مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2015-12-01

القوة الذكية والسياسة الخارجية الإماراتية

توظيف ذكي لعناصر القوة الصلدة والناعمة
تتابع دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ بداية العِقد الحالي، سياسةً خارجيةً ديناميكية وفعّالة؛ حيث تنتهج سلوكاً نشِطاً وحازماً إزاء بيئتها الإقليمية بخاصة، وتتزعم قضايا جديدة، وعلى رأسها مكافحة الإرهاب والتطرف والحؤول دون "تسييس الدين".علاوة على ذلك، خطت الدولة لنفسها دوراً خارجياً "قائداً"، أو على الأقل "طموحاً"،وأعادت توجيه نمط التحالفات الإقليمية.ويستند ذلك كله إلى توظيفٍ "ذكي" لعناصر القوة الإماراتية الصلدة والناعمة؛ من أجل تحقيق أهداف السياسة الخارجية.
 
بقلم: د. أيمن الدسوقي
 
تتضمن القوة الذكية، بحسب جوزيف ناي، أحد أبرز أساتذة العلاقات الدولية، خليطاً أو مُركباً من عناصر ومهارات القوة الصلدة (أو الخشنة) ونظيرتها الناعمة التي تمتلكها الدولة. وتشير القوة الصلدة إلى القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة، من خلال القهر والإجبار والمكافآت المادية. ومن ثم، تعتمد على الأدوات العسكرية والاقتصادية والتحالفات الدولية.أما القوة الناعمة، فتعني القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة، من خلال جذب الآخرين واستمالتهم، وإقناعهم بوحدة الأهداف، وتعتمد على المقدرات الثقافية، والمقدرات الدبلوماسية والإعلامية، وعدالة أو شرعية السياسات الخارجية المتبعة، وجاذبية النموذج الذي تطرحه الدولة،وما تصنعه لنفسها من صورةٍ دولية، وقدرتها على الاندماج الدولي.
 
ووفقاً لـ"ناي"، فإنّ الدول الأكثر تأثيراً وفعالية هي التي توظف نسباً متفاوتة أو مركباً خلّاقاً من أدوات القوة الصلدة والناعمة التي تمتلكها. ويُحدد السياق، أو الموقف الذي تواجهه الدولة، نسبة هذه الأدوات إلى تلك في هذا المركب. ومن ثم، فالقيادة الناجحة هي التي تمتلك ذكاء أو فِطنة السياق، ويكون لديها القدرة على تكييف أدوات القوة المختلفة في مواقف متباينة.
 
القوة الصلدة في سياسة الإمارات الخارجية:
أصبحت دولة الإمارات أكثر استعداداً لاستخدام مقدراتها العسكرية، التي شهدت بآخرة تنامياً ملحوظاً كماً وكيفاً؛ في مكافحة الإرهاب الدولي، ودعم الاستقرار الإقليمي، وتأييد الشرعية الدولية، وتأكيد أو تعزيز تحالفاتها. كما تستخدم الدولة "محفظتها المالية"، في صورة تقديم مساعدات خارجية؛ لإدراكهاأهمية هذه المساعدات في تشكيل صورة الدولة في الخارج، والتفاعل الإيجابي مع الجيران والإقليم الواسع، فضلاً على تعزيز التحالف.
 
فقد ساهمت الإمارات في قوة المساعدة الأمنية الدولية "إيسافISAF" في أفغانستان منذ العام 2003، وتعهدت بإبقاء بعض قواتها هناك حتى بعد انتهاء مهمة القوة الدولية في أواخر العام المنصرم.كما شاركت، في العام 2011، بقوات "درع الجزيرة"؛ لمساعدة البحرين على تأمين المنشآت الحيوية ومواجهة الاضطرابات الداخلية المدعومة من الخارج. ولا يزال بعض قوات الشرطة الإماراتيين يخدمون هناك. 
 
وانضمت الإمارات إلى "عملية الحامي الموحد"، بقيادة حلف شمالي الأطلنطي (الناتو)، في ليبيا، في مارس 2011، من أجل حماية المدنيين ضد القوات الموالية للعقيد معمر القذافي، وتطبيق منطقة الحظر الجوي فوق البلاد، التي تم تأسيسها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1973. وبعد سقوط القذافي، اعترفت الإمارات بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلاً وحيداً للشعب الليبي، وقامت بمساندته مالياً، وأمدته ببعض المعدات العسكرية. وتفعلْ الشيء نفسه الآن مع الحكومة الليبية المعترف بها دولياً، التي تتخذ من شرق ليبيا مقراً لها.
 
كما تدعم الإمارات سياسياً ومالياً المعارضة السورية المسلحة، غير المرتبطة بداعش أو القاعدة، التي تسعى إلى إسقاط نظام حكم بشار الأسد،وانضمت إلى الائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" في سوريا، في خريف 2014، وهي عضو رئيس فيه. وقد كشف الدور "القائد" الذي تقوم به المقاتلات الإمارتية في استهداف مواقع التنظيم الإرهابي، والدعم اللوجستي المهم الذي تقدمهأبوظبي للمجهود الحربي الدولي عن تنامي دورها الخارجي وتعزُز تحالفاتها الدولية.
 
وتُشارك دولة الإمارات في العمليات العسكرية الجوية والبرية والتدريبية في اليمن، في إطار التحالف الخليجي-العربي بقيادة السعودية منذ مارس 2015؛ من أجل دعم الحكومة الشرعية، والحؤول دون سيطرة الحوثيين، الذين يمثلون رأس حربة لتمدد النفوذ الإقليمي الإيراني، والقوات الموالية للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، على البلاد. وتعد الإمارات الدولة الثانية في التحالف، بعد السعودية، من حيث حجم المشاركة والتأثير السياسي والعسكري.
 
ولعل ذلك يقودنا إلى الحديث عن تعزيز "التحالفات"؛ كونها من أهم مصادر القوة الإماراتية. فبالإضافة إلى التحالف العربي، عمدت الإمارات إلى تعميق شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تغطي المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية؛ ما يجعل الإمارات "حليفا" لواشنطن خارج حلف الناتو، قريباً من علاقات الأخيرة مع اليابان أو كوريا الجنوبية. 
 
ولابد من الإشارة كذلك إلى دورأبوظبي في تشكيل تكتل/تحالف سياسى أو إحياء محور "الاعتدال"، يضم الإمارات والسعودية ومصر والأدرن وربما دولاً أخرى، يؤمَل فيه وقف التداعيات الانقسامية والتفكيكية لما يحدث فى العالم العربي ومواجهة التهديدات الأمنية النابعة من البيئة الإقليمية.
 
أما بشأن المساعدات الخارجية الإماراتية، فقد بلغ إجماليها عام 2013نحو5.9 مليار دولار، بنسبة 1.45% من الدخل القومي الإجمالي، استفادت منها 145 دولة حول العالم، ولكن حصلت مصر على نصيب الأسد منها. وذهب أغلب هذه المساعدات لصالح المشروعات التنموية، والباقي توزع بين المساعدات الخيرية والإنسانية. وقد تبوأت الإمارات، في نفس العام، المرتبة السادسة عشرةعالمياًفي تقديم المساعدات الإنمائية الخارجية، والمركز الأولعالمياًكأكثرالدول المانحة للمساعداتالإنمائية الرسمية مقارنةًبدخلها القومي الإجمالي.
 
أدوات القوة الناعمة:
لا يعني تنامي القدرات العسكرية للإمارات، أو زيادة حجم مساعداتها الخارجية، أو تعزيز تحالفاتها الدولية والإقليميةأنّها تركز على أدوات القوة الصلدة في تنفيذ سياستها الخارجية وحسبْ. فالواقع أنّ صانع القرار الإماراتي يمزج بين أدوات القوة الناعمة وأدوات القوة الصلدة في متابعته لمصالح بلاده في الخارج. وأكبر دليلٍ على ذلك سعيالإماراتإلى تسوية قضية الجزر المحتلة بالوسائل السلمية، عن طريق المفاوضات المباشرة أو الاحتكام إلى محكمة العدل الدولية. 
 
وتُعد الدبلوماسية من أهم أدوات القوة الناعمة التي توظفها الإمارات، وهي "الركيزة الأساسية لعلاقاتنا الدولية، وتحقيق مصالحنا، وتعزيز رؤية قيادتنا في المحافل العالمية"، كما أكد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية بآخرة. وفي هذا الخصوص، تم تأسيس "أكاديمية الإمارات الدبلوماسية"؛لصقل مهارات دبلوماسيي المستقبل، ولتكون مركزاً عالمياً رائداً في البحث والتدريب الدبلوماسي. وسعت الدولة إلى استقطاب أفضل الخبرات للعمل في الأكاديمية، وعلى رأسهم "برناردينو ليون"، الذي سيتولى منصب مديرهاالعام، بعدانتهاءمهمتهالأمميةفي أواخر العام الجاري.
 
وقد أثبتت الدبلوماسية الإماراتية جدارتها تجاه عددٍ من القضايا الدولية والإقليمية، ويأتي في مقدمتها الحدث المصري بعد يونيو 2013؛ حيث استخدمت أبوظبي مقدراتها الناعمة لتكوين كتلة دبلوماسية مؤيدة للسلطة الجديدة في مصر. وبرغم موقفها المناوئلتنامي نفوذ المجموعات الإسلامية المسلحة في ليبيا، تؤيد الإمارات جهود التسوية السياسية الأممية للأزمة الليبية، مع التركيز على دعم الحكومة الليبية الشرعية.وهكذاْ، تحرص الإمارات، في تحركاتها الخارجية في ليبيا وغيرها، على شرعية أو عدالة السياسات المتبعة التي تحترم القوانين والأعراف الدولية، وترعى "حق الأخوة والجوار".
 
وأهم ما يسم دبلوماسية الإمارات هو الانفتاح، وهو انعكاس لطبيعة مجتمعها المحلي الذي يتسم بالانفتاح على الثقافات والحضارات المختلفة؛ حيث ترتبط الدولة بعلاقات دبلوماسية مع نحو 190 دولة في العالم. دون الحديث عن انخراطها المكثف في فعّاليات المنظماتالإقليمية والدولية. 
 
وكما أظهرت الإمارات انقتاحاً دبلوماسياً واسعاً، أبانت عن مقدرة هائلة على الاندماج في الاقتصاد الدولي. في هذا الخصوص، تأتي الإمارات في مقدمة دول المنطقة على دليلا لعولمة الاقتصادية، الذي يصدره معهدKOFالسويسري التابع لجامعة زيوريخ، وعلى على مؤشر التدوي لالذيصكه المعهد العالمي لريادة الأعمال والتنمية بواشنطن. فقد احتلت الإمارات، في عام 2015، المركزالسابع عالمياً والأول إقليمياً، في دليل العولمة الاقتصادية، متخطية في ذلك اقتصادات دول متقدمة في أوروب االغربية وأمريكا الشمالية.
 
غير أنّ أهم أدوات القوة الناعمة الإماراتية يتعلق بجاذبية النموذج (الاتحادي-السياسي، والاقتصادي التنموي، والتعددي الثقافي) الذي تمثله دولة الإمارات،  والصورة العالمية التي نجحت في صنعها لنفسها كمثال يحتذى في مجالات التنمية الاقتصادية والتعايش السلمي بين الحضارات.وترمي دولة الإمارات إلى شغل دور المحور العالمي، الذي يصل بين مختلف الدول والثقافات والمؤسسات في أنحاء العالم المختلفة.
 
وتُضيف الفعّاليات العالمية التي تنظمها وتستضيفها الدولة إلى مصادر قوتها الناعمة. ومن أهم هذه الفعّاليات معرض الدفاع الدولي (آيدكس)، الذي يُعد أضخم معرض دفاعي وأبرز الملتقيات لصانعي القرار والنخب العسكرية وخبراء ورواد صناعة الدفاعفي العالم؛ ومعرض دبي للطيران،الذي يعتبر من أكبر معارض الطيران وأكثرها نجاحاً على الصعيد العالمي؛ وقمة مجالس الأجندة العالمية التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي، التي تستضيفها الإمارات لعشر دورات متتالية منذ إطلاقها في عام 2008؛ والقمة العالمية للطاقة 2014؛ والمنتدى الإقليمي لمجموعة دولبريكس 2015، وغيرها الكثير. والأهم من ذلك، فإنّ اختيارالإماراتمقراً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة/آيرينا في سابقةٍ هي الأولى من نوعها لدولة جنوبية، وتنظيم معرض إكسبو الدولي 2020، يؤكد تزايد مكانتهاالدولية، ويعززصورتها كواجهة مميزة لتنظيم واستضافة الفعاليات العالمية.
 
وقدأدركت القيادة السياسية الإماراتية أهمية الدبلوماسية الإنسانية كأحد مصادر القوة الناعمة للدولة بأنْ جعلتها "أحد الأعمدة الرئيسة لسياستنا الخارجية"،كما يؤكد صاحب السموالشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي وعد بمواصلة بلاده "الاضطلاع بدورها المحوري في مساندة الجهود الدولية لمواجهة الأزمات والكوارث وتلبية نداءات الاستغاثة، وأن تستمرنموذجاً عالمياً يحتذى في تقديم الاستثمارات والمنح والقروض الميسرة للدول النامية". ويذهب جزء مهم من المساعدات الخارجية للدولة للقضايا الإنسانية والمشاريع الخيرية، ولاسيما إغاثة اللاجئين وفي مقدمتهم اللاجئين السوريين. ومن أحدث المبادرات الإنسانية الإماراتية مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آلمكتوم العالمية، وهي إحدى أكبر المؤسسات الإنسانية والتنموية في المنطقة، تستهدف تحسين حياة أكثر من 130 مليون نسمة، ينتمون إلى أكثرمن مائة دولة، مع التركيز على البلاد العربية. واعترافاً بالدور الدولي "الإنساني" للإمارات، أدرجتها الأمم المتحدة في المرتبة الثامنة من بين أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية للسنوات 2009 /- 2012 مقارنة بالدخل القومي الإجمالي.
 
ومن عناصر القوة الناعمة الآخذة في التنامي لدولة الإمارات مراكز أو بنوك التفكير وكذلك الأدوات الإعلامية. ومن أهم مراكز أو بنوك التفكير "منتدى الاتحاد" السنوي، الذي أصبح رائد مؤتمرات الصحافة العربية؛ ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الذي تأسس عام 1994 ليصبح المركز الأم فعلاً بمؤتمراته وندواته ومنشوراته؛ ومركزالخليج للدراسات ومركز المستقبلل لأبحاث والدراسات المتقدمة، الذين يساهمان في الحراك الثقافي في الدولة بإصداراتهما وفعالياتهما المختلفة؛ ومركزالإمارات للسياسات، الذيي عقد ملتقى استراتيجياً سنوياً في أبوظبي، يحضره نخبة من المفكرين الاستراتيجيين وصناع السياسات من نحو 40 دولة حول العالم. علاوة على ذلك، يبث من الإمارات أكثر من 13% من القنوات الفضائية العربية. كما تستضيف الدولة كبرى الفضائيات العربية والدولية، مثل سي إن إن وسكاي نيوز عربية والعربية وناشيونالجيوغرافيك.
 
وأخيراً، وليس آخراً، حرصت الإمارات على طرح نفسها منصة انطلاق فكريةلمحاربة الأفكار المتطرفة في العالم العربي والإسلامي، من خلال مركز "هداية" للتدريب والحواروالبحوثفيمجال مكافحة التطرفالعنيف، وهو مركز تميز دولي متعدد الأطراف، تأسسبمبادرة إماراتيةعام 2012بأبوظبي، و"مركز صواب"، الذي تأسس في يوليو 2015 بأبوظبي، لللتصدي للتطرف في الفضاء الإلكتروني. كما تستضيف دولة الإمارات، منذ العام 2014، منتدى"تعزيزالسلم في المجتمعات المسلمة"،الذي يسعى إلى تجديد الخطاب الديني ومواجهة موجة التطرف والفتنة الطائفية في أنحاء العالم الإسلامي؛ و"مجلس حكماء المسلمين" الذي تمخض عن المنتدى؛ بهدف تعزیز ثقافة السلم في المجتمعات المسلمة، وتصحیح المفاهیم الخاطئة المتعلقة بالجهاد ودور الفتاوى وشروط إصدارها.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره