مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-01-10

الأمــــن الوقــائـــــي-2- Protective security

يزداد العالم اليوم تعقيدا في ضوء التطور المذهل الذي نشهده في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وما يسمى بالذكاء الاصطناعي واشياء كثيرة من هذا القبيل ،، كان العقل البشري منذ 30 عاما او اكثر او اقل، كان يعتبرها ضربا من الجنون!!
 
بقلم / ياسر عبد العزيز   
 
 
يكفينا ان نتوقف عند تطبيقات جمع البيانات  من خلال اجهزة المحمول عبر مواقع الاتصال الاجتماعي (( LinkedIn – Twitter – whastApp – Instagram – facebook – Tik Tok -   )) وما تتيحه من معلومات بعد جمعها وتحليلها والخروج بنتائج مذهلة لمعرفة المزاج العام للشعوب وتوجهاتهم وارائهم ومواقفهم المتوقعة تجاه اي ازمة مستقبلية ..  والوصول من كل ذلك الى توقعات سلوكية او ذهنية تفيد كثيرا دولة ما في وضع خططها وبناء قدراتها وتوجهاتها السياسية وكثيرا من قراراتها المستقبلية !!، وكلها مسيّج ومحمي بالقانون مثل قانون Patriot act))  وغيره.
 كل ما سبق جعل من مهمة حماية الامن القومي للدولة غاية في الصعوبة والتعقيد مما خلق تحديات اكبر وتفاصيل اكثر امام القائم يتحقيق اللامن الوقائي.
 
قبل الخوض في تفاصيل هذا المقال المطول ، دعونا نتذكر تعريف كلمة ( المخابرات) حيث ذكرنا في المقال السابق عدة تعريفات كلها تدور حول: جمع المعلومات عن خصم او حتى حليف  احيانا او عن دولة محايدة .. وقلنا ايضا سابقا ان المخابرات المضادة او الايجابية هي (تامين الاسرار الخاصة بالدولة ذاتها )... 
وقلنا ان المخابرات تهتم بالاساس بقضايا الحرب والدفاع وقت السلم الا انها ايضا تستهدف جمع المعلومات الديبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والطبية وتامين هذه المغلومات .
 
ان مصطلح ( intelligence) ترجمته الادق من كلمة مخابرات، هي الترجمة الحربية له وهي (اجهزة ذكاء) وهنا لابد من الاشارة الى مستويين من العمل الاستخباراتي : 
  • مستوى تكتيكي Tactical  
  • مستوى استرتتيجي Strategic ،، اذا كل موضوع له مستويين من المعالجة المخابرتية ، تكتيكي واستراتيجي، فيما ينفرد العمل العسمكري المباشر بمستوى ثالث بينهما وهو المستوى التعبوي !
ولاهمية التخصص الدقيق في العمل الاستخباراتي ، كانت هناك عدة اجهزة مخابراتية وبداخل كل جهاز منها قطاعات او افرع اكثر تفصيلا، فمثلا هناك المخابرات العســـكـــــري Military intelligence   وبداخلها ادارات خاصة بالجيش والقوات الجوية والقوات البحرية وغيرها .
وهناك المخابرات الجغرافية Geographic intelligence والتي تهتم بعلوم الارض  والبحر والجو والثروات والطبوغرافيا والنقل والهايدروجرافيا .
وهــناك ايضــا نــوع اخـــر يسمــى بـTechnological intelligence  &  Scientific intelligence او المخابرات العلمية والتي يتبعها القنابل الذرية والصواريخ الموجهة والحرب البيولوجية والكيماوية والنووية وغيرها ... 
 
وهناك المخابرات الاقتصادية والتي تلعب دورا كبيرا اليوم عبر الشركات متعددة الجنسيات او عابرة القارات وتستخدم من نشاطها الاقتصادي ساترا وذراعا طولى للدولة المالكة.
مع ظهور الارهاب المنظم على يد القاعدة في اواخر القرن المنصرم افرد عدد من اجهزة المخابرات، فرعا لمكافحة الارهاب داخل اجهزته،  وحسب الثوابت القيمية لكل دولة يتبعها جهاز استخبارات، كانت طبيعة التعامل مع ملف الارهاب فب هذا الفرع.. وبدانا نلاحظ تجسيدا على ارض الواقع لما يسمى بالحرب بالوكالة وكيف يمكن لدولة تصفية حساباتها ممع دولة اخرى وتدميرها دون ان ترسل جنديا واحدا  من خلال دعم الحركات الانفصالية او الراديكالية داخل الدولة المعادية او الهدف !
 
وبدا الحديث عن الجيل الرابع من الحروب ثم الخامس،، ولما كان الاعلام احد تجليات هذا النوع من الحروب، ظهرت مبكرا شبكات تليفــزيونيــــة متخصصة وموجهة، تعلن عـن هويتهــــا وتستهـــــدف جمهـورا اكـــبر بكثــــير مـــن مواطنيها وعــبر مضـامـين قــــد يكون محتواها شديد الخصوصية لشعب معين او محدد ويقدم بلهجته ايضا.
 
وهذا النوع عند علماء الاتصال الجماهيري يسمى (اعلامـــا موجهـــا) وعـنـد المتخصصين في العمليات النفسيــة يسمـى (نشــاطا موجهـا ) ،  وبقــدر ما يكون الهدف استراتيجي بقدر ما تكون المضامين متنوعة القوالب التلفزيونية، شديدة الجاذبية عند الجمهور المستهدف لانها بلغته وتتناول قضاياه لكن بزاوية مختلفة ومعالجة مغرضة تحقق الدولة المالكة لهذه الوسيلة الاعلامية او الشبكة التلفزيونية اهدافها ..كل ذلك اما ليمهد لفكرة ما او لخلق قاعدة مؤيدة لحدث ما سيحدث على مستوى قومي كثورة مثلا !!
 
وهنا لا يختلف عمل الجاسوس الذي يخترق دولة ما ليحصل على معلومات محددة وهامة عن فنان مثلا او اعلامي او صحفي او رياضي او سياسي او رجل اعمال او طبيب مشهور او رجل دين ... ، الجميع له هدف محدد ويحمل فكرا يروج له باساليب مختلفة كلها تؤدي نفس الضــرر والتاثـــير الذي يحدثه الجاسوس،، لكن الفرق ان هذا الاثر للجاسوس ملموس ويمكن معاقبته عليه ، اما النماذج الاخرى فاثرها وجداني روحى لا يمكن ان يكون دليلا يعتد به لمحاكمته،، وهنا يصدق قول الشاعر: 
 
وقاتل النفس مقتول بفعلته ** وقاتل الروح لا تدري به البشر 
وهنا يكمن بعد جديد ونسق اخر من انساق الحماية والمواجهة والدفاع عن الدولة في مجالات اخرى كثيرة!!
 ونعود للحديث مرة اخرى عن التطبيقات التي تتيح من خلالها معلومات مهمة عند تجميعها عن دولة ما وشعبها وتفاصيل كثيرة،،  في عام 2007 صادق الكونجرسىالامريكي على برنامج اسمه Prism ليتيح استخدامه من جانب وكالة الامن القومي N.S.A هذا البرنامج هو احد اشهر برامج التجسس حيث يتيح مراقبة معمقة للاتصالات الحيّة والمعلومات المخزنة على الاجهزة المحمولة كما يتيح الوصول لاي انسان في اي مكان!!  
ان مثل هذه البرامج تعطي صورة متكاملة عن اي مجتمع مستهدف / سلوكيات – افراده – مدى تقبلهم لافكار معينة – ارائهم في القضايا الوطنية لبلدهم ...
 ويمكن لاجهزة المخابرات المالكة لهذه البرامج ان تعرف وان ترسم ازمة اقتصادية ما ومدى تاثيرها المتوقع على الشعب المستهدف ..
لكن وبرغم كل هذا التطور الرهيب في عالم التكنولوجيا والاتصالات ، وما استتبعه  من برامج تجسس وجمع معلومات وتحديد اماكن ومواقف ستظل وظيفة التجسس باقية وقائمة لا يمكن لها ان تستغني عن الفرد او العنصر الاستخباراتي المبدع والذكي والذي قد يصل لاشياء لا يمكن حتى الان لوسائل الاتصال ولا البرامج ان تصل اليها !
لدى ستبقى من اهم اجهزة الامن الوقائي، الاجهزة المعنية بالحدود والسواحل- دوائر الهجرة والجوازات والجنسية- شرطة الموانىء- دائرة الجمارك – ادارة الابحاث في وزارة الخارجية ومثيلتها في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ... 
 
في القديم منذ اربعة عقود او خمسة كانت اجهزة التنصت والتجسس تدخل البلاد عبر الجمارك مثلا او الموانىء الجوية او البحرية وتكون مخباة داخل اثاث او هدايا او اشياء عادية، هي هي الاشياء التي يمكن ان تخبأ فيها الافلام والخرائط والوثائق.
 
على مدار التاريخ فان الوثيقة التي كان لها عظيم الاثر في حدث عظيم وجلل وعكست لنا اهمية الحفاظ على الوثائق والخرائط والمعلومات القومية،،  هي تلك الوثيقة التي كانت في عام 1940  اثناء معركة فرنسا وكانت موقعة من الجنرال Gerd Von Rundstedt حيث وقعت في يد البريطانيين وانقذت بها بريطانيا جنوده في الليلة السابقة لانهيار فرنسا ،، 
القصة باختصار كانت في منطقة تسمى بـ (دنكرك) والتي كانت تنتظر زحف الالمان عليها بواسطة الجنرال الالماني ( فون رون ستيد) المذكور انفا ، حيث كان يحتفظ في حقيبته بوثيقة يأمر فيها هتلر جنوده بالتركيز في الحرب على فرنسا ونقل المدرعات وقوتها الضاربة  الى هناك، وقد تعرض هذا الجنرال لهجوم من الجنود البريطانيين حينها واشتعلت سيارته واستطاع الجنود البريطانيون الوصول لحقيبته ومن ثم الى تلك الوثيقة،،  وبفضلها هادت القوات البريطانيا الموجودة هناك عبر البحر الى انجلترا بامان وتم انقاذ 338 الف جندى بريطاني، مثلوا فيما بعد على حد تعبير (تشيرشل)  جيش المستقبل لابريطانيا .
 
لقد مثلثت هذه الواقعة اهمية كبرى للوثائق والمعلومات في عالم المخابرات ولمفهوم الامن الوقائي، ليكون هناك فيما بعد ما يسمى  ( امن المعلومات ) كاحد ركائز العمل الامني الوقائي الى جانب امن الافراد وامن المنشئات.
 
واخيرا فكل الافكار السابقة عبر المقالين المطولين عن الامن الوقائي،، ما هما الا نقلات رشيقة لافكار ومعلومات مهمة لرجل الدولة ولاي مسئول، عليه ان يعرفها حتى من باب الثقافة الامنية وقد اختصر اجدادنا العرب قديما كلما قيل في هذا المجال وهو اساتذة علم الفراسة في قولهم : (درهم وقاية خير من فنطار علاج).
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره