2022-11-02
المعـارض الدوليـة للصناعـات الدفاعيـة .. أين يتجه العالم في مجال التسلح؟
تتطور صناعة السلاح مع تقدم التكنولوجيا بهدف التفوق في عناصر متعددة أهمها: قوة النيران، والمدى، والدقة، وسرعة رد الفعل، والمرونة، وتُعد الدول ذات القدرة العالية على التصنيع العسكري هي الأكثر وجودًا في سوق السلاح العالمية، وتُعد صناعة الأسلحة من الصناعات المتخصصة متعددة الأبعاد؛ فهي تشمل مجالات البحث والتطوير وامتلاك المواد والمعدات والمنشآت اللازمة للإنتاج، وأيضًا القدرة على التسويق في تنافس قوي مع شركات كبرى تدعمها دولها ماديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا، وفي هذا الإطار تأتي أهمية معارض السلاح لأنها تظهر التطور في هذا المجال، وتُعد أيضًا مؤشرًا على قوة الدول المصنعة والمنظمة لهذه المعارض.
بقلم : لواء طيار / د. هشام الحلبي
والجدير بالذكر أن مصر نظَّمت بنجاح معرض (EDEX-2018) للصناعات الدفاعية والعسكرية، وشارك فيه العديد من الشركات المصرية والعالمية، وقد وضع مصر على خريطة معارض السلاح الدولية، وأكَّد نجاح المعرض في نسخته الأولى حصوله على جائزة أفضل معرض تجاري عالمي لعام 2018 من منظمة (En Award) الإنجليزية لتقييم المعارض الدولية، وكان ذلك أساسًا قويًّا لإقامة (EDEX-2021) وأصبح في نسخته الثانية حدثًا مهمًّا في مجال الصناعات العسكرية (1)، وفي هذا السياق يُعد معرض “يوروساتوري» (Eurosatory) أحد معارض السلاح المهمة التي سنلقي الضوء عليها للتعرف على اتجاهات التسليح العالمية.
نبذة عن معرض “يوروساتوري» (Eurosatory)
يُعقد هذا المعرض في باريس، وأقيمت نسخته الأولى عام 1967 ولم يتوقف منذ هذا التاريخ إلا خلال ذروة جائحة كورونا، ويتميز بالزيادة المستمرة في عدد العارضين والزوار، وتنظم هذا المعرض المفوضية العامة للمعارض والأسواق (Commissariat Général des Expositions et Salons)، وهي شركة تملكها مجموعة الصناعات الدفاعية والأمنية البرية والجوية الفرنسية، منوط بها تعزيز صناعات الدفاع والأمن الفرنسية.
وتأتي أهمية هذا المعرض في أنه يضم مجموعة كبيرة من شركات صناعة السلاح من جميع أنحاء العالم، ويعرض بجانب الشركات الكبرى مجموعة من الشركات المتوسطة والصغيرة أيضًا التي لديها بعض الابتكارات؛ فعلى سبيل المثال، تضمن معرض عام 2018 (78) شركة ناشئة. كما أن المعرض يتضمن صالات داخلية وخارجية لعرض مختلف أنواع التسليح أيًّا كان نوعها وحجمها، وبالإضافة إلى المعروضات الثابتة، يُنفَّذ عدد كبير من العروض الحية على مدار فترة المعرض؛ مما يبرز الإمكانات الفعلية بصورة عملية للأسلحة المختلفة. هذا ويزور المعرض مجموعة كبيرة من الوفود الرسمية والخبراء وكبار الشخصيات ومديري شركات السلاح والمستثمرين في هذا المجال ومراكز الأبحاث والصحفيين والإعلاميين الذين يتابعون قضايا الدفاع والأمن.
تُنظَّم مؤتمرات وفعاليات عديدة في أثناء فترة المعرض، يُتبادَل فيها الآراء حول تطور أنظمة الدفاع والأمن في كل المجالات؛ لذلك فإن مصانع السلاح تَعد المعرض فرصة كبيرة للتعرف على الأفكار الجديدة لاتجاهات التسليح المستقبلية؛ فعلى سبيل المثال، نُظِّم أكثر من 70 مؤتمرًا في معرض عام 2018 بمشاركة 250 متحدثًا، تناولوا مجموعة متنوعة من الـمـوضـوعـــات الـتـكـنـولـوجـيـــــة والـجـيـوسـيـاسـيـــة والقانونية، ومن ثَمَّ، يُعد المعرض فرصة كبيرة للترويج لنظم التسليح المختلفة وعقد صفقات السلاح؛ نظرًا لوجود عدد كبير من الوفود الرسمية ووسائل الإعلام المهتمة بهذا المجال.
الأزمة في أوكرانيا تلقي بظلالها على المعرض وعلى الإنفاق العسكري واتجاهات التسليح
يُقام المعرض هذا العام على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي شهدت استخدامًا متنوعًا للصواريخ على اختلاف أنواعها، منها: الفرط صوتية، والمضادة للدبابات وللطائرات، وكذا الطائرات بدون طيار خاصة الصغيرة، والذخائر الذكية وأنظمة الدفاع الجوي المختلفة. وقد أكَّدت التفاعلات في مسرح العمليات الأوكراني الحاجة الماسة إلى الأسلحة المضادة للدبابات والمضادة للطائرات، وظهر اهتمام الدول بالمدفعية باعتبارها قوة النيران الرئيسة للقوات البرية، ولتأثيرها الإيجابي في الأزمة الروسية الأوكرانية، مقارنة بالدبابات والتي فقدت روسيا عددًا كبيرًا منها بسبب الصواريخ المضادة للدبابات، خاصة أن تكلفة هذه الصواريخ منخفضة وتحقق مبدأ الاقتصاد في القوة.
هذا وقد أثبتت الأزمة الأوكرانية أن الطائرات بدون طيار من أكثر القدرات العسكرية المطلوبة، وذلك في ضوء استخدام أوكرانيا لها في صد الهجمات الروسية المدرعة، ويزيد من الاهتمام بهذه الأنواع أنها خفيفة الوزن، ومتعددة الاستخدامات، ورخيصة الثمن؛ مما يعمل على وضعها على أولويات الشراء، وعلى مسار متوازٍ يتنامى بسرعة الاهتمام بتطوير وشراء منظومات مكافحة الطائرات بدون طيار خاصة أنظمة حماية الأهداف الثابتة أو المرافقة للأهداف المتحركة، لذا اتفقت فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا مع شركة (Airbus) على عقد أوَّلي بقيمة (7.1) مليارات يورو لتطوير (Eurodrone)، على أن تدخل الخدمة في عام 2028. (7)
ومن المتوقَّع أن يستمر السباق لاقتناء الأسلحة منخفضة التكلفة (الطائرات بدون طيار – الصواريخ على اختلاف أنواعها خاصة المحمولة على الكتف – المدفعية) التي أثبتت فعاليتها في الحرب الروسية الأوكرانية مقارنة بالأسلحة الأكثر تعقيدًا والأعلى تكلفة، بالإضافة إلى الاهتمام بالذخائر على اختلاف أنواعها وأعيرتها في ضوء المعدلات العالية لإطلاق النار في الحرب، وإدراك أهمية كفاية المخزون، خاصة ذخيرة المدفعية والأسلحة الصغيرة.
على الرغم من انخفاض مشتريات الأسلحة العالمية بنسبة (4.6%) في الفترة من 2017 - 2021 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، زادت مبيعات الأسلحة في أوروبا بنسبة (19%)، وكان أكبر مستوردي الأسلحة الأوروبيين المملكة المتحدة والنرويج وهولندا، ومن المتوقّع مستقبلًا أن تزيد الدول الأوروبية الأخرى مشترياتها من الأسلحة، خاصة بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، ومحاولات حلف شمال الأطلنطي التمدد شرقًا، وطلب السويد وفنلندا الانضمام إليه، ويؤكد ذلك تعالي الأصوات في الدول الأوروبية للمطالبة بزيادة ميزانياتها الدفاعية، وكذلك دعوات الاتحاد الأوروبي للاهتمام بزيادة الإنفاق العسكري لدوله لمواجهة المخاطر الأمنية؛ فعلى سبيل المثال، وافق البرلمان الألماني على اعتماد ( 100) مليار يورو لتعزيز الجيش الألماني، ودافع أيضًا رئيس الوزراء الإسباني عن زيادة ميزانية بلاده العسكرية التي يعارضها حلفاؤه في التكتّل الحاكم، ووصفها بأنها ضرورية في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية.(8)
هذا ومن المتوقّع مستقبلًا زيادة التعاون بين الدول الأوروبية في التصنيع العسكري، يؤكد ذلك تصريح الرئيس الفرنسي في افتتاح معرض “يوروساتورى” عن رغبته في استثمار المزيد في القدرات الدفاعية على مستوى أوروبا بدلًا من إنفاق الأموال على الاستيراد من الخارج، وأكَّد أنه من الضروري تعزيز التعاون ووضع إطار موحد لشركات الأسلحة الأوروبية لكي تصبح أكثر تنافسية مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، وأعلن كذلك عن مراجعة الإنفاق العسكري في فرنسا من أجل الاستعداد بصورة أفضل للتهديدات المحتملة، وقال “علينا أن نتحرك نحو اقتصاد الحرب”، وفي السياق نفسه أكَّد مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في أواخر مايو 2022، أن الوضع الأمني الحالي في أوروبا على خلفية الأزمة في أوكرانيا يشير إلى الحاجة إلى إنشاء قوات مسلحة أوروبية مشتركة، وقال إن “الوضع الأمني الجديد يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتحمل المزيد من المسؤولية عن أمنه.. ولهذا نحتاج إلى قوات مسلحة أوروبية موحدة حديثة” وأوضح أن الاحتياطيات العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي استُنفذت نتيجة دعم أوكرانيا.(10)
وختاماً، في ضوء ما سبق يتضح أن اتجاهات التسليح العالمية المستقبلية ترتبط بثلاثة عناصر رئيسة تتوافق مع بعضها: أولها ما ظهر من منظومات تسليح في معرض «يوروساتورى»، وثانيها الدروس المستفادة من الأزمة الأوكرانية، وثالثها معدلات الإنفاق العسكري في مناطق العالم؛ فقد أظهر معرض «يوروساتورى» استمرار التقدم الكبير في تكنولوجيا التسليح، خاصة المنظومات ذاتية القيادة وتكاملها مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي والأقمار الصناعية، وأيضًا دخول هذه التطبيقات في جميع المنظومات بما فيها أنظمة الإمداد والمعدات الشخصية للمقاتلين، ووسائل الإنقاذ، وكذا محاكيات التدريب المختلفة. وقد أكَّدت الأزمة في أوكرانيا أنه من المنتظر تنامي سباق التسلح بصورة كبيرة مستقبلًا خاصة في أوروبا، وسيترتب على ذلك زيادة الإنفاق العسكري لدولها، بالإضافة إلى منطقة الشرق الأوسط؛ نظرًا لاستمرار الصراعات بها حتى الآن، الأمر الذي سيشكل عبئًا كبيرًا على ميزانيات الدول في ظل التداعيات الاقتصادية السلبية للأزمة في أوكرانيا وجائحة كورونا، فالأمن يأتي دائمًا على قمة الأولويات.
لا يوجد تعليقات