مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-07-07

الأمن الغذائي ... متقاطع مع الأهداف والمصالح القومية

بسم الله الرحمن الرحيم ‭}‬الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف‭{‬ صدق الله العظيم ،،، 
تلخص هذه الآية الكريمة المفهوم الشامل للأمن القومي لأي دولة فلقد أجمعت العلوم الإستراتيجية على تعريف الأمن القومي بأنه « القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والإستقرار لتحقيق االتنمية الشاملة للدولة في كافة المجالات (السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية والمعلوماتية) في الدولة ضد كافة أنواع التهديدات الداخلية والخارجية (إقليمية أو عالمية) لتحقيق الأهداف والمصالح القومية للدولة » .
 
بقلم / عبد الله يسرى  
إعلامي وكاتب 
زميل كلية الدفاع الوطني/ أكاديمية ناصرالعسكرية العليا           
 
من هذا التعريف وهذه الآية الكريمة يتجسد معنى الأمن الغذائي أمامنا والمرتبط بتحقيق الوفرة والإكتفاء الذاتي خاصة في المحاصيل والسِلع الإستراتيجية التي لا يستطيع شعب في أي دولة العيش بدونها سواء في الشدة أو الرخاء، لذى تسعى كل دولة لوجود مخزون إستراتيجي يكفيها لمدة ثلاثة أو ستة أشهر وقد نصل لسنة كاملة من القمح مثلا أو الزيت أو الأرز أو السكر وغيرها.
 
غير أن تحقيق الأمن الغذائي مرتبط بعدة ركائز منها ( المياه- الأراضي المستصلحة للزراعة- الثروة الحيوانية – التطور التكنولوجي – الخبرات البشرية وغيرها ) .
 
وتحقيق الأمن الغذائي لأي دولة يتقاطع بالضرورة مع الغاية والأهداف القومية والمصلحة القومية أيضا والإستراتيجيات التخصيصية في باقي المجالات سواء عسكرية أو إجتماعية أو معلوماتية وغيرها.
وبقدر ما تعتمد أي أمة على قدراتها الذاتية في النواحي والمجالات الأساسية  لها في الحياة بقدر ما تكون مستقلة تحقق معنى السيادة الفعلى،، وهنا أتذكر مقولة الأديب اللبناني الكبير/ جبران خليل جبران : ( ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تَخيط وتشرب مما لا تعصر ) ، وأنا أكمل : (وتقرأ مما لا يكتب أدباؤها وتشاهد مما لا ينتجه إعلامها وتستخدم تقنية مما لا تبتكره عقولها ....)، ولا يمكن أن ننسى كيف أنقذت مصر العالم القديم في سنوات الجدب بفضل علم وحفظ سيدنا يوسف علىه السلام حيث كانت مصر آنذاك خزائن الأرض!!
مصر في مصاف الدول التي حققت لها دولة 30 يونيه مفهوم الأمن القومي الشامل وخصصاصة في مجال الغذاء،،
 
فقد أعلن فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه المسئولية عن المشروع القومي للزراعة المتمثل في زراعة مليون ونصف المليون  فدان، موزعة جغرافيا على المناطق المُؤهلة لذلك من حيث مصادر المياه ونوع التربة مثل واحة الفرافرة غربا، شرق العُوينات جنوب شرق ومساحات في الصعيد والمنيا ومطروح وقِنا والإسماعيلية والجيزة وجنوب سيناء.
 
كان الهدف من هذا المشروع تقليل الفجوة الغذائية وزيادة مساحة الأرض المأهولة بالسكان حول هذه المساحات المنزرعة الجديدة لتحقق %20 زيادة في الرُقعة الزراعية للدولة وذلك عبر ثلاث مراحل زمنية، الأولى والثانية كل مرحلة بها 9 مناطق، والمرحلة الثالثة 5  مناطق، تعتمد في أغلبها على المياه الجوفية وبـأساليب ريّ متطورة وتُزرع جميعها بمحاصيل زراعية إستراتيجية والمسئول عن تحقيق هذا المشروع القومي الشركة الوطنية للزراعات المحمية، بعيدا عن وزارة الزراعة حيث تُمثل هذه الشركة نسقاً ثانيا في منظومة زراعة واستصلاح الأراضي في مصر.
 
ومن المشروعات التي تستهدف تحقيق مفهوم الأمن الغذائي في مصر، مشروع الصُوب الزراعية والذي يستهدف 100 ألف صوبة زراعية في إطار المليون ونصــف فدان،،  لكنــه سيحقق الإستفادة المُثلى من وحدتي (الأرض – المياه) ويحقق زيادة في معدلات التصدير من المنتجات الزراعية لدعم الإقتصاد الوطني، وفيما يتعلــــق بالمــيــاه المستخــدمـة فيه للري فإنها تُمثل %60 إلى %70 من كمية المياه المُستخدمة في الزراعة التقليدية المكشوفة، طبعا هناك صناعات تكاملية غذائية تُقام على هامش هذه الزراعات وكل ذلك يُنفذ في اطار معايير الجودة الفائقة مع الإستفادة من خبرات الدول في هذا المجال كالمجر وإسبانيا وهولاندا مما يزيد في النهاية من القيمة المضافة للمنتج الزراعي. 
 
وتجدر الإشارة إلى أن هذا مشروع الصُوب  لم يكن وليد اللحظة لكنه نتيجة دراسة متكاملة قام بها مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، وقد تحددت له 7 مناطق ( غرب المنيا – المغرة – سيناء – المراشدة 1 - المراشدة 2 – حلايب وشلاتين)، وتُزرع بكافة المحاصيل مثل الطماطم والفلفل والخيار والكانتلوب والبصل والكوسة والزهور والفاصوليا... لقد قامت الهيئة العربية للتصنيع بعمل أغلب هذ الصوب وفي أوقات قياسية.
 
لقد اقتربت مصر الآن من تحقيق إكتفاء ذاتي للقمح بنسبة %65 تقـريبــــا، وخلال فترة زمنية قياسية بإذن الله بعد تنفيذ تكليفات فخامة الرئيس الشركة الوطنية للزراعات المحمية بزراعة 100 ألف فدان في توشكى بالقمح، ستحقق مصر الإكتفاء الذاتي التام من القمح ،، ولنعد إلى الماضي القريب منذ حوالي 7 سنوات حيث كانت مصر تُواجه أزمات طاحنة في القمح وغيره من السِلع الإستراتيجية وبإحتياط نقدي أجنبي متواضع لا يكفي مصر لو دخلت حرب ولا حتى لمدة شهر واحد!!
 
الآن تحققت إنفراجة غير مسبوقة في مصر في الخضار كالبطاطس،، ووصلت مصر للمرتبة الأولى عالميا في تصدير الفراولة.
 
ولا يمكن أن نُغفل أن هناك برنامج وطني لإنتاج تقاوي الخضار خاصة البطاطس والذي نجحت مصر في الإكتفاء منه بعد أن كانت تستورد %97 منه من الخارج !! 
 
ولقد كان المحور الآخر للأمن الغذائي بعد محور الزراعة، محور الثروة الحيوانية والذي يستهدف تحقيق الإكتفاء الذاتي من خلال مشروع المليون رأس ماشية، بما تمثله من لحوم حمراء وألبان وأيضا مزارع الإستزراع السمكي بنوعيها، أسماك المياه المالحة وأسماك المياه العذبة فكان مشروع المزارع السمكية في أحواض قناة السويس ومشروع بركة غليون  بكفر الشيخ والاستزراع السمكي في غرب العُليقات وفي دمياط.
 
وبوجود مصانع وطنية لتعلىب الغذاء كالفول والفاصوليا والذرة والتونة والجبن والحلاوة والمربى وغيرها،، يمكن أن نصنع « تعيين مقاتل» غذاء وطني 0 مما يعني بإختصار شديد تحقيق مفهوم الأمن الغذائي للدولة.
 
والمفاجئة السارة التي تحملها قادم الأيام لمصر هي «توشكى الجديدة» ونجاح الزراعة فيها بعد التغلب على الخطأ الإستراتيجي الذي حدث في السابق،، حيث لو كنا قد إخترنا خط جنوب على بُعد 25 كيلومتر وسط الأراضي الرملية بدلا من شق مساحة وسط الصخور، لكانت مصر زراعيا في وضع مختلف آنذاك!!
 
وليس من نافلة القول أن نشير هنا إلى التعاون البناء والمثمر الدائم بين دولة الإمارات العربية المتحدة وبين مصر في مجال التمور ومشروع الــ5 مليون نخلة الذي تم الإعلان عنه أواخر عام 2018 حيث ستستفيذ مصر من خبرة الإمارات الرائدة في مجال التمور من خلال جائزة خليفة الدولية في مصانع التمور بسيوة والوادى الجديد وإقامة مهرجان بسيوة على غرار المهرجانات المحلية والدولية التي تنظمها جائزة خليفة للترويج للتجارة وصناعة التمور، مما سيمكن مصر بإذن الله وبمساندة شقيقتها الإمارات من إقتحام أسواق عالمية جديدة كالولايات المتحدة والصين ودول إفريقيا وآسيا، لتحتل موقعا يتناسب مع تصدرها المركز الأول عالميا في إنتاج التمور بنحو 1.4 مليون طن سنويا، لكن صادراتها لا تتجاوز %3 من حجم إنتاجها وتجيء في المركز التاسع عالميا في التصدير.
 
وختاما فإن تحقيق الأمن الغذائي لأي دولة يستوجب وجود إستراتيجية شاملة للدولة تتخللها إستراتيجيات تخصصية تتقاطع فيما بينها لتحقيق الأمن القومي بمفهومه الشامل للدولة والذي يجيء الأمن الغذائي، مجالا حيوياً فيه وهو ضرورة حتمية لتحقيق مفهوم إعداد الدولة للدفاع وبما ينعكس في النهاية على مواقفها وقراراتها السياسية وإستقلالها الوطني وتجسيد مفهوم السيادة الوطنية للدولة.             
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره