مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-08-01

الجنــــــــود الأطفـــــــال

الجندي الطفل هو كل شخص دون الثامنة عشر من العمر يشارك مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في صراع مسلح سواء كان ذلك ضمن قوات مسلحة نظامية أو مجموعة من المقاتلين، وبينما يحمل بعضهم بنادق هجومية، أو قنابل يدوية في قلب جبهة القتال، يستخدم آخرون القيام بأدوار أخرى كحمل الرسائل، التجسس، نزع الألغام، وكحمالين....الخ، وكثير منهم يشارك في القتال.

 
إعداد: محمد مشرف خليفة
 
لقد وصل عددهم إلى حوالي 300.000 طفل، وإذا كانت الظاهرة منتشرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية إلا أنه يلاحظ أن نصف الدول الأوروبية تقبل من يبلغون الـ 18 سنة ضمن جيوشها، وتبعث المملكة المتحدة بمن هم في سن الـ 17 من العمر إلى ميادين القتال، ووفقاً لإحصائياتهم  الخاصة عن عام 1999 فإن في الجيش البريطاني 6.676 مجنداً من الجنسين بين سن الـ 16 و 17 من العمر،و 000. 128  مرشح بين سن الـ 10 و 16 من العمر، ولكن هؤلاء يجندون للدفاع عن وطنهم، ولإعداد قادة للمستقبل، غير أنه وإن كان هذا التجنيد في أوروبا بقصد الإعداد للدفاع عن الوطن، إلا أننا نجد أن أسراً فقيرة في آسيا وأفريقيا تدفع بأطفالها للتجنيد لضمان وجبات الطعام التي لم تستطع الأسرة توفيرها، لأن الطفل وإن كان معرضاً للقتل إلا أنه يلقى العناية والمأوى الذي كان يفتقده، ويشكل هؤلاء للجماعات غير النظامية والإرهابية فرصة للخطف والتجنيد إجبارياً، وبعض هؤلاء يتطوعون تلقائياً لحماية أنفسهم وأهليهم من العنف والفوضى التي تسود مجتمعاتهم، بينما يجد الأكبر سناً من الأطفال في هذه الجماعات المتطرفة ما يعبر عن أيديولوجية قد ينساقون إليها بفهم أو دون فهم، كما وأن تجنيد الأطفال بالقوة ودون رضاهم أصبح ظاهرة، ويكفى أن تمر مجموعة مسلحة بقرية ما لتختطف بعض أطفالها، وبعضها يركز على الأطفال اليتامى الذين لا يجدون مأوى ولا أهل.
 
النشأة والتاريخ
لفتت ظاهرة تجنيد الأطفال الأمم المتحدة فأصدرت اتفاقية عام 1989 بشأن حقوق الطفل في أوقات النزاعات المسلحة، وفي وقت السلم، وتنص بنود الاتفاقية على المحافظة على حياة الأطفال في وقت الحرب، ودعم الأسرة، إضافة لكل ما يتعلق بحقوق الطفل من تعليم وصحة وغذاء. وتستوجب الحقوق الأخرى التي تتعرض للخطر: الحماية من الاستغلال والعنف، الوقاية من التعذيب والمعاملات غير الإنسانية كسوء معاملة الطفل وعقابه، والاتفاقية تنص على حماية الأطفال الذين يتأثرون عادة بالصراعات، وما يحدث في عالم اليوم يتجاهل كل حقوق للأطفال، ويستغل الأطفال ليكونوا وقوداً للحرب، ومن هنا جاء هذا الحديث عن الأطفال الجنود في محاولة لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة..
بعد أقل من أسبوعين في التدريب انتقلت قوة ضاربة من 150 جندياً بريطانياً إلى معسكر في غابات سيراليون بأفريقيا، وفي ساعة الصفر نزلت القوة الهجومية من ثلاث طائرات عمودية من نوع Chinook CH – 47، بينما حلقت ثلاث طائرات أخرى للتغطية، وقامت في نفس اللحظة مجموعة من القناصة التي كانت تنتظر منذ أسبوع في منطقة المستنقعات بالتحرك لينطلق الجميع معاً عبر مسافة 150 متراً وصولاً لأكواخ احتجز
فيها متمردون ستة من الرهائن، وبعد قتال لم يستمر طويلاً تم انقاذ الرهائن وسقط خلال ذلك ما بين 25 و 50 قتيلاً من الجانب الآخر.
كانت عملية انقاذ الرهائن التي أطلق عليها عملية "ياراس" قد استغرقت 20 دقيقة، وكان المتمردون في معظمهم من الأطفال، وكان سبب اختطاف الرهائن أن القوة التي كانت موجودة عزفت عن إطلاق النار على أطفال، وإن كانوا يحملون السلاح.
 
وهكذا ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين انتشرت ظاهرة "الجنود الأطفال"، وهذه الحالة تمثل حالة وظروف استخدام الأطفال في المعارك، ويتم تعريف الجنود الأطفال بالجنود الذين هم دون الثامنة عشر من العمر ومع هذا يشاركون في معارك تتسم بالعنف، ولهذا لم تتخذ بعد أية نظريات لكيفية التعامل مع هؤلاء وما يشكلونه من خطورة.
لعل السبب في هذا أن الموضوع حساس إلى حد كبير، أو لأن من الصعوبة بمكان معاملة الأطفال بقسوة، ولهذا أصبحت هذه المشكلة إلى حد ما مستعصية الحل، وهي مشكلة تعيق التدخل بقوة عند مواجهة هذه الظاهرة وخلال عمليات حفظ السلام، غير أن المسألة تستحق الدراسة، فالحروب كانت دائماً ترتبط بالمقاتلين من الرجال، وقد عرف العالم قديماً هذه الظاهرة، ولكن بصورة مغايرة، إذ أن الأطفال لم يكونوا يشاركون في القتال، ولكنهم يساعدون الفارس حين يضع درعه، أو يساهمون في قرع طبول الحرب، ولم ينظر إليهم كقوة قتالية، وبخاصة  في القرن الثامن عشر، ولم يكونوا يعتبرون هدفاً، وقد واجه هذه المحنة الجنود الأمريكيون حين دخلوا إلى ألمانيا النازية عام 1945، وقد شارك بعض الأطفال في القتال خلال الحرب الباردة مثل "ألفيات كونج" في فيتنام، ولكن تلك حالات شبه فردية منعزلة من حيث الزمن وحجم المشاركة، ولم يكن الأطفال يشكلون قوة مقاتلة، كانوا استثناءاً للقاعدة.
 
إن طبيعة الصراع المسلح تغيرت كثيراً، وفي كثير من الدول، وتحولت وبمشاركة الأطفال من مسألة لا تثير جدلاً إلى مشكلة تستحق الدراسة، وبخاصة منذ نهاية القرن العشرين، وكان مثال سيراليون تعبيراً عن هذا التحول، إذ بلغ عدد الجنود الأطفال ما بين 15000 إلى 20000 من المحاربين، وشكلوا 80 % من مقاتلي الجبهة الثورية المتحدة RUF أطفال لم يتجاوزوا 14 عاماً.
ومع بداية القرن الحادي والعشرين أصبح الجنود الأطفال يشاركون في ميادين القتال في كل القارات باستثناء أستراليا، وأصبحوا جزءاً مكملاً للقوات النظامية وغير النظامية، ولكنهم يتميزون بالعنف، وبخاصة الذين ينضوون منهم ضمن الجماعات الإرهابية، ويخدمون في كل القطاعات ومختلف الجماعات من المشاة إلى الغزاة إلى الجواسيس.
وهكذا أصبح اشتراك الأطفال في الحروب عالمياً وبكميات كبيرة، وقبل هذا قاتل الأطفال في التسعينات في كل من السلفادور، الأكوادور جواتيمالا، المكسيك، نيكاراغوا، وبيرو، وكان العدد الأكبر في كولومبيا، وكانوا يطلقون عليهم "الأجراس الصغيرة" كما أطلق عليهم الجماعات الإرهابية و"النحل الصغير" الذي يلسع العدو قبل أن يدرك وجودهم، ويقدر أن يكون 30 % من مقاتلى وحدات العصابات من الأطفال، بينما يشكلون بالنسبة لبعض المليشيات ما يعادل %85 من القوة، هذا وعرفت أوروبا المقاتلين الأطفال في الشيشان، وداغستان، وكوسوفا، وناجورنو كاراباخ، وقيل أن أكثر حزب يستخدم الأطفال في القتال هو حزب العمال الكردستاني Pkk إذ يبلغ عددهم حوالي ثلاثة آلاف طفل.
من جهة أخرى فإن بعض المراقبين يعتبرون أفريقيا مهداً للأطفال المقاتلين، ويضربون مثلاً باستغلال 16.000 طفل في حرب ليبريا، وفي إحصاء عام 1995 اتضح أن 36 % من أطفال أنجولا قد تم تجنيدهم، أو كانوا في رفقة المحاربين، وهناك من يعتبر أن جيش الرب LRA اليوغندى يكاد يتكون من الجنود الأطفال في معظمه، وخلال حرب دامت عشر سنوات ضد الحكومة اليوغندية قام هذا الجيش بتجنيد 12.0000 طفل بعد أن تعرضوا للخطف من ذويهم، وبعضهم لم يتجاوز الخامسة من العمر.
في الشرق الأوسط وآسيا عرفت أيضاً ظاهرة الأطفال الجنود، وبخاصة ضمن قوات طالبان في أفغانستان، كما سادت هذه الظاهرة أيضاً لاووس، الفلبين، كمبوديا، كشمير، وبينهم حوالي 10.000 طفل في ميا نمار، وفي إحصاء لهيئة الأمم المتحدة فإن حوالي 300.000 طفل يقاتلون ضمن وحدات قتالية، وتستخدم 50 دولة الأطفال ضمن قواتها المسلحة غير عابئة بمخالفتها للقانون الدولي.
 
الظاهرة الجديدة في مجال تجنيد الأطفال للقتال عدم الاكتفاء بالذكور منهم، بل العمل على تجنيد الفتيات، وقد اتضح أن نسبتهم قد ارتفعت بتجنيدهم في أكثر من 30 % من المليشيات، وبخاصة من قبل التاميل الذين يقاتلون في سيريلانكا منذ الثمانينات، وقد عمدت هذه المقاومة لتشكيل لواء الأطفال Baby Brigade ممن يبلغون السادسة عشر من العمر أو أقل قليلاً، ونصف هؤلاء عادة من الفتيات اللائي لا يلفتن النظر، فيعمدن لتفجير أنفسهن بعد التسلل لمكامن العدو، خاصة وأنهن عادة لا يخضعن للتفتيش، إن تجنيد الأطفال يشكل ظاهرة خطيرة لا تلقى العناية الكافية من المجتمع الدولي، وقد بدأت تنتشر أكثر عن ذي قبل، ومن الملاحظ أن هؤلاء الأطفال لم يتعدوا بعد مرحلة الشباب، إذ أن معظمهم من صغار الأطفال، من القصر.
 
وتشير الاحصائيات إلى ما يلي:
• 70 % من الصراعات الحالية أو التي انتهت مؤخراً استخدمت أطفالاً كمقاتلين ضمن صفوفها.
• 80 % من بين هذه الصراعات استخدمت أطفال دون الخامسة عشر من العمر.
• 40 % من المنظمات المقاتلة (أي 77 من 129 ) تستخدم الأطفال كجنود.
• 23 % من المنظمات المسلحة في العالم (ومجموعها 84) تقوم بتجنيد أطفال دون الخامسة عشر للمشاركة في القتال.
• 18 % من هذه المنظمات تجند من هم دون 12 سنة هذا ورغم أن العدد المقدر بحوالي 300.000 طفل مقاتل في العالم إلا أنهم يشكلون جزءاً كبيراً من المقاتلين، إذ أن حوالي 10 % من المقاتلين في جيوش العالم من الأطفال.
 
أسباب الظاهرة
إن تجنيد واستخدام الأطفال كجنود محظور عالمياً، وهناك عدد من الاتفاقيات الدولية تحظر تجنيدهم، ولكن هذه الاتفاقيات والمواثيق الدولية لا تجد استجابة، وينتشر تجنيد الأطفال مما يستدعى تفهم هذه الظاهرة من قبل الجيوش المحترفة، وتعزى أسباب الظاهرة إلى عدد من العوامل لعل أهمها ثلاثة عناصر تتمثل فيما يلي:
• الحروب والفقر والأمراض تتيح الفرص لتجنيد الأطفال.
• تطوير جيوش صغيرة العدد يستدعى قيادتها لتجنيد الأطفال.
• تجنيد الأطفال أقل تكلفة بالنسبة لبعض الدول ذات الاقتصاديات المتدنية، وتفاصيل هذه العناصر يمكن اجمالها فيما يلي:
– الجيل المفقود
عدد كبير من الأطفال في العالم يجدون أنفسهم في حالة يصعب تصورها، إذ أن هناك حوالي 1.3 بليون شخص يعيشون في فقر مدقع، وحوالي بليون يجدون أنفسهم بلا مأوى، ومعظم المشاكل الاجتماعية لهؤلاء تقع على عاتق الصغار، وأكثرهم لا يحظون بالتعليم، ويعانون من سوء التغذية والإهمال، يضاف لهؤلاء اليتامى الذين خلفتهم الحروب وأصبحوا بلا معيل، ومع  احتمال ارتفاع نسبة سكان الكرة الأرضية إلى 9 بلايين نسمة بعام 2025 فإن المسألة ستزداد سوءاً.
إن الجنود الأطفال هم بعض حصاد هذه الكوارث والأوبئة والمجاعات، ويتم تجنيد الأطفال عادة من أطفال الشوارع، ومن القرويين الفقراء واللاجئين، ومن يتطوع منهم تلقائياً يضطر  لذلك بسبب الدعاية أو الفقر، ومن الأمور المقلقة انتشار مرض الأيدز وبخاصة في أفريقيا، إذ تشير الإحصاءات إلى أن 70 % من المصابين بهذا الداء القاتل في أفريقيا، وقد توفى منهم مليونا مريض العام الماضي، مما خلف مزيداً من اليتامى، ومن العوامل الأخرى لانتشار الظاهرة انتشار الأسلحة الخفيفة (من البنادق والقنابل اليدوية والرشاشات، والألغام، وكل ما يمكن أن يحمله الأطفال) وهذه هي الأسلحة المستعملة في الصراعات، وينتج عنها 80 % إلى 90 % من الإصابات وتطور هذا النوع من الأسلحة تقنياً بحيث يسهل استخدامها يحول الأطفال إلى أسلحة فتاكة، وكما هو معروف فإن الأسلحة ظلت لسنوات طويلة تحتاج للتدريب الطويل والخبرة وقوة من يحملها، ولهذا تم استبعاد الأطفال تلقائياً من استخدام أسلحة لا يجيد استخدامها إلا الكبار، بل وحتى إلى ما قبل عشر سنوات كانت الأسلحة أثقل من أن يحملها أطفال، إلا أن التطور في صناعة الأسلحة واستخدام البلاستيك جعل الأسلحة الأوتوماتيكية خفيفة الحمل سهلة الاستعمال بحيث يستخدمها الصغار تماماً كما يستخدمها الكبار، بل وصل التطوير في الأسلحة إلى حد إمكانية فكها وجمعها وإطلاقها من قبل الأطفال دون العاشرة من العمر، ولم يعد التدريب يحتاج لأكثر من ساعات معدودة، وأصبح الطفل من الجنسين قادراً على استيعابها وإطلاقها لقتل الآخرين، وزادت قوة التدمير والفتك، وأصبحت البنادق الهجومية الحديثة تمنح مجموعة صغيرة من الأطفال قوة تعادل قوة نيران فصيلة من فصائل نابليون.
وبتطور الأسلحة من حيث سهولة استخدامها وقوة نيرانها قل بالمثل سعرها، ونتيجة للحرب الباردة التي شهدها العالم يقدر عدد قطع الأسلحة المتنقلة عبر دول العالم بحوالي 250 مليون قطعة سلاح، مما جعل السلاح أقل تكلفة ويسهل الحصول عليه، وكمثال فإن الرشاش من نوع AK – 47 يباع في يوغندا بما يعادل سعر دجاجة، أما في كينيا فهو أغلى ثمناً إذ يعادل ثمنه سعر شاة.
 
جيوش من الأطفال
أصبح من السهل اليوم تحويل الأطفال إلى جنود، وقد تغيرت طبيعة الصراعات المسلحة، واعتبرت بعض الجهات أن الأطفال يمكن تحولهم إلى دروع بشرية، وهم الأقل تكلفة في تشكيل الجيوش، وحين يقل عدد الجنود في بعض الجيوش تلجأ لاستخدام الأطفال لسد الجهات أن الأطفال يمكن تحولهم إلى دروع بشرية، وهم الأقل تكلفة في تشكيل الجيوش، وحين يقل عدد الجنود في بعض الجيوش تلجأ لاستخدام الأطفال لسد النقص، ويحدث هذا عادة في حالة زيادة الاصابات بين الجنود، أو بسبب الأوبئة، وأحياناً لعدم استجابة الكبار لمنظمات لا يؤمنون بضرورة الانضمام لها، كما وأن بعض الجيوش ذات التوجه الديني أو الطائفي تستخدم الأطفال وتحولهم بعد التدريب إلى جيش، وكمثال لذلك جيش تشارلز تايلور في ليبريا الذي استطاع في التسعينات من القرن الماضي تحويل 150 جندياً من الهواة إلى جيش مسلح بأسلحة خفيفة، واستطاع بهذا الجيش من الهواة والأطفال أن يصل إلى الحكم.
 
تدريب الأطفال
تدل بعض الدراسات أن تجنيد الأطفال يأتي نتيجة لخطفهم ومن ثم تدريبهم، ويتم الاختيار بناءاً على بيئة الطفل وقابليته للعمل كجندي، وقد يتم قتل الصغار 
لتخويف الأكبر سناً للانضمام للقوة، وبعض الأطفال يلتحقون بهذه القوات من تلقاء أنفسهم لأسباب اقتصادية، إذ أن من المعروف أن الفقر والأوبئة حصيلة المناطق التي يسود فيها الصراع المسلح، ويجد هؤلاء الأطفال في التجنيد المأوى والمأكل، كما قد تضطر الأسرة لتشجيعهم على الالتحاق لتخفف عبء المعيشة على الآخرين من صغارها، كما أن وجود الأطفال في مناطق يسودها العنف قد يدفعهم للالتحاق بمن يضع في أيديهم سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم وذويهم، وأحياناً يلتحقون وفي أذهانهم الأخذ بالثأر لمن أساءوا لأسرهم، وقد تغريهم الدعاية.
إن تدريب الأطفال يكون الخطوة الأولى التي تجعلهم يعتمدون كلياً على من قاموا بالتدريب، كما يدفعهم الخوف من المجهول إلى الانضمام لقوة لا يعرفون أي شيء عن توجهها، وبمجرد انضمامهم للقوة فإنهم يخضعون للانضباط من خلال العنف بحيث يتحولون لجنود، وينصاعون للقادة، وذلك بإجبارهم على ممارسة القتل كأن يأمروهم بقتل عدد من الأسرى، بل وأحياناً ممارسة قتل الأقارب والجيران لإثبات إلتزامهم، ومن يتردد يتحول إلى ضحية، وبهذه الطريقة يتعرض لأسوأ اختبار يمكن أن يتعرض له طفل.
 
هذا ويتم تجنيد الأطفال لأغراض عسكرية، ولهذا يتم سريعاً إشراكهم في القتال، ويسبق ذلك إعدادهم بتدريبهم على استخدام الأسلحة من حيث كيفية إطلاق النار وتنظيف السلاح، وزرع الألغام، وإعداد كمين للعدو، وتكون فترة التدريب عادة من يوم إلى أربعة أشهر، والمهم أن يعرف كيف يقتل، وقد يقوم بتدريبهم أطفال آخرون، وبمجرد إنتهاء التدريب يساقون لميدان المعركة على دفعات تتفاوت بين 30 و 40 شخصاً لكل مجموعة تحت قيادة راشدين، ويتم وضعهم في مجموعات متقاربة من حيث العمر، وتظل المجموعة في حراك دائم لتقوم بالغزو، ويهاجمون المدنيين العزل، والوحدات العسكرية الصغيرة الحجم، ولكنهم يحدثون أثراً فعالاً، وتظل مجموعات الأطفال منفصلة عن بقية القوة، ولكن في حالة حروب العصابات يختلطون مع الراشدين من المقاتلين، وفي حالة مواجهة جيش نظامي يدفعون بهم للصفوف الأمامية كدروع بشرية، أو لإرباك جيش العدو الذي قد يتردد في مواجهة أطفال، ورغم أن هؤلاء الصغار يتلقون تدريباً سريعاً إلا أنهم سرعان ما يتحولون لمقاتلين شرسين، ومع خوفهم من قادتهم فإنهم يتحولون إلى قتلة يرغبون في القيام بأخطر الأعمال والمهام، وبحكم السن لا يقدرون خطورة ما يتعرضون له في ميدان المعركة ويندفعون في حماس نحو المجهول، خاصة إذا ما زودوا بالخمور أو المخدرات.
وفي تقرير لأحد المراقبين في سيراليون، أن الجنود الأطفال يشكلون خطورة، وقد ذكر بعض المقاتلين أنهم يخشون الجنود الأطفال أكثر مما يخشون من يكبرونهم سنا، وذلك لأنهم لم يعرفوا بعد معنى أن تظل حياً ترزق، وهم يقدمون على القتال ولا يعرفون الخوف، وخاصة عندما يكونوا تحت تأثير المخدر، فإنهم يعتقدون أن الاندفاع نحو المعركة أشبه باللعب، وتعوض كثرة عددهم عن قلة تدريبهم.
 
الهروب وما يكتنفه من مخاطر
في ديسمبر من عام 1997 قام لواء ليوبارد المكون من الأطفال اليتامى بالإحاطة بحوالي 200 جندي سيرلانكي وأبادوهم عن آخرهم، وقد أثر هذا في نفسية الجيش لأن هذه المجموعة التي قتلت كانت من عصارة الجيش، ومن الغريب في هذه الظاهرة أن كثيراً من الأطفال بعد أن ينسجموا مع العمل العسكري لا يبارحونه خاصة وأن بعضهم يدمن المخدرات، كما أن بعضهم يرتبط مع رفاقهم بنوع من الزمالة، يضاف لهذا عامل الخوف لأن الهروب من القوة يعني الموت إذا ما فشلت خطة الهروب، ومن يهرب ثم يقبض عليه عادة ما يعدم بإطلاق النار عليه.
رغم المخاطر التي يتعرض لها من يهرب من المجموعة أو الجيش فإن عدداً من الأطفال يهرب أثناء القتال، أو حين يجد الفرصة مواتية ويكون السبب عادة الحنين للأهل أو بسبب الخوف مما يتعرضون له، أو الملل مما يقومون به. إن كثيراً من الجيوش تستخدم الأطفال كوسيلة لتأخير الهزيمة بتوفير مساحة من الوقت ليجري خلالها إعداد الجيش النظامي، وكمثال استخدم الأثيوبيون هذا التكتيك في مواجهة القوات الأرتيرية عام 1998 .
 
إنهم يخلقون الفوضى
إن وجود الأطفال في قلب المعركة يضيف إلى فوضى الحرب فوضى أخرى، مما يجعل نسبة الضحايا أكبر، فبينما تلجأ بعض المجموعات لاستخدام القتل، والاغتصاب والتعذيب جزءاً من التكتيك لزرع الخوف في قلوب الأعداء، فإن استخدام الأطفال كجنود يجعل هذه المخالفات جزءاً من الصراع، ويعتبر أسلوب تجنيد الأطفال مخالفاً  لقوانين الحرب، وتشجع هذه المجموعات الأطفال لقتل جرحى العدو والأسرى، ويتأثر المدنيون كثيراً وهم يتعرضون للقتل من قبل  هؤلاء الأطفال، وقد اتضح أن وجود الأطفال أثناء القتال يزيد من عدد الإصابات بين مقاتلي العدو وبين الأطفال أنفسهم، ويتعمد القادة استخدامهم في المقدمة ليبقوا هم في الأمان، وليكتشفوا الألغام، كما يستخدمون في المهام الانتحارية، وكدروع بشرية، وقد ارتفعت نسبة الذين يلقون حتفهم منهم، وكمثال فإن 06 %من الذين قتلوا منذ عام 1995 كانوا من الأطفال دون 16 سنة و 20 %منهم من الفتيات.
 
محنة المواجهة
يجد الجنود أنفسهم في حيرة حين يواجهون جنوداً من الأطفال، وحين يضطرون لقتلهم يحسون بتأنيب الضمير، ولهذا يسعى بعض المراقبين لإقناع الجنود المقاتلين بمحاولة تجنب العنف، والعمل على تشجيع الأطفال على مغادرة قواتهم، ووضع برامج لتقديم العون للأطفال، وتوفير احتياجاتهم مثل تقديم الطعام والملابس والملجأ لهم مع العمل لإلحاقهم بأسرهم، إضافة إلى التعاون مع جمعيات الإغاثة، واستقبال الهاربين من نيران الحروب وإقامة المعسكرات لإيوائهم، ولكن الاستجابة لدعوات المراقبين ما تزال محدودة، وما يزال المحللين السياسيين والعسكريين يدرسون الظاهرة، والحكومات لا توليها العناية اللازمة، والدول التي تقاتل جيوشها جيوشاً نظامية وغير نظامية ومجموعات إرهابية تتساءل عن كيفية العمل في مواجهة هذه الظاهرة: ظاهرة انتشار الجنود الأطفال.
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره