مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-04-03

الإعـلام الجـديد: وتـداعـياتـه السياسية الراهنـة

شهـد العالم في السنوات الأخيرة مجموعة من التطورات المذهلة على صعيد «الإعـلام»، وما يرتبط به من وسائل التواصل الاجتماعي والبث التفاعلي والمنصات الإلكترونية والهواتف الذكية، وغيرها. «فعولمة الأنشطة الإعلامية تمثل أهم تطور إعلامي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، وهذا التطور سوف يحدد مسار هـذه الأنشطة طوال سنوات القرن الحالي، فضلًا عما يمثله ذلك من أهمية وتأثير في أنظمة الإعلام الوطنية في دول العـالم». 
 
إعداد:  د. خالد خميس السحـاتي
 
وهناك إجماع بين الباحثين على أن الإنسانية، في ضوء التطورات السابقة، تنتقل في الوقت الراهـن إلى طـور حضاري جديد، في ظل سيادة العولمة بكل تجلياتهـا السياسية والاقتصادية والثقافيـة والإعلامية، باعتبارهـا عمليةً تاريخيةً، وبتأثير الثورة العلمية والتكنولوجية، وثورة الاتصالات الكبرى. ومن هنا برزت وسائل «الإعلام الجديد»، التي وُلِدَتْ في عصر المعلومات، ونتجت عن معطيات «تكنولوجيا الاتصالات».
 
إن دراسة الإعلام في عصر العولمة تقترن بمحددات موضوعية ترتبط بعوامل كثيرة أهمها: الفجوة الكبيرة في تكنولوجيا الاتصال والإعلام بين الدول النامية والمتقدمة، وضعف الامتلاك في مجال أجهــزة وسائل الإعلام، وقد تزايدت سلطة الإعلام الجديد بعدما تأكدت آثارها على الهوية والشخصية والانتماء والولاء والقيم والأخلاقيات، واستخدمت كأدوات فاعلة في تجنيد الأفكار وصناعة التحريض والترويج لأفكار معينة، والأهم من ذلك أن وسائل وأشكال الإعلام الجديد أصبحت المحدد الأساسي ليس فقط لمساحات النقاش، ولكنها صارت محددة للقيمة، وهذا أخطر شيء، لأن القيمة هي التي تضفي دلالات رمزية أكيدة، وعندما يسجن الرمز داخل إرادات أخرى، فكل ما يحيط بنا من رموز قِيميَّة، بما في ذلك الأديان والتاريخ والماضي والحاضر، يجد نفسه في عمق الدائرة نفسها». ضمن هذا السياق، ولأهمية هذه الوسائل، سوف يتم تناول الإعـلام الجـديد: وتـداعـياتـه السياسية الراهنـة، من خلال المحاور التالية: المحـور الأول: الإعـلام الجديد: المفهـوم والأنـواع، المحـور الثاني: خصائص الإعلام الجديد، المحـور الثالث: أبرز التداعيات والتأثيرات السياسية للإعلام الجديد. 
 
 
 المحـور الأول: الإعـلام الجديد .. المفهـوم والأنـواع
تجدر الإشارة بدايةً إلى أن «التطورات السريعة والمتلاحقة التي تحدث حاليًّا في تكنولوجيا وسائل الاتصال على نحو غير مسبوق، تجعل من الصعوبة بمكان صياغة تعريف شامل وجامع لهذا النوع الجديد من الإعلام والاتصال، وخاصةً في ظل التغيرات السريعة والديناميكية التي تتميز بها أدواته، مما يضيف إليه الجديد دومًا». ومصطلح «الإعلام الجديد» (New Media) هو في الحقيقة يشير إلى إعلام يشمل كل المسميات التي وصف بها، كالإعلام الرقمي، أو الإلكتروني، أو متعدد الوسائط، وقد أُطلِقَ عليه «الجديدُ»، لأنه لا يشبه وسائط الاتصال التقليدية، ولكنه وُلِدَ من التزاوج (Convergence) ما بين تكنولوجيات الاتصال والبثِّ الجديدة والتقليدية مع الكمبيوتر وشبكاته، ونشأت داخله حالة تزامن في إرسال النصوص والصور المتحركة والثابتة والأصوات. ولذلك، توجد عدة اتجاهات في تعريف الإعلام الجديد، منها؛ الاتجاه الأول: يتجلى في تعريف «رايس»، الذي يعرفه بأنه: «تقنية تسمح أو تسهل التفاعلية بين المستخدمين بعضهم بعضًا من ناحية، أو بينهم وبين المعلومات من ناحية أخرى». الاتجاه الثاني: يذهب إلى تعريف الإعلام الجديد من خلال الوسائط الناقلة لمضامينه، ومن ثَمَّ فهو يمكن أن يكون واحدًا أو مجموعة الاتصال الذي يتم بواسطة الأسلاك المعدنية، والكبل التفاعلي، والتلفزيون عالي الجودة، والاتصال عن طريق الأقمار الصناعية، فهو نظام معلومات اتصالية إلكترونية متكاملة. وبالتالي، فهو مفهوم عام وواسع، يشمل كل أشكال التكنولوجيا الحالية أو المستقبلية التي لها تأثير جوهري في توسعة نظام التوزيع التلفزيوني إلى قنوات واعدة، تتمتع بقــدرات غير محــدودة من فـــرص الاتصال والتواصل.
 
أنـــواع الإعـلام الجـديد: 
يصنف «ريتشارد ديفيس» و»ديانا أوين» في كتابهما المشترك «الإعلام الجديد والسياسة الأمريكية»، الإعلام الجديد إلى ثلاثة أنواع، هي: الإعلام الجديد بتكنولوجيا قديمة، الإعلام الجديد بتكنولوجيا جديدة، الإعلام الجديد بتكنولوجيا مختلطة. ويمكـــن تقسيم» الإعــلام الجــديــد» إلى الأقـســام الأربـعــة الرئيسة الآتيـة:
 
الإعلام الجديد القائم على شبكة الإنترنت (Online) وتطبيقاتها: وهو جديد كليًّا بصفات ومميزات غير مسبوقة، ومجموعة من التطبيقات التي لا حصر لها، فهو بالنسبة للإعلام يمثِّل المنظومة الرابعة تضاف للمنظومات الكلاسيكية الثلاثة: «الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون».
الإعلام الجديد القائم على الأجهزة المحمولة، ومنها: أجهزة الهاتف والمساعدات الرقمية الشخصية وغيرها، وتعد الأجهزة المحمولة منظومة خامسة في طور التشكل.
الإعلام الجديد القائم على الوسائل الإعلامية التقليدية: كالراديو والتلفزيون، التي أُضِيفَت إليها ميزات جديدة، مثل: التفاعلية والرقمية والاستجابة للطلب.
الإعلام الجديد القائم على الكمبيوتر Offline: ويتم تداول هذا النوع إمّا شبكيًّا أو بوسائل الحفظ المختلفة، مثل: الأسطوانات الضوئية وغيرها، ويشمل: العروض البصرية، والكتب الإلكترونية، وألعاب الفيديو، وغيرها.
  
 المحـور الثاني: خصــائـص الإعــلام الجـديد
إن الإعلام الجديد ليس بثًّا أحاديًّا، وتلقيًّا إجباريًّا، مثلما كانت تتميز به نظم الإعلام القديم، ولكنه قائم على التفاعل الذي يختار فيه الناس احتياجاتهم، ويشاركون في الوقت ذاته ليس بالرأي فقط، ولكن بإعلام شخصي خاص بكل فــرد على حــــدة، ويتميز الإعلام الجديد بالعديد من الخصائص، ومنهــا ما يلي:
 
التفاعلية: حيث يتبادل القائم بالاتصال والمتلقي الأدوار، وتكون ممارسة الاتصال ثنائية الاتجاه وتبادلية، وليست في اتجاه أحادي، بل يكون هناك حوار بين الطرفين.
اللاتزامنية: وهي إمكانية التفاعل مع العملية الاتصالية في الوقت المناسب للفرد، سواء كان مستقبلًا أو مُـرسِلًا.
المشاركة والانتشار: يتيح الإعلام الجديد لكل شخص يمتلك أدوات بسيطة أن يكون ناشرًا يرسل رسالته إلى الآخرين.
الحركة والمرونة: حيث يمكن نقل الوسائل الجديدة، بحيث تصاحب المتلقي والمرسل، مثل: الحاسب المتنقل، وحاسب الإنترنت، والهاتف الجوال، والأجهزة الكَفيِّة، بالاستفادة من الشبكات اللاسلكية.
الكونية: حيث أصبحت بيئة الاتصال بيئة عالمية، تتخطى حواجز الزمان والمكان والرقابة.
اندماج الوسائط: في الإعلام الجديد يتم استخدام كل وسائل الاتصال، مثل: النصوص، والصوت، والصورة الثابتة، والصورة المتحركة، والرسوم البيانية ثنائية وثلاثية الأبعاد، إلخ.
الانتباه والتركيز: نظرًا لأن المتلقي في وسائل الإعلام الجديدة يقوم بعمل فاعل في اختيار المحتوى، والتفاعل معه، فإنه يتميز بدرجة عالية من الانتباه والتركيز، بخلاف التعرض لوسائل الإعلام التقليدي، الذي يكون عادةً سلبيًّا وسطحيًّا.
التخزين والحفظ: حيث يسهل على المتلقي تخرين وحفظ الرسائل الاتصالية واسترجاعها، كجزء من قدرات وخصائص الوسيلة بذاتها. 
إن التقنيات الرقمية أحدثت ثورة حقيقية في عالم الاتصال الإنساني، وغيرت العديد من الأفكار والمفاهيم والنظريات السابقة لتحل محلها نظريات جديدة، بتأثيرات وسياقات مختلفة بل مناقضة أحيانًا لتلك التي اعتادت عليها المجتمعات قبل تبلور هذا الشكل الجديد من الاتصال.  
 
المحـور الثالث: أبرز التداعـيات والتأثيرات السياسية للإعـلام الجديد
يلعب الإعلام الجديد اليوم دورًا مهمًّا في الحياة السياسية للشعوب والدول، يبرز هذا الدور -كما سنرى فيما يلي- في الحملات الانتخابية (البرلمانية والرئاسية)، وإدارة الأزمات السياسية المختلفة، والتعبير عن الآراء ووجهات النظر تجاه مختلف الأحداث والقضايا السياسية، وغير ذلك. وربما تكون دراسة «كريستوفر كيدزي» (Christopher Kedzie)، من أبرز الدراسات التي تناولت العلاقة بين ثورة المعلومات وبين تشجيع التحول الديمقراطي في العالم، غير أن ذروة الاهتمام، إعلاميًّا وبحثيًّا بالدور السياسي للإعلام الجديد، إنما جاءت مع انطلاق ما سُمِّي بــ «الربيع العربي» نهاية العام 2010 وبداية العام 2011، والذي سارع عدد من الإعلاميين والباحثين الغربيين خصوصًا، إلى اعتبار أنه ناجم أساسًا عن وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما «فيسبوك» و «يوتيوب» و «تويتر». وتظل القاعدة العامة الحاكمة هنا هي أن «الإعلام الجديد، أسوةً بالإعلام التقليدي، ليس ملازمًا بشكل تلقائي للديمقراطية أو للدكتاتورية، بل يمكن لأي كان استخدامه وتوظيفه بما يخدم أهــدافه» ويمكن أن نتناول أبرز التداعـيات والتأثيرات السياسية للإعـلام الجديد كما يلي:
 
نقل المواد الإعلامية ذات المحتوى السياسي: تؤكد الدراسات الحديثة في علوم السياسة والاتصال السياسي أن وسائل الإعلام أصبحت تشكل قـوةً كبيرةً في المجتمعات المعاصرة، وأنها يمكن أن تلعب أدوارًا سياسيةً عبر ما تنقله من مواد إعلامية ذات محتوى سياسي، كما أن لها أثرهـــا في عـملية صنع القـرار السياسي.  
 
مساهمة وسائل الإعلام الجديد في التسويق السياسي: من خلال الحملات الانتخابية (في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وغيرهما)، فالتسويق السياسي يعد عملية اتصالية تقوم على تقنيات متنوعة تدرس حاجات الناخبين وتطلعاتهم وسلوكهم الانتخابي بقصد التأثير، وترتكز هذه التقنيات على مظاهر انفعالية كالدعاية، لكن يبقى أساس العملية التسويقية قائم على لغة وخطاب وأدوات خاصة بها، وتؤدي وسائل الإعلام بشكل واضح أهمية أساسية في إبلاغ الجماهير بالحملات الانتخابية والاستراتيجيات السياسية، ولها تأثير هائل على السلوك الانتخابي، ويشير البعض إلى أن وسائل الإعلام هي الآليات السببية للتسويق السياسي؛ مما يجعـل استخدام التسويق في الممارسة السياسية المعاصـرة أمرًا لا مفـر منه.
 
مساهمة وسائل الإعلام الجديد في تكوين وتنمية الوعي السياسي للمواطن: تُسهم وسائل الإعلام الجديد في تكوين وتنمية الوعي السياسي للمواطن، بمعنى معرفته بحقوقه السياسية وواجباته، وما يجري حوله من أحداث ووقائع سياسية، وهو يتشكل من خلال إدراك الفرد لذاته وللآخرين من حوله، ولذلك فــإن «الإعلام البديل هــو المحرك الأســاسي للوعي السياسي».
 
الإعلام الجديد وتفعيل المشاركة السياسية للمواطن: أسهم الإعلام الجديد بأشكاله وتطبيقاته المختلفة، في إدماج الأفراد بشكل غير مسبوق في العملية السياسية، والعملية الاتصالية، فأصبح لهم صوت مسموع في الساحة السياسية، وأُتِيْحَتْ لهم إمكانية التعبير الحر عن آرائهم وانشغالاتهم بكل حرية، وهي فرصة للمشاركة الديمقراطية لم يسبق أن أُتِيْحَتْ من قبل من طرف وسائل الإعلام التقليدية، «وقد اتسمت لغة الخطاب السياسي في ظل الإعلام الجديد بأنها سهلة ومباشرة وتشاركية وتفاعلية»
 
الإعلام الجديد وإدارة الأزمــات: «على مـر العصور شكلت ثلاثية (وسائل الإعلام والاتصال/الجمهور/الأزمــات) تلازمًا حضوريًّا بارزًا في الأحـــداث الإنسانية المختلفة»، ويُسهم الإعلام الجديد في إدارة الأزمات السياسية وغير السياسية، بسبب الإمكانات الهائلة التي يحتوي عليها. وتجدر الإشارة إلى نقطتين بارزتين في هذا الصدد، الأولى: استخدام تلك الإمكانات في تجاوز الأزمات، ورفع الروح 
المعنوية، وتبادل المعلومات، الثانية: أن خطورة استخدامها بشكل سلبي يؤثر على سير العمل في إدارة الأزمات، مثل: نشر الشائعــات والمعلومات المغلوطة، وهي إشكاليات تتطلب إعادة النظر في استراتيجيات وخطط إدارة الأزمات المتبعة.
 
 
وختامًا، يمكن القول إن التطورات الإعلامية التي شهدها العالم في السنوات الماضية شكلت نقلة مهمة على صعيد الأبعاد التفاعلية والمعلوماتية، وتمخَّض عنها ما يعرف بالإعلام الجديد، بكل ما يتضمنه من إمكانات، وما يتسم به من سمات وخصائص (كاندماج الوسائط والتخزين والحفظ، إلخ). ولقد كان من أبرز التداعـيات والتأثيرات السياسية للإعـلام الجديد على سبيل المثال لا الحصر: نقل المواد الإعلامية ذات المحتوى السياسي، ومساهمة وسائل الإعلام الجديد في التسويق السياسي، ومساهمتها أيضًا في تكوين وتنمية الوعي السياسي للمواطن، وتفعيل مشاركته السياسية، ودورها المهم في إدارة الأزمــات بسبب الإمكانات الهائلة التي تحتوي عليها. ولا ننسى في الختام أنَّ وسائل الإعلام الجديد مهمة جدًّا في الحرب ضد التطرف والإرهاب، لذلك نحتاج دائمًا إلى الاستفادة من خبرات المتخصصين والخبراء في هذا المجال، من أجل تحقيق أقصى درجات النجاح في مواجهة كل ما يهدد أمن واستقرار دولنا ومجتمعاتنا.  
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره