مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2012-09-01

القــدرة على ضـرب الأهـداف البريــة من البحر

 
تمثل القدرة على ضرب الأهداف البرية من البحر تغيراً مثيراً في القدرات العملياتية في الحرب الحديثة، حيث أن سفن السطح والغواصات يمكن أن تشترك مع حاملات الطائرات لتكوين قوة ضاربة لهذه الأهداف، وهذا يعني أن كل قاذف إطلاق - سواء كان محمولاً على سفينة أو غواصة أو على طائرة- يمكنه أن يحدث تأثيرات كبيرة ودقيقة، خاصة بعد التطويرات المستقبلية على الأسلحة بعيدة المدى، دقيقة التوجيه، وهذه القدرات الجديدة ستعظم من دور سلاح البحرية في تنفيذ الضربات الدقيقة من البحر، مما يمكنها من ضرب الأهداف البرية التي لا تستطيع الأسلحة الأخرى ضربها.
 
إعداد: د. شريف علي محمد
 
لقد كانت حاملات الطائرات تقوم بمهام القوة البحرية في تنفيذ الضربات من البحر، ولكن خبرات الحروب الحديثة أكدت أن كلاً من سفن السطح والغواصات لها دور متزايد في هذا المجال بعد تزويدها بأسلحة بعيدة المدى ودقيقة التوجيه، مثل صواريخ Tomahawk، وهذه الأسلحة يصعب اعتراضها، ولها تأثير قوي على الأهداف الثابتة فوق سطح الأرض، مثل القواعد الجوية والموانىء والمستودعات، وهذا يستدعي أن تكون السفن في مأمن من أسلحة العدو المضادة، مثل الألغام البحرية، والطائرات قصيرة المدى، والمقذوفات والزوارق الصغيرة وأسلحة الدفاع الساحلي والغواصات، وكلها أسلحة متوفرة لدى العديد من الدول، ويمكن استخدامها في الحرب غير المتماثلة.
وتساعد الأسلحة بعيدة المدى ودقيقة التوجيه على أن تقوم البحرية بتنفيذ الضربات ضد الأهداف البرية من خلال منصات متعددة، حيث يمكن تحميل هذه الأسلحة على قواذف الإطلاق الرأسية على سفن السطح والغواصات وتحقيق أقصى استفادة من تكتيكات استخدام الأسلحة التي تطلق من بعد دون الاعتماد على الطائرات، وهذه الأسلحة ما زالت تخضع لأعمال تطوير وتحديث واعدة بخلاف الطائرات المقاتلة، وذلك لزيادة قدراتها وتقليل تكلفتها، وزيادة قدرات هذه الأسلحة تزيد بالتالي من الميزات النسبية لاستخدام المنصات البحرية في توجيه الضربات ضد الأهداف البرية.
 
دور حاملات الطائرات
تاريخياً وحتى اليوم تعتبر حاملات الطائرات مركز القدرة البحرية لتوجيه الضربات الدقيقة من البحر من خلال الطائرات التي تحملها، ولا ينتظر في المستقبل القريب أن يتغير حجم القوة الجوية التي تحملها هذه الحاملات، بالرغم من التحديثات التي تمت على تصميماتها بعد انتهاء فترة الحرب الباردة، مع العلم بأن متوسط عمر الحاملة 50 عاماً، وأن الحاملة لها سعة استيعاب محدودة من الطائرات التي تحملها على سطحها، ويمكن تعظيم الاستفادة من هذا السطح بزيادة امكانيات الطائرات نفسها وجعلها مقاتلات ضاربة متعددة المهام لتقوم بمهام إضافية، مثل حماية الحاملات نفسها، ومرافقة الطائرات الضاربة الأخرى، وهذه الطائرات تحتاج إلى التزود بالوقود في الجو عند مهاجمة الأهداف البرية البعيدة، إضافة إلى زيادة معدل الطلعات، والتزود بالمقذوفات دقيقة التوجيه، بعيدة المدى.
 
وفي ثمانينيات القرن العشرين، برزت لدى البحرية الأمريكية الحاجة إلى صاروخ هجوم أرضي، يمكن اطلاقه من الطائرة F/A-18 Hornet المحمولة بحراً على حاملة الطائرات، وبدلاً من تصميم صاروخ جديد، استخدمت البحرية الأمريكية كل مكونات الصاروخ المضاد للسفن Harpoon، ما عدا نظام التوجيه والباحث، وأضافت مستقبل نظام GPS ونظام التوجيه الضوئي ووصلة البيانات المستخدمة مع الصاروخ Maverick ، ونتج عن ذلك صاروخ الهجوم الأرضي Stand-Off Land Attack Missile SLAM  طراز AGM-84E  الذي يوجه بالقصور الذاتي مع نظام GPS، ويوجه في نهاية المسار بالأشعة تحت الحمراء، ومزود بالرأس الحربي المستخدمة في الصاروخ "توماهوك" لتحقيق اختراق أكبر، وقد استخدم هذا الصاروخ بنجاح في عاصفة الصحراء وحرب البلقان.
وقد تم تحديث الصاروخ "سلام" إلى الطراز SLAM-ER (Expanded Response) Block 1F لمضاعفة مداه ليكون أكثر من 150 ميل، ولزيادة قدرته الاختراقية باستخدام مادة التيتانيوم، وتم تحديث البرمجيات ليتمكن الطيار من إعادة تحديد نقطة التصويب في المرحلة النهائية لمسار الصاروخ "في الخمسة أميال الأخيرة"، وسيتم تحديث كل صواريخ "سلام" الموجودة لدى البحرية الأمريكية إلى الطراز  SLAM-ER.   
 
دور الغواصات وسفن السطح
يتميز استخدام الغواصات كمنصات إطلاق الصواريخ بعيدة المدى، دقيقة التوجيه، ضد الأهداف البرية في أن الغواصة بطبيعتها منصة خفية يسهل حمايتها، وهذا يحقق التخفي مع توجيه الضربات القاتلة، ولقد أنتجت ثورة المعلومات جيلاً جديداً من الأقمار الصناعية القادرة على تحقيق اتصالات بالغواصات، وهو ما كان مفقوداً خلال حقبة الحرب الباردة، حيث كان يصعب الاتصال بين الغواصات والمنصات البحرية الأخرى، ولكن الآن يمكن بسهولة ربط الغواصات بشبكات القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسب والاستخبارات والكشف والاستطلاع. 
 
ومن ناحية أخرى، فإن تحويل الغواصات التي تحمل أسلحة نووية مثل الصواريخ "ترايدنت" إلى غواصات تحمل أسلحة تقليدية، وفقاً لاتفاقيات خفض الأسلحة النووية بين موسكو وواشنطن، سوف يتيح حيزاً أكبر في الغواصة لحمل المزيد من الصواريخ بعيدة المدى، دقيقة التوجيه، مع زيادة قدرات الاتصال والربط مع شبكة C4ISR لزيادة دقة التصويب، وإدارة النيران، وتقويم نتائج الضرب، ويلاحظ أن أنابيب إطلاق صواريخ "ترايدنت" النووية أكبر كثيراً من قواذف الإطلاق الرأسية المستخدمة في سفن السطح والغواصات، والقواذف الرأسية يمكنها استيعاب أسلحة مختلفة لا يزيد قطرها عن 21 بوصة، بما في ذلك صواريخ "توماهوك"، وبذلك فإن استخدام الغواصات التي تم تحويلها لتحمل أسلحة تقليدية له تأثير كبير على قدرات ضرب الأهداف البرية من البحر من منصات خفية مؤمنة، وخاصة مواقع الدفاع الجوي والدفاعات الساحلية.
وتاريخياً، وبالمقارنة بالغواصات الهجومية الصغيرة، فإن سفن السطح بها عدد أكبر من قواذف الإطلاق العمودية، وبالتالي لها قدرات أكبر على شن الضربات ضد الأهداف البرية بعدد أكبر من الأسلحة، بالرغم من أن سطح السفينة يجب أن يستوعب أنظمة تسليح وتجهيزات أخرى.
 
ويستخدم الصاروخ "توماهوك" في جميع الأجواء من السفن والغواصات لمهاجمة الأهداف البرية، وبعد الإطلاق يتم دفع الصاروخ بواسطة محرك يعمل بالوقود الجاف، وعندما تبدأ مرحلة التطواف يتم الدفع بواسطة المحرك المروحي التوربيني، ويصعب كشف الصاروخ بالرادار نظراً لصغر بصمته الرادارية، وطيرانه على ارتفاع منخفض، وكذلك فإنه يصعب كشفه بالمستشعرات الحرارية لأن المحرك المروحي التوربيني تنبعث منه كمية حرارة بسيطة. 
وقد استخدم الصاروخ "توماهوك" لمهاجمة العديد من الأهداف البرية الثابتة، ومنها مواقع بطاريات الدفاع الجوي ومراكز الاتصالات، ونسخة الهجوم الأرضي للصاروخ تستخدم التوجيه الراداري الذي يتواءم مع الكنتورات الأرضية Terrain Contour Matching :TERCOM، حيث يحتفظ الصاروخ في ذاكرته بخريطة مرجعية لمقارنة محتوياتها مع المحتويات الموجودة في الطبيعة، وذلك لتحديد موقع الصاروخ، وفي مرحلة الإطباق على الهدف يتم مقارنة صورة الهدف مع الصورة المخزنة في الذاكرة.
 
والصاروخ "توماهوك" بعيد المدى، دقيق التوجيه، ويستخدم مستقبل نظام GPS، واستخدم تصميمه الأول Tomahawk Land Attack Missiles :TLAM ضد الأهداف البرية الثابتة غير المحصنة، وتستخدم الغواصات وسفن السطح حالياً للهجوم البري الطراز Block II ، أما الميزة الرئيسية في هذا الطراز فهي أنه يحتوي على مستقبل لنظام  GPS مما يقلل بدرجة كبيرة وقت تخطيط المهمة، وهناك خياران للتحديث لما بعد الطراز  Block III ، وكلاهما يتواءم مع القواذف الموجودة على سفن السطح والغواصات، ويستخدم وصلة نقل بيانات تعمل مع الأقمار الصناعية على الحيز الترددي UHF مما يسهل عملية تقويم نتائج الضرب، والخيار الأول هو تطوير الطراز Block IV، أما الخيار الثاني فهو استخدام صاروخ "توماهوك" التكتيكي، الرخيص الثمن.
 
الصواريخ البالستية 
شهدت عاصفة الصحراء أول استخدام قتالي للسلاح بعيد المدى، ودقيق التوجيه، ممثلاً في الصاروخ "توماهوك" والصاروخ البالستي Army Tactical Missile System :ATACMS، وقد مثلت هذه الصواريخ مع الطائرات الخفية ثلاثة وسائل لاختراق الدفاعات الجوية المتقدمة بأسلحة دقيقة التوجيه دون الحاجة المسبقة لإخماد الدفاعات الجوية والأرضية، وستعتمد زيادة هذه القدرات على التقدم في مجالات شبكات المستشعرات وزيادة دقة الأسلحة لمهاجمة الأهداف البرية التي يتم كشفها بهذه المستشعرات، وزيادة الاعتماد على نظام GPS في التوجيه، وهذه الدقة حالياً في حدود 20 متر في ظل وجود أعمال إعاقة إلكترونية، ومن المنتظر أن تزيد إلى 2-3 متر، وعلى سبيل المثال فإن مضاعفة دقة الصاروخ البالستي تؤدي إلى خفض وزن الحمولة لتدمير هدف ثابت إلى الثمن، فمثلاً تحقق الرأس الحربي زنة 250 كلج ولها درجة دقة 2-3 متر ما تحققه رأس زنة 2000 كلج.
وباستخدام تقنيات ثمانينيات القرن الماضي، أمكن للصاروخ البالستي ATACMS في عاصفة الصحراء حمل رأس حربي زنة 1200 رطل إلى مسافة أكبر من 100 كلم، وبإجراء تعديلات بسيطة سيمكن تحميل الصاروخ على القواذف الرأسية في سفن السطح والغواصات، وبزيادة الدقة إلى 2-3 متر سيكون هناك جيل جديد من الصواريخ الباليستية الأرخص والأبعد مدى، والتي يمكن تحميلها بأعداد أكبر على نفس القواذف، مما يعطي السفن التي تحمل 100 قاذف رأسي لإطلاق نحو 300 من هذه المقذوفات، وسيكون بامكان الغواصات المزودة بعدد أكبر من هذه القواذف إطلاق 500-1000 مقذوف. 
 
وبالمقارنة، فإن صاروخاً من طراز "توماهوك" يمكنه أن يحقق مدى أطول من صاروخ باليستي له نفس الوزن والحجم، ولكن من ناحية أخرى فإن سرعة "توماهوك" أقل من سرعة الصاروخ الباليستي، وكلا الصاروخين سيزودان بنظام الملاحة المزدوج GPS/INS ، ونظراً لسرعــته البطيئـــة فإن "توماهوك" يكون أكثر تعرضاً للإعاقة على نظام GPS لأنه يستغرق وقتاً أطول في التعرض لوسائل الإعاقة في منطقة الهدف، وهذا يستدعي وجود مستشعر يعمل في المرحلة النهائية للطيران، وبالتالي إعادة تخطيط المهمة، واستخدام وصلة بيانات تتيح تدخل العنصر البشري في عملية التوجيه، أو استخدام تقنيات التعرف على الأهداف.
 
وهناك خياران أمام البحرية الأمريكية بخصوص تطوير صواريخ باليستية تكتيكية لضرب الأهداف البرية من البحر، الخيار الأول هو تطوير صاروخ الجيش ATACMS إلى طراز بحري يسمى NTACMS، وتنتج منه عدة طرازات تتراوح مداها بين 100-300 ميل، وتحمل الرأس الحربية ذخائر فرعية لتستخدم ضد الأهداف الناعمة، أو ذخائر Brilliant Anti-Tank :BAT المضادة للدبابات، أو رأساً اختراقية لاختراق الأهداف الصلبة والمحصنة المدفونة، وسيصمم نظام NTACMS من البداية ليتوافق مع قواذف الإطلاق الرأسية في سفن السطح والغواصات، أما الخيار الثاني فهو تحديث طراز قديم من صاروخ بحري مضاد للطائرات وتحويله إلى صاروخ هجوم بري بمدى 150 ميل، والعنصر الرئيسي في التحديث هو المستشعر ونظام التوجيه مع الاحتفاظ بنفس الرأس الحربي شديد الإنفجار، وسيكون ثمن هذا الصاروخ حوالي نصف ثمن الصاروخ NTACMS، وسيتواءم مع قواذف الإطلاق الحالية على سفن السطح، ويجرى دراسة امكانية مواءمته للاستخدام مع القواذف الموجودة في الغواصات. 
 
تقويم نتائج الضرب
ومن ناحية أخرى، فإن ما يعتبر عيباً في الصاروخ الجوال يمكن أن يتحول إلى ميزة، حيث يمكن تقويم نتائج إصابة الصاروخ للهدف لمعرفة إذا كان من الضروري إطلاق صواريخ أخرى أم أن الإصابة كانت مدمرة للهدف ولا داعي لإطلاق صواريخ أخرى، وقد ظهرت أهمية عملية تقويم نتائج الضرب هذه في عملية عاصفة الصحراء، حيث أدى عدم وجود هذه الامكانية إلى جعل القادة يطلقون صواريخ كثيرة لزيادة احتمال إصابة الهدف، ومع وجود أسلوب للتقويم الفوري سوف يلجأ القادة والمخططون إلى اتباع أسلوب "اضرب- أنظر- اضرب"  ، وبالتالي يمكنهم توجيه الضربات التالية إلى الأهداف التي لم يتأكد تدميرها.
 
ومن مميزات الطائرات الضاربة عن المنصات الأخرى التي تطلق الأسلحة بعيدة المدى أن الطائرة غالباً ما تعود إلى قاعدتها ومعها معلومات يمكن استخدامها في عملية تقويم الإصابة، وإذا تم تركيب مستشعر على الصاروخ الجوال يمكنه إرسال نفس المعلومات التي ترسلها الطائرة، فسوف يؤدي ذلك إلى إرسال صورة للهدف وموقعه محدداً بنظام GPS قبل الإصابة مباشرة، ولكن تركيب هذا المستشعر على الصواريخ الباليستية يعتبر في غاية الصعوبة، ويزيد كثيراً في التكلفة، ولكن يمكن للصاروخ الباليستي بسهولة الإفادة عن موقعه بنظام GPS قبل اصطدامه بالهدف مباشرة مما يساعد في تقويم نتيجة الضرب، خاصة بالنسبة للأهداف الثابتة.
 
يمكن للأسلحة بعيدة المدى ودقيقة التوجيه أن تقلل بدرجة كبيرة من كمية المقذوفات التى يمكن اطلاقها من البحر لتحقيق التأثير المطلوب على الأهداف البرية، وتحتاج البحرية الى المزيد من المرونة فى زيادة قدراتها فى هذا المجال، ويتطلب ذلك أعمال تطوير وتحديث تشمل المنصات والأسلحة وتحديد الأهداف البرية التى يكون ضربها مؤثراً بهذه الأسلحة.
 
 
 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره