مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-11-01

العمليات الجوية في ليبيا..التحديات والـدروس المستفادة

أثبتت العملية نجاحها من الناحية السياسية، حيث جرت حماية سكان بنغازي من قوى الدمار على يد قطع المدفعية والدبابات التابعة لنظام القذافي، ومع نهاية فصل الصيف كان النظام الحاكم قد سقط، رغم أن هذا السقوط لم يخطر على بال بعض الدول الأعضاء في الحلف في المراحل الأولى للحرب، بعكس دول أخرى داخل الحلف التي توقعت هذا السقوط منذ البداية، ومع مطلع 2012 كان قد تم وضع دستور جديد وتعيين حكومة جديدة بعد حكم ديكتاتوري استمر على مدى 45 عاماً تقريباً، ليبدأ الليبيون مرحلة جديدة لبناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية.
 
اعداد: روبرت فوكس
 
 
وقد ظل الحلف على تماسكه بالرغم من الانتقادات التي تعرض لها، وعلى الرغم من عدم مشاركة قوات بعض الشركاء الأوروبيين الرئيسيين في الحلف مثل ألمانيا على وجه التحديد، وقد لعبت خمس دول من خارج حلف الناتو، هي الإمارات وقطر والأردن والمغرب والسويد، دوراً رئيسياً في تلك الحرب، كما أعلنت عدة دول أعضاء في الجامعة العربية عن دعمها وتأييدها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 القاضي بفرض حظر جوي وبحري فوق ليبيا وحولها، والقاضي أيضاً بحماية السكان المدنيين، جاءت تلك القناعة انطلاقاً من دوافع إنسانية بحتة، على الرغم من تشكك البعض في نوايا الناتو الحقيقية وراء هذا التدخل العسكري، وقد تحقق هذا الهدف رغم الانتقادات الشديدة التي تعرضت لها الحملة - حتى من بين بعض الدول الغربية نفسها- قبل الحملة وأثناءها وبعدها.
وقد نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 بتاريخ 19 مارس 2011، الذي تم تجديده لاحقاً برقم 2009 في السادس عشر من سبتمبر 2011، على حماية السكان المدنيين بصورة خاصة، ولكنه لم يسوغ استخدام العمليات البرية وإسقاط النظام في طرابلس، ورغم هذا، فمن الصعب أن نتصور كيف يمكن لعملية جوية بمثل هذه الصعوبة - عملية تتطلب قدراً كبيراً من الدقة في إصابة الأهداف تجنباً لسقوط خسائر في صفوف المدنيين- أن تنجح دون تواجد فعلي كبير على الأرض، وربما استندت تلك المحاذير إلى تجربة الولايات المتحدة في العراق، رغم اختلاف ظروفها ودوافعها عن الحملة العسكرية في ليبيا.
 
وقد أصبح واضحاً منذ البداية أن التحالف الذي يضم أحزاب المعارضة تحت لواء "المجلس الوطني الانتقالي" كان عاجزاً عن حشد القوات اللازمة للتصدي للقوات البرية وقوات الشرطة التابعة للقذافي دون الاستعانة بمساعدة خارجية في مجال التنظيم والتكتيكات العسكرية والإمداد والتموين.
 
الدروس المستفادة
على الرغم من نجاح عملية الناتو إلا أنها تركت لنا العديد من الدروس السياسية والعملياتية والتكتيكية التي يمكننا الاستفادة منها، وهي دروس لا تقل إلحاحاً عن الحاجة لتكوين نفس التشكيلة من التحالف الدولي والإقليمي لمواجهة التوتر المتزايد سواء في سوريا شرقي البحر الأبيض المتوسط أو عبر مياه الخليج العربي مع إيران.
 
وقد كانت عملية "الحماية الموحدة" العملية الرابعة الكبرى التي يشنها حلف الناتو في أقل من عشرين عاماً، وهي تختلف عن حملة الحماية الجوية التي جرت في سماء البوسنة والتي تبعتها العملية العسكرية ضد صربيا، وعملية الدعم الجوي التي قدمها الناتو وقوات الإيساف في أفغانستان، لأن الولايات المتحدة أرادت هذه المرة أن تمنح عصا القيادة للدول الأوروبية. وقد اعتمدت معظم الخطط الأولية لفرض الحظر الجوي والبحري على الرئيس الفرنسي (في ذلك الوقت) نيكولاس ساركوزي ورئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، وقد شارك حـوالي 40 % من القوات المختلفة المشاركة في تلك العملية معظم شهور الصيف، نذكر منها حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول وحاملة المروحيات البريطانية HMS Ocean، وقد نفــــذت الطائرات الفرنسية 35 % من كافة العمليات التي نفذتها الطائرات ذات الأجنحة الثابتة.
 
ورغم هذا، أفاد التقرير الذي أعده "مركز التحليلات المشتركة والدروس المستفادة" التابع للناتو في البرتغال، والذي يقع في 37 صفحة، بأن الولايات المتحدة لعبت دوراً حيوياً في تلك الحرب من خلال مساهمتها الكبيرة في مجال الأسلحة الذكية وتبادل البيانات والمعلومات والقيادة والسيطرة والمراقبة والاستطلاع. وقد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن هدف الولايات المتحدة هو "القيادة من الخلف"، وذكر التقرير المؤرخ في 28 فبراير 2012 أن المساهمة الأمريكية كانت أكبر من ذلك بكثير، حيث تعين على القادة العسكريين الأمريكيين إحكام السيطرة، ومن ثم الإمساك بزمام القيادة "من الأمام" في بعض الأحيان.
 
ومن أوائل الدروس التي يمكن الاستفادة منها من العمليات الحربية في ليبيا هو استحالة تنفيذ عملية عسكرية بتلك الصعوبة وهذا التعقيد بدون البنية الأساسية التكنولوجية الأمريكية، أضف إلى هذا الضعف الذي تعانيه دول رئيسية حليفة مثل بريطانيا وفرنسا في مجال المراقبة والاستطلاع وتبادل المعلومات والدعم اللوجستي وإعادة تزويد الطائرات بالوقود، وقد كان واضحاً أن الشركاء الأوروبيين في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لن يستطيعوا الاستمرار في الحملة الجوية المكثفة إلا لأيام قليلة ومعدودة.
 
وبعيداً عن قضية القدرات العسكرية، كانت الصعوبات المتعلقة بالبعد السياسي واضحة منذ البداية، لم يكن الإجماع ممكناً إلا من خلال تحالف موسع يوافق على الحد الأدنى من العملية، وهو حماية المدنيين وليس إسقاط النظام، وقد أعرب روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت عن شكوكه في إمكانية نجاح الحظر الجوي والبحري في تحقيق الهدف المرجو منه، أما بالنسبة لألمانيا فقد أحجمت عن المشاركة، وإن عرضت سد الثغرات التي تركها الحلفاء بسبب نقل الأسلحة من أفغانستان، أما مالطا، إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت تقديم أي نوع من التسهيلات للقوات البحرية والجوية المشاركة في إسقاط النظام الحاكم في طرابلس.
 
وقد أدى قصر تفويض العمليات الحربية ضد ليبيا كما حدده قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، إلى فقدان المرونة اللازمة فيما يتعلق بقواعد الاشتباك والتجديد التكتيكي لاستغلال الفرص تبعاً لسير الأحداث على الأرض، ونتيجة لذلك، أصبح الامتثال لقواعد القانون الدولي التي استند إليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973 أمراً مهماً، الأمر نفسه ينطبق على القواعد المستخدمة لحماية القوات، مما أدى إلى وضع قيود شديدة على استخدام الطائرات المروحية بمعرفة القوات البريطانية والفرنسية.
 
أحد الدروس الأخرى التي يمكن الاستفادة منها هو أنه من الأفضل، بل ومن اللازم، منح قادة العمليات والتكتيكات الميدانية قدراً أكبر بكثير من المرونة وحرية الحركة، ويجب أن يُسمح لهم بهامش أكبر من المسؤولية عند ترجمة قواعد الاشتباك والأساليب التكتيكية والأهداف تبعاً لسير الأحداث على الأرض، ويجب أيضاً منحهم قدراً أكبر من الصلاحيات التي تمكنهم من استغلال الفرص التكتيكية، فلابد من تعديل مبدأ قيادة المهمة وتحديثه أولاً بأول بما يتناسب وطبيعة هذا النوع من المهمات الدولية.
 
عملية ليبيا..الأسباب والدوافع
ومن المهم معرفة الأسباب التي أدت إلى نجاح الناتو في حشد الحملات الجوية والبحرية بهذه السرعة من أجل المجهود الحربي في ليبيا في شهر مارس 2011، ففي مطلع هذا الشهر لم يكن أحد يعرف مدى الحاجة إلى وجود حشد دولي كبير لتنفيذ هذه المهمة في ليبيا – تلك الدولة الغنية بالنفط والغاز والمطلة على البحر الأبيض المتوسط والتي يمكن دخولها بسهولة من مناطق مختلفة مثل مالطا وإيطاليا وتونس، وشهد شهرا فبراير ومارس من نفس العام بداية ما اصطلح المراقبون والمحللون على تسميته لاحقا بـ "الربيع العربي"، فقد أجبر الرئيس المصري حسني مبارك على التنحي، ونجح المتظاهرون في عقد محاكمات لمسؤولي النظام في ميدان التحرير، في إرهاصات ممتدة من مناطق أخرى من العالم العربي، فقد شهدت تونس الإطاحة برئيسها مدى الحياة بن علي في غضون أيام قليلة، وفي مطلع شهر مارس لم تكن هناك سوى بوادر قليلة وغير محسوسة على وجود اضطرابات وقلاقل في سوريا سطرت أطول حرب أهلية في تاريخ "الربيع العربي" حتى الآن.
 
ولم تقفز ليبيا إلى صدارة الأجندة الدولية إلا بعد أن هددت قوات القذافي بشن هجوم ضد سكان بنغازي، كان الهدف الأساسي للعملية هو تقديم المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة، ومنع الدبابات وقطع البحرية التابعة للقذافي من قصف المدينة، واقترحت الأمم المتحدة، شن حملة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي حملة لإحلال السلام عن طريق استخدام القوة، حملة "تجيز استخدام كافة الوسائل اللازمة"، على أن يتكفل حلف الناتو بتنفيذ تلك الحملة.
 
وقد ذكر آندرز فوج رسموسين الأمين العام لحلف الناتو في تقريره السنوي الذي أعده في مطلع ذلك العام أنه كانت هناك ثلاثة أهداف رئيسة للمهمة التي حددها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973:
- فرض حظر بحري بمحاذاة المنطقة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط لمنع إرسال أي أسلحة إلى ليبيا.
- فرض حظر جوي ضد الطائرات العسكرية الليبية.
- شن عمليات قصف جوي وبحري ضد قوات النظام الحاكم التي تشن الغارات ضد المدنيين وتهدد حياتهم.
وأوضح رسموسين في تقريره أن "المهمة الأساسية والأكثر إلحاحاً هي منع الدبابات والمدفعية الثقيلة من الهجوم على بنغازي، وكان هذا يعني الاشتباك مع الوحدات المسلحة التي تهاجم مدينة مصراته، ويعني أيضاً شل حركة المؤن والذخائر ومراكز مراقبة السيطرة حتى لا يتمكن قادة النظام العسكريين من تنسيق مثل هذه الهجمات".
وقد كانت العمليات البرية الكبرى أمراً مستبعداً طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي الأول، الأمر الذي أثار تساؤلات في لندن وواشنطن حول ما إذا كانت أمام تلك الحملة أي فرصة للنجاح، بل إن كثيراً من تلك التساؤلات ما تزال ملحة حتى الآن، فعدم وجود قوات برية على الأرض - رغم استخدام قوات الاستطلاع وقوات العمليات الخاصة - كان عائقاً شديداً أمام المهمة، وعند تلك المرحلة، أي في شهر أغسطس عام 2011، بات واضحاً أن القذافي ربما استطاع البقاء والصمود في موقعه عن طريق السيطرة على جزء من البلاد، إن لم يكن كلها.
 
نتائج مستخلصة
النتيجة التي يمكن استخلاصها من عملية ليبيا، تماماً مثل النتيجة التي أمكن استخلاصها من عملية قصف يوغوسلافيا في عام 1999 التي استمرت على مدى 77 يوماً، هي أن عصر عمليات "الحرب بين أوساط المدنيين" الجديدة لا يمكن له أن ينجح اعتماداً على القوة الجوية وحدها، وذكر تقرير الناتو بعنوان "الدروس المستفادة" الصادر في 28 أغسطس 2012 أن القوات الأمريكية المتخصصة وقوات التحالف بذلت من العمل الشاق على الأرض قدراً أكبر مما كان مخططاً له، فقد ساعدت القوات الخاصة الأمريكية في ملاحقة عناصر الدفاع الجوي، فيما قامت القوات الخاصة البريطانية والفرنسية والكندية بمهام مماثلة.
 
انتقادات
وقد ركز تقرير الناتو، الذي اشتمل على 30 صفحة مدعومة بثلاثمائة صفحة أخرى من الملاحق الفنية، على ما اعتبره عيباً في الحملة الجوية، لاسيما أوجه القصور التي شابت أداء القوات الجوية الأوروبية المشتركة، فقد ذكر التقرير أن القوات الأوروبية لم تقدم سوى 40 % من مهام الاستطلاع والمراقبة والحرب الإلكترونية والاتصالات وإعادة تزويد الطائرات بالوقود، وأنه كان على الولايات المتحدة القيام بالباقي، كما قدمت دول كثيرة طائرات مقاتلة قاذفة منها العشرات من طائرات F-16, Tornado, Gripen and Typhoon.
من بين النقاط الرئيسية التي تعرضت للانتقادات انعدام الدقة أو الذخيرة "الذكية"، فقد رأى التقرير أن عدداً كبيراً من القنابل الذكية والصواريخ التي يقدر عددها بحوالي 7700 جاء من الولايات المتحدة، هذه النقطة لم تغب عن بال إريك شميت الذي كتب في صحيفة "ذا نيويورك تايمز" يوم الرابع عشر من أبريل يقول "إن الولايات المتحدة وجدت نفسها في نهاية المطاف كمورد متخصص "تلقائي" للناتو للذخيرة الموجهة الدقيقة، والتي وصل عددها إلى نحو 7700 قنبلة وصاروخ تم إسقاطها وإطلاقها على ليبيا".
 
هنا لابد من التعامل مع عبارة "في نهاية المطاف" بشيء من الحذر، فالطائرات البريطانية والفرنسية والإيطالية كانت مسلحة بأسلحة دقيقة طورتها مصانعها المحلية، وكان سلاح الجو الملكي البريطاني في طليعة الأسلحة التي قامت بنشر صواريخ Paveway IV GPS جو-أرض الموجهة، كما قامت شركة Raytheon US بتطوير عائلة Paveway II and Enhanced Paveway فيما قامت شركة Raytheon UK بتطوير طائرتي Tornado GR4 and the Typhoon 2 لخدمة سلاح الجو الأمريكي. وبالمثل، تم تطوير الصاروخ Brimstone الدقيق المضاد للدبابات لسلاح الجو الأمريكي و Apache AH-64D Longbow الذي تم نشره وإطلاقه من على متن حاملة الطائرات البريطانية HMS Ocean وأثبت فعالية كبيرة في ليبيا.
 
ففي المرحلة الأولية لإطلاق 110 صاروخاً من نوع Tomahawk ضد ليبيا قامت غواصتان تابعتان لسلاح البحرية الملكية البريطانية بإطلاق عدد كبير من تلك الصواريخ. وقد سبق أن تقاسم سلاح البحرية الأمريكية وسلاح البحرية الملكية البريطانية التكنولوجيا والتدريب على حرب الغواصات لفترة طويلة، ما يعني أن واشنطن لم تكن اللاعب الوحيد في هذه المهمة. كما سبق وأن تبنت الولايات المتحدة بعض التدريبات الخاصة بصواريخ Tomahawk التي تطبقها بريطانيا.
 
وقد استخدمت القوات الجوية الفرنسية والبريطانية الصاروخ MBDA SCALP-EG أو الصاروخ Storm Shadow جو-جو الموجه المعروف بدقته، وتم ذلك بقدر كبير من الفعالية، وقد استخدمت بريطانيا هذا الصاروخ في تنفيذ عمليات قصف ناجحة ضد عدد كبير من مراكز القيادة والسيطرة في مدينتي مصراته وسرت. وقد أطلق الفرنسيون عدداً غير معروف من هذا الصاروخ، وهو ما حجب معلومات مهمة طبقاً للإجراءات العملياتية الأمنية. وقد قامت وكالة MBDA الأوروبية بتطوير الصاروخ Storm Shadow/SCALP، وهي عبارة عن كونسورتيوم فرنسي- بريطاني- إيطالي، وهو الصاروخ الذي أثبت فعاليته بنسبة 100 % منذ بداية استخدامه في العراق في عام 2003.
 
الانتقادات الأشد قسوة ربما طالت أوجه القصور التي شابت الحرب الإلكترونية وتبادل البيانات والمعلومات والمراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية. هنا، كان يتعين على الولايات المتحدة أن تأخذ بزمام القيادة بسبب تخلف الأسلحة الأوروبية المشتركة عن مثيلاتها الأمريكية بدرجة كبيرة، وقد تم استخدام المركبات الجوية الآلية (غير المأهولة) Predator و Global Hawk في إطار عمليات الاستطلاع على مدار اليوم فوق الأراضي الليبية، وقد أثبتت الطائرة القديمة U-2 التي تم استخدامها في حقبة الستينيات لأول مرة كفاءة عالية انطلاقاً من قاعدتها العسكرية في قبرص، وقد استدعى سلاح الجو الأمريكي طائراته الثلاث الخاصة بالإنذار المبكر المجوقل E-3 Sentinel AWACS وطائرات Nimrod وAstor الخاصة بالحرب الإلكترونية، وكانت بريطانيا قد فكرت في الاستغناء عن الطائرة E-3 ولكن تجربتها في ليبيا كانت سببا مباشراً في إعادة النظر في تلك الفكرة.
 
من المعروف أن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين قوات التحالف المختلفة مثل القوات العاملة في ليبيا كان إحدى القضايا الشائكة دائماً، فقد ذكر تقرير الناتو لعام 2012 أن بعض القوات، خاصة القوات الجوية، كانت عاجزة عن تبادل المعلومات الرقمية فيما بينها، تلك مشكلة ملّحة سبق أن فرضت نفسها كقضية أثناء عملية الناتو في كوسوفا عام 1999 لأول مرة. وتعتبر القوات الأمريكية أحدث من عدد كبير من مثيلاتها لدى دول الناتو الحليفة بجيل أو جيلين. وتعني نقطة الضعف هذه عجز عدد كبير من القوات الجوية التابعة للناتو عن العمل بصورة مستقلة عن الولايات المتحدة في أي عملية صعبة وطويلة في الوقت الحالي.
 
إحدى النقاط المهمة لهذه المشكلة تتعلق بمن يتعين عليه استقبال المعلومات الاستخباراتية الفورية المتوسطة المدى، فقد نجحت الولايات المتحدة في تحقيق اتصال مع عشرات الآلاف النهايات الطرفية (المحطات) عن طريق النموذج العسكري الأمريكي Sprnet المماثل لغرف "الشات" على الإنترنت ومواقع الاتصال الاجتماعي، ربما كان إمكانية دخول مئات الآلاف من الأفراد العسكريين مخاطرة أمنية شديدة، فملفات المعلومات الخاصة بتسريب ويكيليكس تم كشفها بدرجة كبيرة، إن لم يكن كلها، عن طريق نظام Sprenet.
 
وعلى الرغم من كل الانتقادات التي وجهت إليها تظل عملية "الحماية الموحدة" في ليبيا عملية صعبة للغاية، ونجحت بكل المقاييس العالمية في تحقيق أهدافها الأساسية.
وقد نجحت العمليات الدولية المختلفة مثل Op Odyssey الأمريكية وOp Harmattan الفرنسية وOp Ellamy البريطانية وOp Mobile الكندية في إظهار قوتها وإمكانياتها رغم القيود السياسية والللوجستية المحلية والدولية المفروضة عليها.
وقد أحجم المحللين الحكوميين والاستراتيجيين عن تسليط الضوء على الدروس المستفادة من عملية ليبيا في عام 2011، البعض، مثل المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة Royal United Services Institute في لندن اعتبر التجربة الليبية تجربة خاصة وفريدة من نوعها، بما يعني استحالة اعتبارها نموذجاً يمكن دراسته عن الحملات العسكرية، ولكن كل حملة عسكرية أو عمل عسكري يعتبر فريداً من نوعه، ولابد من عمل دراسة ملحة عن كيفية تكيف قوات الحلفاء - بصورة فردية وجماعية- والتعامل مع العناصر الجديدة أي تحد جديد تواجهه.
 
تحديات
ثمة دروس مباشرة وأخرى غير مباشرة يمكن الاستفادة منها في عملية ليبيا، ويجب أن تكون على اليوم على رأس قائمة اهتمامات الوزراء ورؤساء الأركان داخل الناتو وداخل الحلفاء الإقليميين.
في ليبيا كان من أخطر التحديات التي واجهها الناتو صعوبة التضاريس الطبيعية ووعورتها بسبب تواجد تلك التضاريس بطول الصحراء الأفريقية وبمحاذاة سواحل البحر الأبيض المتوسط، وكان على الحلفاء استخدام طائراتهم انطلاقاً من قواعد عسكرية مختلفة في اليونان وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، علاوة على أسطول السفن البرمائية وسفن الاقتحام، الأمر الذي تطلب قدراً كبيراً من التنسيق، كان لإيطاليا دور كبير من حيث تـأمين الإمدادات السخية من النفط لسفن الحلفاء وطائراتهم، كما أن الأراضي الليبية تعتبر في حد ذاتها واحدة من أكبر الأراضي وأكثرها اتساعاً في القارة الأفريقية، حيث تمتد لمسافة تزيد على 1000 ميلاً بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط ثم إلى عمق الصحراء الإفريقية.
 
أدى هذا الموقع الجغرافي إلى زيادة التهديدات المحتملة من جانب القوات غير النظامية - بعض من تلك التهديدات مازال قائماً حتى يومنا هذا - وأصبح أمراً ملحاً على قوات الناتو أن تلاحق مخزون القذافي من صواريخ "سكود" الباليستية المتوسطة المدى، خاصة بعد أن أصبح واضحاً أنه لا يعتزم البتة تسليم ترسانته من أسلحة الدمار الشامل عام 2003، وثمة اعتقاد بأن تلك الترسانة ما تزال تحتوي على عدد كبير من أسلحة الغاز والأسلحة الكيماوية، وما يزال البحث جار عن مخزونه من صواريخ MANPAD المحمولة المضادة للطائرات، ومع حلول شهر أغسطس 2011 اعتبرت أجهزة الاستخبارات التابعة للناتو أن عدد صواريخ MANPAD يصل إلى 20000 صاروخ لم يتم تحديد سوى 5000 صاروخ منها فقط، ويُخشى من وصول بعض من تلك الصواريخ إلى أيدي الجماعات التابعة لتنظيم "القاعدة" في أفريقيا أو الثوار التابعين للجيش السوري الحر.
 
وبالنسبة للأوروبيين يجب أن تكون الحملة العسكرية في ليبيا دافعاً للمبادرة بإعادة النظر في أو تحديث المفاهيم الخاصة بالعمليات البحرية الساحلية والبرمائية، وهذا يشمل استخدام الطائرات المروحية والمركبات الجوية الآلية (غير المأهولة) من على متن سفن الاقتحام وحاملات الطائرات، ويجب على البحرية الملكية البريطانية، على سبيل المثال، ضرورة البحث عن بديل لحاملة الطائرات HMS Ocean وطائراتها المروحية الرخيصة نسبياً وحاملات الجنود الخاصة بعمليات الاقتحام، ويجب على فرنسا وإيطاليا تطوير عملية التنسيق مع بريطانيا فيما يتعلق بالقوات البرمائية المشتركة والقوات المحدودة، ويتعين على بريطانيا أن تبحث عن كيفية التكيف مع وعلاج وتحديث مفاهيمها حول كيفية استخدام وتشغيل حاملتي طائراتها الجديدتين اللتين من المتوقع أن تنضما إلى أسطولها خلال السنوات الثماني القادمة.
 
لكن الدرس الأهم يتمثل في حاجة الدول الأوروبية والعربية الحليفة إلى رفع مستواها فيما يتعلق بعملية تبادل المعلومات وتبادل أسلحة ISTAR وتنسيق عمليات القيادة والسيطرة، وهذا يعني شراء أسلحة ومعدات جديدة، مع تحديث طرق ووسائل تدريب الأفراد المكلفين بأداء مثل هذه المهمات الصعبة، كما يعني أيضاً ضرورة رفع مستوى الأداء والعمل بصورة أفضل كدول حليفة.
هذا الدرس يعتبر درساً ملحاً لأن الحملة العسكرية في ليبيا نموذج قابل للتكرار. صحيح أن قد يكون هناك اختلافاً من حيث المكان والزمان والظروف السياسية ولكن يتعين على الحلفاء لعب دور فعال على الساحة الدولية مرة أخرى ربما تكون قريبة.
 
ويعتقد بعض المحللين أن الحملة العسكرية في ليبيا كانت فرصة مثالية لدول الناتو والدول الحليفة كي تعيد النظر في مفاهيمها حول الحرب الحديثة وكيفية إدارتها ضمن إطار جغرافي وعملياتي وسياسي مختلف، خاصة وأن الحروب أصبحت تدق على أبواب مناطق كثيرة من العالم مثل العراق وأفغانستان، ويجب على دول الناتو والدول الحليفة تطوير قدراتها ومفاهيمها وأساليبها بما يتمشى مع مقتضيات الصراعات والنزاعات الحديثة.
 
 
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره