مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-10-02

اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة الإماراتية الاسرائيلية

فصل جديد في تاريخ الشرق الأوسط 
 
وقعت دولة الامارات في نهاية مايو الماضي، أول اتفاقية «شراكة اقتصادية شاملة» بين اسرائيل ودولة عربية، في ترجمة لقناعات استراتيجية مشتركة بأهمية ترسيخ ركائز الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط من خلال نقل اتفاق السلام الابراهيمي من إطاره السياسي والاستراتيجي التقليدي إلى حيز التطبيق الفعلي، وترجمته إلى علاقات حقيقية مستدامة، ومصالح ومنافع مشتركة تجمع شعبي الامارات واسرائيل، وتفتح الباب واسعاً أمام غرس ثقافة تعايش جديدة وبناء نموذج تحتذي به بقية دول المنطقة.
 
 
 
 
بقلم العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
 
و تقضي الاتفاقية التي وصفت بالتاريخية، والتي قال عنها د. ثاني بن أحمد الزيودي وزير الدولة للتجارة الخارجية إنها كتبت «فصلاً جديداً في تاريخ الشرق الأوسط»، باعفاء جمركي لنحو 95% من السلع المتبادلة بين الجانبين، علاوة على أنها ستضيف 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي للإمارات على مدار الأعوام الخمسة، وستساهم بتحقيق زيادة في قيمة الصادرات غير النفطية. ومن شأن هذه الاتفاقية تحفيز «نمو القطاعات الخدمية مثل الضيافة والخدمات المالية والتوزيع والتشييد»، بالإضافة إلى أنها توفر « منصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في الدولتين للتوسع عالمياً.
 
 
شراكات السلام
لاشك أن هناك علاقة وثيقة للتجارة بالسلام على مر التاريخ، وفي كلمة لها ألقتها في مايو 2018، حين كانت تشغل منصب مدير عام صندوق النقد الدولي، قالت كريستين لاجارد الرئيسة الحالية للبنك المركزي الأوروبي، أن هناك وظيفة من كل خمسة وظائف في العالم تعتمد على التجارة، وأن التجارة الرقمية ومؤسسات الأعمال الصغيرة تمثل رافعة استراتيجية كبرى للاقتصادات في القرن الحادي والعشرين، وأن تجارة الخدمات تنمو بوتيرة متسارعة عالمياً وتمثل نحو 20% من الصادرات العالمية، وأن نحو 50% من التجارة العالمية في قطاع الخدمات تقوده التكنولوجيا الرقمية. وقالت إن مقدمي الخدمات بأنواعها كافة يحصدون اليوم ثمار التحول إلى عالم أكثر ترابطاً وأصغر حجماً. واختتمت لاجارد كلمتها بعبارة قالها الفليسوف الفرنسي مونتسكيو منذ أكثر من مائتي عام :التجارة هي أفضل علاج للتحيز. هناك قاعدة عامة تقريبا أنه أينما نشأت المواطنة السليمة، تقوم التجارة، وحيثما توجد التجارة، تنشأ المواطنة السليمة ... فالتجارة بطبيعتها تؤدي إلى تحقيق السلام».
 
 
وفي تاريخ العلاقات الدولية على امتداد العصور، مايؤكد الدور الذي لعبته التجارة في صناعة السلام، وبناء الجسور بين الأمم والشعوب. فالتجارة تلعب دوراً رئيسياً في بناء السلام وأيضاً في صناعة الأزمات، من خلال ما يعرف بالحروب التجارية التي وقعت بين الدول على مر التاريخ كما حدث بين بريطانيا وهولندا في القرن السابع عشر، وبين الصين والامبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر في إطار مايعرف بحرب الأفيون الأولى، ثم حرب الأفيون الثانية، ناهيك عن سلاسل عديدة من الحروب التجارية التي شهدها العالم في القرن العشرين وكانت الولايات المتحدة الأمريكية طرفاً فيها مثل حرب الدجاج مع أوروبا وحرب السيارات مع اليابان وحرب الأخشاب مع كندا وحرب الفولاذ مع أوروبا. وفي مقابل ذلك يشير التاريخ إلى تجارب كثيرة لعبت فيها التجارة دور القاطرة لعلاقات الدول والشعوب والأمم، بل كانت المصالح التجارية الدافع لانهاء الصراعات والأزمات والحروب، وباتت التجارة في العصر الحديث أحد أهم مؤشرات قوة ومتانة العلاقات والتعرف إلى المستوى الذي ارتقت إليه علاقات الدول ببعضها البعض. وتؤخذ كمؤشر على نجاح تلك العلاقات، فضلاً عن أن التجارة تسهم بشكل فاعل في تعزيز الفهم المشترك وترسيخ قيم الحوار والتعاون وتجاوز الخلافات والتباينات على صعيد العرق والدين والثقافة والسياسة والأمن.
 
 
عوائد استراتيجية مباشرة
لاشك أن للسلام بين دولة الامارات وإسرائيل عوائد اقتصادية مباشرة على الجانبين، فقد جسدّ اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة، احد أهم انجازات السلام، حيث يُلاحظ تطور العلاقات بوتيرة متسارعة ومدروسة منذ توقيع اتفاق السلام بينهما في سبتمبر عام 2020، حيث تم توقيع 65 صفقة ومذكرة تفاهم بين الإمارات وإسرائيل، وهنا يشير د. ثاني الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية إلى أن «العلاقات بين الإمارات وإسرائيل موجودة منذ 18 شهرًا فقط (التصريحات كانت في أبريل الماضي)، وهذا يؤكد حقيقة أن من الأهداف الرئيسية لاتفاق إبراهيم اقتصادية»، ما يعني أن الاقتصاد كان أحد أهم محركات توقيع اتفاق السلام مع اسرائيل، موضحاً أن “اتفاقية التجارة الحرة يمكن أن تعزز التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار سنويًا”، وتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام مرارًا وتكرارًا”. ويتوقع رئيس مجلس الأعمال الإماراتي-الإسرائيلي دوريان باراك، أن تتضاعف التجارة قريبا بين البلدين، وقال في بيان إن “التجارة بين الإمارات وإسرائيل ستتجاوز ملياري دولار في عام 2022، لتصل إلى نحو 5 مليارات دولار في غضون 5 سنوات، مدعومة بتعاون في قطاعات الطاقة المتجددة والسلع الاستهلاكية والسياحة وعلوم الحياة»، وأضاف «تتحول دبي بسرعة إلى مركز للشركات الإسرائيلية التي تتطلع إلى جنوب آسيا والشرق الأوسط والشرق الأقصى كأسواق لسلعها وخدماتها»، وأشار إلى أنه بحلول نهاية العام الجاري، ستعمل نحو ألف شركة إسرائيلية في الإمارات.
 
 
وقد أشار رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق نفتالي بينيت في أحد تصريحاته إلى أن الاتفاق الذي يستغرق التفاوض بشأنه 5 سنوات في كثير من الأحيان تم انجازه مع الامارات في أسابيع، وتابع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق قائلا: «اتفقت مع (صاحب السمو) الشيخ محمد بن زايد قبل شهرين في قمة شرم الشيخ على أن ننجز، ما يستغرق عادة 5 سنوات، في غضون أسابيع قليلة، وقد وجهنا فرقنا بالعمل بالسرعة القصوى وهذا ما حدث بالضبط». والحاصل أن اقتصادي الامارات واسرائيل يمتلكان فرصاً واعدة للتعاون المشترك وتعظيم عوائدهما من الشراكة الاقتصادية الشاملة، ولاسيما في قطاعات الاتصالات والطاقة والزراعة والرعاية الصحية والتكنولوجيا والسياحة والأمن والفضاء وخدمات المعارض والمؤتمرات. ويشير بعض المحللين إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الامارات واسرائيل تؤسس لتعاون وسلام حقيقي، وتتفادى حصر العلاقات بين اسرائيل وجيرانها العرب على الشق السياسي/ البروتوكولي، ويعزز هذا الأمر أن اقتصاد الامارات يتميز بالانفتاح والاندماج الكبير مع الاقتصاد العالمي، ما يعزز فرصه في بناء شراكات تجارية واسعة مع بقية الاقتصادات، وخصوصاً تلك  الاقتصادات التي تمتلك خصائص مماثلة، كالاقتصاد الاسرائيلي.
 
 
وتشير اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الامارات واسرائيل إلى توجه نحو مأسسة التعاون بين البلدين وتأطيره بشكل منهجي بما يحقق اقصى عوائد ممكنة، فهناك اتفاقيات تعاون كثيرة وقعها الجانبان، وهناك تعهدات استثمارية ومذكرات تفاهم تحتاج إلى بناء خارطة طريق لتحويلها إلى اتفاقات ثنائية تترجم الالتزام القوي المعلن من الجانبين بشأن التركيز على الأبعاد الاقتصادية والعلمية والصناعية للعلاقات، لاسيما أن اقتصادي البلدين يحتاجان إلى توسيع شبكات التعاون بما يحقق منافع مشتركة في مجالات حيوية مثل تطوير اقتصاد المعرفة والاسراع بوتيرة التحول الرقمي والارتقاء بريادة الأعمال وقطاعات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الزراعية وحلول المصادر المائية، والمدن الذكية والطاقة المتجددة، ومجالات حيوية أخرى مثل الأعمال المصرفية والطاقة والسياحة والخدمات اللوجستية.
 
 
وتشير الاتفاقية والاسراع بحسمها في غضون شهور قلائل إلى رغبة مشتركة في بناء علاقات قوية ومثمرة، كما تشير إلى أن اسرائيل تحتل مرتبة مهمة ضمن خطط الامارات لتنفيذ وثيقة الخمسين، التي تشير في أحد مبادئها العشرة إلى»التركيز بشكل كامل خلال الفترة المقبلة على بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، وأن المصالح الاقتصادية لدولة الامارات تقف على رأس الأهداف الوطنية العليا، وتركز على أن «هدف السياسة هو خدمة الاقتصاد»، فضلاً عن أن «تطوير علاقات سياسية واقتصادية وشعبية مستقرة وايجابية مع هذا المحيط (المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي للدولة) يعتبر أحد أهم أولويات السياسة الخارجية للدولة»، ما يجعل لإسرائيل بكل ما تمتلك من مزايا نسبية لا يمكن انكارها في المجالات التكنولوجية والصناعية والتقنية والاقتصادية، وضعاً مهماً في التخطيط الاستراتيجي الاماراتي. 
 
 
ومايعزز فرص التعاون وحصول البلدين على عوائد استراتيجية كبرى من اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة أن الاقتصادين، الاماراتي والاسرائيلي، يتشابهان في جوانب كثيرة منها اعتمادهما الكبير على التصدير ، وتميزهما في مجالات صناعية وتكنولوجية والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي والتحول المتسارع نحو الرقمنة واقتصاد المعرفة، وهو ماتجلى في اتفاق الجانبين على انشاء صندوق مشترك للبحث والتطوير، بدعم من مجلس الأعمال المشترك، على تسخير الخبرات والكفاءات الاقتصادية والتكنولوجية الرائدة في الإمارات وإسرائيل، وتكليفها بإيجاد حلول للتحديات مثل تغير المناخ والتصحر بالإضافة إلى الطاقة النظيفة والزراعة المستقبلية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره