مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-07-01

الحرب‭ ‬الرّوسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وعودة‭ ‬القوّة‭ ‬الخشنة

مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تباشرها‭ ‬روسيا‭ ‬داخل‭ ‬العمق‭ ‬الأوكراني،‭ ‬تتناسل‭ ‬الأسئلة‭ ‬تباعا،‭ ‬بصدد‭ ‬الدوافع‭ ‬الحقيقية‭ ‬والخلفيات‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬السلوك‭ ‬الروسي،‭ ‬وكذا‭ ‬مستقبل‭ ‬هذه‭ ‬العمليات،‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬فالأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بحرب‭ ‬تطرح‭ ‬إشكالات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬مستويات،‭ ‬ترهن‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل،‭ ‬وبخاصة‭ ‬وأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بمواجهة‭ ‬تجري‭ ‬داخل‭ ‬المجال‭ ‬الإقليمي‭ ‬الأوربي‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬حروبا‭ ‬عسكرية‭ ‬تاريخية‭ ‬طاحنة‭ ‬غيرت‭ ‬ملامح‭ ‬الخريطة‭ ‬السياسية‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭.‬
 
 
بقلم‭: ‬أ‭. ‬د‭. ‬أدريس‭ ‬لكريني
 
 
ورغم‭ ‬وجود‭ ‬طرفين‭ ‬عسكريين‭ ‬أساسيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النزاع‭ ‬المسلح،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بصراع‭ ‬استراتيجي‭ ‬كبير،‭ ‬تحاول‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬تحقيق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المكتسبات‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إرساء‭ ‬موازين‭ ‬قوى‭ ‬تضمن‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬الأطراف‭.‬
وفي‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالات،‭ ‬سنحاول‭ ‬رصد‭ ‬مستقبل‭ ‬القوة‭ ‬الخشنة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬تطور‭ ‬العمليات‭ ‬التي‭ ‬تباشرها‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الكبرى‭.‬
 
 
‭ -1 ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وميزان‭ ‬القانون‭ ‬الدولي
كان‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬قبل‭ ‬إحداث‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أمرا‭ ‬مألوفا،‭ ‬رغم‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الحد‭ ‬منها،‭ ‬وقد‭ ‬مثل‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬بمثابة‭ ‬جرس‭ ‬إنذار‭ ‬للإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الخسائر‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬خلفتها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الضحايا‭ ‬والبيئة‭ ‬والمعمار‭.. ‬وبخاصة‭ ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬استخدام‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬اليابانية‭. ‬ولذلك‭ ‬حرصت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬على‭ ‬أنقاض‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم‭ ‬على‭ ‬إرساء‭ ‬مبادئ‭ ‬أساسية‭ ‬تدعم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬القاسية‭ ‬الماضية،‭ ‬وتحول‭ ‬دون‭ ‬تكرار‭ ‬المآسي‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬في‭ ‬ميثاقها‭ ‬على‭ ‬تحريم‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬التهديد‭ ‬باستخدامها،‭ ‬كما‭ ‬نصت‭ ‬فيه‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬التدخّل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول،‭ ‬ودعت‭ ‬إلى‭ ‬تسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي‭..  ‬
 
 
‭ ‬ظل‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬قائما‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬وإن‭ ‬بشكل‭ ‬أقل‭ ‬حدة‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الوضع‭ ‬قبل‭ ‬إحداث‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬ظروف‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬بروز‭ ‬منازعات‭ ‬مسلحة‭ ‬بالوكالة،‭ ‬وتصاعد‭ ‬في‭ ‬حدّة‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬التسلح،‭ ‬فيما‭ ‬انتقل‭ ‬الصراع‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬المعني‭ ‬بحفظ‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين،‭ ‬ما‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬شلّه‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عدة‭ ‬عقود‭.‬
 
 
ورغم‭ ‬انهيار‭ ‬جدار‭ ‬برلين‭ ‬وانتهاء‭ ‬الصراع‭ ‬الإديولوجي،‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬فقد‭ ‬تدخلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ (‬عام‭ ‬2001‭) ‬وفي‭ ‬العراق‭ (‬عام‭ ‬2003‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬فرضت‭ ‬حصارا‭ ‬على‭ ‬ليبيا‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬قضية‭ ‬لوكربي،‭ ‬وآخر‭ ‬على‭ ‬السودان‭ ‬بذرائع‭ ‬مختلفة،‭ ‬وقد‭ ‬تأكد‭ ‬مع‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تباشرها‭ ‬روسيا‭ ‬داخل‭ ‬العمق‭ ‬الأوكراني،‭ ‬أن‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬القانون؛‭ ‬وبخاصة‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بمواجهة‭ ‬الدول‭ ‬الضعيفة،‭ ‬وقانون‭ ‬القوة‭ ‬الذي‭ ‬تباشره‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬بذرائع‭ ‬وتكييفات‭ ‬مختلفة،‭ ‬تستغل‭ ‬فيها‭ ‬غموض‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وعدم‭ ‬مواكبته‭ ‬للتطورات‭ ‬المتسارعة‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬الواقع‭ ‬الدولي‭.‬
 
 
2 - ‬خلفيات‭ ‬التدخّل‭ ‬وسياقاته
حاولت‭ ‬روسيا‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تدخلها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أن‭ ‬تبعث‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإشارات،‭ ‬مفادها‭ ‬أنها‭ ‬دخلت‭ ‬المعركة‭ ‬مكرهة‭ ‬وتحت‭ ‬ضغط‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السلوكات‭ ‬المرتكبة‭ ‬جانب‭ ‬كييف،‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرتها‭ ‬تمثل‭ ‬تهديدا‭ ‬لأمنها‭ ‬القومي،‭ ‬فالأمر‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬موسكو،‭ ‬يتعلق‭ ‬بعملية‭ ‬عسكرية‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬الداعمة‭ ‬لتأمين‭ ‬حدودها‭ ‬ومصالحها‭ ‬الحيوية‭.‬
ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬تحاول‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬تبرز‭ ‬بمظهر‭ ‬المدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬إزار‭ ‬التحركات‭ ‬التي‭ ‬باشرتها‭ ‬السلطات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التقارب‭ ‬مع‭ ‬الغرب،‭ ‬والإسراع‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يتمدد‭ ‬داخل‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬بل‭ ‬وداخل‭ ‬وحتى‭ ‬داخل‭ ‬الدول‭ ‬المستقلة‭ ‬عن‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬سابقا‭.‬
 
 
ظلت‭ ‬روسيا‭ ‬تتابع‭ ‬تحركات‭ ‬الحلف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يختف‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬غريمه‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬كما‭ ‬ظلت‭ ‬تراقب‭ ‬التوجهات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬منذ‭ ‬الثورة‭ ‬البرتقالية‭ ‬لعام‭ ‬2004‭ ‬والمساعدات‭ ‬السخية‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭ ‬من‭ ‬الغرب،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬انشغالها‭ ‬بالإشكالات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬ورثتها‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬المعسكر‭ ‬الشرقي‭ ‬جعلتها‭ ‬تتلقى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬والإهانات‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬تجاري‭ ‬السلوكات‭ ‬الغربية‭ ‬والأمريكية‭ ‬بصدد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭.‬
 
 
تشكل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بمثابة‭ ‬خلفية‭ ‬استراتيجية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لروسيا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الجوار‭ ‬والإمكانات‭ ‬والعلاقات‭ ‬التاريخية‭ ‬والحضارية،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬تدخلها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬مصيدة‭ ‬غربية‭ ‬تستهدف‭ ‬استنزافها،‭ ‬بل‭ ‬تحركا‭ ‬مدروسا‭ ‬يجد‭ ‬أساسه‭ ‬في‭ ‬المبررات‭ ‬التي‭ ‬تسوقها‭ ‬بشأن‭ ‬حماية‭ ‬حدودها،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬العمليات،‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬حقيقة‭ ‬أهداف‭ ‬هذه‭ ‬العمليات،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بعملية‭ ‬محدودة‭ ‬تحيل‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬الحياد‭ ‬الأوكراني،‭ ‬وتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬والعسكرية‭ ‬بالبلاد،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬يتجاوز‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬استرجاع‭ ‬أمجاد‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفييتي‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬السابق‭.‬
 
 
3- ‬الانعكاسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للحرب
لا‭ ‬أحد‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬سيحدث‭ ‬انعكاسات‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العولمة‭ ‬والتطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬وتشابك‭ ‬المصالح‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية‭.‬
ويشير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الجارية،‭ ‬هي‭ ‬مؤشر‭ ‬على‭ ‬بداية‭ ‬خلخلة‭ ‬ركائز‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬القائم،‭ ‬بإرساء‭ ‬موازين‭ ‬قوى‭ ‬جديدة،‭ ‬قد‭ ‬تلعب‭ ‬فيها‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬أدوار‭ ‬طلائعية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تظل‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المستفيدين‭ ‬مما‭ ‬يحدث،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬تجري‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ترابها‭. ‬
 
 
وأخذا‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬تدور‭ ‬داخل‭ ‬القارة‭ ‬الأوربية،‭ ‬فقد‭ ‬وجدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬وضع‭ ‬صعب‭ ‬يفرض‭ ‬التمترس‭ ‬خلف‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬حيث‭ ‬بادرت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬كالسويد‭ ‬وفنلندا‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬الانضمام‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وهوما‭ ‬يحيل‭ ‬إلى‭ ‬إمكانية‭ ‬حدوث‭ ‬شرخ‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الأمني‭ ‬الأوربي،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬توجه‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬كألمانيا‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬إمكانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التسلح‭.‬
وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الفلاحية‭ ‬كالحبوب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬انعكس‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬فيما‭ ‬بدأت‭ ‬التحذيرات‭ ‬تتعالى‭ ‬بشأن‭ ‬تهديدات‭ ‬حقيقية‭ ‬ستطال‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العالمي‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬وعدم‭ ‬وضع‭ ‬حدّ‭ ‬للنزاع‭ ‬القائم‭. ‬
 
 
وأمام‭ ‬النزوحات‭ ‬البشرية‭ ‬المكثفة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬جد‭ ‬مقلقة‭ ‬خلال‭ ‬وقت‭ ‬وجيز‭ ‬تذكر‭ ‬بظروف‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تزايدت‭ ‬المخاوف‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬فيما‭ ‬حذر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬ملاذا‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬المرتبكة،‭ ‬واتساع‭ ‬المساحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬للبلاد،‭ ‬للاستقرار‭ ‬ولتجنيد‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬لأمن‭ ‬أوروبا‭.‬‭ ‬
 
 
4 - عودة‭ ‬القوة‭ ‬الخشنة‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة
بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬من‭ ‬الترويج‭ ‬لأهمية‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬بروافدها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والإعلامية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والدينية‭..‬،‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬النزاعات‭ ‬وتحقيق‭ ‬المصالح،‭ ‬أعادت‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬البريق‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬الخشنة‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭.. ‬فقد‭ ‬اختارت‭ ‬روسيا‭ ‬حسم‭ ‬المعركة‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فيما‭ ‬اختارت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬جانبها‭ ‬أيضا‭ ‬توجيه‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬هام‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لمساعدتها‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬روسيا‭ ‬لأهدافها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬كما‭ ‬فرضت‭ ‬عقوبات‭ ‬‮«‬ذكية‮»‬‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬تراوحت‭ ‬بين‭ ‬تدابير‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجارية،‭ ‬وتجميد‭ ‬للأموال‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وتخفيض‭ ‬للبعثات‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬كسبيل‭ ‬لدفعها‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬وهي‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعط‭ ‬أكلها‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬نقاط‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬يملكها‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي،‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬تموقعه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬داخل‭ ‬التراب‭ ‬الأوكراني،‭ ‬وامتلاكه‭ ‬للسلاح‭ ‬النووي،‭ ‬واستئثاره‭ ‬بمقعد‭ ‬دائم‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬وإمكانية‭ ‬توظيف‭ ‬حق‭ ‬الفيتو‭ ‬لمنع‭ ‬صدور‭ ‬أية‭ ‬قرارات‭ ‬تدينه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬امتلاكه‭ ‬لسلاح‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬محيطه‭ ‬الأوروبي‭.‬
 
 
إن‭ ‬هذه‭ ‬العمليات‭ ‬تجسّد‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬خلفياتها‭ ‬ومراميها،‭ ‬فهي‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬المدرسة‭ ‬الواقعية‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬القوة‭ ‬والسلطة؛‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وأحداثها؛‭ ‬الوهج‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬مع‭ ‬عودة‭ ‬السباق‭ ‬نحو‭ ‬التسلّح‭ ‬وانتعاش‭ ‬سياسة‭ ‬الأحلاف‭ ‬وإعادة‭ ‬التموقعات،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تبرز‭ ‬هشاشة‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬كآلية‭ ‬لتدبير‭ ‬الأزمات‭ ‬وتحقيق‭ ‬المصالح‭.‬
 
 
‭ ‬والواقع‭ ‬أن‭ ‬التساهل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المرتبط‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬تسوية‭ ‬المنازعات،‭ ‬سيمثل‭ ‬سابقة‭ ‬تنضاف‭ ‬إلى‭ ‬التدخلات‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬قد‭ ‬تشجع‭ ‬دولا‭ ‬أخرى‭ ‬للإقبال‭ ‬على‭ ‬توظيف‭ ‬القوة‭ ‬كأسلوب‭ ‬في‭ ‬حسم‭ ‬الخلافات‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأهداف،‭ ‬بما‭ ‬سيؤدى‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات،‭ ‬وتكريس‭ ‬فوضى‭ ‬دولية،‭ ‬قد‭ ‬تنعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬مصداقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬انهيار‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام‭ ‬برمته،‭ ‬بما‭ ‬سيشجع‭ ‬دولا‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬النهج‭.‬
 
 
‭ ‬وأمام‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبح‭ ‬العالم‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬الآليات‭ ‬الدولية‭ ‬التقليدية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬والنزاعات،‭ ‬وإلى‭ ‬تطوير‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬للتطورات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬مفهوم‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين،‭ ‬ثم‭ ‬إصلاح‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وديمقرطة‭ ‬عملها‭. ‬
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-05-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره