مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-03-01

الإعلام الرقمي وحروب الجيل الرابع

أضحى الإعلام الرقمي في وقتنا الراهن سلطة تفرض نفوذها على المؤسسات الإعلامية الرسمية المسيطرة على الأنباء والمعلومات، ليُشكل واحدًا من العوالم الافتراضية التي يستطيع الفرد من خلاله التعبير عن أفكاره في ظل بيئة تفاعلية تحتوي على أكثر من مستخدم متفاعل معه دون قيود مفروضة من الواقع التقليدي؛ ومن ثَم سيطر الإعلام الرقمي من خلال أبرز آلياته وهي شبكات التواصل الاجتماعي على حيز كبير من اهتمامات أفراد المجتمع المعاصر، وبصفة خاصة الفئة الشبابية؛ إذ اتخذت هذه الفئة منه -الإعلام الرقمي- أداة للتعبير عن أفكارها، واتجاهاتها، وميولها، والتواصل فيما بينها متخلية بذلك عن وجودها، وحضورها في العالم الحقيقي.
 
بقلم:  أسماء مجدي علي حسين
 
على هذه الخلفية أخذت الحروب شكلًا جديداً واستحدثت وسائل وأساليب جديدة تزامنًا مع التطور التكنولوجي المستمر خاصةً في مجال الاتصالات والمعلومات، فالسلاح الرئيس في هذا الجيل الجديد من الحروب هو القدرات العقلية والقدرات الذكية كبديل عن الحروب التقليدية المُعتمدة على قوة النيران.
ويُعد هذا السلاح أقوى فاعلية، وقد طوَّره الجيش الأمريكي حتى وصل إلى ما هو عليه الآن «حروب الجيل الرابع»، والتي تستهدف تحقيق نتائج الحروب التقليدية بأقل قدر من الخسائر، وهي تُعد من أنواع الحروب غير النمطية التي يتجنب فيها العدو نقاط القوة للخصم ويستغل نقاط الضعف في المجتمع المدني بكل مكوناته. ويتم التركيز على تدمير الروابط المعنوية بين مكونات المجتمع المدني، وإفقاده الثقة في المستقبل، والعمل على خلق حالة من الثورة المجتمعية على الأنظمة الحاكمة وعلى الثقافات والعادات والتقاليد المجتمعية باستخدام الإعلام الرقمي بوسائله المتباينة، بهدف العبَث في عقول الجمهور المتلقي للرسالة الإعلامية والتأثير عليه؛ لهدم الثوابت الوطنية والولاء والانتماء للوطن إلى أن يتحول إلى مواطن بلا وطن، ولا عقيدة، ولا هوية. 
 
سياسات حروب الجيل الرابع وآلياتها
تستهدف سياسات حروب الجيل الرابع تمزيقَ البنية الاجتماعية وتدميرها، وذلك باستخدام عدد من السياسات من أهمها:
 
سياسة تقسيم الأدوار
تتمثل أهم أدواتها في نخب فكرية وحقوقية مصطنعة، يتم تصنيعها لأداء دور محدد طبقًا لحسابات مدروسة من خلال وسائل تواصل اجتماعي مستغلة في ذلك حسابات إلكترونية مزيَّفة تصطنع العقلانية والاتزان وتتاجِر بالشعارات والمثاليات وتناقش الجزئيات والهوامش على حساب الجوهر والمتن. وكل أداة تؤدي دوراً مدروساً بعناية، وتتحرك في توقيت دقيق، والهدف منها هو خدمة الطرف المُعارِض وإمداده بغطاء شرعي وتشتيت الرأي العام وتفريق الإجماع الوطني؛ من أجل حصاد أكبر قدر من المكاسب.
 
سياسة نشر الفوضى
تهدف تلك السياسة إلى نشر الفوضى بكل صورها في مجريات الأحداث داخل الدول؛ لإفقاد المواطن الثقة بأجهزة الدولة والتشكيك في مصادر معلوماتها وإجراءاتها، وبالتالي تُعد الخطوة الأولى والفاعلة لتفكيك الدولة؛ حيث إنها تحقق الهزيمة النفسية للشعوب.  
 
ولتحقيق تلك السياسات تعتمد حروب الجيل الرابع على عدد من الآليات والوسائل لتنفيذ سياساتها على أرض الواقع من أبرزها:
الدعاية الرقمية
تُعد من أهم الطرق والوسائل المستخدمة في الحروب غير النمطية؛ حيث يتم من خلالها نشر وترويج الأفكار والآراء والمبادئ باستخدام التطبيقات على شبكة المعلومات الدولية بهدف تحليل شخصية المترددين، ثم التأثير في سلوكياتهم بهدف توجيههم؛ لخلق حالة من الاندماج بين عالمهم الواقعي والعالم الافتراضي على الشبكات الإلكترونية، تمهيداً لاستكمال تنفيذ العمليات النفسية ضد المجتمع أو الأفراد المستهدفة داخل الدولة باستخدام أكبر وأهم آليات الإعلام الرقمي فاعلية وتأثيراً على الشعوب والمجتمعات، والمتجسدة في شبكات التواصل الاجتماعي حيث يتغول الإعلام الرقمي بشراسة للسيطرة على العقول. 
 
السيكوميديا
هي عملية التأثير على الأفراد بتطبيق مبادئ وقوانين علم النفس في إعداد الرسالة الإعلامية وتقديمها بما يتناسب مع طبيعة المتلقي. وبالتالي تلعب السيكوميديا دوراً مهمّاً في تكوين وصناعة الصورة الذهنية للأفراد في المجتمع باستخدام عدد من الأساليب، ومن أبرزها: انتقاء الأحداث والمعلومات بغرض توجيه القائمين على وسائل الإعلام لانتقاء أخبار ومعلومات محددة تجاه (فرد/ مجتمع/ دولة) لما تمليه عليهم بعض الاتجاهات، واستخدام أسلوب عبارات ومصطلحات خاصة تقابلها وقائع معينة لكى تترك أثراً على الجمهور المتلقي، وكذلك استخدام أسلوب التكرار والملاحقة لتكوين صورة ذهنية للأفراد سواء بخلق صور جديدة لم تكن موجودة أو تقوية التصورات الموجودة وترسيخها للعمل على تحويل وتغيير تلك التصورات، كما تستخدم أسلوب التطبيع الذى أصبح أداة لتوجيه وتنظيم الأفكار في أذهان الأفراد والجماعات وتكوين مواقفهم الفكرية والاجتماعية، وأخيرًا أسلوب التبسيط والعرض، ويُعد الفيسبوك من أبرز نماذج استخدامات السيكوميديا في الحشد والتعبئة العامة للجماهير لتحقيق أهداف سياسية معينة.    
 
حروب الجيل الرابع والسيطرة الرقمية 
يعيش العالم اليوم مرحلة جديدة من التطور التقني فيها نتائج، وخلاصات ثورة المعلومات التي تمخضت عن انفجارات معرفية مكنتنا من السيطرة عليها، والاستفادة منها بواسطة تكنولوجيا المعلومات، وثورة وسائل الاتصال الحديثة، ومثلت أرقى ما توصلت إليه البشرية من تطور حضاري، وامتزجت بكل وسائل الاتصال، واندمجت معها . فالعالم أصبح بالفعل كالعائلة الواحدة في ظل هذا التطور التكنولوجي الهائل وباتت ثورة الاتصالات والمعلومات السمة المميزة للعقدين الأخيرين من القرن الماضي وأهم خاصية للقرن الحالي.  
 
وكما جاء في كتاب «المتناطحون» لمؤلفه «لِـستر ثرو» فإن «الفائز في القرن الحادي والعشرين هو من يمتلك مفاتيح القوة التكنولوجية والمعلوماتية»؛ فمن يملك وسائل الاتصال، ويتحكم بالرسالة الاتصالية يستطيع التلاعب بالعقول، والتأثير في حياة الناس سلبًا أو إيجابًا، وتوجيههم الوجهة التي يريد. ومن ثم أصبح القرن الحادي والعشرون قرن الحروب الذكية وحرب القوة الناعمة التي تعتمد بشكل كبير على المقوم التكنولوجي، وتحديدًا الفاعل الرقمي في إدارة التغيير وفرض الإرادات على الدول التي تدور في فلكها أو تسعى بها إلى هذا الفلك وهي حرب تستخدم قواعد البيانات والمعلومات والصناعة والبنى التحتية والاتصالات، ومَن يُسيطر على هذه الجبهات اليوم يربح الحرب دون طلقة واحدة . فظهر ما يُسمى اليوم بالجيوش الذكية والأسلحة الذكية؛ فالجندي الإلكتروني أصبح فاعلًا له مدلولاته بقدر لا يقل في الأهمية عن الجندي الحقيقي الذي لا يستطيع خرق سيادة الدول إلا بالتضحيات.
 
على هذه الخلفية استطاعت تكنولوجيا الاتصال خلق فضاءات افتراضية لتواصل الأفراد تكون لهم بديلة للواقع الحقيقي يتناقشون ويتحاورون فيها بكل حرية وديمقراطية دون أن يكونوا مضطرين للخضوع لسطوة وسائل الإعلام التقليدية التي كثيرًا ما كانت تحتكر فضاءات التواصل العمومي وجعلتها في الغالب أدوات لممارسة توجيه الأفكار على حد تعبير «هابرماس» ؛ فلقد أصبحنا اليوم كمستخدمين لهذه التكنولوجيا غير قادرين على فصل أنفسنا عنها؛ بل أصبحنا نبرمج حياتنا، وعلاقتنا من خلالها.   
 
  حروب الجيل الرابع والهوية الثقافية
نظرًا لأن عالم اليوم لم يعد هو عالم الأمس، حيث تغيرت الأوضاع العالمية وتحولت آليات الصراع والمنافسة بين دول المركز الرأسمالي، وبرزت آليات جديدة للهيمنة والتربع على القمة العالمية، وظهرت مفاهيم جديدة من أهمها: حروب الأجيال، والذكاء الاصطناعي، والقوى الناعمة المدعمة بالقوى الخشنة، وهو ما يعكس آليات الهيمنة المعاصرة، ومن أهمها علي الإطلاق «حروب الهوية» وتغيير العقول في صالح تشكيل إنسان كونى، يضيف أبعادًا جديدة لمفهوم الأمن القومي المحدود، مستخدمًا التطور العلمي والتكنولوجي القادر على الهيمنة على الفكر والسيطرة على العقل وخلق حيز افتراضي عالمي موجَّه نحو ثقافة موحدة تلغي الخصوصيات وتوحد التراث التخيلي الكوني -فلقد تشكلت بناء على ذلك أزمة ثقافية وبخاصة في دول التوابع أو المجتمعات الهامشية ودول العالم الثالث، نطلق عليها «محنة الهوية الوطنية» أو بالأحرى الهوية الوطنية في مرحلة الاستبعاد؛ فهناك خوف يتنامى لدى النخب الوطنية في تلك الدول التي تتعرض للضغوط الاقتصادية والسياسية من خلال إعلام جديد يبث أشكالًا من الثقافات والشائعات والحروب الناعمة والأكاذيب والمغالطات المعلوماتية؛ للمساهمة في طمس الهوية وتوجيهها وفقًا لمصالح ورغبات أصحاب العولمة في جانبها السلبي. ولقد لعب الإعلام الرقمي دورًا كبيرًا في إحداث تحولات جوهرية بكينونة الهوية الثقافية المصرية وتميل تلك التحولات إلى السلبية أكثر من الإيجابية؛ فلقد استطاع خلق بناء ثقافي مشوه (الثقافة التكنولوجية أو الثقافة الافتراضية) يدور في فلك الثقافة العالمية أو العولمة الثقافية؛ مما يهدد الهوية الثقافية المصرية لدى الجمهور المتلقي. ونجمَ عن ذلك تشويه الهوية الثقافية للمجتمعات الخاضعة للهيمنة الرأسمالية، ولا سيما شعوب العالم الثالث وحتى دول العالم الثاني والأول لم تنجُ من المحاولات المستميتة لفرض الهيمنة الأمريكية على العالم وشعوبه.  
 
حروب الجيل الرابع والأمن القومي
تعرض الشباب المصري عقب ثورة «٢٥ يناير»، إلى موجة من عمليات غسيل المخ لطمس هويته من خلال حروب الجيل الرابع، وذلك بغية إفقاده الانتماء لهويته الوطنية، إلا أن تلك المحاولات سقطت وتجلت ملامح التصدي لها في الموجة الثورية الثانية في «٣٠ يونيو». فعقب ثورة «٢٥ يناير»، تم استخدام تكتيكات إعلامية متطورة ووسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي (الإعلام الرقمي)؛ التي تتغلغل من خلالها لتحقيق أهدافها في نشر الفوضى، وتبدأ في تبني مخططات لضرب الاقتصاد، بهدف تفتيت الجهود التي تقودها نحو قضايا التنمية، والتأثير في منظومة الأمن القومي وتشتيت جهود قوات الأمن، وإبعاده عن دوره الأساسي في حماية الحدود وتأمين البلاد من المخاطر والعدائيات المحتملة.  
 
استراتيجية الدولة المصرية لمجابهة حروب الجيل الرابع 
بذلت الدولة الكثير من الجهود التي تهدف إلى محاربة ومجابهة حروب الجيل الرابع على الأصعدة كافة؛ حيث وصفها السيد رئيس الجمهورية/ عبد الفتاح السيسي خلال الندوة التثقيفية للاحتفال بيوم الشهيد، بالمخطط الشيطاني الذي يضر بمصلحة مصر والشرق الأوسط بأكمله، محذرًا منها؛ حيث إنها تستهدف تدمير عقول الشباب، التي لا تقل في خطورتها عن حرب الطائرات والدبابات، فشائعات «فيسبوك» أخطر من طلقات الرصاص هدفها كسر مفاصل الدولة بالتشكيك في ولاء قيادتها، ولبث الفتن والشائعات والتقليل من حجم الإنجازات.
على هذه الخلفية تضمنت الاستراتيجية المصرية عددًا من النقاط والمحاور الرئيسة في هذا الصدد، كان من أبرزها: الاستثمار في العنصر البشري في مجالات تطوير البرمجيات ونظم الحماية، والعمل على مشروع وطني لأجل حماية البنية المعلوماتية التحتية من الاختراق، وتفعيل استراتيجية الأمن السيبراني في شكل استراتيجية قومية لمواجهة الخطر، والعمل على رفع الوعي المجتمعي لما نواجهه من حروب سيبرانية، ووضع خطة للتعامل مع السوشيال ميديا لأجل مجابهة الأعداء بالسلاح نفسه.
 
ومن الناحية الأمنية، شنت الدولة المصرية حربًا على الإرهاب، قامت من خلالها بمواجهة التنظيمات الإرهابية والعصابات الممولة من الخارج، والتي تنتشر تحديدًا في شمال سيناء، كما تولي الدولة اهتمامًا برصد والرد على أية شائعات من شأنها تكدير الأمن العام ونشر الرعب، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
 
أما على الصعيد التنموي، فقد دشنت الدولة المصرية عددًا من المشروعات التنموية خلال الأعوام القليلة الماضية، وكان ذلك إيمانًا منها بأن التنمية تُعد إحدى الركائز الأساسية لمكافحة الحروب الهجينة، ومن أبرز هذه المشروعات: مشروع تنمية قناة السويس، وتنمية ميناء شرق بورسعيد، ومشروعات التنمية المتكاملة في شبه جزيرة سيناء وغيرها.
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره