مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-06-01

السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن: هل من دورٍ فاعلٍ لحلِّه؟

السؤال الرئيس لهذه المقالة يتعلق بما إذا كان للسياسة الأمريكية تجاه الصراع الدائر في اليمن منذ 2015 دور فاعل في حله، والتشديد واجب على وصف الدور بالفاعل لأن الدور موجود بطبيعة الحال بسبب المكانة العالمية للولايات المتحدة واهتمامها سواء بالمنطقة التي يجري فيها الصراع عامة أو باليمن خاصة، لكن السؤال يبقى مطروحًا حول مدى فاعلية هذا الدور، وهو سؤال تفترض المقالة أن هذه الفاعلية محدودة بسبب تذبذب السياسة الأمريكية، أو ارتباكها وعدم استقرارها، نتيجة مجموعة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية. 
 
أ. د. أحمد يوسف أحمد
 استاذ العلوم السياسية- جامعة القاهرة
 
والحقيقة أن هذه السمات تبدو وكأنها ظاهرة بنيوية في السياسة الخارجية الأمريكية على الأقل تجاه القضايا التي لا تحتل أولوية أولى في جدول أعمال هذه السياسة، فقد شهدت السياسة الأمريكية تجاه الثورة اليمنية في عام 1962 التحولات ذاتها ما بين ولايتي الرئيسين «جون كيندي» و«ليندون جونسون» رغم انتماء كليهما للحزب الديمقراطي، فبينما اعترف «كيندي» بالنظام الجمهوري الذي أسسته الثورة، وسعى إلى فض الاشتباك بين الجمهوريين الذين كانت مصر تساندهم عسكريًّا، والملكيين الذين كانت السعودية تدعمهم، اتبع «جونسون» الذي تولّى الرئاسة بعد اغتيال «كيندي» سياسة مختلفة تمامًا تقوم على تصعيد الدعم للملكيين، واستنزاف القوات المصرية في اليمن، وستحاول هذه المقالة إثبات فرضيتها من خلال عرض محددات السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن أولًا، ثم تطور السياسة الأمريكية تجاه هذا الصراع ثانياً.
 
أولًا: محددات السياسة الأمريكية
جرى العرف على تقسيم هذه المحددات إلى داخلية وخارجية أو محلية وإقليمية وعالمية، ورغم الوعي بهذا التقسيم والالتزام به، فإن تشابك هذه المحددات وتفاعلها وعلاقة التأثير المتبادل بينها تفرض عرضها وتحليلها على نحو متداخل توخيًا للوضوح، والأصل في السياسة الخارجية لأي دولة أنها تنبع من مصالحها، والمصالح الأمريكية المرتبطة بالصراع في اليمن أكثر من واضحة لسبب بسيط وهو أن قوتين إقليميتين بالغتي الأهمية للمصالح الأمريكية منخرطتان في هذا الصراع ناهيك بالأهمية الذاتية لليمن، فأما عن القوتين الإقليميتين فإن السعودية تدعم معسكر الشرعية اليمنية على رأس «التحالف العربي»، بينما تكاد إيران تكون الداعم الوحيد للطرف الآخر في الصراع وهم الحوثيون، والمصالح الأمريكية في كلتا الدولتين حيوية، فمكانة السعودية في إنتاج النفط وتصديره غير خافية، وقد ثبت عبر الزمن أن هذه المكانة تُكسِب السعودية أهمية تتجاوز كل ما قيل عن تراجع الاعتماد الأمريكي على نفط المنطقة لأسباب واضحة، في مقدمتها أن الولايات المتحدة حتى لو استغنت عن نفط المنطقة فإنها تبقى بحاجة إلى أن تكون صاحبة تأثير على كبريات الدول المنتجة له، لأنه عامل بالغ الحيوية في الصراع على القمة الدولية، فالصين تعتمد بشكل رئيس على هذا النفط، كما أن الصراع الذي تفجَّر في أوكرانيا منذ فبراير 2022 أثبت أهمية نفط وغاز المنطقة في معركة العقوبات على روسيا، وبعد النفط تأتي مبيعات السلاح الأمريكية للمنطقة التي استأثرت السعودية والإمارات وحدهما في العقد الثاني من هذا القرن بأكثر من نصف إجمالي صادرات الأسلحة الأمريكية للعالم.
 
ويُضاف إلى النفط ومبيعات الأسلحة محاربة الولايات المتحدة للإرهاب في العالم والمنطقة، وهو الهدف الذي احتلت فيه اليمن مكانة خاصة كدولة ملاذ لتنظيمات إرهابية كتنظيم القاعدة الذي اتخذ من أراضٍ يمنية مسرحًا لأنشطته، ومن هنا كان التعاون الأمريكي مع السلطات اليمنية -كما بدا واضحًا في عهد الرئيس «علي عبد الله صالح»- أساسيًّا لنجاح السياسة الأمريكية لمحاربة الإرهاب، ناهيك بإشراف اليمن على مضيق باب المندب الذي يمر منه يوميًّا قرابة 5 ملايين طن من النفط الخام. أما بخصوص الطرف الإقليمي الآخر في الصراع وهو إيران فلا يخفى الاهتمام الأمريكي بها سواء لشعاراتها المعادية للمصالح الأمريكية، أو لأنشطتها الإقليمية التي تَعدها الولايات المتحدة مزعزعة للاستقرار، أو لموقفها المعادي لإسرائيل ومشروعها النووي الذي لعب دورًا مهمًّا في تطور العلاقات الأمريكية-الإيرانية، واختلف تأثيره ما بين الرئيسين الديمقراطي والجمهوري.
 
غير أن إدراك هذه المصالح شديدة الوضوح تباين عبر الزمن وفقًا لعاملين، أولهما طبيعة النظام السياسي الأمريكي الذي يتداول فيه على الحكم حزبان رئيسان، ناهيك عن دور جماعات المصالح والإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، وقد تداول على الصراع في اليمن منذ تفجره في 2015 ثلاثة رؤساء «باراك أوباما» الذي ينتمي للحزب الديمقراطي، ثم الجمهوري «دونالد ترامب»، فالديمقراطي «جو بايدن» ورغم أن المفترض أن تكون هناك رؤية مشتركة لكيفية تحقيق المصالح الأمريكية، وهو ما تحقق جزئيًّا، لكن التمايز كان واضحًا في قضايا بعينها كما سيتضح بين الرئيسيْن الديمقراطييْن والرئيس الجمهوري، أما العامل الثاني فكان تطور العمليات العسكرية.
 
ثانيًا: تطور السياسة الأمريكية
بدت السياسة الأمريكية تجاه الصراع في اليمن متأرجحة كبندول الساعة وفقًا للتعقيدات السابقة، فقد انتقلت غير مرة من تأييد التحالف العربي المناصر للشرعية، إلى وضع قيود على هذا التأييد، ثم إلى إلغائها والتركيز على الحل السياسي، مع الحفاظ دائمًا على إعلان الالتزام بحماية أمن السعودية وحلفائها، فقد ظهر في البداية وكأن الولايات المتحدة شريك كامل في «عاصفة الحزم»، إذ جاء الإعلان عن بدء العمليات العسكرية على يد السفير السعودي في واشنطن «عادل الجبير»، وبعد ساعات قليلة صدر بيان من البيت الأبيض أكَّد دعم إدارة «أوباما» للتحالف العربي، وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي له، وتأسيس خلية تخطيط مشتركة، وبعد أسبوعين تأكَّد هذا الموقف بتأييد الإدارة لقرار مجلس الأمن 2216 الذي انتصر للشرعية اليمنية على نحو مطلق في أبريل 2015. أدّى فوز «دونالد ترامب» بالرئاسة إلى ما يشبه الطفرة في العلاقات الأمريكية - السعودية، ففي إطار سياسة «أمريكا أولًا»، كانت مبيعات السلاح التي تخلق الوظائف أهم بالنسبة له من قضايا حقوق الإنسان، خاصة أنه كان يرى أن وقف هذه المبيعات أو حتى تخفيضها قد لا يترتب عليه سوى اتجاه السعودية لروسيا والصين كخيار بديل، كما لا يمكن إغفال التوافق على اعتبار إيران وحلفائها تهديدًا مشتركًا، بعد أن سعت إدارة «أوباما» للتفاهم معها، وتوصلت إلى الاتفاق حول برنامجها النووي، بل ونصح «أوباما» الدول العربية بالسعي إلى العيش المشترك معها، وبالمقابل انسحب «ترامب» في السنة الثانية لولايته من الاتفاق النووي معها، وهكذا شهدت سنوات رئاسته منذ بدايتها توثيقًا واضحًا في علاقته بالسعودية التي كانت المحطة الأولى لزياراته الخارجية؛ حيث ألقى كلمة تعهَّد فيها بفتح فصل جديد من العلاقات، موضحًا أنه لن يفرض نمط الحياة الأمريكية على الآخرين، وقرر «ترامب» السماح ببيع الأسلحة التي علَّق «أوباما» بيعها في الشهر الأخير من ولايته، مع استمرار الحديث عن إنهاء الحرب، ومعالجة الوضع الإنساني، وحماية الأراضي السعودية،
 
وختامًا، يمكن القول بأن التحليل السابق يشير إلى محدودية تأثير الدور الأمريكي في مجريات الصراع الدائر في اليمن، فلا المساعدات العسكرية أفلحت في حسمه لصالح الشرعية اليمنية والتحالف العربي المساند لها، ولا المبادرات الأمريكية المختلفة لتهدئة الصراع وتسويته نجحت، ويمكن أن تُرَد هذه المحدودية لعدة عوامل منها - بغض النظر عن ترتيب أهميتها النسبية - طبيعة السياسة الأمريكية التي تنطوي على اختلافات قد تكون أساسية بين الحزبين الرئيسين، خاصة وقد تعاقب على الرئاسة منذ بدء الصراع وحتى الآن ثلاثة رؤساء أولهم ديمقراطي والثاني جمهوري والثالث ديمقراطي، كما أن ثمَّة استقطابًا قد حدث غير مرة بين مؤسستي الرئاسة والكونجرس، وكذلك بين الأولى والمنظمات الحقوقية والإعلام، ومن الطبيعي أن تؤدي هذه الاختلافات إلى ضغوط على صناع السياسة الأمريكية، تفضي إلى عدم استقرارها، وساعدت على ذلك التداعيات الإنسانية للعمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن، والتي جعلت العلاقة العضوية للحوثيين بإيران تتوارى إلى الخلف كمسبب لعداء من دوائر أمريكية رسمية وغير رسمية لهم، مع أن ممارساتهم لا يمكن أن تُقبَل بالمعايير الحقوقية الأمريكية، كذلك فإن صمود الحوثيين في وجه «التحالف العربي» لا شك في أنه لعب دورًا في التأثير على دفع السياسة الأمريكية باتجاه عدم التمسك بقضية الشرعية لصالح التوصل إلى تسوية، ومن غير المعروف بالتحديد الدور الذي لعبه التقدم في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني في تيسير التوصل إلى الهدنة، وأخيرًا فإن أي مفاوضات للتسوية تعقب الهدنة -بفرض صمودها- سوف تواجه عقبات هائلة يعرفها كل مطلع على تعقيدات الصراع اليمني، ومن ثَمَّ لا يُعتقد أن السياسة الأمريكية على ضوء التحليل السابق سوف يكون لها دور فاعل في تخطيها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره