مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-09-04

الاختيار ومعركة الوعي

حظي مسلسل « الاختيار3 »  الذي تم عرضه في شهر رمضان هذا العام، باهتمام وتغطية صحفية وإعلامية كبيرة وتحليل في العديد من المقالات والتقارير من قبل صحفيين متخصصين ونقاد فنيين كذلك السياسيين والمتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي، كعمل درامي وإنتاج إعلامي ضخم تناول أحداث مرتبطة بفترة حرجه وعصيبة عاشتها مصر قبل وأثناء ثورة 30 يونيو/حزيران  2013, وكما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: “إن مسلسل الاختيار يكشف تفاصيل هامة لمرحلة خطيرة من العمر الوطني”. حظي بمتابعة واهتمام الملايين بمصر وخارجها وخاصة لدى الأشقاء في الخليج العربي.
 
بقلم:  سمير راغب
 
مثل مسلسل الاختيار نقطة تحول في العلاقة ما بين الأجهزة السيادية وصناع الدراما والجمهور، بمبادرة الرئيس بإحداث تغيير في استراتيجية تناول المعلومات في الإعلام، سمحت  لأول مرة في تاريخ الدراما المصرية بتجسيد القيادات وفي مقدتهم رئيس مصري حالي، وتوثيق الأحداث في الشارع والبيت المصري وداخل المؤسسات، في مسلسل تليفزيوني، كذلك تقديم كافة الدعم والإمكانيات من قبل الأجهزة السيادية، لتقديم سلسلة دراما الاختيار، فصناع الدراما لم يقتربوا من تلك المنطقة من قبل لأنها كانت محظورة بلافتة «ممنوع الاقتراب أو التصوير” . الاختيار كان أن نتناول تلك المناطق الممنوعة، كيف تم الاقتراب والتصوير؟.
 
ظهرت كلمة «الاختيار» في الصحف المصرية ضمن التغطية الصحفية للندوة التثقيفية الـ ( 29 ) للقوات المسلحة، 11 أكتوبر 2018 عندما قال السيسي: إن «الفرق بين هشام عشماوي وأحمد المنسي إن ده إنسان وده إنسان، وده ضابط وده ضابط، والاثنين كانوا مع بعض في فرقة واحدة، الفرق بينهم إن في واحد اتلخبط، والتاني استمر على الوعي والفهم الحقيقي وحافظ على مصر، الأول «بنصفق له»، والتاني عايزينه عشان نحاسبه.».
 
برأيي عندما تحدث السيسي عن “الاختيار” كان قد حسم أمره، بإعلان معركة الوعي التي تتطلب فتح خزينة الأسرار والمعلومات لدى الأجهزة والمؤسسات السيادية، والتي كان يتولى قيادة احدها قبل أن يصبح المسئول الأول عن الأمن القومي المصري، خلفيته الأمنية التي أهلته لتبنى استراتيجية معلوماتية تساعد في معركة الوعي دون إخلال بالأمن القومي أو بطبيعة عمل تلك الأجهزة، بادر السيسي بإعادة هندسة العلاقة بين الأمن والحق في المعرفة والوعي والإبداع، استراتيجية جديدة تطورت على مراحل، بدأت من تولي السيسي وزير الدفاع، حيث حضر السياسيين والفنانين والشخصيات العامة تفتيش حرب الفرقة التاسعة المدرعة بدعوة من السيسي، في حين كان مجرد ذكر اسم أو رقم  التشكيل أو الوحدة يعتبر محظور قبل السيسي.
 
ظهر اختيار السيسي للعلن عندما تم إذاعة مسلسل «الاختيار1 » في شهر رمضان المبارك الموافق مايو 2020م، والذي تناول تفاصيل معتبره لنشاط العناصر الإرهابية في مصر وارتباطها بتنظيمات إرهابية في دول جوار وعمليات مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون وخاصة في شمال سيناء، مع إلقاء الضوء على دور المخابرات الحربية باعتبارها جهاز الاستخبارات بعمليات مكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون في دائرة اختصاص وعمل القوات المسلحة، مع الإشارة في بعض الأحداث للتنسيق مع المخابرات العامة وقطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية مع ربط الأحداث بقصه الشهيد العقيد أحمد المنسي، كنموذج مشرف يمثل أبطال القوات المسلحة، والإرهابي عشماوي كنموذج عكسي للاختيار الضال، كذلك تجسيد بعض التفاصيل للحياة الخاصة للشخصيات الرئيسية في المسلسل وفي مقدمتهم المنسي الذي مثل حاله غير مسبوقة لتناول الحياة الخاصة لضابط قوات مسلحة مع أسرته وعائلته وحتى مع جيرانه، فالدراما قبل «الاختيار» كان تجسيد ضابط الجيش محدود بالقتال و المعسكرات و ليس  له حياة خاصة يمكن تناولها.
 
ثم جاء مسلسل «الاختيار 2 » الذي تناول دور الشرطة المدنية المصرية أثناء نفس الفترة مع تفاصيل العمل الشرطي مع التركيز على تفاصيل العمليات الإرهابية ودور قطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية وكان الشهيد المقدم بجهاز الأمن الوطني محمد مبروك، والذي قد استُشهد في عملية إرهابية نتيجة تعاون ضابط زميل من خارج جهاز الأمن مع عناصر من الإخوان نموذج يمثل أبطال الشرطة، فكان اختيار مبروك للوطن وزميله الخائن لأعداء الوطن.
 
ثم جاء مسلسل “الاختيار3” والذي أكمل الصورة وأحدث حاله حراك في الرأي العام تخطت بكثير كونه مسلسل درامي، حيث يجسد رئيس حالي، وكان في السابق يُمثل الرؤساء في الدراما بلقطة عابرة لصورة رسمية معلقة على أحد الجدران وإذا تطلب الأمر الإشارة للرئيس فيكون بذكر عبارة « بأوامر أو توجيهات من القيادة السياسية».
 
لم يقف الأمر عند تجسيد شخصية ضباط قوات مسلحة بل كانت المفاجأة تجسيد وزير الدفاع في ذلك الوقت الفريق أول عبد الفتاح السيسي، من مرحلة اللواء عبد الفتاح السيسي وعلاقته بالقائد المشير طنطاوي وزملائه كبار القادة الأقدم في المجلس الأعلى للقوات المسلحة حيث كان السيسي أحدثهم في الأقدمية، ثم مرحلة وزير الدفاع وتفاعلاته مع الرئيس السابق محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وعلاقته بالسادة كبار القادة تحت قيادته كقائد عام، هذه التفاعلات لم يكن متاح تفاصيلها حتى لضباط القوات المسلحة، بل تجاوز حياته الوظيفية لحياته الخاصة مع المغفور لها والدته وأسرته، حتى وهو يشارك في تجهيز مائدة الطعام مع ابنته، هذا التجسيد للجانب الشخصي من حياة العسكريين وخاصة كبار القادة، كان يعد مساس بهيبة القائد، إلى أن جاء القائد الذي غير تلك القواعد التي تجاوزها الزمن باختياره،و الذي زاد من احترام محبيه دون إخلال بهيبته.
“الاختيار” لم يكن أول الأعمال الدرامية من ملفات أجهزة المخابرات، لكنه العمل الأول الذي شخص وجسد ووثق ، ونقل حقيقة ما حدث.
 
في التشخيص: تميز عصر ما قبل الاختيار بتناول شخصية ضباط المخابرات كشخصيات جامدة ترتدي النظارات السواء وتتعامل بطريقة السيد فلان, عكس الاختيار الذي جسد ضباط الأجهزة الأمنية بطريقة قريبة للواقع، فهم  يتصرفون خارج وقت العمل الرسمي كباقي المواطنين  يجلسون في المقاهي، لهم حياة اجتماعية، بما فيها أن يبحث ضابط مخابرات عامه عن شريكة حياة ويرتبط عاطفياً، وضابط مخابرات حربية كبير تتوفي زوجته ويعول نجله، ضباط المخابرات مواطنين يعيشون كغيرهم ويتعاملون بشكل طبيعي داخل مقرات الأجهزة و خارجها.
 
في التجسيد: تم التصوير في الغالب داخل الأماكن الحقيقة لتجسيد ما وقع بالفعل، ومعظم الشخصيات البارزة كانت بالأسماء والوظائف والأحداث الحقيقية، كذلك الملابس و السيارات و التشريفات والمراسم.  
 
 في التوثيق: كانت الأعمال السابقة تعتمد في جوهر القصة على الملف، بينما السيناريو والحوار غالباً من خيال المؤلف، ولم تحوى وثيقة أو صورة أو فيديو حقيقي، بينما تضمن «الاختيار3»  25 من الفيديوهات الحقيقية تمت بمعرفة جهات سيادية، كذلك ربط الملف الأمني  بالملف السياسي والعسكري والاجتماعي المعاصر للفترة، الذي لم يحدث في دراما قبل  «الاختيار» . 
 
في المصدر: كانت الأعمال الدرامية المخابراتية من ملفات المخابرات العامة المصرية، الاختيار كان من واقع ملفات كافة الأجهزة الأمنية والسيادية بما فيها مؤسسة الرئاسة والرئيس السيسي: أن «كل كلمة قيلت خلاله كانت واقعا؛ ليتم نقل الحقيقة كاملة للأجيال القادمة»، مشيرا إلى أن «التاريخ لا يمكن تزييفه ولا تشويهه” . لم يحدث أن صدر تأكيد من مسئول على حقيقة ومصداقية أحداث عمل درامي يناقش ملف مخابراتي،  بل كان من يتحدث هو المؤلف (الراحل الكاتب والروائي صالح مرسي).
 
في الجوهر: قصة «الاختيار3»  توثق تجربة الشعب المصري، ومؤسسات الدولة وفي مقدمتهم القوات المسلحة وقائدها العام، باختيار الدولة الوطنية وإسقاط الفاشية الإسلامية.
الوعي كان ولا يزال أحد أهم المعارك للحفاظ على الأمن القومي، وكما قال السيسي: «مشكلتنا في مصر وأي مجتمعات في ظل التطور الكبير في الإعلام ومواقع التواصل هو إزاي تحافظ على وعي ناسك»، لا شك أن الدراما أفضل طرق نشر الوعي، كما قال الرئيس السيسي: «شوفتوا قد إيه عمل درامي بألف كتاب... وبألف ساعة.
 
أرى ان اختيار السيسي مثل سلاح حاسم في معركة الوعي ولم ولن يتسبب في خلل في أمن المعلومات ولاشك أن «الاختيار» وضح الكثير من تفاصيل المشهد، لكن حتى تكتمل الصورة نحتاج إلى عمل درامي بعنوان «الاختيار العربي» يجسد ما حدث  في تلك الفترة في دول شقيقة، من جهود أمنية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف بالتعاون بين الأجهزة السيادية في مصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، كذلك دعم أشقاء الاعتدال العربي، كما أشار السيسي  في نفس الحديث  بلقاء افطار رمضاني بحضور قادة القوات المسلحة وأبطال المسلسل إلى: «أن دعم الأشقاء العرب في 2013  وما بعدها أسهم في الحفاظ على الدولة المصرية»، ربما لا يمكننا الحديث عن تفاصيله الا عندما يتم رفع لافتة «ممنوع الاقتراب و التصوير» من قبل الأشقاء.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره