2022-07-01
استخدام الدراما فى تنمية الوعى المجتمعى عسكرياً وأمنياً
تعتبر الحروب سواء التقليدية أو غير التقليدية من أهم الأحداث فى تاريخ الأمم وخاصة لو توجت بالانتصار؛ لأنها من الفترات الصعبة التى يتم فيها حشد جميع الطاقات للتغلب على التحديات والتهديدات، لذلك تسعى الدول إلى تسجيل هذه الفترات من تاريخها لتنقلها إلى الأجيال الجديدة التى لم تعاصر هذه الأحداث، والتاريخ ليس فقط تسجيل لوقائع ولكن أيضا لنقل الخبرات وحشد الهمم والقوة والصلابة للمجتمع، ومن هنا تأتى أهمية تحويل الأحداث التاريخية الهامة إلى أعمال فنية، ويعتبر ذلك عنصرا هاما فى تشكيل الوعى المجتمعى.
لواء طيار أ.ح دكتور/ هشام الحلبى
تعتبر العمليات النفسية أهم أساليب الحروب غير التقليدية التى تشهدها المنطقة العربية حاليا، وقد يختلط على البعض الفرق بين مصطلحى العمليات النفسية والحرب النفسية، فالعمليات النفسية هى «التخطيط لنشر المعلومات بأساليب متعددة على المجتمعات المستهدفة للتأثير على عواطفهم ودوافعهم ومنطقهم، بهدف تغيير سلوك هذه المجتمعات»، بينما الحرب النفسية توجه إلى القوات المسلحة للدول المعادية وقت الحرب فقط فى ميدان القتال، بهدف الوصول بالمقاتلين إلى حالة من اليأس والاستسلام وعدم القدرة على القتال، ومن حيث الاستمرار؛ فالعمليات النفسية مستمرة في جميع الأوقات فى السلم والتوتر والحرب، بينما تقتصر الحرب النفسية على أوقات التوتر والصراع المسلح فقط.
وقد وفر التقدم التكنولوجى للعمليات النفسية إمكانيات لم تكن موجودة من قبل، وذلك من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية؛ أولها القدرة على إنشاء علاقات شبكية تسمح بسرعة التواصل مع المجتمعات والإفراد، وثانيها تعدد وسائل النفاذ والتأثير عليهم، وثالثها تطور العلوم الاجتماعية التى تهتم بمعرفة المؤثرات على السلوك الانسانى، وأصبح الإعلام والدراما أهم الأدوات الرئيسية لتوصيل رسائل العمليات النفسية إلى المتلقيين في أي مكان وعلى أي مستوى، ويساعد على ذلك وسائل الإعلام التقليدى وغير التقليدى والتى دوراً مؤثراً فى ظل التطور التكنولوجي؛ لتوفرها وإمكانية استقبالها فورياً وقت وقوع الحدث؛ وتغطيتها لشريحة ضخمة من الأهداف المخاطبة.
تعتبر الأعمال الفنية الهادفة احد الأساليب الهامة لمواجهة العمليات النفسية؛ لأنها تعمل على تشكيل وصياغة ثقافة المجتمع والارتفاع بمستوى الانتماء والولاء نتيجة زيادة الوعي، فتنقل الدراما المعرفة بالتاريخ من دوائر الدراسة الضيقة إلى دائرة المعرفة الشعبية الواسعة، وهى العامل الأكثر تأثيرا فى تشكيل الوعى بالتاريخ ربما أكثر من الكتب، فقراءة الكتب التى تتضمن الوقائع والشخصيات التاريخية تصبح فى ترتيب اقل عندما تقارن بأعمال درامية جذابة، ومن هنا تأتى الأهمية القصوى للدراما التاريخية العسكرية من أى وقت مضى، وضرورة استخدامها على نطاق واسع ضمن جهود بناء الهوية الوطنية وتأصيل القيم والمعانى النبيلة بين المواطنين على اختلاف مستواهم التعليمى والثقافى.
أهم عوامل نجاح الأعمال الدرامية التى تتناول الموضوعات العسكرية والأمنية
الاختيار الصحيح للموضوعات المفيدة وللنص الجيد الذى يعبر عنها بواقعية، وكذا الاسلوب الذى سيتم استخدامه (أفلام – مسلسلات ...الخ) طبقا للأنسب للأحداث والأكثر تأثيرا على المجتمع، فعلى سبيل المثال تعتبر المسلسلات التليفزيونية (باعتبارها الأطول مشاهدة) من أهم الأساليب إذا تم إعدادها بصورة متميزة واختيار التوقيت المناسب لعرضها؛ وذلك لوجود التليفزيون فى كل منزل وتلتف حوله جميع الفئات والأعمار، يتفاعلون ويتناقشون مع ما يُعرض، وغالبا ينتقل هذا التفاعل إلى الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن ثم يتحقق مزيد من التأثير؛ فعلى سبيل المثال نجح مسلسل (الاختيار) الذى عرضه التليفزيون المصرى بأجزائه الثلاثة خلال السنوات الأخيرة، وتوقيت عرضه مع بداية شهر رمضان المبارك، في كشف الحرب التي يتعرض لها الوطن، كما نجح (الاختيار- 3) تحديدًا في توثيق مرحلة هامة من عمر الدولة المصرية، وهي فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، حيث كشف المسلسل بشكل مباشر وواضح عدد وحجم المؤامرات التي كانت تحاك ضد الشعب المصري، وتناول واحدا من أهم الملفات الشائكة التى تشغل العالم وهى قضية مواجهة الإرهاب، وكيف تفكر تلك الجماعات التكفيرية، لذلك جذب المسلسل الجمهور من بدايته، وجعل منه حديثا مفتوحا فى وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعى.
ضرورة مراجعة النصوص الدرامية للأعمال التاريخية مع لجنة من المؤرخين الحياديين، وعدم الاعتماد على شخص واحد فقط، وأيضا المراجعة مع القوات المسلحة فى الدولة خاصة فى الأعمال العسكرية لأنها تمتلك الأحداث الحقيقية، وأهمية ذلك أن الدراما الوطنية تسجل تاريخ شعب بالصوت والصورة، ولابد أن تكون أمينة وان تقدم الأحداث علي حقيقتها كما هي بدون مبالغة أو تهوين وبشكل راق دون إسفاف، لتساعد علي تثبيت وتعميق الهوية الوطنية وتجعل الإنسان سلاحا فعالا ضد كل ما يواجهه الوطن.
الاختيار والتدريب الجيد للممثلين؛ لأن هذه الأعمال غالبا ما تتضمن رموزا عسكرية وسياسية وأيضا شخصيات متعددة شاركت فى صنع الأحداث، فمن الأهمية أن يتم اختيار الممثلين القادرين على تجسيد هذه الشخصيات ليكون العمل واقعيا، فالعمل الفنى فى هذه الحالة ينقل الحقيقة للمشاهد وليس عمليا تخليا، ومع أن امتلاك الشخص لموهبة التمثيل يعتبر من العوامل الهامة ولكنه ليس كافيا فى هذه الأعمال فمن الضرورى أيضا الوضع فى الاعتبار شخصية الممثل وملامحه الخارجية؛ فمن الممكن أن يكون الممثل رائعاً في أحد الأدوار, ثم يبدو هو نفسه غير مقنع في دور آخر، ومن الأهمية تدريب الممثلين تحت إشراف القوات المسلحة بواسطة عسكريين خاصة فى المشاهد الخاصة بالأعمال القتالية، وأيضا للذين سيلعبون أدوارا لشخصيات وقادة عسكريين؛ ولا يتم ترك هذه المشاهد للاجتهادات الشخصية للممثلين.
يفضل أن يتضمن العمل الدرامى وثائق حقيقية (صوت وصورة) قدر الإمكان لزيادة مصداقيته دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومى، وأيضا لمواجهة ردود الأفعال المضادة التى قد تنكر بعض الأحداث وتحاول تشويه العمل؛ فعلى سبيل المثال تم إدراج بعض المشاهد الحقيقية ضمن المسلسل المصرى (الاختيار- 3)، وقد كان ذلك مثالا متميزا لدعم أجهزة الدولة للعمل الدرامى الوثائقى.
يستحسن التصوير فى الأماكن الحقيقية التى وقعت فيها الأحداث كلما أمكن، مما يضيف للعمل الدرامى الكثير ممن الواقعية خاصة فى الأحداث التاريخية.
تقديم الدعم بكل أنواعه وإشكاله من جانب مؤسسات الدولة خاصة الدعم المالى للتغلب على التكلفة العالية للأعمال الدرامية التى تتناول الموضوعات العسكرية والأمنية؛ حيث تقف التكلفة العالية عائقا كبيرا فى الإنتاج، وذلك للخروج بأعمال قوية على قدر كبير من المصداقية والواقعية، والحقيقة أن التكلفة تتضائل أيا كانت قيمتها فى سبيل تشكيل وعي المجتمع والتأثير الايجابى على قيمه وأفكاره ومعتقداته.
الخلاصة
تعتبر العمليات النفسية قتال معنوى وصراع فكرى يدور حول المفاهيم والأفكار، ويؤدى إلى القضاء على التماسك الفكرى للمواطنين، وهى عمليات مرنة ومتطورة تستعمل فيها جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وتؤثر على القيم المجتمعية والرضا القومى، وتنقل المجتمع من حالة التماسك القوى إلى حالة مهلهلة رخوة تفقده القدرة على المقاومة والصمود، ومن ثم يسهل فرض التبعية عليه.
وتعد الأعمال الفنية من أهم وأنسب أساليب مواجهة العمليات النفسية، ومحاولات تشويه التاريخ وطمس الحقائق، فمع زخم وتشابك الأحداث تصبح الدراما الواقعية الحل المثالى لتسجيل التاريخ ونقله بصورة جاذبة للأجيال القادمة، وهى الوسيلة الأسرع لتشكيل وعي المجتمع على اختلاف مستوياته التعليمية والثقافية، مما يؤدى إلى زيادة الانتماء والولاء للمواطنين خاصة مع تطور تكنولوجيا الاتصال وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي وإمكانية نشر الأعمال الدرامية عليها.
ويزيد من أهمية الدراما أيضا أنها همزة الوصل ونقطة الالتقاء بين القوة الصلبة التى تتمثل فى الحروب وما تضمنتها من أحداث وبين القوة الناعمة التى تخاطب المشاعر وتركز على القيم وتقدم نماذج مثالية للتضحية والفداء من أجل الوطن، والذى يكون له عائد ومرود ايجابى على القوة الصلبة مرة أخرى؛ لأن الإنسان هو الأساس فى معادلة القوة العسكرية، لذلك تعتبر الأعمال الفنية التى تتناول البطولات والتضحيات ليست ثقافة ورفاهية ولكنها طوق نجاه للأجيال القادمة، والاهتمام بها يعتبر من أهم استراتيجيات مواجهة العمليات النفسية وأكثرها أولوية.
لا يوجد تعليقات