مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-08-01

الرابع من سبتمبر ودوره في تعزيز عناصر قوة الدولة الشاملة

تتكون أي دولة من حيث المنظور العام ووفقاً لتعريف القانون الدولي لسيادة الدول (Sovereignty) من ثلاثة عناصر رئيسية هي: الأرض، والشعب، والحكومة. تشتمل هذه العناصر الثلاثة على عناصر أخرى مضمنة، تشكل في مجملها عناصر القوة الوطنية (الشاملة) لأية دولة (Elements of National power). 
 
بقلم : 
العقيد ركن بحري طيار
محمد الكعبي
كلية الدفاع الوطني
 
فالموقع الجغرافي للدولة ومساحتها (العمق الاستراتيجي)، والموارد الاقتصادية، والموارد الطبيعية المتوفرة، وعدد السكان، وتوزيعهم على الأقاليم، والمدن، والأرياف، والتنوع العرقي والديني، والمستوى الثقافي والتحضر، والقدرة العسكرية والبنية التكنولوجية، كلها تشكل عناصر ضمان استقرار النظام السياسي، وتعبر عن مدى كفاءته في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية، ومدى تلاحم الشعب بالحكومة، والروح المعنوية للشعب وغيرها.
و لابد لهذه العناصر أن تكون متماسكة ومتوازنة ومترابطة ترابطاً وثيقاً، تمكن الدولة من ممارسة سلطتها على أرضها وحماية مواردها الوطنية، وتوفير الأمن والحياة الكريمة والازدهار لشعبها.
 
السيادة الوطنية
فالانتماء الوطني الحقيقي يتشكل من الالتفاف حول القيادة، والارتباط بالأرض، ومن اهتمام القيادة وحرصها، والارتباط بالأرض، ومن هنا تتشكل الحاكمية الرشيدة لحفظ الأرض والرعية، وضمان عنصر البقاء ذاتياً، وبالتالي تتشكل السيادة الوطنية بمختلف تجلياتها المحلية والإقليمية و الدولية. لذا فإن وجود أي خلل في تركيبة أحد هذه العناصر الثلاثة سيؤدي حتماً إلى فشل الدولة وانهيارها، فمن البديهي مثلاً أن يؤدي وجود عنصري الأرض والشعب مع غياب حكومة فعالة إلى انتشار الفوضى وخلق بيئة جاذبة للمنظمات الإرهابية والمتطرفة والتدخلات الأجنبية، وسيادة نظام الغاب حيث يأكل القوي الضعيف، وهذا ما تشهده – للأسف- العديد من الدول التي تعد ضمن الدول الفاشلة وفقاً للمؤشرات المستخدمة في هذا المجال. 
 
استناداً لما ذكر سابقاً، تنقسم عناصر قوى الدولة الوطنية إلى نوعين :
عناصر القوة المادية (المحسوسة): ومنها القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية والسياسية، والكتلة الحيوية، والتقدم التكنولوجي (+DIME ).
عناصر القوة المعنوية: ومنها الروح المعنوية للشعب، و الإرادة الوطنية للدولة، والقيم، والقدرات الثقافية، والإعلامية، والسياسية .
 
الروح المعنوية
أما الروح المعنوية فقد كانت على مدى العصور سبباً جوهرياً في تحقيق الانتصارات في المعارك، والتاريخ الإسلامي أكبر شاهد على ذلك، وتعد الروح المعنوية أيضاً مبداً رئيساً من مبادئ الحرب، نظراً لما لهذا المبدأ من أهمية قصوى في إذكاء روح التضحية والفداء عند الجيوش، حيث قال القائد (مونتجمري) عن الروح المعنوية « أن أعظم عامل من العوامل المؤدية إلى تحقيق النجاح هو روح المقاتل، إنه لأمر هام وجوهري أن يفهم المرء أن المعارك إنما تكتسب أولاً وقبل كل شي في قلوب الرجال «. 
 
ستناقش هذه الورقة أثر يوم الرابع من سبتمبر في تعزيز عناصر القوة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، والرابع من سبتمبر هو اليوم الذي حمل في طياته الكثير من الألم والكثير من الفخر أيضاً، فالانتصارات الكبرى ثمنها عادة بحجم أولئك الذين يضحون بدمائهم لنصرة وحماية الأمة.
 
المفجع في الخبر أننا فقدنا خمسة وأربعين بطلاً من جنود قواتنا المسلحة البواسل الذين نالوا شرف الشهادة، ورووا أرض منبت العرب ومنبعهم بدمائهم الزكية المعطرة بالوفاء لوطنهم وأمتهم، فكان هذا اليوم عنواناً للشهادة والتضحية والفخر بحجم الألم على مفارقتهم لنا إلى الرفيق الأعلى، ونحسبهم عند الله من الصديقين والصالحين والشهداء. 
 
إننا نملك رؤية مخالفة للمفهوم الغربي السائد لدى بعض الدول الغربية ذات النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي والتكنولوجي المؤثر على النظام العالمي، التي تذهب للحروب عندما يكون الربح المتوقع أكبر من الخسائر المتوقعة (Nations go to war when they expected gains are greater than the expected losses)  ، و يدل على ذلك كافة الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط بعد أحداث 9/11، إننا نملك رؤية مختلفة تماماً من الناحية العقائدية والجوهرية عن من يؤمنون بهذا المفهوم، فالتحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن هو ردع للتدخل الفارسي الغاشم، ولجماً لمطامعهم، فقد جاء هذا التدخل بعد استنفاذ جميع الوسائل السلمية والدبلوماسية والسياسية، وبعد خروقات واضحة لسيادة الدول والأعراف الدولية، ومواثيق الأمم المتحدة، وحسن الجوار في ظل صمت وتجاهل كبير من المجتمع الدولي.
 
لقد اتسمت السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة منذ قيام الإتحاد في عام 1971 بالحكمة والاعتدال والتوازن، ومساعدة المحتاج ومناصرة الحق والعدالة، متبنية أسس الحوار والتفاهم، محترمة جميع المواثيق الدولية، ملتزمة بميثاق الأمم المتحدة، واحترام قواعد حسن الجوار، وسيادة الدول ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، من هذا المنطلق جاءت مشاركة دول الإمارات العربية المتحدة في اليمن ضمن عملية « عاصفة الحزم « التي تقودها المملكة العربية السعودية، وذلك استجابة لطلب الحكومة اليمنية بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن الشقيق .
 
لقد كان مفهوم الشهادة في الدولة قبل الرابع من سبتمبر من عام 2015 مقتصراً على المفهوم العام لمعنى الشهادة في الإسلام، أي ما تم ذكره في القرآن الكريم، وما تم تلقيه من خلال التعليم في المدارس والكليات والجامعات، أما من الناحية التطبيقية، فلم يتجاوز هذا المفهوم سوى بعض التضحيات التي كان أغلبها فردية، حيث ضحى العديد من أبناء الدولة بأرواحهم من أجل الوطن منذ قيام الإتحاد.
 
 بداية التضحيات
وفي الثلاثين من نوفمبر عام 1971 بدأت التضحيات عندما استشهد سهيل خميس بن زعيل، وروى بدمه أرض جزيرة طنب الكبرى دفاعاً عنها، مدشناً تاريخ البطولة لأبناء الإمارات مروراً بمحطات الشهادة والتضحية على مساحة الوطن والوطن العربي، دفاعاً عن قضايا الأمة إلى أن جاءت كوكبة شهداء الرابع من سبتمبر، الأمر الأكثر وجعاً، والذي فجع المجتمع الإماراتي بكل أطيافه، وبنفس الوقت كان وقعه كبير على الحكومة. 
 
توالت التضحيات والشهادات في أرض المعركة في اليمن، بعد أن جسد جنود الإمارات ملاحم بطولية في ميادين الرجولة، ستبقى راسخة لدى الشعب اليمني وأرضه التي تشهد بذلك، بعد أن ارتوت بدمائهم الطاهرة، ووقف الشعب والحكومة وقفة واحدة سيخلدها التاريخ على مدى العصور القادمة، وتلاحم عنصران هامان من عناصر مكونات الدولة هما: الشعب والحكومة على أرض هذا الوطن.
 
ولم يكن وقع توالي التضحيات كما كان الأمر في أول مرة، لأن ثقافة مفهوم الشهادة بدأ يتطور ويتعمق تدريجياً لدى الجميع شعباً وحكومة، حتى بدأ المصابون من الجنود يطالبون بالعودة إلى أرض المعركة قبل أن تلتئم جراحهم، وراحت الأمهات تحث أخوة الشهداء (فلذات أكبادها) لنيل شرف الشهادة، بينما في بعض الدول الأخرى تخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين للمطالبة بعودة جنودهم من الحروب، ولعل ذلك دليلاً قاطعاً على أن الروح المعنوية التي تعتبر أحد أهم عناصر قوى الدولة الشاملة بدأت في الارتفاع مع تطور مفهوم الشهادة، و بالتالي عندما يكون هذا العنصر مرتفعاً فإن محصلة جميع عناصر قوى الدولة الشاملة ستكون قوية ومرتفعة. 
 
لقد ذاقت الأجيال السابقة قبل ظهور النفط طعم المرارة، والمعاناة والحياة الصعبة، وتحملت المعاناة والصراع من أجل البقاء، أما نحن أبناء هذا الجيل في عصر التطور والنهضة فقد عشنا حياة رغيدة في ظل هذا التقدم المشهود في الدولة، لذا فإننا بحاجة إلى تعزيز التواصل الايجابي الفعال مع الأجيال السابقة، إذ أن تجربة الشعور بالحرمان والأسى والمعاناة في الماضي مثلت تحد استطاع المؤسسون من خلاله بناء مستقبل مشرق، وهم بذلك خير مثال لنا نحن أبناء الرابع من سبتمبر، وبتضحيات الميامين من جنودنا البواسل تعمق مفهوم الشهادة، وتعزز بالفعل الجاد المنتمي، نعم كان يوماً صادماً وموجعاً، لكنه شهادة فخر تاريخية للتلاحم بين القيادة و الشعب، وهو يوم يعد شهادة ميلاد وشرف لكل بيت إماراتي.


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره