراتية الجديدة أنها قادرة على صد مهددات أمنها خارج أراضيها، وبخاصة في ظل ارتفاع منسوب العنف والتطرف والإرهاب وتفكك الدول وانقسام المجتمعات واقتتال الجماعات والطوائف.  
4. أسستْ الحرب في اليمن لعلاقة سعودية-إماراتية استثنائية على صعيد الخليج والدول العربية. وترى دولة الإمارات أنّ التدخل في اليمن، على الرغم من تكاليفه الباهظة، يمثل إطاراً واعداً لضمان أمن الخليج العربي في فترة صعبة حرجة؛ وبما يعيد هيكلة المشهد الاستراتيجي في الخليج العربي بشكل إيجابي.
 
رابعاً: الخيارات الاستراتيجية
تشتمل الخيارات والبدائل الاستراتيجية لدولة الإمارات على الآتي:
1. الاستثمار في تعزيز أداء الدولة على الأصعدة كافة، هو الطريق إلى دولة قوية، ويتمثل أداء الدولة عادةً في قوة الهوية الوطنية، واللحمة الوطنية، والعلاقة بين المجتمع والدولة، والمؤسسات الحكومية.
2. يتعين أن تزيد دولة الإمارات استثمارها في بناء وإنتاج المعرفة محلياً في القطاعات كافة؛ لتعزيز إمكانية تحويل قدراتها في تلك القطاعات إلى قوة فعلية، كما أن الاستثمار في المعرفة يدعم قطاع الأمن.
3. في حين يكون معظم تركيز الناحية العسكرية على الحروب التقليدية، يتعين زيادة التركيز على تكتيكات «الحرب اللامتماثلة». ومن الضروري أيضاً تنويع مصادر التسلح، وإنشاء شراكات عسكرية تكنولوجية صناعية، والاستثمار في الإنتاج العسكري، والإفادة من نقاط القوة لدى القوات الجوية، وتطوير القوات البرية (قوات خاصة) والقوات البحرية.
4. مواصلة الجهود لتحقيق الحد الأدنى من التوافق الخليجي والعربي حول الملفات الإقليمية. 
5. يتعين على دول مجلس التعاون استجماع أكبر ثقل إقليمي ممكن، لرسم حدود للدور الإيراني في المنطقة؛ لإقامة توازن رادع يسمح بأن يكون النظام الإقليمي الجديد الجاري تشكّله وصياغته في المنطقة غير مهدِّد لاستقرار دول الخليج ومصالحها. 
6. في ظل التعقيد والتنافس الجيواستراتيجي الذي تشهده المنطقة بات من الضروري التركيز على مأسسة عملية صناعة القرار في دول الخليج العربية، ودعمها بمراكز التفكير المتخصصة، والاستمرار في رفع كفاءة الأجهزة الدبلوماسية وتدريبها، وبناء جسور مستدامة للتواصل مع النخب الأكاديمية والفكرية .
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره