مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-10-01

التدفقات غير المشروعة عبر الحدود والأمن القومي

الدول التي تشهد تدفقات غير مشروعة هي نفسها التي تعاني من الفساد الداخلي
تجتاح التدفقات غير المشروعة، من البشر والأموال والسلع والخدمات، الحدود الدولية في العديد من الأقاليم حول العالم. ومن الصعب الحصول على تقديراتٍ إقليمية أو دولية لحجم هذه الظاهرة بسبب طبيعتها غير المشروعة. ومع ذلك، يمكن الجزم بأنّ جزءاً صغيراً فقط من التجارة المحظورة، التي ترصدها أجهزة المخابرات أو تتلقى معلومات عنها، يتم ضبطها.
 
إعداد: د. أيمن الدسوقي
وبسبب تنامي هذه الظاهرة، وما يرتبط بها أو يتواكب معها من تزايد انتشار التنظيمات الإرهابية الدولية والمنظمات الإجرامية عابرة الحدود، والتي تمثل تهديداً للأمن القومي، تصاعد اهتمام الدول بتأمين منافذها الحدودية البرية والبحرية والجوية. ومع ذلك، تضطرد التفاعلات والحركات غير المشروعة عبر الحدود الدولية، البرية والبحرية، ومن خلال الموانئ الجوية. 
 
تشخيص الظاهرة
لا يوجد تعريف مُتفق عليه عالمياً للتدفق المحظور أو غير الشرعي. ولأغراض هذه الدراسة، تكون التدفقات غير مشروعة أو محظورة، عندما تكون الحركة نفسها غير مشروعة، أو أنّ تدفق البشر والأموال والسلع والخدمات نتيجة لعملٍ غير مشروع، أو أنّ الضوابط المشروعة المتعلقة بالتدفق (مثل دفع الجمارك) لا تُراعى.
 
والواقع أنّ أفضل التقديرات بالنسبة للتدفقات عبر الحدود يتوافر بالنسبة للأموال. فوفقاً لمنظمة النزاهة المالية العالمية، قدرت تدفقات الأموال غير المشروعة من العالم النامي، عام 2008، بنحو 1.26 تريليون دولار. وتُقدر التجارة غير المشروعة في السلع والخدمات بنحو 10% من قيمة التجارة العالمية. وتشمل السلع المحظورة قطع ونقل الأخشاب بطريقة غير مشروعة والنباتات والحيوانات البرية والمخدرات والأسلحة، والسلع المشروعة، مثل المواد الغذائية والوقود، التي تتحرك عبر الحدود بطريقة غير مشروعة، وكذلك المنتجات المقلدة.
 
وطبقاً لتقرير المخدرات العالمي، هناك نحو 5.2% من سكان العالم عام 2012، في الفئة العمرية (15-64) قد استخدموا المخدرات المحظورة مرة واحدة على الأقل في العام الذي يسبقه. وقد شهدت تجارة المخدرات ارتفاعاً غير مسبوق في الشرق الأوسط، في ظل فوضى الحرب الأهلية السورية؛ ما أثار تساؤلات عما إذا كانت هذه التجارة تموّل الحرب.
 
وهناك تجارة مزدهرة في البشر، قدّرت عام 2014 بأكثر من 20 مليون من البالغين والأطفال، يتم تهريبهم لأغراض العمل القسري والبغاء. دون الحديث عن تسلل الإرهابيين عبر الحدود، ولاسيما في الشرق الأوسط.
 
العولمة و«صفقة الشيطان»
رصد الباحثون عدة مصادر لعدم قدرة الدول على ضبط حدودها، ومن ثم استمرار التدفقات غير المشروعة، وما يتواكب معها من انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة. وفي مقدمة هذه المصادر عملية العولمة، وما يرتبط بها من انفتاحٍ هائل للأسواق، وتبلور شبكات متداخلة متجاوزة للحدود تشمل الإنتاج والتجارة والتمويل، وتقليص سلطة الدولة على إقليمها. كما أنّ العولمة قادت إلى ولوج فاعلين جدد من غير الدول بأعدادٍ هائلة، وتصاعد تأثيرهم في النظام الدولي بما يفوق تأثير بعض أو كثير من الدول. ومن هؤلاء الفاعلين التنظيمات غير المشروعة، مثل التنظيمات الدينية الراديكالية، والمنظمات الإجرامية عابرة الحدود الوطنية. 
 
وفي ظل العولمة الاقتصادية، لُوحظ أنّ هناك علاقة اضطرادية موجبة بين زيادة التقييدات، سواء كانت أمنية أو جمركية، على عبور الناس والأموال والبضائع والخدمات للحدود، وزيادة حجم التجارة غير المشروعة. وفي بعض الحالات، هناك التقاء بين تفضيلات كلٍ من التجار من جهة ورجال الجمارك أو حرس الحدود أو الميليشيات العسكرية من جهةٍ أخرى في تجاوز الضرائب الرسمية إلى نوعٍ من المدفوعات غير الرسمية وغير المشروعة، يُطلق عليها «صفقة الشيطان». وتذهب هذه المدفوعات إلى جيوب الطرف الثاني، في صورة رشاوى أو إتاوات.
 
كما أنّ ما يسهِّل عملية التهريب، ويحد من قدرة الدولة على ضبط هذه الأنشطة غير المشروعة، وجود امتدادات إثنية أو قبلية على جانبي الحدود. ولعل الحدود التركية-العراقية تقدم مثالاً واضحاً في هذا الخصوص. 
 
الشبكات متجاوزة الحدود 
أنّ أهم أسباب عدم القدرة على ضبط وتأمين المنافذ الحدودية يتمثل في أنّ التدفقات غير المشروعة تتضمن شبكة متجاوزة للحدود، تربط فاعلين محليين بشبكة أوسع من الفاعلين في دولٍ وقارات أخرى. وقد تزايدت شبكات «اقتصادات الحدود» في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية، عبر تهريب ٍواسع للأسلحة والمخدرات والأموال والبضائع والبشر.
 
ضف إلى ذلك أنّ التدفقات غير المشروعة تميل إلى التداخل؛ بمعنى أنّ نفس المجموعات التي تقوم بتهريب المخدرات هي التي تسيطر على تهريب الأسلحة والبشر. فمثلاً، تُتاجر بعض التنظيمات في المخدرات ، مثل حركة طالبان الأفغانية؛ من أجل تمويل تهريب الأسلحة اللازمة لشن القتال أو التمرد. وفي نفس الوقت، فإن النشاطات عبر الحدود قد تُموّن التدفقات المحظورة، والعكس بالعكس. وفي هذه الحالة، فإنّ تهريب الأشخاص داخل بلدٍ ما، يمكن أن ينتج أموالاً تُستخدم في دعم التجارة المحظورة في سلعٍ أخرى. ففي الهند، تُعد الأنشطة غير المشروعة، التي تتضمن تهريب المخدرات والتزوير والفساد المنظم وتهريب البشر، من المصادر الرئيسة لغسيل الأموال. وفي المنطقة العربية، أصبح تهريب النفط مصدر الدخل الرئيسي لبعض التنظيمات الراديكالية، خاصةً تنظيم «داعش» بعد سيطرته على العديد من آبار النفط في سوريا والعراق، من خلال بيعه إلى تركيا وإيران والنظام السوري ذاته، عبر وسطاء. كما أنّ هناك ترابطاً وثيقاً بين أنشطة التهريب عابرة الحدود، التي تتورط فيها مراكز قوى قبلية تستعصي على سيطرة الدولة، وتمويل العمليات الإرهابية في شمال سيناء.
 
الحُكم السيئ والفساد 
وتستغل هذه الشبكات الحُكم السيئ أو الضعيف والفساد الموجود في بلدٍ ما لتأسيس عملياتها. وفي نفس الوقت، فإنّ إدخال بلدٍ ما في شراكهم يؤدي إلى تزايد مستويات الفساد؛ حيث يصبح أداة ضمان استمرار التدفقات غير المشروعة. ولذلك، فإنّ الدول التي تشهد تدفقات غير مشروعة عابرة للحدود هي أيضاً تلك التي تُعاني بصفةٍ عامة من الفساد الداخلي. ونفس هذه الدول تكون مُنكشفة للتأثيرات الخارجية، بما في ذلك الشبكات غير المشروعة. وثمة أدلة من الدراسات الإمبيريقية على أنّ الشبكات غير المشروعة التي تقود التدفقات المحظورة من الأموال والسلع والخدمات والبشر مرتبطة جوهرياً بمستوياتٍ مرتفعة من الفساد في الدول التي تخدم جوانب العرض والطلب والمرور لهذه التدفقات. وبمقارنة نتائج تقرير منظمة الشفافية الدولية الخاص بالفساد وتقرير منظمة التكامل المالي العالمي عن التدفقات المالية غير المشروعة في الدول النامية، نجد أنّ معظم الدول العشر الأولى في التدفقات المالية غير المشروعة (2003-2012)، وهي الصين وروسيا والبرازيل واندونسيا والهند وجنوب أفريقيا والفبلبين وتايلاند وهندوراس، تعاني من معدلات مرتفعة إلى مرتفعة جداً من الفساد. 
 
وتشير بعض الدراسات إلى أنّ تورط رجال الشرطة في عمليات التهريب، وخاصةً تهريب البشر، أصبح مشكلة مستوطنة في جنوبي آسيا. ولخصت دراسة عن تجارة السجائر غير المشروعة في ذات المنطقة إلى أنّ الفساد وانخراط هيئات تنفيذ القانون من أهم المصادر المسهِلة لهذه التجارة. وتتراوح العلاقة بين الشرطة والمهربين بين اللامبالاة إلى التأييد النشِط، من خلال قبول الرشاوى. كما أنّ هناك رابطة واضحة بين الفاعلين المحليين الأقوياء والمهربين في هذه البلاد. 
 
علاوة على ذلك، تكون الجريمة المنظمة أكثر انتشاراً في الدول حيث يكون حكم القانون ضعيفاً.وقد وجدت المسوح والدراسات المختلفة أن الدول التي تشهد تدفقات غير مشروعة كبيرة الحجم، تعاني من مشكلاتٍ أساسية تتعلق بفساد القطاع العام، والفشل الحكومي.
 
حلقة مفرغة
وعندما تواجه دولة ما التحديات المتعلقة بالفساد والحكم السيئ، تستغل القوى الخارجية الأشخاص الذين لديهم قابلية للفساد داخل هذه الدولة. ويُفضي انخراط هؤلاء الأشخاص في أنشطة فاسدة عبر الحدود إلى زيادة مستوى الفساد في الداخل، والسماح للتأثيرات الناحتة للقوى الخارجية أنْ تتجذر في البلد؛ ما يخلق حلقة مفرغة لمشكلة أكثر خطورةً واتساعاً، تتضمن سلسلة من الفاعلين يشكلون شبكة متجاوزة القومية مرتبطة معاً من خلال الفساد. وقد وثقت شبكات الفساد في عدة أقاليم حول العالم، مثل إقليم القوقاز وجنوب آسيا ومنطقة البحيرات العظمى في أفريقيا. 
 
آليات تأمين المنافذ الحدودية
تُركز معظم الآليات التي تتبعها الدول لضبط الحدود، والحؤول دون تدفق التجارة غير المشروعة وتسلل الإرهابيين إلى أراضيها، على الجوانب الاستخبارية والأمنية والعسكرية على المستوى الوطني، والتعاون الأمني وتبادل المعلومات على المستوى الإقليمي. وتلجأ عديد من الدول إلى توظيف أحدث منتجات الثورة العلمية والتكنولوجية، بل واستخدام الطائرات من دون طيار، في مراقبة حدودها، وإجراءات التفتيش والفحص. كما تعمد الدول إلى رفع قدرات العاملين فيها من خلال برامج تدريبية، وتكوين نظام موحد للمعلومات داخل الدولة لجمع وتوحيد كافة المعلومات المتعلقة بإجراءات المنافذ الحدودية وحصرها. 
 
ولكنّ الأهم هو مواجهة الفساد الشبكي، الذي يعد المصدر الأول المغذي للأنشطة غير المشروعة. فقد لاحظ الباحثون أنّ الدول تكونُ أقل عُرضةً للفساد والجريمة المنظمة، عندما يكون لديها نظم قضائية قوية، وتتسم هيئاتها القضائية بالاستقلال والتكامل. ويُطرح، في هذا السياق، أهمية  تحسين الأحوال المادية لموظفي الجمارك ومسؤولي الحكم المحلي على جانبي الحدود،  نظراً للإغراءات المالية التي يتعرضون لها يومياً.
 
كما أنّ تنمية المناطق الحدودية اقتصادياً، وتعزيز دمج سكانها في بنية المجتمع وفي نظام إدارة الحدود، وتطوير العلاقات بين أجهزة الأمن والمجتمعات الحدودية يعد أنجح وسيلة «وقائية» لمواجهة التدفقات غير المشروعة والإرهاب. ويندرج، في هذا الإطار، تعزيز التفاعلات التعاونية عبر الحدود بين المجتمعات الإقليمية المتلاصقة جغرافياً في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها أمن الحدود، وتأسيس روابط اقتصادية وتنظيمية بينها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره