2022-08-02
دلالات الموقف الإماراتي من الحرب الروسية – الأوكرانية
التوازن كان عنواناً حاسماً منذ البداية
لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدة عن أحداث الحرب الروسية – الأوكرانية، التي اندلعت فى الرابع والعشرين من فبراير الماضى، والتي عمت آثارها السلبية والمدمرة دول العالم بأكمله، وتابعت أبوظبي تداعيات الحرب عن كثب منذ اللحظة الأولى، بل تابعت أجواء المشاحنات والمناوشات التي سبقت صوت المدافع فى الفترة الأخيرة قبيل العملية العسكرية.. فإن الموقف الإماراتي كان ومازال واضحاً وضوح الشمس، ودعت الإمارات طرفي الأزمة روسيا – أوكرانيا والدول المعنية الأخرى، إلى تغليب الحوار السلمى كسبيل وحيد وآمن لوقف إراقة الدماء وإنتهاء الخراب، من أول يوم.
بقلم: داليا المتبولي
أستاذ الإعلام بجامعة دمياط المصرية
ففي الأول من شهر مارس الماضي، أى بعد اندلاع الأحداث العسكرية بأسبوع، دعا الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة )آنذاك(، خلال مباحثات هاتفية مع كلا من: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى ضرورة الحل السلمي للأزمة بما يضمن مصالح كافة الأطراف وأمنهما القومي، من خلال تسوية سياسية بما يحقق السلم والأمن العالمي.
اتصال بن زايد برؤساء تلك الدول، كان له دلالاته القوية عن التوازن الإماراتي وأن الحل يكمن في المفاوضات بين الطرفين بهدف تقديم ضمانات لإنهاء الحرب حفاظا على أرواح المدنيين وتغليباً للغة العقل والحوار.
فلا شك أن هذا النهج الإماراتي هو نهج أصيل في سياسة الدولة الخليجية بقيادة الشيخ محمد بن زايد، التي لطالما أكدت على أن السلام بين دول العالم هو السبيل لتحقيق رفاهية الشعوب، وليست الحروب والتوترات والصراعات، وأنه بالحوار والتفاوض يمكن إنهاء الأزمات.
أسباب الامتناع عن التصويت بإدانة موسكو
بعد أن حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، استصدار قرار أمريكي – ألباني، من مجلس الأمن لإدانة العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، امتنعت الإمارات إلى جانب الصين والهند عن التصويت على محصلة القرار الأمريكي، وكان لهذا الامتناع عدة أسباب أولها: أن تأييد طرف في الأزمة الروسية - الاوكرانية على حساب طرف لا يؤدي إلا إلى مزيد من العنف واستباحة الدماء،والسبب الثاني هو: أن موقف الإمارات راسخ إزاء المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض لحلول العسكرية.. وحسب المستشار الدبلوماسي للشيخ محمد بن زايد، د. أنور قرقاش، أكدت الرؤية الإماراتية أن إيمانها بأن الاصطفاف والتموضع لن يفضي إلا إلى المزيد من الدمار والخراب، وأن أولويات الدولة الخليجية هي تشجيع جميع الأطراف لتبني الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة.
بعد هذه الأسباب قاطعة الدلالة على رفض الإمارات التصويت على إدانة روسيا، نستخلص أن أبوظبي الطامحة للعب دور سياسي أكبر على الساحتين الاقليمية والدولية، تميل أيضا إلى الحفاظ على علاقاتها الأمنية والاقتصادية والعسكرية المهمة مع واشنطن، لكن الروابط المتنامية والتقارب الإماراتي – الروسي، في ذات الوقت بات يجبرها على السعي لتحقيق توازن صعب في الموقف.
وعلى صعيد أخر، من المنظور التحليلي لرفض التصويت الإماراتي على إدانة موسكو، هو موضع دولة الإمارات كنقطة هامة وقوية فى الخليج لجذب الاستثمارات الروسية، وتعد وجهة سياحية يقصدها الروس دوما، لاسيما إمارة دبي، وهو الأمر الذى وضعته الإمارات فى الحسبان حفاظا على مصالحها مع روسيا، إلى جانب حركة التجارة القوية بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي، والتى قفزت من حوالى 3 مليارات دولار في العام 2016، إلى أكثر من 5 مليارات دولار في 2021، غالبيتها مع الإمارات والسعودية، وفقا لإحصائيات رسمية.
وأيضا وضع الموقف السياسي المتوازن للإمارات، ملف الطاقة ضمن الأسباب القوية التى دفعته إلى الوقوف على مسافة واحدة، لاسيما أن روسيا بصفتها لاعباً رئيسياً في أسواق الطاقة، حيث توجد علاقة قوية بين مجلس التعاون وموسكو فى «أوبك بلاس»، حيث تتحكمان معاً في الإنتاج لتحقيق استقرار في سوق الأسعار.
استراتيجية الإمارات
لاشك أن استراتيجية الإمارات الحديثة، هي الوقوف على مسافات واحدة بين جميع الدول، فاتخاذ موقف مغاير ومتابين فى أزمة مثل الأزمة الروسية – الأوكرانية، سيضعها تحت فكي الرحى فإما أن تخسر علاقاتها وتحالفها التاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكية وتضع نفسها تحت نيران العقوبات الاقتصادية والسياسية التي ستتعرض لها روسيا وحلفاؤها، أو أن تخسر علاقتها مع روسيا والعلاقات الاقتصادية والعسكرية والتعاون في محطات عديدة مثل سوريا وليبيا.
لذلك فأن الموقف المتوازن الواضح لـ«أبوظبي»، ينسجم مع نشاط السياسة الخارجية الإماراتية الجديد، والذي ينبع من الثقة بقراراتها ونهجها للسياسة العالمية والإقليمية، وعلى ضوء ذلك يتضح أن للإمارات استقلالية بما تكفي، ومؤهلة بما يكفي لاتخاذ هذا التوازن من المواقف، وهو ما يتوافق مع طريقتها الخاصة في فعل الأشياء، وربما لا يتردد صدى هذا الموقف جيدا في الولايات المتحدة الأمريكية الحليفة المباشرة للإمارات، لكن هذه هي الطريقة التي ستسير بها السياسة الإماراتية من الآن فصاعدا.
وترى الإمارات أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تنفصل عن الشرق الأوسط، وليس الأمر متعلق بإدارة بايدن فقط، فقد أعربوا سابقا عن استيائهم من السياسات الأمريكية منذ أن كان ينظر إلى الرئيس الأسبق باراك أوباما على أنه تجاهل مصالح الشركاء العرب خلال ثورات الربيع العربي عام 2011 وعندما وقع على الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، وكذلك برزت مخاوف أبوظبي عندما علقت المحادثات مع إدارة بايدن بشأن محاولة الإمارات شراء طائرات إف -35 أمريكية الصنع، التي أغضبت من قيود واشنطن على استخدامها.
وفي هذا الإطار، يتضح أن الموقف الإماراتي في إطار مصالح أبوظبي مع موسكو في ليبيا وغيرها من دول المنطقة، وأن الإمارات باتت ترى الولايات المتحدة أقل أهمية لمصالحها المستقبلية، لذلك، فإن الإمارات تدرك بشكل متزايد الحاجة إلى تعزيز استقلاليتها الاستراتيجية، وإعادة التفكير في علاقتها مع الولايات المتحدة ، وتجنب التحول إلى بيدق لمواجهة القوى الكبرى.
كما ترتبط الإمارات وروسيا بعلاقات سياسية استراتيجية قوية، وتعد الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا وتستأثر بنسبة 55% من تجارة روسيا الخليجية، وتصنف ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية حيث تأتي بالمرتبة الثانية، كما تعد الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من استثمارات روسيا بالدول العربية. وفي المقابل، فالإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بـ 80% من الاستثمارات العربية فيها.
تصريحات أنور قرقاش.. تأكيد على الرؤية الإماراتية
من فبراير إلى الآن ظلت الإمارات على موقفها الثابت تجاه الحرب الدائرة، ولم يتزعزع موقفها مهما أحدثت المتغيرات الحاصلة فى الساحة الفترة الآخيرة من تداعيات، وهو ما اتضح من التصريحات الأخيرة التى أذاعها الدكتور أنور قرقاش، مستشار الدبلوماسية للشيخ محمد بن زايد- رئيس الدولة الإماراتية، حيث عكست تصريحاته الأخيرة فى 24 يونيو الماضي، حال سياسة الإمارات وحكمتها في التصدي للأزمات الدولية التي يبدو أنها آخذة بالتمدد، فأزمة أوكرانيا لا يبدو أنها قصيرة المدى، وربما ستطول، خاصة مع الحشد الدولي الذي يعطي مؤشراً واضحاً على الاستعداد لأزمة طويلة بين قطبين من أقطاب العالم الحديث.
وبطبيعة الحال فالتغير من سنن هذا العالم، لذا لا شيء مستبعد، والإمارات كدولة مهمة فى المنقطة وتمثل أهمية خاصة فى العمق الخليجي، تعمل وفقاً لمصالحها وقيمها وأخلاقياتها التي تحتم عليها أن تسهم في السلام والاستقرار وتدفع باتجاه تغليب لغة المنطق على لغة الحروب.
مخاطر الأزمة الأوكرانية هائلة جداً على أمن دول العالم، ليس الأمن العسكري فقط بل الأمن الغذائي والطاقة، حيث تضررت معظم الدول من هذه الأزمة، التي تسببت في ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية وشح الكثير من المنتجات الزراعية وعلى رأسها القمح أساس الأمن الغذائي في كثير من الدول، وكذلك أثرت على أسواق المال العالمي بطريقة مباشرة، كل ذلك جزء من هذه الأزمة التي إن طالت وتشعبت وخلقت صراعات أخرى، ربما نكون في انتظار كوارث مالية وغذائية وربما عسكرية، وحتى الآن من غير الواضح متى أو كيف يمكن أن تنتهي.
الإعلام الإماراتى
ورغم إن دولة مثل الإمارات له حساباتها السياسية الخاصة إزاء تلك الحرب، لعدة أسباب منها: التحالف التاريخي مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتقارب الروسي وتبادل المصالح الاقتصادية مع موسكو، إلا أن الإعلام الوطنى للإمارات كان منحازا للحيادية والشفافية فى نقل الأحداث وتحليلها، وتبنى كل الأراء الدولية سواء المؤيدة للموقف الروسي أو الرافضة له، وتعاملت القنوات والصحف والمواقع مع الحدث من من كل جوانبه، مما رسخ مفهوم الإعلام المهنى الحقيقى لا إعلام المصالح.
لا يوجد تعليقات