مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-05-11

الأحــــــلاف والمحـــــاور والمعســكــــرات في الشـــــــــــــــــرق الأوســـــط

تحـالفــــات كـثيــرة وتـــوازن قــوى مضطــرب
يُعد الشرق الأوسط أكثر أقاليم العالم اضطراباً، بل يُقدم على أنه مثالٌ نموذجي لمظاهر عدم الاستقرار، من حروبٍ دولية وأخرى أهلية، واضطراباتٍ سياسية داخلية وإرهابٍ وطائفية. وتكمن خلف هذه المظاهر، وربما بسببها، شبكة من التحالفات بين الدول من جهة وبين الأخيرة والفاعلين من غير الدول من جهة أخرى.
 
إعداد: د. أيمن الدسوقي
 
نظرية الأحلاف العسكرية:
وقبل الولوج في خريطة التحالفات في المنطقة، يجدر بنا إعادة زيارة نظرية الأحلاف؛ حتى يمكنا تحليل هذه التحالفات وتقييمها. وطبقاً لهذه النظرية، يُعرّف الحلف بأنّه التزام تعاقدي بين عددٍ من الدول يوجه عادةً ضد دولة أو دول محددة (أو فاعلين من غير الدول non-state actors)، وينشأ عنه منظمة تعمل على تنفيذ أهدافه. وتتسم المنظمة عادةً بطابعٍ رسمي، وبوجود معاهدة أو اتفاق. وعليه، تضع نظرية الأحلاف شروطاً محددة لتعريف الحلف، أو وصف علاقة معينة بين وحدتين دوليتين أو أكثر على أنّها تُشكل تحالفاً، وهي:
الالتزام التعاقدي الرسمي؛ أي لابد من وجود معاهدة أو اتفاق رسمي.
الأحلاف عادةً ما تكون موجهة إلى فاعل دولي محدد أو فاعلين دوليين محددين.
الأحلاف تُنشئ منظمات تعمل على تنفيذ الأهداف، وتراقب الالتزامات.
 
ويعد حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تأسس عام 1949، هو المثال النموذجي للتحالف العسكري. فقد تم توقيع المعاهدة المنشئة للحلف، والمعروفة باسم معاهدة شمال الأطلسي، بواشنطن، في أبريل من العام المذكور، من جانب 12 دولة في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية. وفيما بعد، توسع الحلف ليضم دولاً أخرى، من غرب أوروبا وشرقها، كان آخرها ألبانيا وكرواتيا (2009)، ليصل عديد عضويته إلى 28 دولة.
وتم تكوين الحلف لمواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، الذي تمددت قوته إلى شرق أوروبا، وردع أو صد أي هجوم من جانبه ضد دول غرب أوروبا. وبعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي، أثبت حلف الناتو قدرةً كبيرة على التكيف، سواء من خلال تطوير شكله التنظيمي بالتحول إلى تحالف سياسي وعسكري، أو تطوير أهدافه لتضم أهدافاً جديدة، بالإضافة إلى هدفه الأساسي المتمثل في الأمن الجماعي لأعضائه. وهذه الأهداف هي تعزيز القيم الديمقراطية، وتشجيع التشاور والتعاون في قضايا الأمن والدفاع لبناء الثقة، ومنع الصراع في الأجل الطويل، والتسوية السلمية للمنازعات، وإدارة الأزمات، ومحاربة التهديدات الأمنية الجديدة مثل الإرهاب الدولي. 
وبناءً على المعاهدة المنشئة للحلف، تم تأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتوNATO) عام 1949، في بروكسل. وتتسم هذه المنظمة بالتعقد التنظيمي؛ وتضم هياكل سياسية وعسكرية ومنظمات ووكالات تابعة.
 
التحالف العسكري التركي-الإسرائيلي؟
في دراسةٍ سابقة لكاتب هذه السطور، نفى صفة التحالف عن العلاقات العسكرية التركية-الإسرائيلية في التسعينيات، ولاسيما بعد توقيع البلدين اتفاقاً للتعاون والتدريب العسكري في فبراير 1996، وما تبعه من اتفاقات عسكرية وأمنية متعددة. ومرد ذلك إلى أنّ اتفاق فبراير 1996 ليس اتفاقاً لتحالف عسكري، وإن عُد تطوراً عسكرياً واستراتيجياً بارزاً في حينه، يغطي مجالات واسعة للتعاون العسكري والأمني بين تركيا وإسرائيل. ثم إنه لم يكن واضحاً أي دولة أو مجموعة الدول التي كان يستهدفها هذا الاتفاق. فضلاً على ذلك، لم يتم تأسيس هيكل تنظيمي لتنفيذ أهداف الاتفاق، ومراقبة التزامات الدولتين. وقد أثبت التطور اللاحق للعلاقات التركية-الإسرائيلية صِحة هذا التحليل. 
 
تحالفات أم محاور:
نشر أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية بالولايات المتحدة دراسة حول “لعبة المعسكرات” في الشرق الأوسط؛ مؤداها أنّ المنطقة تتنازعها أربعة أو خمسة معسكرات، تختلف إمكانياتها وحظوظها المستقبلية في الهيمنة الإقليمية. وأول هذه المعسكرات هو المعسكر الإخواني، ويضم جماعة الإخوان وفروعها أو تجلياتها في عددٍ من الأقطار العربية، مؤيدة من قبل تركيا. والثاني هو المعسكر الداعشي الذي يتمحور حول تنظيم داعش في سوريا والعراق وتوابعه في عددٍ من دول المنطقة، وخاصةً مصر وليبيا وشمال أفريقيا عموماً واليمن، وامتداداته المتنامية في إفريقيا جنوب الصحراء. ويتركز المعسكر الثالث حول إيران، ويضم نظام الأسد في سوريا والعراق، والتوابع الإيرانية في لبنان (حزب الله) واليمن (جماعة الحوثي) والعراق (الحشد الشيعي والقوى السياسية الشيعية)، وغزة (حركة الجهاد الإسلامي). أما المعسكر الرابع، فيضم القوى الداعمة للاستقرار في المنطقة بقيادة المملكة العربية السعودية، وسائر دول التحالف الخليجي-العربي الداعم للشرعية في اليمن. وتتحدث الدراسة عن معسكر خامس ناشئ عبر شرقي المتوسط، ويضم مصر والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا.
وباستثناء معسكر إيران-سوريا-حزب الله والتحالف الخليجي، لا تُعبر هذه المعسكرات عن تحالف عسكري، بالمعنى الذي تقره نظرية الأحلاف، وإنما هي محاور للتعاون والتعاضد، وبعضها غير مستقر، مثل المعسكر الإخواني ومعسكر دول شرقي المتوسط.
 
التحالفان السوريان:
مع اندلاع الانتفاضة السورية في مارس 2011، بدأت إرهاصات تكوين تحالف عسكري بين سوريا وإيران وحزب الله، يهدف إلى دعم نظام بشّار الأسد ويحارب إلى جانب قواته وميليشياته في الحرب الأهلية السورية المستعرة منذ خمس سنوات. وتطور هذا التحالف إلى درجة نشر جيش نظامي إيراني في سوريا؛ لدعم الرئيس السوري؛ وسط مخاوف من تغير موقف روسيا تجاه بقاء نظامه بعيد إعلانها سحب الجزء الأكبر من قواتها من سوريا في منتصف مارس 2016، وتأييدها التسوية السياسية للأزمة السورية.
 
ومع تطور الحرب الأهلية، وإخفاق نظام الأسد في إنهائها لمصلحته، تبلور تحالف آخر بين دمشق وموسكو، كانت أهم معالمه تنامي إمداد الجيش السوري بالأسلحة والمعدات والخبراء الروس، ثم التدخل العسكري الروسي في أواخر سبتمبر 2015؛ بهدف وقف انهيار الجيش السوري، واستعادة التوازن على الأرض بما يسمح بإطلاق عملية سياسية لا يخرج منها النظام مهزوماً.
ويبدو أنّ هذين التحالفين فشلا في تحقيق أهدافهما على الأرض؛ فلم يتمكنا من دحر المعارضة المسلحة، أو إنهاء الحرب الأهلية في سوريا. ولا يزال تنظيم داعش يسيطر على معظم أجزاء البلاد. بيد أنهما نجحا في تجميد الأوضاع، وإيقاف الهزائم والتراجعات الميدانية للجيش السوري، وفرض منطق تفاوضي محدد على أوضاع التسوية الجارية في جنيف.
 
التحالف الخليجي:
في مارس 2015، نجحت السعودية في تدشين تحالف خليجي-عربي؛ من أجل دعم الحكومة الشرعية في اليمن، والحؤول دون سيطرة جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح على كل البلاد، ووقف تمدد النفوذ الإيراني في جنوب الجزيرة العربية. ويضم التحالف دول مجلس التعاون الخليجي (عدا عُمان)، التي تشكل بؤرته ومركز الثقل فيه، بالإضافة إلى مصر والسودان والأردن والمغرب. وقد حقق هذا التحالف منجزات ميدانية واضحة، أفضت إلى تغيير موازين القوى في اليمن، قبل أن يتم الشروع في عملية تسوية سياسية تستند إلى المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
 
التحالف الدولي ضد داعش:
وبعد أنْ أصبح تنظيم داعش العراق وسوريا يُشكل تهديداً إقليمياً ودولياً متنامياً منذ منتصف عام 2014، وتدفق أعداد من المقاتلين من أقاليم متفرقة في العالم، ولاسيما أوروبا والشرق الأوسط، وعلى نحوٍ متزايد للالتحاق بالتنظيم الإرهابي، الذي يُعلن أنّ آفاق “خلافته” ليس لها حدود. وبعد أنْ استقر في إدراك قادة العالم أنّه لا يمكن التصدي لخطر داعش إلا من خلال عمل منسق بين عدد من الدول من داخل المنطقة وخارجها، سعت مجموعة من الدول بقيادة الولايات المتحدة إلى تدشين “تحالف ٍدولي ضد داعش”، في سبتمبر 2014. ويضم التحالف نحو 20 دولة، تنوعت أشكال تدخلها في العراق وسوريا، بين الغارات الجوية، وهي النمط الرئيسي في عمليات التحالف، والتدريب العسكري، وتقديم النصح، والدعم اللوجستي والاستخباري.
 
ومن أبرز الاتفاقيات المنشئة للتحالف هو اتفاق جدة (سبتمبر 2014)، وفيه اتفقت الولايات المتحدة وعشر دول عربية على محاربة داعش؛ ومحضر اجتماع القادة العسكريين بالدول المشاركة في التحالف، وهي (الولايات المتحدة، وأستراليا، وبلجيكا، وكندا، والدانمارك، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ونيوزيلندا، وإسبانيا، وبريطانيا، والبحرين، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وقطر، والسعودية، والإمارات، إضافة إلى تركيا)، في واشنطن، في أكتوبر من العام نفسه.
 
وعلى الرغم من وجود اتفاقات دولية بلورت التحالف الدولي لمحاربة داعش، ووجود هدف محدد له، فإنّ اتساع عضويته، فضلاً عن اقتصاره، بصورة رئيسية، على التدخل الجوي، وعدم وجود هيكل تنظيمي يراقب مدى تحقق الأهداف ووفاء الدول بالتزاماتها، يمكن القول إنه أقرب إلى الائتلاف منه إلى التحالف العسكري. ثم إنّه ائتلاف مرن للغاية، لم ينجح إلى الآن في تحقيق هدفه الرئيسي المتمثل في القضاء على خطر تنظيم داعش ووقف تمدده الإقليمي في سوريا والعراق، وإن كان يساهم في إضعاف التنظيم.
 
التحالف الإسلامي:
جاء إعلان السعودية، في أواخر عام 2015، عن تأسيس “تحالف إسلامي” واسع لمحاربة الإرهاب والقضاء علي “داعش” وكافة الحركات الإرهابية الأخرى، ليُضيف محوراً جديداً في خريطة التحالفات في المنطقة. وطبقاً لعدد الحضور في مؤتمر الرياض لهيئات الأركان العسكرية لأعضائه، في مارس 2016، يضم التحالف الإسلامي 39 دولة عربية وإسلامية. وقد أصدر المؤتمر “إعلان الرياض” لمحاربة الإرهاب إعلامياً وفكرياً ومالياً وعسكرياً، وهو أول وثيقة للتحالف.
 
ولا يختلف التحالف الإسلامي عن التحالف الدولي لمحاربة داعش في كونه ائتلافاً مرناً وواسعاً، يفتقر إلى أهم معيارين في تحديد التحالف، وهما المعاهدة الدولية والهيكل التنظيمي. ويُضاف إلى ذلك في حالة التحالف الإسلامي أنّ أهدافه واسعة غير “محددة”، فيما يتعلق باستهدافه فاعلين دوليين معينين. كما أنّه يضم أعضاء يتبنون أهدافاً متباينة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. 
وفي الأخير، يمكن القول إنّ ارتفاع وتيرة إنشاء التحالفات العسكرية في المنطقة دليل على اختلال توازن القوى فيها، وأنّ خريطة التحالفات المتغيرة (لم نذكر القوة العربية المشتركة، والتحالف الرباعي أو غرفة عمليات بغداد، ومجلس التعاون الاستراتيجي بين السعودية وتركيا، وتنامي العلاقات الاستراتيجية بين الأخيرة وقطر) تُسهم بدورها في اضطراب موازين القوى في أكثر أقاليم العالم اضطراباً.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره