مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-10-01

القاذفات الروسية المستقبلية وسباق التسلح

مجمع الطيران المستقبلي للطيران البعيد المدى
 
لا شك في أن التنافس في تطوير السلاح بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لم يتوقف قطّ، وذلك في إطار حرص كل دولة منهما على مجاراة خصمها في إنتاج أسلحة مشابهة ومناظرة، ما يعني أن سباق التسلح، وإن خفت وتيرته، لا يزال مستمراً، وقد يشهد تصعيداً جديداً يكون له انعكاسات مهمة على قضايا ومناطق كثيرة.
 
إعداد:تامر ياسر فياض
 
 
 
 
بينما تنهمك صناعة الطيران الأميركية في تصميم الجيل التالي من القاذفات لسلاح الجو الأمريكي، فإن روسيا لديها برنامج مشابه يعرف بـ"PAK_DA".
إن مشروع PAK-DA والذي يعني حرفياً "مجمع الطيران المستقبلي للطيران البعيد المدى" يعتبر مشروع الجيل القادم من القاذفات البعيدة المدى الذي يؤمل منه أن يحل يوماً ما محل قاذفتي TU-95 Bear وTu-160 Blackjack، وربما قاذفة Tu-22M Backfire. وإذا كانت قاذفات الجيل القادم الأمريكية، قد تحولت من التعقيد الشديد إلى قاذفات محدودة المهام خلال العقد الماضي، بهدف خفض تكاليف الإنتاج، فإن مشروع PAK-DA يؤمّن الأمور ذاتها خلال الفترة نفسها.
 
 
كان من المفترض أن تكون الطائرة خفية على الرادار، وسريعة بشكل جنوني، حيث صرح العديد من المسؤولين بأنها ستكون أسرع كثيراً من الصوت. وكان يُفترض أن تكون طائرة PAK-DA قادرة على التحليق بسرعات تفوق كثيراً سرعة الصوت، ولكن هذا الأمر قد تغير بشكل جذري، وأصبح من المؤكد أن القاذفة ستكون تحت صوتية وبتصميم يولي اهتماماً أكبر للقدرة على التحليق لمسافات أطول والقدرة على حمل أوزان أكثر. هذا التغيير في الأولويات أدى إلى ولادة تصميم "الجسم الجناح" الذي يشبه نوعاً ما تصميم ناسا في طائرة X-48. 
 
 
ويقول قائد الطيران العسكري، والخبير الاستراتيجي الروسي الجنرال أناتولي جيخاريف إنه لا يتوقع أن تفوق سرعة قاذفة المستقبل التي تتطلع القوات الجوية الروسية إلى الحصول عليها، سرعة الصوت بمراحل. كما أكد الجنرال جيخاريف لوكالة أنباء “نوفوستي” أن قاذفة القنابل الجديدة الجاري العمل في تصنيعها لن تصل سرعتها إلى أضعاف سرعة الصوت. وأشار إلى أن القوات الجوية الروسية ستتسلم “قاذفات المستقبل” التي تستطيع أن تطلق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، بحلول عام .
 
 
القدرات
وكما هي الحال في المقاتلة T-50 فإن قدرة القاذفة PAK-DAعلى التخفي عن الرادار (الشبح) على الأرجح ستكون نتاجاً للموازنة بين الكلفة ومخاطر التصميم. وهنالك مؤشرات عدة تؤكد أن القاذفة ستحمل الكثير من مواصفات المقاتلة PAK-FA، بما في ذلك تصميم "الجناح" الكبير، وحاويات الأسلحة المتعددة في بطن الطائرة، وجناحي الذيل الصغيرين المائلين.
 
 
ويقول ميخائيل بوغوسيان من "شركة الطائرات المتحدة UAC" وهي شركة صناعة الطيران الروسية شبه الحكومية، إن مكتب توبوليف للتصميم الأسطوري قد أنجز تصميم قاذفة PAK-DA في مطلع العام الماضي. ولا تزال المعلومات التفصيلية عن القاذفة المستقبلية الروسية غير مؤكدة بالكامل، ولكن يتم الحديث عن أن وزنها الفارغ سيبلغ 125 طناً، فيما يمكنها حمل نحو 30 طن. 
 
 
موعد الإطلاق
وقد أجلت روسيا موعد إطلاق تصميم قاذفتها الجديدة مرات عدة، ولكن تم مؤخراً الإعلان عن تاريخ مستهدف لطيرانها الأول ودخولها الخدمة على لسان الفريق فيكتور بونداريف حيث قال: "الطيران الأول سوف يتم في العام 2019 وستستكمل الاختبارات والتوريدات في العام 2023 وبعد ذلك ستدخل القاذفة في الخدمة".
 
 
ويؤكد مسؤولون روس أن مشروع PAK-DA سوف يسير وفق المخطط له بالرغم من الصعوبات المالية التي تعانيها روسيا بسبب انخفاض أسعار النفط، والعقوبات التي فرضها الغرب عليها بسبب تدخلها في الأزمة الأوكرانية.
تم في أواخر العام الماضي اختبار المحركات التي من المفترض أن تستعمل في القاذفة، حيث يقال أن مركز كوزنيتسوف للتصميم الذي يصنع جميع المحركات التي تشغل حاليا كل القاذفات الروسية بعيدة المدى قد قام باستعمال نسخة معدلة من محرك NK32 الذي يشغل حاليا قاذفات TU-160 Blackjack الروسية والذي يشتهر بكونه آخر التصميمات العظيمة في الحقبة السوفياتية. 
 
 
من المعروف أن محرك NK-32 المركب حاليا على طائرات TU-16 الروسية يعطي قوة دفع تقدر بـ 31000 باوند بالطاقة القصوى العسكرية و55000 باوند في حال استعمال الحارق اللاحق بطاقته القصوى. وبفضل تصميم المروحة التوربينية فإن محرك الجيل الثاني من NK-32 لن يجاري قوة شقيقه المركب على طائرة Blackjack عند تشغيل الحارق اللاحق، ولكنه سوف يستثمر القوة الأساسية له، وسوف يركز على تحسين القوة العسكرية للمحرك أو ما يسمى "الدفع الجاف" الذي يستهدف تحسين مستوى الاقتصاد في استهلاك الوقود. 
 
 
حتى ولو بدا الإطار الزمني الروسي المحدد لإطلاق القاذفة الجديدة متفائلاَ، وتأخر دخول القاذفة للخدمة حتى عام 2030 فإنها سوف تبقى إنجازاً مهماً. ففي ذلك الوقت سوف تكون طائرة TU-95 Bear الروسية ومثيلتها الأميركية B-52 قاربتا الـ75 عاماً من العمر، وسيكون الوقت قد حان تماماً لاستبدال القاذفة الروسية، ولاسيما بعد الازدياد الكبير في استخدام القاذفات الروسية حول العالم، والذي كان بغالبيته يتركز على القاذفة Tu – 95 التي من غير المؤكد أنه قد تم أخذ هذه الزيادة في عدد الطلعات عندما تم تحديد العام 2040 لخروجها من الخدمة. 
 
 
لا يتوقع لقاذفة PAK-DA أن تماثل قرينتها الغربية من حيث قدرتها على التخفي عن الرادار (الشبح)، ولكن بفضل خفض بصمتها الرادارية بمعدل 75% على ترددات حزم الرادارات المضادة لطائرات الشائعة، فإنها سوف تتمكن من الاقتراب كثيراً من هدفها من دون أن تُكتشف. ويعتبر هذا نجاحاً كبيراً بالنظر للطبيعة الهجومية للقاذفة، ويمكنها من الدخول إلى مجال الإطلاق على حاملات الطائرات قبل اكتشافها.
 
 
لا يوجد أي حديث في روسيا عن أي استعمال لقاذفة PAK-DA غير الاستعمال المتعارف عليه كقاذفة و/أو منصة إطلاق لأسلحة هجومية. بينما تم تصميم وبناء القاذفة الأمريكية بعيدة المدى للقيام بالعديد من المهام المتنوعة، بما في ذلك مهام المسح الجوي واستعمالها كعقدة بين شبكات الاتصالات.
 
 
 بما أن قاذفة PAK-DA لن تضطر لاختراق الأجواء المعادية عالية الحماية، ولن يكون عليها التسكع في هذه الأجواء بفضل كونها منصة لإطلاق الأسلحة الهجومية، فإن خيار التقليل من قدرتها على التخفي بمقابل التقليل من التكاليف والمخاطر يعتبر خياراً منطقيا جداً.
 
 
هنالك بعض الشائعات التي تفيد بأنه قد تمت الاستعانة بإلكترونيات الطيران الخاصة بطائرة PAK-FA أو مشتقاتها بهدف اختصار الوقت، كما هي الحال في طائرة LRS-B، حيث تمت الاستعانة بأنظمة وتقنيات مستعملة سابقاً لاختصار الزمن وخفض التكاليف.
 
 
في نهاية المطاف فإن روسيا تؤمن بأنها تحتاج إلى شاحنة أسلحة بعيدة المدى وبدون شك فإن القاذفة PAK-DA هي تلك الشاحنة. وما علينا إلا الانتظار لرؤية ما سيرى النور، إن كان مقدراً لهذا المشروع أن يكتمل. فالأزمة الاقتصادية الروسية مرشحة للتفاقم إذا ما تم تطبيق المزيد من العقوبات على روسيا، وإذا استمرت أسعار النفط بالانخفاض. وبوجود العديد من الأولويات الأخرى، مثل: إعادة بناء الأسطول البحري الروسي، وتطوير الدبابات الروسية، وتحديث منظومة الصواريخ البالستية. وسيكون من المهم مراقبة كيف سيوزع الكرملين ميزانيته المالية للحفاظ على البرامج الأساسية الروسية على قيد الحياة على الأقل.
 
 
تكلفة المشروع
من الممكن تغطية بعض تكاليف مشروع PAK-DA عن طريق الدخول في شراكة بهذا المشروع مع بعض الدول مثل الصين أو الهند. بيد أن الصين تبدو متفوقة على روسيا بتقنيات (الشبح) ويقال إنها تمتلك برنامجها الخاص لإنتاج قاذفة شبح خاصة بها. ولكن الصين ما تزال بحاجة لمنصة أسلحة بعيدة المدى ولا يوجد لديها أية ضمانات بأن خيار تنفيذ هذا المشروع لوحدها أفضل من شراكتها مع روسيا، ولاسيما إذا ما أخذت الصين بعين الاعتبار أن روسيا تمتلك ما لا تمتلكه هي، وهو تقنية المحركات المتطورة. 
 
 
بطبيعة الحال فإنه ليس لدى روسيا ما يستفز ويقلق خصومها أكثر بكثير من القاذفة البعيدة المدى. فعيون طائرة Tu-95 التي تحلق قريباً من شواطئ دولة من دول الناتو تؤدي إلى عواقب جيوسياسية أكثر بكثير من بناء قاعدة صواريخ بالستية عابرة للقارات تقبع داخل أنابيب مدى حياتها. هذا وحده ما يجعل من إطلاق روسيا لقاذفة جديدة ذات قدرة أكبر على التهديد أولوية قصوى لدى خصومها الذين يعرفون تماماً أن روسيا تلعب معهم لعبة الحرب النفسية والدعائية.
 
 
تبقى الإشارة إلى أن هناك من يرى، واستناداً إلى تحليلات وتصريحات لمسؤولين روس في وزارة الدفاع وقطاع التصنيع الحربي، أنه تم وضع  الجيل الخامس من المشروع الروسي لقاذفة القنابل على نار هادئة، وأنه لن يتم إنتاج الطائرة وأن هذا المشروع تم تأجيله من أجل الاهتمام بإنتاج نسخة متطورة من قاذفة الحقبة السوفييتية النووية الخارقة لجدار الصوت Tu 160. ولا شك أنه في حال ثبوت قرار تجميد تطوير الـ PAK DA والتركيز على تحديث الـ Tu-160، فإن ذلك يعكس الصعوبات التي تواجهها روسيا في تطوير جيشها في ظل العقوبات الاقتصادية على روسيا، وهبوط أسعار النفطز
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره