مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2022-10-02

بشرم الشيخ ..الفرص والتحديات

أنهار جافة.. فيضانات هادرة..أمطار في غير موسمها..حرائق غابات ..درجات حرارة في بلاد لم تعتد ذلك…مدن بأكملها مهددة بالاختفاء من على الخريطة الجغرافية..كوارث طبيعية في كل مكان على هذه الأرض..ما الذي حدث ؟ ويحدث ؟ وسيحدث ؟..لابد أن الإنسان هو المسئول عن هذا الخلل البيئي ! فمن يسكن غيره الأرض ؟!
 
 
 
بقلم/ عبدالله يسري إعلامي وكاتب
 
حتى إنه لم ينفذ الالتزام بمخرجات إتفاقية باريس ولا مخرجات جلاسكو..فيما يتهيأ العالم الآن لمخرجات cop27 بشرم الشيخ.
أكتب لكم من أمام البرزخ الذي يفصل مائين، هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج..وهذا البرزخ يضمن أن لايجور ولايبغى ماء البحر المالح على ماء النهر العذب، ولايمكن أن يرى هذا البرزخ الوهمي إلا من الطائرة وارتفاع مناسب.. فترى لونين مختلفين عندما يتلامسا..يتداخلان في تكوين بسيط ليظهر خط مستقيم فاصل بين البحرين في معجزة بيئة فريدة من نوعها..إنها مدينة رأس البر بمحافظة دمياط والتي يمتد ضلعها الشرقي على نهر النيل ويتوسط ضلعها الغربي البحر المتوسط وهي على أحد مصبي نهر النيل بعد رحلة طويلة منهكة لمياه النيل تقطع فيها المياه أكثر من 6000 كيلو متر..في حين يمثل المصب الثاني لمياه النيل في البحر المتوسط في مدينة رشيد المصرية التاريخية.
 
 
رغم أن ظاهرة التقاء المياه العذبة بالمالحة تتجسد في أكثر من دولة، لكن في منطقة” اللسان” في رأس البر بدمياط تمثل مشهداً جماليا فريداً. 
هكذا هي الأرض كلها عندما تراها من خارج الغلاف الجوي لها،صنيعة الله الخالق، الذي أحدث توازناً معجزاً، يضمن دورانها وتعاقب ليلها ونهارها وثبات مناخها صيفاً وشتاء، ليهيء للإنسان العيش بها وإعمارها .. لكن الإنسان طغى ولم يلتزم بالنهج القويم .. لذلك لم تعد الأرض كما هي !!
 
 
تسارع الدول والحكومات الآن لوضع وتنفيذ إستراتيجية وطنية لإعادة التوازن البيئي داخل حدودها وجغرافيتها..للتقليل من الآثار الناجمة عن تغير المناخ التي تطال العالم كله، العالم الذي يقف الآن أمام ضميره ومدى مسئولية الدول الصناعية الكبرى عن ما يحدث من تبعات بناءً على ارتفاع حرارة الأرض بسبب الانبعاثات الضارة التي تؤثر بالسلب على غلاف الارض وتؤدي إلى ذوبان الجليد وارتفاع منسوب المحيطات والبحار..وكل هذه التحركات الدولية والقمم والمبادرات والالتزامات غايتها خفض درجة  حرارة الأرض درجة ونصف!
 
 
لقد تنبهت الدولة المصرية في وقت مبكر لأهمية وضع إستراتيجية لها في مجال البيئة وكانت من أهم ركائزها الطاقة الجديدة والمتجددة، فأنشأت محطات توليد الكهرباء بالرياح بمنطقة الزعفرانة بالبحر الأحمر ومحطات توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية في منطقة بمبان بأسوان، مستغلة بذلك ما منحه الله لها من ميزة ،كونها أعلى نقطة سطوع للشمس في العالم.. وذلك بإجمالي 32 محطة شمسية تصل قدرتها 1465ميجاوات وبتكلفة وصلت ل4 مليارات دولار، ماجعل المشروع يحصل على جائزة التميز من البنك الدولي كأكبر محطة شمسية في العالم.
 
 
كما قامت وزارة البيئة المصرية بمشروعات ضخمة لإعادة التوازن البيئي ورفع التلوثات البيئية من خليج السويس بعد عقود طويلة من التلوث البترولي فيه بتكلفة 7 مليار جنيه وكذلك مشروع إعادة التوازن البيئي لبحيرة قارون بتكلفة 10 مليارات جنيه منهم 4 مليارات ذهبت لمصنع استخراج الأملاح الضرورية لوضعها في البحيرة بدلاً من الأملاح الضارة التي لوثتها. كما تم هذا العام 2022  إعلان محافظة جنوب سيناء كلها محافظة خالية من التلوث البيئي .
 
 
وتتابع القيادة السياسية بنفسها تنفيذ الاشتراطات البيئية عند افتتاح كل مشروع قومي كبير، مايعكس اهتماماً حقيقياً وواقعيا بالبيئة المصرية وعودتها إلى سابق طبيعتها.
تجري الآن الاستعدادات  للدولة المصرية لاستضافة  cop27 في مدينة شرم الشيخ في نوفمبر القادم  من 7 إلى 18 والتي سيحضرها رؤساء دول وحكومات و وفود أكثر من 160 دولة  وسيمثل الموقف المصري صوتاً قوياً لإفريقيا ودولها التي لاتمثل حجم الانبعاثات الملوثة للبيئة منها %4 على مستوى العالم فقط، في حين تقف بعض الدول الصناعية الكبرى لوحدها وراء %30 ،،ما يمثل مسئولية واضحة لهذه الدول أمام العالم تجاه الدول الأفريقية والدول النامية بشكل عام.
 
 
يقودنا هذا الواقع العجيب إلى مايسمى بالعدالة البيئية ..وهنا نؤكد أن تحقيق العدالة البيئية يتطلب إقرار نظام يحقق المساواة في كافة تجلياتها الحياتية والتي منها ( العدل التعويضي _ العدل التوزيعي _ العدل الإجتماعي)  وسنجد أن المجتمعات والتجمعات السكانية ذات الدخل المنخفض والأقليات تتحمل في كثير من الأحيان حصة غير متناسبة من الأضرار البيئية وبشكل غير عادل ، فنجدها غالباً ماتكون أماكن للتخلص من النفايات الخطرة وهذا على مستوى دولي، حيث تكون اللوائح والقوانين التي تحكم إدارة النفايات في هذه البلدان ضعيفة أو غير موجودة أصلا!!
لذلك ظهرت تجارة النفايات عبر الدول وعليها ظهرت مصطلحات كالعنصرية البيئية وعلاقتها الوثيقة بحقوق الإنسان ، حيث يمكن تعريفها ب  “ التوزيع غير المتساوي للمنافع البئية وأعباء التلوث على أساس العرق والمستوى الإقتصادي والإجتماعي” .
 
 
إن مفهوم العنصرية البيئية يمتد ليشمل داخل الدولة الواحدة، السكن، التعليم، العمل، الرعاية الصحية، وغيرها من أشكال الظلم البيئي الذي يتقاطع مع علم الإجتماع ومايسمى فيه بالظلم المجتمعي.
وبكل الألم لايمكن أن ننكر أن في العالم الحقيقي.. لايتساوى كل الناس والمجتمعات والأمم…فمثلا في مجال تجارة النفايات وهجرة الصناعات، لايعتبر شحن النفايات الخطرة من المجتمعات الغنية إلى المجتمعات الفقيرة مجرما، ليس فقط لأنها قضية غير أخلاقية بل لأنها يجب أن تكون غير قانونية..حيث يشكل توليد وتجارة النفايات الخطرة أحد أهم القضايا الصحية والبيئية والقانونية والأخلاقية الهامة على المستوى الدولي.
 
 
خلال العقدين الماضيين كانت المصانع الخطرة تهرب من الدول الغنية إلى دول العالم الثالث تحت غطاء العمالة الرخيصة والتشريعات البيئية المتهاونة أو الغير موجودة أصلاً، وبالطبع في بعض دول العالم الثالث يضطر كثير من العمال تحت وطئة الفقر والبطالة إلى العمل في وظائف خطرة ذات رواتب منخفضة ولكنها بالتأكيد أفضل من البطالة بالنسبة لهم..إنه شكل من أشكال الابتزاز الإقتصادي بين الدول في حقيقته. إن البعض يستخدم توفير فرص عمل في الحصول على إعفاءات ضريبية خاصة وامتيازات وتصاريح تشغيل حكومية…بحيث يمنح الفقراء ومجتمعاتهم إختيارا زائغا.. مخادعا، بين التنمية والعمل وبين وظائف خطرة لاتزيد هذه المجتمعات إلا فقرأ وتلوثا على المدى البعيد.. فمثلاً الشركات الأمريكية واليابانية التي تمتلك مصانع تجميع على الشريط الحدودي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك والتي تصل إلى 2000  ميل ،قد تزيد من تفاقم تجارة النفايات وكل ما يترتب عليها من أوجه عدم العدالة البيئية بل العنصرية البيئية….ليذهب المنتج في النهاية للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية ويدفع أكثر من نصف مليون عامل مكسيكي الثمن من صحتهم وباقي الأضرار عليهم.
 
 
ورغم وجود اتفاقية موقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك عام 1983م حول آلية إدارة النفايات الناتجة عن الشركات الأمريكية في المكسيك وإعادة هذه النفايات إلى الولايات المتحدة، وقد تطلب الأمر إخطار وكالة حماية البيئة الفدرالية عند إعادة النفايات، إلا أننا سنجد أن %20 فقط من هذه الشركات أخطرت البيئة الأمريكية بحجم نفاياتها والتي تم إعادتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من أن %86 من هذه الشركات تستخدم مواد كيميائية سامة في عمليات التصنيع..، لكن يبقى السؤال الأخطر، أين تدفن هذه النفايات؟! والجواب مع الأسف في مياه الصرف الصحي والخنادق والصحارى وعلى طول ضفاف نهر” ريوجراندي ريفير فالي “والذي يحصل %95 من سكان المنطقة منه على مياه الشرب ! ولذلك نجد أن كثيراً من المناطق الحدودية هناك معدل تشوهات الأطفال فيها أربعة أضعاف المعدل الوطني.. مثل مناطق براونزفيل وتكساس وماتاموراس الحدودية في المكسيك .. وهكذا الحال في كثير من دول العالم، في واقع غير عادل بيئيا، وهناك الكثير من الملفات السرية، المؤلمة إنسانياً !! 
 
 
إن الواقع البيئي العالمي بتغيراته المنعكسة على البيئة والتي نحن في عالمنا العربي جزء منها، يفرض تنسيقا وعمل عربياً مشتركاً لمواجهة تحديات قد تستخدم في ظاهرها للحد من التلوث البيئي ولكن في حقيقتها، لتحجيم معدل النمو في بلد ما والتحكم فيه إقتصاديا بل قد يصل إلى فرض عقوبات عليه.. غاياتها سياسياً ليس إلا !! 
وعود على بدء، إلى منطقة اللسان في رأس البر بمحافظة دمياط ..، تلك البقعة التي تمثل نموذجا فريدا في التوازن البيئي، لتذكرنا بأن قضايا البيئة الآن تحتل صدارة الأولويات في عمل الدول والحكومات وذلك في إطار إستراتيجية وطنية ملزمة لكل مشروعات التنمية التي تستهدف مفهوم التنمية المستدامة في أرفع تجلياتها الإنسانية.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-04-01 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره