مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-01-01

العلاقات الخليجية – الروسية في ظل الأحداث المتغيرة

 تشهد العلاقات الروسية الخليجية في الفترة الأخيرة تفاعلات وتغيرات واضحة على الصعيد السياسي والاقتصادي في ضوء مجموعة من التطورات الدولية والإقليمية، وتزايد التدخلات الإيرانية في منطقة الخليج العربي بشكلٍ خاص والشرق الأوسط عمومًا، كما يؤشِّر لذلك تطورات الأحداث في كلٍّ من العراق وسوريا واليمن.
 
 
كما انه من المعروف  أن السنوات العشر الأخيرة قد اتسمت بالبرود و تزايد الخلافات في المواقف والاراء  بين الجانبين حيث اتبعت روسيا سياسة مناهضة لدول الخليج، تجلت في العديد من القضايا بداية مع دعم نظام البعث في العراق، ثم  بدعم إيران وتمددها في محيطها العربي، وختاما بدعم نظام الأسد في سوريا، بيد أن التقاء مخاوفهما من التقارب الايراني الأمريكي دفعهما للتفاعل وجعل التحالف بينهما غير مستبعد بعد أن كانت ترتبط لفترة طويلة بالتنافر. يعرض هذا التقرير لأبعاد التقارب بين دول الخليج العربي وروسيا، ويحلِّل نتائجه وتداعياته، ويحاول رسم سيناريوهات مستقبل العلاقات بينهما.
 
 
 بداء البرود والتباعد السياسي في العلاقات الخليجية الروسية عام 1938 عندما اغلق ستالين سفارة الاتحاد السوفيتي في الرياض واعاد فتحها لاحقا ومن يومها العلاقات السوفيتية الخليجية اصابها الجمود فلا زيارات مسؤولين ولا علاقات دبلوماسية نشيطة ولا تفاهمات بل بالعكس كانت الدول الخليجية على الدوام حليفا اساسيا واستراتيجيا للولايات المتحدة منسجمة في تحالفاتها معها, وكذلك التقارب الخليجي الامريكي في العشر سنوات الاخيرة عزز عزوف روسيا من التوسع في علاقاتها بدول الخليج. 
 
 
تطبيع العلاقات 
في مطلع التسعينيات من هذا القرن لاح بالافق تطبيع العلاقات الدبلوماسية واستعادة أنشطة البعثات الدبلوماسية. بعد ذلك أصبح أمراً عادياً أن نشاهد الرئيس الروسي في منطقة الخليج العربي يزور دولة خليجية او عربية ويستقبل فيها بحفاوة، فقد فتحت المملكة العربية السعودية العلاقات الخليجية - الروسية على آفاق واسعة في سبتمبر عام 2003 مع الزيارة التاريخية التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى روسيا عندما كان ولياً للعهد، وهي الزيارة التي يرى الكثير من المراقبين أنها أعطت الضوء الأخضر للتوجه الروسي الفاعل نحو دول الخليج.  لقد زاد هذا الدعم مع الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى المملكة العربية السعودية في الحادي عشر من فبراير الماضي،  حيث قلد العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرئيس بوتين وشاح الملك عبدالعزيز أعلى الأوسمة في المملكة، وعبر بوتين عن سعادته البالغة بالنمو الجذري والسريع للعلاقات بين البلدين. وسام خليجي آخر رفيع المستوى يناله بوتين أثناء زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة في العاشر من سبتمبر الماضي، فقد منح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة (وسام زايد) أرفع الأوسمة في الإمارات للرئيس بوتين. وبعودة  العلاقات الروسية- الخليجية  الى سيرتها الأولى بعد عقود من البرود والتباعد السياسي والاقتصادي , بدأ الطرفان في التمهيد لخلق أفق جديدة وعلاقات متينة  ترتكز على  التواصل البناء والسعي الجدي لتحقيق المصالح المشتركة و مواجهة التحديات المستجدة.
 
 
زيارات  الشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان الاخيرة الى روسيا وما تمخضت عنه من مشاريع صفقات ببلايين الدولارات غير اتجاه بوصلة العلاقات الخليجية – الروسية باتجاه آخر ووجه رسائل الى ايران والى الولايات المتحدة بشكل خاص بأن دول الخليج قادرة على المناورة وتفعيل تحالفات قد تقلب الموازين السائدة ما دام الحليف الاميركي يتعامل ببرود مع الاعتبارات التقليدية في السياسة الخليجية والحفاظ على امن الخليج, فالقاسم المشترك بين ما تريده روسيا من الدول العربية التي يزورها قادتها على أعلى المستويات وبين ما تريده هذه الدول من موسكو هو أولاً، الرغبة في تطوير علاقات عربية – روسية تقفز على حواجز العلاقة الروسية – الإيرانية التي أثارت الشكوك العربية، وثانياً، الاستعداد لملء الفراغ الذي خلّفته سياسات الرئيس باراك أوباما في الساحة الخليجية ، والتي أثارت الفتور في العلاقة العربية – الأميركية. هذا لا يعني أن الدول الخليجية قررت الاستغناء تماماً عن الولايات المتحدة واستبدال العلاقة الأمنية معها باللاعب الروسي بيد ان من الضروري هو التوجه العربي إلى واشنطن وموسكو بمطالب واضحة ومواقف صارمة تمتد من العناوين الكبرى في موضوع اليمن الذي يتعلق بالأمن القومي السعودي والخليجي بصورة مباشرة، إلى العناوين «الأصغر»  مثل انزلاق لبنان إلى الهاوية بقرار إيراني – انتقاماً من اليمن. لا الانفتاح الروسي ولا الانغلاق الأميركي سيغيّر درب المنطقة العربية ما لم تأخذ القيادات العربية قرارات نوعية وتسير في خطوات مرسومة. ومن المفيد ما يحدث حالياً وما يسمى «البراغماتية» العملية التي تسلكها قيادات عربية إزاء ما يسمى (الواقعية السياسية) للعلاقة الإيرانية المتميزة لدى كل من موسكو وواشنطن وبقية العواصم الغربية. كما ويعتبر العامل الاقتصادي في العلاقات الإيرانية-الروسية، أبرز عوامل التقارب بين الدولتين، وخاصة في الفترة اللاحقة لانهيار الاتحاد السوفييتي، في حين سعى القادة الروس إلى استحداث مصادر دخل توفر لهم إمكانية إدارة الدولة المنشأة حديثاً على أطلال الإمبراطورية السوفييتية، ولم يكن من مصادر دخل حقيقية سوى تحوّل روسيا إلى تاجر سلاح دولي (بقايا السلاح السوفييتي) سواء بشكل حكومي أو من خلال التغلغل في الأسواق الدولية السوداء وهو ما شجع إيران الطامحة لتعزيز قوتها إلى الإسراع بخلق نمط تقاربي في العلاقة مع روسيا.
 
 
توسيع الشراكةالإقتصادية
 الزيارات العربية المهمة إلى موسكو – وما سبقها وسيليها – مؤشر إلى أحاديث بلغة مختلفة يجب أن تبقى منطقية مهما كانت ضرورية. ونقطة الانطلاق هي فهم ما تريده موسكو من انفتاحها على منطقة الخليج مع احتفاظها بتحالفها مع إيران. والان وبعودة هذه العلاقات الى التقارب فان الجانبين يسيران نحو توسيع الشراكة الاقتصادية الروسية - الخليجية وهو ما وضع أساساً قوياً لتطور هذه العلاقات مستقبلاً لمصلحة روسيا والبلدان الخليجية والعربية الأخرى  متجاوزة مجرد شراء الاسلحة الخليجية من روسيا أو ضخ الاستثمارات الضخمة في السوق الروسي الى خلق شبكة من المصالح وفتح المجال للتعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة، بما في ذلك النووية والصناعة العسكرية.
 
 
من الضرورة ان تتفهم روسيا مصالح دول مجلس التعاون وتستوعب مخاوفهم خاصة تجاة البرنامج النووي الايراني والتسلح الايراني التقليدي وهو ما تسهم فيه روسيا بنسبة كبيرة وعليها أن تقوم بدعم المواقف الخليجية تجاه القضايا الإقليمية وخاصة ضمن المنظمات الدولية، حيث يتعين دعم المواقف الخليجية في هذا الشأن ومن ضمنها الرؤية الروسية لجماعة أنصار الله الحوثي في اليمن والتي لا تزال روسيا تعتبرها «جماعة دينية» ماجعلها تمتنع في إبريل عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يطالب الحوثيين بالانسحاب من المناطق التي قاموا بالاستيلاء عليها في اليمن وهو ما أكده ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الاعلى للقوات المسلحة خلال لقاءه بشهرأغسطس/آب الماضي بالرئيس فلاديمير بوتين ، حيث كان اللقاء مرتكزا على التطورات في الشرق الأوسط وسوريا واليمن حيث أكدت القيادة الاماراتية  على أن قضية اليمن على وجه الخصوص تعتبر قضية حساسة بالنسبة لدول الخليج  ويعتبر أمنها امتدادا طبيعيا لأمن باقي دول الجزيرة العربية، وأي اغفال لهذه الحقيقة هو اغفال خطر آني ومستقبلي. 
 
 
ظروف صعبة 
 في النهاية يمر كل من الطرفين الخليجي والروسي بظروف صعبة وتحديات كبيرة تشكل التحدي الأبرز لهما منذ عقود، فالروس اليوم هدف للتمدد الغربي في شرق أوروبا التي تعتبر المجال الحيوي الأبرز لروسيا، فقد انضمت العديد من دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي بينما ينتظر البعض الاَخر دوره في الانضمام، بل إن بعض جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق قد أبدى رغبته الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، والتي وجدت ترحيبًا من الجانب الأوروبي والأمريكي، وروسيا اليوم محاصرة والتمدد الغربي وصل إلى جورجيا وأوكرانيا اللتين كانتا من أهم الجمهوريات المكونة للاتحاد السوفييتي السابق الأمر الذي اضطرت معه وبسببه روسيا إلى التدخل العسكري المباشر، ما يشير بمستوى الخطر الذي وصل إليه الوضع بالنسبة لروسيا وهي كذلك محاصرة من الجنوب بالقواعد العسكرية الأمريكية في أفغانستان وتركمانستان وأوزبكستان، هذا من الناحية الاستراتيجية، أما من الناحية الاقتصادية فقد شكل انهيار أسعار النفط تحديًا كبيرًا لروسيا، التي لا تزال تعتمد وبشكل أساسي على عوائده وفي توقيت تعتبر روسيا في أمس الحاجة لهذه العوائد، لدعم وضعها الاقتصادي والاستراتيجي في مواجهة التمدد الغربي، الذي ازدادت حدته وتسارع في الفترة الأخيرة
أما دول الخليج فهي تمر اليوم في أدق مراحل تاريخها الحديث منذ انتها الوصاية البريطانيه فمن الناحية السياسية هناك إفرازات وتحديات الربيع العربي والحراكات الشعبية الداخلية المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل،  ومن الناحية الاقتصادية تواجه دول الخليج استحقاقات التنمية ومشكلة البطالة التي بدأت تظهر في دول الخليج، بالرغم من معدلات النمو العالية التي حققتها بفضل الطفرة الكبيرة والممتدة لأسعار النفط، وهو ما يضيف عبئًا جديدًا على أعباء دول الخليج، يتمثل في توفير فرصة العمل للأعداد المتزايدة من الشباب، وذلك في ظل انهيار أسعار النفط والتراجع الكبير في العوائد المالية التي كانت توفرها مبيعاته، والتي كانت دول الخليج تعتمد عليها بشكل أساسي لدعم النمو الاقتصادي، وفي ظل فشلها في تقليل الاعتماد على النفط وتنويع اقتصاداتها، وعلى المستوى الإقليمي تواجه دول الخليج خطر التمدد الإيراني، الذي بدأ بالعراق ولبنان ثم سوريا، وانتهي باليمن تاركاً دول الخليج محاصرة بالنفوذ الإيراني، إما بالوجود المباشر أو بالوكالة، من خلال المليشيات الشيعية التي تدين لها بالولاء، هذا بالإضافة إلى الحركات والتنظيمات الجهادية المتطرفة التي بدأت تشكل تهديداً حقيقياً لدول الخليج، بل وللمنطقة بأسرها.
 
 
قنوات التعاون
صحيح ان العلاقات بين موسكو ودول منطقة الخليج شابها شيء من الفتور خلال حقبة زمنية معينة لاسباب سياسية صرفه الا انها عادت من جديد الى سيرتها الاولى، وها نحن نشهد عدة فعاليات من التعاون القائم بين روسيا ودول الخليج العربي سواء في المجالات السياسية او التجارية او الاقتصادية او السياحية او الاستثمارية، وتلك فعاليات لاشك انها سوف تؤدي الى ظهور ايجابيات متعددة من شأنها ان تبلور الاتجاهات الصحيحة لمسارات التعاون بين الطرفين، وكل زيارة لقائد او مسؤول خليجي لموسكو ستؤدي حتما الى مضاعفة قنوات التعاون بين الطرفين، ولاشك ان ترسيخ تلك العلاقات سوف يعود بمنافع جمة على روسيا وعلى دول مجلس التعاون الست، فالمصالح المشتركة بين الجانبين لابد من اعادة نظر تطوير بمثل هذه الزيارات واللقاءات التشاورية الهامة.
 
 
فقد الفرص 
 بسبب حالة التوجس وانعدام الثقة بينهما، فقدت كل من روسيا ودول الخليج العديد من الفرص التي كان يمكنها أن تستفيد منها بشكل كبير، فروسيا مثلًا تعتبر من أكبر منتجي ومصدري السلاح النوعي على مستوى العالم، وهي تعتمد على هذا القطاع بشكل كبير في دعم الصادرات والحصول على النقد الأجنبي, ودول الخليج من جانبها تعتبر من أكبر مستوردي السلاح، وهي تعاني في الكثير من الأحيان من القيود التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الأوروبية على مشتريات السلاح الخليجية ولأسباب مختلفة، لذا فإن قطاع الدفاع كان من الممكن بل من المفترض، أن يشكل أحد أهم مجالات التعاون الروسي - الخليجي، كذلك يشكل قطاع الطاقة مجالًا اَخر مهمًا من مجالات التعاون بين دول الخليج وروسيا سواءً في مجال الغاز الطبيعي الذي يشكل أهمية خاصة لدى روسيا أو في مجال النفط الذي يهم دول الخليج، وقد أثبت التاريخ إمكانية التعاون الوثيق في هذا القطاع الاستراتيجي المهم، الذي بدأ يواجه العديد من التحديات، سواءً من قبل قطاع الطاقة البديلة الصاعد أو قطاع الغاز والنفط الصخري، الذي يشهد طفرة كبيرة بفضل التقنيات الحديثة.
 
 
 تشكل هذه الفرص وتلك التحديات أرضية جيدة لتجاوز عقد التاريخ، التي سممت العلاقة الروسية - الخليجية على مدى العقود المنصرمة، والانطلاق منها إلى أفق جديدة وعلاقات وثيقة تقوم على أساس التواصل البناء لحل الخلافات أو على الأقل تحييدها والتنسيق المستمر لتحقيق المصالح المشتركة أو مواجهة التحديات المستجدة إن روسيا اليوم في أضعف حالاتها، وهي فرصة تاريخية لدول الخليج للظفر باتفاق يكون أكثر جدوى وأقل كلفة مع روسيا، لوضع أسس العلاقة المستقبلية بين الطرفين بجوانبها المختلفة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، إلا أن قدرة دول الخليج على تجاوز عقد الماضي في علاقتها مع روسيا تعتمد في المقام الأول على قدرتها على إعادة تحديد أولوياتها، وتقييم التحديات التي تواجهها، وكذلك القدرة على التوصل إلى تصور مشترك فيما بينها، والاتفاق على الحد الأدنى من توحيد المواقف تجاه القضايا الخلافية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره