2022-12-01
جهود الإمارات ودورها الريادي العالمي في ملف المناخ
تأتي جهود مكافحة تغير المناخ في الإمارات ضمن منظومة متكاملة من الاستراتيجيات، والتشريعات، والمبادرات والبرامج والمشاريع لحماية البيئة ضمن استراتيجية إماراتية شاملة لمكافحة التغير المناخي، تستند إلى محاور اقتصادية وبيئية وعلمية وسياسية، تتكامل جميعها لتشكل نموذجا ملهما لمختلف دول العالم. وفي مقدمة ذلك يأتي البعد الانساني، حيث تعد الإمارات من أكثر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية في العالم بما قدمته وتواصل تقديمة من مساعدات الإغاثة المباشرة في أوقات الكوارث والنزاعات والتي أدى التغير المناخي إلى تفاقمها.
بقلم العقيد الركن/ يوسف جمعه الحداد
إضافة إلى العمل على تقديم الدعم الفوري للدول الأكثر تضرراً من تداعيات تغير المناخ. من باكستان شرقا وحتى السودان غربا مرورا بالصومال، ومن أفغانستان شمالا وحتى جنوب أفريقيا جنوبا، تواصلت على مدار الأسابيع الماضية قوافل إغاثية إماراتية لتقديم الدعم للمتضررين من الفيضانات في دول مثل السودان وباكستان وجنوب أفريقيا، والزلازل في دول مثل أفغانستان والجفاف في دول مثل الصومال. وثاني هذه المحاور يأتي البعد التاريخي والإرث الحضاري حيث تعد الإمارات سباقة في تبني كل ما من شأنه حماية كوكب الأرض من تداعيات تغير المناخ، فهي الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تدعم وتوقع طواعية على اتفاق باريس للمناخ عام 2015. ويستهدف اتفاق باريس إلى الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى ما دون درجتين مئويتين وتكثيف الجهود لتقليلها إلى 1.5 درجة مئوية. وهذا يفرض تقليصاً شديداً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة وإعادة تشجير الغابات. وتؤكد دراسات عديدة، أن الدول الواقعة على جزر والمهددة بارتفاع مستوى البحر، ستصبح في خطر في حال تجاوز ارتفاع حرارة الأرض 1,5 درجة مئوية.
كما تعد الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تشغل محطة طاقة نووية عديمة الانبعاثات الكربونية، فقبل أيام أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية عن ربط المحطة الثالثة ضمن المحطات الأربع في براكة بشبكة كهرباء دولة الإمارات العربية المتحدة، وإنتاج أول ميجاواط من الكهرباء الصديقة للبيئة من ثالث محطات براكة الأربع.
وتعد محطات براكة للطاقة النووية أول مفاعل سلمي للطاقة النووية في العالم العربي، ومن المتوقع مع دخول كامل المحطات الأربع الخدمة أن يوفر ما يصل إلى 25 في المائة من الاحتياجات المحلية من الطاقة الكهربائية. وتعتبر الإمارات أول دولة في المنطقة تلتزم بخفضَ الانبعاثات على مستوى الاقتصاد بأكمله، كما كانت الدولة الأولى أيضاً في المنطقة التي تعلن عن مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
وكانت دولة الإمارات قد أطلقت في أكتوبر 2021 مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي تستهدف تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 وتعزيز النمو الاقتصادي الفعال إلى جانب التأثير الإيجابي على البيئة. وتعد الإمارات هي أول دولة في المنطقة تطبق تقنية التقاط الكربون واستخدامه وتخزينه على نطاق صناعي واسع، كما سجلت أرقاماً قياسية جديدة لأقل تكلفة لطاقة الرياح، إضافة إلى دورها الرائد في استكشاف البدائل النظيفة مثل الهيدروجين.
ولم تقف طموحات دولة الإمارات عند حدود نشر وتطوير حلول الطاقة المتجددة الاعتيادية بل تبنت أحدث التوجهات العالمية لمصادر إنتاج الطاقة حيث أطلقت أول مشروع صناعي للهيدروجين الأخضر في المنطقة بشهر مايو 2021، كما عملت على زيادة إنتاج الهيدروجين الأزرق بهدف تنويع مزيج الطاقة، واعتمدت كذلك حلول التقاط الكربون المستندة إلى الطبيعة، إذ تعتزم الإمارات زراعة 100 مليون شجرة مانغروف بحلول عام 2030.
وتحتضن الإمارات اليوم 3 من أكبر محطات الطاقة الشمسية وأقلها تكلفة في العالم.
وتطوِّر الإمارات حلولًا متكاملة لمعالجة تغير المناخ، ومنها على سبيل المثال تسريع الاستثمار في التكنولوجيا الزراعية الذكية مناخياً من خلال مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ. وتعهدت دولة الإمارات بتقديم مليار دولار لزيادة الاستثمارات المخصصة لعدة مؤسسات حكومية تعمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً. ويرتكز العمل المناخي لدولة الإمارات على الابتكار والتكنولوجيا، بما في ذلك تعزيز الأمن الغذائي بوساطة “بستانِكَ”، أكبر مزرعة عمودية في العالم تديرها “مجموعة الإمارات” وتنتج أكثر من 1,000 طن من الخضراوات الورقية العالية الجودة سنوياً، إضافةً إلى مزارع العين التي تنتج الفراولة والتوت البري محلياً.
وفي كلمة دولة الإمارات التي ألقاها الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، في مراسم الافتتاح الرسمي لأسبوع المناخ الإقليمي 2022، الذي عقد للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، واستضافته دولة الإمارات في مارس الماضي، أكد الجابر أن دولة الإمارات تتبنى نهجاً شاملاً ومتوازناً للعمل المناخي والتحول في الطاقة، مشيراً إلى سجل دولة الإمارات الحافل في العمل المناخي.
وقال: “تماشياً مع رؤية قيادتنا الرشيدة، وانطلاقاً من دورها الرائد في الإنتاج المسؤول للطاقة، تمتلك دولة الإمارات نظرة واقعية وإيجابية إلى المستقبل، وتتعامل مع التحديات بمنهجية استباقية”. واستعرض الجابر العديد من الأمثلة على هذه المنهجية قائلاً: لقد أوقفت دولة الإمارات عمليات حرق الغاز قبل ثلاثين عاماً من تنبه البنك الدولي لضرورة القيام بذلك، وتعد دولة الإمارات واحدة من أقل الدول في العالم من حيث انبعاثات الميثان في الصناعات الهيدروكربونية بنسبة 0.01%، وذلك قبل 20 عاماً من التعهد العالمي بالخفض التدريجي لانبعاثات الميثان. كما أن الإمارات من الدول الرائدة في تقنية التقاط واستخدام وتخزين ثاني أكسيد الكربون على نطاق صناعي، وذلك قبل أن تعتمدها “اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ” كوسيلة رئيسية لإزالة الكربون. وتعد الإمارات أول دولة تستخدم الكهرباء المولّدة من الطاقة الخالية من الكربون في عمليات إنتاج الموارد الهيدروكربونية”. وأضاف: “كانت الإمارات أول دولة في المنطقة توقّع على (اتفاق باريس للمناخ) وتُصادق عليه، وأول دولة تلتزم بخفض الانبعاثات على نطاق اقتصادي، وكذلك أول دولة تعلن عن مبادرة استراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050”. وقال الدكتور سلطان بن أحمد الجابر: “إن دولة الإمارات تقوم بدورٍ رائد في هذه المجالات التي تركز على إيجاد حلول عملية للتحديات المرتبطة بتغير المناخ، وتنظر إلى هذه التحديات كفرص للنمو يجب الاستفادة منها”، موضحاً أن دولة الإمارات تضع تمويل العمل المناخي ضمن الأولويات باعتباره أحد عوامل التمكين الرئيسية لاستمرار الجهود الفعالة للحد من تداعيات تغير المناخ، داعياً المجتمع الدولي لتوفير تمويل كافٍ ومستدام للعمل المناخي.
وأضاف: “لم يفِ المجتمع الدولي حتى الآن بتعهداته التي قدمها منذ أكثر من عقدٍ من الزمان لتوفير تمويل بقيمة 100 مليار دولار سنوياً لدعم العمل المناخي في البلدان النامية. فنحن بحاجة إلى تحديد أهداف طموحة للمستقبل، والبدء في التعامل مع تداعيات تغير المناخ باعتبارها مخاطر محتملة على الأمن العالمي”. وقال: “تماشياً مع رؤية القيادة، اعتمدت دولة الإمارات منهجية بناء الشراكات وتمويل المشاريع في الدول التي تعتبر أكثر عُرضة لتداعيات تغير المناخ، وذلك انطلاقاً من قناعتنا بأن تعزيز مرونة الاقتصادات المحلية يسهم في تعزيز مرونة الاقتصاد العالمي”.
وحول مساهمة دولة الإمارات في تمويل العمل المناخي العالمي، أوضح الجابر: “قدمت دولة الإمارات ما يزيد على مليار دولار لدعم العمل المناخي في أكثر من 40 دولة. ومن خلال خبرتنا وتجربتنا، لاحظنا أن توفير التمويل المُيسر في البداية، يشجع على توفير التمويل الخاص”. وفي ختام كلمته قدم الدكتور سلطان بن أحمد الجابر دعوة مفتوحة باسم دولة الإمارات إلى الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات المالية وممثلي المجتمع المدني، للمشاركة في إيجاد حلول عمليّة ومدروسة ومنطقية لكل من الحد من تداعيات تغير المناخ، وتعزيز النمو الاقتصادي، قائلاً: “لا يجوز أن نختار واحداً دون الآخر، وأنا على يقين بأنّه بإمكاننا، بل يجب علينا إحراز التقدم في المجالين معاً”.
أمن الطاقة والعمل المناخي
أثبتت الأحداث والتطورات أن أمن الطاقة العالمي لا ينفصل عن العمل المناخي، وأن الدول الرئيسية الضامنة لأمن الطاقة، مثل دولة الامارات هي نفسها من يمكنها أن تتصدر جهود العمل المناخي، وقد انتجت أزمة نقص الطاقة الحالية جراء الحرب الروسية ـ الأوكرانية، دروساً عدة أهمها أن العالم بحاجة إلى كل الحلول المتاحة لتأمين احتياجاته من الطاقة، بمعنى أن المفاضلة بين النفط والغاز أو الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، أو الطاقة النووية، أو الهيدروجين، قد اثبتت أنها خيار غير واقعي، وأن العالم بحاجة إلى مزيج من هذه الطاقات جميعها لضمان أمن الطاقة المستدام، فالحل بات في الجمع بين كل المصادر وليس الاختيار بينها. وهو ما يدفع دولة الامارات إلى العمل على خفض الانبعاثات في مصادر الطاقة التقليدية الحالية، وإلى الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة المستقبلية. وهنا نشير إلى الرؤية الاستراتيجية العميقة التي عبر عنها الدكتور سلطان الجابر حين قال “نحن بحاجة إلى خفض الانبعاثات وليس وقف معدلات النمو والتقدم، فالعالم يبحث عن حلول للتحديات، ولدينا قناعة راسخة بأنّ قطاع الطاقة بإمكانه أن يتحدّ في ظل عالمٍ منقسمٍ لإيجاد الحلول المنشودة، لأن من يصنع المستقبل هو من يأخذ بزمام المبادرة ويقوم بالخطوة الأولى”.
«COP28”: آفاق مستقبلية
منذ أن تمت الموافقة دولياً على طلب دولة الإمارات لاستضافة الدورة الـ28 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “COP 2”، ولأن الإمارات تحرص دائماً على أن تترك بصمة قوية ومؤثرة في كل الفعاليات والأحداث الدولية والاقليمية التي تستضيفها، فقد تسارعت وتيرة الإنجازات الإماراتية في ملف المناخ، وأثمر الفكر الإبداعي الإماراتي عن مبادرات سيكون لها دور مؤثر في توجيه بوصلة هذا الملف المصيري بالنسبة للعالم، إلى وجهة أفضل، ويأتي في مقدمة ذلك المبادرة الخاصة بإنجاز أول تقييم عالمي للتقدم في “ اتفاق باريس للمناخ “، والتي أعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ في كلمته أمام قمة شرم الشيخ، ليحتفظ للإمارات بقصب السبق في رسم مسار الجهود العالمية المتعلقة بالتصدي للتغيرات المناخية، حيث يعتبر قياس تحقيق مستهدفات اتفاقية باريس للمناخ خطوة رائدة لتحديد الخطوات اللازمة والتعرف على الواقع البيئي العالمي بدقة شديدة بعيداً عن الوعود والتعهدات الدولية، لاسيما في ظل ما يثار بشأن التأثير السلبي الناجم عن الحرب الروسية ـ الأوكرانية على التزامات الدول الكبرى حيال البيئة. الأمر الذي يعكس تجاوز الدور الإماراتي على الصعيد البيئي حدود المحلية والاقليمية متماشياً مع دخول الإمارات صمن الدول العشرين الأوائل عالمياً في المؤشرات الثمانية الخاصة بالتغير المناخي والبيئة في عام 2020، ما يدل على أن الجهود الإماراتية كان لها مردود واضح على المستوى العالمي.
وما يضاعف ويعزز مصداقية الإمارات في هذا الملف أنها تبذل هذه الجهود البيئية المكثفة للحد من آثار التغير المناخي، رغم أنها لا تنتج سوى نسبة ضئيلة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مقارنة بالدول الصناعية الكبرى، الأكثر تأثيراً في هذه الظاهرة عالمياً، ناهيك عن أنها تتميز بكونها تبذل جهود جادة ومكثفة للتصدي لتداعيات هذه الظاهرة وحماية الأجيال المقبلة من آثارها، وهو مادعا المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص للمناخ جون كيري إلى الإشادة بإطلاق دولة الإمارات للمبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي بحلول 2050 داعياً جميع الدول لتحذو حذوها.
وتنظر دولة الإمارات دائماً بإيجابية للمستقبل، وترى ضرورة التركيز على الفرص جنباً إلى جنب مع التحديات، كي يمكن التعامل مع الأخيرة بثقة وثبات، والتعاون مع العالم لايجاد الحلول والبدائل لكل تحد من التحديات القائمة في كل قطاع أو مجال، وهو ماعبر عنه الدكتور سلطان الجابر بالقول “تذكر أن الإيجابية والرؤى البناءة والسعي الدائم إلى تحقيق التقدم هي في صُلْبِ نهجنا وجوهره”.
لا يوجد تعليقات