مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-04-03

إعداد الدولــة للدفاع في ظل تكنولوجيـا المعلومات

تظل الدول في حالة استعداد دائم للحرب، وتُعد استراتيجيتها وتعبئ جميع مواردها لتحقق النصر، لأنه مفاهيم الحرب في العصر الحديث قد تغيرت لتصبح الحرب شاملة يشترك فيها جميع المؤسسات في الدولة ويكون فيها مسرح العمليات هو كافة أنحاء البلاد.
 
بقلم:أيمن سعد الدين
يعتمد نجاح استراتيجية إعداد الدولة للدفاع على قدرات وإمكانيات الدولة وأسلوب توظيفها وإدارتها واستخدامها لكافة نواحيها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية لتحقيق الأهداف والغايات والمصالح العليا للدولة التي تقوم بتحديد توجهاتها الإستراتيجية في إطار تعريف القانون الدولي لمفهوم الدولة على أنها التركيب المتجانس لثلاثة عناصر هم: الشعب والسلطة والإقليم. ولذا فإن جميع الخطط الإستراتيجية في الدولة تقوم على الحفاظ على العناصر الثلاثة ودعمها وبالتالي فإن أي إطار لإعداد الدولة للدفاع يعمل على:
• المساهمة في رفع المستوى المعيشي ودعم قدرات الشعب.
• دعم السلطة العليا في إدارتها للدولة.
• تهيئة البنية التحتية والنظام العام للمحافظة على وحدة الدولة وترابط عناصرها.
 
وتتعدد مجالات إعداد الدولة للدفاع لتشمل إعداد القوات المسلحة وإعداد أرض الدولة كمسرح للعمليات وإعداد الاقتصاد القومي. بالإضافة إلى إعداد أجهزة الدولة وإعداد الشعب وإعداد الدولة تكنولوجيا، وإدارة السياسة الخارجية بما يتلاءم مع الهدف السياسي العسكري للدولة.
ولما كانت الحرب في أجيالها الثلاثة القديمة، صراعاً عسكرياً محدوداً وفقاً لحجم الجيوش وإمكانيات الأسلحة، فقد كانت نتائجها محدودة سواء في منطقة القتال ذاتها، أوفي صفوف الجنود والقادة المشاركين فيها.
 
أما بعد دخول تكنولوجيا المعلومات في الحروب الحديثة فقد أصبحت أراضي الدولة كلها مسرحاً للعمليات، وأجهزة الدولة كلها ضمن الأهداف المطلوب مواجهتها وأصبح أفراد الشعب جميعاً من المتأثرين بهذه الحرب، ولذلك حدث تطور في مفاهيم إعداد الدولة للدفاع وتغيرت أساليب الصراع من الطرق التقليدية محدودة الأثر إلى الطرق الحديثة فائقة الأثر والقائمة على تكنولوجيا المعلومات التي فرضت واقع جديد حيث لا حدود لميدان المعركة ولا مركزية في اتخاذ القرارات.
 
حيث وفر التقدم التكنولوجي الكثير من الحلول الفورية للمشاكل العسكرية المتعلقة بالتنظيم والتسليح ونظم الاتصالات ونظم الحصول على المعلومات فأصبح من الضروري تحقيق الاستفادة الكاملة من ذلك التقدم التكنولوجي وخاصة بعد ظهور أشكال جديدة من التهديدات والعدائيات التي أضعفت قبضة الحكومات على المجتمعات، وتحولت السلطة من يد الحكومات المركزية القوية إلى المنظمات غير الحكومية، والجماعات الصغيرة والأفراد بالإضافة إلى المجتمع الإقليمي والدولي.
 
وبدلاً من حسم المعارك عن طريق ذات الأعداد الضخمة والتسليح الثقيل أصبح النصر لمن له القدرة على استخدام تكنولوجيا المعلومات في الخداع الاستراتيجي والاستطلاع ثم الهجوم المباغت والاختراق السريع.
كما أدت التكنولوجيات الجديدة إلى انكشاف مسرح العمليات في الدولة كلها مما يصعب من عملية إعداد مسرح العمليات في الدولة وخاصة مع وجود التكنولوجيا الفائقة للمعلومات في التصوير ثم معالجة وتحليل الصور باستخدام الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار ونظم المراقبة عن بُعد. مما كان له أكبر الأثر في الإنذار المبكر والاستشعار عن بعد وأعطى لمستخدميها ميزة نسبية ومساحة أكبر من الرؤية وفرصة أسرع لاتخاذ القرار.
 
وبعد التوسع في البنية الرقمية للدول، فقد أصبح التأثير ضخماً على السياسة الداخلية في الدولة بعد السهولة الكبيرة في بث الإخبار الكاذبة من شبكة الانترنت وأدى امتزاج وسائل الاتصالات مع الحاسبات فائقة السرعة إلى خلق عصر جديد للمعرفة الإلكترونية. أما عن الخطورة الاقتصادية من تكنولوجيا المعلومات وشبكة الانترنت فقد أصبح احتمال التعرض لهجمات الكترونية أكبر وأخطر من ذي قبل نظراً للتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة والانترنت في معظم قطاع الأعمال والحكومة على حد سواء.
 
أصبحت استراتيجيات المعلومات جزءاً أساسياً من الاستراتيجيات القومية للدول نظراً لاتساع نطاق التأثير بالمعلومات وتقنياتها، لتصبح العنصر الأساسي في إعداد الدولة للدفاع ولتحقيق رفاهية المجتمعات وتطوير أداء الأفراد والمؤسسات وتحقيق التنمية المستدامة.
 
تأثير استراتيجيات المعلومات القومية على خطط إعداد الدولة للدفاع
تؤثر استراتيجيات المعلومات القومية على خطط إعداد الدولة للدفاع من خلال:
• دعم خطط التنمية الشاملة في الدولة من خلال تكنولوجيا المعلومات.
• دعم وتطوير قواعد وطنية للمعلومات والتكنولوجيا، وتسهيل الحصول عليها.
• إعداد سياسة لإدارة وتداول المعلومات تعمل على تشجيع إنتاج ونشر وتبادل المعلومات.
• إيجاد السياسات والآليات اللازمة لضمان أمن المعلومات وحمايتها. 
 
الدور والمهام المقترحة لبعض أجهزة الدولة في إعداد الدولة للدفاع في ظل تكنولوجيا المعلومات
إن إعداد الدولة للدفاع في ظل التطورات المتسارعة المؤثرة على مجالات الأمن القومي للدولة هي عملية معقدة أو هي ما يطلق عليه الاستراتيجيات التي تؤثر في كل المجالات مما أدى إلى صعوبة التخطيط الاستراتيجي لإعداد الدولة للدفاع ما لم يعتمد بشكل كبير على الاستخدام الشامل لتكنولوجيا المعلومات على المستوى الوطني. 
 
ولكي يتم ذلك بكفاءة عالية يجب أن يتم إنشاء مجموعة استشارية لرئيس الدولة، لتفعيل دور تكنولوجيا المعلومات في التخطيط الاستراتيجي لإعداد الدولة للدفاع حيث يعتبر تحديد المخاطر التي تتعرض لها الدولة وتحليلها، هو الأساس في أي عملية تخطيط استراتيجي بعيد المدى وتتكون المجموعة من:
أ - رئيس الدولة.
ب- مستشار الأمن القومي.
جـ- مجلس الدفاع الوطني.
د - مراكز إدارة الأزمات الوطنية.
هـ- مراكز الدراسات الإستراتيجية في الدولة.
 
يقوم هذا المجلس الاستشاري بالمهام المقترحة الأتية:
أ - وضع الرؤية الإستراتيجية للدولة على مدى 3-4 عقد (30-40 سنة)بالاعتماد على البنية المعلوماتية والمعرفية للدولة.
ب- تحليل المتغيرات المصاحبة للمسار الاستراتيجي والتنبؤ بالتهديدات والتحديات التي يحتمل أن تصل إلى صراع مسلح (أي استخدام القوات المسلحة لتحقيق مصلحة حيوية للدولة) مع تحديد العدو الرئيسي.
جـ- وضع تصور لخطة تنمية شاملة تحقق الرؤية الإستراتيجية للدولة بما فيها الإستراتيجية القومية للمعلومات.
د - وتتشكل هذه المجموعة الاستشارية بقرار من رئيس الدولة.
 
ويمثل قرار الحرب قراراً استثنائياً مرخصاً به لرئيس الدولة ولكن في الأحوال العادية والتي تعتمد على تخطيط استراتيجي مع تحليل المعلومات عن العدو، يمثل قراراً استراتيجياً يتم تنفيذه طبقاً للمصالح العليا للدولة لذا فإن وجود المجموعة الاستشارية المقترحة تجعل الدولة لا تلجأ إلى القرارات أو القوانين الاستثنائية.
لذا فإن الالتزام بالمنهج العلمي في استخدام تكنولوجيا المعلومات كأحد المحاور الرئيسية لإعداد الدولة للدفاع يؤدى إلى استقرار الدولة وضمان نموها وانتصارها في أي صراع مستقبلي بشرط تطبيق أجهزة الدولة ما يلي:
 
أولا: القيادة العامة للقوات المسلحة:
أ - تغيير وتطوير بعض المناهج في الكليات العسكرية لتتناسب مع التطور في علوم الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية.
ب- استخدام النظم والشبكات الالكترونية في التخطيط لتحقيق الهدف السياسي / العسكري للدولة.
جـ- تحديد طبيعة العمليات المقبلة وأسلوب إدارة الصراع طبقاً للتطور التقني.
د - أعادة تشكيل حجم وتكوين القوات المسلحة لتتضمن مجموعات تعمل على حرب المعلومات القادمة.
هـ- الإشراف على استخدام تكنولوجيا المعلومات لوضع أسس إعداد الدولة للدفاع.
و- تأمين المراكز الالكترونية الحيوية للدولة والتي يتم بناؤها في إطار الإستراتيجية الوطنية للمعلومات.
ز- الاحتفاظ بقواعد بيانات للوقوف على احتياجات القوات المسلحة كما وكيفا.
ح- دعم وتطوير ومراجعة وتقييم سياسة البحوث العلمية والعملية في مجال تصميم وتطوير الأسلحة الالكترونية.
 
ثانياً: وزارة الخارجية:
أ - استخدام الشبكات الإلكترونية وقواعد البيانات المؤمنة والمشفرة في جمع المعلومات الدقيقة عن العدو وحلفاؤه. وكذلك في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة ودراسة كافة الشئون المتعلقة بما يتفق والأهداف الإستراتيجية.
ب- اتخاذ الإجراءات الدبلوماسية المناسبة التي تهدف إلى تدعيم القدرة الدفاعية للدولة من خلال دراسة عن قرب للقدرات التكنولوجية المتطورة في دول العالم المختلفة.
جـ- عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بما يتفق والأهداف الوطنية في نطاق السياسة العامة للدولة وتعزيز وتوثيق العقود المبرمة بين الدولة والجهات الأجنبية لضمان وتأمين الحصول على المعدات والمعونات العسكرية الالكترونية والتعاون في مجال البحوث الدفاعية الأكثر تطوراً.
د - الاشتراك الفعال في وضع خطة الخداع الاستراتيجي واستعمال شبكات المعلومات والإعلام الدولية فيذلك.
هـ- التعرف على الخبرات الدولة المتميزة في مجالي تكنولوجيا المعلومات وحرب المعلومات وبناء قواعد بيانات لها للاستفادة منها في جميع أجهزة الدولة.
و- إعداد وتوجيه التعليمات الدبلوماسية والقنصلية لبعثات التمثيل الدبلوماسي باستخدام الوسائل الالكترونية المؤمنة والمشفرة.
ز- القيام بالاتصالات والمباحثات والمفاوضات لعقد كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالتكنولوجيا المتقدمة والإشراف على تنفيذها وتفسيرها ونقضها بالاشتراك مع الوزارات والمصالح المختصة.
ح- بناء قاعدة بيانات ونظم وشبكات الكترونية مؤمنة ومشفرة للاتصالات بين وزارات ومصالح الدوائر الحكومة وبين الحكومات والهيئات الأجنبية وبعثاتها الدبلوماسية
ط- بناء قواعد بيانات للمصريين في الخارج ولرعاية المصالح الوطنية في الخارج واتخاذ الإجراءات لحمايتها في حدود القوانين واللوائح والمعاهدات.
 
ثالثاً: وزارة الداخلية:
أ - بناء وتشغيل المنظومة الوطنية للإنذار المبكر عن التحركات المعادية للدولة ونشاطاتها وأعمالها المنتظرة في الجبهة الداخلية.
ب- بناء منظومة رقمية جغرافية لمتابعة وحصر الخسائر الناتجة عن ضربات العدو خاصة.
في العمق.
جـ- المشاركة في التغطية والتأمين الإلكتروني للمنشآت الاقتصادية والمرافق الحيوية والمنشآت الصناعية.
د -بناء وإدارة المنظومة الوطنية للمراقبة والتأمين الإلكتروني للتجمعات السكانية في المدن الكبرى ضد عمليات التخريب.
 
رابعاً: وزارة التجارة والصناعة:
أ -بناء قواعد بيانات وشبكات الكترونية لجميع الصناعات والمصانع في الدولة للتعرف على الطاقات الإنتاجية وإمكانية استخدامها في أوقات الطوارئ.
ب- بناء نظام خرائط جغرافية للمتابعة الالكترونية للتراخيص التجارية والصناعية لربطها بإعداد مسرح العمليات في الدولة.
جـ- التوسع في تطبيق نظم التجارة الإلكترونية لضمان وجود خطوط مستمرة ومنافذ للتجارة مع جميع دول العالم.
 
إن وجود تقنية المعلومات كأحد محاور العمل في جميع مؤسسات الدولة يمكن أن يؤدى إلى أداء احترافي ونتائج مؤثرة تستفيد منها الدولة في الإعداد للدفاع  الذي  يشمل جميع مكونات الدولة، ومما لا شك فيه أن مراكز المعرفة والدعم الاستراتيجي هي أحد الجهات الرئيسية المنوط بها دعم الإستراتيجية الوطنية للمعلومات التي يتم بناءاً عليها اتخاذ القرار باستخدام الأدوات التكنولوجية المختلفة المتوفرة لها، لذلك فإن هذه المراكز الحيوية تحتاج إلى تحديث وتطوير مستمر لاستيفاء الطلب المتزايد على التكنولوجيات المتطورة والعمل على تيسير التبادل المعرفي بين الجهات ذات الصلة. ولكي تبدأ الدول في هذا البناء الاستراتيجي والمعرفي، فلابد لها من إطار تشريعي وقانوني واضح وفعال وتنتقل إلى بناء مؤسسة قوية لترعى وتنفذ هذه الإستراتيجية معتمدة على الموارد البشرية المؤهلة تأهيلاً علمياً على أعلى مستوى دولي وتقنيات حديثة متطورة وآليات عمل واضحة. مما سينتج عنه في النهاية رؤية إستراتيجية وآليات عمل قوية وموارد كافية ومؤهلة علمياً لتصبح هذه المنظومة المتكاملة هي المحرك لخطط التنمية للدولة ثم بناء قدرتها العالية في إعداد الدولة للدفاع.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

بواسطة د. شادى كريم 2016-04-04

مقال ممتاز ورؤية إستراتيجية لما يجب أن تُفكر فيه الدول العربية فى القرن الحادى والعشرين وتجعله احد المحاور الرئيسية فى الدفاع عن الأمن القومى العربى الذى يحتاج أن تكون التكنولوجيا أحد أهم عناصره.

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره