مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2020-08-09

الميليشيات المسلحة والطائفية .. تهديد متنامي للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط

تعد الميليشيات المسلحة والطائفية المرتبطة بقوى إقليمية العامل الرئيسي في تعقيد الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط لأنها تمثل أحد الأدوات التي يتم توظيفها من جانب هذه القوى الإقليمية في تنفيذ مشروعاتها التوسعية في العالم العربي، وإنما أيضاً لأنها، وربما الأخطر، ترتبط بالولاء لهذه القوى على حساب دولها، ومن ثم تعمل ضد مصالحها الوطنية وتسهم في تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي. 
 
بقلم : داليا السيد أحمد
 
الميليشيات المسلحة والطائفية وعلاقتها بمشاريع القوى الإقليمية
لا يمكن فهم تصاعد خطر الميليشيات المسلحة والطائفية في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، بمعزل عن القوى الإقليمية التي تساندها وتقدم لها مختلف أوجه الدعم، وإذا كانت إيران لعبت الدور الرئيسي في تأسيس العديد من الميليشيات المسلحة والطائفية في المنطقة منذ ثورة الخميني عام 1979، ووظفتها في تحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة، والترويج لهذه الثورة ومحاولة نشرها في دول المنطقة، فإن تركيا بدأت هي الأخرى منذ سنوات في تبني النهج ذاته، وأصبحت تعتمد بدرجة كبيرة على الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة والإرهابية لتنفيذ أهدافها التوسعية في دول المنطقة.
 
إيران
تولي إيران منذ ثورة عام 1979 اهتماماً متصاعداً بإيجاد ميليشيات عسكرية وأذرع أيديولوجية تدين بالولاء الكامل لها، لتوظيفها كأدوات في تنفيذ سياساتها التدخلية والتوسعية في المنطقة، وكانت البداية عام 1982 في تأسيس حزب الله اللبناني ليصبح الوكيل العسكري الأبرز لها في منطقة الشرق الأوسط. ولم تكتف إيران بذلك بل سعت إلى استنساخ تجربة حزب الله في العديد من الدول العربية، ففي العراق وبعد الإطاحة بنظام صدام حسين وتصاعد النفوذ الشيعي، عملت إيران على توحيد الفصائل الشيعية عام 2006 لتشكل حزب الله-العراق الذي صنّفته الولايات المتحدة عام 2009 منظمة إرهابية. 
 
كما حاولت إيران تكرار هذه التجربة في بعض دول الخليج العربي، حينما دعمت بعض الحركات المحظورة على أمل تحويلها إلى نسخة مشابهة لحزب الله اللبناني، فقد دعمت الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ومقرها طهران، في محاولة لتحويلها إلى (حزب الله البحريني)، وقد قامت هذه الجبهة بعمليات تخريبية في البحرين ما بين عامي (1994 - 1996) كما يقف الحرس الثوري الإيراني بتأسيس الجناح العسكري لمنظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، واتفق على تسميته بـ»حزب الله» الحجاز، وتشير العديد من التقارير إلى أن هذا الحزب يقف وراء العديد من العمليات الإرهابية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية، خاصة في موسم الحج، فضلاً عن وقوفه وراء محاولات إثارة الفوضى والاضطرابات وافتعال المظاهرات الحاشدة في مواسم الحج. وفي مملكة البحرين تقدم إيران الدعم لسرايا المختار الشيعية التي تأسست أواخر عام 2011 ،  واعتمدت على أسلوب حرب العصابات والهجمات الخاطفة والتفجيرات ضد الأهداف المدنية وقوات الأمن، كما تقدم الدعم أيضاً لـ «سرايا الأشتر» الذي تأسست في مارس 2012، وغيرها العديد من التنظيمات التي تتخذ أسماء مختلفة،  منها سرايا المقاومة الشعبية، وطلائع التغيير، وقد تبنت هذه التنظيمات كل العمليات الإرهابية التي تم تنفيذها في البحرين.
 
تركيا
وإذا كانت إيران اعتمدت على الحرس الثوري في تأسيس هذه الميليشيات المسلحة والطائفية، فإن تركيا هي الأخرى بدأت منذ سنوات تعمل على تدشين حرس ثوري، تكون مهمته حماية نظام الرئيس رجب طيب أردوغان في الداخل ، وتأسيس الميليشيات المسلحة في الخارج، من خلال الاعتماد بالأساس على دعم الجماعات المتطرفة والإرهابية في المنطقة.
 
شركة صادات التركية 
وقــــد لجــأت في ذلك إلى تأسيـس شركـة «صـــــادات» التي تبدو من ظاهــرهـا أنهــا معنيــــة بتقديم اســتشارات في مجال الدفاع والتدريب العسكــــري، لكن ذلك ليس سوى ستار حتى لا تُتهــم بأنهـا تدعـــم الإرهــــاب، والحقيقـــــة أن هــــذه الشركــة التي يديرهـا أعضاء سابقون بالقوات المسلحة التركية، تقوم بدور الحرس الثوري الخفي لنظام رجب طيب أردوغان، حيث تقدم خدمات استشارية وتدريبية في مجال الأمن الداخلي والعسكري، وتقدم العديد من الدورات التدريبية في المجالين العسكري والأمني، ومنها على سبيل المثال، دورات في الحرب غير النظامية، ودورة قناص المهام الخاصة.
 
وتأسست هذه الشركة في عام 2011، وتحدياً بعد اندلاع ما يسمى « أحداث الربيع العربي» للتعامل مع أوضاع مماثلة في المستقبل، من قبل 23 ضابطًا وصف ضباط متقاعدين من مختلف وحدات القوات المسلحة التركية بهدف تنفيذ عمليات بعضها مُعلن والآخر سري في مناطق عديدة من العالم ، وبرز اسم هذه الشركة إلى الواجهة في أعقــاب صـدور مرسوم العفو عـن غــير العسكــــريين المتورطــين في قـتل الجنـود الأتراك خــــــلال المحاولة الانقلابية الفاشلة في العام 2016 من الملاحقة القضائية. وتشـير العديد من التقـــارير إلى أن هــــذه الشركة تقف وراء الدعـــم الـذي تقـــدمــه تركـيا إلى العديد من الميليشيات المسلحة في المنطقة، خاصة في سوريا وليبيا. 
 
لقد بدأت تركيا تعتمد منذ سنوات على الميليشيات المسلحة وحركات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين في تنفيذ أهدافها في دول المنطقة، فعملت على إرسال آلاف المقاتلين التابعين لميليشيات مسلحة سورية إلى ليبيا، وأهم هذه الميليشيات، كتائب الحمزة والمعتصم وصقور الشام وفيلق الشام وفرقة السلطان مراد وغيرها، حيث كانت تستقطب هذه العناصر المسلحة أولاً من غازي عنتاب جنوب تركيا إلى إسطنبول ثم مباشرة إلى ليبيا للقتال هناك مقابل رواتب شهرية.  وإضافة إلى ما سبق، فإن تركيا تقدم الدعم العسكري للعديد من الميليشيات المسلحة في ليبيا، وخاصة المجموعات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وكتائب مصراتة، فضلا عن العلاقات الوثيقة مع قادة الجماعة الليبية المقاتلة وكتيبة النواصي ولواء الحلبوصي وميلشيات أسامة الجويلي وقوة الردع والتدخل المشتركة محور أبو سليم وميليشيات فجر ليبيا وغيرها من الميليشيات التي تقاتل ضد قوات الجيش الوطني الليبي.
 
خريطة تواجد الميليشيات المسلحة والطائفية في المنطقة
تتواجد الميليشيات المسلحة والطائفية في العديد من دول المنطقة، خاصة تلك التي تشهد صراعات مستمرة، حيث تمثل هذه الميليشيات العامل الرئيسي في تفاقم حدة هذه الصراعات، وتعثر جهود حلها سياسياً، وأهم هذه المناطق:
 
1 - العراق: توجد العديد من الميليشيات المسلحة والطائفية التي ترتبط بإيران، أبرزها ميليشيات الحشد الشعبي التي تأسست عام 2014 بدعوى مواجهة تنظيم داعش، لكنها تورطت في العديد من الجرائم الطائفية بحق العراقيين.  ويندرج ضمن الحشد الشعبي العديد من الميليشيات، ابرزها «منظمة بدر» ، إضافة إلى «عصائب أهل الحق»، و«سرايا الخرساني»، وحركة «حزب الله النجباء»، وسرايا «حزب الله»، وكلها تعتمد على الحرس الثوري في تدريبها وتمويلها ، ويتم توظيفها لخدمة المشروع الإيراني التوسعي، وفي إدارة صراعات إيران مع دول المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية.
 
2 - سوريا: تشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 50 ميليشيا مسلحة في سوريا ترتبط بإيران، في مقدمتها حزب الله، والعديد من ميليشيات الحشد الشعبي العراقي، أبرزها لواء أبو الفضل العباس وكتائب الإمام علي وكتائب حزب الله النجباء» و«كتائب سيد الشهداء» و«حركة الأبدال»، وهناك ميلشيات ذات طابع طائفي إقليمي مثل «الفاطميون» من أفغانستان و»الزينبيون» من باكستان.
 
 
وهناك العديد من الميليشيات المسلحة المرتبطة بتركيا، من قبيل ميليشيا فيلق الشام التي تعد الجناح المسلح لتنظيم الإخوان في سوريا، وميليشيات «الجبهة الوطنية للتحرير»، التي تأسست عام 2018 من قبل 11 ميليشيا مسلحة يسيطر عليها الجيش التركي في شمال غرب سوريا، عندما أعلنت فصائل «دموية» مسلحة تتبع لـما يسمى «الجيش السوري الحر» المدعوم من تركيا، توحدها في ائتلاف يحمل اسم «الجبهة الوطنية للتحرير»، بينها ميليشيات «نور الدين الزنكي وأحرار الشام وفيلق الشام وجيش إدلب الحر ولواء شهداء الإسلام» وغيرها. واشتهرت هذه الميليشيات خلال الحرب التي تتعرض لها سوريا منذ عام 2011 بارتكاب مجازر دموية في العديد من المحافظات السورية. 
 
 
3 - اليمن: تعد ميليشيا الحوثي التي تأسست عام 1992 وترتبط بإيران من أخطر الميليشيات المسلحة في المنطقة،  وبدأت نشاطاً عسكريا مسلحا منذ عام 2004 بالدخول في 6 حروب ضد الجيش اليمني حتى عام 2010. ووجدت إيران في الحوثيين منذ زمن بعيد أداة قوية لتنفيذ مشروعها في اليمن، فأمدتهم بالسلاح، حتى استطاعوا استغلال الوضع الأمني الهش عام 2014، ونفذوا انقلابا على السلطة الشرعية المنتخبة ، لتدخل البلاد في دوامة من العنف. كما تدعم تركيا حزب التجمع اليمني للإصلاح «إخوان اليمن»، تحت ستار العمل الإغاثي والإنساني ، والذي تشير التقارير إلى أنه يمتلك ميليشيات مسلحة تقف وراء العديد من الأعمال الإرهابية في بعض المحافظات اليمنية. 
 
 
4 - ليبيا: هناك العديد من الميليشيات المسلحة التي ترتبط بتركيا التي لجأت منذ أعوام قليلة إلى الاستثمار في تأسيسها وتوظيفها في الصراع الليبي، وهذه الميليشيات تتكون بالأساس من عناصر سورية كانت تقاتل ضد نظام بشار الأسد، وتم استقطابهم وتقديم الدعم المالي لهم للمشاركة في الصراع الليبي. وتم تأسيس هذه الميليشيات من خلال استقطاب العناصر الإرهابية التي كانت تنتمي إلى الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في سوريا، مثل: (كتائب الحمزة والمعتصم وصقور الشام وفيلق الشام وفرقة السلطان مـراد وغيرهـا). وتتعــاون شـركــة «صـــادات» التركية التي تمثل الحرس الثوري الخفي لنظام رجب طيب أردوغان مع شركة الأمن الليبية التي يرأسها القيادي الإخواني الليبي المهندس فوزي أبو كتف الذي ترأس من قبل مجلس تجمع سرايا الثوار في شرق ليبيا، بهدف تدريب المرتزقة الذين ترسلهم أنقرة كل يوم وبشكل متزايد للسطو على ثروات الشعب الليبي.
 
 
الميليشيات المسلحة والطائفية، وتداعياتها على صراعات منطقة الشرق الأوسط
في ضوء ما سبق، يتأكد بوضوح خطورة الدور الذي تلعبه هذه الميليشيات المسلحة والطائفية ليس فقط في تنفيذ أجندة القوى الإقليمية في المنطقة، وخوض حروب الوكالة بالنيابة عنها، وإنما في تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي أيضاً، خاصة بالنظر إلى العوامل التالية:
 
 
1 - أنها تمثل أهم أدوات إدارة الصراعات في المنطقة، حيث يتم توظيف هــذه الميليشيات من جانب القوى الإقليمية التي تدعمها في إيصال رسائل التهديد إلى خصومها، فعلى سبيل المثال فإن ميليشيات الحشد الشعبي تحولت إلى أداة في أيدي إيران للحفاظ على نفوذها في العراق، وموازنة الوجود الأمريكي هناك. بل أن إيران عمدت منذ اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بواسطة قصف صاروخي أمريكي بالقرب من مطار بغداد  في يناير 2020 إلى توظيف القوى والميليشيات الشيعية التابعة لها في العراق في الضغط على الحكومة العراقية لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي هناك، وفسخ الاتفاقية الأمنية الخاصة بذلك. وما تزال هذه الميليشيات تشكل أخطر التحديات التي تواجه مساعي الحكومة العراقية لإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، حيث تقوم بين الحين والآخر بشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا تستهدف المصالح الأمريكية في العراق.
 
 
2 - أنها تشكل أهم أدوات حروب الوكالة في المنطقة: تلجأ إيران وتركيا إلى توظيف الميليشيات المسلحة لخوض حروب الوكالة نيابة عنهما، لأنهما تخشيان الانخراط المباشر في صراعات المنطقة، لما قد يترتب على ذلك من تكلفة عالية، ولهذا تزجان بهذه الميليشيات في أتون صراعات المنطقة. فإيران تدرك أن دخولها في مواجهة عسكرية مباشرة مع دول المنطقة قد يكلفها الكثير، خاصة أن الحرب النظامية المباشرة الوحيدة التي خاضتها كانت مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، كلفتها خسائر مادية وبشرية كبيرة، لهذا فإنها ترى في هذه الميليشيات البديل المناسب في تنفيذ أهدافها العسكرية، فهي من خلال حزب الله، تشارك في الصراع السوري وتدعم نظام بشار الأسد، وفي اليمن تواصل دعمها للحوثيين مادياً وعسكرياً، وتسعى إلى تحويلهم نسخة مشابهة لحزب الله اللبناني على الحدود السعودية. 
 
 
تركيا هي الأخرى تعتمد على هذه النوعية من الميليشيات المسلحة للقتال في ليبيا، خوفاً من إرسال جيشها إلى هناك بشكل صريح ومباشر، ومن ثم إمكانية التعرض لخسائر في صفوفه، وما يترتب على ذلك من تأليب الداخل التركي ضد نظام أردوغان، لهذا يفضل الأخير الاستعانة بهذه الميليشيات والعناصر الإرهابية «المرتزقة» في تنفيذ سياسته في ليبيا؛ ولهذا تدعم حكومة أردوغان الميليشيات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق؛ لتحقيق أهدافها فهي من جهة تسعى إلى أن تكون أحد الفاعلين السياسيين في الأزمة الليبية ومن جهة أخرى تحاول قدر الإمكان البعد عن تحمل الخسائر البشرية للمعارك، ومن جهة ثالثة تريد الحفاظ على مصالحها هناك.
 
 
إذن يبدو واضحاً، أن اعتماد إيران وتركيا على هذه الميليشيات المسلحة في خوض حروب الوكالة نيابة عنهما يرجع بالأساس إلى عجز جيوشهما النظامية عن تحقيق انتصارات مكتملة أو حقيقية في المواجهات المباشرة، ومن ثم فإنهما تتجنبان الانزلاق إلى حرب متناظرة ضد خصومهما، واللجوء إلى الحرب الخاطفة غير المتناظرة. 
 
 
3 - أن هذه الميليشيات تشكل أهم أدوات التمدد – التوسع الإقليمي لكل من إيران وتركيا، فالأولى تعول كثيراً على ميليشياتها المسلحة في تنفيذ استراتيجيتها للتمدد الإقليمي، والتي تم وضعها منذ سنوات، ويطلق عليها «الاستراتيجية الإيرانية العشرينية» (2005 - 2025)، أو الخطة الإيرانية العشرينية (إيران: 2025)، وهي الاستراتيجية التي رسمت التصورات المستقبلية لإيران، وكيفية تحويلها إلى قوة إقليمية مهيمنة، ولعل الجميع يتذكر في هذا السياق تصريحات علي يونسي، مستشار الرئيس حسن روحاني، في مارس 2015، حينما أعلن أن إيران «أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حاليًا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي»، وذلك في إشارة واضحة إلى رغبة إيران في استعادة زمن الإمبراطورية الفارسية الساسانية التي أسست قبل الإسلام، وكان الفرس عمادها، واستمرت أكثر من أربعة قرون، ووضعت محاربة الخلافة الإسلامية بين استراتيجياتها في مرحلة من مراحلها المتأخرة. 
 
 
تركيا هي الأخرى تسعى إلى التمدد الإقليمي، وإحياء ما يسمى «العثمانية الجديدة»، من خلال الميليشات المسلحة و الجماعات التكفيرية والتنظيمات الإرهابية في مناطق الأزمات المختلفة، في محاولة لفرض أمر واقع على الأرض، تسعى من خلاله إلى تعزيز نفوذها في هذه الدول، والانطلاق منها إلى تعزيز نفوذها في العالم العربي. وهذا ما يفهم من تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان في شهر فبراير 2020، والتي قال فيها صراحة:» لايجوز حصر تركيا في مساحة مقدارها 780,000 كيلومتر مربع، مصراتة  في ليبيا ، وحلب وحمص والحسكة  في سوريا  هي حالياً خارج حدودنا الفعلية؛ لكنها داخل تخومنا العاطفية، وسنجابه كل هؤلاء الذين يحدّدون تاريخنا بالسنين التسعين الماضية فقط»، وهي تصريحات تشير بوضوح إلى أن التدخل التركي في الأزمتين السورية والليبية تقف ورائه أطماع تاريخية في أراضي الدولتين والاستيلاء على ثرواتهما ومقدراتهما. 
 
 
4 - تعد هذه الميليشيات العقبة الرئيسية أمام الحل السياسي لصراعات المنطقة، خاصة أن قرار هذه الميليشيات يرتهن بالقوى الإقليمية التي تدعمها، والتي دائما ما تحرضها على إفشال أي محاولات لحل صراعات المنطقة سياسياً، إذا كانت لا تأخذ في الاعتبار مصالحها، فإيران على سبيل المثال دائماً ما تحرض ميليشيا الحوثي في اليمن على عدم قبول أي مبادرة للحل السياسي لا تعترف بمصالحها أو نفوذها. بل أن هذه الميليشيات لم تتجاوب مع مبادرة التحالف العربي لوقف إطلاق النار، وواصلت تصعيدها واستهداف الأراضي السعودية في الأشهر الماضية من خلال طائرات مفخخة من دون طيار وصواريخ باليستية . وتركيا هي الأخرى تقف وراء تعثر جهود الحل السياسي في ليبيا، من خلال استمرارها في تقديم الدعم العسكري للميليشيات المسلحة المرتبطة بحكومة الوفاق، كما تعمل على إفشال أي جهد لتحقيق سلام لا يضمن لحلفائها الهيمنة على مقاليد الحكم ليس فقط من أجل ضمان نفوذها في ليبيا وإنما أيضاً في السيطرة على ثرواتها من النفط والغاز,
 
 
 خـاتـمــة 
في ظل حالة السيولة والضبابية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ، ومع انشغال العالم بمواجهة وباء كورونا المستجد»كوفيد- 19»، فإن تركيا وإيران تواصلان تقديم أوجه الدعم المختلفة للميليشيات المسلحة والطائفية في مناطق الأزمات والصراعات لفرض أمر واقع يضمن مصالحهما في أي تسوية سياسية مرتقبة.  وإذا كانت إيران وتركيا تزجان بهذه الميليشيات المسلحة والطائفية وتوظفيها في إدارة صراعاتهما السياسية سواء مع دول المنطقة أو مع بعض القوى الدولية، لتجنب الإدانة المباشرة، فإن على المجتمع الدولي أن يتحرك للتصدي لهذه الميليشيات التي تمثل تهديداً للأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي، خاصة أن استخدام هذه القوى لهذه الميليشيات في خوض حروب الوكالة وتهديد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي إنما يعد تحدياً سافراً لاتفاقية الأمم المتحدة للعام 1989، التي جرمت تجنيد وتدريب واستخدام وتمويل المرتزقة، حيث تنظر هذه الاتفاقية إلى هذه الممارسات والجرائم باعتبارها موضع بالغ لجميع الدول. 
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره