مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-04-12

التقارب الروسي – الصيني ..هل يعيد تشكيل خريطة التحالفات ومعادلات القوة والنفوذ في العالم؟

التقارب الذي تشهده العلاقات بين الصين وروسيا في العديد من المجالات في الآونة الأخيرة لا يعكس فقط رغبة الدولتين في تعزيز مصالحهما المشتركة، وإنما أيضاً يرتبط بالتحولات الجيوسياسية والاستراتيجية الدولية، وتحديداً بمعادلات القوة والنفوذ، والتي تسعى الدولتان إلى أن يكون لهما دورهما الفاعل والمؤثر في النظام الدولي، وإعادة تشكيله كي يكون أكثر تعددية وتشاركية، وذلك في مواجهة الهيمنة الأمريكية على تفاعلات هذا النظام. 
 
بقلم العقيد الركن/ يوسف جمعة الحداد
وعلى هذا فإن العامل الأمريكي يعتبر أحد المحددات الرئيسية التي تفسر التقارب الصيني – الروسي، وخاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة التحركات التي تقوم بها الولايات المتحدة لاحتواء أي نفوذ جديد للدولتين، تستوى في ذلك إدارة الرئيس جوبايدن مع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فما تزال النظرة الأمريكية لكل من بكين وموسكو يطغى عليها الحذر والقلق، باعتبارهما يمثلان تهديداً لمصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي. 
 
مؤشرات التقارب الروسي- الصيني
شهدت العلاقات الصينية- الروسية تطوراً متنامياً في العديد من المجالات، الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية والتكنولوجية، كما وقعت الدولتان العديد من مذكرات التعاون والتفاهم، وأجرتا مناورات عسكرية مشتركة في رسالة واضحة تؤكد إدراكهما المشترك لأهمية الارتقاء بمسار العلاقات وتنسيقهما في مواجهة التحديات المشتركة. وعلى أية حال، فإن مجالات التعاون بين الدولتين تشمل ما يلي: 
 
1 - التنسيق السياسي وتبنى مواقف مشتركة إزاء معظم القضايا الإقليمية والدولية، وتجسد ذلك بشكل واضح في مساعي الدولتين في شهر مارس 2021 لتشكيل جبهة مشتركة داخل الأمم المتحدة لمواجهة الهيمنة الامريكية، وذلك بالتعاون مع دول أخرى تضم  (إيران والجزائر وأنجولا وروسيا البيضاء وبوليفيا وكمبوديا وكوبا وإريتريا ولاوس ونيكاراجوا، وسانت فينسنت وجرينادينز، وسوريا وفنزويلا)، وتهدف هذه الخطوة – كما أعلنت الدولتان- هو تشكيل تحالف للدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة من خلال التصدي لاستخدام القوة أو التهديد باستخدامها، والعقوبات أحادية الجانب، والحفاظ على التعددية في إدارة القضايا والملفات التي ترتبط بالأمن والسلم الإقليمي والدولي. ويأتي التحرك الصيني والروسي في الأمم المتحدة للحيلولة دون سيطرة الولايات المتحدة على المنظمات الأممية، وخاصة الحقوقية، التي كثيراً ما وجهت انتقادات شديدة لأوضاع حقوق الإنسان في الدولتين، وكان آخرها في شهر فبراير 2021 حينما انتقدت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، القيود على الحريات في روسيا والصين، مرحبة في المقابل بالتغييرات التي تطال سياسة الهجرة في الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. كما ظهر التنسيق بين الدولتين في منع صدور قرار من مجلس الأمن يدين الانقلاب العسكري في ميانمار، ناهيك عن فرض عقوبات على القائمين به.   
 
2 - المجال الاقتصادي والتكنولوجي يعد أهم مؤشرات تنامي العلاقات بين الدولتين، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم التجارة بينهما يقدر وفقاً لإحصائيات العام 2019، قبل التراجع بسبب جائحة كوفيد- 19، إلى 110 مليار دولار على أساس سنوي، وفقاً لسلطات الجمارك الصينية. في الوقت ذاته فإن الصين باتت تعتمد بشكل رئيسي في احتياجاتها من الطاقة على  روسيا . فيما تتجه بكين إلى تعزيز استثماراتها في مشروعات كبيرة للطاقة في احتياطات روسيا الهائلة في القطب الشمالي المتجمد. كما تتعاون الدولتان في مجال التكنولوجيا المتقدمة، حيث تفضل موسكو شركة «هواوي» الصينية لبناء شبكة الاتصالات الجيل الخامس. كما تسعى روسيا إلى الاستفادة من تجربة الصين الرائدة في  التوظيف الواسع للتكنولوجيا في عمليات الرصد والتتبع المرتبطة بمحاربة فيروس «كورونا».
 
3 - التعاون في المجال الدفاعي والعسكري، وخاصة في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية والتكنولوجية وإجراء التدريبات والمناورات المشتركة، ففي شهر ديسمبر 2020 تعاونت الدولتان في إطلاق دوريات جوية في منطقة غرب المحيط الهادئ وبحر الصين الشرقي ضمت قاذفات ثقيلة، كجزء من مناورات عسكرية سنوية بينهما. وهذا التعاون يمثل مصدر قلق للولايات المتحدة وحلفائها في آسيا، وخاصة اليابان وكوريا الجنوبية، باعتباره موجه ضدها بالأساس.
 
4 - التعاون في مجال الفضاء، باعتباره أحد القطاعات الواعدة التي تتفوق فيها الدولتان، ففي شهر مارس 2021 وقّعت مؤسسة «روس كوسموس» الفضائية الروسية، والإدارة الفضائية الصينية، مذكرة تفاهم للتعاون في إنشاء قاعدة قمرية دولية مفتوحة للمساهمة فيها من قبل كل البلدان والجهات المعنية وذلك في سبيل تعزيز التعاون في مجال العلم واستخدام الفضاء لأغراض سلمية في مصلحة البشرية بأسرها. كما تهدف مذكرة التعاون إلى توظيف الخبرات المشتركة والتكنولوجيات العلمية  في دراسة سطح القمر وتحقيق مشاريع مشتركة في مدار القمر على حد سواء.
 
عوامل التقارب الروسي- الصيني
لا شك أن التقارب الروسي- الصيني وإن كانت تقف ورائه رغبة الدولتين في تعزيز مصالحهما المشتركة، إلا أن هناك عوامل أخرى ترتبط بالتحولات التي تشهدها البيئة الدولية ، وخاصة منذ ظهور جائحة كوفيد- 19، والتي أعادت تقييم معادلات القوة والنفوذ في العالم استناداً إلى معايير جديدة ، ترتبط بقدرة الدول على تطوير استجابة فاعلة لمواجهة الأزمات، وامتلاك منظومة قوية تعنى بالأمن الشامل. وعلى هذا يمكن القول أن ثمة عوامل تدفع في اتجاه المزيد من التقارب بين موسكو وبكين خلال الفترة المقبلة، لعل أبرزها:   
 
1 - إدراك الدولتين أنهما ما تزالان في دائرة الاستهداف الأمريكي، فالدليل الاستراتيجي المؤقت الذي نشرته إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم 3 مارس 2021 ، والذي يعبر عن أولويات الإدارة ورؤيتها للمخاطر والتهديدات التي تواجه الأمن القومي والمصالح الأمريكية بصفة عامة، أشار صراحة إلى أن روسيا والصين تمثلان تهديداً للولايات المتحدة الأمريكية، حيث يؤكد هذا الدليل صراحة « أن الاختبار الجيوستراتيجي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين يتمثل في علاقتها مع الصين، التي يُنظر إليها باعتبارها علاقة تنافسية، وتعاونية إذا دعت الضرورة، وعدائية في بعض الأحيان» كما تحدث هذا الدليل عن التهديد الذي تفرضه روسيا التي «تصر على تعزيز نفوذها العالمي، ولعب أدوار تتسبب في حالة من الفوضى على الساحة العالمية». وهي نفس الرؤية التي كانت تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي وضعت الدولتان ضمن قائمة التهديدات الاستراتيجية التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، في «استراتيجية الأمن القومي للعام 2018».
 
ومن الواضح أن إدارة الرئيس بايدن تنظر إلى  الصين باعتبارها التحدي الأكبر والمنافس الأول لسياستها الخارجية، ولكنها في الوقت ذاته لا تفكر في الصدام المباشر معها، ولكنها ربما تتبنى استراتيجية تسعى خلالها إلى تعظيم تفوقها في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وهي المجالات التي يبدو أن بكين تسعى إلى تأكيد تفوقها العالمي، وتجاوزها للولايات المتحدة فيها. في الوقت ذاته، فإنها تنظر بقلق إلى روسيا التي تسعى هي الأخرى إلى استعادة موقعها على النفوذ العالمي كقوة عظمي تنافس الولايات المتحدة الأمريكية.  ويبدو أن علاقة واشنطن بموسكو ربما تشهد مزيداً من التوتر في ظل إدارة بايدن، وخاصة في أعقاب التصريحات التي أدلى بها الأخير في شهر مارس 2021 والتي قال فيها:» إنه يعتقد أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين «قاتل»، محذرا من أنه «سيدفع ثمن» أعماله . ولم تتأخر موسكو في إعلان استدعاء سفيرها في الولايات المتحدة أناتولي أنطونوف «للتشاور، وذلك في أول أزمة دبلوماسية تقع بين الدولتين في ظل إدارة بايدن.
 
2 - رفض الدولتين للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، وتوافقهما الاستراتيجي على تحدي سياسة القطب الأوحد الأمريكية والتدخل في «المصالح الأساسية» داخل الدولتين أو بالقرب من حدودهما، وخاصة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا التي تتطلع فيها قيادتي الدولتين إلى تعزيز نفوذهما السياسي والاستراتيجي في النظام الدولي. فالصين تسعى إلى استثمار نجاحها في إدارة أزمة جائحة كوفيد- 19 في  تعزيز مكانتها، وربما قيادتها، لأي تحولات مستقبلية في عالم ما بعد كورونا، ووظفت في ذلك «الدبلوماسية الصحية» لاكتساب مناطق نفوذ وتأثير جديدة خاصة في أوروبا، وذلك على حساب الولايات المتحدة. روسيا هي الأخرى تسعى إلى استعادة مكانتها كقوة عظمى في النظام الدولي، ليس فقط من خلال الحفاظ على قوتها العسكرية وتطويرها بشكل مستمر، وإنما أيضاً من خلال تعزيز حضورها الفاعل والمؤثر في مناطق الأزمات والصراعات، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها عملت أيضاً على توظيف وباء كورونا من خلال «دبلوماسية المساعدات الصحية»، إلى تعظيم نفوذها في العديد من المناطق حول العالم.  
 
3 - التحديات المشتركة تعتبر من اهم دوافع التقارب بين الدولتين، حيث تتبنى الصين وروسيا رؤية متقاربة  لطبيعة التهديدات والمخاطر التي تواجههما، سواء فيما يتعلق بالعقوبات الأحادية التي تفرض عليهما من جانب الولايات المتحدة أو بعض الدول الأوروبية، أو نتيجة تهديدات حلف شمال الأطلسي وتوسعه باتجاه موسكو. وتدرك الدولتان أن تعاونهما يمثل ضرورة استراتيجية في مواجهة هذه المخاطر، وبدا هذا واضحاً في أعقاب غزو روسيا لجزيرة القرم في العام 2014، وما أعقبها من عقوبات أمريكية وأوروبية، عمقت من عزلتها الدولية، ما دفعها إلى تعزيز تقاربها مع الصين، باعتبارها تمثل طوق النجاة للخروج من هذه العزلة. كما أن تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، واندلاع حروب التجارة والتكنولوجيا بينهما، دفع الصين إلى التقارب مع روسيا، في دلالة واضحة على إدراكها البالغ لأهميتها كقوة فاعلة وذات وزن مؤثر في النظام الدولي، وهذا ما عبر عنه وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، خلال اللقاء السنوي الأول في برلمان الشعب، في مايو  2020، بقوله:» إن روسيا دعمت الصين وإن البلدين  سيقفان جنباً إلى جنب ضد محاولات الولايات المتحدة تحميل بكين المسؤولية” عن تبعات فيروس  كورونا».
 
4 - مواجهة هيمنة الدولار الأمريكي على التعاملات المالية العالمية: تتبنى روسيا والصين موقفاً مشتركاً في مواجهة هيمنة الدولار، ويعملان على إدخال عملات أخرى رئيسية إلى أسواق المال العالمية، من خلال الاعتماد على اليورو  ثم الروبل الروسي واليوان الصيني وذلك ضمن استراتيجية مشتركة  تستهدف  تقليص التعامل بالدولار بين البلدين، باعتباره يمكن أن يشكل حصانة ضد العقوبات الاقتصادية التي توظفها الولايات المتحدة كورقة ضغط ضد مصالحهما، وتشير التقديرات في هذا السياق إلى تراجع حجم التجارة بين الدولتين بالدولار إلى أقل من %50  خلال الربع الأول من العام 2020، وهو أقل نسبة في التاريخ بالنظر إلى أن حجم التجارة بالدولار بينهما وصلت العام 2014 إلى %90. 
 
والواقع أن الصين تقود الحملة الرامية إلى كسر احتكار الدولار، فقد أطلقت بورصة عالمية في شنغهاي لتداول عقود النفط بالعملة الصينية اليوان اعتبارا من أوائل عام 2019، وذلك في ضربة قوية لاحتكار نظام «البترودولار» لصالح نشوء نظام «البترويوان». كما وقعت اتفاقيات مع روسيا وتركيا وإيران والهند ودول آخرى لتعزيز تبادلاتها التجارية بالعملات الوطنية بدلا من الدولار. كما أطلقت الصين مع دول البريكس الأخرى من شنغهاي «بنك التنمية الجديد» برأسمال يزيد على 100 مليار دولار لتعزيز استثمارتها المشتركة وتحقيق المزيد من التوازن في المعاملات الدولية. كما أطلقت من بكين في عام 2014 «البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية» الذي تشارك برأسماله حاليا نحو 60 دولة ، باعتباره يمكن أن يشكل منافساً قوياً لصندوق النقد الدولي الذي تتحكم الولايات المتحدة وحلفائها في قراراته بحكم ملكيتها لغالبية الحصص فيه.  
 
التقارب الصيني- الروسي أي تأثير على معادلات القوة والنفوذ في العالم؟
لا شك  في أن التقارب الروسي- الصيني يمكن أن يؤثر بشكل واضح على إعادة صياغة التحالفات الإقليمية والدولية، ويعيد تشكيل معادلات القوة والنفوذ في عالم ما بعد كورونا، وخاصة بالنظر للاعتبارات التالية:
1 - توافق الدولتين على بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، والتحرك المشترك نحو تحدي الهيمنة الأمريكية والتمدد في مناطق نفوذها التقليدية سواء في أوروبا أو في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني معه أن تقارب موسكو- بكين يمكن أن يدشن لتحولات محتملة في خارطة التحالفات الإقليمية والدولية خلال الفترة المقبلة. ويكتسي هذا التحرك أهميته بالنظر إلى تأييد العديد من دول العالم له، وخاصة تلك التي تتحفظ على السياسات الأمريكية الانفرادية، ورفضها للأدوات التي تستخدمها في ممارسة ضغوط عليها سواء تعلقت بالعقوبات الأحادية أو «تسييس» قضايا حقوق الإنسان. 
 
2 - تصاعد الوزن النسبي لكل من الصين وروسيا في النظام الدولي، وخاصة بعد جائحة كوفيد- 19 في مقابل تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة وتضاؤل التأثير الأوروبي، لا سيما أن هذه الجائحة أظهرت هشاشة المنظومة الغربية في مواجهة هذه النوعية من الأزمات الطارئة، بينما قدمت الصين وروسيا نموذجين ناجحين للعالم، فالأولى استطاعت احتواء تفشي انتشار الفيروس في فترة قصيرة، بل ووظفت ما يسمى بـ»الدبلوماسية الصحية « في  تعزيز نفوذها في أوروبا وأفريقياـ بينما استطاعت روسيا أن تتعامل مع هذه الجائحة بكفاءة عالية، وأظهرت أنها تمتلك منظومة صحية وطبية وعلمية متطورة، يكفي الإشارة هنا إلى أن لقاح «سبوتنيك» الذي تنتجه روسيا للوقاية من فيروس كورونا، والذى تم تطويره فى مختبر حكومي، بدعم من صندوق الثروة السيادية الروسي، يصنف الآن باعتباره من أهم اللقاحات لتمتعه بدرجة عالية من الكفاءة والفاعلية، وهذا أعاد الصورة الإيجابية عن روسيا باعتبارها دولة متقدمة في المجال البحثي والعلمي، خلافاً للصورة السلبية المنتشرة عنها في بعض وسائل الإعلام الغربية التي حاولت التشكيك في قدراتها العلمية.
 
3 - بناء التحالفات المرنة: لا شك في أن صعود الوزن النسبي لكل من الصين وروسيا في النظام الدولي سيؤثر على طبيعة التحالفات الدولية في المستقبل، ويجعلها أكثر مرونة، وسيتيح هامش من المناورة والحركة للدول الصغيرة في إدارة تحالفاتها وعلاقاتها الدولية، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الدولتين تتبنيان استراتيجية متشابهة يمكن أن يطلق عليها «التوازن في إدارة العلاقات وبناء الشراكات»، تنطلق بالأساس من الموازنة بين مصالحهما الاستراتيجية وبين مصالح حلفائهما دون التدخل في الشئون الداخلية لهؤلاء الحلفاء أو محاولة فرض رؤى بعينها عليهم، وهذا ما يجعلهم شركاء موثوقين بالمقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الاستراتيجية أثبتت فاعليتها حتى الآن في نجاح الدولتين في توسيع شراكتهما الاستراتيجية مع العديد من دول العالم في مختلف المناطق. 
وهذه الاستراتيجية التي تتبناها الدولتان في بناء تحالفاتهما وشراكاتهما الخارجية تنسجم مع التقدير الاستخباراتي لمؤسسة «ستراتفور» الذي نشرته في فبراير من العام 2020، وتوقع حدوث عدة تغييرات هيكلية في بنية النظام الدولي في العقد الجاري (2030-2020) منها أن العالم سيعود إلى هيكل القوة متعدد الأقطاب، وأن الدول ستفضل الدخول في التحالفات المرنة عازفة عن الشراكات والتحالفات الشمولية. ويتوقع هذا التقدير ظهور تحالفات صغيرة عديدة، مركزة إقليميًا، وقائمة على مجال بعينه –اقتصادي، عسكري، سياسي، بيئي، تسعى إلى استخدام مصالحها المشتركة والموارد المجمعة لتحسين المناورة مع القوى الكبرى. 
 
4 - التوافق بين روسيا والصين على تحدي الهيمنة الأمريكية، والتصدي لممارساتها التي تستهدف توظيف المنظمات الأممية والدولية في فرض عقوبات أو ممارسة ضغوط على دول العالم؛ بدعوى انتهاك حقوق الإنسان، قد يؤدي إلى ظهور نمط جديد من التحالفات بين الدول الرافضة لهذه الهيمنة الأمريكية، بحيث لا تقتصر فقط على روسيا والصين، وإنما تضم أيضاً كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وغيرها من الدول التي تنظر بقلق للسياسات الأمريكية. بل أن هذه المعارضة للسياسات الأمريكية بدأت تتسلل إلى الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد أزمة جائحة «كوفيد 19»، وظهور خلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول العديد من القضايا، والمثال على ذلك رفض العواصم الأوروبية في العام الماضي مشروع القانون الأمريكي الخاص بإعادة فرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إيران في مجلس الأمن الدولي .  
 
5 - نجاح روسيا والصين في توظيف تفوقهما العسكري والتكنولوجي في توسيع خريطة تحالفاتهما الإقليمية والدولية، فموسكو بدأت تتبنى في السنوات القليلة الماضية استراتيجية الصفقات العسكرية مع العديد من دول العالم بشروط ميسرة وذلك لزعزعة التحالفات الأمريكية، كما حصل مع تركيا في صفقة «إس 400»، أما الصين فإنها تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة في التمدد والتوسع في العالم، وخاصة تقنية الجيل الخامس 5G ، حيث تطمح من خلال خطتها “الصين 2025”، إلى أن تصبح القوة العالمية الرائدة في مجال التكنولوجيا بحلول هذا التاريخ، ويعد تطوير تقنية 5G هي ركيزتها الرئيسية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، ولهذا تعهدت الحكومة الصينية بزيادة دعمها  لشركات التكنولوجيا في أعقاب القيود الأمريكية ، كي تواصل تفوقها وصدارتها في هذه التقنية، وتتوسع في نشر حلولها في مختلف دول العالم، لتثبت أنها تمضي على طريق تأكيد تفوقها التكنولوجي، خاصة إذا ما تم الأخذ في الاعتبار ما توفره شبكة الجيل الخامس من مزايا هائلة، حيث تفتح آفاقاً واعدة لعهد الثورة الصناعية الرابعة وتوسيع استخدام تكنولوجيات مثل القيادة الذاتية والذكاء الاصطناعي، وتطبيقات البلوك تشين، والحوسبة الكمية، وأتمتة الآلات، والروبوتات، ومعدات الفضاء والطيران، والمعدات البحرية، حتى أن هناك بعض الأوساط السياسية والاستخباراتية الأمريكية بدأت تنظر إلى السباق حول تقنية شبكة الجيل الخامس باعتباره جزءًا من سباق تسلح جديد ومتطور مع الصين، خاصة بعد أن طرحت الأخيرة مبادرتها المعروفة باسم “الحزام والطريق” التى تستثمر خلالها مليارات الدولارات فى البنى التحتیة التكنولوجية، وتحديداً في بناء طرق رقمیة سريعة ، بالشكل الذي يعزز من نفوذها في صراعات المستقبل.
 
خاتمة
التقارب الروسي – الصيني وما يرتبط به من تحالفات عسكرية وتكنولوجية واقتصادية نجحت الدولتان في إبرامها مع العديد من دول العالم في السنوات القليلة الماضية ربما يعيد صياغة خريطة التحالفات ومعادلات القوة والنفوذ في العالم في المستقبل، خاصة بعدما أظهرت جائحة كوفيد- 19 تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة وتضاؤل التأثير الأوروبي، كما فرضت هذه الجائحة معايير جديدة لقياس قوة الدول وتأثيرها في النظام الدولي، لا تقتصر وحسب على القوة العسكرية، وإنما تشمل وربما الأهم، ما تمتلكه من منظومة قوية في إدارة الازمات والكوارث الطارئة، ومن توفير شبكات للضمان الاجتماعي، فضلاً عن التضامن مع الشعوب الفقيرة في مواجهة هذه النوعية من الأزمات. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره