2022-08-02
الغذاء ..السلاح الإستراتيجي
رغم أنها تبعد عنا آلاف الأميال..ورغم أن مسرحها يبتعد عنا جغرافيا ،، إلاّ أننا نعاني من تداعياتها كباقي دول العالم وفي مجالات عدة ، أهمها الغذاء..ما إستدعى المعنيين بالأمن القومي أو الوطني للتحرك بعد إندلاع العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا ببضعة أسابيع، بل في حقيقة الأمر كان التحرك قبيل بدء الحرب، بعد أن تأكدت إرهاصاتها في كثير من دوائر صنع القرار وأجهزة المعلومات !!
بقلم/ عبدالله يسري
إعلامي وكاتب.. زميل كلية الدفاع الوطني/ أكاديمية ناصر العسكرية العليا
كان التقدير الاستراتيجي يفيد بحدوث أزمة غذاء عالمية خاصة في الحبوب والأسمدة حيث تمد أوكرانيا العالم ب %12 من القمح ، %15 من الذرة، %50 من زيت عباد الشمس … ونتيجة لتوقف موانئ أوكرانيا في البحر الأسود ، تعطلت سلاسل الإمداد ! كما تركت الحقول بلا عناية .. وأما روسيا فنتيجة العقوبات التي فرضت عليها تعطل التصدير ..
هذان البلدان يسهمان بربع صادرات العالم من القمح وخمس صادراته من الشعير و الذرة و أكثر من نصف صادرات زيت الذرة وكميات هائلة من مغذيات المحاصيل القائمة على البوتاس !
لقد إجتمع إذا ثلاث أزمات عالمية على البشر في وقت واحد ، (الحرب..التغيرات المناخية .. كوفيد ) .. وكلها تلقي بظلالها على العالم في سيناريو متوقع !
على جانب آخر ونتيجة لإجراءات الحمائية التي قامت بها أكثر من عشرين دولة، حيث فرضت قيوداً على التصدير حسب ما أعلنه المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية.
كان تحرك الأجهزة المعنية عبر عناصرها في استهداف إقامة مشروعات غذائية خارج حدود الدولة، تضمن تحقيق الأمن الغذائي لشعوبها وذلك عبر مشروعات إستثمارية طويلة الأجل أو شراكات مع دول تتوفر فيها الميزات النسبية كالماء _ الأرضي الصالحة _المواقع القريبة من الموانئ _ توافر الأيدي العاملة الرخيصة وغيرها…
تتوافر هذه الميزات بكثرة في بعض الدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية، لكن عامل البعد الجغرافي يلعب دوراً حاسماً لصالح دول آسيا كالفلبين وإندونيسيا وتركيا التي تمتاز بتعدد مصادر المياه!
العلاقات السياسية للدول المحايدة في الحرب الروسية الأوكرانية، تلعب دورا مهما في إختيار الدول المستهدفة من الإستثمار في الأمن الغذائي أو الشراكة معها .. كما تلعب قوانين الإستثمار وتشريعاته المرنة دورا بارزاً في الدولة المستهدفة في هذا النوع من الإستثمار.
تشير بعض دوائر المراقبة أن عدد من دول الخليج لجأ لهذا التحرك السريع لتحقيق الأمن الغذائي لشعوبها ودرء خطر الأزمة عنهم وخاصة أن مصادر المياه في الخليج عموماً محدودة لاتكفي لإحتياجات هذا النوع من المشروعات الزراعية الكبيرة .. فضلاً عن أن هذه الدول يواجه خطر التصحر وخطر التشريعات والقوانين المحتملة التي تفرض الإعتماد على الطاقة النظيفة في مقابل الطاقة التقليدية التي هي المسؤولة عن التلوث وتداعياته على المناخ وتغيراته!
لقد بات الأمر معقداً جداً الآن على مستوى الدول التي تعتمد في دخلها على الطاقة التقليدية كالبترول وغيره .. حيث ستكون ورقة تغير المناخ أداة تحكم جديدة في يد الدول الكبرى على الدول الأخرى .. بذريعة حماية العالم من التلوث والحد من تغيرات المناخ التي تهدد العالم باختفاء جزر بل مدن وبلاد بأكملها!!
هناك ركيزتان في قدرات الدولة الزراعية حسب المفهوم الحديث للأمن الغذائي، ماقد يزيد الوزن النسبي لدولة صغيرة أمام دولة كبيرة بغض النظر عن حجم ماتملكه الدولة من مساحات منزرعة أو كمية المياه المتوافرة المتدفقة، هما:
1- البذور .. ومدى امتلاك الدولة لمراكز بذور تحتوي على سلالات قوية تمثل أمهات .. يمكن أن تبقى سنوات طويلة وتأخذ الدولة ماتشاء منها ولاتضعف بمرور الزمن وتكون آمنة صحياً.
2- تقنيات حديثة وذكية للري وللتلقيح .. عبر الصوبات الزراعية التي قد يرتفع بعضها ليصل إلى 15متر مما يضاعف المساحة المنزرعة ويضاعف المحصول أضعافاً كثيرة !!
إن المفاهيم الجديدة في الزراعة وإمتلاك الدولة تقنيات حديثة وذكية يضاعف من قدراتها الزراعية وبالتالي من تحقيقها لمفهوم الأمن الغذائي لشعبها بدرجة كبيرة .. فلم تعد الدول ذات المساحة الزراعية الكبيرة وذات مصادر المياه المتدفقة وذات التربة الخصبة هي الأقوى فحسب في مجال الزراعة، بل بتعديل بسيط وصغير في جدول الأوزان النسبية لقوى الدولة في مجال الزراعة / الإقتصاد، بين دولتين إحداهما صغيرة والأخرى كبيرة..بقياس ( مراكز البذور _ تقنيات الري الحديث _ التلقيح الذكي_ الصوبات الزراعية….) يمكن أن تكون النتيجة في صالح الدولة الصغيرة وبالتالي .. تتمكن القوة الصغيرة من أن تهزم قوة أكبر أو جيش نظامي !.
لقد إستشرفت القيادة السياسية في مصر إحتمالية أزمة غذاء في وقت مبكر، فيها من خلال تكليف جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة عبر شركاته المتعددة بعمل مشروعات زراعية عملاقة .. مثل مشروع المليون ونصف فدان والذي وصل لمليونين ونصف، والريف المصري والصوبات الزراعية في قاعدة محمد نجيب العسكرية وابو سلطان والعاشر من رمضان وغيرها وفي توشكى والفرافرة..!
وقد حققت هذه المشروعات الكفاية والوفرة في كثير من المحاصيل للسوق المحلي المصري وضبط الأسعار وأيضا في التصدير لبعض المحاصيل لدول الإتحاد الأوروبي وغيرها.. ولقد شكل ملف الأمن الغذائي أولوية قصوى للدولة المصرية من خلال العمل على مسارات متوازية وهي:
1- الانتاج المحلى
2- التخزين الإستراتيجي
3- تأمين مصادر إستيراد قائمة وأخرى بديلة
4- الإنتاج صحي و آمن
5- ضمان إستدامة المورد.
وجماع القول .. أن الغذاء أصبح سلاحاً إستراتيجيا في يد الدول المنتجة والمصدرة، وقد تضغط به على الدولة المستوردة لتحقيــق أهــداف سياسية!! ولازالت أسعار المواد الغذائية آخذة في الإرتفاع إلى جانب إزدياد التضخم وإستمرار الجائحة التي لا تزال تعرقل إلى حد كبير سلاسل الإمدادات العالمية..كما إن واقع تغير المناخ الذي يهدد الإنتاج في كثير من المناطق الزراعية في العالم بمزيد من الجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وحرائق الغابات ونضوب مصادر المياه الطبيعية، يمثل سيناريو مخيف !!
الحوادث وحدها تجيب على هذا السؤال وعروش وأنظمة كاملة على المحك أمام شعوبها .. إذا لم تطبق وعود الشدة في وقت الرخاء ووعود الإصلاح الإقتصادي المحددة … الستار يرفع تباعاً عن بقية القصة التي يجب على أجهزة الأمن القومي أو الوطني العمل سريعاً الآن وليس غدا، للتقليل من مخاطر هذه الأزمة الغذائية وشبح الجوع العالمي.
لا يوجد تعليقات