مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2021-10-03

الفضاء الإلكتروني.. تهديدات متزايدة تفوق القدرات التقليدية للدول

بعد أسابيع من إعلان الاتحاد الدولي للاتصالات ــــــ التابع للأمم المتحدة ــــــ لتوقعه بشأن بلوغ الخسائر العالمية الناجمة عن الجرائم السيبرانية خلال العام الجاري إلى 6 تريليونات دولار، جاءت الهجمات السيبرانية التي طالت بعض القطاعات الحيوية في عدد من دول المنطقة كأنظمة الطوارئ في اسرائيل ومن قبلها شبكة السكك الحديدية في إيران؛ وكذلك الحملات الإلكترونية ـــــ ذات الطابع الإيثاري ـــــ التي مازالت تستهدف النيل من استقرار الجبهات الداخلية لبعض الدول أو تشويه صورتها أمام المجتمع الدولي، لتشير إلى أن التهديدات القادمة عبر الفضاء الإلكتروني ــــــ في إجمالها ــــــ مازالت تشكل تحدياً كبيراً أمام السواد الأعظم من دول العالم؛ بما فيها الدول المعروفة بتفوقها في مجال الأمن السيبراني،
 
بقلم: هاني الأعصر
باحث متخصص في شؤون الأمن القومي - المدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات ـــــ القاهرة 
 
 لاسيما وأن بعض من هذه التهديدات بات يفوق القدرات التقليدية للدول؛ ومن ثم أصبح يهدد بقاءها أو استقرارها على أقل تقدير، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي في تحريك الاحتجاجات ضد الأنظمة الحاكمة في عدد من دول المنطقة فأسقطت بعضها وكادت أن تسقط بعضها الآخر؛ فيما أُطلق عليه وقتها «الربيع العربي»، الأمر الذي يثير عدداً من التساؤلات التي تبدأ بالسؤال حول أبرز التهديدات القادمة من الفضاء الإلكتروني وما يترتب عليها من تداعيات؛ وتمر بالسؤال حول المحددات أو العوامل المساعدة التي تدعم تنامي حجم التحديات التي تشكلها التهديدات السيبرانية؛ ومن ثم تفوقها على القدرات التقليدية للدول؛ وتنتهي بالسؤال حول المسارات التي يجب الإلتزام بها لمواجهة مثل هذه التهديدات. 
 
أولاً: التهديدات القادمة من الفضاء الإلكتروني.. أنماطها وتداعياتها المحتملة
تشير التهديدات القادمة عبر الفضاء الإلكتروني في مواجهة الدول إلى وجود نمطين رئيسيين ــــــ لا نمط واحد ــــــ من التهديدات، يتمثل أولهما في الهجمات السيبرانية التي تسعى ــــــ على اختلاف طرق تنفيذها ــــــ إلى الإضرار بمصالح الدول عبر استهداف فضائها الإلكتروني، سواء بغرض اختراق أمنها المعلوماتي والوقوف على حجم قدراتها الحقيقية وإمكاناتها الفعلية والذي يمكن الوصول إليه بطرق مختلفة كبرامج التجسس spyware وتقنية حقن لغة الاستعلامات المركبة (SQL) وهجمات الوسيط (Man-in-the-Middle)  والتي تسمح للمهاجم في إجمالها بالاستيلاء على المعلومات المطلوبة. أو بغرض إجهاض قدرة الدولة على القيام بدورها؛ وذلك بإفقادها السيطرة على الشبكات أو حرمانها من الوصول إلى مكوناتها الرئيسية أو تعطيل مكوناتها جزئياً أو كلياً بحيث تعجز الدولة عن تقديم الخدمات المرتبطة بنطاق الشبكات المُخترقة، ومن ثم تفقد جزء كبير من ثقة المواطنين فيها؛ وربما سيطرتها عليهم. 
 
في حين؛ يتمثل النمط الثاني من التهديدات القادمة عبر الفضاء الإلكتروني في الأنشطة الإلكترونية الهدامة والتي تكتسب خطورتها من تنوع أنماطها وأهدافها وتزايد حجم التحدي الذي تفرضه على الدول المستهدفة مع أي تطور يطرأ على الوسائل المستخدمة في تنفيذها، وأهمها الحملات الإيثارية التي يتم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو المنصات الرقمية الإعلامية بهدف تأليب بعض فئات المجتمع أو أغلبها ضد أنظمة الحكم، وكذلك حملات الدعاية السلبية التي يجري بثها عبر الأدوات ذاتها؛ سواء بغرض دعم التأثير السلبي للحملات الإيثارية ــــــ إن وجدت ــــــ أو بغرض التأثير سلباً على صورة الأنظمة الحاكمة لبعض الدول أمام المجتمع الدولي، وأخيراً تأتي الحملات الإيديولوجية / الفكرية والتي تنقسم إلى حملات سلبية تهدف إلى التشكيك في أفكار المجتمع والقيم السائدة به، وحملات إيجابية تهدف إلى نشر أفكار على عكس السائد بالمجتمع والتي يمهد بعضها لأعمال التجنيد الإلكتروني التي تمارسها بعض التنظيمات الإرهابية؛ وتستهدف بها استقطاب عناصر جديدة، وهي في إجمالها أنشطة تخريبية قد يصل مداها لحد تهديد الأمن الاجتماعي أو السياسي للدولة. 
 
ثانياً: تصاعد حجم التهديد.. المحددات والعوامل المساعدة
ترتبط التهديدات القادمة عبر الفضاء الإلكتروني في خطورتها بعدد من المحددات؛ على رأسها تلك السمات التي تميز الهجمات السيبرانية والأنشطة الإلكترونية الهدامة عن غيرها من وسائل التهديد وعمليات التخريب التي تستهدف أمن الدول واستقرارها، وأبرزها انخفاض تكلفة التنفيذ والذي لا يشجع الدول ـــــ الراغبة في الإضرار بمنافسيها أو أعدائها ـــــ على تكثيف مثل هذه الهجمات والأنشطة فحسب؛ بل يشجع أيضاً الفاعلون من دون الدول كالتنظيمات الإرهابية والمنظمات الإجرامية وجماعات المعارضة غير الشرعية والأفراد على تنفيذ مثل هذه الأعمال العدائية، وهو ما يعني اتساع دائرة الأطراف المعادية للدرجة التي تجعل من توقع الأهداف المحتملة وما يترتب عليها من تهديد أمراً أكثر صعوبة على الدول المستهدفة؛ لاسيما مع تعدد وتنوع دوافع المهاجمين والأدوات المتاحة لهم.
يضاف إلى ذلك؛ التطور المستمر والمتسارع للتقنيات والأدوات المستخدمة في شن الهجمات التخريبية والأنشطة الهدامة والذي ظهر أثره بوضوح سواء في زيادة حجم الهجمات السيبرانية التي تضاعفت خلال العقد الأخير ثلاث مرات؛ حتى إنها بلغت خلال الثمانية أشهر الأولى من 2020 ـــــ وفق دراسة من Arkose Labs ــــــ إلى 445 مليون هجمة؛ أو في تصاعد الاحتجاجات ببعض الدول والذي ارتبط بظهور المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي والتطورات التي طرأت عليها ـــــ مع نهاية العقد الأول من القرن ــــــ وسهلت ربطها بالمنصات الرقمية التي شكلت مجتمعة ما أُطلق عليه الإعلام البديل وعلى رأسها YouTube الذي لعب دوراً كبيراً في نشر المواد ذات الطابع الإيثاري التي حفزت كثيرين ودفعتهم للاحتجاج. 
 
وفي هذا السياق؛ يتزايد الدور السلبي لتطور التقنيات والأدوات المستخدمة لتنفيذ الهجمات السيبرانية في ضوء عدد من العوامل المساعدة، يحل في المقدمة منها تردي وعي مستخدمي الإنترنت بكافة أشكاله، ففي حين ساهم انخفاض الوعي الثقافي لرواد مواقع التواصل الاجتماعي والواقعين تحت تأثيره في تفاعلهم الإيجابي مع ما جرى تقديمه لهم من محتوى مُضلل، كان لإنخفاض وعي السواد الأعظم من مستخدمي الإنترنت ــــــ بالأساليب الواجب إتباعها لتجنب الهجمات السيبرانية ـــــ دوراً كبيراً في نجاح السواد الأعظم من الهجمات السيبرانية التي أدرك منفذوها الميزة النسبية لانخفاض الوعي الذي دفعهم للتمسك بالبريد الإلكتروني كقناة لتوزيع برامج القرصنة؛ وذلك بحسب CSO Online التي أعلنت أن تسليم 94٪ من البرامج الضارة يتم عبر البريد الإلكتروني. 
كما يأتي تراجع فاعلية القدرات التقليدية للدول ضمن العوامل المساعدة التي تدعم تصاعد حجم التهديدات القادمة عبر الفضاء الإلكتروني، لاسيما وأن السواد الأعظم من هذه التهديدات يأتي عبر الحدود؛ حيث لا نفوذ أو صلاحيات للدول التي تعاني مثل غيرها من المؤسسات المستهدفة من نقص عدد المتخصصين في مجال تعزيز الأمن السيبراني؛ إذ تشير بعض التقديرات ـــــ بحسب تكنوتل للتقنية والأعمال ــــــ إلى وجود نحو مليون وظيفة شاغرة في هذا المجال على مستوى العالم خلال 2020؛ يتوقع أن تصل بنهاية 2021 إلى 3.5 مليون وظيفة.
 
ثالثاً: مواجهة تهديدات الفضاء الإلكتروني.. مسارات متوازية
تختلف الاجراءات التي يجب على الدول اتخاذها لمواجهة التهديدات القادمة عبر الفضاء الإلكتروني؛ بإختلاف نمط التهديد، ففي إطار التصدي للهجمات السيبرانية تتزايد أهمية الوسائل التقنية الداعمة للأمن السيبراني التي مازال حجم الاستثمارات بها ـــــ والذي قدرته Ce Pro بـ 176.5 مليار دولار في 2020ــــــ محدوداً؛ مقارنة بحجم الخسائر التي يتكبدها العالم نتيجة لهذه الهجمات التي توقع محللو مجلة Cybersecurity Ventures أن يصل بحلول العام 2025 إلى 10.5 تريليون دولار؛ وهو ما يعني نمو حجم الخسائر المترتبة على الهجمات السيبرانية بنحو 15% سنوياً. 
أما فاعلية الوسائل التقنية وقدرتها على التصدي للهجمات السيبرانية والحد من تداعياتها فترتبطان بما يمكن أن نُطلق عليه الوسائل المساعدة أو الاجراءات المكملة لمنظومة الأمن السيبراني، وعلى رأسها تطوير المبادرات الدولية الرامية لتعزيز الأمن السيبراني؛ وذلك بالدعوة لتأسيس منظمة دولية معنية بالعمل على تحقيق ذلك مع توفير كافة الإمكانات والصلاحيات اللازمة لها، أضف إلى ذلك قيام الدول بوضع استراتيجيات وطنية قادرة على معالجة نقاط الضعف التي تعزز من فرص نجاح الهجمات السيبرانية، وبناء الشراكات مع الأطراف الإقليمية والدولية؛ سواء الساعية لتعزيز أمنها السيبراني أو المالكة للخبرات.  
 
يختلف الأمر كثيراً في إطار التصدي للأنشطة الإلكترونية الهدامة؛ إذ يتراجع دور الحلول التقنية؛ لاسيما وأنها تعتمد ــــــ في هذه الحالة ـــــ على “سياسة تجفيف المنابع” عبر حجب المواقع وإغلاق المنصات المستخدمة في الحملات الإلكترونية ضد الدولة، وهو ما يتم استغلاله من قبل الأطراف والجماعات المعادية للدولة في شن المزيد من الحملات المسيئة والإيثارية، لتظهر أهمية قيام الدول بوضع وتطبيق استراتيجيات وطنية قادرة على درء المخاطر المحتملة لهذه الأنشطة، عبر ما يمكن أن نُطلق عليه “سياسة تفكيك الأثر” والتي تستلزم تحقيق حزمة من الأهداف؛ كالحفاظ على إيجابية الصورة الذهنية لقيادات الدولة ومؤسساتها؛ والحفاظ على معدلات الرضا الشعبي مرتفعة؛ ورفع درجة وعي المواطنين بالتهديدات التي تتعرض لها الدول وإحاطتهم علماً ــــــ وبشكل غير مباشر ـــــــ بالأطراف المعادية لها؛ وكذلك بناء حالة من الثقة بين قيادات الدولة ومختلف فئات المجتمع وبخاصة الفئات المستهدفة بالأنشطة الإيثارية وقادة الرأي العام الأكثر تأثيراً فيهم، وأخيراً التعامل بجدية مع كافة الأنشطة الإلكترونية الهدامة؛ بما تتطلبه هذه الجدية من تفنيد للمحتوى والرد عليه بشكل مباشر عبر بيانات رسمية؛ أو غير مباشر عبر محتوى إعلامي أو درامي يدحض ما جاء فيه. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره