مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-06-01

المقاتلون الأجانب في أوكرانيا.. مصير محفوف بالمخاطر

لم يكد العالم يستفيق من جائحة كورونا التي ألمت بدوله جمعاء، حتى بات على موعد جديد مع حرب مستعرة في أوكرانيا، تُنذر القراءة الأولية لمؤشراتها الراهنة بأن التداعيات الممتدة لها لن تنحسر بين عشية وضحاها، لا سيَّما بعد أن أُضيف إلى المعادلة متغير جديد ذو طبيعة إشكالية بالضرورة، ألا وهو «المقاتلون الأجانب». 
 
فبعد أيام قلائل من اشتعال فتيل الحرب في أوكرانيا، وفي ضوء رفض الدول الأوربية والغربية إرسال قوات عسكرية إلى كييف خشية اتساع نطاق الحرب الأوكرانية وتحولها إلى حرب عالمية مجهولة المصير، أعلن مكتب الرئيس الأوكراني «فولوديمير زيلينسكي» في السابع والعشرين من فبراير 2022 عن تشكيل «الفيلق الدولي للدفاع عن أوكرانيا” International Legion for the Territorial Defense of Ukraine، وقوامه المواطنون الأجانب الراغبون في التطوع للقتال إلى جانب قوات الجيش الأوكراني.
 
وفي السادس من مارس 2022، وبعد يوم واحد فقط من إطلاق حكومة “زيلينسكي» موقعًا إلكترونيًّا خاصًّا بالفيلق الدولي؛ ليكون معنيًا بتنظيم تجنيد المتطوعين الأجانب، صرَّحت وزارة الخارجية الأوكرانية بأن إجمالي عدد الطلبات المُقدمة للانضمام إلى الفيلق وصل إلى 20 ألف طلب، يشمل متطوعين من 52 دولة . وفي المقابل، أكدت وزارة الدفاع الروسية في الحادي عشر من مارس، أن هناك نحو 16 ألف متطوع في الشرق الأوسط مستعدين للقتال إلى جانب القوات الانفصالية المدعومة من روسيا في الشرق الأوكراني.  
 
ولا شك أن تدفق هذا الكم من المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا يثير تساؤلات جمَّة حول تأثير هؤلاء الأفراد على ميزان القوى في أرض المعركة، والتداعيات المحتملة التي قد تترتب نتيجة لذلك، والموقف القانوني لهؤلاء المقاتلين، وأخيرًا الالتزامات التي تقع على عاتق المجتمع الدولي للحد من التداعيات السلبية المحتملة قدر المستطاع.
 
أولًا: أي دور للمقاتلين الأجانب في المعركة؟
ظاهرة التجنيد الجماعي للمقاتلين الأجانب في جوهرها ليست بالظاهرة الجديدة؛ حيث شهد العقد الثالث من القرن العشرين تدفق أكثر من 35000 متطوع حول العالم إلى إسبانيا؛ للمشاركة في الحرب الأهلية الإسبانية ضمن الألوية الدولية «The International Brigade» التي تشكلت آنذاك لمواجهة الجبهة القومية بزعامة الجنرال “فرانسيسكو فرانكو”، بعدما ألهبت رمزية “مناهضة الفاشية” حماس المتطوعين.
كما أن المقاتلين الأجانب ليسوا جددًا على الصراع في أوكرانيا؛ إذ تشير التقديرات إلى أن المعارك في الشرق الأوكراني بين الانفصاليين الموالين لموسكو في دونباس وقوات الجيش الأوكراني منذ عام 2014، اجتذبت أكثر من 17000 مقاتل من 55 دولة حول العالم.
 
وبشكلٍ عام، هناك عدد من المشكلات المرتبطة بتجنيد المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، والتي قد تحد بدورها من أي تأثير بارز محتمل لهم في ميدان المعركة، في مقدمتها: ضعف المهارات القتالية للعديد من المتطوعين؛ حيث تشير الخبرات التاريخية إلى أنه حتى مع تلقي التدريب العسكري، فعادةً ما يضيف المقاتلون الأجانب القليل إلى القوة القتالية للجيوش التي ينضمون إليها، وهو ما تجلّى في بعض الحالات على وجه الخصوص، كتجربة أفغانستان في الثمانينيات. هذا بالإضافة إلى الصعوبات اللغوية التي قد تحول دون التواصل الجيد بين المقاتلين؛ إذ تتباين ألسنة المتطوعين بين لغاتٍ عديدة، للحد الذي يصعُب معه تصور وجودهم في كتائب واحدة والقتال جنبًا إلى جنب.
 
ثانيًا: تداعيات محفوفة بالمخاطر 
أثبتت الخبرات التاريخية أن مشاركة المقاتلين الأجانب في صراع ما يُسهم في تعقيده على نحوٍ خاص، ويرتبط بمجموعة من التداعيات المقلقة على وجه العموم، وينطبق الأمر ذاته على حالة المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، وفيما يلي إشارة سريعة إلى أبرز هذه التداعيات على مختلف الأصعدة: 
 
أ. عراقيل إضافية في مجال مكافحة الإرهاب: تفرض تعبئة المقاتلين الأجانب في أوكرانيا تحديات كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب؛ بالنظر إلى أن هؤلاء المقاتلين عادةً ما يكتسبون خبرة قتالية إبان الصراع، بما يزيد من احتمالية مشاركتهم في صراعات أخرى فيما بعد، أو الانخراط في أنشطة متطرفة بعد عودتهم إلى أوطانهم.  وتشير القرائن إلى أن المقاتلين الأجانب على طرفي الصراع في أوكرانيا عام 2014 شاركوا في صراعات لاحقة، بما في ذلك القتال في سوريا والعراق، كما عمِل البعض كمرتزقة، وانخرط آخرون في أنشطة مزعزعة للاستقرار في بلادهم.   
 
ب. تحديات جسيمة للأمن الأوروبي: يُشكل الحشد الكثيف للمقاتلين الأجانب في جوار الاتحاد الأوروبي تحديًا إضافيًّا للأمن الإقليمي في أوروبا؛ حيث لا يوجد ضامن بألّا تُجتذَب عناصر أكثر تطرفًا إلى ساحة المعارك في كييف. فرغم مساعي كييف لتجنب مخاطر التجنيد المباشر للمقاتلين من قِبَل كتائب اليمين المتطرف في أوكرانيا، من خلال مؤسسة عملية التطوع تحت هيكل قيادة رسمي، فإن السيطرة المركزية على القوات قد تصبح أكثر صعوبة في ظل احتدام المعارك بالبلاد. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى ما رصدته مجموعة «SITE Intelligence» - التي تُراقب أنشطة الجماعات المتطرفة - من نشاط مقلق لبعض الميليشيات اليمينية المتطرفة من النازيين الجُدد في أوروبا وأمريكا الشمالية على حساباتها ببعض المنصات الافتراضية، مثل: تيليجرام Telegram، والتي سعت خلالها إلى تجنيد الأتباع للمشاركة في الصراع الدائر في أوكرانيا.  
 
جـ . بصمات لا تُمحى على المقاتلين: عادة ما تترك الحرب آثارًا لا تُمحى على المقاتلين، فمن ناحية، يتعرض كثيرون في ميدان القتال للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، بما يُسهم في إنماء النزعات الراديكالية لديهم، ومن ناحية أخرى يعود البعض إلى أوطانهم بإصابات جسدية أو صدمات نفسية يصعب معها العودة إلى ممارسة أنشطة حياتهم اليومية في غياب برامج لإعادة التأهيل والإدماج. 
د. تكاليف مرتفعة للبلد المضيف: حيث يمكن للمقاتلين الأجانب أن يجعلوا الأمور أسوأ بالنسبة للبلد الذي يستقبلهم، فمن جهة، يكون لهم دور في إطالة أمد الصراع وتعقيده، ومن جهة أخرى عادةً ما يرتبط انتشار هؤلاء المقاتلين في بلد ما بارتفاع معدلات العنف ضد المدنيين فيه؛ بالنظر إلى أنهم عادةً ما لا يكون لديهم عائلات أو أصدقاء في هذا البلد. 
 
ثالثًا: تعقد الموقف القانوني للمقاتلين الأجانب
إحدى القضايا القانونية البارزة التي تُثيرها ظاهرة المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، هي مدى شرعية هذه الظاهرة، والحقوق المكتسبة للمقاتلين في ميدان المعركة. وفيما يلي نظرة على كل منهما:
 
أ. هل من شرعية للمقاتلين الأجانب؟
تبنّى مجلس الأمن قرارين بارزين عام 2014 بشأن ما أسماه “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”، أولهما القرار رقم (2170) الذي يدعو إلى وقف تدفق “المقاتلين الإرهابيين الأجانب” إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة وسائر الجماعات والتنظيمات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة، وتقديمهم إلى العدالة . وثانيهما القرار رقم (2178) الذين يتبنّى تعريفًا أوسع نطاقًا من القرار سالف الذكر حول “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”، يتجاوز التركيز الضيق على جماعة أو تنظيم بعينه، ويشمل: “الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها، بغرض ارتكاب أعمال إرهابية، أو تدبيرها، أو الإعداد لها، أو المشاركة فيها، أو تقديم تدريب على أعمال إرهابية، أو تلقي ذلك التدريب، بما في ذلك في سياق النزاعات المسلحة».  
 
ب. حقوق المقاتلين في ميدان المعركة
يكفل القانون الدولي الإنساني الحماية القانونية للمقاتلين، حال تعرضهم للإصابة أو الأسر، من الانتقام أو التعذيب أو المعاملة السيئة، بما في ذلك مجموعة من الحقوق الممنوحة لهم ضمن وضع “أسرى الحرب”). وتُوسِّع المادة (4) من اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لعام 1949 الفئات المتضمنة التي ينطبق عليها وضع أسرى الحرب، لتشمل من يقعون في قبضة العدو من الفئات التالية:
أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءًا من هذه القوات المسلحة.
 
أفراد المـيـلـيـشـــيــــات والـوحـــدات الـمـتـطـوعــــة الأخرى، على أن يتوفر لديها الشروط التالية: 
  • أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
  • أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بُعد.
  • أن تحمل السلاح جهرًا.
  • أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
ومع ذلك، تبرز إشكالية أساسية فيما يتعلق بالحقوق القانونية للمقاتلين الأجانب في ميدان المعركة، ألا وهي: إمكانية تذرع بعض الدول لإنكار حقوق هؤلاء المقاتلين عند تعرضهم للإصابة أو الأسر من خلال نفي صفة “المقاتل” عنهم، وفي هذا الصدد، يمكن التمييز بين صفتين بارزتين للأفراد المتطوعين في النزاعات المسلحة خارج بلادهم، وهما “المقاتلون”: ويُعرفون بأنهم الأفراد الذين ينضمون إلى نزاع مسلح لأسباب ودوافع ليست مادية أو مالية، أيديولوجية كانت أو سياسية أو قومية، أو غير ذلك . و»المرتزقة»: وهم الأفراد الذين يُجنَّدوا للمشاركة في نزاع مسلح مقابل وعد بتعويض مادي، بحيث يكون المحرك الرئيس لهؤلاء الأفراد هو الرغبة في تحقيق مكاسب مادية أو شخصية . ويتمثَّل الفارق الأبرز بين المصطلحين في الحقوق التي تترتب لكلٍّ منهما في ميدان المعركة، فبخلاف حال “المقاتلين”، تنص المادة (47) من البروتوكول الأول الإضافي لعام 1977 على أن المرتزقة لا يتمتعون بوضع “أسرى الحرب”. وهو ما يترك للحكومات حرية التعامل معهم على النحو الذي تراه مناسبًا. ولما كان من الصعب إثبات أو دحض صفة “الارتزاق” لأي مقاتل، فقد بات بإمكان بعض الدول التذرع بتلك الصفة لإنكار حقوق المقاتلين في ميدان المعركة عند تعرضهم للجرح أو الأسر. وفي هذا الصدد، يمكن فهم خطورة تصريح وزارة الدفاع الروسية يوم 3 مارس 2022 بشأن موقفها من الأجانب المتطوعين للقتال في أوكرانيا، باعتبارهم “مرتزقة”، وليس “مقاتلين». 
 
وختامًا، فإن التعامل الأمثل مع ظاهرة المقاتلين الأجانب في أوكرانيا يفرض على الحكومات النهوض بمسؤولياتها للحد قدر المستطاع من التداعيات السلبية التي قد تنجم عن هذه الظاهرة، وفيما يلي عدد من التوصيات المطروحة في هذا الصدد: 
ستكون هناك حاجة إلى أن تشجع الحكومات الراغبين في مساعدة أوكرانيا على توجيه حماسهم إلى قنوات أخرى غير عنيفة، مثل: تقديم التبرعات المادية، والرعاية الطبية، والأنشطة الخدمية الأخرى؛ لمساعدة اللاجئين وغيرهم من الفئات السكانية المستضعفة خارج مناطق الحرب.
هناك حاجة إلى التعاون الوثيق بين سلطات الأمن والاستخبارات في البلدان الأصلية للمقاتلين من أجل وضع استراتيجية شاملة لتعقب الذين يسافرون إلى أوكرانيا أو يغادرونها؛ تسهيلًا لعودتهم فيما بعد، أو لملاحقة من يرتكبون جرائم حرب خلال المعارك. 
وبالنسبة للمتطرفين من ذوي التوجهات الراديكالية على وجه الخصوص، فهناك حاجة إلى إنشاء قاعدة بيانات خاصة بهم؛ بهدف تقييد قدرتهم على السفر إلى ميدان المعركة، أو على الأقل إخضاعهم لآليات رقابة مشددة عند مغادرتهم أوكرانيا. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره