مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-10-11

التدشــين لعهـد جـديـد مـن الأمــن والتنمية والازدهار في المنطقة

معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل
 
تمثل معاهدة السلام التي تم توقيعها بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل واحدة من أهم التحولات الجيوسياسية والاستراتيجية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود، ليس فقط لأنها تعيد القضية الفلسطينية وحل الدولتين إلى الواجهة مرة أخرى، وإنما أيضاً لأنها تمثل بداية حقيقية لتدشين عهد جديد من الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار لشعوب المنطقة خلال السنوات المقبلة.
 
بقلم : يوسف جمعة الحداد
 
لماذا تشكل معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل مكسباً للقضية الفلسطينية؟
 
تشكل معاهدة السلام التي تم توقيعها بين دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة إسرائيل، في الخامس عشر من سبتمبر 2020 في البيت الأبيض، بحضور سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، و الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مكسباً سياسياً للشعب الفلسطيني ودعماً لقضيته العادلة في بناء دولته المستقلة، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات والحقائق التالية: 
 
1 - إحياء حل الدولتين باعتباره الركيزة في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، إذ أن هذه المعاهدة فرضت على إسرائيل التخلي عن «خطة الضم»، والتي كانت تعتزم من خلالها ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وطرد الفلسطينيين منها، حيث كانت تخطط للاستيلاء على ما يقرب من %30 من الأراضي الفلسطينية، ومن ثم ضياع نسبة كبيرة من الأراضي التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية بشكل متواصل، أي أن معاهدة السلام أحيت الآمال بإقامة الدولة الفلسطينية. 
 
2 - التأسيس لرؤية جديدة لحل القضية الفلسطينية وإحياء مسار السلام في الشرق الأوسط تنطلق من ثوابت الموقف الإماراتي والعربي الداعم للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة، فلا شك أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تعيد الحياة إلى عملية سلام الشرق الأوسط التي توقفت منذ سنوات، وخاصة مع انشغال المجتمع الدولي بالأزمات والصراعات التي تشهدها المنطقة منذ ما يسمى «أحداث الربيع العربي»، وحتى وقتنا الراهن في ظل جائحة كورونا. 
 
3 - توفير مظلة دولية لدعم الشعب الفلسطيني، فلا شك أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل ، وما قد يترتب عليها في المستقبل من تعاون إقليمي ودولي في المجالات كافة، ستسهم في إيجاد مظلة دولية لدعم الشعب الفلسطيني، ومساعدته على تحقيـق تطلعاتـه في البنـاء والتنميـة والازدهـار، خاصة في ظل ما تحظـى بـه رؤيــة الإمــارات لعمليــــة الســـــلام من تأييد وقبول دولي، لأنها ترتكز على حق شعوب المنطقة في التعايش وقبول الآخر والأمن المشترك والرخاء والازدهار. 
 
ثوابت الإمارات في إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل
لا شك أن توجه الإمارات لإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل إنما ينطلق من عدة ثوابت تجسد في جوهرها ما تؤمن به من ضرورة العمل على تعزيز أسس الأمن والاستقرار الشامل في المنطقة، وأهم هذه الثوابت:  
 
1 - مركزية القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني، باعتبارها أهم أولويات السياسة الخارجية لدولة الإمارات منذ نشأتها في مطلع سبعينيات القرن الماضي، فالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كان من أشد المدافعين عن هذه القضية أمام مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وكانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي بادرت إلى الاعتراف بدولة فلسطين فور إعلانها في 15 نوفمبر 1988 خلال خطاب ألقاه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر، كما أكدت الإمارات في كل الفعاليات السياسية على حق الشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه المشروعة، وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وهذا هو النهج الذي تسير عليه الدولة الآن في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإخوانهم أصحاب السمو حُكام الإمارات، ولهذا كان واضحاً أن البيان الثلاثي، الإماراتي الأمريكي الإسرائيلي المشترك، الذي صدر في الثالث عشر من أغسطس 2020 أكد صراحة على ضرورة مواصلة الجهود للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ووقف ضم أراضٍ فلسطينية، وهذان اثنان من ثوابت الموقف الإماراتي تجاه القضية الفلسطينية.
 
وقد أعاد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، التأكيد في الكلمة، التي ألقاها نيابة عنه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي في نهاية شهر أغسطس 2020، للجالية الفلسطينية في اللقاء الذي نظمته بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، على أولوية القضية الفلسطينية في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، حينما أشار سموه إلى استمرار الإمارات في دعم القضية الفلسطينية، وشدد سموه على أن «موقف الإمارات ثابت وراسخ في دعمه للموقف العربي الداعي لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية» وقال سموه:»الإمارات مستمرة في دعم القضية الفلسطينية، وهو موقف نابع من قناعة متجذرة ولا تغيره أي اعتبارات، فالعلاقة بين الشعبين الإماراتي والفلسطيني ثابتة وراسخة ولن تتغير «.
 
2 - هذه المعاهدة تندرج ضمن القرارات الاستراتيجية السيادية الخاصة بالإمارات، والناجمة عن قراءتها الدقيقة للأوضاع التي تشهدها المنطقة، وترتبط بالأساس بمنظورها الواقعي لكيفية الحفاظ على مصالحها العليا، وهي ليست موجهة ضد أحد، وإنما تستهدف بالأساس تعزيز أسس الأمن والاستقرار في المنطقة، فهي كما يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله «قرار سيادي من أجل السلام والمستقبل».
 
3 - الإيمان بالسلام كخيار استراتيجي لتحقيق الأمن والتنمية والازهار لشعوب المنطقة والعالم، فلا شك أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل هي تعبير عن رؤية الإمارات العميقة لبناء السلام ، تجسيداً لفكر الشيخ زايد رحمه الله، الذي كان يقول: « ارتكزت سياستنا ومواقفنا على مبادئ الحق والعدل والسلام منطلقين من إيماننا بأن السلام هو حاجة ملحة للبشرية جمعاء»،  وهي الرؤية التي تتبناها دولة الإمارات في ظل القيادة الرشيدة، وتنظر من خلالها إلى السلام باعتباره خيار استراتيجي وضرورة لتعزيز الأمن والسلم والتنمية.  
 
كما أن هذه المعاهدة تستفيد من خبرة الصراع العربي- الإسرائيلي خلال العقود الماضية، والتي تشير إلى أن السلام هو الطريق الحقيقي لاسترداد الحقوق وتحقيق الأمن والاستقرار، فمصر لم تسترجع سيناء كاملة إلا بعد إبرامها معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، والأردن لم يسترد حقوقه المشروعة في المياه إلا بعد توقيعه بعد اتفاقية السلام عام 1994، وعلى هذا يمكن القول أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل من شأنها أن تعزز حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.  
 
4 - أن حل القضية الفلسطينية يشكل الأساس في حل أزمات وقضايا المنطقة، وهذه حقيقة واقعة يمكن إدراكها من تحليل واقع التحديات التي تشهدها المنطقة العربية، فانتشار التطرف والإرهاب والكراهية لا يمكن فصله بأي حال عن التنظيمات المتطرفة التي توظف التعثر في جهود حل القضية الفلسطينية وعملية السلام بوجه عام في الترويج لأفكارها في أوساط الشباب، لهذا فإن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل من شأنها أن تحرك المياه الراكدة في مسار السلام، وكشف الأجندة الحقيقية للأطراف والجماعات التي تتاجر بهذه القضية لخدمة مشروعاتها الهدامة في المنطقة. ولهذا يمكن القول أن هذه المعاهدة جاءت في توقيت بالغ الدقة كانت فيه المنطقة على وشك الانفجار إذا نفذت إسرائيل «خطة الضم»، بدليل أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعديد من القوى الدولية حذرت خلال الأشهر الماضية من أن هذه الخطة ستؤدي إلى موجة من العنف وموت خطة السلام القائمة على «حل الدولتين»، والتي تم التفاوض بشأنها لعدة عقود، لهذا فإن أهمية هذه المعاهدة إنما تكمن في كونها تمهد الطريق لبناء سلام حقيقي قابل للحياة والاستدامة، تنعم جميع شعوب المنطقة بثماره الإيجابية في المستقبل.
 
الإمارات .. نهج ثابت في دعم الشعب الفلسطيني والدفاع عن قضيته العادلة
تعاملت الإمارات مع القضية الفلسطينية باعتبارها القضية العربية الأولى، ووفرت لها الدعم المادي والمعنوي، وتجلى ذلك واضحاً في دعم الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية،  كما ساندت الإمارات القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، من خلال التأكيد على ضرورة الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية ، بالإضافة إلى دعم الشعب الفلسطيني مادياً ومعنوياً من خلال المشاريع التنموية التي تقيمها دولة الإمارات على الأرض الفلسطينية.
 
وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول الداعمة للشعب الفلسطيني، كما توظف مساعداتها في تنمية مختلف مناطق الشعب الفلسطيني، حيث تأتي في المرتبة الرابعة بين أكبر 10 دول داعمة مالياً لدولة فلسطين منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994، حيث قدمت مساعدات بقيمة 2 مليار و104 ملايين دولار أمريكي للشعب الفلسطيني منذ قيام السلطة الفلسطينية. كما تأتي الإمارات في مقدمة الجهات المانحة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، حيث قدمت أكثر من 828.2 مليون دولار من 2013 إلى أبريل 2020 لتمويل مختلف القطاعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما وقعت مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) اتفاقيات لدعم برامج التعليم لـ”أونروا” في قطاع غزة، وذلك بهدف ضمان استمرار حصول الطلاب والطالبات في فلسطين على التعليم الأساسي في بيئة مدرسية ملائمة تتوفر فيها أساسيات التعليم.
 
وتتنوع المساعدات التي تقدمها الإمارات للشعب الفلسطيني، ما بين مساعدات إنسانية ومالية وإنمائية وإغاثية، حيث قامت خلال السنوات الماضية بتنفيذ العشرات من المشاريع في الأراضي الفلسطينية؛ لدعم صمود الشعب الفلسطيني وتعزيز الخدمات الأساسية الصحية والتعليمية في الأراضي المحتلة والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية للمناطق الفلسطينية. كما بادرت إلى مساعدة الشعب الفلسطيني في مواجهة وباء كورونا المستجد”كوفيد- 19”، وقامت بإرسال إمدادات طبية عاجلة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لدعم الجهود الرامية لاحتواء الوباء، والتخفيف من تداعياته على الشعب الفلسطيني.  كما تشارك مختلف المؤسسات والجمعيات الإنسانية والخيرية الإماراتية في مساعدة الشعب الفلسطيني، وتوفير متطلباته الأساسية من الاحتياجات الضرورية، فعلى سبيل المثال، فإن هيئة الهلال الأحمر الإماراتي سيرت قوافل مساعدات، على مر السنين، محملة بالمواد الإغاثية تصل لسكان قطاع غزة، ولعبت دوراً محورياً في تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني، وتشير التقديرات في هذا الخصوص إلى أن هذه المؤسسات قدمت نحو 364 مليون دولار، مساعدات إنسانية وتنموية وغذائية للشعب الفلسطيني خلال عامي 2017 و2018.
 
ولا شك في أن استمرار هذه المساعدات على مدار العقود الماضية إنما يؤكد بوضوح أن البعد الإنساني يمثل أحد الثوابت الراسخة في تعامل الإمارات مع الشعب الفلسطيني، فالمساعدات يتم تقديمها إلى مختلف المدن والمناطق دون استثناء، ولقد كان لقطاع غزة النصيب الأكبر، وهذا خير شاهد على أن الإمارات لا تسيس المساعدات الإنسانية، وإنما تتعامل معها باعتبارها التزام ومسئولية أخلاقية تجاه الشعب الفلسطيين الشقيق، بغض النظر عن موقف حركة حماس والعديد من الفصائل الفلسطينية التي اصطفت مع قوى إقليمية معادية تتاجر بالقضية الفلسطينية وتزايد على الحقوق المشروعة لشعبها.
 
معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل .. بداية عهد جديد وتحولات استراتيجية كبرى
لا شك أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تدشن لعهد جديد من الأمن والازدهار لشعوب المنطقة بأسرها ، كما تؤسس لتحولات استراتيجية كبرى غير مسبوقة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، تتمثل أهم ملامحها في التالي:
 
1 - تصاعد الدور الإماراتي المؤثر في المشهدين الإقليمي والدولي، والقادر على إعادة صياغة معادلات القوة والتأثير في المنطقة على الصعد كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية، فنجاح الإمارات في الربط بين معاهدة السلام مع إسرائيل وتخلي الأخيرة عن «خطة الضم»، هو تأكيد على قوة الدبلوماسية الإماراتية، وما تمتلكه من أدوات الإقناع والتأثير، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة رفض إسرائيل لمختلف الدعاوى والمبادرات الدولية التي صدرت خلال الأشهر الماضية، وتطالبها بالتخلي عن «خطة الضم»، وإصرارها على المضي قدماً في تنفيذها؛ لكنها استجابت في نهاية المطاف إلى صوت السلام الذي أطلقته الإمارات، لأنها تدرك أنها طرف فاعل ومؤثر في صناعة السلام في المنطقة، وتحظى مبادراتها بالقبول والمصداقية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتستطيع بالفعل تحريك المياه الراكدة في هذا الملف المعقد والمتشابك، خاصة أن الإمارات أبرمت هذه المعاهدة من منطق قوة، ورغبة حقيقية في بناء السلام، فهي ليست دولة حدودية مع إسرائيل ولم تخسر أية أراضي تريد استردادها كما كان الوضع مع مصر أو الأردن، ولهذا فإن هدفها هو تحقيق السلام الشامل والمستدام لكل دول وشعوب المنطقة. 
 
2 - تزايد التقدير الدولي للقيادة الإماراتية، والحرص على الاسترشاد بمواقفها ورؤاها الحكيمة والمتزنة تجاه قضايا المنطقة المختلفة، وخاصة القضية الفلسطينية وعملية سلام الشرق الأوسط، فلا شك أن تراجع الولايات المتحدة عن دعم «خطة الضم» الإسرائيلية، وتأييدها للرؤية الإماراتية، يرجع إلى قوة التأثير والإقناع وسلامة المنطق الذي يتمتع به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، حيث يمتلك سموه رؤية متكاملة الأبعاد والملامح لمجمل قضايا وأزمات المنطقة، لا تقتصر فقط على الوضع الراهن وإنما تستشرف المستقبل أيضاً، ومن هذا المنطلق يمكن القول أن سموه استطاع أن يقنع الولايات المتحدة بـأن تعيد النظر في موقفها من «خطة الضم» الإسرائيلية، وأن يوضح في الوقت ذاته للإدارة الأمريكية ما تشكله القضية الفلسطينية، والمقدسات الإسلامية من مكانة لدى العرب والمسلمين جميعاُ في كل مكان، وأن التداعيات المحتملة التي يمكن أن تترتب على استمرار إسرائيل في تبني «خطة الضم»، من شأنها «انفجار المنطقة»، ولهذا من الطبيعي أن يحظى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله، بمكانة دولية رفيعة، ويُنظر إليه من جانب المجتمع الدولي بأنه «رجل السلام» في المنطقة، وتتصاعد الدعوات الدولية  لترشيحه لجائزة نوبل للسلام.
 
3 - قيادة الإمارات لمنظور الواقعية الجديد في السياسة العربية، لا شك أن توجه الإمارات لإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل يعبر عن جرأة سياسية غير مسبوقة، ويجسد منظوراً جديداً في السياسة العربية، يتسم بالواقعية والقراءة الدقيقة لتطورات الأوضاع في المنطقة والعالم، والاستفادة من التجارب المختلفة في إدارة الصراعات، والتي تؤكد أن الابتعاد عن نهج الحوار والتفاهم والتواصل لم يؤد إلا إلى المزيد من الصراع،  وأن السلام هو الطريق الحقيقي للأمن والتنمية والاستقرار والازدهار. وهذا المنظور الجديد هو امتداد لثوابت السياسة الخارحية الإماراتية التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي كان يؤمن بأن تعزيز السلام والاستقرار والأمن والعدل على الساحتين الإقليمية والدولية هو الطريق لتكريس الجهود لتحقيق التنمية والرفاهية لشعوب المنطقة  والعالم . 
 
4 - التحول في نهج إدارة الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي: تشكل معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل تحولاً استراتيجياً جديداً في طريقة إدارة الصراع العربي-الإسرائيلي، والصراعات الإقليمية بوجه عام، بعد أن أثبتت العقود الماضية أن عدم الحوار والتفاهم والتواصل لن يؤدي إلا إلى المزيد من الصراع واقتطاع مزيد من الحقوق الفلسطينية المشروعة، بينما يؤدي الاشتباك مع المشكلات والعمل على حلها إلى تفاهمات مشتركة تدفع في اتجاه حل الصراع بعيداً عن منطق القوة، خاصة أن هناك خبرات إقليمية عديدة في إدارة الصراعات أثبتت أنه بإمكان الدول تحييد الصراعات والنزاعات فيما بينها، والتوافق على تعزيز المصالح المشتركة وإقامة علاقات اقتصادية وتجارية تستجيب لمصالح شعوبها في التنمية والرفاه، وتؤدي في نهاية المطاف إلى التوصل لحلول دائمة ومستدامة لهذه الصراعات.
 
5 - ترسيخ أسس الأمن والاستقرار الإقليمي: لا شك أن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل ستمثل دعماً للجهود الرامية إلى تعزيز أسس الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، فهذا السلام ينهي عقودا من الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي تم استغلاله أسوأ استغلال من قبل الجماعات المتطرفة والإرهابية لنشر أيديولوجياتها المتطرفة في المنطقة، ولهذا حرصت  الإمارات أن تتضمن معاهدة السلام مع إسرائيل التأكيد على نقطة جوهرية، وهي أن الأماكن المقدسة في القدس ينبغي أن تظل مفتوحة أمام المصلين من جميع الأديان، لتقطع بذلك الطريق على قوى التطرف والتعصب في المنطقة التي طالما سعت، وما تزال، إلى إذكاء نيران الصراعات الدينية، والانطلاق منها في تأجيج خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وبالشكل الذي يضع المنطقة على حافة بركان قابل للانفجار في أي لحظة. في الوقت ذاته، فإن هذه المعاهدة تدعم قوى الاعتدال الداعمة لعملية السلام في المنطقة في مواجهة القوى الرافضة لها، إيران وتركيا وجماعات الإسلام السياسي، والتي تعارض أي محاولات جادة لتحريك حالة الجمود في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن من مصلحتها أن تظل حالة الجمود مسيطرة على عملية سلام الشرق الأوسط، كي تتفرغ هي لتنفيذ مشروعاتها التوسعية والهدامة في المنطقة. 
 
6 - التأسيس لعصر جديد من التعاون في المجالات كافة التي تواكب تطلعات شعوب المنطقة في البناء والتنمية والرفاه والازدهار، خاصة إذا تم الأخذ في الاعتبار حقيقة أن كل من الإمارات وإسرائيل يصنفان باعتبارهما من أكثر اقتصاديات المنطقة تطوراُ. ولا شك في أن معاهدة السلام الجديدة ستفتح آفاقاً جديدة للتعاون تتجاوز الدولتين لتشمل باقي دول المنطقة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والصحة السياحة، ومعالجة المياه، وزيادة إنتاجية الأراضي الزراعية.  كما أن هذه المعاهدة تفتح المجال أمام بناء شراكات استراتيجية أوسع ليس فقط بين الإمارات وإسرائيل وإنما أيضاً بين قوى إقليمية ودولية، كالصين والهند وكوريا الجنوبية، ترتكز على  تبادل الخبرات والاستفادة مما تتمتع به هذه الدول مجتمعة من مزايا اقتصادية وعلمية وتقنية، وتعزز من التعاون المشترك في مجالات الطاقة والطاقة المتجددة، والتكنولوجيا والفضاء وبما ينعكس إيجاباً على أمن وتنمية ورفاهية شعوب دول المنطقة.
 
خـاتمـــــة
تدشن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل لمسار جديد من الأمن والاستقرار والازدهار لدول وشعوب المنطقة،  ينهي عقود من التوتر والصراع، ويمهد الطريق لانتقال المنطقة إلى آفاق أرحب وأوسع، بعيداً عن أصحاب الشعارات الجوفاء والمزايدين بحقوق الشعب الفلسطيني وحقوقه العادلة،  لقد اختارت الإمارات طريق السلام الحقيقي القابل للحياة والاستدامة، ولهذا تحظى جهودها ومبادراتها بترحيب دولي واسع، لأن هناك قناعة من جانب المجتمع الدولي بأنها قادرة بالفعل على قيادة جهود السلام، وتقديم النموذج للآخرين في تبني خيار السلام باعتباره الطريق نحو البناء والتنمية والرفاه لشعوب المنطقة والعالم.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره