مجلة عسكرية و استراتيجية
تصدر عن مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة
الإمارات العربية المتحدة
تأسست في اغسطس 1971

2016-02-01

حروب الجيل الخامس وتطبيقاتها

تغيـر جوهـري في مجالات الصراع وأدواتـه
 
يتم عادةً التنظير لتطور الحروب من خلال استخدام مفهوم "الأجيال". وفي هذا الخصوص، تتم الإشارة إلى خمسة أجيال في تاريخ الحروب الحديثة. في الجيل الأول، كان الاعتماد على القوة البشرية في المعارك، بتوظيف تكتيكات الصفوف والطوابير من الجنود النظاميين التابعين للدولة، والاعتماد على البنادق، وذلك بعد اختراع بندقية المشاة (المسكيت) والأسلحة التي تُحشى من المؤخرة. ومن أمثلة ذلك الحروب النابليونية في أوروبا (1803-1815).وفي الجيل الثاني، كان التركيز على قوة النيران الكثيفة، بدلاً من حشد أكبر عددٍ من القوات في ميدان المعركة، بعد دخول البنادق والمدافع الآلية الخدمة. ومن أمثلة ذلك الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب العراقية-الإيرانية. 
 
اعداد: د. أيمن الدسوقي
 
وفي الجيل الثالث، كان توظيف المناورة، حيث ركزت الخطط الحربية على استخدام السرعة والمفاجأة لتجاوز خطوط الخصم، وجعل خطوطه الخلفية تنهار. وقد عُرف هذا الجيل بالحرب المتحركة، ومثّل، من وجهة نظر تكتيكية، نهايةً للحروب الخطية أو حروب الصفوف. فالوحدات لا تسعى ببساطة إلى مواجهة بعضها بعضاً مباشرةً، وإنما تسعى إلى المناورة من أجل كسب الأفضلية الأكبر. ومن أمثلة ذلك، الحرب العالمية الثانية، والحرب الكورية (1950-1953)، والحرب العربية-الإسرائيلية عام 1967، وحرب تحرير الكويت عام 1991، وغزو العراق عام 2003.
 
الجيل الرابع والتمرد والإرهاب الشبكي 
أما الجيل الرابع من الحروب، فيشير إلى شكل متطور من حركات التمرد، التي تُوظف الشبكات السياسية والاقتصادية والعسكرية المتاحة؛ من أجل إقناع الخصم بأنّ أهدافه الاستراتيجية غير قابلة للتحقق أو مكلفة للغاية. ويمثل هذا المفهوم عودة إلى الأشكال اللامركزية من الحروب، وإزالة الحدود بين الحرب والسياسة، والمحاربين والمدنيين؛ بفضل خسارة الدولة هيمنتها شبه الكاملة على القوات المتحاربة، ومن ثم العودة إلى أشكال من الصراع كانت شائعة في العصور قبل الحديثة.
وقد قدم مفهوم "الجيل الرابع للحروب" ويليام لِند William Lind في عام 1989، في ورقة مؤثرة نشرها هو وزملاؤه في الجريدة الرسمية لمشاة البحرية.
 
وعلى الرغم من أنّهم كانوا يناقشون تشتت مسرح المعارك ومرونة هيكل القيادة، فإنّهم بشكل أو بآخر توقعوا إمكانية استفادة الجماعات الإرهابية من أفكارهم. وفي هذا الخصوص، كانت كتابات أبو مصعب السوري، المنظر الاستراتيجي لتنظيم القاعدة، عن المقاومة الإسلامية العالمية (2004) أهم تطبيق لنظرية الجيل الرابع من الحروب. وفي هذا الصدد، نشر الجنرال المتقاعد توماسهامز، عام 2006، كتاباً عنوانه "الحبال والصخرة"، أوضح فيه أنّ حركات التمرد والاحتجاجات الشعبية قادرة على هزيمة الدولة من الداخل؛ حيث يمكنها ضرب الشبكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للدولة، ومهاجمة عقول صانعي القرار، وهزيمة إرادتهم السياسية، مع تأكيده أن حركات التمرد من الصعب هزيمتها سياسياً.
 
حدود غير واضحة
والحقيقة أنّ الفواصل بين أجيال الحروب غير واضحة، ولا يمكن الادعاء بتاريخ محدد لانتهاء جيل وبداية جيل جديد. كما أنّ ظهور جيل جديد لا يعني أنّ الجيل السابق عليه انتهى في التطبيق. فمثلاً، تُعبر الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) عن جيلي الحرب الأول والثاني. كما اختبرت الحرب العالمية الثانية تطور فن الحرب من الجيل الثاني إلى الجيل الثالث. وقد بدأت حرب العراق عام 2003 حرباً من الجيل الثالث، ولكن تم استخدام أدوات الجيل الرابع فيها بكثافة فيما بعد.
وبرغم وجود انتقادات أخرى، فإن هناك بعض الفوائد لتصنيف الحروب وفقاً لقاعدة الأجيال. فمثلاً، تتجه الدول الصناعية إلى لعب الأجيال الأول والثاني والثالث من الحروب أفضل من دول الجنوب أو الدول النامية. ويتجه الطرف الضعيف عادة إلى إجادة أدوات الجيل الرابع.
 
حروب الجيل الخامس
وبرغم أنّ هناك تداخلاً بين أجيال الحروب كافة، فإنّ حروب الجيل الخامس تبدو مختلفة عن سائر الأجيال الأربعة للحروب، وتنطوي على تغير جوهري، سواء من حيث مجالات الصراع أو أدواته.
 
وعلى الرغم من توسع مجال الصراع واستخدام القوة من جيل إلى آخر، من البر إلى الفضاء الإلكتروني، ومن المجالات المادية (البرية والبحرية والجوية) إلى المجال السياسي (صراع الإرادة السياسية)، فإنّ مجالات حروب الجيل الخامس "غير مقيدة". وتتراوح هذه المجالات من الحروب الاقتصادية (بما في ذلك استخدام الأدوات المالية والتحكم في الموارد الطبيعية)، والحرب البيولوجية (بمعنى محاولة تغيير أو تدمير البيئة الطبيعية في الدولة المستهدفة)، والحرب البيئية؛ التي تلجأ إلى توظيف الجراثيم أو الفيروسات أو غيرها من الكائنات الحية لنشر الأوبئة بين البشر والحيوانات والنباتات، ومثال ذلك هجمات الأنثراكس عام 2001 ضد مبنى الكونجرس الأمريكي. 
 
كما يندرج في إطار حروب الجيل الخامس حرب المخدرات (بمعنى تعمد إغراق البلد المستهدف بالمخدرات ولو من خلال التعاون مع كارتلات المخدرات) وحرب الفضاء الإلكتروني أو الحرب الإلكترونية؛ التي تستهدف تعطيل المؤسسات الحكومية والبنية التحتية وإثارة الذعر العام وزعزعة ثقة الحكومات والشركات (مثل هجمات ستاكسنت وغناني الأمريكية-الإسرائيلية ضد المنشآت النووية لإيران)، والحرب المعلوماتية؛ بمعنى استخدام المعلومات الملونة والحجج الموجهة والشائعات المروجة؛ بهدف إثارة الرأي العام وجره إلى مواجهات مع دوائر صنع القرار السياسي، وتأكيد "فشل" الدولة المستهدفة.

كما تتضمن حرب المعلومات استخدام الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، من قبل التنظيمات الإرهابية للتجنيد والاتصال والتنظيم والحشد ونشر أيديولوجياتها الراديكالية.
 
وقد أثبت الدارسون الدور الكبير للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عملية التحول إلى الراديكالية، ومساعدة تنظيمات الإرهاب في تشكيل أيديولوجياتهم، بل وفي رسم تكتيكي تهم طرائقهم في تنفيذ عملياتهم، ثم الدعاية لها.
 
ومن مظاهر حروب الجيل الخامس أيضاً استهداف الفاعلين السياسيين الرئيسيين (القادة)، بدلاً من استهداف قواتهم في الميدان. والأمثلة على ذلك كثيرة، وتشمل استهداف صدام حسين في حرب العراق 2003، وقتل معمر القذافي وتصفية أسامة بن لادن عام 2011، واغتيال السفير الأمريكي في بنغازي، كريتوفر ستيفنز (2012). 
 
وتعني فكرة "غياب القيود"، التي تتسم بها حروب الجيل الخامس، أيضاً تلاشي الحدود بين ما يعد سلاحاً وما لا يعد سلاحاً، وبين ما يشكل أرضاً للمعركة وما لا يعد مسرحاً لها، وبين المقاتلين والمدنيين، وبين الدول والفاعلين من غير الدول، وبين ما يعد أفعالاً أخلاقية أو إجرامية وما لا يعد كذلك.
 
الفوضى الخلاّقة ودوامة العنف
إنّ اتساع مجالات الحروب لتشمل المجالات المادية والمعلوماتية والإدراكية والاجتماعية تعني أنّ الصراع لم يعد مقصوراً على القوات المسلحة النظامية، بل يمتد ليشمل الأبعاد الإنسانية كافة؛ ما يجعله حاضراً في كل مجال. 
 
ويندرج في مظاهر حروب الجيل الخامس فكرة جوزيف شومبيتر، عالم الاقتصاد والسياسة الأمريكي (1883-1950)، عن التدمير البنّاء Creative destruction، وهي الفكرة التي تبنتها كوندليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، فيما بعد باسم "الفوضى الخلاّقة"، وتنهض على ثنائية التفكيك والتركيب، وتُلخص نظريتها في كيفية انتقال الدول العربية إلى الديمقراطية وبناء "شرق أوسط جديد". وبصفةٍ عامة، تستهدف النظرية الأمريكية استحداث حالة فوضى في مواقع الصراع بين أطـراف ٍمحلية، تتيح لواشنطن التدخل وتوجيهها لمصلحتها. وقد شهدنا تطبيقاً عملياً لهذه النظرية في العراق. وثمة وجهة نظر تزعم أنّ "الربيع العربي" ما هو إلا أح منتجات الفوضى الخلاّقة الأمريكية.
 
ويستخدم الفاعلون في حرب الجيل الخامس كل وسائل القوة الصلدة والناعمة، المشروعة وغير المشروعة؛ لإجبار الخصم على الرضوخ لمطالبهم أو إسقاطه. بعبارة محددة، ينظر إلى صراعات الجيل الخامس بأنّها مصدر مفتوح للحرب، وتخلق دوامة من العنف. ومن أهم الوسائل التي يلجأ إليها هؤلاء الفاعلون تشكيل تحالفات أو ائتلافات واسعة بين الدول والفاعلين من غير الدول لشن صراع متعدد الأبعاد ضد فاعل دولي آخر.

ومن ذلك شبكة التحالفات التي ترعاها إيران في المنطقة، وتتكون من ميليشيات، بل ومن شبكة من "الجيوش" المحلية في دول الجوار وتنظيماتٍ موصومة بالإرهاب وخلايا نائمة وجواسيس أفراد في عددٍ من دول المنطقة. وقد كرر الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، تحذيراته من أنّ مصر تتعرض لما يُسمى حروب الجيل الخامس. 
 
وكان يشير بذلك إلى الهجمات الإرهابية "النوعية والمركبة" في إقليم شمال سيناء المضطرب، والتي ينفذها تنظيم أنصار بيت المقدس/ولاية سيناء الموالي لداعش والمنخرط في شبكة من التنظيمات الإرهابية هناك. وكان يشير بذلك أيضاً إلى المعلومات المضللة التي تبثها وسائل الإعلام، ولاسيما الأجنبية منها، عن هذه الهجمات، وآثارها، وضحاياها. 
 
حروب شبكية
تتسم حروب الجيل الخامس بانّها حروب شبكية؛ حيث لا يوجد مركز ثقل يعكس الهيكل المؤسسي، وحيث يتم استخدام ديناميكيات شبكية لإحداث تخريب بالأنظمةsystems disruption . وهذه الوسيلة من التخريب تذهب أبعد من التدمير البسيط للبنية التحتية المادية. ويرتبط بذلك سمة أخرى ترتبط بغياب القيادة؛ بمعنى وجود أفراد يعملون وفقاً لتعليمات محددة أو حتى من دون تعليمات محددة مثل الذئاب المنفردة.

ويُشير المفهوم الأخير إلى أشخاص يتصرفون بمفردهم لارتكاب أو التآمر لارتكاب عمليات إرهابية، ولا ينتمون إلى أيّ مجموعة أو شبكة إرهابية منظمة، ويعملون من دون نفوذ مباشر لقائد أو بنية وهيكيلية تنظيمية، ويطوّرون تكتيكاتهم وطرائقهم العملياتية من دون توجيه أو قيادة منظمة. وقد شهد العام المنصرم عدة عمليات إرهابية فردية في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا والشرق الأوسط.
 
وأخيراً، من الصحيح أنّ حروب الجيل الخامس تتسم بالشمولية، حيث تستهدف الدولة والمجتمع معاً، ولكن مواجهتها ليست مستحيلة. ولعل أنجع وسيلة لمواجهة حروب الجيل الخامس هي تدعيم علاقات أجهزة الأمن بالمجتمعات المحلية، وتحصين المجتمعات، وكسب ولاء وثقة الجماعات المستهدفة.
 
المصادر:
Donald J. Reed, “Beyond the War on Terror: Into the Fifth Generation of War & Conflict”, Studies in Conflict & Terrorism”, Vol. 31, Issue 8, 2008.
George Friedman, Beyond Fourth Generation Warfare, ROA National Security Report, September 2007, WWW.ROA.ORG.
William S. Lind et al, "The Changing Face of War: Into the Fourth Generation", Marine Corps Gazette, October 1989.
 


اضف تعليق

Your comment was successfully added!

تعليقات الزوار

لا يوجد تعليقات

اغلاق

تصفح مجلة درع الوطن

2024-02-26 العدد الحالي
الأعداد السابقة
2016-12-04
2014-06-01
2016-12-04
2017-06-12
2014-06-09
2014-03-16
2014-11-02
2016-07-13
.

استطلاع الرأى

مارأيك في تصميم موقع درع الوطن الجديد ؟

  • ممتاز
  • جيد جداً
  • جيد
عدد التصويت 1647

مواقيت الصلاه

  • ابو ظبي
  • دبي
  • الشارقه
  • عجمان
  • ام القيوين
  • راس الخيمة
  • الفجيره